المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

معنى التزكية شرعا: تطهير النفوس وإصلاحها بالعلم النافع والعمل الصالح، - فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - جـ ٤

[محمد نصر الدين محمد عويضة]

الفصل: معنى التزكية شرعا: تطهير النفوس وإصلاحها بالعلم النافع والعمل الصالح،

معنى التزكية شرعا: تطهير النفوس وإصلاحها بالعلم النافع والعمل الصالح، وفعل المأمورات وترك المنهيات.

قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا)

قال ابن كثير في معنى قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا) من زكى نفسه بطاعة الله، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة.

والتزكية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها). والحديث بتمامه كما يلي:

(حديث زيد ابن أرقم في صحيح مسلم) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها.

[*](قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض حديثه عن أمراض القلوب وشفائها: «والزكاة في اللغة النماء والزيادة في الصلاح، يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح، فالقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح، كما يحتاج البدن أن يربَّى بالأغذية المصلحة له، ولا بدّ مع ذلك من منع ما يضرّه فلا ينمو البدن إلَّا بإعطائه ما ينفعه ومنع ما يضره، كذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره، وكذلك الزرع لا يزكو إلا بهذا» اهـ «المجموع» (10/ 96).

وقد ثبت في تفسير التزكية عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الآتي:

(حديث عبد الله بن معاوية الغاضِري رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ ذَاقَ طعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللهَ عز وجل وَحْدَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فِي كُلِّ عَامٍ

وَزَكَّى نَفْسَهُ»، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: «أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ عز وجل مَعَهُ حَيْثُ كَانَ.

‌(قضية التزكية:

(قضية التزكية:

قضية التزكية أن ينفتح في القلب عين ترى بها أين أنت من الله؟ أين أنت في الطريق إلى الله؟ فالقضية ليست: أنك التزمت منذ كم سنة .. وطولت لحيتك .. وقدر مطالعاتك .. وإنما القضية ماذا فعل هذا في قلبك؟! «كيف يصل العمل إلى القلب؟!»

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ص: 6

«بين العمل وبين القلب مسافة» وفى تلك المسافة قطاع تمنع وصول العمل إلى القلب فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه وبين الحق والباطل ولا قوة في أمره فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق ورأى الحق والباطل وميز بين أولياء الله وأعدائه وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال.

«ثم بين القلب وبين الرب مسافة» وعليها قطاع تمنع وصول العمل إليه من كبر وإعجاب وإدلال ورؤية العمل ونسيان المنة وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب ومن رحمة الله تعالى: سترها على أكثر العمال إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها من اليأس والقنوط والاستحسار وترك العمل وخمود العزم وفتور الهمة. انتهى.

(«فالتزكية هي: الأثر في القلب» !!

بين العمل و القلب مسافة و بين القلب و بين الرب مسافة، في هذه المسافات – كما يقول بن القيم –:(قطاع طرق يقطعون الطريق على العمل أن يصل إلى القلب، و على القلب أن يصل إلى الرب)

يقول بن القيم: (و قد تستولي النفس على العمل الصالح فتصيره جنداً لها، فتصول به و تطغى فترى الرجل أعبد ما يكون و أطوع ما يكون و هو عن الله أبعد ما يكون)

هذه هي النقطة: قد تستولي النفس على العمل الصالح!!

أنت صليت فهل هذه الصلاة وصلت لقلبك، لو وصلت لقلبك تنهاك عن الفحشاء و المنكر، لكنك تجد إنسان يصلي و على باب المسجد ينظر إلى إمرأة متبرجة، على باب المسجد يكذب كذبة، على باب المسجد يتكلم مع أخر و يغتاب غيبة، فماذا فعلت الصلاة؟!

هذه هي التزكية، «كيف يصل العمل إلى القلب؟!» بإزالة قطاع الطرق بين العمل و بين القلب، والمدارج هي قضية الترقي درجة درجة.

{تنبيه} : (علم تزكية النفوس من العلوم الخطيرة المهمة و مع شديد الأسف أن كثيراً ممن كتبوا في هذا العلم جعلوه علم الخاصة مع أنه العلم الذي يطالب به كل إنسان.

[*](قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في التحفة العراقية يقول عليه رحمة الله: ((العبادات القلبية كالحب و الخوف و الرجاء و التوكل و اليقين و الرضا و الإنابة و الإخبات و الخشية و أمثالها واجبة بأصل الشرع على جميع المكلفين كوجوب الصلاة و الصيام و الحج))

ص: 7

إذن القضية يا أخوة أن هذه العبادات الإخلاص والإخبات والخشية والتوكل واليقين والمحبة والرضا والرجاء، هذه العبادات واجبة وفرض وإذا كانت واجبة فإنها تُتعلم.

