الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
316 - باب في صلاة الليل
1334 -
. . . حنظلة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليلِ عشرَ ركعاتٍ، ويوتر بسجدةٍ، ويسجد سجدتي الفجر، فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً.
* حديث متفق على صحته
أخرجه البخاري (1140)، ومسلم (738/ 128)، وأبو عوانة (2/ 59/ 2303)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 335/ 1679)، والنسائي في الكبرى (1/ 243/ 421) و (2/ 164/ 1427)، وأحمد (6/ 165)، والدارقطني (2/ 33)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (497 و 498)، والبيهقي في السنن (3/ 6 و 7)، وفي المعرفة (2/ 328/ 1415)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 7/ 902)، [التحفة (11/ 657/ 17448)، الإتحاف (17/ 445/ 22596) و (17/ 503 - حاشية رقم 4)، أطراف المسند (9/ 203/ 12725)، المسند المصنف (37/ 310/ 17907)].
رواه عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي: محمد بن أبي عدي، وعبد الله بن نمير، وروح بن عبادة، وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن وهب، ومكي بن إبراهيم [وهم ثقات].
وهذا لفظ ابن أبي عدي، وابن نمير، وروح، وبنحوه رواه ابن وهب دون قولها في آخره: فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً، واختصره مكي مقتصرًا على الوتر بركعة؛ أو يكون الاختصار وقع من الدارقطني حيث أورد منه موضع الشاهد حسب.
ولفظ عبيد الله بن موسى [عند البخاري وغيره]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، منها الوترُ وركعتا الفجر.
* * *
1335 -
. . . مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرةَ ركعةً، يوتر منها بواحدةٍ، فإذا فرغ منها، اضطجع على شِقِّه الأيمن.
* حديث صحيح، دون جعل الاضطجاع بعد الوتر؛ إنما هو بعد ركعتي الفجر
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 176/ 314)، ومن طريقه: مسلم (736/ 121)، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1263).
وهذا الحديث مما عدَّه الحفاظ من أوهام مالك، منهم: مسلم في كتاب التمييز،
حيث قال: "وهم مالك في ذلك"، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 95):"وقد أنكر أهل الحديث على مالك قوله في هذا الحديث: أوتر منها بواحدة، فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن"، ورواية الناس على أن الاضطجاع إنما وقع بعد ركعتي الفجر؛ لا بعد الوتر، راجع تفصيل ذلك: تحت الحديث رقم (1263).
* * *
1336 -
قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ونصر بن عاصم - وهذا لفظه -، قالا: حدثنا الوليد: حدثنا الأوزاعي - وقال نصر: عن ابن أبي ذئب، والأوزاعي -، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرُغَ من صلاة العشاء، إلى أن ينصدِعَ الفجرُ، إحدى عشرةَ ركعةً، يسلم من كلِّ ثنتين، ويوتر بواحدةٍ، ويمكث في سجوده قدرَ ما يقرأُ أحدُكم خمسين آيةً قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذِّن بالأولى من صلاة الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقِّه الأيمنِ، حتى يأتيَه المؤذِّن.
* متفق عليه من حديث الزهري
تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1263).
* * *
1337 -
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري: حدثنا ابن وهب: أخبرني ابن أبي ذئب، وعمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد؟ أن ابن شهاب أخبرهم
…
بإسناده ومعناه، قال: ويوتر بواحدةٍ، ويسجد سجدةً قدرَ ما يقرأ أحدكم خمسين آيةً قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة؟ الفجر وتبيَّن له الفجر،
…
وساق معناه، قال: وبعضهم يزيد على بعض.
* حديث متفق على صحته
أخرجه البخاري (626 و 994 و 1123 و 6310)، ومسلم (736/ 122)، وتقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1263)، وراجع: ألفاظه هناك.
* ومما ينبغي التنبيه عليه مما يتعلق بهذا الباب:
أن هذا الحديث قد رواه عن الزهري ثقات أصحابه، وأثبت الناس فيه: معمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وعمرو بن الحارث، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد الأيلي، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني، والأوزاعي، وجماعة من الضعفاء.
