المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 إلى 143] - التحرير والتنوير - جـ ٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 29 الى 30]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 37 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 66 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 77 الى 79]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 97 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 105 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 110 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 117 إِلَى 121]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 122]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 123 إِلَى 124]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 125 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 128 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 131 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 138 إِلَى 141]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 142 إِلَى 143]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 147]

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 إلى 143]

وَقَوْلُهُ: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا تَثْبِيتٌ للْمُؤْمِنين، لأنّ مثيل هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنْ دَخَائِلِ الْأَعْدَاءِ وَتَأَلُّبِهِمْ: مِنْ عَدُوٍّ مُجَاهِرٍ بِكُفْرِهِ. وَعَدُوٍّ مُصَانِعٍ مُظْهِرٍ لِلْأُخُوَّةِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ الْبَالِغَةِ أَقْصَى الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ، يُثِيرُ مَخَاوِفَ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ يُخَيِّلُ لَهُمْ مَهَاوِيَ الْخَيْبَةِ فِي مُسْتَقْبَلِهِمْ. فَكَانَ مِنْ شَأْنِ التَّلَطُّفِ بِهِمْ أَنْ يُعَقِّبَ

ذَلِكَ التَّحْذِيرَ بِالشَّدِّ عَلَى الْعَضُدِ، وَالْوَعْدِ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْكَافِرِينَ، وَإِنْ تَأَلَّبَتْ عِصَابَاتُهُمْ. وَاخْتَلَفَتْ مَنَاحِي كُفْرِهِمْ، سَبِيلًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

وَالْمُرَادُ بِالسَّبِيلِ طَرِيقُ الْوُصُولِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالْغَلَبَةِ، بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِعَلَى، وَلِأَنَّ سَبِيلَ الْعَدُوِّ إِلَى عَدُوِّهِ هُوَ السَّعْيُ إِلَى مَضَرَّتِهِ، وَلَوْ قَالَ لَكَ الْحَبِيبُ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، لَتَحَسَّرْتَ وَلَوْ قَالَ لَكَ الْعَدُوُّ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ لَتَهَلَّلْتَ بِشْرًا، فَإِذَا عُدِّيَ بِعَلَى صَارَ نَصًّا فِي سَبِيلِ الشَّرِّ وَالْأَذَى، فَالْآيَةُ وَعْدٌ مَحْضُ دُنْيَوِيٍّ، وَلَيْسَتْ مِنَ التَّشْرِيعِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فِي شَيْءٍ لِنُبُوِّ الْمَقَامِ عَنْ هَذَيْنِ.

فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ وَعْدًا لَمْ يَجُزْ تَخَلُّفُهُ. وَنَحْنُ نَرَى الْكَافِرِينَ يَنْتَصِرُونَ على الْمُؤمنِينَ انتصرا بَيِّنًا، وَرُبَّمَا تَمَلَّكُوا بِلَادَهُمْ وَطَالَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ تَأْوِيلُ هَذَا الْوَعْدِ. قُلْتُ: إِنْ أُرِيدَ بِالْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ الطَّائِفَتَانِ الْمَعْهُودَتَانِ بِقَرِينَةِ الْقِصَّةِ فَالْإِشْكَالُ زَائِلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عَاقِبَةَ النَّصْرِ أَيَّامَئِذٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَطَعَ دَابِرَ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ثُقِفُوا وَأُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا وَدَخَلَتْ بَقِيَّتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَصْبَحُوا أَنْصَارًا لِلدِّينِ وَإِنْ أُرِيدَ الْعُمُومُ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُؤْمِنُونَ الْخُلَّصُ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِالْإِيمَانِ بِسَائِرِ أَحْوَالِهِ وَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَوِ اسْتَقَامَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ لَمَا نَالَ الْكَافِرُونَ مِنْهُمْ مَنَالًا، وَلَدَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ خيبة وخبالا.

[142، 143]

[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 142 إِلَى 143]

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَاّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

ص: 238

(143)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمَسَاوِيهِمْ. وَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ. وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِ حَالَتِهِمُ الْعَجِيبَةِ وَتَحْقِيقِ مَا عَقَبَهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ خادِعُهُمْ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى مُخَادَعَةِ الْمُنَافِقِينَ اللَّهَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [9] عِنْدَ قَوْلِهِ:

يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا.

وَزَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ خادِعُهُمْ

أَيْ فَقَابَلَهُمْ بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ، فَكَمَا كَانَ فِعْلُهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ خِدَاعًا لِلَّهِ تَعَالَى، كَانَ إِمْهَالُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى اطْمَأَنُّوا وَحَسِبُوا أَنَّ حِيلَتَهُمْ وَكَيْدَهُمْ رَاجَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ نَاصِرَهُمْ، وَإِنْذَارُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَيْدِهِمْ حَتَّى لَا تَنْطَلِيَ عَلَيْهِمْ حِيَلُهُمْ، وَتَقْدِيرُ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ بِأَخَرَةٍ، شَبِيهًا

بِفعل المخادع جُزْءا وِفَاقًا. فَإِطْلَاقُ الْخِدَاعِ عَلَى اسْتِدْرَاجِ اللَّهِ إِيَّاهُمُ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، وَحَسَّنَتْهَا الْمُشَاكَلَةُ لِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ اسْتِعَارَةَ لَفْظٍ لِغَيْرِ مَعْنَاهُ مَعَ مَزِيدِ مُنَاسَبَةٍ مَعَ لَفْظٍ آخَرَ مِثْلِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعَارِ. فَالْمُشَاكَلَةُ ترجع إِلَى التلميح، أَيْ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ عَلَاقَةٌ بَيْنَ مَعْنَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادِ إِلَّا مُحَاكَاةَ اللَّفْظِ، سُمِّيَتْ مُشَاكَلَةٌ كَقَوْلِ أَبِي الرَّقَعْمَقِ.

قَالُوا: اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ

قُلْتُ: أَطْبِخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصَا

وَ «كُسَالَى» جَمْعُ كَسْلَانَ عَلَى وَزْنِ فُعَالَى، وَالْكَسْلَانُ الْمُتَّصِفُ بِالْكَسَلِ، وَهُوَ الْفُتُورُ فِي الْأَفْعَالِ لِسَآمَةٍ أَوْ كَرَاهِيَةٍ. وَالْكَسَلُ فِي الصَّلَاةِ مُؤْذِنٌ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ الْمُصَلِّي بِهَا وَزُهْدِهِ فِي فِعْلِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ شِيَمِ الْمُنَافِقِينَ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنْ تَجَاوُزِ حَدِّ النَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ خَشْيَةَ السَّآمَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تملّوا» . وَنهى على الصَّلَاةِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ، كُلُّ ذَلِكَ لِيَكُونَ إِقْبَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصَّلَاةِ بِشَرَهٍ وَعَزْمٍ، لِأَنَّ

ص: 239

النَّفْسَ إِذَا تَطَرَّقَتْهَا السَّآمَةُ مِنَ الشَّيْءِ دَبَّتْ إِلَيْهَا كَرَاهِيَتُهُ دَبِيبًا حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْهَا الْكَرَاهِيَةُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى النَّفْسِ مِثْلُ أَنْ تَكْرَهَ الْخَيْرَ.

وَ «كُسَالَى» حَالٌ لَازِمَةٌ مِنْ ضَمِيرِ (قامُوا)

، لِأَنَّ قَامُوا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَ وَحْدَهُ جَوَابًا لِ «إِذَا» الَّتِي شَرْطُهَا «قَامُوا» ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُجَرَّدًا لَكَانَ الْجَوَابُ عَيْنَ الشَّرْطِ، فَلَزِمَ ذِكْرُ الْحَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفرْقَان: 72] وَقَوْلِ الْأَحْوَصِ الْأَنْصَارِيِّ:

فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ

تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الأقران

وَجُمْلَة يُراؤُنَ النَّاسَ

حَالٌ ثَانِيَةٌ، أَوْ صِفَةٌ لِ (كُسَالَى)، أَوْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ جَوَابِ مَنْ يَسْأَلُ: مَاذَا قَصْدُهُمْ بِهَذَا الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَهَلَّا تَرَكُوا هَذَا الْقِيَامَ مِنْ أَصْلِهِ، فَوَقَعَ الْبَيَانُ بِأَنَّهُمْ يُرَاءُونَ بصلاتهم النَّاس. ويُراؤُنَ

فِعْلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُرُونَ النَّاسَ صَلَاتَهُمْ وَيُرِيهِمُ النَّاسُ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَالْمُفَاعَلَةُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِرَاءَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي بَابِ الْمُفَاعَلَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

مَعْطُوف على يُراؤُنَ

إِن كَانَ يُراؤُنَ

حَالًا أَوْ صِفَةً، وَإِن كَانَ يُراؤُنَ

اسْتِئْنَاف فَجُمْلَةُ وَلا يَذْكُرُونَ

حَالٌ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ: وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ إِلَّا قَلِيلًا. فَالِاسْتِثْنَاءُ إِمَّا مِنْ أَزْمِنَةِ الذِّكْرِ، أَيْ إِلَّا

وَقْتًا قَلِيلًا، وَهُوَ وَقْتُ حُضُورِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِذْ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ مَعَهُمْ حِينَئِذٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ بِالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، وَإِمَّا مِنْ مَصْدَرِ يَذْكُرُونَ

، أَيْ إِلَّا ذِكْرًا قَلِيلًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي يُرَاءُونَ بِهَا، وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي لَا مَنْدُوحَةَ عَنْ تَرْكِهِ مِثْلَ: التَّأْمِينِ، وَقَوْلِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَالتَّكْبِيرِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يَقُولُونَهُ مِنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، وَقِرَاءَةِ رَكَعَاتِ السِّرِّ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ وَلا يَذْكُرُونَ

مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَإِذا قامُوا

، فَهِيَ خَبَرٌ عَنْ خِصَالِهِمْ، أَيْ هُمْ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ إِلَّا حَالًا قَلِيلًا أَوْ زَمَنًا قَلِيلًا وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي لَا يَخْلُو عَنْهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ لِرَبِّهِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، أَيْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِثْلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْآيَةُ أَفَادَتْ عُبُودِيَّتَهُمْ وَكُفْرَهُمْ بِنِعْمَةِ رَبِّهِمْ زِيَادَةً عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَسُولِهِ وَقُرْآنِهِ.

