المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(556) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام والعقوبة الأخروية لشارب الخمر - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٨

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(539) باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

- ‌(540) باب إباحة ميتات البحر

- ‌(541) باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية وإباحة أكل لحم الخيل

- ‌(542) باب إباحة الضب

- ‌(543) باب إباحة أكل الجراد وأكل الأرنب

- ‌(544) باب ما يستعان به على الصيد. والأمر بإحسان الذبح والقتل. والنهي عن صبر البهائم

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌(545) باب وقت الأضاحي، وسن الأضحية

- ‌(كتاب الأضاحي) جمع أضحية، بضم الهمزة، وتشديد الياء، ويجوز كسر الهمزة، ويجوز حذفها، فتفتح الضاد، وقد تكسر، مع تشديد الياء، وجمع ضحية ضحايا، كعطية وعطايا، ويقال: أضحاة، وجمعها أضحى، بفتح الهمزة، كأرطاة وأرطى، كل ذلك للشاة التي تذبح ضحوة هذا اليوم، وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه، وبه سمي يوم الأضحى، أي اليوم الذي تذبح فيه الشاة في الضحى، والضحى ضوء الشمس، وارتفاع النهار وامتداده، والضحاء والضحوة والضحو والضحية الضحى

- ‌(546) باب استحباب ذبح الأضحية بنفسه والتسمية والتكبير عند الذبح، والذبح بكل ما أنهر الدم ليس السن والظفر

- ‌(547) باب ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وبيان نسخه

- ‌(548) باب الفرع والعتيرة

- ‌(549) باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً

- ‌(550) باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله

- ‌كتاب الأشربة

- ‌(551) باب الخمر وتحريمها

- ‌(552) باب تحريم تخليل الخمر والتداوي بها

- ‌(553) باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمراً

- ‌(554) باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين

- ‌(555) باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحتم والنقير

- ‌(556) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام والعقوبة الأخروية لشارب الخمر

- ‌(557) باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكراً

- ‌(558) باب جواز شرب اللبن

- ‌(559) باب تخمير الإناء، وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وإطفاء السراج والنار وكف الصبيان ليلاً

- ‌(560) باب آداب الطعام والشراب

- ‌(561) باب لعق الأصابع والإناء بعد الأكل والأكل بثلاث أصابع والتقاط اللقمة الساقطة

- ‌(562) باب الضيف يتبعه غير من دعي وتكثير الطعام ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(563) باب أكل التمر والرطب والقثاء والكمأة والكباث والثوم وتواضع الآكل وصفة قعوده

- ‌(564) باب إكرام الضيف وإيثاره، وطعام الاثنين كافي الثلاثة والمؤمن يأكل في معي واحد، وكراهة عيب الطعام

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌(565) باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء، وتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال

- ‌(566) باب النهي عن لبس الثوب المعصفر

- ‌(567) باب لباس الحبرة، والتواضع في اللباس وجواز اتخاذ الأنماط، وكراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس

- ‌(568) باب تحريم جر الثوب خيلاء وتحريم التبختر والإعجاب بالثياب

- ‌(569) باب تحريم خاتم الذهب على الرجال

- ‌(570) باب لبس النعال واشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد

- ‌(571) باب نهي الرجل عن التزعفر

- ‌(572) باب خضاب الشعر

- ‌(573) باب التصوير واتخاذ الصورة والكلب

- ‌(574) باب قلادة البعير، ووسم الحيوان، وضربه

- ‌(575) باب النهي عن القزع

- ‌(576) باب النهي عن الجلوس في الطرقات

- ‌(577) باب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله والمتشبع بما لم يعط

- ‌كتاب الآداب

- ‌(578) باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء وكراهة التسمية بالأسماء القبيحة والموهمة، وتغيير الاسم القبيح إلى حسن

- ‌(579) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، وتسميته، وتكنية الصغير واستحباب قوله لغير ابنه: يا بني، للملاطفة