* خالفهم فأتى فيه بما ليس من حديث الزهري عن عروة:
أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: ثنا أبي، عن أبيه: حدثني سليمان بن أبي كريمة؛ أن الزهري حدثه، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوتر بأكثر من ثلاث عشرة ركعة، ولا قصر عن سبع.
أخرجه تمام في الفوائد (729)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 357)، وقال:"غريب".
وهذا حديث باطل من حديث الزهري، تفرد به عنه؛ بل وخالف أثبت الناس في الزهري: سليمان بن أبى كريمة، وهو منكر الحديث، ضعفه أبو حاتم، وقال في حديث تفرد به عن هشام بن حسان:"هذا حديث باطل، وابن أبي كريمة: ضعيف الحديث"، وقال العقيلي:"يحدث بمناكير، ولا يتابع على كثير من حديثه"، وقال ابن عدي:"وعامة أحاديثه مناكير، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا؛ لأنهم لم يخبروا حديثه"[االعلل لابن أبي حاتم (1228)، الجرح والتعديل (4/ 138)، ضعفاء العقيلي (2/ 138)، الكامل (3/ 262) (5/ 225 - ط. الرشد)، تاريخ دمشق (22/ 357)، تاريخ الإسلام (10/ 249)، اللسان (4/ 170)].
وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدث عن أبيه عن جده عن مشايخ ثقات بأحاديث بواطيل لا يحتملونها، وكان يقبل التلقين، وقال أبو حاتم:"سمعت أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئًا"[الثقات (9/ 74)، مسند أبي عوانة (5/ 138/ 8137)، فتح الباب (4471)، تاريخ دمشق (5/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 83)، اللسان (1/ 650)].
ومحمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي: روى عن أبيه وجادة، وقال ابن حبان في الثقات:"ثقة في نفسه، يتقى حديثه ما روى عنه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وأخوه عبيد؛ فإنهما كانا يدخلان عليه كل شيء"[الثقات 9/ 74] تاريخ الإسلام (17/ 349)، اللسان (7/ 576)].
* * *
1338 -
. . . وهيب: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر منها بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ من الخَمس، حتى يجلس في الآخرة، فيُسلِّم، قال أبو داود: رواه ابن نمير، عن هشام نحوه.
* حديث صحيح
أخرجه مسلم (737/ 123)، وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (1/ 208/ 57)، [المسند المصنف (37/ 300/ 17898)].
رواه عن هشام بن عروة: سفيان الثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن نمير، وعبدة بن سليمان، ووكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الملك بن جريج، ووهيب بن خالد، وأبو عوانة، والليث بن سعد، وعلي بن مسهر، وجعفر بن عون، وعبد الله بن داود الخريبي، وأبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أبي عامر المدني، ومسلمة بن سعيد بن عبد الملك، وحسان بن إبراهيم الكرماني [وهم ثمانية عشر رجلًا من الثقات] [رواية الخريبي: أخرجها أبو يعلى (8/ 120/ 4657)].
وفي بعض ألفاظه: كان يوتر بخمس سجدات لا يجلس بينهن، حتى يجلس في الخامسة، ثم يسلم.
ولفظ ابن نمير [عند الترمذي]: كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس في شيء منهنَّ إلا في آخرهنَّ، فإذا أذَّن المؤذِّن قام فصلى ركعتين خفيفتين.
• وقد وهم فيه معمر بن راشد على هشام: أخرجه عبد الرزاق (3/ 4667/26).
° وحديث هشام هذا في الإيثار بخمس لا يفصل بينها بسلام، ولا يجلس إلا في آخرهن: حديث صحيح، صححه مسلم، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وثبته ابن المنذر، وغيرهم.
قال الترمذي: "حديث عائشة: حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: الوتر بخمس، وقالوا: لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهنا.
واحتج به: أحمد، وأبو داود، والنسائي.
قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (328 و 329): "سألت أبي عن الوتر بركعة؟ قال: يعجبنا لمن أوتر بركعة أن تكون قبل ذلك صلاة متقدمة، إما ست، وإما ثمان، وأقل من ذلك، ثنتين ويسلم، ثم يوتر بواحدة.
