المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(578) باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء وكراهة التسمية بالأسماء القبيحة والموهمة، وتغيير الاسم القبيح إلى حسن - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٨

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(539) باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

- ‌(540) باب إباحة ميتات البحر

- ‌(541) باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية وإباحة أكل لحم الخيل

- ‌(542) باب إباحة الضب

- ‌(543) باب إباحة أكل الجراد وأكل الأرنب

- ‌(544) باب ما يستعان به على الصيد. والأمر بإحسان الذبح والقتل. والنهي عن صبر البهائم

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌(545) باب وقت الأضاحي، وسن الأضحية

- ‌(كتاب الأضاحي) جمع أضحية، بضم الهمزة، وتشديد الياء، ويجوز كسر الهمزة، ويجوز حذفها، فتفتح الضاد، وقد تكسر، مع تشديد الياء، وجمع ضحية ضحايا، كعطية وعطايا، ويقال: أضحاة، وجمعها أضحى، بفتح الهمزة، كأرطاة وأرطى، كل ذلك للشاة التي تذبح ضحوة هذا اليوم، وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه، وبه سمي يوم الأضحى، أي اليوم الذي تذبح فيه الشاة في الضحى، والضحى ضوء الشمس، وارتفاع النهار وامتداده، والضحاء والضحوة والضحو والضحية الضحى

- ‌(546) باب استحباب ذبح الأضحية بنفسه والتسمية والتكبير عند الذبح، والذبح بكل ما أنهر الدم ليس السن والظفر

- ‌(547) باب ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وبيان نسخه

- ‌(548) باب الفرع والعتيرة

- ‌(549) باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً

- ‌(550) باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله

- ‌كتاب الأشربة

- ‌(551) باب الخمر وتحريمها

- ‌(552) باب تحريم تخليل الخمر والتداوي بها

- ‌(553) باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمراً

- ‌(554) باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين

- ‌(555) باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحتم والنقير

- ‌(556) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام والعقوبة الأخروية لشارب الخمر

- ‌(557) باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكراً

- ‌(558) باب جواز شرب اللبن

- ‌(559) باب تخمير الإناء، وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وإطفاء السراج والنار وكف الصبيان ليلاً

- ‌(560) باب آداب الطعام والشراب

- ‌(561) باب لعق الأصابع والإناء بعد الأكل والأكل بثلاث أصابع والتقاط اللقمة الساقطة

- ‌(562) باب الضيف يتبعه غير من دعي وتكثير الطعام ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(563) باب أكل التمر والرطب والقثاء والكمأة والكباث والثوم وتواضع الآكل وصفة قعوده

- ‌(564) باب إكرام الضيف وإيثاره، وطعام الاثنين كافي الثلاثة والمؤمن يأكل في معي واحد، وكراهة عيب الطعام

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌(565) باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء، وتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال

- ‌(566) باب النهي عن لبس الثوب المعصفر

- ‌(567) باب لباس الحبرة، والتواضع في اللباس وجواز اتخاذ الأنماط، وكراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس

- ‌(568) باب تحريم جر الثوب خيلاء وتحريم التبختر والإعجاب بالثياب

- ‌(569) باب تحريم خاتم الذهب على الرجال

- ‌(570) باب لبس النعال واشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد

- ‌(571) باب نهي الرجل عن التزعفر

- ‌(572) باب خضاب الشعر

- ‌(573) باب التصوير واتخاذ الصورة والكلب

- ‌(574) باب قلادة البعير، ووسم الحيوان، وضربه

- ‌(575) باب النهي عن القزع

- ‌(576) باب النهي عن الجلوس في الطرقات

- ‌(577) باب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله والمتشبع بما لم يعط

- ‌كتاب الآداب

- ‌(578) باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء وكراهة التسمية بالأسماء القبيحة والموهمة، وتغيير الاسم القبيح إلى حسن

- ‌(579) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، وتسميته، وتكنية الصغير واستحباب قوله لغير ابنه: يا بني، للملاطفة

- ‌(580) باب الاستئذان، وتحريم النظر في بيت الغير

- ‌كتاب السلام

- ‌(581) باب يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير

- ‌(582) باب حق الجلوس على الطريق وحق المسلم على المسلم

- ‌(583) باب السلام على أهل الكتاب والرد عليهم

- ‌(584) باب استحباب السلام على الصبيان

- ‌(585) باب جواز جعل الإذن رفع حجاب أو غيره من العلامات

- ‌(586) باب خروج النساء لقضاء حاجة الإنسان

- ‌(587) باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ودفع ظن السوء إذا خلا بامرأة حلال

- ‌(588) باب من أتى مجلساً فوجد فرجة جلس فيها وتحريم إقامة الإنسان من موضعه، وإذا قام ثم عاد فهو أحق به

- ‌(589) باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب

- ‌(590) باب جواز إرداف المرأة الأجنبية

- ‌(591) باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌كتاب الطب والمرض

- ‌(592) باب العين والحسد والرقى

- ‌(593) باب السحر

- ‌(594) باب السم

- ‌(595) باب عود إلى الرقى

- ‌(596) باب لكل داء دواء واستحباب التداوي

- ‌(597) باب الطاعون

- ‌(598) باب العدوى والطيرة والكهانة والهامة وصفر

الفصل: ‌(578) باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء وكراهة التسمية بالأسماء القبيحة والموهمة، وتغيير الاسم القبيح إلى حسن

(578) باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء وكراهة التسمية بالأسماء القبيحة والموهمة، وتغيير الاسم القبيح إلى حسن

.

