الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصلٌ في منزلة حياة القلب:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(معنى تزكية النفوس:
مسألة: ما معنى تزكية النفوس؟
الجواب:
التزكية في اللغة: هي التطهير و النماء، وهو معناها في الشرع.
قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103]
و قال سبحانه و تعالى: (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[فصلت 6 - 7]،
أي الذين لا يزكون أنفسهم بالتوحيد.
فالتزكية: «هي تطهير القلب و تنمية الإيمان» ، هذا هو معنى التزكية. والتزكية عنصر أساس من عناصر الدين.
(اهتمام السلف بتزكية النفوس:
لقد اهتمَّ السلفُ الصالحُ بتزكية النفوس، واعتنوا بالأخلاق علماً وفقهاً، كما حقَّقوهُ عملاً وهدياً، فأفردوا كتباً مستقلةً في الزهد والرقائق، بل أنهم يوردون الصفات الأخلاقية في ثنايا كتب العقيدة:
[*](قال الإسماعيليُّ في اعتقاد أهل السنَّة (ت 371 هـ)(يرون مجانبة البدعةِ والآثام والفخرِ والتكبرُّ ويرون كفَّ الأذى وتركَ الغيبةِ إلاّ لمن أظهر بدعةً وهوىً يدعو إليهما، فالقولُ فيه ليس بغيبةٍ عندهم) صـ53،
[*](وقال شيخُ الإسلام أبو إسماعيل الصابونيُّ (ت 449 هـ) في عقيدة السلف أهل الحديث: (يرون المسارعة إلى أداء الصلوات المكتوبات، ويتواصون بقيام الليل للصلاةِ بعد المنام، وبصلةِ الأرحام وإفشاء السلام وإطعامِ الطعام
…
والبدارِ إلى فعلِ الخيرات أجمع، ويجانبون أهل البدع والضلالات
…
) صـ.97،
[*](وقال قوّام السنّةُ إسماعيلُ الأصفهانيُّ (ت 535هـ) في كتابه (الحجَّة في بيان المحجَّة 2/ 52 (ومن مذهب أهل السنَّةِ، التورُّعُ في المأكل والمشارب والتحرُّزُ من الفواحش والقبائح، ومجانبةُ أهل الأهواءِ الضلالة وهجرُهم، والمسابقةُ إلي فعل الخيرات، والإمساكُ عن الشبهاتِ)
[*](وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى جملةً من الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنّةِ ومن ذلك قولُه (يأمرون بالصبر عند البلاء والشكرِ عند الرخاء، ويدعون إلى مكارمِ الأخلاق ومحاسن الأعمالِ، ويعتقدون معنى قولِه صلي الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهُم خلقاُ، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها) الواسطية، شرح هرّاس صـ172
فالسلفُ الصالح اهتمُّوا بهذا الموضوع، ونحنُ أتباعهُمُ كذلك يجب أن نَهتَم بتزكية النفوس.
(معالمُ في منهج السلوك والأخلاق عند السلف:
(1)
إنّ مصدر تلقي السلوك والأخلاق عند السلف الصالح هو الكتابُ والسنّة لأنَّهم أهلُ اتباعُ.
قال اللهُ تعالى (ونزَّلنا عليك الكتابَ تبياناً لكلِّ شيءً)[النحل: 99]، ومن ذلك الأخلاقُ. [*] (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(مسائلُ السلوكِ من جنس مسائل العقائد، كلُّها منصوصةٌ في الكتاب والسنّةِ)
[الفتاوى19/ 273]
ولا يُؤخذُ السلوكُ من الخيالات أو القياسات أو الآراءِ والمنامات كما عند الصوفية، قال ابنُ القيمّ (من أحالك على غير (أخبرنا) و (حدثنا) فقد أحالكَ إمَّا على خيالٍ صوفي، أو قياسٍ فلسفي، أو رأيٍ نفسي، فليس بعد القرآن و (أخبرنا) و (حدّثنا) إلاّ شبهاتُ المتكلمين، وآراءُ المنحرفين، وخيالاتُ المتصوفين، وقياسُ المتفلسفين، ومن فارقَ الدليل ضلَّ عن سواءِ السبيل، ولا دليل إلى الله والجنّةِ سوى الكتابُ والسنّة) [مدارج السالكين 2/ 468]
فلابد من الدليل على السلوك والأخلاق، ولا يجوزُ ابتداعُ طرقٍ لتزكية النفوس غير الطرق الشرعية.
