الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزويج المعاقين والمجانين
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/مسائل متفرقة
التاريخ 29/10/1425هـ
السؤال
الأسئلة:
(1)
هل يجوز زواج المعاقين والمتخلفين عقليًّا؟ ولماذا؟
(2)
هل هناك شروط لتزويجهم؟ وهل تنطبق عليهم شروط الزواج؟
(3)
كيف يمكن للمعوق المتخلف عقليًّا القيام بواجباته (واجباتها) الزوجية؟
(4)
هل يقبل الإسلام ذرية معوقة ومتخلفة عقليًّا؟
(5)
كيف يمكن أن نتعامل مع زواج المعوقين والمتخلفين عقليًّا؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد ذهب جماهير أهل العلم إلى جواز تزويج المجنون أو المجنونة، فضلًا عمن دونه كالمعتوه- وهو ناقص العقل- إذا احتاجوا له، ونص بعضهم على الوجوب إذا ظهرت رغبته في النساء بظهور أمارات توقانه بدورانه حولهن، أو يتوقع شفاؤه بالوطء بقول طبيب عدل، أو يحتاج إلى متعهدة ولا يوجد في محارمه من يقوم بذلك- انظر شرح البهجة لزكريا الأنصاري (4/111) ونهاية المحتاج (6/246) - وكذا المجنونة إن احتاجت للوطء أو النفقة- كما في المغني (7/36) ونهاية المحتاج (6/246) - ونص بعض المالكية على أنه إن كان لا يخشى منه فساد لم يزوَّج، وإن خُشي منه ذلك زُوِّج- انظر مواهب الجليل (3/458) . والمراد بالمجنون: المطبق جنونه، وإلا فلا يزوج إلا في حال إفاقته وإذنه- انظر حاشيتي قليوبي وعميرة (3/238) - كما أنه ليس لولي المجنون أن يزوجه أكثر من واحدة لاندفاع الحاجة بها لكون الضرورة تُقدر بقدرها- انظر الأشباه والنظائر (85) وحاشية ابن عابدين (3/84) - وقد أجاز زواج المجنون بعض الصحابة، رضي الله عنهم، قال علي، رضي الله عنه:(أيما رجل تزوج امرأة مجنونة أو جذماء أو بها برص أو بها قرن فهي امرأته إن شاء أمسك وإن شاء طلق) . رواه الدارقطني 3/267. فهنا لم يُبطل النكاح ابتداء، بل وقفه على رضا الطرف الآخر.
أما ما يتعلق بالإعاقة البدنية كالشلل وغيره فهذا بلا شك أنه غير مانع من موانع صحة النكاح، ولا مبطل له إن علم الطرف الآخر بذلك قبل النكاح أو بعده ورضي به، أما إن لم يرض بذلك فله فسخ النكاح.
أما ما يتعلَّق بشروط وأركان النكاح فلابد أن تتوافر بهذا العقد، وإن تخلَّف أحدها لم يصح النكاح. وأشير إلى أن من شروط صحة النكاح الإيجاب والقبول، ولكن إن كان الزوج مجنونًا فالقبول يكون من وليه الشرعي كوالده، وإن لم يكن له ولي شرعي فوليه الحاكم أو من ينيبه؛ لما روته عائشة، رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَن لَا وَلِيَّ لَهُ". رواه أبو داود (2083) وابن ماجه (1879) والترمذي (1102) وحسنه.
أما ما يتعلق بكيفية قيام المعوق أو المعوقة بالواجبات الشرعية فكل منهما يقوم بما يستطيع القيام به؛ (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا)[البقرة:286] . أما ما لا يستطيع القيام به فالواجب على وليه القيام به، أو تأمين من يقوم به كخادم أو غيره، وإن لم يكن له ولي فتأمين ذلك واجب على ولي أمر المسلمين، فعليه القيام بذلك وتأمينه من بيت مال المسلمين.
أما هل يقبل الإسلام بذرية معوقة ومتخلِّفة عقليًّا؟
أقول: ليت السؤال لم يطرح بهذه الصياغة؛ لأن الذرية المتخلفة عقليًّا ليست مقصورة على أولاد المتخلفين عقليًّا، فكم رأينا من أولاد متخلفين عقليًّا مع كون والديهم من أصح الناس عقلًا وبدنًا، كما أنه يوجد أولاد أصحاء بدنيًّا وعقليًّا مع تخلف والديهم، فلا يمكن القطع بأن أولاد المتخلفين عقليًّا سيكونون كذلك، ولكن قد يكونون، ومن هنا نقول إنه إذا ثبت طبيًّا أن زواج المتخلفين عقليًّا سينتج عنه أولاد متخلفون فهنا لا بأس بمنع الإنجاب، بحيث يقضيان وطرهما من غير أن يترتب على ذلك حمل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ". حديث حسن رواه أحمد (2865) وابن ماجه (2341) وغيرهما من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وبهذا نحصِّل مصلحة قضاء المعوق حاجته الجنسية، وندفع ما قد يترتب على ذلك من ذرية متخلفة، وأشير هنا إلى أن لله تعالى حكمًا في خلقه للمتخلفين، فهو سبحانه لا يخلق شرًّا محضًا- كما في الحديث:"والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ". رواه مسلم (771) ، من حديث علي، رضي الله عنه بل لحكمة علمها سبحانه وتعالى، ولعل منها امتحان والديه بذلك، قال تعالى:(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء:35] . وكذا ظهور عبادة الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بذلك وغيرها كثير.
أما كيف نتعامل مع زواج المعوقين والمتخلفين عقليًّا؟
فأقول: إن هؤلاء المعوَّقين والمتخلِّفين عقليًّا هم جزء من المجتمع لا محالة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التخلص منهم، وحيث تقرر ذلك فلابد من التعايش معهم وقضاء حاجاتهم، وقد أوجب علينا ديننا الحنيف الإحسان في كل شيء، قال تعالى:(وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195] . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ كتَب الإِحْسَانَ علَى كلِّ شَيْءٍ". رواه مسلم (1955) ، من حديث شداد بن أوس، رضي الله عنه. ومن الإحسان بهم تزويجهم إن احتاجوا لذلك على ما فصلته أعلاه، وتزويجهم مع القيام برعايتهم خير من تركهم يتضورون ألمًا مع آلامهم. أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين إنه جواد كريم. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.