المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فالتدرج من المقاصد الشرعية إلا أن التدرج مع النفس محوط - فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - جـ ٤

[محمد نصر الدين محمد عويضة]

الفصل: فالتدرج من المقاصد الشرعية إلا أن التدرج مع النفس محوط

فالتدرج من المقاصد الشرعية إلا أن التدرج مع النفس محوط بضابط أصيل قام عليه الدليل وهو: أن التدرج لا يكون في باب الشرع إلا في أمور ثلاثة:

(أ) المستحبات. (ب) المكروهات. (ج) الزهد والورع المستحب.

وأما أن يريد الإنسان إعمال التدرج في مطلوب واجب كصلاة الجماعة مثلا فهذا حرام، ولا يجوز في الإسلام، ولا يجوز إدخال التدرج في ترك المحرمات؛ بل يجب على الإنسان تركها حالا.

القاعدة الثانية: الأولويات، بأن يُراعي الأهم فالأهم:

ولا يستطيع الإنسان إعمال هذه القاعدة حقا حتى يكون عالما بمراتب الشرع عارفا بمقاصد التشريع، وأما إن كان جاهلا فإنه لا يستطيع إعمال هذه القاعدة حق الإعمال، ولا ريب أن هذه القاعدة لها فقه وضوابط، ولها دقائق أيضا، من دقائقها ما ذكره شيخ الإسلام كما في (مجموع الفتاوي) بقوله:" ليس كل ما كان أفضل يشرع لكل أحد بل كل واحد يشرع له أن يفعل مل هو أفضل له ".

القاعدة الثالثة: أن يُجمّ الإنسان نفسه ويريح ذاته في سيرها إلى التزكية والتربية:

فالنفس كالراحلة إذا لم ترحها انقطعت، فعلم أن للنفس حق عليك، وهو أن تريحها وتجمها، وقد كان السلف يعنون بهذا.

القاعدة الرابعة: إعمال اللين والرفق مع النفس:

واللين والرفق أعم معنى من التدرج مع النفس، فينبغي أن تكون لينا مع نفسك رفيقا معها، واللين والرفق ينبغي إعماله مع النفس في موضعه، فالحزم وقت الحزم، والرفق في موضعه.

‌(أقسام التزكية:

التزكية تقوم على أمرين: تخلية وتحلية:

تخلية للنفس عن كل الذنوب والسيئات، والمعاصي والبليات، والقبائح والمسترذلات.

وتحلية لها بالمكرمات، وتنمية المستحسن من الأخلاق والعادات حتى تبلغ بها النفس المطمئنة كما أشار الغزالي إلى ذلك بقوله:"جوهر عملية التزكية: الارتقاء بالنفس درجة درجة، من السيئ إلى الحسن ثم ترقيها في مراتب الحسن والصفاء حتى تبلغ أعلى المستويات الإنسانية وأسماها، فتتحول من نفس أمارة بالسوء أو لوامة إلى نفس مطمئنة راضية عن ذاتها مرضية عند مولاها وربها".

(منزلة التزكية في الدين:

ص: 27

لما دعا إبراهيم عليه السلام ربه طالباً من يخلفه في الدعوة إلى الله من ولده قال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)[البقرة: 129]

فمن أهم أعمال الرسل التزكية و من مهمات الرسل التزكية، حدد إبراهيم عليه السلام مهمة الرسول:

(تلاوة آيات الله

(تعليم الكتاب و الحكمة

(التزكية

استجاب الله هذا الدعاء بل و امتن به على المؤمنين في ثلاثة مواضع من القرآن:

(الموضع الأول): في سورة البقرة:

(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 151]

(الموضع الثاني): في سورة آل عمران:

(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[آل عمران: 164]

(الموضع الثالث): في سورة الجمعة:

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[الجمعة: 2]

{تنبيه} : (إن المتأمل بعين البصيرة في ترتيب سيدنا إبراهيم في وظيفة الرسول هو: «تلاوة الأيات ثم تعليم الكتاب و الحكمة ثم التزكية»

أما ترتيب الله جل و علا في الثلاث آيات هو: «يتلو عليكم آياتنا ثم ويزكيهم ثم ويعلمهم الكتاب و الحكمة» فقدم التزكية قبل العلم.

