الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ الْقُفُولُ مِنَ الْغَزْوِ، لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْأَوْطَانِ سُكُونًا مِنْ قَلَاقِلِ السَّفَرِ وَاضْطِرَابِ الْبَدَنِ، فَإِطْلَاقُ الِاطْمِئْنَانِ عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاطْمِئْنَانَ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْخَوْفِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الِاطْمِئْنَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [260] .
وَمَعْنَى: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ صَلُّوهَا تَامَّةً وَلَا تَقْصُرُوهَا، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، فَيَكُونُ مُقَابِلَ قَوْلِهِ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النِّسَاء: 101] ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ هُوَ حُكْمُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ، دُونَ قَصْرِ السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ. فَالْإِقَامَةُ هُنَا الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ قَائِمًا أَيْ تَامًّا، عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ [الرَّحْمَن: 9] وَقَوْلِهِ: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13] . وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَيِمَّةِ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَسُفْيَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يُؤَدِّي الْمُجَاهِدُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَزُولَ الْخَوْفُ، لِأَنَّهُ رَأَى مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ فِعْلًا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ [النِّسَاء: 101- 103] يُرَجِّحُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ لِلْحِرْصِ عَلَى أَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا.
وَالْمَوْقُوتُ: الْمَحْدُودُ بِأَوْقَاتٍ، وَالْمُنَجَّمُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. وَالْأَوَّلُ أظهر هُنَا.
[104]
[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 104]
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النِّسَاء: 102] زِيَادَةً فِي تَشْجِيعِهِمْ عَلَى قِتَالِ الْأَعْدَاءِ، وَفِي تَهْوِينِ الْأَعْدَاءِ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَتَمَّ عُدَّةً، وَمَا كَانَ شَرْعُ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَأَحْوَالِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، إِلَّا تَحْقِيقًا لِنَفْيِ الْوَهْنِ فِي الْجِهَادِ.