المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(561) باب لعق الأصابع والإناء بعد الأكل والأكل بثلاث أصابع والتقاط اللقمة الساقطة - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٨

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(539) باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

- ‌(540) باب إباحة ميتات البحر

- ‌(541) باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية وإباحة أكل لحم الخيل

- ‌(542) باب إباحة الضب

- ‌(543) باب إباحة أكل الجراد وأكل الأرنب

- ‌(544) باب ما يستعان به على الصيد. والأمر بإحسان الذبح والقتل. والنهي عن صبر البهائم

- ‌كتاب الأضاحي

- ‌(545) باب وقت الأضاحي، وسن الأضحية

- ‌(كتاب الأضاحي) جمع أضحية، بضم الهمزة، وتشديد الياء، ويجوز كسر الهمزة، ويجوز حذفها، فتفتح الضاد، وقد تكسر، مع تشديد الياء، وجمع ضحية ضحايا، كعطية وعطايا، ويقال: أضحاة، وجمعها أضحى، بفتح الهمزة، كأرطاة وأرطى، كل ذلك للشاة التي تذبح ضحوة هذا اليوم، وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه، وبه سمي يوم الأضحى، أي اليوم الذي تذبح فيه الشاة في الضحى، والضحى ضوء الشمس، وارتفاع النهار وامتداده، والضحاء والضحوة والضحو والضحية الضحى

- ‌(546) باب استحباب ذبح الأضحية بنفسه والتسمية والتكبير عند الذبح، والذبح بكل ما أنهر الدم ليس السن والظفر

- ‌(547) باب ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وبيان نسخه

- ‌(548) باب الفرع والعتيرة

- ‌(549) باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً

- ‌(550) باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله

- ‌كتاب الأشربة

- ‌(551) باب الخمر وتحريمها

- ‌(552) باب تحريم تخليل الخمر والتداوي بها

- ‌(553) باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمراً

- ‌(554) باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين

- ‌(555) باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحتم والنقير

- ‌(556) باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام والعقوبة الأخروية لشارب الخمر

- ‌(557) باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكراً

- ‌(558) باب جواز شرب اللبن

- ‌(559) باب تخمير الإناء، وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وإطفاء السراج والنار وكف الصبيان ليلاً

- ‌(560) باب آداب الطعام والشراب

- ‌(561) باب لعق الأصابع والإناء بعد الأكل والأكل بثلاث أصابع والتقاط اللقمة الساقطة

- ‌(562) باب الضيف يتبعه غير من دعي وتكثير الطعام ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم

- ‌(563) باب أكل التمر والرطب والقثاء والكمأة والكباث والثوم وتواضع الآكل وصفة قعوده

- ‌(564) باب إكرام الضيف وإيثاره، وطعام الاثنين كافي الثلاثة والمؤمن يأكل في معي واحد، وكراهة عيب الطعام

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌(565) باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء، وتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال

- ‌(566) باب النهي عن لبس الثوب المعصفر

- ‌(567) باب لباس الحبرة، والتواضع في اللباس وجواز اتخاذ الأنماط، وكراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس

- ‌(568) باب تحريم جر الثوب خيلاء وتحريم التبختر والإعجاب بالثياب

- ‌(569) باب تحريم خاتم الذهب على الرجال

- ‌(570) باب لبس النعال واشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد

- ‌(571) باب نهي الرجل عن التزعفر

- ‌(572) باب خضاب الشعر

- ‌(573) باب التصوير واتخاذ الصورة والكلب

- ‌(574) باب قلادة البعير، ووسم الحيوان، وضربه

- ‌(575) باب النهي عن القزع

- ‌(576) باب النهي عن الجلوس في الطرقات

- ‌(577) باب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله والمتشبع بما لم يعط

- ‌كتاب الآداب

- ‌(578) باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء وكراهة التسمية بالأسماء القبيحة والموهمة، وتغيير الاسم القبيح إلى حسن

- ‌(579) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، وتسميته، وتكنية الصغير واستحباب قوله لغير ابنه: يا بني، للملاطفة