- ‌(580) باب الاستئذان، وتحريم النظر في بيت الغير

- ‌كتاب السلام

- ‌(581) باب يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير

- ‌(582) باب حق الجلوس على الطريق وحق المسلم على المسلم

- ‌(583) باب السلام على أهل الكتاب والرد عليهم

- ‌(584) باب استحباب السلام على الصبيان

- ‌(585) باب جواز جعل الإذن رفع حجاب أو غيره من العلامات

- ‌(586) باب خروج النساء لقضاء حاجة الإنسان

- ‌(587) باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ودفع ظن السوء إذا خلا بامرأة حلال

- ‌(588) باب من أتى مجلساً فوجد فرجة جلس فيها وتحريم إقامة الإنسان من موضعه، وإذا قام ثم عاد فهو أحق به

- ‌(589) باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب

- ‌(590) باب جواز إرداف المرأة الأجنبية

- ‌(591) باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌كتاب الطب والمرض

- ‌(592) باب العين والحسد والرقى

- ‌(593) باب السحر

- ‌(594) باب السم

- ‌(595) باب عود إلى الرقى

- ‌(596) باب لكل داء دواء واستحباب التداوي

- ‌(597) باب الطاعون

- ‌(598) باب العدوى والطيرة والكهانة والهامة وصفر

الفصل: ‌(556) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام والعقوبة الأخروية لشارب الخمر

(556) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام والعقوبة الأخروية لشارب الخمر

4558 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع. فقال "كل شراب أسكر فهو حرام".

4559 -

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل شراب أسكر فهو حرام".

4560 -

وفي رواية عن الزهري بهذا الإسناد، وليس في حديث سفيان وصالح: سئل عن البتع. وهو في حديث معمر وفي حديث صالح: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل شراب مسكر حرام".

4561 -

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن. فقلت: يا رسول الله، إن شراباً يصنع بأرضنا يقال له المزر من الشعير، وشراب يقال له البتع من العسل؟ فقال "كل مسكر حرام".

4562 -

وفي رواية عن عمرو سمعه من سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذاً إلى اليمن. فقال لهما "بشرا ويسرا وعلما ولا تنفرا" وأراه قال: "وتطاوعا" قال فلما ولى رجع أبو موسى، فقال: يا رسول الله، إن لهم شراباً من العسل يطبخ حتى يعقد. والمزر يصنع من الشعير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام".

ص: 155

4563 -

عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذاً إلى اليمن، فقال "ادعوا الناس. وبشرا ولا تنفرا. ويسرا ولا تعسرا" قال: فقلت: يا رسول الله، أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد؟ قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال "أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة".

4564 -

عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً قدم من جيشان، وجيشان من اليمن، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أو مسكر؟ " هو قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر حرام. إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال "عرق أهل النار أو عصارة أهل النار".

4565 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر. وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة".

4566 -

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كل مسكر خمر. وكل مسكر حرام".

4567 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل مسكر خمر. وكل خمر حرام".

4568 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من شرب الخمر في الدنيا، حرمها في الآخرة".

ص: 156

4569 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "من شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها، حرمها في الآخرة فلم يسقها" قيل لمالك: رفعه؟ قال: نعم.

4570 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من شرب الخمر في الدنيا، لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب".

-[المعنى العام]-

إن الله تعالى حد حدوداً، وشرع عقوبات دنيوية على بعض الكبائر، ومنها الخمر، وقد سبق حد شربها في كتاب الحدود -أربعين جلدة أو ثمانين- وإقامة هذا الحد على الشارب مكفر لذنب الشرب عند جمهور العلماء، على أساس أن الحدود جوابر، وأن الله تعالى أكرم من أن يعاقب على الذنب في الدنيا والآخرة. فإقامة الحد في حكم التوبة المقبولة إن شاء الله.

