الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابطة العالم الإسلامي
(4539- إنشاء مجمع علمي بمكة المكرمة أيام موسم الحج)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبد العزيز أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
ثم حفظكم الله لقد اطلعت على خطاب أمجد الزهاوي لجلالتكم حول عرضه فكرة إقامة (مجمع علمي) واستنسابه أن يكون مركز هذا المجمع القدس أو المدينة المنورة. وجوابكم عليه رقم 13/1959 وتاريخ 13/10/1376هـ.
وأعرض لجلالتكم حفظكم الله أنني أرى أن لا بأس أن يوافقوا على مطلبهم كله بل على شيء مما يحصل به التعارف والبحث في المهمات الدينية، على وجه بعيد عن النزاع والشقاق، لتفويتهما النتيجة الصالحة، ولا يطلق لهم ذلك على تصورهم، فإنه غير خاف على جلالتكم ما لكثير من النزعات والأغراض الشخصية أو القومية مما يخرج ذلك المجمع عن ما عنون عنه به.
كما أني أرى من المصلحة والأنفع أن يكون ذلك المجمع بمكة المكرمة أيام موسم الحج لجمعه العلماء من كافة طبقات الأرض، ولا أرى أن يخصص لذلك المجمع دار، بل يكفي إذا حصل الاجتماع مجلسين أو ثلاثة: إما في مجلس من مجالس أحد قصور الحكومة، أو في دارنا، أو حيث يراه جلالتكم.
الحاصل أن تخفيف هذا الشأن والتجوز فيه خير من التكلف، ومن كان فيه قصد خير وإصلاح، فإن ذلك مبدأ يحصل منه مقصوده من الخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ص/م 2034 في 3/12/1376هـ)
(الهدف من إنشاء الرابطة)
(4540- كلمة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في 15/12/1382هـ)
الحمد لله، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.
أيها العلماء الكرام، والفضلاء الفخام، تعلمون أن هدف هذه الندوة الوحيد هو التعارف، وإيجاد رابطة تتسم بروح دينية حقة، وبحث مشاكل المسلمين الدينية والدنيوية، وإيجاد الحول العلمية لها، ولا سيما مشكلة واقع المسلمين، وما أصيبوا به في دينهم من التغيير والتبديل، وتسليط العدو بسبب ما اقترفته أيديهم من تفريط وإهمال وإعراض عن ذلك، وما دسه أعداء الدين على الإسلام من دسائس لقصد القضاء على الإسلام، لهذا يجب علينا أن نتكاتف، ونصيير طائفة واحدة في نصرة الحق، وإقامة العدل، وتفنيد الباطل، مستمدين ذلك من القرآن الكريم الذي:{لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} . ومن صحيح السنة النبوية التي هي شقيقة القرآن، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه".
ونعطيهما من واجب التدبر والتأمل والقيام لله شهداء بالقسط ما يتضح به الصراط المستقيم، ويستنير به الطريق، وينفلق به صبح الحق، وينهزم به ليل الباطل، حتى نقوم بحقيقة ما بعث الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من الدين الذي أصله عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، وهذا هو حقيقة كلمة الإخلاص التي هي أصل ملة الإسلام (لا إله إلا الله) ونثبت لله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من "الأسماء والصفات" إثباتاً بريئاً من التمثيل، وننزهه من جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهاً بريئاً من التعطيل، ونفرد رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالطاعة وتحكيم ما جاء به عند التنازع، عملاً بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} . وأن ندعو إلى الله على بصيرة كما هي طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وطريق أتباعه
إلى يوم القيامة، كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} . وأن نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر، وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخشى في الله لومة لائم، وأن يكون هدى من ضل واستقامة من زل من المسلمين وحصوله على العلم الشرعي بعد جهله به أحب إلينا مما يفرح به، وأن نجاهد الدولة الكافرة الجائرة الظالمة المغتصبة لحقوق المسلمين ومواضع عديدة من بلادهم وضرورة ذلك فوق كل ضرورة، وأن نعد لهم من القوى المعنوية والحسية غاية ما نستطيعه، عملاً بقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} .