4875 -

عن أنس رضي الله عنه قال: نادى رجل رجلاً بالبقيع يا أبا القاسم. فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال يا رسول الله إني لم أعنك. إنما دعوت فلاناً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي".

4876 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن".

4877 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه محمداً. فقال له قومه: لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق بابنه حامله على ظهره، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، ولد لي غلام فسميته محمداً. فقال لي قومي: لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تسموا باسمي. ولا تكتنوا بكنيتي. فإنما أنا قاسم أقسم بينكم".

4878 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه محمداً، فقلنا لا نكنك برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تستأمره. قال: فأتاه. فقال: إنه ولد لي غلام فسميته برسول الله، وإن قومي أبوا أن يكنوني به حتى تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال "سموا باسمي. ولا تكنوا بكنيتي. فإنما بعثت قاسماً أقسم بينكم".

4879 -

وفي رواية عن حصين، بهذا الإسناد، ولم يذكر:"فإنما بعثت قاسماً أقسم بينكم".

ص: 425

4880 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي. ولا تكنوا بكنيتي. فإني أنا أبو القاسم، أقسم بينكم" وفي رواية أبي "بكر ولا تكتنوا".

4881 -

وفي رواية عن الأعمش، بهذا الإسناد. وقال:"إنما جعلت قاسماً أقسم بينكم".

4882 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً من الأنصار ولد له غلام. فأراد أن يسميه محمداً. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله. فقال: "أحسنت الأنصار. سموا باسمي. ولا تكتنوا بكنيتي".

4883 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بنحو حديث من ذكرنا حديثهم من قبل. وفي حديث النضر. عن شعبة، قال: وزاد فيه حصين وسليمان. قال حصين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت قاسماً أقسم بينكم" وقال سليمان: "فإنما أنا قاسم أقسم بينكم".

4884 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم. فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم. ولا ننعمك عيناً. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم. فذكر ذلك له. فقال: أسم ابنك عبد الرحمن".

4885 -

وفي رواية عن جابر، بمثل حديث ابن عيينة، غير أنه لم يذكر: ولا ننعمك عيناً.

ص: 426

4886 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي. ولا تكنوا بكنيتي" قال عمرو: عن أبي هريرة. ولم يقل: سمعت.

4887 -

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لما قدمت نجران، سألوني. فقالوا: إنكم تقرءون يا أخت هارون. وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألته عن ذلك. فقال:"إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم".

4888 -

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء: أفلح، ورباح، ويسار، ونافع.

4889 -

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسم غلامك رباحاً، ولا يساراً، ولا أفلح، ولا نافعاً".

4890 -

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت. ولا تسمين غلامك يساراً، ولا رباحاً، ولا نجيحاً، ولا أفلح. فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون فيقول: لا" إنما هن أربع فلا تزيدن علي.

4891 -

حديث شعبة، فليس فيه إلا ذكر تسمية الغلام. ولم يذكر الكلام الأربع.

4892 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك. ثم رأيته

ص: 427

سكت بعد عنها، فلم يقل شيئاً. ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك. ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك. ثم تركه.

4893 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية. وقال "أنت جميلة" قال أحمد -مكان أخبرني- عن.

4894 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية. فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة.

4895 -

16

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت جويرية اسمها برة. فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية. وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة. وفي حديث ابن أبي عمر عن كريب قال: سمعت ابن عباس.

4896 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن زينب كان اسمها برة. فقيل: تزكي نفسها. فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. ولفظ الحديث لهؤلاء دون ابن بشار. وقال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة.

4897 -

حدثتني زينب بنت أم سلمة رضي الله عنهما قالت: كان اسمي برة. فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش، واسمها برة، فسماها زينب.

4898 -

عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة. فقالت لي: زينب

ص: 428

بنت أبي سلمة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم. وسميت برة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم" فقالوا: بم نسميها؟ قال: "سموها زينب".

4899 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك" زاد ابن أبي شيبة في روايته "لا مالك إلا الله عز وجل" قال الأشعثي. قال سفيان: مثل شاهان شاه. وقال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمرو عن أخنع. فقال: أوضع.

4900 -

عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه وأغيظه عليه، رجل كان يسمى ملك الأملاك. لا ملك إلا الله".

-[المعنى العام]-

الأسماء والأعلام بها تتمايز الأشياء، وبها تعرف الأفراد، وقد تتشابه الأسماء، فتعرف بإضافة اسم الأب، وقد تتشابه أسماء الأفراد مع آبائهم، فتعرف بإضافة اسم الجد، ثم الجد الأعلى، ثم لقب الأسرة، وهكذا حتى يتم رفع التشابه.

وقد شاعت الكنية عند العرب، وهي علم صدر بلفظ أب أو أم، كأبي بكر وأبي هريرة، وأم سلمة وأم حبيبة، ومنهم من اشتهر باسمه، ومنهم من اشتهر بكنيته، ومنهم من اشتهر بهما معاً، كما شاعت الألقاب بينهم، وهو علم أشعر بالمدح أو الذم.

وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء، أشهرها محمد ثم أحمد، وكان له كنيتان، أشهرهما أبو القاسم، ثم أبو إبراهيم، وكانت له ألقاب، أشهرها رسول الله، ثم نبي الله، ومع أن الله تعالى نادى رسله بأسمائهم، فقال: يا موسى. يا عيسى. يا نوح. يا إبراهيم. يا زكريا. يا داود. يا آدم. إلخ، ولم يناد محمداً صلى الله عليه وسلم باسمه، بل ناداه بقوله {يا أيها الرسول} [المائدة: 41]. {يا أيها النبي} [الأنفال: 64] ولما تجرأ الأعراب، ونادوه من خارج بيته: يا محمد. يا محمد. يا محمد. اخرج إلينا، نزل فيهم قرآن كريم، يعنفهم، ويعلمهم {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} [الحجرات: 4]. {يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2]. {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} [النور: 62] كان لا بد -مع خشونة الأعراب وغلظتهم وجفوتهم بحكم الطبيعة أن يعلموا معنى التجلة

ص: 429

والاحترام والتقديس لأفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الطبيعي أن يحرص الصحابة على إبراز حبهم له بتسمية أبنائهم باسمه صلى الله عليه وسلم، أو التكنية بكنيته، فكان في ذلك تلبيس إذا نادى أحدهم صاحبه الذي تسمى باسمه، أو تكنى بكنيته، وقد حصل فعلاً، إذ كان صلى الله عليه وسلم في سوق البقيع، فسمع رجلاً ينادي: يا أبا القاسم.

فالتفت صلى الله عليه وسلم نحو الرجل، وكأنه يقول له: ماذا تريد مني؟ فتأسف الرجل واعتذر، وقال: لم أقصدك يا رسول الله، وإنما قصدت فلاناً، المكنى بأبي القاسم، فقال صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي، ولا تتكنوا بكنيتي، إذ ليس من المعتاد، ولا من اللائق أن يناديني أحد باسمي، فلا خطورة، ولا حرج من تسمية أبنائكم بمحمد، لكن لا يكني أحد منكم بأبي القاسم، ولا يسمي ابنه بالقاسم، لئلا يكنى بأبي القاسم، وكانت خطورة أخرى، سموا أولادهم بمحمد، ولما أخطأ الأطفال شتموهم، فكان شتماً لاسم الرسول في شخص الطفل، فقال صلى الله عليه وسلم "تسمونهم محمداً، ثم تلعنونهم: ؟ فكف الصحابة عن لعن وسب من اسمه محمد. ولما زال الالتباس، بوفاته صلى الله عليه وسلم سمى الناس القاسم، وكنوا أنفسهم بأبي القاسم، وتحاشوا سبهم أو ألفاظ تحقيرهم، كما سموا أولادهم بأسماء أنبياء الله السابقين، تيمناً وتبركاً بهم.

ولما كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويدعو إليه، ويكره التشاؤم وينهى عنه، ويحذر منه، دعا إلى التسمية بالأسماء الحسنة، والتي توحي بالفأل الحسن، ونهى عن التسمية بالأسماء القبيحة، والتي توحي بالتشاؤم، ولم يكتف بهذه الدعوة، بل كان إذا جاءه صاحب اسم مكروه غيره إلى محبوب، وإذا جاءه صاحب اسم قبيح حوله إلى حسن، فحول "حباباً" إلى "عبد الله" وحول اسم "حرب" إلى "الحسن" وحول اسم "غراب" إلى "مسلم" وحول اسم "عاصية" إلى "جميلة" وحول اسم "العاص" إلى "مطيع" كما حذر من التسمية بالأسماء المختصة بالله تعالى وعظمته، فلا يسمى بملك الملوك، ولا بسلطان السلاطين، ولا بالرحمن، ولا بالقدوس، ولا بالمهيمن.

وهكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الأدب في كل شيء، حتى في تسمية الآباء أبناءهم وبناتهم. فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(نادى رجل رجلاً بالبقيع: يا أبا القاسم) البقيع مدافن أهل المدينة، والظاهر أن هذا النداء كان عند دفن ميت، وقد حضر التشييع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع من الصحابة، وجملة "يا أبا القاسم" بيان للنداء، وهي كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كني بولده القاسم، وكان أكبر أولاده، واختلف. هل مات قبل البعثة أو بعدها، وقد ولد له إبراهيم في المدينة، من مارية القبطية، وروي أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم:"السلام عليك يا أبا إبراهيم" لكن لم يشتهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكنية أبي القاسم.

(فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ظناً أنه يناديه، على الرغم من أن الصحابة لم يكونوا ينادونه

ص: 430

إلا: يا رسول الله، يا نبي الله، ولكن لعلاقة الكنية به التفت إليه لا شعورياً، ربما وقع في نفسه أن المنادي أعرابي قريب العهد بالإسلام وبالحضارة.

(يا رسول الله، إني لم أعنك) يقال: عني بالقول كذا، بفتح العين والنون، يعنيه، عيناً وعناية، أراده وقصده، أي لم أقصدك يا رسول الله.

(تسموا باسمي)"تسموا" بفتح الميم المشددة، وفي الرواية الرابعة والسادسة "سموا" بتشديد الميم المضمومة، وفي الرواية السابعة "أسم ابنك عبد الرحمن" بفتح همزة القطع وسكون السين، أمر من أسمي، يقال: أسمي الشيء كذا، وأسمي الشيء بكذا، جعله له اسماً.

