الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثرة الطلاق حال الغضب
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /طلاق الغضبان والسكران والمكره
التاريخ 17/09/1425هـ
السؤال
إخواني الأعزاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال هو: إن والدي- سامحه الله- سريع الغضب، ولكنه في الواقع ذو قلب رؤوف حنون، ولكنه عندما يغضب لا يدري ما يقول، ومنذ 15 عامًا كان بينه وبين والدتي مشاكل كانت تؤدي به دائمًا للغضب، ولربما كان يحلف أيمان طلاق عندما كان الغضب يتملكه تملكًا لا يعلم به إلا الله عز وجل، ولقد سبق أن حلف يمينًا بعدم مواطأة والدتي ومعاشرتها معاشرة الأزواج، وهما الآن وإن كانا في بيت واحد إلا أن أمي قد أبلغت زوجتي بأن العلاقة بينهما هي علاقة طعام وشراب، والخدمة التي تقوم أمي بها تجاه والدي من غسيلٍ وكيٍّ وخلافه، علمًا بأن أعمارهما تجاوزت الستين وما عاد في العمر أكثر مما مضى- والله تعالى أعلم. ولذلك فإنني أطلب منكم أن تبينوا رأي الشرع في موضوع تلك الأيمان، هل هي نافذة أم لا؟ وخصوصًا في ساعة الغضب التي أعلمها جيدًا في والدي والتي من خلالها يصبح لا يدري ما يقول، حتى إذا هدأ بدا على غير ذلك
…
لقد سبق وأن سمعت من أحد المشايخ على الراديو بأن الطلاق في عصرنا هذا أصبح مقنَّنًا في المحاكم، وما دام لم يطلق في المحكمة فالطلاق غير ساري المفعول، وإلا عمت الفوضى، فهل في ذلك أثر شرعي؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن الغضبان لا يخلو من ثلاثة أحوال:
الأولى: ألا يتغير عقله بالغضب، فحينئذ تنعقد يمينه ويقع طلاقه بالاتفاق.
الثانية: أن يتغير عقله بالغضب حتى لا يعلم ما يقول، فحينئذ لا تنعقد يمينه ولا يقع طلاقه بالاتفاق.
الثالثة: أن يتغير عقله بالغضب حتى لا يستطيع أن يملك نفسه، فحينئذ فانعقاد يمينه ووقوع طلاقه محل خلاف بين الفقهاء على قولين؛ أصحهما: عدم انعقاد يمينه وعدم وقوع طلاقه. وهو أحد الأقوال في مذهب المالكية، واختيار القاضي إسماعيل بن إسحاق، كما قاله ابن القيم- رحمه الله في إغاثة اللهفان (ص 31)، وقال ابن القيم: وقال بذلك جماعة من السلف والخلف، واختاره من لا يرتاب في إمامته وجلالته، وكان يقرن بالأئمة الكبار، إسماعيل بن إسحاق. إغاثة اللهفان (ص50) . وهو قول علي وابن عباس، رضي الله عنهم، وبه قال طاوس، واختاره ابن القيم حيث قال: والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا. إغاثة اللهفان (ص39) . ورجحه الشيخ العلامة محمد بن عثيمين- رحمه الله حيث قال: والقواعد تقتضي أنه إذا غضب غضبًا لا يملك نفسه، أو غضب غضبًا بحيث لا يدري ما يقول، فإنه ليس عليه كفارة؛ لأن يمينه في هذه الحال لم تنعقد. انتهى من تعليقه على صحيح البخاري. وقال ابن مفلح- رحمه الله في الفروع (5/365) : والقياس على المكره يدل على أن يمينه لا تنعقد ويخص ظاهر الدليل بهذا. ا. هـ
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد اختار عدم وقوع طلاقه، ومقتضى ذلك أنه لا يرى انعقاد يمينه أيضًا.
والأدلة على عدم وقوع طلاقه وعدم انعقاد يمينه كثيرة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا طَلاقَ ولا عَتَاقَ في إِغْلاقٍ". أخرجه أبو داود (2193) وابن ماجه (2046) ، فالإغلاق يتناول كل من انغلق عليه باب قصده، وعلمه وتصوره، كالمجنون والسكران والمكره والغضبان.
قال الإمام أحمد- رحمه الله في مسائل ابنه عبد الله: كل من كان صحيح العقل فزال عقله عن صحته فطلَّق فليس طلاقه بشيء. ا. هـ إغاثة اللهفان (ص 64) ، وهذا أولاً.
ثانيًا: أن مثله من تغير عقله بسبب سحر أو وسوسة، أو مرض نفسي، أو شكوك وأوهام.
ثالثًا: أن من حلف بالطلاق على نفسه أو على زوجته، أو على أي أحد- كما في سؤالك- ثم حنث فلا يلزمه طلاق، ولا يقع منه، وإنما عليه كفارة يمين؛ لأنه لم يرد الطلاق أو إيقاعه، بل هو أكره الأمرين إليه، وإنما يريد الحث والمنع، وهذا هو معنى اليمين، وقد سمَّى الله التحريم يمينًا لتضمُّنه معنى اليمين، وإلا فليس الحلف بالطلاق والتحريم ونحو ذلك يمينًا من حيث اللفظ، وإنما هو يمين من حيث المعنى، ولذلك فلا يدخل صاحبه في قوله صلى الله عليه وسلم:"مَن حلَف بغيرِ اللهِ فَقَد كَفَر أو أَشْرَك". أخرجه أبو داود (3251) والترمذي (1535) ؛ لأنه ليس بيمين من حيث الصيغة واللفظ، وإنما من حيث المعنى كما تقدم.
رابعًا: أن القول بأن الطلاق لا يقع إلا في المحاكم باطل غير صحيح، مخالف لإجماع المسلمين، وهو قانون وضعي لا يعتد به لمخالفته الإجماع، فمتى طلق المرء مختارًا وقع طلاقه في أي مكان، مالم يوجد مانع من ذلك. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
(1)
إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان.
(2)
إعلام الموقعين (4/47-50) .
(3)
زاد المعاد (5/215) .
(4)
الفروع.
(5)
الإنصاف (8/432-433) .
(6)
تهذيب السنن (3/117-118) .
(7)
مختصر الفتاوى المصرية (ص696) .
(8)
تعليق الشيخ ابن عثيمين على كتاب الأيمان والنذور من صحيح البخاري شريط رقم (1) .