وأن نقوم حول أي طائفة حادت وامتنعت عن التزام شيء من الشرائع المجمع عليها من تحريم دماء المسلمين وأموالهم ونحو ذلك بما يجب من إقامة الحجة الشرعية وكشف الشبهة، حتى تقوم عليها الحجة، وتتضح لها المحجة، لترتدع عن ما اقترفت، وتتلافى عثراتها التي اشتهرت، والحق مؤيد ومنصور، والباطل مردود ومدحور.
وإذا قمنا بما تقدم حق القيام علماً واتقاداً وتعليماً ودعوة إليه وجهاداً فيه ظاهراً وباطناً صرنا متحققين وعاملين بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف. ونكون أيضاً عاملين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تُناصِحُوا من وَلاّءُ اللهُ أمْرَكُمْ".
والسلام عليكم
(ص/م في 15/12/1382هـ)
(4541- فضل الدعوة على الله - ألقيت في اجتماع رابطة العالم الإسلامي بمكة)
الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأصلي وأسلم على خير خلق الله، وأكرهم عليه وأرفعهم عنده منزلة، عبده ورسوله محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، ودعا بدعوته، ودافع عن ملته إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله وبيان ما بعث الله به أنبياءه ورسله عليهم السلام للناس هي سبيل رسول الله وسبيل أتباعه إلى يوم القيامة، قال تعالى لنبيه عليه السلام:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} . وهو واجب على كل مسلم بحسب مقدرته واستطاعته، وهو على أهل العلم أوجب، وفي حقهم آكد، لأنهم المبلغون عن الله ورسوله، وهم ورثة الأنبياء، ومن كان لديه ميراث النبوة فواجبه أعظم، والمسئولية تقع عليه أكبر، فلديهم طلب القلوب وعلاجها، وقد وصفهم الرسول عليه السلام بالعدل حيث قال:"يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". فهم لهذا مسموعو الكلمة، مقبولو النصيحة، فإذا قاموا بالواجب الملقى عليهم تمام القيام صلحت الأحوال واستقامت الأمور، وقد أوجب الله عليهم التبيين للناس وحرم عليهم الكتمان، وأخبرنا أنه أخذ الميثاق على من قبلنا ونحن مثلهم فقال:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} . وقد قال الرسول عليه السلام: "بلغوا عني ولو آية".
والناس في هذه الأزمنة بحاجة إلى الدعوة أكثر من حاجتهم لها في أي وقت مضى، حيث قد كثرت دواعي الشر، وتفشت الإباحة والانحلال الخلقي، وجاءت بأثواب مختلفة، وتحت شعارات براقة خداعة، وغزت قلوب الشباب أيما غزو، كما كثرت البدع والخرافات، وظهرت المبادئ الهدامة المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ دعاتها أزمة التوجيه فأفسدوا ما بقي مع المسلمين من دينهم أو كادوا، والتقى أعداء الإسلام من أصحاب الديانات المختلفة وحملة المبادئ الملحدة على صعيد واحد، وهو محاربة الإسلام والصد عنه بشتى الوسائل، وتألبوا عليه، وجاءوا من كل حدب وصوب. ولما رأى المخلصون هذه الحالة ساءهم يوم الإسلام الحاضر، وأشفقوا من غده
المظلم، ففكروا في إقامة مؤتمر إسلامي يعقد بمكان تلتقي فيه أنظر المسلمين في الشرق والغرب، وتهفوا إليه أفئدتهم، فلم يكن بد من أن يتفق الرأي على أن هذا لا يكون إلا بمكة المكرمة، حيث أنها منبع الهدى والنور، وفيها بيت الله العتيق قبلة المسلمين ومتجههم في العبادة، وفيها إقامة خامس أركان الإسلام، وتم عقد ذلك المؤتمر فيها بتوفيق الله ثم بمساعي من يهمهم أمر الدعوة الإسلامية، وذلك في موسم حج عام 1381هـ وحضره جمع كبير من علماء المسلمين وأعيانهم ممن قدموا، وقد بحثت في هذا المؤتمر المشاكل الإسلامية، ورسمت الخطط للسعي في إيجاد حلول صحيحة لها، وقد انبثق عن هذا المؤتمر "رابطة العالم الإسلامي" وعقدت جلساتها في مواعيدها المقررة لها، وقد قامت هذه الرابطة خلال العام الماضي بنشاط ملموس في سبيل الدعوة، ومساندة الحركات الإسلامية مادياً ومعنوياً، وسوف تؤدي واجبها كاملاً في المستقبل بإذن الله.
