المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4) : آية 93] - التحرير والتنوير - جـ ٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 29 الى 30]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 37 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 66 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 77 الى 79]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 97 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 105 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 110 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 117 إِلَى 121]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 122]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 123 إِلَى 124]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 125 إِلَى 126]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 128 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 131 إِلَى 133]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 138 إِلَى 141]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 142 إِلَى 143]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 147]

الفصل: ‌[سورة النساء (4) : آية 93]

الْجَمِيعَ تَوْبَةً مِنْهُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ لَهُ ذَلِكَ لَعَاقَبَهُ عَلَى أَسْبَابِ الْخَطَأِ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى تَفْرِيطِ الْحَذَرِ وَالْأَخْذِ بِالْحَزْمِ. أَوْ هُوَ حَالٌ مِنْ «صِيَامٍ» ، أَيْ سَبَبُ تَوْبَةٍ، فَهُوَ حَالٌ مجازية عقلية.

[93]

[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 93]

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93)

هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّشْرِيعِ لِأَحْكَامِ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِتَهْوِيلِ أَمْرِهِ، فَابْتَدَأَ بِذِكْرِ قَتْلِ الْخَطَأِ بِعُنْوَانِ قَوْلِهِ: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً [النِّسَاء: 92] .

وَالْمُتَعَمِّدُ: الْقَاصِدُ لِلْقَتْلِ، مُشْتَقٌّ مِنْ عَمَدَ إِلَى كَذَا بِمَعْنَى قَصَدَ وَذَهَبَ. وَالْأَفْعَالُ كُلُّهَا لَا تَخَرُجُ عَنْ حَالَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ، وَيُعْرَفُ التَّعَمُّدُ بِأَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ بِأَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ قَاصِدٌ إِزْهَاقَ رُوحِهِ بِخُصُوصِهِ بِمَا تُزْهَقُ بِهِ الْأَرْوَاحُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ، وَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الْقَتْلُ نَوْعَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى وَفْقِ الْآيَةِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ جَعَلَ نَوْعًا ثَالِثًا سَمَّاهُ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَاسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى آثَارٍ مَرْوِيَّةٍ، إِنْ صَحَّتْ فَتَأْوِيلُهَا مُتَعَيِّنٌ وَتُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ مَا وَرَدَتْ فِيهِ. وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْوَاحِدِيُّ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَة أنّ مقيسا بْنَ صُبَابَةَ (1) وأخاه هِشَام جَاءَا مُسْلِمَيْنِ مُهَاجِرَيْنِ فَوُجِدَ هِشَامٌ قَتِيلًا فِي بَنِي النَّجَّارِ، وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم بِإِعْطَاءِ أَخِيهِ مِقْيَسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، دِيَةَ أَخِيهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ فِهْرٍ فَلَمَّا أَخَذَ مِقْيَسٌ الْإِبِلَ عَدَا عَلَى الْفِهْرِيِّ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَاقَ الْإِبِلَ، وَانْصَرَفَ إِلَى مَكَّةَ كَافِرًا، وَأَنْشَدَ فِي شَأْنِ أَخِيهِ:

(1) مقيس بميم مسكورة وقاف وتحتية بِوَزْن مِنْبَر. وصبابة بصاد مُهْملَة وبائين موحدتين. قيل هُوَ اسْم أمه.

ص: 163

قَتَلْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ

سُرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ (1)

حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْتُ ثَأْرَتِي

وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ

وَقَدْ أَهْدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَمَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقُتِلَ بِسُوقِ مَكَّةَ.

وَقَوْلُهُ: خالِداً فِيها مَحْمَلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ فِي النَّارِ لِأَجْلِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا، لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ لَيْسَ كُفْرًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا خُلُودَ فِي النَّارِ إِلَّا لِلْكُفْرِ، عَلَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْخُلُودِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي طُولِ الْمُكْثِ،

وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ. قَالَ النَّابِغَةُ فِي مَرَضِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ:

وَنَحْنُ لَدَيْهِ نَسْأَلُ اللَّهَ خُلْدَهُ

يَرُدُّ مَلْكًا وَلِلْأَرْضِ عَامِرَا

وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْكَبَائِرِ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَعِنْدَ مَنْ يُوجِبُ الْخُلُودَ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ، عَلَى وَتِيرَةِ إِيجَابِ الْخُلُودِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ.

وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تَرِدُ عَلَى جَرِيمَةِ قَتْلِ النَّفْسِ عَمْدًا، كَمَا تَرِدُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، إِلَّا أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ شَذَّ شُذُوذًا بَيِّنًا فِي مَحْمَلِ هَذِهِ الْآيَةِ: فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قَاتِلَ النَّفْسِ مُتَعَمِّدًا لَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُرِفَ بِهِ، أَخْذًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ:

آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها الْآيَةَ: هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ، فَلَمْ يَأْخُذْ بِطَرِيقِ التَّأْوِيلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

فَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ مُسْتَنَدَهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ، فَقَدْ نَسَخَتِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا، الَّتِي تَقْتَضِي عُمُومَ التَّوْبَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاء: 116]، فَقَاتِلُ النَّفْسِ مِمَّنْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ يَغْفِرَ لَهُ وَمِثْلُ قَوْلِهِ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [طه: 82] ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ:

وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الْفرْقَان: 68، 69] .

(1) فارع اسْم حصن فِي الْمَدِينَة لبني النجار.

ص: 164

وَالْحَقُّ أَنَّ مَحَلَّ التَّأْوِيلِ لَيْسَ هُوَ تَقَدُّمُ النُّزُولِ أَوْ تَأَخُّرُهُ، وَلَكِنَّهُ فِي حَمْلِ مُطْلَقِ الْآيَةِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الَّتِي قَيَّدَتْ جَمِيعَ أَدِلَّةِ الْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ بِحَالَةِ عَدَمِ التَّوْبَةِ. فَأَمَّا حُكْمُ الْخُلُودِ فَحَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ عَلَى مَجَازِهِ، وَهُوَ طُولُ الْمُدَّةِ فِي الْعِقَابِ، مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَا حَاجَةَ إِلَى الْخَوْضِ فِيهَا حِينَ الْخَوْضِ فِي شَأْنِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ الْمُتَعَمِّدِ، وَكَيْفَ يُحْرَمُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ الْكُفْرِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ مَقْبُولَةٌ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ دُونَهُ مِنَ الذُّنُوبِ.

وَحَمَلَ جَمَاعَةٌ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى قَصْدِ التَّهْوِيلِ والزجر، لئلّا يجترىء النَّاسُ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ عَمْدًا، وَيَرْجُونَ التَّوْبَةَ، وَيُعَضِّدُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:«أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوْبَةٌ» فَقَالَ: «لَا إِلَّا النَّارَ» ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ «أَهَكَذَا كُنْتَ تُفْتِينَا فَقَدْ كُنْتَ تَقُولُ إِنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ» فَقَالَ: «إِنِّي لَأَحْسَبُ السَّائِلَ رَجُلًا

مُغْضَبًا يُرِيدُ أَنْ يقتل مُؤمنا» ، قل: فَبَعَثُوا فِي أَثَرِهِ فَوَجَدُوهُ كَذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ إِذَا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَتَلَ نَفْسًا يَقُولُ لَهُ: «تَوْبَتُكَ مَقْبُولَةٌ» وَإِذَا سَأَلَهُ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَتَوَسَّمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُحَاوِلُ قَتْلَ نَفْسٍ، قَالَ لَهُ: لَا تَوْبَةَ لِلْقَاتِلِ.

وَأَقُولُ: هَذَا مَقَامٌ قَدِ اضْطَرَبَتْ فِيهِ كَلِمَاتُ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا عَلِمْتَ، وَمِلَاكُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ هُنَا فِي وَعِيدِ قَاتِلِ النَّفْسِ قَدْ تَجَاوَزَ فِيهِ الْحَدَّ الْمَأْلُوفَ مِنَ الْإِغْلَاظِ، فَرَأَى بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِحَمْلِ الْوَعِيدِ فِي الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، دُونَ تَأْوِيلٍ، لِشِدَّةِ تَأْكِيدِهِ تَأْكِيدًا يَمْنَعُ مَنْ حَمْلِ الْخُلُودِ عَلَى الْمَجَازِ، فَيُثْبِتُ لِلْقَاتِلِ الْخُلُودَ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ آيِ الْوَعِيدِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَخُوضُونَ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْآيَةِ مُحْكَمَةً أَوْ مَنْسُوخَةً، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا مَلْجَأً آخَرَ يَأْوُونَ إِلَيْهِ فِي حَمْلِهَا عَلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ آيَاتُ الْوَعِيدِ: مِنْ مَحَامِلِ التَّأْوِيلِ، أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَاتِ، فَآوَوْا إِلَى دَعْوَى نَسْخِ نَصِّهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [68، 69] : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ- إِلَى قَوْلِهِ- إِلَّا مَنْ تابَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَجْمُوعُ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِذَا كَانَ فَاعِلُ مَجْمُوعِهَا تَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ فَفَاعِلُ بَعْضِهَا وَهُوَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَجْدَرُ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ فَاعِلُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَالْقَتْلُ عَمْدًا مِمَّا عُدَّ مَعَهَا. وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:

إِنَّ آيَةَ النِّسَاءِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يُقَالَ

ص: 165