قال سبحانه و تعالى: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 78]

إذن نحن خرجنا غُفل من بطون أمهاتنا و تعلمنا كيف نصلي وكيف نتوضأ وكيف نغتسل تعلمنا كيف نصوم وكيف نحج وكيف نزكي فلماذا لم نتعلم الإخلاص؟! كيف نخلص؟! كيف نتوكل على الله؟! كثيراً ما نقول ((توكل على الله .. يا أخي توكل على الله لا تخف)) و لم نتعلم كيف نتوكل على الله؟! كيف نخبت؟! كيف نخشى الله؟! كيف نحبه؟! كيف يسير القلب إلى الله؟!

قلت أن الآفة أن بعض الناس جعل علم القلوب علم الخاصة رغم أنه علم مطلوب لكل الناس كل إنسان في هذه الحياة كل مسلم يحتاج إلى هذا العلم لصحة القلب و زكاة النفس و غير ذلك من أمور كلها تكليفية في حق عامة الخلق فلذلك حلقاتنا هذه لنجعل الأمر في محله.

ثم أيها الأخوة مع شديد الأسف مضطرٌ أن أقول أن هذا العلم في مسيرته التاريخية بعد القرون الثلاثة الخيرية الصحابة و التابعين و أتباع التابعين اختلط في هذا العلم أكثر من أي علم أخر أمور جعلته كالألغاز و المقصود علم القلوب أو علم العبادات القلبية، دخله الصوفية و جعلوا هذا العلم كالألغاز جعلت هذا العلم أحياناً كأنه شيء أخر غير العلم الشرعي غير النصوص الكتاب و السنة و جعلته أحياناً مستقل كما يسمونه علم السلوك بل جعلته أحياناً من تأليف البشر، إلهامات لها قوة الوحي في التشريع أو في التقرير.

ص: 8

و كل ذلك عجيب غريب في علم يجب أن يكون كبقية العلوم محرراً منقحاً على الكتاب و السنة، إن من العجيب أن قارئ كتب هذا العلم و خصوصاً التي اختص بها الصوفية يشعر أنه أمام ألغاز أنه أمام شيء وراء النصوص و ذلك ما يضيق صدر المسلم أن يقرأ ولا يفهم شيء، حين تقرأ مثلاً ولا أحيلك على هذه الكتب ولكن كمثال (التنوير في إسقاط التدوير) ماذا تعني؟!! هذه كما ذكرت ألغاز و من ثم فإني أرفض تماماً أن أحيل أي مسلم على كتاب من كتب التصوف لا يمكن و لذلك أنا أقول أن أكثر المشتغلين بهذا العلم تصوراته قاصرة مفاهيمه ضيقة كلامهم بعيد عن الواقع عن بديهيات في الإسلام ينبغي ألا تغيب عن حس مسلم فإذا بقي هذا العلم قاصراً على هؤلاء فإن في ذلك إبقاء لشباب صحوتنا المباركة الذين يريدون السير إلى الله في أجواء غير صحية فكان لابد من دعوتنا السلفية الصافية أن تحرر هذا الموضوع ـ موضوع علم القلوب ـ أن يحرر هذا الموضوع لأنه من المواضيع التي تشكل ألف باء فهم إسلام، لأن كل مسلم في الحقيقة سائر إلى الله طالما أنه يفعل ما أمره الله عز و جل به طالما أنه باحث عن الكمال المطلوب باحث عن الوصول إلى الفردوس باحث عن رضا ربه لكن هذا الباحث لابد أن يأتي الأمور من أبوابها من بداياتها لابد من معرفة المصادر و الموارد لابد أن يعرف كيف يرد و كيف يصدر لابد ـ كما أستطيع أن أسميه الآن ـ السير الكامل و من هنا خلط الذي لا يتصور أنه لا سير إلى الله إلا من خلال التصوف! خطأ كبير، نحن هنا نريد أن نرد على الصوفية الذين لا يتصورون سيراً إلى الله بدون سير على يد أهل الطريق، إن الصحابة رضوان الله عليهم و من بعدهم من هؤلاء السلف الصالحين ساروا إلى الله قبل أن تقعد قواعد علم التصوف ما كان لهم هم إلا دراسة الكتاب و السنة و تطبيق ذلك فإن لم يكن هذا سيراً فما هو السير؟! خدعوك فقالوا: السير هو التصوف!!

وأنا أخاطب أيضاً أخواننا من أهل المنهج هذا المنهج، «المنهج السلفي الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة» ، الذين صارت عندهم حساسية بالغة التي أسميها ((أرتكاريا)) من كلمة تصوف دعك من هذه الكلمة لذلك كل المصطلحات الذي يذكرها أهل التصوف، تسبب عندنا حرج، فتسمع أحدهم يقول: الشيخ عنده نزعة صوفية!! لأنه يقول السير إلى الله و أحوال القلوب و الحال و المقام .. لا .. لماذا؟!

ص: 9