وإن من دواعي الغبطة إصدار الرابطة لهذه المجلة باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية مما سيكون له أكبر الأثر في نشر الدعوة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم إن شاء الله، وسيعرف العالم بواسطتها أهداف الرابطة وأغراضها، وستنال التشجيع الكامل من جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض إن شاء الله.
أسأل الله أن يحقق لهذه الأمة النصر، ويعيد لهذه الملة نظارتها وهيبتها، ويعيد للعالم الإسلامي مجده التليد، إنه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(ص/ م 744 في 28/12/1382هـ)
(4542- هدف الرابطة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوان المسلمون - في هذه الفرصة المباركة التي من الله علينا فيها بهذا اللقاء ويسر لنا هذا الاجتماع، أبدأ حديثي إليكم الساعة عن هدف هذه الرابطة، فأقول: إن هدفها هو التذاكر، وعرض المشاكل التي تعترض طرق تبليغ
الدعوة إلى الإسلام، ثم العمل على إيجاد الحلول العلمية تجاه ذلك، والخروج بنتيجة تضمن إن شاء الله حصول المقصود من أداء فريضة الله علينا في تبليغ هذه الدعوة وشرح مبادئها، ودحض الشبهات عنها، ومجاهدة المؤامرات الخطيرة والمبادئ الهدامة التي يدبرها أعداء هذا الدين، بقصد فتنة المسلمين وصدهم عن دينهم، وتفريق صفوفهم، وتمزيق شملهم ووحدتهم وأخوتهم - لا بلغ الله هؤلاء الأعداء مرادهم، ولا ألحقهم مقصدهم ومرادهم - هذه المؤامرات وهذه المبادئ الهدامة وهذه الدسائس التي دسها أعداء الدين على الإسلام لقصد القضاء عليه هي أهم ما يجب أن نبحث في اجتماعاتنا هذه، وهي أهم ما يجب أن نصرف عنايتنا في محاربته ودحضه، ونتكاتف ونصير طائفة واحدة في نصرة الحق وإقامة العدل ومجاهدة الباطل والقضاء عليه، مستمدين ذلك من القرآن الكريم الذي:{لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} . ومن صحيح السنة النبوية التي هي شقيقة القرآن، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه".
ونعطيهما من واجب التدبر والتأمل والقيام لله شهداء بالقسط ما يتضح به الصراط المستقيم، ويستنير به الطريق، وينفلق به صبح الحق، وينهزم به ليل الباطل، حتى نقوم بحقيقة ما بعث الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من الدين الذي أصله عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، وهذا هو حقيقة كلمة الإخلاص التي هي أصل ملة الإسلام (لا إله إلا الله) ونثبت لله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات إثباتاً بريئاً من التمثيل، وننزهه من جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهاً بريئاً من التعطيل، ونفرد رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالطاعة وتحكيم ما جاء به عند التنازع، عملاً بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .
أيها الإخوان يجب أن تكون دعوتنا إلى الله على بصيرة حتى نطبق في ذلك طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وطريق أتباعه بقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} . وأن نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر، وأن نقول الحق حينما كنا لا نخشى في الله لومة لائم.
أيها الإخوان لقد تقدمت لنا ثلاثة اجتماعات قبل هذا الاجتماع، أولهما في ذي الحجة عام 81هـ والثاني في رجب عام 1382هـ والثالث في ذي الحجة عام 1383هـ وهذا هو الاجتماع الرابع، فينبغي أن نستعرض في هذا الاجتماع ما حققته تلك الاجتماعات الثلاثة السابقة نحو هذا المهم العظيم الذي أسلفته، وهذا الواجب المقدس الذي مر ذكره، إنني متفائل خيراً إن شاء الله، وراج من المولى الكريم سبحانه أن يكتب لاجتماعنا هذا التوفيق والنجاح، وأن يكون على خير ما يجتمع من أجله المسلمون، وعلى أفضل ما يعمل له العاملون المخلصون، في هذه البقعة المقدسة الطاهرة التي شهدت طلائع الجهاد في سبيل الله، وارتفع منها أول صوت بالدعوة إلى الله، وأشرقت من أباطحها ونجودها أنوار المثل العليا التي لا سبيل لمثل سواها في حياة المسلمين، والمبادئ الكريمة التي لا نجاح لهم ولا انتصار لجهادهم ولا عزة لشأنهم ولا منعة لكيانهم إلا بأن يعودوا إليها وأن يتمسكوا بجوهرها، وأن يعيشوا لها مؤمنين بأنها سبيلهم إلى النجاح والفلاح في دنياهم وأخراهم.