و العلماء يقولون: أن كل الشرع إنما ابتني لتزكية هذه النفس وتزكية القلب.

(فالتوحيد تزكية: بدليل الآية التي ذكرناها: (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[فصلت 6 - 7]

يعني لا يزكون أنفسهم بالتوحيد، فالتوحيد تزكية، قال الله تعالى:(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[الزمر: 29]

ص: 28

فتأمل!! وأنت تتأمل في هذا العصر والله عجب!! ألم تسمع عن عبدة الشيطان؟! ألم يبلغك نبأ قوم وصلوا في التكنولوجيا الحديثة و الإختراعات إلى أفق شامخة ثم هم يعبدون البقر و تمثال بوزا؟! وشكله كئيب ولا يمت للجمال بصلة!! ألم تر إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم وصلوا إلى القمر في زمن الوصول و هو يعبدون أنفسهم؟! ويعبدون فرج المرأة و الرجل؟! هذه الشركيات دليل على قذارة النفس من الداخل.

(والصلاة تزكية: قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45]

(والزكاة تزكية: قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103]

(والصيام تزكية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كلُ عملِ بن آدم له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيامُ جنةُ فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحدُ أو قاتله فليقل صائمٌ مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه)

(والحج تزكية: قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة: 197]

«إذن الشرع كله تزكية»

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه طريق الهجرتين و باب السعادتين:

ص: 29

((هذا العلم هو أشرف علوم العباد و ليس بعد علم التوحيد أشرف منه، و هو لا يناسب إلا النفوس الشريفة، لا يناسب النفوس الدنيئة المهينة، فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم و تشتاق إليه و تحبه و تأنس بأقله فليبشر بالخير فقد أُهل له))

{تنبيه} : (لا بد أن تدرسه وأن تفقهه وأن تفهمه، لكن مؤصلاً على الكتاب والسنة، وصافيا منقحاً بفهم السلف.

(تلازم القوتين العلمية والعملية للسير في الطريق:

إن من المعلوم شرعاً أنه لابد من تلازم القوتين العلمية والعملية للسير في الطريق

وهذا ما أشار إليه العلامة ابن القيم رحمه الله في درة من نفيس كلامه إذ يقول: "قاعدة: السائر إلى الله والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين: قوة علمية وقوة عملية ..

فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق ومواضع السلوك فيقصدها سائرًا فيها ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل.

وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية؛ فإن السير هو عمل المسافر، وكذلك السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلامها وأبصر المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها فقد حصل له شطر السعادة والفلاح، وبقي عليه الشطر الآخر وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافرًا في الطريق قاطعًا منازلها منزلة بعد منزلة

" (1).

(وقوع التناقض بين القوة العلمية والقوة العملية:

فإن مما يحزّ في القلب ويؤلمه أشد الألم أن يجد العبد نفسه مبصرًا للطريق ولكنه يضعف عن السير فيه

أو يجد نفسه عالمًا بما ينبغي أن يقوم به من عمل ولكنه لا يجد في نفسه همة للفعل والأداء

أو يجد نفسه عالمًا بصفات المؤمنين وأحوال قلوبهم من الطمأنينة والرضى والصبر والثبات وغير ذلك ولكنه لا يجد قلبه كذلك في المواقف التي يحتاج فيها لتلك المعاني

أو يجد نفسه قادرًا على ذكر ما ينبغي للمسلم من الخلق ومن قول كلمة الحق ولو على نفسه، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بحقوق الأخوة، ومن النشاط في الدعوة وغير ذلك ثم لا يجد في نفسه قوة في القيام بشيء من ذلك.

(1) طريق الهجرتين ص171، ببعض الاختصار.

