الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الواجب على المكلفين فقد حصره ابن القيم بأمور، حيث يقول: " ما افترضه الله على العبيد وكان فرضا عينيا عليهم لا يسع مسلم جهله أنواع، أوله علم أصول الإيمان الخمسة، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فإن من لم يؤمن بهذه الخمس لم يدخل في باب الإيمان ولا يستحق اسم المؤمن، وثانيها علم شرائع الإسلام، واللازم منها علم ما يخص العبد من فعلها، كعلم الوضوء والصلاة والصيام والحج وتوابعها وشروطها ومبطلاتها، وثالثها علم المحرمات الخمس التي اتفقت عليها الرسل والشرائع والكتب الإلهية وهي مذكورة في قوله تعالى (قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]
رابعها علم أحكام المعاشرة والمعاملات التي تحصل بينه وبين الناس خصوصا وعموما، والواجب في هذا النوع يختلف باختلاف أحوال الناس ومنازلهم، فليس الواجب على الإمام مع رعيته كالواجب على الرجل مع أهله وجيرته " هذا الواجب العيني على المكلفين.
النوع الثاني قسمان: 1 - قسم ديني مشروع. 2 - قسم من جنس المروءات.
(وسائل تزكية النفس:
إنَّ أهم ما ينبغي للإنسان أن يتعاهده تزكية نفسه ومعرفته لوسائل تزكية النفس، ولا سيما في هذه الأزمان المتأخرة التي استحكمت فيها الشهوات، وارتطمت فيها أمواج الفتن والشبهات، والتي لم يسلم منها إلا من عصمه الله جل وعلا.
وقبل الخوض في تفاصيل وسائل التزكية لا بدَّ من العلم أن تزكية النفوس لا سبيل إليها إلا عن طريق الشرع المطهر باتباع ما جاءت به الرسل عن رب العالمين جل وعلا.
وقد أشارت آية الجمعة السابقة إلى هذا المعنى في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة: 2].
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فإن تزكية النفوس مُسلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولَاّهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة وتعليما وبيانا وإرشادا
…
فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم
…
وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة، التي لم يجئ بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم، والله المستعان» اهـ. «مدارج السالكين» (2/ 356)
ووسائل تزكية النفس تنقسم إلى قسمين: مجملة و مفصلة.
فأما الوسائل المجملة فنذكر منها ما يلي:
(1)
العمل على تطهير النفس من أخلاقها الرذيلة كالرياء والعجب والشح والبخل، والحرص والطمع، والأمن من مكر الله
…
(2)
تحليتها بالأخلاق الحميدة الفاضلة بعد أن أصبحت جاهزة لها بتخليها عن الأخلاق الدنيئة، وهذه الأخلاق هي مثل: الإخلاص، والإنابة، والخوف من الله، والشكر، والتواضع ....
(3)
المحافظة على الفرائض؛ لأنها أفضل طاعة يتقرب بها العبد إلى مولاه بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.
(4)
الإكثار من النوافل فإنها أفضل شيءٍ يُتَقَرب به إلى الله تعالى بعد الفريضة بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي: (
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.
(حديث ربيعة ابن كعب الأسلمي الثابت في صحيح مسلم) قال: كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه وحاجته فقال لي سلني؟ فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك؟ قلت هو ذاك قال فأعنى على نفسك بكثرة السجود.
(5)
تدبر القرآن، فهو جلاء القلوب وإذا صفى القلب زكت النفس، والله تعالى يقول:((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)) [ص:29]
أما الوسائل التفصيلية؛ فمنها ما يلي:
(1)
التوحيد: وقد سماه الله تعالى زكاة في قوله: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُون} [فُصِّلَت: 6 ـ 7]، وهذا التفسير مأثور عن البحر ابن عباس رضي الله عنه حيث قال في قوله تعالى:{لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} : لا يشهدون أن لا إله إلا الله. «المجموع» لشيخ الإسلام (10/ 633).
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «قال أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم: هي التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب وذلك طهارته وإثبات إلهيته سبحانه، وهو أصل كل زكاة ونماء»
…
إلى أن قال: «فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح هو التوحيد» اهـ. «إغاثة اللهفان» (1/ 49).
كما سمى الله تعالى الشرك رجسا ووسمه بالنجاسة، قال تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30]، وقال:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
فدل مفهوم الآيتين على أن الطهارة والتزكية في التوحيد الخالص لله جل وعلا.