واختتم كلمتي هذه بالدعاء والتبهل إلى الله العلي القدير أن يجمع قلوبنا على الحق، وأن يمنح الجميع العون والتوفيق لما فيه الخير وصالح الإسلام والمسلمين، وتحية لإخواني الحاضرين، وبعون الله أعلن ابتداء افتتاح هذا المؤتمر، وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه. (عام 1384هـ) .
(4543- كلمة سماحة الشيخ في حفل التعارف الذي أقيم بمكة مساء يوم الأحد 14/2/1383هـ) .
أيها الأخوة في الله أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة اله وبركاته.
ويسرني أن أرحب بكم في مهوى أفئدة المسلمين ومقر قبلتهم أجمل ترحيب، وإني لأقدم لكم أعمق الشكر وأبلغ التقدير لتكرمكن بتلبية الدعوة لحضور هذا الاجتماع.
وإنها لفرصة مباركة أن نلتقي في هذه البقعة الطاهرة المقدسة مهبط الوحي ومصدر إشعاع الإسلام، وأن نجتمع في شتى الأقطار، ومختلف الأجناس والألوان في إطار الأخوة الإسلامية الصادقة، وعلى صعيد العقيدة المحمدية الواحدة، عقيدة التوحيد التي في ظلها ساوى الإسلام بين الجميع، لا فضل
لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، ولعل ما يتميز به الإسلام على جميع النظم ويعتز به المسلم الصادق هو أن هذا الدين الحنيف قد محى فوارق العنصر والجنس واللون، حتى إنه من القواعد الاجتماعية التي أرساها هذا الدين وطبقها علمياً هو أن الزنجي المسلم أشرف وأفضل وأولى بالنصر والتأييد من الهاشمي العربي غير المسلم، وهذا ما لم تصل إليه أرقى دول العالم حضارة وتمدناً حتى يومنا هذا.
وما هذا الاجتماع الذي منّ اله به علينا في هذا المكان من مكة المكرمة إلا إحدى منافع الحج التي يحصل عليها المسلمون نتيجة شهود هذا الموسم الذي فرض الله شهوده على كل مسلم ومسلمة.
ولا شك أن جمع الحج بين هذه الأمم الإسلامية من شتى الأقطار ومختلف الأجناس هو فرصة يجل أن لا تفوت، فرصة يجب على حكام العالم الإسلامي وعلمائه ومفكريه أن يغتنموها ليجتمعوا حول مائدة يضعون عليها مشاكل المسلمين ومآسيهم التي تزداد يوماً بعد يوم تحت عوامل خارجية وداخلية، تحركها الصليبية والإلحاد وحب التسلط، إن حوادث الاعتداء على المسلمين من تقتيل وتشريد وظلم تتكاثر وتتسع نطاقها كل يوم، وهذا ما يجب أن يتنبه له المسلمون (وخاصة ولاة الأمر فيهم) ليضعوا حداً لهذه الحوادث التي يجب عند بحثها أن لا يفرقوا (بسبب الجنس أو اللون أو الوطن) بين من يتعرضون لهذه الحوادث، فالمسلمون كلهم سواء.
وإذا لم يبحث المسلمون مشاكلهم بأنفسهم ويجتمعوا للتشاور لحلها بمحض اختيارهم فمن يا ترى الذي سيفعل لهم هذا؟؟ إن آمال المسلمين وآلامهم يجب أن ينظر المسلمون وحدهم فيها، وأن ينصتوا لأصواتها التي تزداد وترتفع كل ما مر الزمن.