ص: 30

وفي المقابل، ومما يزيد العبد العالم بكل ذلك حسرة وألمًا، أن يجد كثيرًا ممن لا يعلمون مثل علمه ولا يقولون مثل قوله، وليس لديهم فصاحة كفصاحته، يجدهم أقوى منه قلبًا وأكثر منه عملاً وأشد منه خشية لله وحماسة للدين وغيرةً عليه

(أقسام العباد بالنسبة للقوتين «العلمية والعملية»

فإذا علمنا أنه بالقوة العلمية والقوة العملية يتمكن العبد من السير إلى ربه فينبغي أن نعلم أن هاتين القوتين تتفاوتان في العبد

وقد يغلب على عبد القوة العلمية فيعلم الطريق وربما يُبصِّر به غيره

ويعلم الداء والدواء ولكن تضعف عنده القوة العملية، فهو يصف الطريق ولا يسير فيه ويعلم الداء وهو مصاب به، ويصف الدواء ولا يتناوله.

وقد يغلب على عبد القوة العملية الإرادية

فمع كونه أقل علمًا من سابقه، ولا يجيد توصيف الأمور، ولا يجيد الكلام ولا الجدال، إلا أنه أسلم قلبًا وأقوى عزيمة من الأول، وأزهد في الدنيا وأشجع في المواقف وأصبر في المصائب، ويسير إلى ربه سيرًا حثيثًا، وهذا إذا كان عنده الحد الأدنى من القوة العلمية التي تصح بها عبادته وعقيدته فهو أسعد حالاً ومآلاً من سابقه، أما إذا اضمحلت فيه القوة العلمية حتى صار يعبد الله على جهل ويدعو إليه على جهل فهذا يخشى عليه من التخليط والتخبط عند ورود الشبهات.

ومن ثم فإننا نجد ابن القيم رحمه الله يقسم الناس من حيث هاتين القوتين إلى أربعة أقسام:

(قسم تغلب عليه القوة العلمية.

(وثَانٍ تغلب عليه القوة العملية.

(وثالث له القوتان معًا.

(ورابع ضعفت فيه القوتان.

ص: 31

فيقول رحمه الله: "من الناس من يكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفًا في القوة العملية، يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل (1)، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم (2)، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله

ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية وتكون أغلب القوتين عليه، وتقتضي هذه القوة السير والسلوك والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والجد والتشمير في العمل، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات، فداء هذا من جهله وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم.

ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله ورجي له النفوذ، وقوي على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته.

فإذا كان السير ضعيفًا، والهمة ضعيفة، والعلم بالطريق ضعيفًا فإنه جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء" (3).

لمن أسوق كلام ابن القيم؟

(1) وهذا يذكرني بحال من يتحدث عن موقف المسلم عند الغضب أو في الفتن فإذا كانت فتنة وقع فيها ولم يعمل بما يقول، أو بحال المرء حين يكون عالمًا بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ما كان موطن الأمر والنهي لم تنشط نفسه لذلك، وإذا بمن هو أقل منه علمًا يتولى ذلك وينشط له، وقُلْ مثل ذلك فيمن يَعْلَمُ ما ينبغي فعله بالميت ساعة الاحتضار وفي تغسيله وتكفينه ودفنه، فإذا حضر ميتًا صار كمن لا علم له بذلك، فهو فقيه ما لم يحضر العمل!!

(2)

وهي كلمة مخيفة، ولفتة عظيمة تجعل كل مشتغل بالعلم يخشى على نفسه من ذلك الضعف وتلك الآفة.

(3)

طريق الهجرتين ص172، 173، ببعض الاختصار.

ص: 32

وقد قصدت سوق كلام ابن القيم رحمه الله في تفاوت العباد في القوة العلمية والقوة العملية إلى طائفة الملتزمين بالدين في مجتمعنا أو المنسوبين إلى العلم أو الفكر أو الدعوة؛ أولئك الذين نحسن فيهم الظن ويُرجى منهم الخير، ومع ذلك فقد يقع فيهم قدر من الخلل في هاتين القوتين دون أن يصل الأمر إلى التناقض المطلق بين القوة العلمية والقوة العملية أو تنعدم إحداهما بالكلية، فهذه الدرجة الشنيعة يشبه أصحابها المنافقين الذين ظاهرهم في واد وحقيقتهم في واد آخر، أو المغضوب عليهم الذين علموا الحق وعملوا بغيره أو الضالين الذين عبدوا الله على جهل، وهذا كله له تعلق بمسألة التفاوت بين القوة العلمية والقوة العملية وأثره على واقع العبد ومصيره، وكذا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].