ولذلك قال موسى لفرعون وهو يدعوه إلى التوحيد: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 18 ـ 19].
(2)
الصلاة: وهي من أعظم ما تزكو به النفوس ولذلك قرن الله تعالى بينها وبين التزكية في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 ـ 15].
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم تطهير الصلاة للنفوس بتطهير الماء للأبدان كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسلُ فيه كلَ يومٍ خمسَ مراتٍ، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثلُ الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا.
(3)
الصدقة: قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103].
[*] (قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «وفيها أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها؛ لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها» اهـ.
(4)
ترك المعاصي والمحرمات: قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} أي: زكى نفسه بفعل الطاعات، ثم قال:{وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} أي: خسر من دساها بالفجور والمعاصي.
قال شيخ الإسلام: «فكذلك النفس والأعمال لا تزكو حتى يزال عنها ما يناقضها، ولا يكون الرجل متزكيا إلا مع ترك الشر، فإنه يدنس النفس ويدسيها» . المجموع» لشيخ الإسلام
(10/ 629).
[*](قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «والمقصود أن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة، قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [النور:21]، ذكر ذلك سبحانه عقيب تحريم الزنا والقذف ونكاح الزانية، فدل على أن التزكي هو باجتناب ذلك» اهـ. «إغاثة اللهفان» (1/ 49).
(5)
التوبة، فهي أول مقامات منازل العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الانتقال من التخلية إلى التحلية، قال الله عز وجل منوها بشأنها:((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [النور:31]
(6)
لزوم الاستغفار والذكر عموماً، لقول الله عز وجل:((وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)) [الزخرف:36]
(3)
مخالفتها والإنكار عليها وعدم تلبية رغباتها؛ لأنها داعية للراحة والعصيان.
[*] (يقول الغزالي رحمه الله:
اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلِقَتْ أمارةً بالسوء مبالغةً في الشر فرارةً من الخير، وَأُمِرْتَ بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك.
(7)
توبيخها وتقريعها من أجل حملها على الطاعة:
[*] (يقول الغزالي رحمه الله: إن لازمت نفسك بالتوبيخ والمعاتبة والعذل والملامة كانت نفسك هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية، فلا تغفلن ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها، ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولاً بوعظ نفسك.
(8)
الإكثار من وعظها وتذكيرها بالموت والدار الآخرة:
فتخاطبها بمثل ما خاطبها به الغزالي في إحيائه حيث يقول: ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرك بالله الغرور، فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك، ولا تضيعي أوقاتك، فالأنفاس معدودة، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك، فاغتنمي الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم، والحياة قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها، يا نفسُ أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته، فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب، ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وهو القادر على ذلك، أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف برداً وأقصر مدة من زمهرير الشتاء؟ أم تظنين أن ذلك دون هذا، أم تظنين أن العبد ينجو منها من غير سعي؟ هيهات!! فكما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات ..
(9)
سوء الظن بالنفس والحيلولة بينها وبين الاغترار بالعمل والإدلال به على الله:
فإن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: على السالك أن لا يرضى بطاعته لله، وألا يحسن ظنه بنفسه، فإن الرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقاتها، ودليل على جهل الإنسان بحقوق العبودية وما يستحقه الرب سبحانه، ويجب أن يعامل به، ثم إن رضا الإنسان وحُسْنه ظنه بنفسه يتولد منهما من العجب والكبر والآفات الباطنة ما هو أشد من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب الخمر.
(10)
تنقية العمل من حظوظ النفس وشوائب الرياء:
فقد جعل ابن القيم رحمه الله تصفية العمل من الشوائب هي أساس الإخلاص في العمل، بحيث لا يمازج عمل الإنسان ما يشوبه من شوائب إرادات النفس من طلب التزين في قلوب الخلق أو طلب مدحهم والهرب من ذمهم، أو طلب تعظيمهم أو أموالهم أو خدمتهم ومحبتهم
…
إلى غير ذلك من العلل والشوائب التي عقد متفرقاتها هو إرادة ما سوى الله بعمله كائناً ما كان، فلا بد من التفتيش عما يشوب الأعمال من حظوظ النفس، وتمييز حق الرب منها من حظ النفس، ولعل أكثرها أو كلها أن تكون حظاً لنفسك وأنت لا تشعر، فلا إله إلا الله كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة وأن تصل إليه.