إن رابطة العالم الإسلامي (وهي رابة علماء بحتة) تحاول جهدها ونفي حدود إمكاناتها القيام ببعض ما يجب عليها نحو الشعوب الإسلامية على مختلف أجناسها وألوانها وتباعد أقطارها، ولا شك أن الكثير من إخواننا المسلمين قد لمسوا بأنفسهم نتائج بعض الأعمال المثمرة التي قامت بها الرابطة في مختلف الحقول، والوقت الآن لا يمسح بأن نتحدث بالتفصيل عما قامت به الرابطة أعمال في سبيل الإسلام والمسلمين، ولذا فنحن نترك هذا للوقت
المناسب، وقد كان بودنا أن ندعو إلى عقد مؤتمر إسلامي عام بعد هذا الحج، ولكننا لأسباب مختلفة لم نتمكن من ذلك، ولهذا فإنه (بإذن الله) سيعقد مؤتمر إسلامي كبير بعد حج عام 1384هـ وإن الدعوة ستوجه في حينها إلى من يجب أن يحضروا هذا المؤتمر من مختلف أقطار العالم الإسلامي، ونرجو أن يكون ذلك عملاً مثمراً يعود بالنفع العلمي على جميع المسلمين.
غير أن الذي أحب أن أقوله بل ويجب أن أقوله هو: أن قيام رابطة لعلماء العالم الإسلامي لا يكفي وحده للنظر في مشاكل المسلمين المختلفة ووضع الحلول العلمية لهذه المشاكل وأهمها المشاكل الدامية التي يتفاقم أمرها يوماً بعد يوم في فلسطين وإفريقيا وقبرص والهند وكشمير واليمن وعمان وغيرها من الأقطار الإسلامية التي أصبح أهلها ضحايا لمثير هذه المشاكل ومسببيها.
بل يجب - لكي يشتد جانب المسلمين وتلتئم جراحهم الدامية، فيعز جانبهم وتحقق آمالهم وتذهب آلامهم وتزول مآسيهم - أن تقوم رابطة على نطاق أوسع وأقوى يكون حزامها من حكام العالم الإسلامي أنفسهم، فيجتمع هؤلاء في إطار العقيدة الإسلامية لبحث مشاكل المسلمين بلغة الحكم والسلطان الذي فرض الله قيامه في كل أمة، وهذا وحده كفيل بأن يعيد الحق إلى نصابه، ويضع حداً لما يتعرض له المسلمون من إبادة وتشريد وتجويع وإهانة، لأن لغة السلطان والحكم عندما يخاطب بها الخصم المعتدي والمتجني المفتري يكون لها أثر فوق كل أثر:"فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
ونحن لهذا (وبالإضافة إلى دعوتنا إلى تدعيم رابطة علماء العالم الإسلامي) نهيب بحكام العالم الإسلامي بل ونستحثهم على أن يقيموا فيما بينهم رابطة يقومون هم بتنظيمها، على أن يكون هدفهم التباحث في مصالح المسلمين (على اختلاف أجناسهم وألوانهم) والنظر في أحوالهم وأوضاعهم الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، ووضع الحلول العملية لمشاكلهم، ومد يد العون الأدبي والمادي والسياسي (والعسكري إن أمكن) لمن يحتاج إليه من هؤلاء المسلمين، وخاصة الذين يقعون تحت نير حكم حكام غير مسلمين.
وأكررها مرة أخرى فأقول: إن قيام رابطة العالم الإسلامي (في ظل توجيهات كتاب الله وسنة رسوله) تساندهم في ذلك رابطة العالم الإسلامي هو
أقوم سبيل لتحقيق أماني المسلمين وإزالة آلامهم في مشارق الأرض ومغاربها، لأن العلم والفكر إذا اتحدا مع الحكم والسلطان وسارا في الطريق السوي الذي أراد الله للجميع أن يسيروا فيه ظفرت الأمة الإسلامية (دونما شك) بكل ما تصبوا إليه من عزة وسؤدد واستقرار، لأن الإسلام كما يعمل العقلاء ليس دين كهانة وانزواء وعزلة، وإنما هو دين ودولة، قول وعمل، سيف وكتاب، يدعو إلى المسجد كما يحث على ارتياد الحقل والمصنع، وهذا ما يجب أن يعلمه الجميع عن دين الإسلام، ليرفعوا رءوسهم فخراً واعتزازاً، وليدركوا بجلاء أي دين عظيم يسيرون في ركابه ويتلفون حول لوائه.