أما الذي يشرب الخمر، ولا يحد، ويدمن شربها، ولا يقلع عنها حتى يموت، ولا يتوب من شربها توبة نصوحاً خالصة مقبولة فإن عقوبته في الآخرة مستحقة، وهي عقوبة من جنس المعصية، كما هو الشأن في عقوبات الآخرة، لقد تمتع شارب الخمر بخمرة في الدنيا، فعقوبته عدم التمتع بشربها في الآخرة، وفي الجنة أنهار من خمر لذة للشاربين، فمن تمتع بها في الدنيا بلذة عاجلة قصيرة سنوات مثلاً، فسوف يحرم من اللذة الكبيرة المستمرة أبداً، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون، تمتع بها فأذهب عقله، وانحطت آدميته، وأتى مهازل وسقطات، وسخر منه من حوله، وسوف يحرم منها، وليس فيها غول، ولا ضعف عقل، ولا سقوط تصرف، بل قمة في التمتع والتلذذ، من غير أضرار أو أخطار.

فالخاسر من باع آخرته بدنياه، واستبدل بالنعيم الحقيقي الدائم تنعم حقير عاجل سريع الزوال.

-[المباحث العربية]-

(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع) بكسر الباء وسكون التاء وقد تفتح، وهي لغة يمانية، وهو نبيذ العسل، كان أهل اليمن يشربونه، والظاهر أن السائل هو أبو موسى الأشعري، ففي الرواية الثالثة والرابعة والخامسة عن أبي موسى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن

ص: 157

البتع، وفي الرواية الرابعة "إن لهم شراباً من العسل، يطبخ حتى يعقد" بفتح الياء وسكون العين وكسر القاف، يقال: عقد السائل بفتح العين والقاف، فعل لازم يعقد عقداً، إذا غلظ، وفي الرواية الخامسة "البتع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد".

(بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ إلى اليمن) سبق بيان مهمتهما وزمنها في كتاب الإيمان في الجزء الأول.

(والمزر يصنع من الشعير) بكسر الميم وسكون الزاي، بعدها راء، وفي الرواية الخامسة "والمزر، وهو من الذرة والشعير، ينبذ حتى يشتد" وفي الرواية السادسة "من الذرة" ولا تعارض، فهو يصنع من كل من الذرة والشعير والحنطة.

(بشرا ويسرا، وعلما ولا تنفرا -وأراه قال: وتطاوعا) في الرواية الخامسة "بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا" وفيها الأمر بالشيء، والنهي عن نقيضه، للتأكيد والتقوية، والمفعول به محذوف، أي بشرا الناس وأملاهم في الخير، ولا تنفراهم ولا تخوفاهم بتوقع الشر، ويسرا عليهم أداء واجباتهم، ولا تعسرا عليهم في فرض ما تفرضون عليهم، وليطع كل منكما صاحبه، ولا تختلفا، ولا تتعارض أوامركما وحكمكما.

(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه)"جوامع الكلم" من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الكلم الجوامع، أي اللفظ القليل، المفيد للمعاني الكثيرة جداً، وقوله "بخواتمه" بما يفيد آخر مراد المخاطب، ويستوفي مطالبه ومقاصده، فالباء للمصاحبة.

(أنهى عن كل مسكر) أي كل ما من شأنه أن يسكر كثيره، وفي الرواية السادسة "كل مسكر حرام" أي كل ما من شأنه أن يسكر، وليس كل مسكر بالفعل، وإلا لقال: كل سكر حرام.

(إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال) ربط العقوبة بالشرب، ولم يربطها بالإسكار، و"طينة الخبال" اسم لعرق أهل النار، أو عصارة أهل النار، كما فسر في الحديث.

(فلم يتب منها) أي لم يتب من شربها.

-[فقه الحديث]-

يتكون فقه الحديث من نقطتين أساسيتين:

بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، وقد سبقت هذه النقطة وافية في الباب رقم 551.

النقطة الثانية العقوبة الأخروية لشارب الخمر، والوعيد في الرواية السادسة أن يسقيه الله من عرق أهل النار، وهذه العقوبة لم يحدد فيها قدر، ولا زمن، فقد يكون جرعة في لحظة.