(11)
محاسبة النفس:
وقد دل على وجوب محاسبة النفس قول الله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ لِغَدٍ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُواْ كَالّذِينَ نَسُواْ اللّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولََئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر: 19] تنظر أي تفكر وتتفكر.
[*] يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله: يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه سراً وعلانية في جميع الأحوال وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامره وحدوده وينظروا مالهم وما عليهم وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم يوم القيامة فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم وقبلة قلوبهم واهتموا للمقام بها اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقف عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم، وإذا علموا أن الله خبير بما يعملون لا تخفى عليه أعمالهم ولا تضيع لديه ولا يهملها أوجب لهم الجد والاجتهاد.
(وقال الشيخ عن هذه الآية: وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وبين تقصيره هو في حق الله فإن ذلك يوجب الحياء لا محالة، والحرمان كل الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر ويشابه قوماً نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل أنساهم الله مصالح أنفسهم وأغفلهم عن منافعها وفوائدها فصار أمرهم فرطاً فرجعوا بخسارة الدارين وغبنوا غبناً لا يمكن تداركه ولا يجبر كسره لأنهم هم الفاسقون.
قال تعالى: (وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31]، فإذاً ينبغي على العبد أن ينظر في حاله ويحاسبها ويتوب من التقصير فالمحاسبة تقود إلى التوبة قال تعالى:(إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ)[الأعراف: 201]
ولا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه ((والشريكان يتحاسبان عند نهاية العمل))، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لها عند الموت:[ماأحد من الناس أحب إليّ من عمر]، ثم قال: كيف قلت؟ فأعادت عليه كلامه، فقال:[لا أحد أعزّ عليّ من عمر]. فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة أخرى لأنه رآها أنسب وأحسن وأدق وأصدق ..
[*] قال الحسن البصري رحمه الله: [المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله وإنما خفّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة] ثم قال: [المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول والله إنك تعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات! حيلي بيني وبينك!]، هذا نموذج من الحساب لشيء يعرض للإنسان مزيّن ويعجبه وتميل إليه نفسه ولكنه يتركه لأنه ليس من مصلحته في الآخرة، [ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردتِ بهذا؟!!]، يفرط أي يسبق ويحصل ويقع.
[*] قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ((ولا أقسم بالنفس اللوامة)): [لا يلقى المؤمن إلا وهو يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه].
[*] وقال مالك بن دينار رحمه الله: رحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمّها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً. وهذا من حساب النفس.
[*] وقال ميمون بن مهران: [التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح].
[*] وقال إبراهيم التميمي: [مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قال: فأنتِ في الأمنية فاعملي إذاً لتكوني في الجنة في ذلك النعيم].
[*] قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: [إن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصبّ ثم تنبعث منها إلى الأعضاء وأول ما تنال القلب].
[*] قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ((ولا أقسم بالنفس اللوامة)): [لا يلقى المؤمن إلا وهو يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه].
[*] وقال مالك بن دينار رحمه الله: رحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمّها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً. وهذا من حساب النفس.
[*] وقال ميمون بن مهران: [التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح].
[*] وقال إبراهيم التميمي: [مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قال: فأنتِ في الأمنية فاعملي إذاً لتكوني في الجنة في ذلك النعيم].
[*] قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: [إن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصبّ ثم تنبعث منها إلى الأعضاء وأول ما تنال القلب].
(12)
الإقلال من النوم والأكل والكلام:
ومما يعين على تزكية النفس عدم الإكثار من هذه الأمور الثلاثة والإفراط فيها، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله موجبة لقسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي، وكثرة الأكل موجبة لقوة نوازع النفس الشهوانية لدى الإنسان، وتوسيع مجاري الشيطان فيه، وكثرة الأكل موجبة لكثرة النوم وكثرة النوم موجبة للعجز والكسل فضلاً عن أنها مضيعة للعمر، وقد قيل: من أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيرا.
(13)
التحلي بالصبر واليقين:
فبالصبر ينتصر على شهوات نفسه فيحجزها عن المحرمات ويحبسها على الطاعات، فجانبي التزكية: التخلي والتحلي لا يمكن الحصول عليهما إلا عن طريق الصبر، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10]
(14)
الدعاء: من أسباب تزكية النفس الدعاء، فهو سلاح المؤمن بأن يلجأ الإنسان إلى الله دائماً أن يقيه شر نفسه وأن يعينه على طاعة الله، فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم اهدني لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت، من دعائه عليه الصلاة والسلام أيضاً اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.