(ولا تكنوا بكنيتي)"تكنوا" بفتح التاء والكاف وتشديد النون المفتوحة، وأصله تتكنوا، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف، وفي الرواية الثالثة والسادسة وملحق الخامسة "ولا تكتنوا بكنيتي" يقال: كنى عن كذا بفتح الكاف وفتح النون مخففة، يكني بفتح الياء وسكون الكاف وكسر النون، كناية، تكلم بما يستدل عليه، ولم يصرح، وفي رواية "ولا تكنوا" بفتح التاء وسكون الكاف وضم النون "بكنوتي" بالواو بدل الياء قال الحافظ ابن حجر: وهي بمعناها، كنونة وكنية بمعنى. اهـ ويقال: كنى عن كذا بكذا، فهو كان، إذا ذكر شيئاً بغير ما يستدل به عليه صريحاً، ويقال: أكناه، بالهمزة، وكناه بتشديد النون، بمعنى كناه بتخفيفها، ويقال: تكنى بكذا، بفتح التاء والكاف وتشديد النون، أي تسمى به، والعلم يأتي اسماً وكنية ولقباً، فاللقب ما أشعر بمدح أو ذم، والكنية ما صدرت بأب أو أم. وهذا هو المشهور، وقد تكون مصدرة بابن أو بنت، أو أخ أو أخت، أو عم أو عمة، أو خال أو خالة، وما عداهما يقال له: الاسم، ونستعمل الكنية مع الاسم واللقب، أو بدونهما، تفخيماً لشأن صاحبها أن يذكر اسمه مجرداً، وتكون لأشراف الناس، وربما كني الطفل والصبي تفاؤلاً، وقد اشتهرت الكنى عند العرب، وقد يكون للواحد كنية واحدة، وقد يكون له أكثر من كنية، وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعاً، وقد يشتهر بأحدهما.

(ولد لرجل منا غلام) أي "منا" معشر الأنصار، ففي الرواية السادسة "أن رجلاً من الأنصار، ولد له غلام

" وفيها "فقال صلى الله عليه وسلم: أحسنت الأنصار" ويحتمل "منا" من قومنا وقبيلتنا وأسرتنا، لقوله "فقال له قومه" أي أقاربه الذين يجتمعون عنده، في مثل هذه المناسبة، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم الرجل المذكور.

(فسماه محمداً) في الرواية السادسة "فأراد أن يسميه محمداً" وفي الرواية السابعة "فسماه القاسم" وفي رواية "فأراد أن يسميه القاسم" ورجحها الحافظ ابن حجر لقوله في الرواية السابعة "لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عيناً" ورجح غيره الرواية الأولى، لقوله في الرواية الثالثة "لا ندعك تسمى باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" ويحتمل أنه أراد أن يسميه واحداً من الاسمين، فذكر بعضهم هذا وذكر بعضهم ذاك، وكان رد بعضهم على الاقتراح الأول "لا ندعك تسمي باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا نكنيك برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقول لك: "يا أبا محمد، وكان رد

ص: 431

بعضهم على الاقتراح الثاني: "لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عيناً" من الإنعام، أي لا ننعم عليك بذلك، فتقر عينك به.

(فإنما أنا قاسم أقسم بينكم) في الرواية الرابعة "فإنما بعثت قاسماً، أقسم بينكم" وعند الترمذي "أنا أبو القاسم، الله يعطي، وأنا أقسم" أي أنا لي من كنيتي نصيب، ووصف صحيح، وليس لكم من هذا الوصف شيء، فلا تكنوا به.

(لما قدمت نجران سألوني)"نجران" بفتح النون وسكون الجيم، بلد كبير، على سبع مراحل من مكة، إلى جهة اليمن، يشتمل على ثلاث وسبعين قرية، وكان أهلها مسيحيين نصارى، وجاء رؤساؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الوفود، فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة، أبا عبيدة بن الجراح، ليعلمهم، ويأتيه بصدقاتهم، ثم بعث إليهم بعد ذلك علي بن أبي طالب، ولعل المغبرة ذهب إلى نجران في صحبة أحدهما، أو للتجارة.

(إنكم تقرءون {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ ) يعترض النصارى على القرآن، وأنه ينطق بما يخالف حقائق التاريخ، يقصدون الآية (28) من سورة مريم، نصها مع ما قبلها {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً* يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً} وحاصل الاعتراض أن الأخ يعاصر أخاه، فكيف تكون مريم أختاً لهارون أخي موسى، وبين موسى ومريم من الأزمان ما يستحيل معه أن تكون مريم وهارون من أب واحد، أو أم واحدة؟ إذ بينهما أكثر من ستمائة سنة، وقيل أكثر من ألف عام، وفي رواية أن النصارى قالوا للمغيرة: إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون، وبينهما في المدة ستمائة سنة؟ قال المغيرة: فلم أدر ما أقول، وكان جواب الرسول صلى الله عليه وسلم.

(إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم) وحاصل الجواب أن هارون هداً ليس هو أخا موسى، وإنما هو أخ لها من أبيها يسمى هارون، لأن هذا الاسم في بني إسرائيل كان كثيراً، تبركاً باسم هارون أخي موسى، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل، وقال قتادة: كان في ذلك الزمان في بني إسرائيل عابد منقطع إلى الله تعالى، يسمى هارون، فنسبوها إلى أخوته، من حيث كانت على طريقته قبل، إذ كانت موقوفة على خدمة البيع، أي يا هذه المرأة الصالحة ما كنت أهلاً لذلك، وفي التفاسير أقوال أخرى، من أرادها فليرجع إليها.