- ‌(580) باب الاستئذان، وتحريم النظر في بيت الغير

- ‌كتاب السلام

- ‌(581) باب يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير

- ‌(582) باب حق الجلوس على الطريق وحق المسلم على المسلم

- ‌(583) باب السلام على أهل الكتاب والرد عليهم

- ‌(584) باب استحباب السلام على الصبيان

- ‌(585) باب جواز جعل الإذن رفع حجاب أو غيره من العلامات

- ‌(586) باب خروج النساء لقضاء حاجة الإنسان

- ‌(587) باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ودفع ظن السوء إذا خلا بامرأة حلال

- ‌(588) باب من أتى مجلساً فوجد فرجة جلس فيها وتحريم إقامة الإنسان من موضعه، وإذا قام ثم عاد فهو أحق به

- ‌(589) باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب

- ‌(590) باب جواز إرداف المرأة الأجنبية

- ‌(591) باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌كتاب الطب والمرض

- ‌(592) باب العين والحسد والرقى

- ‌(593) باب السحر

- ‌(594) باب السم

- ‌(595) باب عود إلى الرقى

- ‌(596) باب لكل داء دواء واستحباب التداوي

- ‌(597) باب الطاعون

- ‌(598) باب العدوى والطيرة والكهانة والهامة وصفر

الفصل: ‌(561) باب لعق الأصابع والإناء بعد الأكل والأكل بثلاث أصابع والتقاط اللقمة الساقطة

(561) باب لعق الأصابع والإناء بعد الأكل والأكل بثلاث أصابع والتقاط اللقمة الساقطة

4635 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أكل أحدكم طعاماً، فلا يمسح يده حتى يلعقها، أو يُلعقها".

4636 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أكل أحدكم من الطعام فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعقها".

4637 -

عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلعق أصابعه الثلاث من الطعام. ولم يذكر ابن حاتم الثلاث. وقال ابن أبي شيبة: في روايته عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه.

4638 -

وفي رواية عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ويلعق يده قبل أن يمسحها.

4639 -

عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها.

4640 -

عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال "إنكم لا تدرون في أيه البركة".

ص: 215

4641 -

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان. ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة".

4642 -

وفي رواية عن سفيان بهذا الإسناد. مثله. وفي حديثهما "ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها أو يُلعقها" وما بعده.

4643 -

عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه. فإذا سقطت من أحدكم اللقمة، فليمط ما كان بها من أذى؛ ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان. فإذا فرغ، فليلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة".

4644 -

وفي رواية عن الأعمش بهذا الإسناد "إذا سقطت لقمة أحدكم" إلى آخر الحديث ولم يذكر أول الحديث "إن الشيطان يحضر أحدكم".

4645 -

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث. قال: وقال "إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان" وأمرنا أن نسلت القصعة. قال "فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة".

4646 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أكل أحدكم، فليلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أيتهن البركة".

4647 -

وفي رواية عن حماد بهذا الإسناد. غير أنه قال "وليسلت أحدكم الصحفة" وقال "في أي طعامكم البركة، أو يبارك لكم".

ص: 216

-[المعنى العام]-

إن الحكم الشرعي يرتبط بظروفه وملابساته ارتباطاً كاملاً، يرتبط بالزمان والمكان والأشخاص والإمكانات والأحوال، وكأنه يقول: هذا الحكم لهذه الحادثة وما شابهها في جميع ملابساتها، وهذا معنى قولهم: إن الخطاب الشرعي للحاضرين وقت الخطاب، ويكلف به من يأتي بعدهم عن طريق القياس، فإذا قال الله تعالى:{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم} [النور: 11] فالخطاب للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ونحن في القرن العشرين مكلفون بهذا عن طريق القياس، فإذا وقع إفك مشابه، وخاض فيه بعضنا وجب علينا أن لا نحسبه شراً لنا، وأن نؤمن بأنه خير لنا، وعلينا إذا سمعناه قلنا:{ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} [النور: 16].

وهذا معنى أن الإسلام وشرائعه صالح لكل زمان ومكان، أي إذا وقعت واقعة مشابهة من جميع الوجوه لواقعة صدر فيها حكم شرعي أمام نزول الوحي، نقل إلى الأخيرة حكم الأولى.