إن أوتر بخمس لم يجلس إلا في الخامسة، لا يسلم إلا في آخر الخمس، يصلي ولا يجلس في شيء منهن إلا في الخامسة".
ثم قال: "سألت أبي عن الوتر بركعة وثلاث وخمس وسبع وتسع؟ فقال: لا بأس بهذا كله، والذي نختار: يسلم في ثنتين، ويوتر بواحدة".
وقال أيضًا (335): "سمعت أبي يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بركعة من أربعة وجوه: عن ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن خالد، وعائشة، وهو الذي آخذ به، وأذهب إليه: يسلم في الركعتين، ويوتر بواحدة.
وروي عن ابن عباس أنه أوتر بثلاث.
قلت لأبي: قال بعض الناس أوتر بركعتين؟ قال: لا يكون هذا وترًا حتى يكون
واحدةً أو ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، وهذا كله يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب إليَّ أن يوتر بواحدة؛ إذا كان قبلها صلاة متقدمة".
وقال ابن القيم في الزاد (1/ 319): "قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: إلى أي حديث تذهب في الوتر؟ قال: أذهب إليها كلِّها: من صلى خمسًا لا يجلس إلا في آخرهن، ومن صلى سبعًا لا يجلس إلا في آخرهن، وقد روي في حديث زرارة عن عائشة: يوتر بتسع يجلس في الثامنة.
قال: ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة، فانا أذهب إليه،
…
".
وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 187): "وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس، لم يجلس إلا في آخرهن".
• فإن قيل: نقل ابن عبد البر تضعيفه عن مالك، فقال في الاستذكار (2/ 100):"أما حديث هشام بن عروة هذا: فقد أنكره مالك، وقال: مذ صار هشام بالعراق أتانا عنه ما لم نعرف منه".
قلت: لم يضعفه مالك؛ وإنما أخذ ابن عبد البر حكاية منامٍ فجعلها حقيقةً ويقظةً، ثم حمَّلها ما لا يلزم؛ فقد روى علي بن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، قال:"رأيت مالك بن أنس في النوم، فسألته عن هشام بن عروة، فقال: أما ما حدَّث به وهو عندنا فهو؛ أي كأنه يصححه، وما حدَّث به بعدما خرج من عندنا؛ فكأنه يوهنه"[التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (2/ 307/ 3062)، الجرح والتعديل 11/ 22)، التهذيب (4/ 275)].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 119) بعد حديث مالك عن هشام الآتي بعد هذا برقم (1339): "ذكر قوم من رواة هذا الحديث عن هشام بن عروة: أنه كان لا يجلس في شيء من الخمس ركعات إلا في آخرهن، رواه حماد بن سلمة وأبو عوانة ووهيب وغيرهم، وذكروا: أنه كان لا يسلم بينهن، وذلك كله لا يثبت؛ لأنه قد عارضه عن عائشة ما هو أثبت منه، وأكثر الحفاظ رووا هذا الحديث عن هشام كما رواه مالك، والأصول تعضد رواية مالك؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وهذا من الأحاديث التي لم يختلف في إسنادها ولا في متنها، وهو حديث ثابت مجتمع على صحته، وهو قاضٍ في هذا الباب على ما كان ظاهره خلافه،
…
"، ثم قال: "الرواية المخالفة في حديث هشام بن عروة هذا لرواية مالك فيه إنما حدث به عن هشام أهل العراق، وما حدث به هشام بالمدينة قبل خروجه إلى العراق أصح عندهم، ولقد حكى علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان قال: رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة، فقال: أما ما حدث به عندنا - يعني: بالمدينة قبل خروجه فكأنه يصححه -، وأما ما حدث به بعد ما خرج من عندنا، فكأنه يوهنه" [وانظر كلام القاضي عياض في: إكمال المعلم (3/ 85)؛ فلو كان عنده نص عن مالك في تضعيف هذا الحديث بعينه وإنكاره على هشام لنقله، ولكنه نقل الرؤيا فدل على ما قلت، والله أعلم.
