المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : آية 88] - التحرير والتنوير - جـ ٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 29 الى 30]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 37 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 66 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 77 الى 79]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 97 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 105 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 110 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 117 إِلَى 121]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 122]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 123 إِلَى 124]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 125 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 128 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 131 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 138 إِلَى 141]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 142 إِلَى 143]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 147]

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : آية 88]

[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 87]

اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، جَمَعَ تَمْجِيدَ اللَّهِ، وَتَهْدِيدًا، وتحذيرا من مُخَالف أَمْرِهِ، وَتَقْرِيرًا لِلْإِيمَانِ بِيَوْمِ الْبَعْثِ، وَرَدًّا لِإِشْرَاكِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ وَإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ.

فَاسْمُ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأٌ. وَجُمْلَةُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ لِتَمْجِيدِ اللَّهِ.

وَجُمْلَةُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَاقِعٍ جَمِيعُهُ مَوْقِعَ الْخَبَرِ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ. وَأُكِّدَ هَذَا الْخَبَرُ: بِلَامِ الْقَسَمِ، وَنُونِ التَّوْكِيدِ، وَبِتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ، لِتَقْوِيَةِ تَحْقِيقِ هَذَا الْخَبَرِ. إِبْطَالًا لِإِنْكَارِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ.

وَمَعْنَى لَا رَيْبَ فِيهِ نَفْيٌ أَنْ يَتَطَرَّقَهُ جِنْسُ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ أَيْ فِي مَجِيئِهِ، وَالْمَقْصُودُ لَا رَيْبَ حَقِيقِيًّا فِيهِ، أَوْ أَنَّ ارْتِيَابَ الْمُرْتَابِينَ لِوَهَنِهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْمَعْدُومِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ عَنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَصْدَقَ مِنَ اللَّهِ هُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ. وَ «حَدِيثًا» تَمْيِيزٌ لِنِسْبَةِ فعل التَّفْضِيل.

[88]

[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 88]

فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88)

تَفْرِيعٌ عَنْ أَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، لِأَنَّ مَا وُصِفَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ لَا يَتْرُكُ شَكًّا عِنْدَ الْمُؤمنِينَ فِي حَيْثُ طَوِيَّتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، أَوْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النِّسَاء: 87] . وَإِذْ قَدْ حَدَّثَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِمَا وَصَفَ مِنْ سَابِقِ الْآيِ، فَلَا يَحِقُّ التَّرَدُّدُ فِي سُوءِ نَوَايَاهُمْ وَكُفْرِهِمْ، فَمَوْقِعُ الْفَاءِ هَنَا نَظِيرُ مَوْقِعِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ

ص: 148

وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعْجِيبِ وَاللَّوْمِ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُنافِقِينَ لِلْعَهْدِ، وفِئَتَيْنِ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِاللَّامِ فَهِيَ قَيْدٌ لِعَامِلِهِ، الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخُ، فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ التَّوْبِيخِ هُوَ الِانْقِسَامُ: فِي الْمُنافِقِينَ مُتَعَلِّقٌ بِفِئَتَيْنِ لِتَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى «مُنْقَسِمِينَ» ، وَمَعْنَاهُ: فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَوَاتِ الْمُنَافِقِينَ.

وَالْفِئَةُ: الطَّائِفَةُ. وَزْنُهَا فِلَةٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْفَيْءِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بعض فِي شؤونهم. وَأَصْلُهَا فَيْءٌ، فَحَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ وَسَطِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَوَّضُوا عَنْهَا الْهَاءَ.