خذ مثلاً حديث "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وعنده منه شيء" هذا الحكم العام فهم منه الصحابة أنه مرتبط بظروفه، وأنه صدر في عام مجاعة، فلما كان العام المقبل سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفعل في أضحيتنا ما فعلنا في العام الماضي؟ قال: لا. كلوا وأطعموا، وادخروا، فإن ذاك العام كان بالناس جهد، فأردت أن تعينوا فيه.

وعلى هذا فنحن مطالبون شرعاً في أضحيتنا بما طولب به الصحابة في أضحيتهم إذا وقعت الظروف المشابهة وقد ربطت بعض الأحكام الشرعية بظروفها صراحة، كما في الحديث السابق، وكما في قوله تعالى:{فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: 43] فقد بين في الآية أن التيمم وجوازه مرتبط بعدم وجود الماء فعلاً أو حكماً، كالمريض.

لكن الكثير من الأحكام الشرعية ارتبط بظروفه قطعاً دون تصريح بهذا الارتباط.

خذ مثلاً حديث "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد -أي بحفنة واحدة من الماء- ويغتسل بالصاع" -أي بأربع حفنات، أي كان يغتسل بأقل من لتر، ويتوضأ بأقل من ربع لتر، وكان يغتسل هو وعائشة من إناء صغير، يغترفان منه سوياً، حتى تقول له: دع لي. دع لي. فهل نغتسل مثل هذا الاغتسال وصنابير المياه "والدش" تملأ البيوت؟ والماء كثير يفيض عن الحاجات؟ اللهم. لا، لكن إن وقعنا في ظروف اغتسال الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسلنا مثل اغتساله، وتوضأنا مثل وضوئه.

هذه الظروف نفسها هي التي جعلت الاستجمار بالأحجار -أي مسح أثار البول والغائط، بالأحجار، بعد التبرز، مغنياً عن غسل تلك الآثار بالماء، مع أن الآثار يقيناً تبقى بعد المسح بالأحجار، مهما تصورنا حصول النقاء. فهل نفعل اليوم مع وجود الماء وتيسر استعماله كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ عند ندرة الماء وقلته؟ اللهم. لا. لكن إن وقعنا في ظروف استجمار الرسول صلى الله عليه وسلم

ص: 217

وصحابته استجمرنا مثل استجمارهم، وفي هذه الحالة نكون قد التزمنا بأكبر قدر ممكن من النظافة، حسب الظروف المتاحة، و {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286].

وآداب الأكل التي معنا في هذا الباب من هذا القبيل، لعق الأصابع التي يؤكل بها، ولعق القصعة بعد الأكل، والأكل بثلاث أصابع، وأكل اللقمة الساقطة.

يروي البخاري وغيره أن بعض الصحابة كانوا يحملون معهم النوى، يمصونه عند الجوع، ويشربون عليه جرعة من ماء، فلما قيل لهم: وما كان يغني عنكم النوى؟ قالوا: عرفنا قيمته حين فقدناه.

ويروي البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، فذهب أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فماذا كانت الوليمة المعدة للقائد والحاكم الأعلى للدولة؟ كانت طبقاً صغيراً فيه ماء، تسبح فيه قطع قليلة من القرع، ولم يأكل معهما الخياط لقلة الطعام فكانت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتبع قطعة القرع في الإناء، وكان أنس يجمع قطع القرع، ويدنيها من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تلك كانت حياتهم وطعامهم وشرابهم، فما هي أرقى صورة حضارية في مثل هذه الظروف؟ لا ملاعق، ولا شوك، ولا سكاكين، ولا ماء للغسل، ولا مناديل ورقية للمسح، كيف يعمل المسلم ليكون في أعلى درجات النظافة الممكنة؟ والإمكانات المتاحة؟ .

الأكل بثلاث أصابع، الإبهام والسبابة والوسطى، فيها يحصل أقل درجات التمكن من الأكل، ولا يأكل بأربع أو بخمس أو بالكف، لتقل درجة التلوث بالطعام قدر الإمكان.

ثم لعق الأصابع الثلاث بعد الأكل، ولا يمسها بثيابه، ولا يلمس بها نظيفاً بجواره، ولا غضاضة في هذا اللعق، فما عليها من طعام هو نفسه من جنس ما ابتلعه منه، ولم يختلط بقذر، والريق الذي سيختلط به باللعق قد اختلط بما ابتلعه من قبل من الطعام، فماذا في ذلك؟ .