أيها الأخوة في الله، بما أن هذا الاجتماع هو اجتماع تعارف وتبادل إظهار شعور المحبة والإخاء والمودة التي هي من أهم ما دعا الإسلام إلى إشاعته والعمل على توطيده بين جميع المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وبما أن هذا الاجتماع سيكون مقصوراً على هذا فقط، فإنا لن نطيل عليكم الحديث، فإن المؤتمر الإسلامي القادم الذي ستصلكم الدعوة إليه في حينها - إن شاء الله - سيكون حافلاً بما يجب أن يقوم به المؤتمرون نحو الإسلام والمسلمين في شتى أقطار الدنيا، وإننا لنرجو أن لا يأتي العام القادم إلا وقد وفق الله حكام العالم الإسلامي لإنشاء رابطة قوية صادقة متينة، نسأل الله تعالى أن يجمع شمل المسلمين ويوحد كلمتهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونكرر مرة ومرات الترحيب القلبي الصادق بكم في بلادكم وفي جوار بيت ربكم، فأهلاً وسهلاً بكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(4544- كلمة سماحة رئيس المجلس التأسيسي في حفل افتتاح المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة عام 1384هـ)
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آهل وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.
أيها الإخوان الكرام: أحييكم بتحية الإسلام، وأحمد الله الذي منّ علينا بهذا الاجتماع المبارك في هذا البلد الأمين، البلد الذي بعث منه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وأسأل الله أن يجعله اجتماعاً مكللاً بالنجاح، وأن يوفقنا فيه إلى تحقيق الغايات النبيلة، والأهداف الشريفة، وأن نكون خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته في العالمين.
أيها الأخوة: إننا في زمن نحن فيه أحوج ما نكون إلى هذا الاجتماع لندرس ونناقش في مشاكلنا وفيما يكيده لنا أعداء الإسلام من مكائد، وما يدسونه بين صفوفنا من مؤامرات، وما ينفثونه في مجتمعنا الإسلامي من سموم، وما يروجونه في أمتنا من أضاليل، يستهدفون من وراء ذلك زعزعة العقيدة الإسلامية والتشكيك في مبادئها الحكيمة، ونظامها السماوي الكامل، ودستورها المقدس، وقد سلك أعداء الإسلام هذه السبل لعلمهم بأن انتصار المسلمين وانتشار العقيدة الإسلامية يقض مضاجعهم، ويقضي على مبادئهم الخبيثة ونفوذهم الاستعماري المقيت، ومن المؤسف جداً أنهم استخدموا رجالاً من أمتنا ومن أبناء جلدتنا لتنفيذ هذه المخططات، ذلك لظنهم بأن الدعوة إلى مبادئهم وإلحادهم إذا حمل لواءها هؤلاء المستخدمون سيكون تأثيرها على المسلمين أكثر، وأنهم سيستطيعون بذلك إيقاف المد الإسلامي، ولكن اله بحوله وقوته سيرد كيدهم إليهم، وسينصر هذا الدين بجهادكم إياهم، وسترفرف راية الحق والعدل عالية إن شاء الله متى صدقتم في الجهاد، ومتى قويت عزائمكم، وكان هذا الصدق وقوة العزائم صادرين من قلوب مؤمنة استنارت بنور القرآن، واهتدت بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
أيها الأخوان إن رابطة العالم الإسلامي هي أقوى من كل رابطة، أقوى من رابطة النسب، وأقوى من رابطة الوطن، وأقوى من رابطة اللون، فالمسلم أخو المسلم يتألم بآلامه، ويحزن لحزنه، ويفرح لفرحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بمنى في أواسط أيام التشريق وهو على بعير.
(4545- الكلمة التي ارتجلها حضرة صاحب السماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في افتتاح الدورة الرابعة لاجتماعات رابطة العالم الإسلامي في 15/7/1383هـ)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
غير خاف على المشائخ الفضلاء ما من الله به من نعمة الإسلام، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن من أكبر نعمة أنعم الله بها على عباده بعثة هذا النبي الكريم وما جاء به وأنزل عليه صلى الله عليه وسلم من القرآن العظيم، وهذا هو أكبر ناموس طرق العالم وهذه الشيء هو الضروري للخلق في معاشهم ومعادهم، وشمل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم جميع المصالح الكلية والجزئية، بعث صلى الله عليه وسلم بكمال بيانه، وكمال حفظ ما من الله به تعالى من هذه النعمة العظيمة تثبيتاً وتشريعاً وإيجاباً وفرضاً لأوامره الشرعية التي تضمنها كتابه وسنة رسوله المطهرة.
ويعلم جميع المشائخ الفضلاء أننا مغزوون في عقر دارنا من "صفين" من الناس: أحدهما أعداء الدين العداوة المحضة والصادون عن سبيل الله صداً بيناً صراحاً، والقسم الثاني من يتسمون بديننا وينتسبون إليه وهم في الحقيقة أعداؤه والساعون في هدمه من أصله، ولم يصل العدو الصريح من الإفرنج إلى ما وصلوا إليه من أغراضهم ولا نالوا ما نالوه من المسلمين إلا بسببهم، فهم أعظم شيء ضرراً على الدين، وعند بعضهم من النفاق الاعتقادي النصيب الوافر، وعند بعضهم من الإلحاد ما أخرجهم من الدين، وكل محنة وكل سوء يكاد به الإسلام بكل بلية من البلايا لم يصب بها المسلمون إلا من قبلهم، والواقع أصدق شاهد، والعقل يسبر فينظر، والمتعين على المسلمين الصمود أمام هؤلاء بالتعاون والتعاضد عن جد وصدق، والتمسك حقاً بما بعث الله به
رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الدين الحنيف الذي أساسه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله علماً، واعتقاداً، وعملاً، وإخلاصاً، ومتابعة للسنة، وكشف شبه أولئك من نصوص الكتاب والسنة، فإنهما الكفيلان بما يحصل به المقصود من إيضاح الحجة المحمدية، وقد قال الله تعالى:{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} . ويصمد أمام الفريق الثاني بالمستطاع من الجهاد وهو جهاد السيف والسنان، وهو من أهم الفروض وأعظم الواجبات، ولا قوام لدين ولا حفظ للكيان إلا بذلك، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} .
وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} . ولا ريب في شمول هذه الآية الكريمة القسمين المتقدم ذكرهما، وشمولها أيضاً لقسمي الجهاد: جهاد السيف والسنان وجهاد الحجة والبيان.
ونحن أيها الأخوة معبودنا واحد جل شأنه، ونبينا واحد صلى الله عليه وسلم، وقبلتنا واحدة زادها الله تكريماً وتشريفاً، فواجب علينا أن نكون يداً واحدة قوية في القيام بالواجب الذي أوجبه على جميع المسلمين ولاسيما جملة الشريعة، ومعلوم عند الجميع أنه إذا لم يقم بواجب ذلك أهل العلم بالبيان والحجة لم يقم به سواهم، فواجب علينا التعاضد والتعاون بالجد والاجتهاد في تأييد هذا الحق، واستعمال هذا النوع الشاع، والاستضاءة به في الطريق المستقيم. وعلينا أن نسلكه وأن نتمسك به ونستنصر الله بتمسكنا به، والله سبحانه وتعالى وعد بنصر من نصره:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} . فقد أخبر أصدق القائلين جل شأنه أنه ناصر من نصره، وقد أكد ذلك بالقسم وبنون التأكيد، فلنتأمل من هم المنصورون الذين أقسم رب العالمين هنا أن ينصرهم: هم أشخاص بأعينهم، أو قبيلة بعينها، أو ملك بعينه، أو أهل بلد معينة أو هم من نصره أي نصر دينه من الناس كائنين من كانوا؟!