(فلا تزيدن علي) بضم الدال، أي الذي سمعتموه أربع كلمات، فلا تزيدوا علي في الرواية، ولا تنقلوا عني غير الأربع.

(أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى) قال النووي: هكذا وقع هذا اللفظ في معظم نسخ صحيح مسلم التي ببلادنا "أن يسمى بيعلى" وفي بعضها "بمقبل" بدل "يعلى" وذكر القاضي أنه في أكثر النسخ "بمقبل" وفي بعضها "يعلى" قال: والأشبه أنه تصحيف، قال: والمعروف

ص: 432

"بمقبل" قال النووي: وهذا الذي أنكره القاضي ليس بمنكر، بل هو المشهور، وهو صحيح في الرواية وفي المعنى.

(كانت جويرية اسمها برة) جويرية بنت الحارث، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، إحدى أمهات المؤمنين. و"برة" بفتح الباء وتشديد الراء، مشتقة من البر، بكسر الباء، والله أعلم بأهل البر، ففي هذا الاسم تزكية للنفس، وكما وقع لجويرية وقع لزينب بنت جحش، كما في الرواية الثامنة عشرة، ولزينب بنت أم سلمة، كما في الرواية الثامنة عشرة والتاسعة عشرة.

(إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك) فسرت "أخنع" لأحمد بن حنبل بأوضع، أي أذل، قال عياض: معناه أشد الأسماء صغاراً، والخانع الذليل، وخنع الرجل ذل، قال ابن بطال، وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلاً. اهـ وفيه نظر، فتسميته ليست من فعله، وقد لا يملك التغيير، وفسر الخليل "أخنع" بأفجر، فقال: الخنع الفجور، يقال: أخنع الرجل إلى المرأة إذا دعاها للفجور، وقيل: أخبث، وقيل: أقبح، ووقع في رواية البخاري "أخنى الأسماء" من الخنا بفتح الخاء وتخفيف النون، وهو الفحش، وقد يكون بمعنى أهلك الأسماء لصاحبه، والخنى الهلاك، يقال: أخنى عليه الدهر، أي أهلكه، وقال أبو عبيد: روي "أنخع" أي أقتل، والنخع القتل الشديد، و"ملك" بكسر اللام، و"الأملاك" جمع "ملك" بفتح الميم وكسر اللام، ومثله "ملوك" جمع مليك.

(شاهان شاه) بسكون النون، وبهاء في آخره، وليست هاء تأنيث، فلا تقال بالتاء أصلاً، قال الحافظ ابن حجر: وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظة العجمية، وأنكر ذلك آخرون، وهو غفلة منهم عن مراده، وذلك أن لفظ "شاهان شاه" كان قد كثر التسمية به في ذلك العصر، فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في "ملك الأملاك" بل كل ما أدى معناه، بأي لسان كان، فهو مراد بالذم.

قال: وقوله "شاهان شاه" هو المشهور في روايات هذا الحديث، وحكى عياض عن بعض الروايات "شاه شاه" بتنوين الأول، وزعم بعضهم أن الصواب "شاه شاهان" وليس كذلك، لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف، فإذا أرادوا "قاضي القضاة" بلسانهم، قالوا: موبذان موبذ، فموبذ هو القاضي، وموبذان جمعه، فكذا "شاه" هو الملك، و"شاهان" هو الملوك.

(أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه، وأغيظه عليه، رجل .... ) قال النووي: هكذا وقع في جميع النسخ، بتكرير "أغيظ" قال القاضي: ليس تكريره صحيح الكلام، بل فيه وهم من بعض الرواة، بتكريره أو تغييره، قال: وقال بعض الشيوخ: لعل أحدهما "أغنط" بالنون والطاء، أي أشده عليه، والغنط شدة الكرب. اهـ

وإطلاق "أغيظ" ونسبة الغيظ إلى الله تعالى مؤول بالغضب، قاله الماوردي.

ص: 433

-[فقه الحديث]-

يمكن حصر فقه الحديث في أربع نقاط: التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم، والتسمية باسمه، والتسمية بما يوهم، وما يؤخذ من الحديث:

1 -

أما التكنية بكنيته، فقد ورد النهي عنها، ولا تكنوا بكنيتي" في الرواية الأولى والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والثامنة قال النووي: اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة، جمعها القاضي وغيره:

أحدها: مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً، سواء كان اسمه محمداً، أو أحمد، أم لم يكن، لظاهر هذا الحديث "لا تكنوا بكنيتي".

والثاني: أن هذا النهي منسوخ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر، للمعنى المذكور في الحديث، ثم نسخ [أي كان النهي خاصاً بحياته صلى الله عليه وسلم خوف التباس نداء غيره بندائه، وقد زال هذا الالتباس بعده صلى الله عليه وسلم] قالوا: فيباح التكني اليوم بأبي القاسم، لكل أحد، سواء من اسمه محمد وأحمد وغيره، وهذا مذهب مالك، قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، قالوا: وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك إلى اليوم، مع كثرة فاعل ذلك، وعدم الإنكار.

الثالث: أن النهي ليس بمنسوخ، ولكنه للتنزيه والأدب، لا للتحريم، وهو مذهب ابن جرير الطبري.

