الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزوجت على زوجها الأول
!
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/مسائل متفرقة
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: تزوج رجل بامرأة زواجاً بدون أوراق رسمية، وبعد ستة أشهر دبت بينهما الخلافات التي أدت لأن يتركها، وعلى مدار سنة طالبته بالطلاق، وكان يعدها أنه سيفعل، ولكن بعد أن يستوفي حقوقه المادية منها، ثم تعرفت على رجل آخر وتزوجته دون أن تخبره بالزواج السابق باعتباره كان نصباً واحتيالا عليها، وهي الآن حامل من الزوج الثاني، والزوج الأول يؤكد أنه لم يطلقها، والثاني يؤكد أنه لم يعلم بهذا الزواج السابق، وكل من الثلاثة يسأل عما يلزمه شرعاً؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإن ما فعلته هذه المرأة منكر عظيم، وذنب كبير، وفعل شنيع، وزيجة باطلة، لا شك في بطلان عقد نكاحها من الثاني بإجماع أهل العلم كما قال تعالى: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
…
" إلى أن قال: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم كتاب الله عليكم" [النساء:24،23] ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/256) : (أي وحُرم عليكم الأجنبيات المحصنات وهن المتزوجات "إلا ما ملكت أيمانكم" يعني: إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحد لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن
…
) ، فما دام أن عقد المرأة بزوجها الأول صحيح مستوفٍ لشروطه وأركانه الشرعية من الزوجين الخاليين من الموانع، وحصول الإيجاب والقبول مع توافر شروط النكاح الأربعة وهي تعيين الزوجين ورضاهما، والولي والشاهدان، فإنه يحرم على المرأة أن تبذل فرجها لرجل آخر بحيلة الزواج منه، فهذا محرَّم بالنص والإجماع، وبناء على ما حصل فإنه يترتب على هذا الفعل الأمور التالية:
أولاً: يجب على المرأة التوبة الصادقة النصوح لله -تعالى-، والندم على ما فعلت من ذنب كبير وخطيئة عظمية، وأن تصلح من حالها وتستقيم على طاعة ربها، وتكثر من الأعمال الصالحة.
ثانياً: ما دام أن الزوج الأول لم يطلقها وهي كذلك لم تدع طلاقه لها -كما هو ظاهر السؤال- فهي لا زالت زوجة للأول وفي عصمته، ويجب التفريق بينها وبين الثاني، فلا يقربها؛ فهي أجنبية عنه لكونها في عصمة رجل سابق في عقد صحيح ولا يحتاج هذا النكاح الثاني إلى فسخ؛ لأنه باطل أصلاً لا حكم له.
ثالثاً: إن كانت المرأة عالمة بصحة نكاحها من الأول وفي عصمته فإنه يتوجه إقامة الحد الشرعي عليها لقاء ما أقدمت عليه من الزنا، وإن ادعت الجهل والتأويل لكونها انفسخ نكاحها فيه بمماطلته، ونحو ذلك، فتعزر بما يردعها ويزجرها ويُدرأ عنها الحد لكون الحدود الشرعية تدرأ بالشبهات، ولكنها تعزر عند انتفاء الحد الشرعي، وكان الواجب في حقها على فرض تأويلها وجهلها سؤال أهل العلم والرجوع إليهم قبل الإقدام على الزواج من الثاني، فإن الأبضاع أمرها عظيم يجب الاحتياط لها وحفظها ورعايتها، كما كان الواجب عليها بيان حالها للزوج الثاني، لا أن تدلس عليه وتغشه وتخدعه، لكن بما أنكم في بلد الكفار لا يحكم فيها بشرع الله مما يتعذر معه إقامة الأحكام والحدود الشرعية فإنني أنصح هذه المرأة بضرورة وسرعة التوبة النصوح لله عز وجل ومن تاب تاب الله عليه إن صدق في توبته وأخلص في أوبته.
رابعاً: يجب على المرأة العدة الشرعية لوطء الزوج الثاني لها، فلا يحل لزوجها الأول وطؤها حتى تعتد من الثاني.. وعدتها هنا بوضع حملها لعموم قوله تعالى:"وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن"[الطلاق:4] ، فهي حامل فلا يقربها الأول حتى تضع حملها من الثاني، فإن وضعته حلَّ للأول جماعها.
خامساً: أما إلحاق الولد نسباً، فما دام الزوج الثاني يعتقد حل هذا النكاح من المرأة لجهله بكونها في عصمة رجل قبله فإن هذا الحمل يلحق به؛ لكونه وطئها وطء شبهة، والنسب يلحق الواطئ في وطء الشبهة، كما قرره أهل العلم، فقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني (9/431) فيما لو زوج المرأة وليان فالنكاح للأول، فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما ولحق حملها منه به لكونه وطء شبهة وعليها العدة الشرعية فلا يحل وطؤها للأول إلا بعد انقضائها، وكما ذكر ابن قدامة وغيره من الفقهاء رحمهم الله هذا المعنى فيمن تزوج امرأة في عدتها وهو لا يعلم أنها معتدة أو يجهل تحريم نكاح المعتدة مع أن نكاحها باطل بإجماع أهل العلم، ومع ذلك إن كان وطئها بشبهة الجهل فيلحقه النسب، والأدلة الشرعية دلت على رغبة الشارع في حفظ الأنساب وعدم إضاعتها توجب أن يعتنى بذلك وألا يضاع أي نسب مهما وجد لذلك سبيل شرعي.
وأما إن كان الزوج الثاني عالماً بأن المرأة ذات زوج فلا يلحقه نسب هذا الحمل لكونه زانياً ويتوجب عليه إقامة الحد الشرعي حسب حاله من كونه محصناً أو غير محصن، ولكن - ظاهر السؤال- أن الزوج الثاني لا يعلم بحال المرأة فهو معذور ويلحقه نسب الحمل الذي حملته المرأة منه.
سادساً: ليس للمرأة المهر على الثاني؛ لأنها مكنته من نفسها مطاوعة عالمة بزواجها من الأول فليس لها عليه المهر. (المغني 9/528) . والله -تعالى- أعلم.