ثُمَّ جَاءَ بِحَالٍ تُعَبِّرُ عَنْ جَامِعِ نِفَاقِهِمْ وَهِيَ قَوْلُهُ: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ وَهُوَ حَالٌ من ضمير يُراؤُنَ.

ص: 240

وَالْمُذَبْذَبُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الذَّبْذَبَةِ. يُقَالُ: ذَبْذَبَهُ فَتَذَبْذَبَ. وَالذَّبْذَبَةُ: شِدَّةُ الِاضْطِرَابِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ خَجَلٍ، قِيلَ: إِنَّ الذَّبْذَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَكْرِيرِ ذَبَّ إِذَا طَرَدَ، لِأَنَّ الْمَطْرُودَ يُعَجِّلُ وَيَضْطَرِبُ، فَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي أَفَادَتْ كَثْرَةَ الْمَصْدَرِ بِالتَّكْرِيرِ، مَثْلَ زَلْزَلَ وَلَمْلَمَ بِالْمَكَانِ وَصَلْصَلَ وَكَبْكَبَ، وَفِيهِ لُغَةٌ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي فِي عَامِّيَّتِنَا الْيَوْمَ، يَقُولُونَ: رَجُلٌ مُدَبْدَبٌ، أَيْ يَفْعَلُ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ صَوَابٍ وَلَا تَوْفِيقٍ. فَقِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الدُّبَّةِ- بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ- أَيِ الطَّرِيقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْلُكُ مَرَّةً هَذَا الطَّرِيقَ وَمَرَّةً هَذَا الطَّرِيقَ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: بَيْنَ ذلِكَ إِلَى مَا اسْتُفِيدَ من قَوْله: يُراؤُنَ النَّاسَ

لِأَنَّ الَّذِي يَقْصِدُ مِنْ فِعْلِهِ إِرْضَاءَ النَّاسِ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَصِيرَ مُذَبْذَبًا، إِذْ يَجِدُ فِي النَّاسِ أَصْنَافًا مُتَبَايِنَةَ الْمَقَاصِدِ وَالشَّهَوَاتِ. وَيَجُوزُ جَعْلُ الْإِشَارَةِ رَاجِعَةً إِلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَلَكِنْ إِلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ، أَيْ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ طَرَفَيْنِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ.

وَجُمْلَةُ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ صِفَةٌ لِ مُذَبْذَبِينَ لِقَصْدِ الْكَشْفِ عَنْ مَعْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَفَاءِ الِاسْتِعَارَةِ، أَوْ هِيَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ. وهؤُلاءِ أَحَدُهُمَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْآخَرُ إِشَارَةٌ إِلَى الْكَافِرِينَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، إِذْ لَيْسَ فِي الْمَقَامِ إِلَّا فَرِيقَانِ فَأَيُّهَا جَعَلْتَهُ مُشَارًا إِلَيْهِ بِأَحَدِ اسْمَيِ الْإِشَارَةِ صَحَّ ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ» .

وَالتَّقْدِيرُ لَا هُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا هُمْ إِلَى الْكَافِرِينَ. وَ (إِلَى) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ، أَيْ لَا ذَاهِبِينَ إِلَى هَذَا الْفَرِيقِ وَلَا إِلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَالذَّهَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ (إِلَى) ذَهَابٌ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الِانْتِمَاءُ وَالِانْتِسَابُ، أَيْ هُمْ أَضَاعُوا النِّسْبَتَيْنِ فَلَا هُمْ مُسْلِمُونَ وَلَا هُمْ كَافِرُونَ ثَابِتُونَ، وَالْعَرَبُ تَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى (لَا) النَّافِيَةِ مُكَرَّرَةً فِي غَرَضَيْنِ: تَارَةً يَقْصِدُونَ بِهِ إِضَاعَةَ الْأَمْرَيْنِ، كَقَوْلِ إِحْدَى نِسَاءِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلُ» وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [الْقِيَامَة: 31] لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ [الْبَقَرَة: 71] . وَتَارَةً يَقْصِدُونَ بِهِ إِثْبَاتَ حَالَةٍ وَسَطٍ بَيْنَ حَالَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النُّور: 35]- لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ [الْمَائِدَة:

68] ، وَقَوْلِ زُهَيْرٍ:

فَلَا هُوَ أَخْفَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمِ

ص: 241