الرابع: أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد، ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمي بواحد من الاسمين، وهذا قول جماعة من السلف، وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر.

الخامس: أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقاً، وينهى عن التسمية بالقاسم، لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم، [وهو مذهب بعض الظاهرية] وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك، حين بلغه هذا الحديث، فسماه عبد الملك، وكان سماه أولاً القاسم، وفعله بعض الأنصار أيضاً.

ثم قال: وأما غير أبي القاسم من الكنى، فأجمع المسلمون على جوازه، سواء كان له ابن أو بنت، فكني بها، أو لم يكن له ولد، أو كان صغيراً، أو كني بغير ولده، ويجوز أن يكنى الرجل بأبي فلان أو بأبي فلانة، وأن تكنى المرأة بأم فلان وبأم فلانة، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكني صبياً صغيراً، هو أخو أنس، كان يقول له: يا أبا عمير. ما فعل النغير؟ اهـ.

والحديث الذي أشار إليه النووي في المذهب الرابع أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان عن جابر رضي الله عنه رفعه "من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي، ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي" وفي لفظ "إذا سميتم بي فلا تكنوا بي، وإذا كنيتم بي فلا تسموا بي"، وفي لفظ للبخاري في الأدب المفرد "لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي" وفي لفظ عند أبي يعلى "من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي".

ص: 434

أما ما أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث علي رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد. أسميه باسمك؟ وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم" فكان رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب، قال الطبري: في إباحة ذلك لعلي، ثم تكنية علي ولده أبا القاسم، إشارة إلى أن النهي عن ذلك كان على الكراهة، لا على التحريم، قال: ويؤيد ذلك أنه لو كان على التحريم لأنكره الصحابة، ولما مكنوه من أن يكني ولده أبا القاسم أصلاً، فدل على أنهم إنما فهموا من النهي التنزيه، وتعقب بأنهم ربما علموا الرخصة له، دون غيره، كما في بعض طرقه، أو فهموا تخصيص النهي بزمانه صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: وهذا أقوى، لأن بعض الصحابة سمى ابنه محمداً وكناه أبا القاسم، وكذا كني بأبي القاسم محمد بن أبي بكر، وابن سعد، وابن جعفر بن أبي طالب، وابن عبد الرحمن بن عوف، وابن حاطب بن أبي بلتعة، وابن الأشعث بن قيس.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة -بعد أن أشار إلى ترجيح المذهب الرابع من حيث الجواز- قال: الأولى الأخذ بالمذهب الأول، فإنه أبرأ للذمة، وأعظم للحرمة.

2 -

وأما التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم فقد حكى الطبري مذهبنا بمنعه مطلقاً، ثم ساق "كتب عمر: لا تسموا أحداً باسم نبي" واحتج بعضهم لصاحب هذا القول بما أخرجه البزار وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه رفعه "يسمونهم محمداً، ثم يلعنونهم" وسنده لين، وعلى تقدير ثبوته فلا حجة فيه للمنع، بل فيه النهي عن لعن من يسمى محمداً، قال عياض: والأشبه أن عمر إنما فعل ذلك إعظاماً لاسم النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا ينتهك، وقد كان سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: يا محمد، فعل الله بك وفعل. فدعاه، وقال: لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك، فغير اسمه، فسماه عبد الرحمن، وأرسل إلى بني طلحة، وكانوا سبعة ليغير أسماءهم من محمد، فقال له كبيرهم: والله لقد سماني النبي صلى الله عليه وسلم محمداً؟ فقال: قوموا، فلا سبيل لكم" فهذا يدل على رجوعه عن ذلك.

والجمهور على جواز التسمية باسم محمد، بل واستحبه بعضهم.

3 -

وأما التسمية بنافع ويسار وأفلح ورباح، فقد ورد النهي عنها في الرواية العاشرة والحادية عشرة، وذكرت الرواية الثانية عشرة "نجيحاً" بدل "نافع" وذكرت الرواية الثالثة عشرة "يعلى" و"بركة" بدل "رباح" قال النووي: قال أصحابنا: يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث، وما في معناها، ولا تختص الكراهة بها وحدها، وهي كراهة تنزيه، لا تحريم، قال النووي: فمعنى قوله "أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن هذه الأسماء" وفي الرواية الثالثة عشرة "أراد أن ينهي عنها نهي تحريم، فلم ينه، والعلة في الكراهة ما بينه صلى الله عليه وسلم في قوله [في الرواية الثانية عشرة] "فإنك تقول: أثم هو؟ أي أهنا هو؟ فلا يكون [موجوداً] فيقول: لا" أي فيقول المجيب: ليس هنا نافع، وليس هنا يسار، ليس هنا أفلح، ليس هنا رباح، ليس هنا بركة، وهذه الجمل كلها غير مستحبة، لما توهمه من نفي هذه الصفات، وإن كان المقصود نفي وجود هذه الأسماء. ومثل ذلك اسم "برة" لما فيه من وصف صاحبه بالبر، والله أعلم بأهل البر، ولما فيه من تزكية نفس صاحبه، والله يقول:{فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32] ولما فيه من الإيهام السابق، إذا قيل: خرج من

ص: 435

عند برة، أي خرج من البر والصلاح، وربما أوقع الجواب بعض الناس في شيء من التشاؤم، قال النووي: وليس في قوله "فلا تزيدن علي" منع القياس على الأربع.