وهذه الرابطة الإسلامية يجب علينا أن نحققها مخافة لله وخشية أن نكون من الكاذبين القائلين ما لا يفعلون، وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} . ها نحن الآن لا نقاتل لأن الظروف الموجودة منعت من أن نقاتل القتال الذي ينبغي، فلا نعجز عن الآخر وهو الحرص في بيان الحق وإيضاحه للجاهل، وإقامة الحجة به على المتجاهل، وكشف شبهات المشبهين وإيضاح الحق، على أن أعظم وأهم دراسة ما بنا نحن وما ننسب إليه في معرفته وتحقيقه وتشخيص ما يحتاج أن نتكلم فيه، ثم المشاكل التي ينبغي أن نعالجها بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كما هو غير خاف عليكم أنواع بالسبر في البحث فيها والتنقيب وتعدادها وبذل الجهود لمعرفتها وتشخيصها، ثم بذل الجهود للقيام حولها بما يحصل الغرض بتوفيق الله ومعونته.
ثم لا يغيب عن بالنا ما بدئ به هذا المجلس من الآيات الكريمات وفي آخرها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} . فلنتأملها كل التأمل، وهي بحمد الله معناها غير خاف على واحد من الجميع، فالكل يعلم معناها، ولكن بمزيد من التأمل والفحص والوقوف عند كل جملة نزداد خيراً إن شاء الله في ذلك:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} . خبر أكده جل شأنه بالقسم وبنون التأكيد أن يهدي المجاهدين فيه، وختم جل شأنه هذه الآية بقوله:{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} . فمن كان الله معه فهو محفوظ وموفق ومؤيد ومنصور. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً
وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تُنَاصِحوا مَنْ وَلاّهُ الله أمْرَكُمْ". وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(4546- كلمة سماحة رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في حفل التعارف المقام لوفود حجاج بيت الله الحرام بمقر رابطة العالم الإسلامي في حج عام 1385هـ)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وبعد:
فإنني أصالة عن نفسي ونيابة عن إخواني أمين وأعضاء رابطة العالم الإسلامي أرحب بكم أجمل ترحيب، وأحييكم أحسن تحية.
إخواني تعلمون حقاً أن العالم بأسره علويه وسفليه وجماده وغيره جماده ناطقه وغير ناطقه في غاية جداً من الفقر إلى اله عز وجل من حيث الخلق والإيجاد، ومن حيث الكلاءة والحفظ، ومن حيث العلم والمعرفة، قال الله عز وجل:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} . وقال: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} . وقال تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} . وقال تعالى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} . فمن أهم الضروريات للعباد معرفتهم ربهم تبارك وتعالى بما تعرف به في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من وحدانيته جل شأنه في ذاته وأسمائه وصفاته وإلاهيته، ومعاملتهم ربهم بمقتضى هذه الوحدانية بأن يثبتوا له ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، إثباتاً بريئاً من تمثيل الممثلين ومن تعطيل المعطلين، وأن يفردوه سبحانه وتعالى بالألوهية كما هو مدلول أساس الملة كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) مطابقة، فلا يدعون إلا الله وحده، ولا يلجئون إلى سواه في حال من الأحوال، وأن يقوموا بفرائض ذلك وحقوقه من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من شعائر الدين.
ومن الضروري لحصول ذلك على الكمال تكاتف المسلمين وأخذ بعضهم بأيدي البعض في القيام بذلك علماً وعملاً واعتقاداً، والحفاظ عليه كل الحفاظ، والتآلف والتواد فيما بينهم، وصدق الإخاء الإسلامي، وقال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} . وقال تعالى ممتنا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
إخواني لا يمكن الحصول على إعلاء كلمة الله ونصر دينه بدون صفاء الضمائر، وتصادق الظواهر والسرائر، على أن نقف صفاً واحداً دون من يكيد لهذا الدين كائناً من كان، وأن نقف مع أنفسنا موقف المحاسبين الصادقين والناصحين الحقيقيين لإصلاح أنفسنا، وتربية نشئنا التربية الإسلامية المحمدية المحضة، وأن نبعد كل البعد عن الأسباب التي صار من أجلها إلى ما صار إليه مما هو من أبين شيء مخالفة ومصادمة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا وأسأل الله لنا جميعاً التوفيق والثبات على الحق إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله.
(4547-م
وانظر قراراً صادراً من سماحته إلى أمين رابطة العالم الإسلامي فيمن يستحق عضوية الرابطة برقم 402 في 30/1/1385هـ)