فهاتان الآيتان لهما أيضًا تعلق بموضوعنا، فالذي يقول ما لا يفعل أنواع كثيرة منها: من يعمل عملاً معاكسًا لقوله، ومنها المتشبع بما لم يعط، ومن يوهم الآخرين بأنه في وضع معين من العمل أو الاستعداد للبذل والتضحية فإذا احتيج منه إلى ذلك لم يكن فعله كقوله، ومنها أن يقول قولاً أو يَعِدَ وعدًا ولا يفي به، وقد قيل إن الآيتين نزلتا في هذا وأن الذم الوارد فيهما يشبه الذم في قوله صلى الله عليه وسلم:"آية المنافق ثلاث" فذكر منها: "وإذا وعد أخلف"(1).

وذهب الجمهور إلى أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فُرِضَ نكل عنه بعضهم؛ فهي نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً. أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 77، 78].

(1) رواه البخاري، ومسلم، جامع الأصول (11/ 569).

ص: 33

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ناس من المؤمنين قبل أن يُفْرَضَ عليهم الجهاد يقولون: لَوَددْنَا أن الله عز وجل دَلَّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} ، وهذا اختيار ابن جرير، وقد قيل إنها نزلت في قوم يقولون: قتلنا، ضربنا، طعنا، وفعلنا، ولم يكونوا فعلوا ذلك (1).

وعلى كل حال فالمقصود أني لا أوجه هذا الموضوع ولا أقصد به قومًا يكذبون فيقولون شيئًا يخبرون به عن أنفسهم لم يفعلوه، ولا أقصد رجلاً يقول الباطل، ولكن أكتب هذا الكلام لرجل إن لم يقل الحق لم يقل الباطل، فالكلام إذن لقوم ليس عندهم نفاق أو كذب أو انتهاك للحرمات بينما هم أصحاب ألسنة عليمة فصيحة، فهؤلاء أمرهم في غاية الشناعة، والكلام فيهم معلوم مكرور.

ولكني أعالج ظاهرة لا تبدو فيها هذه الشناعة، أو ذلك التناقض الصارخ بين العلم والعمل، وإنما يكون فيها الجانب العملي ضعيفًا إزاء الجانب العلمي دون أن يكون الشخص فاعلاً للشرور أو منهمكًا في المعاصي والآثام. وهذا سبب غموض المشكلة وإهمالها، وهو أن الشخص مع وجود خلل ما في شخصيته وتفكيره وتأثيره لا يشعر بذلك؛ لأنه ليس ثمة انحراف ظاهر في سلوكه أو عبادته، وإنما النقص في عدم مواكبة أحواله القلبية وجهوده العملية لقوته العلمية، فالقوة العلمية جيدة لكن القلب قاس والعبادة سريعة خفيفة، والورع معدوم، والغيرة على الدين ضعيفة، والبذل والتضحية والتنازل عن بعض الحقوق أو المصالح الشخصية من أجل الدعوة لا موضع لها في الواقع، والحياة للدعوة مفقودة، والحرص على هداية الآخرين غير موجود، والزهد في الدنيا لا مكان له، فصار الحال كما يصوره الشاعر:

وكلهم في لهيب القول عنترة

وكلهم في لهيب الفعل كالوتد

(1) انظر: تفسير ابن كثير، سورة الصف.

ص: 34

فمثل هذه الشخصيات التي نمت نظريًا أو علميًا أو فكريًا ولم تنم علميًا وروحيًا ودعويًا فتنة للمتعلمين والمتربين، ولهذه الشخصيات تأثيرها السلبي على المسيرة التربوية، حيث يصبح مألوفًا أن نقرأ ونتعلم ثم نتكلم أو نكتب حتى يشار إلينا بالبنان، ولا يهم بعد ذلك أن تكون أرواحنا وقلوبنا وأعمالنا وبذلنا على نفس الدرجة التي يوحي بها كلامنا أو شهرتنا .. وبالإضافة إلى ذلك فهذه الشخصيات لا تؤثر مواعظها في القلوب كما قال مالك بن دينار رحمه الله: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زَلَّتْ موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا. وعن عبد الله بن المبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق.

