المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(فصل في منزلة البصيرة:

فإذا استحكم قصده صار (عزما) جازما مستلزما للشروع في السفر مقرونا بالتوكل على الله قال تعالى (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)[آل عمران: 159].

و (العزم) هو القصد الجازم المتصل بالفعل ولذلك قيل: "إنه أول الشروع في الحركة لطلب المقصود" وأن التحقيق: أن الشروع في الحركة ناشيء عن العزم لا أنه هو نفسه ولكن لما اتصل به من غير فصل ظن أنه هو.

وحقيقته: هو استجماع قوى الإرادة على الفعل.

و (العزم) نوعان:

أحدهما: عزم المريد على الدخول في الطريق وهو من البدايات.

والثاني: عزم في حال السير معه وهو أخص من هذا وهو من المقامات.

‌(فصلٌ في منزلة الفكرة:

مسألة: ما هي الفكرة؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

فإذا استيقظ أوجبت له اليقظة (الفكرة) وهي تحديق القلب نحو المطلوب الذي قد استعد له مجملا ولما يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه.

مسألة: ما هو حَدُّ الفكرة؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

وصاحب المنازل جعلها بعد (البصيرة) وقال في حَدِّهَا (هي تلمس البصيرة لاستدراك البغية) أي التماس العقل المطلوب بالتفتيش عليه.

قال: "وهي ثلاثة أنواع:

فكرة في عين التوحيد وفكرة في لطائف الصنعة وفكرة في معاني الأعمال والأحوال".

قلت: الفكرة فكرتان: «فكرة تتعلق بالعلم والمعرفة» «وفكرة تتعلق بالطلب والإرادة» .

(فالتي تتعلق بالعلم والمعرفة: فكرة التمييز بين الحق والباطل والثابت والمنفي (والتي تتعلق بالطلب والإرادة: هي الفكرة التي تميز بين النافع والضار.

ثم يترتب عليها فكرة أخرى في الطريق إلى حصول ما ينفع فيسلكها والطريق إلى ما يضر فيتركها.

فهذه ستة أقسام لا سابع لها هي مجال أفكار العقلاء.

‌(فصلٌ في منزلة البصيرة:

مسألة: ما هي البصيرة؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ص: 52

فإذا صحت فكرته أوجبت له البصيرة «فهي نور في القلب يبصر به الوعد والوعيد والجنة والنار وما أعد الله في هذه لأوليائه وفي هذه لأعدائه» فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق وقد نزلت ملائكة السموات فأحاطت بهم وقد جاء الله وقد نصب كرسيه لفصل القضاء وقد أشرقت الأرض بنوره ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقد نصب الميزان وتطايرت الصحف واجتمعت الخصوم وتعلق كل غريم بغريمه ولاح الحوض وأكوابه عن كثب وكثر العطاش وقل الوارد ونصب الجسر للعبور ولز الناس إليه وقسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه والنار يحطم بعضها بعضا تحته والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين، «فينفتح في قلبه عين» يرى بها ذلك ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها والدنيا وسرعة انقضائها، «فالبصيرة نور يقذفه الله في القلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل كأنه يشاهده رأى عين» أهـ.

مسألة: ما هي درجات البصيرة؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

و (البصيرة) على ثلاث درجات من استكملها فقد استكمل البصيرة: «بصيرة في الأسماء والصفات» «وبصيرة في الأمر والنهي» «وبصيرة في الوعد والوعيد» .

(«فالبصيرة في الأسماء والصفات» :

أن لا يتأثر إيمانك بشبهة تعارض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله بل تكون الشبه المعارضة لذلك عندك بمنزلة الشبه والشكوك في وجود الله فكلاهما سواء في البلاء عند أهل البصائر.

ص: 53

وعقد هذا: أن يشهد قلبك الرب تبارك وتعالى مستويا على عرشه متكلما بأمره ونهيه بصيرا بحركات العالم علويه وسفليه وأشخاصه وذواته سميعا لأصواتهم رقيبا على ضمائرهم وأسرارهم وأمر الممالك تحت تدبيره نازل من عنده وصاعد إليه وأملاكه بين يديه تنفذ أوامره في أقطار الممالك موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال منزها عن العيوب والنقائص والمثال هو كما وصف نفسه في كتابه وفوق ما يصفه به خلقه حي لا يموت قيوم لا ينام عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض بصير يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء سميع يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات تمت كلماته صدقا وعدلا وجلت صفاته أن تقاس بصفات خلقه شبها ومثلا وتعالت ذاته أن تشبه شيئا من الذوات أصلا ووسعت الخليقة أفعاله عدلا وحكمة ورحمة وإحسانا وفضلا له الخلق والأمر وله النعمة والفضل وله الملك والحمد وله الثناء والمجد أول ليس قبله شيء وآخر ليس بعده شيء ظاهر ليس فوقه شيء باطن ليس دونه شيء أسماؤه كلها أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد ولذلك كانت حسنى وصفاته كلها صفات كمال ونعوته كلها نعوت جلال وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل كل شيء من مخلوقاته دال عليه ومرشد لمن رآه بعين البصيرة إليه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ولا ترك الإنسان سدى عاطلا بل خلق الخلق لقيام توحيده وعبادته وأسبغ عليهم نعمه يتوسلوا بشكرها إلى زيادة كرامته تعرف إلى عباده بأنواع التعرفات وصرف لهم الآيات ونوع لهم الدلالات ودعاهم إلى محبته من جميع الأبواب ومد بينه وبينهم من عهده أقوى الأسباب فأتم عليهم نعمه السابغة وأقام عليهم حجته البالغة أفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه: أن رحمته تغلب غضبه.

وتفاوت الناس في هذه البصيرة بحسب تفاوتهم في معرفة النصوص النبوية وفهمها والعلم بفساد الشبه المخالفة لحقائقها.

وتجد أضعف الناس بصيرة أهل الكلام الباطل المذموم الذي ذمه السلف لجهلهم بالنصوص ومعانيها وتمكن الشبه الباطلة من قلوبهم وإذا تأملت حال العامة الذين ليسوا مؤمنين عند أكثرهم رأيتهم أتم بصيرة منهم وأقوى إيمانا وأعظم تسليما للوحي وانقيادا للحق.

ص: 54