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الِانْقِسَامَ إِلَى فِئَتَيْنِ مَا هُوَ إِلَّا انْقِسَامٌ فِي حَالَةٍ مِنْ حَالَتَيْنِ، وَالْمَقَامُ لِلْكَلَامِ فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، أَيْ فَمَا لَكُمْ بَيْنَ مُكَفِّرٍ لَهُمْ وَمُبَرِّرٍ، وَفِي إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ أَوِ الْكُفْرِ عَلَيْهِمْ. قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي المنخزلين يَوْمَ أُحُدٍ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَتْبَاعِهِ، اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي وَصْفِهِمْ بِالْإِيمَانِ أَوِ الْكُفْرِ بِسَبَبِ فِعْلَتِهِمْ تِلْكَ. وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: رَجَعَ نَاسٌ من أَصْحَاب النَّبِي مِنْ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُمْ، وَفَرِيقٌ يَقُولُ: لَا، فَنَزَلَتْ «فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ» ، وَقَالَ:«إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» أَيْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِمْ مِنْ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ. فَتَكُونُ الْآيَةُ لِبَيَانِ أَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي أَمْرِهِمْ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ، وَهَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنُوا فِي الرُّجُوعِ إِلَى مَكَّةَ، لِيَأْتُوا بِبِضَاعَةٍ يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُؤْمِنِينَ، فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي شَأْنِهِمْ: أَهُمْ مُشْرِكُونَ أَمْ مُسْلِمُونَ. وَيُبَيِّنُهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُبْطِنُونَ الشِّرْكَ وَيُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ لِلْمُسْلِمِينَ، لِيَكُونُوا فِي أَمْنٍ مِنْ تَعَرُّضِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ بِحَرْبٍ فِي خُرُوجِهِمْ فِي تِجَارَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ فِي تِجَارَةٍ، فَقَالَ فَرِيقٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:

نَرْكَبُ إِلَيْهِمْ فَنُقَاتِلُهُمْ، وَقَالَ فَرِيقٌ: كَيْفَ نَقْتُلُهُمْ وَقَدْ نَطَقُوا بِالْإِسْلَامِ، فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُغَيِّرْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ.

ص: 149

وَعَنِ الضَّحَّاكِ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَكَانُوا يُظَاهِرُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ [النِّسَاء: 97] الْآيَةَ. وَأَحْسَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفِرَقَ كُلَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَكَانُوا مَثَلًا لِعُمُومِهَا وَهِيَ عَامَّةٌ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ عُرِفَ بِالنِّفَاقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ فَاتَ وَقْتُ قِتَالِهِمْ، لِقَصْدِ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ وَقْتَ خُرُوجِهِمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ إِلَى يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ.

وَعَلَى جَمِيعِ الِاحْتِمَالَاتِ فَمَوْقِعُ الْمَلَامِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ لِضَعْفِ دَلِيلِ الْمُخْطِئِينَ لِأَنَّ دَلَائِلَ كُفْرِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ كَانَتْ تَرْجُحُ عَلَى دَلِيلِ إِسْلَامِهِمُ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، مَعَ التَّجَرُّدِ عَنْ إِظْهَارِ مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا اسْتَنَدَ إِلَى دَلِيلٍ ضَعِيفٍ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الْعَالِمُ لَا يَكُونُ بَعِيدًا عَنِ

الْمَلَامِ- فِي الدُّنْيَا- عَلَى أَنْ أَخْطَأَ فِيمَا لَا يخطىء أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِثْلِهِ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا حَالِيَّةٌ، أَيْ إِنْ كُنْتُمُ اخْتَلَفْتُمْ فِيهِمْ فَاللَّهُ قَدْ رَدَّهُمْ إِلَى حَالِهِمُ السُّوأَى، لِأَنَّ مَعْنَى أَرْكَسَ رَدَّ إِلَى الرِّكْسِ، وَالرِّكْسُ قَرِيبٌ مِنَ الرِّجْسِ.

وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الرَّوْثِ «إِنَّ هَذَا رِكْسٌ»

وَقِيلَ: مَعْنَى أَرْكَسَ نَكَّسَ، أَيْ رَدَّ رَدًّا شَنِيعًا، وَهُوَ مُقَارِبٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى الْكُفْرِ جَزَاءً لِسُوءِ اعْتِقَادِهِمْ وَقِلَّةِ إِخْلَاصِهِمْ مَعَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ تَتَوَالَدُ مِنْ جِنْسِهَا، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَأْتِي بِزِيَادَةِ الصَّالِحَات، وَالْعَمَل السيّء يَأْتِي بِمُنْتَهَى الْمَعَاصِي، وَلِهَذَا تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الْعَمَلِ سَبَبًا فِي بُلُوغِ الْغَايَاتِ مِنْ جِنْسِهِ.

وَقَوْلُهُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ نَشَأَ عَنِ اللَّوْمِ وَالتَّعْجِيبِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ، لِأَنَّ السَّامِعِينَ يَتَرَقَّبُونَ بَيَانَ وَجْهِ اللوم، ويتساءلون عمّا ذَا يَتَّخِذُونَ نَحْوَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ. وَقَدْ دَلَّ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ الْمَشُوبُ بِاللَّوْمِ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ هِيَ مَحَلُّ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ، وَتَقْدِيرُهَا: إِنَّهُمْ قَدْ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ

ص: 150