الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَ (حَصِرَتْ) بِمَعْنَى ضَاقَتْ وَحَرِجَتْ.
وَ (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) مَجْرُورٌ بِحَذْفِ عَنْ، أَيْ ضَاقَتْ عَنْ قِتَالِكُمْ، لِأَجْلِ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ لَا يَرْضَوْنَ قِتَالَ إِخْوَانِهِمْ، وَعَنْ قِتَالِ قَوْمِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ، فَعَظُمَ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ. وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَنْ صِدْقٍ مِنْهُمْ. وَأُرِيدَ بِهَؤُلَاءِ بَنُو مُدْلِجٍ:
عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ عَذَرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ إِذْ صَدَقُوا، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَائِدَةَ هَذَا التَّسْخِيرِ الَّذِي سَخَّرَ لَهُمْ مِنْ قَوْمٍ قَدْ كَانُوا أَعْدَاءً لَهُمْ فَصَارُوا سِلْمًا يَوَدُّونَهُمْ. وَلَكِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ قِتَالَ قَوْمِهِمْ فَقَالَ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ.
وَلِذَلِكَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَفِّ أَيْدِيهِمْ عَنْ هَؤُلَاءِ إِنِ اعْتَزَلُوهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:
فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا أَيْ إِذْنا بعد أذن أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ غَيْرِهِمْ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ.
وَالسَّبِيلُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِوَسِيلَةِ الْمُؤَاخَذَةِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي خَبَرِهِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ دُونَ حَرْفِ الْغَايَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فِي سُورَة بَرَاءَة [91] .
[91]
[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 91]
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91)
هَؤُلَاءِ فَرِيقٌ آخَرُ لَا سَعْيَ لَهُمْ إِلَّا فِي خُوَيْصَّتِهِمْ، وَلَا يَعْبَأُونَ بِغَيْرِهِمْ، فَهُمْ يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَأْمَنُوا غَزْوَهُمْ، وَيُظْهِرُونَ الْوُدَّ لِقَوْمِهِمْ لِيَأْمَنُوا غَائِلَتَهُمْ، وَمَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ الْوُدَّ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِذَلِكَ وُصِفُوا بِإِرَادَةِ أَنْ يَأْمَنُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ قَوْمِهِمْ، فَلَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا حُظُوظُ أَنْفُسِهِمْ، يَلْتَحِقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي قَضَاءِ لُبَانَاتٍ