المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(كيفية تزكية النفس:

قبل أن تصل، فقد وقع أجرك على الله .. ! أما إذا فسح الله لك في العمر، ثم دمت على هذا الطريق، فيوشك أن ترى ألواناً من العجب في طريق رحلتك هذه.

‌(حكم تزكية النفوس:

اختلف حكم التزكية عند العلماء نظرا لخلافهم في الأصل عند الإنسان هل هو السلامة والمرض طارئ أم الخلل والكمال مكتسب.

فذهب صاحب الإحياء إلى أن التزكية فرض عين على كل إنسان .. فالأصل عنده المرض واستدل بحادثة شق الصدر. بأن كل إنسان في قلبه نزغة الشيطان وأن الله استلها من صدر نبيه ولكنها بقيت عند بقية الخلق فتحتاج إلى مجاهدة لهذه النزغات بالتربية والتزكية.

وقال الجمهور: بل هي فرض كفاية، والأصل في الخلق السلامة، واستدلوا بحديث "كل مولود يولد على الفطرة".

والجمع بين القولين أن غالب النفوس، ولو قلنا بأن الأصل فيها السلامة، إلا إنها قابلة للشهوات، مائلة إلى الملذات، نافرة عن الطاعات، مقبلة على الغفلات .. والمسلم مطالب بالبحث عن سلامة نفسه من كل هذا فلزمه أن يعمل على تزكيتها وتطهيرها.

والذي يعيد النظر في أسباب التزكية والتربية يكاد لا يتردد في أن الحاجة إليها ربما تصل إلى حكم الواجب العيني وهو ما قال به بعض العلماء وأكدوه.

[*] (قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر: "المؤمن العاقل لا يترك لجامها ولا يهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت والزمام بيده فما دامت على الجادة فلا يضايقها بالتضييق عليها، فإذا رآها مالت ردها بلطف، فإن ونت وأبت فبالعنف".

وقال أبو يزيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.

‌(كيفية تزكية النفس:

لا يستطيع أن يربي الإنسان نفسه على رضى الله تعالى إلا بقوتين:

الأولى: قوة علمية.

الثانية: قوة عملية.

[*](قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في (طريق الهجرتين) " كل سائر إلى مقصد لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين، أما الأولى: فقوة علمية، وأما الثانية: فقوة عملية.

(وقفة مع القوتين:

أولاً: القوة العملية:

تقوم على ركيزتين

الأولى: الإرادة والعزيمة:

وهما نوعان كما ذكره ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه على حديث شداد بن أوس، يقول:" والعزم نوعان: عزم المريد على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها وعلى الانتقال من حال كامل إلى حال أكمل منه وهو من النهايات "

ص: 14

ولا بد من معالجة الإرادة وتصحيح النية حتى تزكو النفس وتزول الشوائب العالقة بها التي ربما أبعدتها عما أرادت.

[*](قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (الطب الروحاني): " إذا كانت الهمة الدنية طبعا لم ينجح فيها العلاج فإن كانت مكتسبة بصحبة الأدنياء أو بغلبة الطبع والهوى فعلاجها قريب "

(أسباب دُنوّ الهمة:

(1)

الطبع بأن تكون الهمة بطبعها دنية.

(2)

اكتساب الدنية من الوسط الاجتماعي، أو بصحبة سيئة إلى غير ذلك.

الثانية: مجاهدة النفس:

فلابد من مجاهدة النفس، ولابد من القسوة عليها حتى تحقق الغايات الطامح صاحبها إليها.

[*](قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (مفتاح السعادة): " لا يستطيع الإنسان أن يحقق المعالي من الأمور إلا بمجاهدة نفسه وجعلها عدوة له "

ويقول ابن رجب في (شرح حديث لبيك اللهم لبيك): " النفس تحتاج إلى محاربة ومجاهدة ومعاداة فإنها أعدى عدو لابن آدم فمن ملك نفسه وقهرها ودانها عزّ بذلك لأنه انتصر على أشد أعدائه وقهره واكتفى شرّه "

(أسباب صعوبة مجاهدة النفس:

(1)

أنها عدوّ من داخل الجسد، واللص إذا كان من داخل البيت عزّت الحيلة فيه وعظُم الضرر.

(2)

أنها عدوّ محبوب، والإنسان عَمٍ عن عيوب محبوبه لا يكاد يبصر عيبه.

ويُخطئ الكثيرون عندما يظنون أن مجاهدة النفس غير متحقق في زمان كثرت شبهه، وعظمت غربته، واستفحل الشرّ فيه، وهذا خطأ بين فإن الله عز وجل لم يأمرنا إلا بما تستطيعه أنفسنا، وأيضا هناك من يخطئ على نفسه فيستأسد على نفسه فيمنعها حظوظها على الإطلاق ولا شك أن هذا غلط.

ثانياً القوة العلمية:

وهي تقوم على ركيزتين:

الركيزة الأولى: معرفة الشيء المراد تحقيقه، على أي شيء تربيها. وفي باب تربية النفس وتزكيتها هناك نوعان مطلوبان شرعا، أحدهما مطلوب طلب لزوم ووجوب والآخر مطلوب وهو من جنس المندوب.

ص: 15