العرف في هذه الأيام، في بيئة حضارية يستقبح هذا المنظر وينفر منه في حين يلعق الملعقة التي دخلت فم آخرين، واختلطت بلعاب الآخرين، والعرف كثيراً ما يستقبح الحسن، ويستحسن القبيح، وإذا تعارض العرف والشرع قدم الشرع على العرف، لكنه في مثل هذه المسألة يمكن لعق الأصابع لمن أكل بها، وأصابتها زهومة الطعام، ثم يغسلها الآكل بما شاء، وكيف شاء، فهو خير من أن يغسلها ملوثة بالدهون، عملاً بالحديث الذي رواه أبو داود بسند صحيح، بلفظ "من بات وفي يده غمر" -أي من بات وعلى يده رائحة طعام- "ولم يغسله، فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه".

-[المباحث العربية]-

(إذا أكل أحدكم طعاماً) وفي الرواية الثانية "إذا أكل أحدكم من الطعام" والطعام في

ص: 218

الأصل كل ما يؤكل، وكل ما به قوام البدن، والمراد منه هنا ما يبقى أثره على اليد من الأطعمة، كالدهون والحموضة والملوحة والروائح غير المحبوبة.

(فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها)"يلعقها" الأولى بفتح التاء، والثانية بضم الياء وكسر العين، بينهما لام ساكنة، قال النووي: معناه -والله أعلم- لا يمسح يده حتى يلعقها، فإن لم يفعل فحتى يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك، كزوجة وجارية وولد وخادم يحبونه، ويلتذون بذلك، ولا يتقذرون، وكذا من كان في معناهم، كتلميذ يعتقد بركته، ويود التبرك بلعقها، وكذا لو ألعقها شاة ونحوها. اهـ

واليد في الأصل من الإنسان من المنكب إلى أطراف الأصابع، والمراد هنا جزؤها الذي يلامس الطعام من الكف والأصابع، ففي الرواية الخامسة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ -من الأكل- لعقها" وفي الرواية السادسة "أمر بلعق الأصابع" وفي الرواية العاشرة "إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه" وفي الرواية التاسعة "كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث" وفي الرواية الرابعة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ويلعق يده -أي أصابعه- قبل أن يمسحها".

والمراد من الأصابع الثلاث الإبهام، والتي تليها، والوسطى، فعند الطبراني في الأوسط، عن كعب بن عجرة، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها، الوسطى، ثم التي تليها، ثم الإبهام" قال في شرح الترمذي: كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثاً، لأنها أطول، فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها، ولأنها لطولها أول ما تنزل في الطعام، والمراد بلعق الأصابع لحسها باللسان، ومصها بالشفتين، والمراد بمسحها بعد اللعق إمرارها على قطعة من القماش ونحوها كالمنديل، أو إمرار القماش عليها، لإزالة ما بقي عليها، وذلك حيث لم يكن ماء ولا صابون للغسل.

(عن ابن كعب بن مالك) هكذا في الرواية الخامسة، وفي ملحقها "عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أو عبد الله بن كعب بن مالك" بأو وفي ملحقها الآخر "عن عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن كعب" بالواو، "أو أحدهما" قال النووي: ولا يضر الشك في الراوي إذا كان الشك بين ثقتين، لأن ابني كعب هذين ثقتان.

(إنكم لا تدرون في أيه البركة) الجملة مستأنفة استئنافاً تعليلياً، أي لأنكم لا تدرون والضمير في "أيه" للطعام المفهوم من الكلام السابق، و"أي" تضاف إلى متعدد، والمراد في أي أجزائه البركة، فربما كانت بركة الطعام كله في جزئه الذي على الأصابع، فيحرمها من لم يلعق أصابعه، وفي الرواية السابعة "فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" وفي الرواية الثامنة "فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" وفي الرواية التاسعة "فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة" وفي الرواية العاشرة "فإنه لا يدري في أيتهن البركة" قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها "لا يدري أيتهما" وكلاهما صحيح، أما رواية "في أيتهن" فظاهره -أي في أية جزئية من جزئيات

ص: 219

الأطعمة- وأما رواية "لا يدري أيتهن البركة" فمعناه أيتهن صاحبة البركة، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وقال: أصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا -والله أعلم- ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويقوى على طاعة الله تعالى، وغير ذلك.