مسألة: أيهما أفضل الأقوى في القوة العلمية عن العملية أم العكس؟

ص: 35

الجواب: إذا كان لابد أن نفاضل بين هؤلاء وهؤلاء؛ يعني إذا كان من الصعب أن يسود النموذج المثالي الذي تتكافأ فيه القوتان العلمية والعملية وأردنا أن نفاضل بين هؤلاء الذين غلبت عليهم القوة العلمية مع ضعفهم وانهيارهم عمليًا، وبين قوم أقل منهم علمًا وفكرًا ـ ولا نقول جهالاً أو مبتدعين ـ ولكن أقوى تأثيرًا في الآخرين وأعظم في تقديم النموذج الملتزم العالم العابد الزاهد المتحمس للدين

فلا شك أن النوع الأخير أو النموذج الأخير ـ وهو أقل في قوته العلمية ـ خير من النموذج الأول صاحب القوة العلمية مع ضعف وخور وكسل وبرود في النواحي العملية؛ إذ النموذج الأول فتنة ومدعاة للفتور، والنموذج الثاني قدوة ومدعاة للعمل والإخلاص، وأصلح قلبًا وأقرب إلى النجاة في الآخرة حيث صلح قلبه وعمله، والنوع الأول جعل جل همه صلاح الكلام والفكرة، وبكلامه صار عظيمًا في عين نفسه وفي أعين الناس ولكن الله يعلم ما في قلبه وعمله من الضعف، ولذلك تظهر في الآخر مفاجآت

حيث توزع المقاعد في الجنة بمقاييس غير تلك التي توزع على أساسها المقاعد والدرجات في الدنيا، فنرفع فلانًا إلى هذه المكانة أو تلك ونغفل عن فلان ونتجاهله أو لا نفطن له، ويوم القيامة تظهر الحقائق، فهو حقًا "يوم التغابن"

فكم من مشهور مرفوع في الدنيا قد يكون رَفَعَهُ حُسْنُ كلامه وكَثْرَةُ علومه ورَوْعَةُ أفكاره ولكنه يوم القيامة ليس له قدر يُذْكَر عند الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، وكم من مغمور في الدنيا لا يشار إليه بالبنان ولا يُتحدث عن عمله ولا يجيد الكلام ولا الجدل ولا التحذلق وهو يوم القيامة من الملوك العظام في الجنة! نعم والله

{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:3]. فربما خفضت من لم يتوقع البشر المحجوبون انخفاضهم، ورفعت من لا يُتوَقْع ارتفاعُهم. فممن يقع لهم التغابن والخفض والرفع يوم القيامة أصحاب القوة العلمية والقوة العملية، وذلك أن المتميزون علميًا وفكريًا في الدنيا، إلا من رحم الله، يحسبون أنفسهم هم القوم وإن قصروا في العمل، بل ويعظمهم المتميزون قلبيًا وعمليًا لسلامة قلوبهم وهم لا يدرون أنهم أحسن حالاً ومآلاً عند الله جل وعلا ..

ص: 36

فهذا عدله سبحانه أن يرفع أصحاب القلوب السليمة والبذل الكثير، وإن لم يكونوا علماء أو مفكرين، على أصحاب الكلام والعلم والفكر الذين لم تنتفع قلوبهم بكلامهم، ولم يدل سلوكهم على علمهم، ولم يدل بذلهم وعطاؤهم على فكرهم.

عدم ركون الصالحين من العلماء إلى قوتهم العلمية:

(ولهذا كان من مضى من صالحي العلماء يخافون على أنفسهم من الضعف العملي، ولا يركنون لشهرتهم العلمية، بل يكرهون أشد الكراهية أن يتضخموا علميًا أو يشتهروا أو يعظمهم الناس، وليس في قلوهم ما يكافئ ذلك. ولهذا جعلوا نظرهم إلى حقيقة الأمر عند الله عز وجل، وكان أهم شيء عندهم صحة قلوبهم وتقربهم إلى ربهم، وكانوا يجدون لذتهم في أن يُعَامَلُوا كعامة الخلق دون مزيد تعظيم أو تضخيم

فهذا ابن المبارك العالم المشهور زوحم يومًا مع تلميذ له عند الماء وقد أراد أن يشرب ولم يكن أهل ذلك المكان يعرفونه، فلما زحموه ولم يوسعوا له أشفق عليه تلميذه وشق ذلك عليه، فالتفت إليه ابن المبارك قائلاً: ما العيش إلا هكذا

حيث لم تُعْرَفْ ولم تُعَظَّم.