ص: 158

أما العقوبة في الرواية السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة فهي الحرمان من شربها في الآخرة.

قال الخطابي: معنى الحديث لا يدخل الجنة، لأن الخمر شراب أهل الجنة، فإذا حرم شربها دل على أنه لا يدخل الجنة.

وقال ابن عبد البر: هذا وعيد شديد، يدل على حرمان دخول الجنة، لأن الله تعالى أخبر أن في الجنة أنهار الخمر لذة للشاربين، وأنهم لا يصدعون عنها، ولا ينزفون، فلو دخلها -وقد علم أن فيها خمراً، أو أنه حرمها عقوبة له -لزم وقوع الهم والحزن في الجنة، ولا هم فيها، ولا حزن، وإن لم يعلم بوجودها، ولا أنه حرمها عقوبة له، لم يكن عليه في فقدها ألم، فلهذا قال بعض من تقدم أنه لا يدخل الجنة أصلاً. قال: وهو مذهب غير مرضي، قال: ويحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها، ولا يشرب الخمر فيها، إلا إن عفا الله عنه. كما في بقية الكبائر، وهو في المشيئة، فعلى هذا، فمعنى الحديث: جزاؤه في الآخرة أن يحرمها، لحرمانه دخول الجنة، إلا إن عفا الله عنه، قال: وجائز أن يدخل الجنة بالعفو، ثم لا يشرب فيها خمراً، ولا تشتهيها نفسه، وإن علم بوجودها فيها، ويؤيده حديث أبي سعيد، مرفوعاً "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه هو" قال الحافظ: أخرجه الطيالسي وصححه ابن حبان. وقريب منه حديث عبد الله بن عمرو، رفعه "من مات من أمتي، وهو يشرب الخمر، حرم الله عليها شربها في الجنة" أخرجه أحمد بسند حسن، وقد لخص عياض كلام ابن عبد البر، وزاد احتمالاً آخر، وهو أن المراد بحرمانه شربها، أنه يحبس عن الجنة مدة، إذا أراد الله عقوبته، ومثله الحديث الآخر "لم يرح رائحة الجنة" قال: ومن قال: لا يشربها في الجنة، بأن ينساها، أو لا يشتهيها، يقول: ليس عليه في ذلك حسرة، ولا يكون ترك شهوته إياها عقوبة في حقه، بل هو نقص نعيم بالنسبة إلى من هو أتم نعيماً منه، كما تختلف درجاتهم، ولا يلحق من هو أنقص درجة حينئذ، بمن هو أعلى درجة منه، استغناء بما أعطي، واغتباطاً له.

وقال ابن العربي: ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة، ولا يلبس الحرير فيها، وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره، ووعد به، فحرمه عند ميقاته، كالوارث، فإنه إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه، لاستعجاله. وبهذا قال نفر من الصحابة والعلماء، وهو موضع احتمال، والله أعلم كيف يكون الحال.

وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلاً، فهو الذي لا يشربها أصلاً، لأنه لا يدخل الجنة أصلاً، وعدم الدخول يستلزم حرمانها، وبين من يشربها عالماً بتحريمها، فهو محل الخلاف. وفي الحديث أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر، وهو في التوبة من الكفر قطعي، لقوله تعالى:{قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] وفي غير الكفر من الذنوب خلاف بين أهل السنة، هل هو قطعي؟ أو ظني؟ قال النووي: الأقوى أنه ظني، وقال القرطبي: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعاً، وللتوبة الصادقة شروط.

ص: 159

ويمكن أن يستدل بحديث الباب على صحة التوبة من بعض الذنوب، دون بعض، وفيه أن الوعيد يتناول من شرب الخمر، وإن لم يحصل له السكر، لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب، من غير قيد، قال الحافظ ابن حجر: وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب، أما ما لا يسكر من غيرها فالأمر فيه كذلك عند الجمهور.

والله أعلم

ص: 160