(2)
من معالم السلف في السلوك: موافقةُ النصوص الشرعيةِ لفظاً ومعنى:
فيتأدبون مع المصطلحات الشرعية الدينية، ويستمسكون بألفاظها ومعانيها، ويحقِّقُون حدوَدها وتعريفاتِها علماً وعملاً،
[*] (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(الألفاظ التي جاء بها الكتابُ والسنّةُ علينا أن نتبّع ما دلت عليه مثل لفظ الإيمان والتقوى والإحسان والتوكل والحب لله)[الفتاوى 11/ 25]،
وقال أيضاً (وأما الألفاظُ التي ليست في الكتاب والسنّة ولا تقفَ السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحدٍ أن يوافقَ من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده فإن أراد بها معنىً يوافقُ خبرَ الرسول أقرَّ به، وإن أراد بها معنى يخالفُ خبرَ الرسولِ أنكره)
[الفتاوى 12/ 114]
إنَّ أربابَ الطرقِ الصوفيةِ قد أحدثُوا ألفاظاً مجملةً في السلوك كالتصوفِ والغناء والفقر ونَحوها، وهذه الألفاظ عموماً لا تخلوا من مخالفاتٍ للكتاب والسنّةِ، إضافةً إلا ما فيها من التكلُّفِ الشديد، والتعقيد في الألفاظ والمعاني)،
[*] (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(لفظُ الفقر الزهدُ والتصوفِ قد أدخل فيها أمورٌ يحبُّها الله ورسولُه، كالتوبة والصبر والشكر وقد أدخلَ فيها أمورٌ يكرهها اللهُ ورسولُه كالحلول والاتحادِ والرهبنةِ المبتدعةِ)[الفتاوى 11/ 28]،والإمامُ الشاطبيُّ ذكر المعاني الصحيحةَ والفاسدةَ للتصوف
…
[الاعتصام 1/ 265]
(3)
ومن معالم السلوكِ الشرعي: مراعاةُ تفاوتِ قدراتِ الناس في فعل الطاعات، وذلك بسبب اختلاف استعداداتهم
[*] (قال الإمامُ مالكٌ رحمه الله (إنّ الله قسم الأعمالَ كما قسم الأرزاق، فربَّ رجُلٍ فُتح له في الصلاة، ولم يفتُح له في الصوم، وآخرُ فُتح له في الصدقةِ ولم يُفتح له في الصوم، وآخرُ فُتح له في الجهادِ، فنشرُ العلم من أفضلِ أعمال البِرِّ.
[*] (وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
(وقد رضيتُ بما فُتحَ لي فيه أرجو أن يكون كلانا على خيرٍ وبر)[سير النبلاء 8/ 114] من الناس من يكونُ سيِّدُ عمله وطريقُة الذي يُعدُّ سلوكُه إلى الله طريق العلم والتعليم حتى يصل إلى الله ومن الناسِ من يكونُ سيِّدُ عملهِ الذكرُ، وقد جعله زادَه لمعادة، ورأسَ ماله لما له، ومن الناس من يكونُ سيِّدُ عمله وطريقُة الصلاةَُ، ومنهم من يكون طريقُه الإحسانُ والنفعُ المتعدي كقضاء الحاجات وتفريج الكرباتُ وأنواعِ الصدقات،
ومنهُم الواصلُ إلى الله من كلَّ طريق قد ضرب مع كلَّ فريق بسهم، فأين كانت العبوديةُ وجدتَه هناك، إن كانَ علمٌ وجدتَه مع أهله، أو جهادٌ وجدتَه في صف المجاهدين، أو صلاةٌ وجدتَه في القانتين، أو ذكرٌ وجدتَه في الذاكرين، أو إحسانٌ ونفعٌ وجدتَه في زمرة المحسنين لو قيل له: ما تريدُ من الأعمال؟ لقال: أريدُ أن أُنْفِذُ أوامر ربي حيثُ كانت) [طريق المجرتين صـ178، ومدارج السالكين 3/ 17، 1/ 88]،
وهذا الصنفُ الذي ذكره ابنُ القيمّ هم الصديقون وخيرُهُم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (