الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركوع والسجود، وأما إذا أطال القيام والركوع والسجود فهذا أفضل من إطالة القيام فقط، وأفضل من تكثير الركوع والسجود والقيام بقدر ذلك" [مجموع الفتاوى (2
3/ 70 - 83)].
* * *
314 -
باب صلاة الليل مثنى مثنى
1326 -
. . . مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر؛ أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعةً واحدةَّ، توتر له ما قد صلى".
* حديث متفق على صحته أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749/ 145)، وقد تقدم تخريجه بطرقه تحت الحديث رقم (1295).
* * *
315 - باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل
1327 -
. . . ابن أبي الزناد، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت قراءةُ النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ما يَسمَعُه من في الحجرة، وهو في البيت.
* حديث حسن
أخرجه الترمذي في الشمائل (321)، وأحمد (1/ 271)، والطيالسي (4/ 404/ 2806)، والطحاوي (1/ 344)، والطبراني في الكبير (11/ 218/ 11545)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 145/ 556) و (3/ 147/ 557) و (3/ 558/150 م)، والبيهقي في السنن (3/ 10)، وفي الشعب (5/ 2369/64)، والبغوي في شرح السُّنَة (4/ 917/29)، وفي الشمائل (588)، والضياء في المختارة (12/ 209 - 210/ 226 - 228)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 14)، [التحفة (4/ 605/ 6177)، الإتحاف (7/ 481/ 8273)، المسند المصنف (11/ 651/ 5651)].
رواه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني: محمد بن جعفر الوركاني الخراساني نزيل بغداد، ويحيى بن حسان التنيسي، وسريج بن النعمان البغدادي، وسعيد بن منصور نزيل مكة، وأبو داود الطيالسي البصري، ومحمد بن بكار بن الريان البغدادي، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي، وغيرهم.
ولفظ سعيد بن منصور: يسمع قراءته من وراء الحجرة وهو في البيت، وفي رواية: كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر ما يسمعه من في الحجرة.
ولفظ الطيالسي: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من البيت، وأنا في الحجرة.
ضعفه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (4/ 180/ 1650) و (5/ 701).
وقال ابن حجر: "هذا حديث حسن من هذا الوجه".
قلت: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المدني: تقدم الكلام عليه عند الحديث رقم (353)(4/ 189 - فضل الرحيم الودود)، وخلاصة ما قيل فيه: أنه وإن كان ثقةً، متفقًا على تخريج حديثه في الصحيح، والاحتجاج به، إلا أنهما لم يخرجا له شيئًا من روايته عن عكرمة، لما فيها من مناكير، مثل حديث:"من أتى بهيمة فاقتلوه"، والذي ضُعِّف بسببه، ومثل حديث عكرمة عن ابن عباس في أن غسل الجمعة ليس بواجب [(4/ 189/ 353 - فضل الرحيم الودود)]، لمخالفته ما رواه الشيخان [البخاري (884 و 885)، ومسلم (848)]، من حديث طاووس عن ابن عباس مرفوعًا في الأمر بغسل الجمعة، ومن ثم فهو حديث منكر، والله أعلم.
ومما قلت هناك أيضًا: لم يخرج الشيخان شيئًا بهذا الإسناد؛ بل إن الترمذي لما روى بهذا الإسناد حديث البهيمة قال: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس؟ فقال: عمرو بن أبي عمرو: صدوق، ولكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك أنه سمع عن عكرمة"، ثم قال:"ولا أقول بحديث عمرو بن أبي عمرو أنه: من وقع على بهيمة أنه يقتل"[علل الترمذي الكبير (427)].
وعلى هذا: فإن الأصل فيما انفرد به عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس: أنه منكر؛ فضلًا عما ثبت خلافه عن عكرمة، أو عن ابن عباس من وجه صحيح، وأما ما رواه عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، وتوبع عليه؛ مما يدل على أن روايته عن عكرمة مستقيمة، فمثل هذا يمكن قبوله بقرائنه، والله أعلم.
وأما عبد الرحمن بن أبي الزناد: فإن حديثه بالمدينة: صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون؛ إلا ما كان من رواية سليمان بن داود الهاشمي؛ فأحاديثه عنه حسان، وليس هذا من الأول ولا الأخير، ولكنه صالح في المتابعات [نظر ما تقدم: تحت الحديث رقم (148)]، فهو حسن بمتابعاته.
* فقد جاء هذا الحديث عن ابن عباس من وجه آخر:
يرويه يحيى بن عبد الله بن بكير، وشعيب بن الليث بن سعد، وعبد الله بن عبد الحكم [وهم ثقات]:
عن الليث بن سعد [المصري: ثقة ثبت، إمام فقيه]، عن خالد بن يزيد [الجمحي المصري: ثقة]، عن سعيد بن أبي هلال [مصري، أصله من المدينة: صدوق]، عن
مخرمة بن سليمان [مدني ثقة]؛ أن كريبًا مولى ابن عباس أخبره، قال: سألت ابن عباس، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قال: كان يقرأ في بعض حجره، فيسمع قراءته من كان خارجًا.
وفي رواية: سألت ابن عباس قلت: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قال: كان يقرأ في بعض حجره، فيسمع قراءته من كان خلفه،
…
ثم ذكر قصة مبيته في بيت خالته ميمونة.
أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (371)، وأبو داود (1364)[بدون موضع الشاهد]، والنسائي في المجتبى (2/ 30/ 686)[بدون موضع الشاهد]، وفي الكبرى (1/ 235 - 236/ 398) و (2/ 132/ 1340)[ولفظه مطول والشاهد في أوله]، وابن خزيمة (2/ 187 - 188/ 1157)، وابن حبان (6/ 318/ 2581)، والضياء في المختارة (13/ 51/ 76)، والبيهقي (3/ 11)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 213)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 13)، [التحفة (4/ 673/ 6362)، [الإتحاف (7/ 678/ 8746)، المسند المصنف (11/ 652/ 5652)].
وهذا إسناد مدني ثم مصري جيد.
وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال ابن حجر:"هذا حديث صحيح"، والأصل الاحتجاج بهذا الإسناد؛ إلا أن يكون في المتن أو الإسناد ما يدل على وقوع وهم فيه، فعندئذ نحمل الوهم على وقوع تدليس في إسناده، قال البرذعي:"قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان"، قال ابن رجب:"يعني: مدلَّسة عنهما"[سؤالات البرذعي (361)، شرح علل الترمذي (2/ 867)، الفتح لابن رجب (4/ 367)، الميزان (2/ 162)، التهذيب (2/ 48). وانظر بعض أوهامه: علل الدارقطني (10/ 10/ 1819) و (12/ 35/ 12379][وقد تقدم الكلام عن هذا الإسناد بتفصيل في مواضعٍ. انظر منها مثلًا: فضل الرحيم الودود (8/ 526/ 788) و (9/ 95/ 816)، وما تقدم قريبًا برقم (1168)].
وكلام أبي زرعة وأبي حاتم لا يحمل على الرد المطلق لكل ما جاء بهذه السلسلة، وإنما ترد منها الأحاديث المنكرة، أو ما ثبت لنا بالقرائن وقوع الوهم فيه؛ دون الأحاديث التي استقامت متونها وعرفت مخارجها، وهذا منها، والله أعلم.
* ورواه يعقوب بن حميد بن كاسب [صدوق حافظ، له مناكير وغرائب]: حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي [مجهول، وفيه ضعف. التهذيب (2/ 370)، اللسان (4/ 507)]، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، قال: سألت ابن عباس عن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة بالليل، فقال: كان يقرأ في حجرته، فيسمع قراءته من كان خارجًا.
وفي رواية: كان يقرأ في حجرته قراءةً لو شاء حافظ أن يحفظها لفعل.
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 155/ 561) والبيهقي في الشعب (4/ 268/ 1944).
وهذا إسناد صالح في المتابعات.
* وله شاهد من حديث أم هانئ:
رواه وكيع بن الجراح، ومحمد بن بشر العبدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو معاوية محمد بن خازم [وزاد الدارقطني في العلل (15/ 370/ 4075): عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن داود الخريبي، وعبيد الله بن موسى] [وهم ثقات]:
عن مسعر، عن أبي العلاء العبدي [وفي رواية أبي نعيم، عند الحاكم: وهو هلال بن خباب]، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وأنا على عريشي.
ولفظ محمد بن بشر وأبي نعيم: كنت أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي.
أخرجه الترمذي في الشمائل (318)، والنسائي في المجتبى (2/ 178/ 1013)، وفي الكبرى (2/ 25/ 1087)، وابن ماجه (1349)، والحاكم (4/ 54)(8/ 432/ 7052 - ط. الميمان)، وأحمد (6/ 343 و 424)(44/ 475/ 26905 - ط. الرسالة) و (45/ 380/ 27382 - ط. الرسالة)(12/ 6502/ 27547 - ط. المكنز) و (12/ 6666/ 28025 - ط. المكنز)، وإسحاق بن راهويه (5/ 20/ 2117) و (5/ 21/ 2119)، وابن أبي شيبة (1/ 321/ 3672)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 774/ 3352 - السفر الثاني)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (127)، والطحاوي (1/ 344)، والطبراني في الكبير (24/ 410/ 997)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 151/ 559)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 30/ 918)، وفي الشمائل (589)، [التحفة (12/ 14/ 18016)، الإتحاف (18/ 12/ 23297)، المسند المصنف (40/ 625/ 119481).
تنبيه: وقع في رواية أبي معاوية عند أحمد: عن ابن جعدة بن هبيرة، وهو يحيى بن جعدة، وهو الصواب، وهو ما دل عليه كلام أبي نعيم في الحلية (7/ 268)، حيث أخرج الحديث من طريق أبي كريب: ثنا أبو معاوية، عن مسعر، عن واصل، عن أبي العلاء، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ، قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على عرشي، ثم قال أبو نعيم:"تفرد به أبو كريب عن أبي معاوية بإدخال واصل بينهما، ورواه أحمد بن حنبل في آخرين، عن أبي معاوية عن مسعر، ولم يذكر واصلاً"؛ يعني: عن يحيى بن جعدة، لا عن جعدة بن هبيرة، كما وقع في بعض نسخ المسند.
• وانظر فيمن وهم في إسناده على أبي معاوية: ما أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 268).
قال ابن أبي خيثمة والطبراني وغيرهما: "وأبو العلاء الذي روى عنه مسعر هذا الحديث هو: هلال بن خباب"، وكذا قال أحمد في العلل (2/ 402/ 2796).
• قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (212): وحدثني بعض أهل العلم، عن مسعر بن كدام، عن أبي العلاء، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ بنت أبي طالب، قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي. قال أبو عبيد: تعني: بالليل.
• خالفهم ابن عيينة فأبهم أبا العلاء:
فقد روى الحميدي، ومحمد بن أبي عمر العدني، وإسحاق بن راهويه:
عن سفيان، عن مسعر، عن رجل، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: كنت أتسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا نائمة على عريش أهلي.
أخرجه إسحاق بن راهويه (5/ 20/ 2118). والفاكهي في أخبار مكة (4/ 192/ 2515)، والسرقسطي في الدلائل (1/ 209)، والطبراني في الكبير (24/ 411/ 998).
• وانظر فيمن وهم في إسناده على ابن عيينة؛ فسمى المبهم: عمرو بن دينار: ما أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 418/ 5980 - أطرافه)، والبيهقي في الدلائل (6/ 257). وانظر: علل الدارقطني (15/ 370/ 4075)[وقال: "رواه علي بن حرب، عن ابن عيينة، عن مسعر، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ، ووهم فيه"].
• ورواه ثابت بن يزيد أبو زيد [الأحول البصري: ثقة ثبت]: حدثنا هلال - يعني: ابن خباب -، قال: نزلت أنا ومجاهد على يحيى بن جعدة ابن أم هانئ، فحدثنا عن أم هانئ، قالت: أنا أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، وأنا على عريشي هذا، وهو عند الكعبة.
أخرجه أحمد (6/ 341 - 342)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 154/ 2578)، والبيهقي في الدلائل (6/ 257).
• ورواه قيس بن الربيع [ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يُدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به. التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)]، وفضيل بن منبوذ [مجهول. تاريخ بغداد (12/ 392)]:
عن هلال بن خباب، عن يحيى بن جعدة، عن جدته أم هانئ، قالت: كنت أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل وأنا نائمة على عريشي، وهو يصلي يرجع بالقرآن.
أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 3353/775 - السفر الثاني)، والطحاوي (1/ 344)، والطبراني في الكبير (24/ 411/ 999)، والبيهقي في الشعب (4/ 269/ 1945)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 392).
قال الدارقطني في العلل (15/ 370/ 4075): "والمحفوظ: عن مسعر، عن أبي العلاء، وهو: هلال بن خباب، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ.
كذلك قال وكيع، وابن المبارك، وعبد الله بن داود الخريبي، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم، عن مسعر.
وكذلك رواه قيس بن الربيع، وفضيل بن منبوذ، عن هلال بن خباب، وهو الصحيح".
قلت: رجاله ثقات؛ هلال بن خباب أبو العلاء العبدي: ثقة، ويحيى بن جعدة بن
هبيرة المخزومي: ثقة، من الثالثة، لم يذكر له البخاري سماعًا ولا رواية عن جدته أم هانئ، وإنما ذكر روايته عن زيد بن أرقم [التاريخ الكبير (8/ 265)، الجرح والتعديل (9/ 133)، الثقات (5/ 521)، تاريخ الإسلام (6/ 220)، التهذيب (4/ 345)]، وقد تكلموا في عدم سماعه من أبي بكر وابن مسعود [المراسيل (914 و 915)، تحفة التحصيل (342)]، ولم أر من جزم بعدم سماعه من جدته؛ وإدراكه لجدته ممكن، لكني لم أقف بعد تتبع الأسانيد على سماعه من جدته أم هانئ، وهو شاهد جيد، والله أعلم.
* وقد احتج به أحمد في مسائل الكوسج (303)، حيث قال:"قلت: يرفع صوته بالقرآن بالليل؟ قال: نعم؛ إن شاء رفع، ثم ذكر حديث أم هانئ رضي الله عنها: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي من الليل".
* ويمكن أن يشهد لهذا المعنى في رفع صوت النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته من صلاة الليل:
ما تقدم عند أبي داود (871)، وقد أخرجه مسلم (772) [وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء (1/ 164) برقم (83)]:
من حديث الأعمش، عن سعد بن عُبَيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زُفَر، عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فمضى، فقلت: يركع عند المائتين، فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها قراءة مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول:"سبحان ربي العظيم"، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده"، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد فجعل يقول:"سبحان ربي الأعلى"، وكان سجوده قريبا من قيامه.
فقد دل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقراءة، وإلا لما ميَّز حذيفة بين السور، ولا المائة الأولى من الثانية، ولما أخبر بكون النبي صلى الله عليه وسلم قدم في القراءة النساء على آل عمران، ولما استطاع أن يفرق بين قراءة الحدر والترسل، ولما قدر على الإخبار بأمر غيبي لا يدرك إلا بالجهر حين قال: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ، والله أعلم.
* * *
1328 -
. . . عبد الله بن المبارك، عن عمران بن زائدة، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة؛ أنه قال: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل: يرفع طورًا، ويخفض طورًا.
قال أبو داود: أبو خالد الوالبي اسمه: هُرْمُز.
• حديث حسن
أخرجه الطحاوي (1/ 344)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 644/ 1280)، وأبو
الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 148/ 558)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 185)، [التحفة (10/ 315/ 14882)، الإتحاف (15/ 657/ 20092)، المسند المصنف (31/ 154/ 14237)].
رواه عن ابن المبارك: محمد بن بكار بن الريان، ويوسف بن عدي، وعفان بن مسلم، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي، وحبان بن موسى المروزي [وهم ثقات].
* تابع ابن المبارك عليه: حفص بن غياث، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن نمير، وأبو أحمد الزبيري، ومحمد بن ربيعة [وهم ثقات]:
عن عمران بن زائدة بن نشيط [ثقة]، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة؛ أنه كان إذا قام من الليل رفع صوته طورًا، وخفضه طورًا، وكان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 188/ 1159)، وابن حبان (6/ 338/ 2603)، والحاكم (1/ 310)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (210)، وابن أبي شيبة (1/ 322/ 3681)، وإسحاق بن راهويه (3/ 743/ 1352)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (270 و 271)، والبزار (17/ 104/ 9663)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 403/ 426)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 155/ 2581)، والطحاوي 11/ 344)، والبيهقي (3/ 12)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 12)، [الإتحاف (15/ 657/ 20092)، المسند المصنف (31/ 154/ 14237)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد، ورواه غير واحد عن عمران".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث زائدة، لم يروه عنه إلا ابنه".
* خالفهم: أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، فرواه عن عمران بن زائدة، عن أبيه، عن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، ولم يذكر أبا هريرة.
أخرجه الطحاوي (1/ 344).
قلت: القول قول من وصله، وذكر فيه أبا هريرة، وهم ستة من الثقات، لا سيما وفيهم الثقة الحجة الثبت: عبد الله بن المبارك؛ فالوصل زيادة من جماعة من الحفاظ، فكيف لا يقبل قولهم؟
قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (4/ 179/ 1649): "وزائدة بن نشيط والد عمران: لا تُعرَف حاله، ولا يعلم إلا برواية ابنه عنه"، وصرح بضعفه في موضع آخر (5/ 701).
وتعقبه العراقي في ذيل الميزان (383)، فقال:"قد روى عنه فطر بن خليفة كما ذكره ابن أبي حاتم وغيره، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: روى عنه ابنه عمران وأهل العراق، وأخرج له في صحيحه محتجًا به"[الثقات (6/ 339)].
قلت: وهذا الحديث قد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وقال النووي في الخلاصة (1237)، وفي المجموع (3/ 346):"رواه أبو داود بإسناد حسن"، وقال ابن حجر:"هذا حديث حسن".
° قلت: إسناده حسن لا بأس به، أبو خالد الوالبي: صدوق، أدرك علي بن أبي طالب؛ فلا يبعد سماعه من أبي هريرة [التاريخ الكبير (8/ 251)، الجرح والتعديل (9/ 120)، الثقات (5/ 514)، التهذيب (4/ 516)]، وزائدة بن نشيط: روى عنه اثثان، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له ابن خزيمة (1159)، وابن حبان (657 و 2477 - موارد)، والحاكم (1/ 310) و (2/ 443)، وقال ابن القطان:"لا تعرف حاله"[التاريخ الكبير (3/ 432)، الجرح والتعديل (3/ 612)، الثقات (6/ 339)، بيان الوهم (4/ 642)، التهذيب (1/ 621)، ذيل الميزان (383)، الكاشف (1/ 400) وقال: "ثقة"].
* ومما جاء في معناه:
حديث عائشة:
يرويه بُرْد بن سنان، عن عُبادة بن نُسي، عن غُضيف بن الحارث، قال: قلت لعائشة: أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل، أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يوتر أول الليل، أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في آخره. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يجهر بالقرآن، أم يَخْفِت به؟ قالت: ربما جهر به، وربما خَفَت. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
وهو حديث صحيح، تقدم برقم (226)(3/ 100 - فضل الرحيم).
* وله طريقان آخران مخرجان في نفس الموضع، هو بهما صحيح:
• معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان يوتر، من أول الليل، أو آخره؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، ربما أوتر أول الليل، وربما أوتر آخره. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: كيف كانت قراءته من الليل، أكان يُسِرُّ بالقراءة من الليل، أم يجهر؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما أسر، وربما جهر. قلت: الحمد الله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: كيف كان يصنع في الجنابة، أكان يغتسل قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
• معمر، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عائشة، قال: سألها رجل:
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته من الليل إذا قرأ؟ قالت: ربما رفع، وربما خفض. قال: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة.
قال: فهل كان يوتر من أول الليل؟ قالت: نعم، ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره. قال: الحمد الله الذي جعل في الدين سعة.
قال: فهل كان ينام وهو جنب؟ قالت: ربما اغتسل قبل أن ينام، وربما نام قبل أن يغتسل، ولكنه يتوضأ قبل أن ينام. قال: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة.
* * *
1329 قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد، عن ثابت البناني، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وحدثنا الحسن بن الصباح: حدثنا يحيى بن إسحاق: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً، فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته، قال: ومرَّ بعمر بن الخطاب، وهو يصلي رافعًا صوته، قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"يا أبا بكر! مررتُ بك وأنتَ تصلي تخفض صوتك؟ "، قال: قد أسمعتُ مَن ناجيتُ يا رسول الله! قال: وقال لعمر: "مررتُ بك، وأنتَ تصلي رافعًا صوتك؟ "، قال: فقال: يا رسول الله! أوقظُ الوَسنانَ، وأطردُ الشيطانَ.
زاد الحسن في حديثه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر! ارفع من صوتك شيئًا"، وقال لعمر:"اخفض من صوتك شيئًا".
* المرسل هو الصواب
* أخرجه من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني به موصولًا: الترمذي (447)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 404/ 427)، وابن خزيمة (2/ 189/ 1161)، وابن حبان (3/ 7/ 733)، والحاكم (1/ 310)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 156/ 2583)، والطبراني في الأوسط (7/ 181/ 7219)، والبيهقي (3/ 11)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 30/ 919)، وفي التفسير (5/ 138)، [التحفة (8/ 528/ 12088)، الإتحاف (4/ 119/ 4031)، المسند المصنف (29/ 186/ 13281)].
رواه عن يحيى بن إسحاق: الحسن بن الصباح البزار، ومحمود بن غيلان، وأبو يحيى محمد بن عبد الرحيم صاحب السابري الملقب بصاعقة، وبشر بن موسى، وجعفر بن محمد بن شاكر، والحسن بن علي الخلال الحلواني [وهم ثقات].
قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن
سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلًا".
وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث يحيى بن إسحاق السيلحيني هذا؛ فقال: "الصحيح: عن عبد الله بن رباح؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، أخطأ فيه السالحيني"[العلل (327)].
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث موصولًا عن حماد بن سلمة إلا يحيى بن إسحاق، ولا يروى عن أبي قتادة إلا بهذا الإسناد".
هكذا أعله هؤلاء الأئمة بالأرسال، بينما جرى الحاكم على ظاهر السند فقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
وقال النووي في المجموع (3/ 346)، وفي الخلاصة (1235):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".
قلت: هو حديث معلول؛ انفرد بوصله عن حماد بن سلمة: يحيى بن إسحاق السيلحيني، وهو ثقة يحفظ حديثه؛ إلا أن له غرائب وأوهام، ويخالف أصحاب حماد أحيانًا [التهذيب (4/ 338)، تذكرة الحفاظ (1/ 376)، السير (9/ 505)، علل الدارقطني (10/ 67/ 1872) و (10/ 196/ 1968)، علل ابن أبي حاتمٍ (327 و 334)، فضل الرحيم الودود (9/ 347/ 845) و (9/ 509/ 889)، وما تقدم أيضًا تحت الأحاديث رقم (339 و 518 و 537)].
* وقد خالفه فأرسله: موسى بن إسماعيل [أبو سلمة التبوذكي: ثقة ثبت، من أصحاب حماد المكثرين عنه]: حدثنا حماد، عن ثابت البناني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا مرسلًا.
أخرجه أبو داود (1329)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 11)، [التحفة (12/ 260/ 18465)، المسند المصنف (29/ 186/ 13281)].
وكلام الأئمة يدل على عدم تفرد موسى بن إسماعيل بإرساله، إذ قد رواه جماعة من أصحاب حماد عنه، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
قال الترمذي: "إنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلًا".
وقال أبو حاتم: "الصحيح: عن عبد الله بن رباح، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، أخطأ فيه السالحيني [العلل (327)].
فهو مرسل باسنادصحيح، والله أعلم.
* * *
1330 -
. . . محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذه القصة؛ لم يذكر: فقال لأبي بكر: "ارفع شيئًا"، ولا لعمر:"اخفض شيئًا"،
زاد: "وقد سمعتك يا بلال! وأنت تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة"، قال: كلام طيب يجمعه الله بعضَه إلى بعض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كلُّكم قد أصاب".
* حديث غريب؛ إنما يعرف عن أبي سلمة مرسلًا
أخرجه هشام بن عمار في جزء من حديثه (104)، والدارقطني في الأفراد (2/ 353/ 5609 - أطرافه)، والبيهقي في السنن (3/ 11)، وفي الشعب (4/ 394 - 395) و (4/ 396/ 2106)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 285)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 689)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 164)، [التحفة (10/ 371/ 15004)، المسند المصنف (31/ 155/ 14238)].
رواه عن محمد بن عمرو بن علقمة المدني: أسباط بن محمد [كوفي، ليس به بأس، تكلم فيه بعضهم، وقال ابن معين: "الكوفيون يضعفونه"، ويهم أحيانًا على محمد بن عمرو. انظر: التهذيب (3/ 109)، علل الدارقطني (9/ 296/ 1773)]، وسعيد بن يحيى اللخمي الملقب بسعدان [كوفي سكن دمشق، صدوق وسط، قال فيه الدارقطني: "ليس بذاك"، التهذيب (2/ 50)]، والمشمعل بن ملحان [كوفي، نزل بغداد، لين الحديث، ولم يعرفه ابن حزم فقال: "مجهول". تاريخ ابن معين للدوري (4/ 247)، الجرح والتعديل (8/ 417)، الثقات (7/ 517) و (9/ 195)، علل الدارقطني (8/ 23/ 1386)، المحلى (7/ 482)، تاريخ بغداد (13/ 251)، التهذيب (4/ 82)، والراوي عنه: نصر بن حريش الصامت إملاء من كتابه، وهو: ضعيف، تاريخ بغداد (13/ 285)، اللسان (8/ 259)].
ولفظ سعدان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سمعتك يا أبا بكر البارحة وأنت تخافت بقراءتك"، قال: قد أسمعتُ من ناجيتُ، قال:"وسمعتك يا عمر وأنت تجهر بقراءتك"، قال: أُنَفِّر الشيطان، وأوقظ الوسنان، قال:"وسمعتك يا بلال تأخذ من هذه السورة، ومن هذه السورة"، قال: كلام طيب، يجمع الله بعضه إلى بعض، قال:"كل قد أصاب".
قال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به أسباط بن محمد، عن محمد بن عمرو عنه".
وقال النووي في المجموع (3/ 346)، وفي الخلاصة (1236):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".
قلت: بل هو حديث غريب، تفرد به محمد بن عمرو بن علقمة المدني عن أبي سلمة، وقد روى عن محمد بن عمرو خلق كثير من أهل المدينة ومن أهل العراق وغيرهم، وفيهم كبار الحفاظ والمتثبتين؛ فأين هم عن هذا الحديث؟ حتى يتفرد به من الغرباء ثلاثة متكلم فيهم، أقواهم أسباط بن محمد، وليس فيهم ثبت يعتمد على حفظه، مما يجعل النفس لا تطمئن إلى ثبوته عن محمد بن عمرو نفسه؛ أو أن الأئمة أعرضوا عن حديثه هذا عمدًا لغرابته؛ مع كون الهمم والدواعي تتوفر لتحمله وروايته لتعلقه بشأن شيخي هذه الأمة
الصديق والفاروق، وبيان حالهما في صلاة الليل فكيف لم يشتهر هذا الحديث عند أصحاب محمد بن عمرو؟!
فإن قيل: محمد بن عمرو بن علقمة الليثي المدني: صدوق، حسن الحديث، أخرج له الشيخان، فيقال: لكنهما لم يحتجا به، أخرج له البخاري مقرونًا بغيره وتعليقًا، وأخرج له مسلم متابعة أهدي الساري (2/ 1182)، التهذيب (3/ 663)، الميزان (3/ 673)]، وذلك فضلًا عن كونه ممن كان يهم في الروايات، ويسلك الجادة أحيانًا، ولم يكن بذاك الحافظ [انظر بعض أوهامه في: الحديثين المتقدمين برقم (286 و 810)]، والله أعلم.
° ومما يؤكد صحة ما ذهبت إليه من استغراب هذا من حديث أبي هريرة:
ما ذكره ابن أبي حاتم في العلل (270) مما يدل على اشتهار هذا من حديث أبي سلمة مرسلًا، وليس متصلًا؛ حيث قال في سياق كلام طويل:"وروى سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمر مولى غُفرة عمن حدثه؛ كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي بكر وهو يخافت صوته بالقراءة، ومر بعمر وهو يجهر، ومر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة".
* وقد روي من وجه آخر عن أبي هريرة، ولا يثبت أيضًا:
قال: الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/ 998/292): حدثنا عمر بن أبي عمر، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري [ثقة ثبت]، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد بن حجيرة [كذا؛ إنما هو: عن أبي سعيد، أو: عن ابن حجيرة، كما سيأتي]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة وهذه السورة، وقال: أخلط الطيب بالطيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقرأ السورة على نحوها"، ثم قال:"مثل بلالٍ كمثل نحلةٍ غدت تأكل من الحلو والمر، ثم يمسي حلوًا كله".
قلت: الحكيم الترمذي تكلم فيه ابن العديم صاحب تاريخ حلب، وكان مما قال فيه:"لم يكن من أهل الحديث وروايته، ولا علمَ له بطرقه ولا صناعته"[اللسان (7/ 388)]، وشيخه عمر بن أبي عمر العبدي البلخي، قال فيه الجوزقاني:"مجهول"، فتعقبه ابن حجر في اللسان بقوله:"عمر: معروف، لكنه ضعيف"، وقال في الفتح:"وهو واهٍ"، قلت: وليس هو بالذي يروي عن أبي الزبير، ولا عن عمرو بن شعيب، ولا عن عبد الله بن طاووس، فإنه ليس من طبقة من يروي عن هؤلاء، وقد فرق الخطيب بينهم في المتفق، والله أعلم [المتفق والمفترق (2/ 1259/ 792) و (3/ 1612/ 1082)، الأباطيل والمناكير (2/ 433/64)، اللسان (1/ 310)، الفتح لابن حجر (12/ 354)].
• خالفه: أحمد بن حماد زغبة [هو: أحمد بن حماد بن مسلم أبو جعفر المصري: ثقة]، قال: نا سعيد بن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"مثل بلال كمثل نحلة غدت تأكل من الحلو والمر، ثم هو حلو كله".
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 64/ 179)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق 10/ 464 - 465).
قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به: يحيى بن أيوب".
• خالفهما فأتى بإسناده على الصواب: محمد بن سهل بن عسكر [ثقة]: ثنا ابن أبي مريم [ثقة ثبت]: حدثثا يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: ليس به بأس، كان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه]: حدثني عبد الله بن سليمان [هو: ابن زرعة الحميري الطويل المصري: صدوق]، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد،
أو: عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل بلال كمثل نحلة تأكل من الحلو والمر، ثم تمسي حلوًا كله".
أخرجه أبو الشيخ في أمثال الحديث (359).
قلت: هو حديث منكر؛ عبد الرحمن بن حجيرة: مصري ثقة، لا يُعرف له سماع من أبي هريرة [انظر: التاريخ الكبير (5/ 276)]، وما وجد له من سماع عند الحاكم في المستدرك (1/ 22) فلا يثبت؛ فإن راويه عبد الله بن الوليد بن قيس المصري: ضعيف، وكذا ما وقع عند أبي نعيم في صفة الجنة (118)، فإن إسناده غريب جدًّا.
وقال أبو داود في دراج: "أحاديثه مستقيمة؛ إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد"، وهي رواية عن أحمد في تضعيف ما رواه دراج بهذه السلسلة، وذهب ابن عدي إلى أن الذي يُنكر على دراج عن أبي الهيثم إنما هو خمسة أحاديث فقط، وما عداها فلا بأس به.
وقال أبو داود في سؤالاته (259): "سمعت أحمد سئل عن دراج أبي السمح؟ قال: هذا روى مناكير كثيرة، وفي حديثٍ في إسناده دراج: الشأن في دراج".
وقد أنكر أبو حاتم في العلل (1/ 394/ 1181) حديثًا لدراج عن ابن حجيرة.
وقد فصلت الكلام في سلسلة دراج عن أبي الهيثم في تخريج أحاديث الذكر والدعاء برقم (32)، وتكلمت أيضًا على ترجمة دراج أبي السمح عند الحديث السابق في السنن برقم (901).
ومما قلت في الموضع الأخير: فإن ما رواه دراج مما توبع على أصله، فهو مقبول، وحديثه حسن، وما انفرد به مما لم يتابع عليه فهو منكر مردود، وهذا منه، والله أعلم.
* وروي أيضًا من حديث علي بن أبي طالب:
يرويه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة [ثقة متقن]، وعيسى بن يونس [ثقة مأمون]:
عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي، قال: كان أبو بكر يخافت [بصوته] إذا قرأ، وكان عمر يجهر بقراءته، وكان عمار [إذا قرأ] يأخذ من
هذه السورة، ومن هذه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي بكر:"لم تخافت؟ "، فقال: إني أسمع من أناجي، وقال لعمر:"لم تجهر؟ "، فقال: أُفزع الشيطان، وأوقظ الوسنان، وقال لعمار:"لم تأخد من هذه وهذه؟ "، قال: تسمعني أخلط به ما ليس منه؟ قال: "لا"، قال: فكله طيب. وفي رواية: وقال لعمار: "لم تأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة؟ "، قال:"أتخلط به ما ليس منه؟ "، قال: لا، قال:"فكلٌّ طيب".
أخرجه أحمد في المسند (1/ 109/ 865)، وفي فضائل الصحابة (100)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 141)، والبيهقي في الشعب (4/ 395/ 2105)، والواحدي في تفسيره الوسيط (3/ 134)، والضياء في المختارة (2/ 397 - 399/ 785 - 787)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 11)، وقال:"حديث حسن " 11 لإتحاف (11/ 649/ 14802)، المسند المصنف (21/ 482/ 9744)].
قلت: هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي: سمع عليًّا، لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن جماعة من المجاهيل الذين لم يرو عنهم غيره، قال النسائي:"ليس به بأس"، وقال العجلي:"كوفي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له ابن حبان والحاكم، قلت: وهؤلاء جميعًا معروفون بتوثيق المجاهيل، لكن قال فيه ابن سعد:"كان يتشيع، وكان منكر الحديث"، وقال الشافعي:"لا يُعرف"، وقال في رواية حرملة:"مع أنه يُعلم أن هانئ بن هانئ: لا يعرف، وأن هذا الحديث [يعني: حديث العنين] عند أهل العلم بالحديث مما لا يثبتونه؛ لجهالتهم بهانئ بن هانئ"، وقال ابن المديني:"مجهول"، وذكره مسلم فيمن تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي، ولم يحتج به البيهقي، وقال:"ليس بالمعروف جدًّا"، وقال البزار:"وهانئ بن هانئ: لا نعلم روى عنه إلا أبو إسحاق"، وأخرج له ابن جرير الطبري حديثًا في فضل عمار، كما في تهذيب الآثار (14 - 17 - مسند علي)، ثم قال: "وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح، لعلل: أحدها:
…
"، فذكرها إلى أن قال: "والخامسة: أن هانئ بن هانئ: عندهم مجهول، ولا تثبت الحجة في الدين إلا بنقل العدول المعروفين بالعدالة"، وقال الماوردي في الحاوي (9/ 369) عن حديث العنين: "تلك الرواية ليست ثابتة؛ لأن هانئ بن هانئ: ضعيف عند أصحاب الحديث" [الطبقات الكبرى (6/ 223)، التاريخ الكبير (8/ 229)، المنفردات والوحدان (364)، معرفة الثقات (1883)، مسند البزار (740 - 742)، الجرح والتعديل (9/ 101)، الثقات (5/ 509)، الكامل (1/ 115)، سنن البيهقي (7/ 227) و (10/ 226)، المعرفة للبيهقي (5/ 365)، الميزان (4/ 291)، المغني في الضعفاء (6726)، التهذيب (4/ 262)].
والحاصل من أقوال النقاد في هانئ بن هانئ أنه: مجهول، لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، ثم ننظر بعد ذلك في مروياته؛ فإن روى معروفًا قبلناه، وإن روى منكرًا رددناه، وقد سبق تحرير هذه المسألة مرارًا، والله أعلم.
° قلت: وهذه رواية شاذة عن أبي إسحاق السبيعي، والمحفوظ ما رواه:
النضر بن شميل [ثقة ثبت]، وعبيد الله بن موسى [ثقة]:
عن إسرائيل [هو: ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو أثبت الناس في جده أبي إسحاق على قولٍ]: ثنا أبو إسحاق، عن زيد بن يثيع، قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا قرأ خافت صوته، وكان عمر رضي الله عنه إذا قرأ رفع صوته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي بكر رضي الله عنه:"ما أردت؟ "، قال: إني أسمع من أناجي، قال:"صدقت"، وقال لعمر رضي الله عنه:"ما أردت؟ "، قال: أطرد شيطانًا، وأوقظ الوسنان، قال:"صدقت".
أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 151/ 30261)، وابن نصر في قيام الليل (133 - مختصره)[واللفظ له].
قلت: زكريا بن أبي زائدة وإن كان ثقة، إلا أنه سمع من أبي إسحاق بأخرة، وأبو إسحاق كان قد تغير، وإسرائيل أثبت في جده من زكريا؛ بل قدمه بعضهم على شعبة وسفيان، والله أعلم.
° وعلى هذا: فالصواب: هو المرسل؛ وزيد بن يثيع: لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، قال ابن سعد:"كان قليل الحديثا، وقال البخاري: "سمع عليًا، سمع منه أبو إسحاق"، وذكره مسلم فيمن تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي، وقال العجلي: "كوفي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: "فيه جهالة"، وكان شعبة يخطئ فيه فيقول: "زيد بن أثيل"، قال ذلك ابن معين ومسلم والترمذي [الطبقات الكبرى (6/ 222)، تاريخ ابن معين رواية الدوري (4/ 331/ 4648)، سؤالات ابن الجنيد (420)، التاريخ الكبير (3/ 408) المنفردات والوحدان (369)، معرفة الثقات (535)، جامع الترمذي (872 و 3092)، الجرح والتعديل (3/ 573)، الثقات (4/ 251)، المؤتلف للدارقطني (1/ 296)، الميزان (2/ 107) و (4/ 441)، اللسان (8/ 508)، التهذيب (1/ 672)].
* وقد رويت هذه القصة من مراسيل سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وعمر مولى غُفرة:
أ - فقد روى معمر بن راشد، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، وحاتم بن إسماعيل [وهم ثقات]:
عن عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن المسيب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم[مر بأبي بكر وهو يخافت، ومر بعمر وهو يجهر، ومر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، فـ]، قال لأبي بكر:"مررت بك يا أبا بكر وأنت تخافت بقراءتك"، قال: إني أسمع من أناجي، قال:"ومررت بك يا عمر وأنت تجهر بقراءتك"، قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اخفض شيئًا"، قال:"ومررت بك يا بلال وأنت تقرأ هذه السورة ومن هذه السورة"، قال: إني يا رسول الله أخلط الطيب بالطيب، فقال:"اقرأ السورة على نحوها". لفظ معمر، وما بين المعقوفين للقطان وابن عيينة.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 495/ 4209) و (2/ 496/ 14210، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (252)، وابن أبي شيبة (2/ 8818/264) و (6/ 151/ 30259).
وهذا مرسل بإسناد لا بأس به، عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي المدني: صدوق، إلا أنه كان سيئ الحفظ، ولم يحتج به مسلم، وإنما روى له حديثًا واحدًا في القنوت متابعة [صحيح مسلم (679)، التهذيب (2/ 501)].
ب - ورواه يعقوب بن إبراهيم الدورقي [ثقة حافظ]، ومؤمل بن هشام اليشكري [ختن ابن عليه، مكثر عنه: ثقة].
عن ابن عليه [ثقة ثبت]، عن سلمة بن علقمة [ثقة حافظ، من أثبت أصحاب ابن سيرين. شرح علل الترمذي (2/ 689)]، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، قال: فقيل لأبي بكر: "لم تصنع هذا؟ " فقال: أناجي ربي، وقد علم حاجتي، قيل:"أحسنت"، وقيل لعمر:"لم تصنع هذا؟ "قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قيل:"أحسنت"، فلما نزلت {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} [الإسراء: 110]، قيل لأبي بكر:"ارفع شيئًا"، وقيل لعمر:"اخفض شيئا".
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1/ 586/ 261)، وابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 132).
وهذا مرسل بإسناد صحيح.
• وروى أحمد بن عبد الجبار [ضعيف]: حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين، في قوله:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]؛ قال: كان أبو بكر يخافت بصوته، فيقول: أناجي ربي، وكان يرفع صوته عمر، ويقول: أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان، حتى نزلت هذه الآية؛ فأمر أبو بكر فرفع صوته شيئًا، وأمر عمر فخافت من صوته.
أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 67/ 2374).
وهذا مرسل بإسناد ضعيف؛ أشعث هو: ابن سوار، وهو: ضعيف.
قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 43): "روي هذا عن ابن سيرين من وجوه صحاح".
° وقد صح في تفسير هذه الآية وسبب نزولها غير ذلك:
• فقد روى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله عز وجل:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]، قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ [وفي رواية: مختفٍ] بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمع المشركون قراءتك، [وفي رواية: فيسبوا القرآن]، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}
عن أصحابك: أسمعهم القرآن، ولا تجهر ذلك الجهر، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} ، يقول: بين الجهر والمخافتة. أخرجه البخاري (4722 و 7490 و 7525 و 7547). ومسلم (446)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 508/ 787).
• وروى سفيان الثوري، وابن المبارك، وزائدة بن قدامة، وحماد بن زيد، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وعيسى بن يونس، ومالك بن سُعير بن الخِمس، وسفيان بن عيينة، وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم، ويونس بن بكير، وسلام بن أبي مطيع، ومحمد بن فضيل أوهم خمسة عشر رجلًا من الثقات، وفيهم أئمة الحفاظ ومتقنوهم]:
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة [في قوله عز وجل:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ، قالت: نزلت في الدعاء.
أخرجه البخاري (4723 و 6327 و 7526)، ومسلم (447)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (10/ 337/ 969).
فأين عائشة رضي الله عنها عن نزول هذه الآية في شأن أبيها رضي الله عنه؟ أو أنها لما نزلت أمر أبوها برفع صوته في صلاة الليل قليلًا؟ ثم لم تعلم بذلك عائشة! والله أعلم.
° وهذان الحديثان المتصلان المتفق عليهما يضعفان عندي مرسل ابن سيرين، والله أعلم.
ج - وروى عبد الرزاق في مصنفه (2/ 498/ 4218)، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع ليلةً أبا بكر فإذا هو يخافت بالقراءة في صلاته، واستمع عمر فإذا هو يرفع صوته، واستمع بلالًا فإذا هو يأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة، فقال:"استمعت إليك يا أبا بكر؛ فإذا أنت تخفض صوتك"، قال: أخفض أنتجي ربي، قال:"واستمعت إليك يا عمر؛ فماذا أنت ترفع صوتك"، قال: أنفر الشيطان، وأوقظ النائم، قال:"واستمعت إليك يا بلال؛ وإذا أنت تأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة"، قال: أجمع الطيب بالطيب، أخلط بعضه إلى بعض، قال:"كل هذا حسن".
وهذا مرسل، ومراسيل عطاء من أضعف المراسيل، فإنه كان يأخذ عن كل ضرب، قال ابن المديني:"مرسلات مجاهد: أحب إليَّ من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب"[المراسيل (4)].
د - وروى حجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت]، عن ليث بن سعد، عن عمر مولى غفرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بأبي بكر وعمر وبلال مثل ذلك، إلا أنه قال لبلال:"إذا قرأت السورة فأنفدها".
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (253).
قلت: عمر بن عبد الله المدني مولى غُفرة: ليس بالقوي، كثير الإرسال، قال ابن معين:"لم يسمع من صحابي"، فهو مرسل شبه الريح [التهذيب (3/ 238)، [تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (1052)، الشاهد رقم (7)].
° وقد رجح أبو زرعة هاتيك المراسيل على الموصول من حديث علي:
قال ابن أبي حاتم في العلل (270): "وسمعت أبا زرعة وسئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قيل له: إن أبا بكر كان يخافت قراءته بالليل، وإن عمر كان يجهر.
فرواه زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ عن علي؛ قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
ورواه إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع؛ قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
فقيل لأبي زرعة في هذين الحديثين، وأن عمار كان يأخذ من هذه السورة، فيقرأ آيات، ثم يصير إلى سورة أخرى، فيقرأ آيات.
وروى سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمر مولى غُفرة عمن حدثه، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي بكر وهو يخافت صوته بالقراءة، ومر بعمر وهو يجهر، ومر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة؛ بدلًا من عمار.
فقيل لأبي زرعة: فما الصحيح عندك: بلال أو عمار؟
فقال أبو زرعة: رواه المدنيون على أنه بلال، وهم أعلم، وإن كان روايتهم مرسلًا، فلولا أنهم سمعوه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ما كانوا يقولونه".
° قلت: نعم؛ قد روي هذا الحديث مرسلًا عن: عبد الله بن رباح، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وزيد بن يثيع، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وعطاء، وعمر مولى غُفرة.
وهذا لا يكفي في إثبات صحة الحديث في قصة أبي بكر وعمر في المخافتة والجهر، فيبقى الحديث ضعيفًا لإرساله، مع اشتمال بعض طرقه على سبب نزول الآية خلافًا لما في الصحيحين، كما لم يثبت الحديث من وجه واحد موصولًا، والله أعلم.
وأئمة الحديث على عدم الاحتجاج بالمرسل؛ إنما يحتج بالأسانيد الصحيحة المتصلة، كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا، ويقول:"هو بمنزلة الريح"، ويقول:"هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه"، وقال علي بن المديني:"قلت ليحيى بن سعيد: سعيد بن المسيب عن أبي بكر؟ قال: ذاك شبه الريح"، وقال أيضًا:"سمعت يحيى يقول: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إليَّ من سفيان عن إبراهيم، قال يحيى: وكلٌّ ضعيف"، وقال أيضًا:"سمعت يحيى يقول: سفيان عن إبراهيم: شبه لا شيء؛ لأنه لو كان فيه إسناد صاح به"، وقال ابن أبي حاتم:"سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة، وكذا أقول أنا"[المراسيل (1 - 15)، الجرح والتعديل (1/ 243)].
وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 72): "والمرسل والمنقطع من الأخبار: لا يقوم بها حجة؛ لأن الله جلَّ وعلا لم يكلف عباده أخذ الدين عمن لا يعرف، والمرسل والمنقطع ليس يخلو ممن لا يعرف، وإنما يلزم العباد قبول الدين الذي هو من جنس الأخبار إذا كان من رواية العدول؛ حتى يرويه عدل عن عدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موصولًا".
وعلى هذا: فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث في جواز خلط سورة بسورة، كان يأخذ من سورة بعض الآيات فيقرؤها، ثم ينتقل إلى سورة أخرى، فيقرأ منها بعض آيات، يخلط الآيات بعضها ببعض، والله أعلم.
* * *
1331 -
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رجلًا قام من الليل فقرأ، فرفع صوتَه بالقرآن، فلما أصبح قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يرحم الله فلانًا؛ كأيِّنْ من آيةٍ أذْكَرَنيها الليلةَ، كنتُ قد أسقطتُها".
قال أبو داود: رواه هارون النحوي، عن حماد بن سلمة، في سورة آل عمران في الحروف:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} [آل عمران: 146].
* حديث متفق على صحته، من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
أعاده أبو داود بنفس إسناده ومتنه في أول كتاب الحروف والقراءات، برقم (3970)، [التحفة (11/ 500/ 16877)].
• وممن رواه أيضًا عن حماد بن سلمة:
سليمان بن حرب [ثقة حافظ]، وإبراهيم بن الحجاج السامي [بصري، ثقة]، والمؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط، كان سيئ الحفظ]:
عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أن رجلًا قام من الليل فقرأ، فرفع صوته بالقرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يرحم الله فلانًا، كأين من آية أذكرنيها الليلة كنت أسقطتها".
أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 1041/ 1800)، وأبو يعلى (7/ 465/ 4492)، وعبد الغني بن سعيد في الغوامض (5)، والبيهقي في السنن (3/ 12)، وفي الشعب (5/ 62/ 2367).
* ورواه أيضًا عن هشام بن عروة:
أبو أسامة حماد بن أسامة، وعبدة بن سليمان، وعيسى بن يونس، وزائدة بن قدامة، ووكيع بن الجراح، وعلي بن مسهر، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، ومحاضر بن المورِّع [وهم ثقات، وفيهم جماعة من الأثبات]:
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقرأ في المسجد، فقال:"رحمه الله؛ لقد أذكرني كذا وكذا آيةً، أسقطتُهنَّ من سورة كذا وكذا". لفظ عيسى بن يونس [عند البخاري (12655)، وتابعه عبدة في رواية، وقال عبدة في رواية أخرى، وعلي بن مسهر، ومحاضر:"أسقطتها"، وفي لفظ آخر لابن مسهر:"نسيتها"
ولفظ أبي أسامة [عند البخاري (5038)، ومسلم (788/ 224): سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يقرأ في سورةٍ بالليل، فقال: "يرحمه الله؛ لقد أذكرني كذا وكذا آيةً، كنت أُنسيتُها [وفي رواية مسلم: أسقطتها] من سورة كذا وكذا".
ولفظ أبي معاوية [عند إسحاق]: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قراءةَ رجلٍ، فقال: رحمه الله؛ لقد أذكرني آياتٍ كنت أسقطتُهن من سورة كذا وكذا".
ولفظ وكيع [عند أحمد]: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقرأ آيةً، فقال:"رحمه الله؛ لقد أذكرني آيةً كنتُ نُسِّيتُها".
وكذا لفظ ابن نمير عن عبدة وأبي معاوية مقرونين عن هشام به [عند مسلم]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءةَ رجلٍ في المسجد، فقال:"يرحمه الله؛ لقد أذكرني آيةً كنت أُنسيتُها".
أخرجه البخاري (2655 و 5037 و 5038 و 5042 و 6335)، ومسلم (788)، وأبو عوانة (2/ 459/ 3827 و 3828)، والنسائي في الكبرى (7/ 253/ 7952)، وابن حبان (1/ 311/ 107)، وأحمد (6/ 62 و 138)، وإسحاق بن راهويه (2/ 142/ 629) و (2/ 144/ 630)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (133 - مختصره)، وأبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة (70)، وأبو علي إسماعيل الصفار في السادس من حديثه (8)، وابن حزم في الأحكام (4/ 481)، وفي المحلى (9/ 453)، والبيهقي (3/ 12)، والخطيب في المبهمات (178)، وابن بشكوال في الغوامض (5/ 355)، [التحفة (11/ 483/ 16807) و (11/ 504/ 16893) و (11/ 544/ 17046) و (11/ 559/ 17109) و (11/ 566/ 17136) و (11/ 587/ 17213)، الإتحاف (17/ 293/ 22270)، المسند المصنف (39/ 162/ 18727)].
• وانظر فيمن وهم في إسناده ومتنه على هشام، وقصر في إسناده فأرسله: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 361/ 5975).
* قال البخاري: وزاد عباد بن عبد الله، عن عائشة، تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد، فقال:"يا عائشة أصوت عباد هذا؟ "، قلت: نعم، قال: اللّهُمَّ ارحم عبادًا".
علقه البخاري بعد الحديث رقم (2655)، [التحفة (11/ 241/ 16183)].
• ووصله ابن نصر في قيام الليل (133 - مختصره)(3/ 388 - التغليق)، قال: حدثنا عبيد الله بن سعد [ثقة]: ثنا عمي [يعقوب بن إبراهيم بن سعد: ثقة]: ثنا أبي [ثقة حجة، من أثبت الناس في ابن إسحاق]، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عباد، عن عائشة، قالت: هبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وتهجد عباد من دار بني عبد الأشهل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة! أصوت عباد بن بشر؟ " - وهو يقرأ -، قلت: نعم، يا رسول الله، قال:"اللَّهُمَّ ارحم عبادًا". [الإتحاف (16/ 1137/ 21772)].
وهذا إسناد جيد؛ رجاله كلهم ثقات؛ عدا ابن إسحاق، وهو: صدوق، ورواية عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة في الصحيحين، وتعليق البخاري له في صحيحه بصيغة الجزم يدل على تقويته.
• خالفه فأسقط رجلًا من الإسناد: مصعب بن عبد الله الزبيري [ثقة]، قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن عائشة، قالت: تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وتهجد عباد بن بشر في المسجد، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، فقال:"يا عائشة! هذا عباد بن بشر؟ "، فقلت: نعم، فقال:"اللَّهُمَّ ارحم عبادًا".
أخرجه أبو يعلى (7/ 350/ 4388)، وأبو القاسم البغوي في حديث مصعب الزبيري (4)، وابن أخي ميمي الدقاق (404)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1927/ 4849)، وابن حجر في التغليق (3/ 388)[من طريق أبي يعلى عن مصعب به، وزاد فيه: عن أبيه، وكذا عزاه لأبي يعلى في الفتح (5/ 265) بالزيادة]. [المسند المصنف (39/ 376/ 18914)].
قلت: الأول أولى بالصواب؛ لوجوه: منها: أن أهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، ومنها: أن المختص بالرجل قد زاد في الإسناد رجلًا، فزيادته هنا مقبولة، ومنها: أنها الرواية التي اعتمدها البخاري، مما يدل على أنها الراجحة عنده، والله أعلم.
* وانظر في الأباطيل: ما أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (304)، وعبد الغني بن سعيد في الغوامض (6 و 7)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1804/ 14563، والخطيب في المبهمات (179)، وابن بشكوال في الغوامض (5/ 356)، [وفي إسناده: عبد الله بن سلمة الأفطس، وهو: متروك الحديث].
* ومما جاء في معناه: حديث أبي موسى الأشعري:
فقد روى داود بن رشيد [ثقة]، وأحمد بن إبراهيم الدورقي [ثقة حافظ]، وعبد الله بن جعفر بن يحيى البرمكي [ثقة]:
عن يحيى بن سعيد الأموي: حدثنا طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود". لفظه عند مسلم، وزاد عند البيهقي بإسناد صحيح: فقال: لو علمتُ لحبرته لك تحبيرًا. وزاد عند أبي نعيم بإسناد صحيح: قال: قلت: أم والله يا رسول الله! لو علمتُ أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرًا.
ولفظ البرمكي [عند ابن حبان]: استمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءتي من الليل، فلما أصبحت، قال:"يا أبا موسى، استمعت قراءتك الليلة، لقد أوتيت مزمارًا من مزاميريل آل داود"، قلت: يا رسول الله! لو علمتُ مكانك لحبرت لك تحبيرًا.
أخرجه مسلم (793/ 236)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 384/ 1803 و 1804)، وابن حبان (16/ 170/ 7197)، والبزار (8/ 142/ 3160)، والبيهقي (3/ 12)
و (10/ 230)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه على شيخه أبي الحسين الطيوري "الطيوريات"(735)، [التحفة (6/ 221/ 9101)، الإتحاف (10/ 91/ 12324)، المسند المصنف (29/ 628/ 13577)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن طلحة عن أبي بردة عن أبي موسى؛ إلا يحيى بن سعيد الأموي".
• ورواه أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"يا أبا موسى! لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".
أخرجه البخاري في الصحيح (5048)، وفي خلق أفعال العباد (257)، والترمذي (3855)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح". وأبو عوانة (2/ 475/ 3891)، والبزار (8/ 163/ 3185)، والدارقطني في أربعين حديثًا من مسند بريد (57)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 45)، [التحفة (6/ 207/ 9068)، الإتحاف (10/ 84/ 12305)، المسند المصنف (29/ 628/ 13577)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى؛ إلا عبد الحميد الحماني".
° وقد جاءت قصة أبي موسى هذه في سماع النبي صلى الله عليه وسلم قراءته في الليل، وثنائه عليه، من حديث عدد من الصحابة؛ لكني آثرت التنبيه والاختصار، واقتصرت على بعض ما في الصحيح.
* وقد روى أبو أسامة حماد بن أسامة: حدثني بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أصوات رُفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم؛ إذا لقي الخيل" أو قال: "العدو، قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم".
أخرجه البخاري في الصحيح (4232)، وفي خلق أفعال العباد (262)، ومسلم (2499)، وأبو عوانة (2/ 459/ 3829) و (2/ 460/ 3830)، وابن نصر في قيام الليل (133 - مختصره)، وأبو يعلى (13/ 305/ 7318)، والروياني (476)، والبيهقي في الشعب (5/ 60/ 2365)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 56)، وفي تبيين كذب المفتري (60 و 61)، [التحفة (6/ 204/ 9055)، الإتحاف (10/ 84/ 12306)، المسند المصنف (29/ 636/ 13585)].
* وأما ما روي من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من جهر بقراءته وهو مع ذلك لا يشوش على غيره، ولا يؤذي غيره برفع صوته؛ فإنه لا يثبت:
فقد روى النعمان بن راشد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي
هريرة؛ أن عبد الله بن حذافة صلى فجهر بالقراءة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا ابن حذافة لا تُسمِعْني، وأسمعِ الله عز وجل".
فهو حديث منكر؛ راجع: تخريجه في: فضل الرحيم الودود (9/ 242/ 829).
* * *
1332 -
. . . عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السِّترَ، فقال:"ألا إن كلَّكم مناجٍ ربِّه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفعْ بعضُكم على بعضٍ في القراءة"، أو قال:"في الصلاة".
* حديث صحيح
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 498/ 4216)، ومن طريقه: أبو داود (1332)، والنسائي في الكبرى (7/ 289/ 8038)، وابن خزيمة (2/ 190/ 1162)، والحاكم (1/ 310)، وأحمد (3/ 94)، وعبد بن حميد (883)، وابن المنذر في الأوسط [5/ 156/ 2584) (5/ 149/ 2567 - ط. الفلاح) [وسقط من إسناده عبد الرزاق]، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (298)، والبيهقي في السنن (3/ 11)، وفي الشعب 5/ 97/ 2412)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 318)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 16)، [التحفة (3/ 500/ 4425)، الإتحاف (5/ 480/ 5811)، المسند المصنف (28/ 135/ 12598)].
رواه عن عبد الرزاق: أحمد بن حنبل، والحسن بن علي الحلواني [واللفظ له]، وعبد بن حميد، ومحمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن رافع، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن حماد الطهراني، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [وهم ثقات حفاظ؛ عدا الأخير ففيه كلام، وفيهم جماعة ممن روى عن عبد الرزاق قبل ذهاب بصره، وممن روى عنه من أصل كتابه].
ولفظ أحمد في المسند، وكذا عبد بن حميد ومحمد بن رافع وعبد الرحمن بن بشر: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستور، وقال:"إن كلَّكم مناجٍ ربَّه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفعَنَّ بعضُكم على بعضٍ في القراءة"، أو قال:"في الصلاة".
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
وقال ابن عبد البر: "حديث البياضي وحديث أبي سعيد: ثابتان صحيحان".
وقال النووي في المجموع (3/ 347)، وفي الخلاصة (1242):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".
وقال ابن حجر: "هذا حديث صحيح".
* ولم ينفرد به عبد الرزاق بن همام الصنعاني، عن معمر بن راشد:
تابعه: رباح بن زيد الصنعاني [ثقة، عالم بحديث معمر]، عن معمر [ثقة ثبت]، عن إسماعيل بن أمية [ثقة ثبت حافظ]، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى قوم وهم يصلون، وهم يرفعون أصواتهم بالقراءة، فقال:"كلكم مناجٍ ربه، فلا يؤذِ بعضكم بعضًا".
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (15/ 227 - ط. الغرب)، بإسناد صحيح إلى رباح.
وهو حديث صحيح، ومعمر بن راشد مكثر عن إسماعيل بن أمية، ومن أكثر الناس اختصاصًا به. [وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 356/ 5635)].
• وأما حديث أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، في قبة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال:"إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف"، فاعتكف الناس معه، قال:"وإني أُريتُها ليلةَ وترٍ، وإني أسجد صبيحتها في طينٍ وماءٍ"، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه ورَوثَة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر.
فقد تقدم تخريجه بطرقه برقم (894 و 895)(9/ 536 - 543) فضل الرحيم الودود، ولا يُعل به حديث إسماعيل بن أمية عن أبي سلمة؛ لكون أبي سلمة اختصه بهذه الجملة من الحديث، وله شواهد تدل على صحتها، والله أعلم.
* وقد اختلف في إسناده على أبي سلمة:
• فرواه إسماعيل بن أمية، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد مرفوعًا، وهو الصواب.
• وقد روي من وجه آخر عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وعائشة؛ ولا يثبت:
فقد أخرج الطبراني في الأوسط (5/ 41/ 4620)، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد العمري [قال النسائي: "كذاب"، وقال الدارقطني: "كان ضعيفًا"، روى أحاديث باطلة. تاريخ دمشق (38/ 102)، تاريخ الإسلام (22/ 202)، اللسان (5/ 340)]، قال: نا إسماعيل بن أبي أويس [ليس به بأس، له غرائب لا يتابع عليها]: حدثني أبي [عبد الله بن عبد الله بن أويس: ليس به بأس، لينه جماعة، ويخالف في بعض حديثه، وضعفه ابن معين في بعض الروايات عنه. التهذيب (2/ 366)، الميزان (2/ 450)]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وعائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه اطلع من بيته، والناس يصلون
يجهرون بالقراءة، فقال لهم:"إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن".
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا أبو أويس، تفرد به: ابنه إسماعيل".
* ومن شواهد حديث أبي سعيد:
1 -
حديث البياضي:
رواه عبد الله بن مسلمة القعنبي (120)، وأبو مصعب الزهري (225)، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، ويحيى بن بكير، وعبد الرحمن بن القاسم، ويحيى بن يحيى الليثي (213)، وإسحاق بن عيسى الطباع، وإسماعيل بن أبي أويس، وسويد بن سعيد الحدثاني (85):
عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي حازم التمار، عن البياضي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال:"إن المصلي مناجٍ ربَّه فلينظر ما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة".
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 213/131)، ومن طريقه: البخاري في خلق أفعال العباد (595)، وفي التاريخ الكبير (3/ 245)، والنسائي في الكبرى (3/ 387/ 3350) و (7/ 288/ 8037)، وأحمد (4/ 344)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (200)، وإسماعيل القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (94)، والجوهري في مسند الموطأ (813)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3092/ 7140)، البيهقي في السنن (3/ 11)، وفي الشعب (5/ 96/ 2410)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 86/ 608)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 875)، [التحفة (10/ 553/ 15563)، الإتحاف (16/ 716/ 21180)، المسند المصنف (35/ 16747/74)].
قال مالك: "أبو حازم التمار اسمه: يسار مولى قيس بن سعد بن عبادة، والبياضي: فروة بن عمرو الأنصاري، وهو من بني بياضة".
قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 316): "وكان أصل هذا الحديث في صلاة رمضان؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعهم لها إلا على ما قد مضى في باب ابن شهاب عن عروة من: أنه صلى بهم ليلة وثانية وثالثة، ثم امتنع من الخروج إليهم خشية أن تفرض عليهم".
قال ابن عبد البر: "حديث البياضي وحديث أبي سعيد: ثابتان صحيحان".
وقال ابن العربي في المسالك شرح الموطأ (2/ 360): "والحديث صحيح".
* خالف مالكًا فأرسله:
حماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة [وعنه: عبد الرزاق]، والليث بن سعد [وعنه: قتيبة بن سعيد]، ويزيد بن هارون [وهم ثقات حفاظ]:
رووه عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حازم مولى الأنصار؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفًا في رمضان في قبة على بابها حصير، قال: وكان الناس يصلون عُصَبًا عُصَبًا [وفي رواية ابن عيينة: والرجل يؤمُّ النفر]، قال: فلما كان ذات ليلة رفع باب القبة، فاطلع رأسه [وفي رواية ابن عيينة: ثم قال ما شاء الله]، فلما رآه الناس أنصتوا، فقال:"إن المصلي يناجي ربه، فلينظر أحدكم ما يناجي به ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". لفظ حماد.
أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 388/ 3351 - 3353)، وابن المبارك في الزهد (1144)، وعبد الرزاق (2/ 498/ 4217)(2/ 480/ 4262 - ط. التأصيل)[عن ابن عيينة]، ومسدد في المسند (2/ 239/ 1419 - إتحاف الخيرة)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 317)[من طريق حماد]، [التحفة (10/ 553/ 15563)، المسند المصنف (35/ 74/ 16747)].
قال ابن صاعد تعقيبًا على رواية ابن المبارك المرسلة: "وهذا الحديث يروى عن أبي حازم، عن البياضي - رجل من بني بياضة من الأنصار -، عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني: متصلًا.
• ورواه يعقوب بن حميد بن كاسب [صدوق حافظ، له مناكير وغرائب]: ثنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حازم، عن أبي عمرة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفًا في العشر الأواخر في قبة له، والرجل يؤم النفر، فأخرج رأسه، ثم قال ما شاء الله عز وجل أن يقول، ثم قال:"إن المصلي يناجي ربه فلينظر أحدكم بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن".
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 60/ 2006).
وهذا منكر من هذا الوجه.
• ورواه عبد الله بن نمير [ثقة، ولكنه قصر في إسناده]، قال: حدثنا يحيى، عن محمد بن إبراهيم، عن رجل من قومه نحوه.
أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 388/ 3354)، [التحفة (10/ 553/ 15563)، المسند المصنف (35/ 74/ 16747)].
• وشذ عنهم أبو بكر بن عياش [ثقة، ساء حفظه لما كبر، وكتابه صحيح]، فرواه عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد؛ عن أبي حازم؛ قال: اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم . . . في قصة البياضي، فلم يذكره في الإسناد.
قال ابن أبي حاتم في العلل (667) بعدما سأل أباه عن هذا الحديث: "قال أبي: هذا وهمٌ؛ إنما هو: ما روى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حازم، عن البياضي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
قالى أبي: غلط أبو بكر في هذا الحديث. فقلت: كيف روى؟ فقال: استر ما ستر الله".
قلت: في كلام أبي حاتم إشارة إلى كون رواية مالك المتصلة هى المحفوظة، ويدل على ذلك أن يحيى بن سعيد الأنصاري قد توبع على وصله:
* فقد روى الليث بن سعد [وعنه: يحيى بن بكير، وشعيب بن الليث]، وبكر بن مضر، وعبد العريز بن محمد الدراوردي [وهم ثقات]:
عن ابن الهاد [يزيد بن عبد الله بن الهاد: مدني ثقة مكثر]، عن محمد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني بياضة من الأنصار؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو مجاور في المسجد يومًا، فوعظ الناس وحذَّرهم ورغَبهم، ثم قال:"ليس مصلٍّ يصلي إلا وهو يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن".
أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (597)، والنسائي في الكبرى (3/ 386/ 3346 و 3347)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (16/ 716/ 21180 - إتحاف المهرة) و (2/ 239/ 1419 - إتحاف الخيرة)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 61/ 2007)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 317)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 876)، [التحفة (10/ 588/ 15643)، الإتحاف (16/ 716/ 21180)، المسند المصنف (35/ 74/ 16747) و (35/ 242/ 16952)].
• وقد رواه أيضًا: الليث بن سعد [وعنه: يحيى بن بكير، وشعيب بن الليث]، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي:
عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حازم مولى الغفاريين؛ أنه حدثهم هذا الحديث عن البياضي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 387/ 3348)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (16/ 716/ 21180 - إتحاف المهرة) و (2/ 239/ 1419 - إتحاف الخيرة)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 61/ 2007)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 318)، [التحفة (10/ 553/ 15563) و (10/ 588/ 15643)، الإتحاف (16/ 716/ 21180)، المسند المصنف (35/ 74/ 16747)].
قال أبو حاتم في العلل (367 و 552): "لولا أن ابن الهاد جمع بين الحديثين، لكنا نحكم لهؤلاء الذين يروونه".
يعني: أن هذا الحديث محفوظ عن محمد بن إبراهيم بالوجهين جميعًا، له فيه شيخان: عطاء بن يسار، وأبو حازم مولى الغفاريين، كلاهما قد رواه عن رجل من بني بياضة من الأنصار مرفوعًا.
• ورواه أيضًا: سعيد بن الحكم بن أبي مريم [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: لا بأس به]، وابن لهيعة [ضعيف]، قالا: حدثنا ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني بياضة؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره سواء إلى آخره.
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (23/ 318)، بإسناد صحيح إلى ابن أبي مريم.
وهذا إسناد جيد إلى ابن الهاد، يؤكد كون الحديث محفوظًا عن عطاء بن يسار.
• ورواه أبو أسامة [حماد بن أسامة: كوفي، ثقة ثبت]، عن الوليد بن كثير [لمخزومي، المدني، سكن الكوفة: ثقة]: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي؛ أن أبا حازم مولى هذيل حدثه؛ أن رجلا من بني بياضة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جاور في المسجد في قبةٍ على بابها قطعة حصير، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصير، ثم قال:"أنصتوا أيها الناس"، فأنصتوا، قال: فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغَّب وحذَّر بأبلغ حدِّ، ثم قال:"إن المصلي إذا صلى فإنما يناجي ربه، ولا يجهرنَّ بعضكم على بعض بالقرآن"، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعاد الحصير، فقال الناس: إن هذه الليلة مباركةٌ وعظ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وحضَّهم، قال: فذهبنا ننظر؛ فإذا ليلة ثلاث وعشرين.
أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 96/ 2411)، بإسناد صحيح إلى أبي أسامة.
وهذا إسناد صحيح إلى أبي حازم، وفيه إثبات سماع أبي حازم من البياضي؛ غير أن قوله في آخر الحديث: فذهبنا ننظر؛ فإذا ليلة ثلاث وعشرين: في النفس منها شيء؛ فإن المعروف في هذه الواقعة من حديث أبي سعيد الخدري؛ أنها كانت ليلة إحدى وعشرين، حيث قال: وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر.
* ورواه عبدة بن سليمان الكلابي [ثقة ثبت]، ويونس بن بكير [صدوق]:
عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي حازم مولى هذيل، قالى: جاورت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني بياضة من الأنصار، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (596)، وفي التاريخ الكبير (3/ 245)، وإسحاق بن راهويه (6/ 235/ 1118 - مطالب)، [المسند المصنف (35/ 74/ 16747)].
وهذا إسناد جيد إلى أبي حازم، وفيه إثبات السماع.
* ويمكن تلخيص طرق الحديث السابق ذكرها كما يأتي:
• يحيى بن سعيد الأنصاري [من رواية مالك عنه، وهو المحفوظ]، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي حازم التمار، عن البياضي، مرفوعًا.
• ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حازم مولى الغفاريين؛ أنه حدثهم هذا الحديث عن البياضي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• الوليد بن كثير: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي؛ أن أبا حازم مولى هذيل حدثه؛ أن رجلًا من بني بياضة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جاور في المسجد في قبةٍ على بابها قطعة حصير.
• ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي حازم مولى هذيل، قال:
جاورت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني بياضة من الأنصار، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
• ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني بياضة من الأنصار؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
° والحاصل: فإن هذا الحديث قد رواه عن البياضي: عطاء بن يسار [وهو: مدني، تابعي، ثقة، من الثانية]، وأبو حازم التمار الغفاري [وهو: ثقة. التهذيب (4/ 507)]، رواه عنهما: محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي [وهو: مدني، ثقة]، ورواه عنه: جمع من الثقات؛ فهو حديث صحيح:
قد أودعه مالك في موطئه، ومالكٌ، وما أدراك ما مالك؟! فإن شأن مالك في الاحتياط في الحديث معلوم مشهور، قال الشافعي:"إذا جاء الحديث عن مالك فشُدَّ به يدك"، وقال أيضًا:"كان مالك إذا شكَّ في بعض الحديث طرحه كله"، وقال ابن عيينة:"كان مالك لا يُبلِّغ من الحديث إلا صحيحًا، ولا يحدث إلا عن ثقة"، وقال أبو حاتم لابن معين:"مالك قلَّ حديثه؟ فقال: بكثرة تمييزه"، وقال أبو حاتم:"ومالك: نقيُّ الرجال، نقيُّ الحديث، وهو أنقى حديثًا من الثوري والأوزاعي"، وقال ابن حبان:"ولم يكن يروي إلا ما صح"، والنقل في هذا يطول لكني اكتفيت بالإشارة، وقد كان مالك يترك بعض حديثه توقيًا، لا سيما إذا لم يكن عليه العمل، وكان شديد الانتقاء لما صح من الحديث، ولا يحدث إلا بما صح عنده، حتى قال ابن عبد البر في التمهيد: "وبلاغاته إذا تفقِّدت لم توجد إلا صحاحًا، لذا فقد ترك حديثًا كثيرًا مما سمعه من مشايخه لم يحدث به لأسباب عديدة [الجرح والتعديل (1/ 14)، الثقات (7/ 459)، الكامل (1/ 91)، الحلية (6/ 321)، التمهيد (1/ 74) و (13/ 188)، ترتيب المدارك (1/ 73 - 75)، السير (8/ 73)]، وقد سبق الكلام عن ذلك في مواضع من فضل الرحيم الودود.
وقد سبق هنا بيان أن أبا حاتم الرازي قد اعتد برواية مالك في رد رواية أبي بكر بن عياش التي أخطأ فيها، كما أثبت رواية ابن الهاد بالوجهين، عن أبي حازم وعن عطاء.
وقال ابن عبد البر: "حديث البياضي: ثابت صحيح".
وقال ابن العربي في المسالك شرح الموطأ (2/ 360): "والحديث صحيح".
• ورواه عبد ربه بن سعيد [مدني ثقة، وعنه: شعبة]، قال: سمعت محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن رجل من بني بياضة من الأنصار؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر من رمضان، وقال:"إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه، فلا ترفعوا أصواتكم بالقرآن".
أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 387/ 3349)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1575)، [التحفة (10/ 615/ 15692)، المسند المصنف (35/ 398/ 17184)].
قلت: قد اضطرب في إسناده عبد ربه بن سعيد، ولم يضبطه، فرواه مرة عن محمد بن
إبراهيم عن رجل من بني بياضة؛ بغير واسطة، ورواه مرة: عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم، وهو الصواب، قال شعبة: ثم قال عبد ربه بعدُ: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن رجل من بني بياضة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر من رمضان
…
، فذكر الحديث.
أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (1575).
وانظر في المراسيل أيضًا: ما أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (200 م).
2 -
حديث عبد الله بن عمر:
رواه مالك بن سُعير بن الخِمس [لا بأس به]، وعلي بن هاشم بن البريد [صدوق]، وأبو حمزة السكري محمد بن ميمون [مروزي، ثقة]، وعبيد الله بن موسى [كوفي، ثقة]، وعَبيدة بن حميد [كوفي، ليس به بأس، ولم يكن من الحفاظ المتقنين]:
عن ابن أبي ليلى [ليس بالقوي، كان سيئ الحفظ جدًّا]، عن صدقة [وفي رواية عبيد الله بن موسى عند البزار والقشيري: صدقة بن يسار] [وفي رواية ابن الخمس عند ابن خزيمة: وهو ابن يسار][وفي رواية أبي حمزة السكري: صدقة المكي][وفي رواية عبيدة: عن رجل يدعى: صَدُوعٌ، وفي نسخة: صدقة]، عن عبد الله بن عمر قال: بني لنبي الله صلى الله عليه وسلم بيت من سعف [في المسجد]، اعتكف فيه [العشر الأواخر من] رمضان، [يصلي فيه]، حتى إذا كان ليلةً أخرج رأسه فسمعهم يقرؤون، فقال:"إن المصلي إذا صلى يناجي ربه، فليعلم أحدكم ما يناجيه، يجهر بعضكم على بعض؟ ". يريد إنكار الجهر بعضهم على بعض، كما في رواية الجماعة:"ولا يجهر بعضكلم على بعض".
أخرجه ابن خزيمة (3/ 350/ 2237)، وأحمد (2/ 67 و 129)(3/ 1168/ 5447 - ط. المكنز) و (3/ 1299/ 6236 - ط. المكنز)، وابن أبي شيبة (2/ 232/ 8462) و (6/ 85/ 29666)، والبزار (12/ 304/ 6148)، وأبو علي محمد بن سعيد القشيري في تاريخ الرقة (213)، [الإتحاف (8/ 472/ 9788)، المسند المصنف (14/ 260/ 6897)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن ابن عمر، ولا نعلم له طريقًا عن ابن عمر إلا هذا الطريق".
• ورواه إبراهيم بن خالد [الصنعاني المؤذن: ثقة]: حدثنا رباح [هو: ابن زيد الصنعاني؛ ثقة، عالم بحديث معمر]، عن معمر [ثقة ثبت]، عن صدقة المكي، عن عبد الله بن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف، وخطب الناس، فقال:"أما إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجى ربه، فليعلم أحدكم ما يناجي ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة في الصلاة".
أخرجه أحمد (2/ 36)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (12/ 428/ 13572)، والسهمي في تاريخ جرجان (389)، [الإتحاف (8/ 472/ 9788)، المسند المصنف (14/ 260/ 6897)].
قال الحافظ أبو علي محمد بن سعيد القشيري في كتابه تاريخ الرقة (214 - 217): "حدثنا عبد الملك الميموني: ثنا ابن حنبل: ثنا إبراهيم بن خالد: ثنا صدقة، عن المغيرة بن حكيم الصنعاني؟ قال: نعم.
قال: نا رباح، عن معمر، عن صدقة. قلت: عن صدقة بن يسار؟ قال: نعم.
وسمعته يقول: هو من أهل الرقة، وروى عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف، وخطب الناس، فقال:"إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعضٍ بالقراءة في الصلاة".
سمعت الميموني يقول: رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يستحسن حديث صدقة بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف وخطب الناس، فقال: "إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة، فإنما يناجي ربه.
وقال
…
يقول في رفع الصوت بالقراءة، من أن يخلط على الناس.
وقال: صدقة بن يسار من أهل الرقة" [ونقل بعضه عن الميموني: المزي في تهذيب الكمال (13/ 157)].
وقال البرقاني في سؤالاته (225): "قلت للدارقطني: معمر، عن صدقة، عن ابن عمر؟ قال: هو ابن يسار: ثقة، مكي".
قلت: هو حديث صحيح؛ صدقة بن يسار: رقي، سكن مكة، وهو: ثقة، سمع ابن عمر [انظر: صحيح مسلم (506)، فضل الرحيم الودود (7/ 590/ 700)].
3 -
حديث جابر بن عبد الله:
رواه محمد بن بكار [هو: ابن الريان البغدادي الرصافي: ثقة]: ثنا عنبسة بن عبد الواحد القرشي [كوفي، ثقة]: ثنا محمد بن يعقوب، عن أبي النضر، عن جابر بن عبد الله، قالى: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة من رمضان، والناس يصلون، فقال:"لا يجهر بعضكم على بعض؛ فإن ذلك يؤذي المصلى".
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (231 - بغية الباحث). وأبو بكر الآجري في مسألة الطائفين (3)، والطبراني في الأوسط (3/ 27/ 2362)، وابن عدي في الكامل (6/ 166)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 220 - ط. الغرب)، وغيرهم.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سالم أبي النضر إلا محمد بن يعقوب، تفرد به عنبسة".
قلت: هو منكر من حديث جابر؛ تفرد به عن سالم أبي النضر: محمد بن يعقوب اليمامي، وله مناكير، قال ابن عدي:"بعض أحاديثه فيه إنكار، وليس حديثه إلا القليل"[التاريخ الكبير (1/ 266)، الجرح والتعديل (8/ 121)، الثقات (9/ 46 و 62)، الكامل (6/ 166) (9/ 161 - ط. الرشد)، الميزان (4/ 70)، اللسان (7/ 593)].
وسالم بن أبي أمية أبو النضر المدني: روى عنه جمع من الثقات والأئمة، ولم يتابع
أحدٌ منهم محمد بن يعقوب على هذه الرواية، كما لا يُعرف لسالم أبي النضر رواية عن جابر بن عبد الله، والمعروف بالرواية عن جابر: سالم بن أبي الجعد، والله أعلم.
4 -
حديث علي بن أبي طالب:
رواه خالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت، رواه عنه جمع كبير من الثقات، منهم: عفان بن مسلم، ومسدد بن مسرهد، وعمرو بن عون، ومالك بن إسماعيل، ووهب بن بقية، وقتيبة بن سعيد، وخلف بن الوليد، ويزيد بن هارون، وخالد بن مرداس]، وقبيصة بن الليث الأسدي [صدوق]:
عن مطرف بن طريف [كوفي ثقة]، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء [الآخرة] وبعدها، يُغلِّط أصحابه في الصلاة. لفظ الجماعة متقارب، ولفظ يزيد بن هارون [عند أحمد]:
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (201). ومسدد في مسنده (4/ 409/ 592 - مطالب)، وابن أبي شيبة في مسنده (4/ 409/ 592 - مطالب)، وأحمد (1/ 88 و 97 و 104)، وأبو يعلى (497)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (355)، وأبو القاسم البغوي في حديث أبي الهيثم خالد بن مرداس (2)، وأبو بكر الآجري في مسألة الطائفين (1 و 2)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 52)، والبيهقي في الشعب (5/ 97/ 2413)، والذهبي في السير (14/ 165) و (16/ 136)، وفي التذكرة (2/ 697) و (3/ 936)، [الإتحاف (11/ 325/ 14120)، المسند المصنف (21/ 91/ 9482)].
قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 319): "وهذا تفرد به خالد الطحان، وهو ضعيف [يعني: الحديث]، وإسناده كله ليس مما يحتج به".
قلت: مطرف بن طريف: كوفي ثقة، قديم الوفاة، توفي سنة (141) أو بعدها، فهو أقدم وفاة من شعبة وسفيان بما يقرب من عشرين عامًا، وقد رويا عنه [انظر: التهذيب (4/ 90)]، وعليه فهو قديم السماع من أبي إسحاق، والله أعلم.
وإنما علة الحديث: في الحارث بن عبد الله الأعور؛ فإنه ضعيف، ولم يسمع منه أبو إسحاق سوى أربعة أحاديث، فهو حديث ضعيف.
* * *
1333 -
. . . إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجاهرُ بالقرآن، كلالجاهرِ بالصدقة، والمسرُّ بالقرآن، كالمسرِّ بالصدقة".
* حديث صحيح
أخرجه الترمذي (2919)، وسعيد بن منصور (1/ 133/ 26)، والحسن بن عرفة في
جزئه (84)، والطبراني في الكبير (17/ 334/ 924)، وفي مسند الشاميين (2/ 189/ 1165)، وأبو الحسين ابن بشران في الأول والثاني من فوائده (627)، والبيهقي في السنن (3/ 13)، وفي الشعب (5/ 66/ 2372)، وقاضي المارستان في مشيخته (1541، وابن عساكر في المعجم (486)، [التحفة (6/ 9949/621)، المسند المصنف (20/ 446/ 9374)].
رواه عن إسماعيل بن عياش: عثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، والحسن بن عرفة، وعبد الوهاب بن نجدة الحوطي [وهم ثقات].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
وقد حسنه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (4/ 187/ 1669) و (5/ 701).
وإسماعيل بن عياش: روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذه منها، ولم ينفرد به عن بحير بن سعد، بل قد توبع عليه:
* فقد رواه عبد الله بن وهب، ومعن بن عيسى، وحماد بن خالد الخياط، وعبد الله بن صالح [وهم ثقات]:
عن معاوية بن صالح، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة".
أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (600 و 601)، والنسائي في المجتبى (5/ 80/ 2561)، وفي الكبرى (3/ 63/ 2353)، وابن حبان (3/ 8/ 734)، وأحمد (4/ 151 و 158)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (132 - مختصره، [وسقط من إسناده: كثير بن مرة]، وأبو يعلى (3/ 278/ 1737)، والطبراني في الكبير (17/ 334/ 923)، وفي الأوسط (3/ 304/ 3235)، وفي مسند الشاميين (2/ 189/ 1164) و (3/ 160/ 1991)، البيهقي في الشعب (5/ 66/ 2372)، [التحفة (6/ 621/ 9949)، الإتحاف (11/ 223/ 13920)، المسند المصنف (20/ 446/ 9374)].
قال أحمد في المسند: "كان حماد بن خالد حافظًا، وكان يحدثنا، وكان يخيط، كتبت عنه أنا ويحيى بن معين".
قلت: معاوية بن صالح؛ هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)].
وأغلب أوهامه إما فيما تفرد به عن غير أهل الشام فأغرب به، أو فيما اختلف الثقات عليه فيه، وهذا الحديث إسناده فيه شامي، وقد توبع عليه، ولم يختلف الثقات عليه فيه، مما يجعل النفس تطمئن لكونه ضبطه وحفظه [راجع: الحديث السابق برقم (1289)].
وبحير بن سعد السحولي الحمصي: ثقة ثبت، من أصح الناس حديثًا عن خالد بن معدان.
وهذا إسناد حمصي صحيح؛ خالد بن معدان: تابعي ثقة، من الطبقة الثالثة، قد أدرك كثير بن مرة، وإن لم يُذكر له سماع منه.
• هكذا رواه إسماعيل بن عياش، ومعاوية بن صالح، عن بحير بن سعد؛ فقالا فيه: عن عقبة بن عامر، وهو الصواب.
• وخالفهما فوهم في إسناده، وجعله من مسند معاذ بن جبل: يحيى بن أيوب [وعنه: سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وهو: ثقة ثبت]، فرواه عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة".
أخرجه الحاكم (1/ 555)(2/ 592 - 593/ 2061 - ط. الميمان)، بإسناد صحيح إلى بن أبي مريم. وعنه: البيهقي في الشعب (4/ 271/ 1947).
[الإتحاف (13/ 277/ 16720)].
قال الحاكم: "حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه".
وقال البيهقي: "كذا وجدته عن معاذ بن جبل، ورواه إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد، وقال: عن عقبة بن عامر، وكذلك روى سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر].
وقال ابن حجر في الإتحاف (11/ 223/ 13920) عمن قال فيه: عن عقبة بن عامر: "وهو الصواب".
قلت: وهم فيه يحيى بن أيوب الغافقي، وهو: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه أوقد سبق ذكره مرارًا في فضل الرحيم، وانظر في أوهامه فيما تقدم معنا في السنن على سبيل المثال: الحديث رقم (158 و 718)، وما تحت الحديث رقم (228 و 335). وانظر هناك ترجمته موسعة].
* ورواه محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع [وعنه: هارون بن محمد بن بكار بن بلال، وهو: صدوق]، قال: حدثنا زيد بن واقد، عن كثير بن مرة، أن عقبة بن عامر حدثهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة، والذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 1663/225)، وفي الكبرى (2/ 146/ 1378)، [التحفة (6/ 621/ 9949)، المسند المصنف (20/ 446/ 9374)].
قلت: محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع الدمشقي: لا بأس به، قواه جماعة من الأئمة، وقال عنه بلديه دحيم:"ليس من أهل الحديث"، وإنما أنكروا عليه حديثًا واحدًا في مقتل عثمان، ثبت أنه دلسه عن ابن أبي ذئب، ولم يسمعه منه، حيث أسقط من إسناده إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي، وهو: كذاب، يضع الحديث، قال فيه الحاكم:
"روى عن مالك ومسعر وابن أبي ذئب: أحاديث موضوعة"[انظر: الكامل (1/ 303)، اللسان (2/ 181)، [التهذيب (3/ 669)، الميزان (3/ 677)].
• خالفه: الهيثم بن حميد [صدوق، ضعفه أبو مسهر]، فرواه عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة، والمجهر بالقرآن كالمجهر بالصدقة".
أخرجه أحمد (4/ 201)[قال عبد الله بن أحمد: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده: كتب إليَّ الربيع بن نافع أبو توبة، وكان في كتابه: حدثنا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد به] والطبراني في الكبير (17/ 334/ 925)، وفي مسند الشاميين (2/ 213/ 1209)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 379)[من طريق: عبد الله بن يوسف عن الهيثم به]، [الإتحاف (11/ 223/ 13920)، المسند المصنف (20/ 446/ 9374)].
قلت: زيد بن واقد: دمشقي، ثقة، توفي سنة (138)، فلم يدرك كثير بن مرة، ويدخل بينه وبين كثير بن مرة: سليمان بن موسى، ومكحولًا، وقد جزم الذهبي في السير (4/ 46) بالإرسال، فقال في ترجمة كثير:"وروى عنه زيد بن واقد مرسلًا".
وإذا كانت رواية الهيثم بن حميد هي المحفوظة بإثبات الواسطة بينهما، وهو سليمان بن موسى؛ فلا تزول علة الإرسال أيضًا؛ قال أبو مسهر وابن معين:"لم يدرك سليمان بن موسى كثير بن مرة، ولا عبد الرحمن بن غنم"[الكامل (3/ 264)، تاريخ دمشق (22/ 378 و 385)، تاريخ الإسلام (7/ 374)، التهذيب (3/ 510)، تحفة التحصيل (137)].
وسليمان بن موسى الأشدق الدمشقي: صدوق، من كبار أصحاب مكحول، وفي حديثه بعض الاضطراب، وعنده مناكير، ويدخل مكحولًا بينه وبين كثير بن مرة [التهذيب (2/ 111)].
وفي رواية ابن سميع: إثبات سماع كثير بن مرة من عقبة بن عامر؛ لكن الإسناد إلى كثير ليس بمتصل.
* ورواه أحمد بن عبد الرحمن: نا عمي: نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة".
أخرجه الروياني (267)، ومن طريقه: أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي في فضائل القرآن (109).
وهذا إسناد لا يثبت إلى يزيد بن أبي حبيب، ابن لهيعة: ضعيف، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ابن أخي ابن وهب: أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب [تقدم ذكره مرارًا، انظر مثلًا: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1024 و 1156)].
° وكثير بن مرة الحضرمي الرهاوي أبو شجرة الحمصي: تابعي كبير، ثقة، من الطبقة الثانية، سمع معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب:"أدرك كثيرٌ سبعين بدريًّا"، وجعله دحيم في طبقة جبير بن نفير وأبي إدريس الخولاني من المخضرمين، وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات من السبعين إلى الثمانين، ووهم من عدَّه في الصحابة [التاريخ الكبير (7/ 208)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (597)، تاريخ دمشق (50/ 53)، السير (4/ 46)، تاريخ الإسلام (5/ 514)، التهذيب (3/ 466)].
وقال أبو أحمد الحاكم: "أبو القاسم، ويقال: أبو شجرة، كثير بن مرة الحضرمي الرهاوي: سمع أبا عبد الرحمن معاذ بن جبل، وأبا نجيح عمرو بن عبسة السلمي، وأبا حماد عقبة بن عامر الجهني، ويقال: أدرك بسبعين بدريًا"[تاريخ دمشق (50/ 57)].
قلت: بين وفاة كثير بن مرة وعقبة بن عامر ما يقرب من عشرين سنة، مما يؤكد صحة ما ذهب إليه أبو أحمد الحاكم من إثبات سماع كثير من عقبة، لا سيما مع ثبوت سماعه من معاذ بن جبل والذي تقدمت وفاته على عقبة بنحو ثلاثين سنة، وذلك فضلًا عن كون مسلم قد أخرج لأبي إدريس الخولاني وجبير بن نفير عن عقبة [صحيح مسلم (234)، وهو مخرج في الذكر والدعاء برقم (56)، فضل الرحيم الودود (169 و 906)]، وهما في طبقة كثير بن مرة، كما قال دحيم، والله أعلم.
° وأقوى إسناد لهذا الحديث:
هو ما رواه إسماعيل بن عياش، ومعاوية بن صالح:
عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة".
وهذا إسناد حمصي صحيح، وقد صححه ابن حبان، وحسنه الترمذي وابن القطان، والله أعلم.
* وقد روي من حديث أبي أُمامة.
رواه الحسين بن السميدع الأنطاكي [وثقه الخطيب، تاريخ بغداد (8/ 51)]: ثنا موسى بن أيوب النصيبي [هو: ابن عيسى أبو عمران الأنطاكي: صدوق]،
ورواه أحمد بن النضر العسكري [وثقه ابن المنادي. تاريخ بغداد (5/ 186)، تاريخ الإسلام (21/ 91)]: ثنا سليمان بن سلمة الخبائري [متروك، واتُّهم. اللسان (4/ 155)]: ثنا بقية بن الوليد [صدوق مدلس]، عن إسحاق بن مالك الحضرمي، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أُمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة، والذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة".
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 178/ 7742)، وفي مسند الشاميين (2/ 886/42).
قلت: هو حديث منكر من حديث يحيى بن الحارث الذماري الثقة المشهور، حيث
تفرد به عنه: أحد شيوخ بقية المجهولين؛ إسحاق بن مالك الحضرمي، قال الأزدي:"ضعيف"، وقال البيهقي عن إسناد فيه بقية عن إسحاق بن مالك هذا:"في إسناده من يجهل من مشايخ بقية"، وقال ابن القطان:"لا يعرف"[السنن الكبرى (10/ 41)، اللسان (2/ 70)].
• ورواه بشر بن نمير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة، والذي يخفي القرآن كالذي يخفي الصدقة".
وفي رواية: "من خَفتَ بالقرآن فهو كالذى يَخْفِتُ بالصدقة، ومن جهر بالقرآن فهو كالذى يجهر بالصدقة".
أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 187)، والطبراني في الكبير (8/ 239/ 7933).
قلت: هو حديث باطل؛ بشر بن نمير القشيري: متروك، متهم.
قال ابن حبان في بشر بن نمير، وقد أورد هذا الحديث في ترجمته:"منكر الحديث جدًّا، فلا أدري التخليط في حديثه من القاسم، أو منهما معًا؛ لأن القاسم ليس بشيء في الحديث".
وقال ابن عدي في الكامل (2/ 7) في ترجمة بشر: "وعامة ما يرويه عن القاسم وعن غيره لا يتابع عليه، وهو ضعيف كما ذكروه".
° فائدة: أورد الغزالي في إحيائه (1/ 278) حديثًا مرفوعًا بلفظ: "فضل قراءة السر على العلانية؛ كفضل صدقة السر على صدقة العلانية"، ولم يذكر صحابيه، ولم يعزه لأحد، وكذلك العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (882)، والذي يظهر لي - والله أعلم - أنه: لا أصل له بهذا اللفظ.
وإنما يروى نحو هذا بلفظ مغاير في: فضل صلاة الليل على صلاة النهار، عن ابن مسعود موقوفًا عليه، وعن القاسم بن محمد مقطوعًا عليه [انظر: ما أخرجه ابن المبارك في الزهد وزيادات المروزي عليه (23 و 25 و 151)، وعبد الرزاق (3/ 47/ 4735)، وابن أبي شيبة (2/ 72/ 6610) و (7/ 106/ 34553)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (12 و 234)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3544)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (179 - رواية أبي بكر الطوسي)، والطبراني في الكبير (9/ 205/ 8998 و 8999) و (10/ 179/ 10382)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 455)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 167) و (5/ 36) و (7/ 238)، والبيهقي في السنن (2/ 502)، وفي الشعب (5/ 397 - 399/ 2831 - 2833)، وغيرهم] [وقد وهم بعضهم فيه على الثوري فرفعه، والمحفوظ الوقف، قال أبو علي النيسابوري الحافظ: "لم يرفعه غير مخلد بن يزيد، وأخطأ فيه، والصحيح موقوف"، وقال أبو نعيم بعد ما أخرجه من طريق منصور بن المعتمر عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود موقوفًا: "رواه شعبة ومسعر والثوري مثله موقوفًا، ورواه مخلد بن يزيد الحراني عن الثوري، فتفرد برفعه"].