وكان من مضى من صالحي العلماء لا يسمحون لعلومهم أن تشغلهم عن قلوبهم وعبادتهم وبذلهم وعطائهم، فقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يقف عند تلقي العلم من جبريل عليه السلام بل شمر عن ساعده في تعليمه الخلق، ومع ذلك لم يشغله هذا وذاك عن قيام الليل حتى تفطرت قدماه

والذي يتأمل سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن القيم رحمهما الله يجد قوة عملية عظيمة في أحوال قلوبهم وفي عبادتهم وفي دعوتهم وفي جهادهم، ولم يقصروا في ذلك اعتمادًا على ما تميزوا به من قوة علمية.

((التاريخ يشهد:

وإذا استقرأنا التاريخ فإننا نجد أن الدعاة الذين أثروا في الأمة وحركوها لم يكونوا من طبقة المفكرين العاكفين على الفكر مع ضعف قوتهم العملية، وإنما كانوا أصحاب قوة عملية، فبأفكار قليلة واضحة تساندها قوة عملية عظيمة أقاموا حركات ضخمة مؤثرة.

ص: 37

فهذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، لم يوصف بأنه من المفكرين أو العلماء المتخصصين البارزين في علم معين، وحين تتأمل كلامه تجد وضوحًا وسهولة مع قوة وروح، ويأتي بآيات وأحاديث وكلمات لسلفنا الصالح مع بعض كلام له يسير يربط به ربطًا واضحًا في غير تكلف بين تلك النصوص وما يريد، بهذا أقام حركة وأثر في الأمة، ليس في الجزيرة العربية وحدها ولكن في معظم أرجاء العالم الإسلامي، وذلك لأنه ساند كلامه اليسير وأفكاره السهلة الواضحة بقوته العملية؛ قوة في القلب، وقوة في العبادة، وقوة في السلوك، وقوة في البذل والعطاء والتحمل.

وكذا أثّر من بعده الإمام حسن البنا رحمه الله، ولم يكن هو الآخر من طبقة المفكرين أو الفلاسفة أو العلماء المتخصصين البارزين، ولكنه داعية رباني ذو قوة عملية مع فكرة واضحة وسهلة.

هذه أمثلة، وعلى منوالها يستطيع المتأمل البصير أن يستقرئ الواقع والتاريخ فيجد أن كل من أقاموا حركات قوية مؤثرة صامدة والتفت حولهم الشعوب والجماهير لم يكونوا من طبقة المفكرين القابعين في مكاتبهم يستحدثون المصطلحات ويتكلفون التعبيرات التي يعقدون بها لغة الدعاة حتى أن من لا يحسن مصطلحاتهم تجد نفسه كالعامي لا يدري ماذا يقولون، ولا ما ذا يقصدون.

وقد يظن من لا علم له أن سيد قطب رحمه الله من تلك الطبقة، والأمر في الحقيقة ليس ذلك، والذي يعلم لغة المفكرين ولغة سيد يعرف جيدًا الفرق بين اللغتين، فلغة سيد مع تميزها بالحس الأدبي والأسلوب الراقي إلا أنها تنطوي على أفكار واضحة مباشرة تكاد تكون هي المعاني الظاهرة للآيات والتطبيق المباشر لها، وهذه الأفكار معروضة بأسلوب واضح مباشر بعيد عن تعقيد المصطلحات، على خلاف ما تنطوي عليه لغة المفكرين مِنْ محاولة الوصول إلى المقصود مِنْ طرق بعيدة وأحيانًا معقدة مع تكلف في الأساليب واستحداث المصطلحات.