-[4 - ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

1 -

صيانة كنيته صلى الله عليه وسلم عن الامتهان، واستجابة لأمر الله، إذ يقول {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} [النور: 63].

2 -

من قوله صلى الله عليه وسلم "فإنما أنا قاسم" في الرواية الثالثة والرابعة والخامسة وملحق السادسة قال القاضي عياض: هذا يشعر بأن الكنية إنما تكون بسبب وصف صحيح في المكنى، أو لسبب اسم ابنه.

3 -

من منع الصحابة والد الغلام من التسمية والتكني، مدى التزام الصحابة بأمور الدين، وحرصهم على التحقق من صحة أعمالهم، بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

4 -

ومدى تقديسهم لذات الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أنهم منعوا الرجل أولاً، منعاً مطلقاً، ثم استدركوا، فقالوا: حتى نسأل

".

5 -

ومن الرواية الثانية، ومن قوله في الرواية السابعة "أسم ابنك عبد الرحمن" استحباب التسمية بهذين الاسمين، وتفضيلهما على سائر ما يسمى به، ويلتحق بهما ما كان مثلهما، كعبد الرحيم، وعبد الملك، وعبد الصمد، وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله، وما هو وصف للإنسان، وواجب له، وهو العبودية، ثم أضيف العبد إلى الرب، إضافة حقيقية، فصدقت أفراد هذه الأسماء، وشرفت بهذا التركيب، فحصلت لها هذه الفضيلة. قاله القرطبي: وقال غيره: الحكمة في الاقتصار على الاسمين، أنه لم يقع في القرآن إضافة "عبد" إلى اسم من أسماء الله تعالى غير لفظ الجلالة والرحمن، قال تعالى:{وأنه لما قام عبد الله يدعوه} [الجن: 19] وقال {وعباد الرحمن} [الفرقان: 63] وقال بعض الشراح: لله الأسماء الحسنى، وفيها أصول وفروع من حيث الاشتقاق، وللأصول أصول من حيث المعنى، فأصول الأصول اسمان، الله والرحمن، لأن كلا منهما مشتمل على الأسماء كلها، قال تعالى {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] ولذلك لم يتسم بهما أحد، وإذا تقرر ذلك كانت إضافة العبودية إلى كل منهما حقيقة محضة، ويلي هذين الاسمين بقية ما عبد، وما حمد.

وقد أخرج الطبراني "إذا سميتم فعبدوا" وأخرج "أحب الأسماء إلى الله ما تعبد به" وفي إسناد كل منهما ضعف.

6 -

واستدل بالرواية التاسعة بعضهم على جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام وأجمع عليه العلماء، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، وكان في أصحابه جمع سموا بأسماء الأنبياء، وقد أراد عمر أن يغير أسماء أولاد طلحة، وكان سماهم بأسماء الأنبياء، ثم تراجع، وأخرج البخاري في الأدب المفرد حديث يوسف بن عبد الله بن سلام، قال "سماني النبي صلى الله عليه وسلم يوسف" وسنده

ص: 436

صحيح، وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح "أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء" ثم ذكر فيه أحد عشر حديثاً، موصولة، ومعلقة. قال القاضي: وقد كره بعض العلماء التسمي بأسماء الملائكة، وهو قول الحارث بن مسكين، قال: وكره مالك التسمي بجبريل ويس، وقال ابن بطال -بعد أن ذكر أحاديث إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام وغيرها -في هذه الأحاديث جواز التسمية بأسماء الأنبياء، وإنما كره عمر ذلك، لئلا يسب أحد المسمى بذلك، فأراد تعظيم الاسم، لئلا يبتذل في ذلك، وهو قصد حسن، وقال الطبري: يقال إن طلحة قال للزبير: أسماء أبنائي أسماء الأنبياء، وأسماء أبنائك أسماء الشهداء. فقال الزبير: أنا أرجو أن يكون أبنائي شهداء، وأنت لا ترجو أن يكون أبناؤك أنبياء، فأشار إلى أن الذي فعله أولى من الذي فعله طلحة.

7 -

ومن الرواية الرابعة عشرة، وتغييره صلى الله عليه وسلم اسم "عاصية" إلى "جميلة" استحباب تحويل الاسم المكروه والقبيح إلى حسن، وقد أخرج ابن أبي شيبة "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه" وحول صلى الله عليه وسلم اسم "العاصي" بن الأسود العدوي، إلى "مطيع" وحول اسم "شهاب" بن عامر الأنصاري إلى "هشام" وحول اسم "حرب" بن علي إلى "الحسن"، وحول اسم "حباب" بن عبد الله بن أبي، إلى "عبد الله" وحول اسم "عتلة" بن عبد السلمي، إلى "عتبة" وحول اسم "غراب" أبو زيطة إلى "مسلم" وغير هؤلاء كثير. قال ابن جرير الطبري: وليس ما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك على وجه المنع من التسمي بها، بل على وجه الاختيار، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم "حزناً" لما امتنع من تحويل اسمه إلى "سهل" بذلك، ولو كان ذلك لازماً لما أقره على قوله "لا أغير اسماً سمانيه أبي". اهـ

وحديث "حزن" الذي يشير إليه الطبري أخرجه البخاري، "عن سعيد بن المسيب قال: إن جده "حزناً" قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما اسمك؟ قال: اسمي حزن. قال: بل أنت سهل، قال: ما أنا بمغير اسماً سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فمازالت فينا الحزونة بعد" والحزن ما غلظ من الأرض، ضد السهل، وفي الخلق الغلظة والقساوة.

