الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضاع الكبير
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الرضاع
التاريخ 9/7/1423هـ
السؤال
ممكن تشرح الحديث؛ لأنه التبس عليَّ رضاع الكبير، حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت:"لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها".
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحديث الذي يشير إليه السائل قد أخرجه ابن ماجة (1944) والدارقطني (4/181) وأحمد (36316) وأبو يعلى (8/64) ، وهو ضعيف؛ لأن إسناده يدور على محمد بن إسحاق وقد عنعن، كذلك الحديث في متنه نكارة؛ لأن ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها فيما رواه مسلم (1452) وغيره ليس فيه تخصيص الرضاعة بالكبير، فقد أخرج مسلم (1452) وغيره عنها أنها قالت:"كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" قال النووي رحمه الله يوضح المعنى:"وقولها: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ" هو بضم الياء، ومعناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلا" وعلى هذا فلا يشكل أن يكون الداجن -لو ثبت- قد أكل تلك الصحيفة؛ لأنها من القرآن المنسوخ تلاوته.
والحديث فيه دلالة على أن رجم المحصن الزاني قد نزلت فيه آية من القرآن الكريم كانت تتلا، ومما يدل على نزولها ما أخرجه الشيخان البخاري (6830) ومسلم (1691) وغيرهما عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده" الحديث، ثم إن آية الرجم قد نسخت تلاوتها من المصحف وبقي العمل بما دلت عليه بإجماع الأمة، وإلى هذا المعنى يشير عمر رضي الله عنه في الأثر السابق.
ودل الحديث -أيضاً- على أن رضاع الكبير يؤثر في نشر المحرمية كرضاع الصغير، وهو قول عائشة رضي الله عنها وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد، وأطال ابن حزم الكلام في نصرته، ومن أظهر أدلتهم ما أخرجه مسلم (1453) وغيره من قصة سالم مولى أبي حذيفة وقد كان تبناه وعده ولداً له، فلما نزل القرآن بتحريم التبني شق ذلك على أبي حذيفة وامرأته سهلة بنت سهيل، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما روى مسلم (1453) وغيره- فقالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة" فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
وقد ذهب جماهير الأمة من السلف والخلف إلى أن الرضاع المحرم ما كان في الصغر، ومن أدلتهم ما رواه الشيخان البخاري (2647) ومسلم (1455) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال:"انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة"، قال ابن حجر:"وقوله:"من المجاعة" أي: الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة، هي حيث يكون الرضيع طفلاً لسد اللبن جوعته؛ لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن، وينبت لحمه فيصير كجزء من المرضعة" ا. هـ، ومن أدلتهم: حديث ابن مسعود عند أبي داود (2059) مرفوعاً وموقوفاً قال:"لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم"، ومنها: ما رواه الدارقطني (4/174) وغيره عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
وأصل الخلاف في قصة سالم وإرضاع سهلة بنت سهيل له، فجمهور أهل العلم قالوا: هي قضية عين لا تعارض الأحاديث الصريحة الدالة على أن الرضاع المؤثر ما كان في الصغر بحيث يؤثر في إنشاز العظم وإنبات اللحم مما يصير به الرضيع كجزء من المرضعة، ومن ثمَّ حملوا تلك الواقعة على الخصوص واستندوا في ذلك إلى فهم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عدا عائشة رضي الله عنها، فقد روى مسلم (1454) وغيره من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت:"أبا سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا"، وأما الذين ذهبوا إلى القول بجواز رضاع الكبير وأنه مؤثر، فقد استدلوا بظاهر قصة سالم وعدم وجود ما يخصصها، وأيدوا قولهم بفهم عائشة رضي الله عنها وعملها بذلك حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود (2061) وغيره، وفيه:"فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها".
وقد سلك شيخ الإسلام ابن تيمية طريقة أخرى في التوفيق بين الأدلة، فقال: إن حديث سهلة رضي الله عنها رخصة لمن لا يستغنى عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، وهو مسلك قد أشار إلى قريب منه ابن المواز من المالكية، والله أعلم.