ومع هذا نقول، وهب أن سيدًا كان من المفكرين ولكنه ساند فكرته بربانية وقوة عملية جعلت لكلامه تلك المصداقية أو ذلك الأثر في الأمة.

(ليس العيب في الاشتغال بالعلم أو الفكر:

ص: 38

فليس العيب في التفكير أو التعميق في العلوم، وإنما العيب في المفكرين والعلماء المتخصصين الذين اكتفوا أو استغنوا بالتعمق في التفكير أو العلوم عن القوة العملية وعن الربانية التي ينبغي أن يتحلى بها العالم والمفكر حتى يغدو مؤثرًا في واقعه وفي أمته بروح قوية وعبادة حسنة وسلوك قويم وزهد وتواضع وتضحية وبذل وعطاء.

نعم يكون العيب في المفكرين أو العلماء المتخصصين ـ وليس في العلم سواء كان علمًا شرعيًا أو فكرًا أو غير ذلك ـ حين يهملون تلك الجوانب العملية، ويغترون بما قطعوه من المراحل في علومهم وأفكارهم فيظنوا أنهم بذلك قد صاروا عباد الله المختارين، وقد سبقوا غيرهم سبقًا بعيدًا، فلا يضرهم بعد اليوم تقصير في عبادة أو سلوك أو عمل.

لا خير في نمو نظري يتخلف عنه النمو العملي:

وهؤلاء البارزون في علمهم وفكرهم مع ضعف قلوبهم وعبادتهم وسلوكهم وقلة أو عدم بذلهم وتضحيتهم لا يمكن أن تنمو في ظلهم دعوة قوية تغير الأمة، بل هم بهذه التركيبة الخطيرة يقتلون فيمن حولهم كثيرًا من المعاني السامية الجميلة، مثل صفاء القلوب وقوتها، وصدق المحبة والأخوة، وحسن العبادة والإقبال عليها، والاستقامة والورع، والبذل والعطاء والتضحية والحياة للدعوة

نعم يقتلون كل هذه المعاني حين يراهم مَنْ حولهم يزهدون فيها وهم البارزون المشار إلى علومهم وأفكارهم، فأي فتنة أشد من هذا؟! حتى صرنا والله لا ندري أيهما خير المعلم أم المتعلم، والمربي أم المرَبَّى! وستظل أحوالنا متردية ما دمنا نظن أن المشكلة تكمن في قلة الأفكار ونغفل عن الداء العظيم الذي هو الضعف العملي المخيم علينا.

ص: 39

ولا خير في أي نمو نظري ـ علمي أو فكري ـ يتخلف عنه النمو العملي، وهذا ما أردت التحذير منه؛ أن نتضخم علميًا أو فكريًا على حساب قلوبنا وعبادتنا وسلوكنا وبذلنا وعطائنا في الواقع العملي لهذه الدعوة ولنصرة الدين، فيحدث الخلل وتكون الفتنة، كما أردت التحذير من أن يصبح مألوفًا عندنا أن نعلم الحق أو الواجب ولا نسعى للقيام به، ونرى الطريق ولا نسير فيها، ونعلم المزالق ولا نتوقاها، فيصدق علينا مِنْ ثَمَّ كلام ابن القيم رحمه الله:(فمن الناس مَنْ يكون له مِن القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفًا في القوة العملية، يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله).

ولهذا فهنا كلمة نقولها لعموم الأمة: لا تظنوا حين تجدوننا قد أحسنا الحديث أننا ـ بالضرورة ـ قد أحسنا العمل والعبادة والسلوك أو أننا حقًا نتحمل ونضحي، أو أننا نحسن الثبات في الفتن والبلاء، أو أننا مؤهلون لقيادة الأمة، كلا فلا تلازم بين القوتين، نعم؛ ينبغي أن تعلموا ذلك لتكونوا أبعد عن الأوهام وأبعد عن الصدمات، فالعالم أو المفكر بشر من البشر فيه من الضعف ما فيهم ويعتريه ما يعتريهم، فلا تظنوا كل من حسن علمه ومنطقه يستطيع أن يصنع شيئًا على أرض الواقع، والموفق من وفقه الله.

وقفة أخيرة:

ص: 40