الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضواء حول حديث: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)
[السُّؤَالُ]
ـ[في معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: جفت الأقلام وأغلقت الصحف.
فيخطر على ذهني مادام كل شيء مكتوبا لماذا خلق الله السموات والأرض والإنسان وهو أعلم بما كان وما يكن وما سيكون؟ أفيدوني فقد أتعبني هذا التفكير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: جفت الأقلام ورفعت الصحف. أن الأعمال قد كتبت في الصحف وفرغ منها، فكل ما يعمله الناس قد علمه الله قبل أن يعملوه وكتبه عنده في اللوح المحفوظ، وهذا لا ينافي الحكمة من خلق الإنسان وأمره بعبادة الله تعالى، ويمكن توضيح ذلك بمثال يدركه الناس وهو أن المدرس الناجح يعرف في الغالب مستوى الطلاب ويمكنه أن يجزم بأن بعض الطلاب بأعيانهم سيرسبون في الامتحان لأن أعمالهم لا ترقى بهم إلى مستوى النجاح، ولكن لو كتب نتيجة النجاح وأنهم راسبون من غير إجراء امتحانات لقالوا ظلمتنا إذ كيف نرسب قبل أن نمتحن فحتى لا تكون لهم حجة عليه مكنهم من الامتحان مع علمه بنتيجتهم ولله المثل الأعلى، وهو العزيز الحكيم، فالله تعالى علم ما الخلق عاملون قطعا وكتب أعمالهم، ومع ذلك مكنهم من العمل وأرسل إليهم الرسل حتى لا تكون للناس حجة على الله بعد الرسل وهم لن يعملوا إلا ما كتبه الله تعالى بعلمه، وكتابة الله لأعمالهم هي كتابة علم سابق لا يمكن أن تتخلف، وليست كتابة إجبار على المعصية، فمن علم الله أنه من أهل السعادة فسيعمل بعمل أهل السعادة، ومن علم الله أنه من أهل الشقاوة فسيعمل بعمل أهل الشقاوة، وما ربك بظلام للعببيد، ومن علم الله قابليته للهدى هداه فضلا منه سبحانه كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ {الأنفال: 23} وكما قال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنفال: 70} ومن علم الله عدم قابليته للهدى أضله عدلا، ولن يهتدي ولو تناطحت أمامه الجبال الرواسي كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ {الأنعام: 111} وكما قال تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا {الأعراف: 146} بل لو وقفوا على النار ورأوها بأم أعينهم ثم ردهم الله إلى الدنيا لعادوا لكفرهم كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام: 27-28} وصدق الله العظيم إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس:44} وكذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 40}
وإننا ننصح السائل الكريم بعدم إشغال فكره بالتفكر في القدر، فإن القدر سر الله تعالى في خلقه، كما قال الإمام الطحاوي في عقيدته: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23} فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.. انتهى.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 102172، والفتوى رقم: 6342، والفتوى رقم:27183.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429