8 -

ويؤخذ منه استحباب الأسماء الحسنة عند التسمية، وقد ورد الأمر بتحسين الأسماء، فيما أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان، من حديث أبي الدرداء، رفعه "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم" ورجاله ثقات، إلا أن في سنده انقطاعاً.

قال الطبري: لا تنبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم نقيض التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء -إنما هي أعلام للأشخاص- لا يقصد بها حقيقة الصفة، لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم، فيظن أنه صفة للمسمى، وعدم الانبغاء على الاستحسان، فقد أجاز المسلمون أن يسمى الرجل القبيح باسم "حسن" ويسمى الرجل الفاسد باسم "صالح".

9 -

وعن الرواية المتممة للعشرين والواحدة والعشرين قال النووي: اعلم أن التسمي بهذا الاسم حرام، وكذلك التسمي بأسماء الله تعالى، المختصة به، كالرحمن، والقدوس، والمهيمن، وخالق الخلق، ونحوها.

ص: 437

10 -

ألحق بعضهم بملك الأملاك في التحريم سلطان السلاطين وأمير الأمراء.

11 -

ألحق به الزمخشري قاضي القضاة، وحاكم الحكام، على أساس أنه كذب وتزوير، قال: ورب غريق في الجهل والجور، من مقلدي زماننا احتل لقب أقضى القضاة، ومعناه أحكم الحاكمين. وتعقبه ابن المنير بحديث "أقضاكم علي" قال: فيستفاد منه أنه لا حرج على من أطلق على قاض، يكون أعدل القضاة أو أعلمهم في زمانه: أقضى القضاة، أو يريد إقليمه، أو بلده، وقد تعقب العرابي كلام ابن المنير، فصوب ما ذكره الزمخشري من المنع، ورد ما احتج به من قضية علي، بأن التفضيل في ذلك وقع في حق من خوطب به، ومن يلتحق بهم، فليس مساوياً لإطلاق التفضيل بالألف واللام "قاضي القضاة" قال: ولا يخفى ما في إطلاق ذلك من الجراءة وسوء الأدب، ولا عبرة بقول من ولي القضاء فنعت بذلك، فلذ في سمعه، فاحتال في الجواز فإن الحق أحق أن يتبع. اهـ

ومال الحافظ ابن حجر إلى الجواز، فقال: إن التسمية بقاضي القضاة وجدت في العصر القديم، من عهد أبي يوسف، صاحب أبي حنيفة، وقد منع الماوردي من جواز تلقيب الملك، الذي كان في عصره، بملك الملوك، مع أن الماوردي كان يقال له:"أقضى القضاة" وكأن وجه التفرقة بين ملك الملوك وقاضي القضاة الوقوف مع الخبر، وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: يلتحق بملك الأملاك قاضي القضاة، وإن كان اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة، وقد سلم أهل المغرب من ذلك، فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة.

12 -

وألحق بعضهم بملك الأملاك في المنع التسمية بخالد ومالك، واستدل له بحديث "وأكذب الأسماء خالد ومالك" وتعقب بأن الحديث ضعيف، وبأن في القرآن تسمية خازن النار "مالكاً" وبأن في الصحابة من سمي بخالد، ومنهم من سمي بمالك، وبأن العباد وإن كانوا يموتون، فإن الأرواح لا تفنى، فلا بأس من التسمية بمالك أو خالد، ورد هذا التعقيب بأن اسم "مالك" قد يكون لمن لا يملك، فيكون كذباً وموهماً، وأن الخلد البقاء الدائم بغير موت، فلا يقال لصاحب الروح التي لا تفنى "خالد" قال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34].

13 -

ولما كانت الكنية تكريماً أخذ بعضهم من الحديث منع تكنية المشرك، فقال النووي في الأذكار: لا تجوز تكنية الكافر إلا بشرطين: أن لا يعرف إلا بكنيته، أو خيف من ذكر اسمه فتنة، قال: وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فسماه باسمه، ولم يكنه، ولم يلقبه بلقبه، وهو قيصر، قال: وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم، فلا نكنيهم، ولا نلين لهم قولاً، ولا نظهر لهم وداً، وقال ابن بطال: يجوز تكنية المشركين على وجه التألف، إما رجاء إسلامهم، أو لتحصيل منفعة منهم. اهـ وقيل: تمنع تكنيتهم إذا كانت على وجه التكريم، وتجوز في غير ذلك، كأبي لهب.

ص: 438

وأطال الحافظ ابن حجر في عرض الأقوال وتوجيهاتها، بما لا يسمح به المقام هنا، فمن أراده فليراجع.

14 -

قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث مشروعية الأدب في كل شيء، لأن الزجر عن ملك الأملاك، والوعيد عليه يقتضي المنع منه مطلقاً، سواء أراد من تسمى بذلك أنه ملك على ملوك الأرض، أم على بعضها، سواء كان محقاً في ذلك أم مبطلاً، مع أنه لا يخفى الفرق بين من قصد ذلك، وكان فيه صادقاً، ومن قصده، وكان فيه كاذباً.

والله أعلم

ص: 439