وقد جاء الحديث الصحيح بهذا التعليل، فلا يعدل عنه، لكن ذكر علة لا يمنع من أن تكون هناك علة أخرى، فقد يكون للحكم علتان فأكثر، والتنصيص على واحدة لا ينفي غيرها، وقد أشارت الرواية السابعة والثامنة إلى علة أخرى، وأن الشيطان يحضر الطعام، فإذا سقطت لقمة -أو تركت بقايا الأطعمة على الأيدي أو في القصعة، سهلت للشيطان طعامه وشرابه وإقامته، وقد أضاف القاضي عياض علة أخرى، فقال: إنما أمر بذلك لئلا يتهاون بقليل الطعام.

(إذا وقعت لقمة أحدكم) من يده على الأرض، فأصابها أذى.

(فليمط ما كان بها من أذى)"يمط" بضم الياء، أي يزيل وينحي، وحكى بعضهم: ماطه وأماطه، فيصح في المضارع فتح الياء، وقال الأصمعي: أماطه لا غير، ومنه إماطة الأذى، والثلاثي لازم، يقال: مطت أنا عنه، أي تنحيت، والمراد بالأذى هنا المستقذر، من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك.

(ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه) مما علق بها من طعام، ليقلل من تدنيس المنديل، والمنديل معروف، وهو بكسر الميم، قال أهل اللغة: لعله مأخوذ من الندل، وهو النقل، وقيل: مأخوذ من الندل وهو الوسخ، لأنه يندل به، يقال: تندلت بالمنديل، وتمندلت به، وأنكر الكسائي تمندلت.

وذكر القفال في محاسن الشريعة أن المراد بالمنديل هنا المنديل المعد لإزالة الزهومة، لا المنديل المعد للمسح بعد الغسل.

(وأمرنا أن نسلت القصعة) أي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، و"نسلت" بفتح النون، وضم اللام، ومعناه نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام، ومنه سلت الدم عن جبهته، إذا مسحه.

(وقال: في أي طعامكم البركة، أو يبارك لكم) أي قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة، أو قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم يبارك لكم. شك من الراوي في أي اللفظين سمع.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل، منها:

1 -

استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام، وتنظيفاً لها.

2 -

واستحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر.

ص: 220

3 -

واستحباب لعق القصعة ونحوها.

4 -

واستحباب أكل اللقمة الساقطة، بعد مسح الأذى الذي يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجست، ولا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيواناً، ولا يتركها.

5 -

ومنها إثبات الشياطين، وأنهم يأكلون، والتحذير منهم.

6 -

ومنها جواز مسح اليد بالمنديل، لكن السنة أن يكون بعد لعقها، واستشكل هذا بحديث جابر في البخاري، وفيه "أنهم زمان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم مناديل" فيحمل حديث النهي على من وجد، فلا يمسح بالمنديل حتى يلعقها، ولا مفهوم له، بل حكمه أيضاً حكم من وجد، يندب له لعق أصابعه.

7 -

قال الحافظ ابن حجر: يشمل حكم اللعق من أكل بكفه كلها، أو بأصابعه الخمسة، أو ببعضها، وقال ابن العربي في شرح الترمذي: في قوله "فلا يمسح يده" دليل على جواز الأكل بالكف كلها، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعرق العظم، وينهش اللحم، ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها. اهـ وفيه نظر، لأن ذلك ممكن بالثلاث، سلمنا أنه لا يمكن بالثلاث، لكن هو في هذه الحالة ممسك بكفه كلها، لا آكل بها، سلمنا أنه آكل بها لكنه محل ضرورة، ومحل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال. قال القاضي عياض: والأكل بأكثر من الثلاث فيه شره وسوء أدب، إذا لم يكن مضطراً إلى ذلك، فإن اضطر إلى ذلك أدعم الثلاثة بالرابعة أو الخامسة، وعند سعيد بن منصور من مرسل ابن شهاب "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس" فيجمع بينه وبين حديث كعب باختلاف الحال.

والله أعلم

ص: 221