قلت: هشام بن عروة: ثقة ثبت في أبيه، وقد احتج به الشيخان من رواية أهل العراق عنه، فهو حديث مستقل، حدثه به أبوه عروة، بهيئة مستقلة لصلاة الليل غير ما حدث به الزهري، وعروة يحتمل منه التعدد، كما أن هشامًا: ثقة ثبت، قال فيه أبو حاتم؛ وهو أحد المتشددين:"ثقة، إمام في الحديث"، وقد روى عنه هذا الحديث جمع غفير من الثقات، فهو حديث ثابت لا مطعن فيه، وهذا الحديث لم ينفرد به عنه أهل العراق، فقد رواه أيضًا: عبد الملك بن جريج، والليث بن سعد، ومحمد بن إسحاق، وأبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أبي عامر المدني، ومسلمة بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي؛ مما يدل على أن هشامًا قد حدث به هكذا وهو بالمدينة أيضًا، كما أن بعض من رواه عنه بالعراق هم من أثبت أصحابه، ممن يتثبتون في الرواية عنه، مثل: سفيان الثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، والقطان ممن كان ينتقد على هشام أحاديث، ولو انتقد عليه هذا الحديث لما رواه عنه، وهو الذي رأى مالكًا في المنام وذكر له أن حديث هشام بالعراق لم يكن بذاك، فلماذا يرويه عنه بعد ذلك لو كان عنده منكرًا أخطأ فيه هشام؟!
وعليه: فإن رواية يحيى القطان عن هشام لهذا الحديث تثبيت له، ولذا فقد رواه عنه أحمد في مسنده، واحتج به أيضًا، والله أعلم.
• ولم ينفرد هشام عن أبيه بهذا الحديث؛ بل قد توبع عليه:
* تابع هشامًا عليه: ابن عمه محمد بن جعفر بن الزبير [وهو: ثقة]، وابن عمه الآخر: عمر بن مصعب بن الزبير [وهو: لا بأس به في المتابعات]:
* أما حديث محمد بن جعفر بن الزبير:
فيرويه محمد بن سلمة [الباهلي الحراني: ثقة]، ويونس بن بكير [كوفي صدوق]:
عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة؛ بركعتيه قبل الصبح، يصلي ستًا مثنى مثنى، ويوتر بخمس لا يقعد بينهنَّ إلا في آخرهن.
أخرجه أبو داود (1359)، والطحاوي (1/ 284)، والبيهقي (3/ 28)، [التحفة (11/ 331/ 16385)، الإتحاف (17/ 153/ 22041)، المسند المصنف (37/ 300/ 17898)].
• ورواه إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق]، عن ابن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة بن الزبير، ومحمد بن جعفر بن الزبير، كلاهما حدثني عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، بركعتيه بعد الفجر قبل الصبح، إحدى عشرةَ ركعةً من الليل، ست منهن مثنى مثنى، وبوتر بخمس لا يقعد فيهن.
أخرجه أحمد (6/ 275 - 276)، [المسند المصنف (37/ 300/ 17898)].
قلت: هذا حديث صحيح، وقد بيَّنت رواية محمد بن جعفر هذه المراد بالعدد في
حديث هشام، وأنه قد أدخل في العدد ركعتي الفجر، فاتفق بذلك وحديث الزهري عن عروة في العدد: إحدى عشرة ركعة.
* وأما حديث عمر بن مصعب بن الزبير:
فيرويه معاذ بن هانئ [ثقة]، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل [ثقة ثبت]:
ثنا سعيد بن زيد [هو: ابن درهم الأزدي أخو حماد: صدوق]: ثنا عمر بن مصعب بن الزبير: نا عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس، لا يقعد بينهن.
أخرجه محمد بن مخلد العطار في حديثه (170 - منتقى)، والطبراني في الأوسط (7/ 355/ 7714)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 270 - ط. الغرب).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمر بن مصعب إلا سعيد بن زيد، تفرد به: معاذ بن هانئ".
قلت: قد توبع عليه معاذ، وعمر بن مصعب بن الزبير، قال العقيلي في الضعفاء (3/ 189) (3/ 52 - ط. التأصيل):"عمر بن مصعب بن الزبير: عن عروة، ولا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به"، قلت: ولم يبرهن على صحة طعنه فيه إلا بحديث واحد، حيث قال: حدثناه محمد بن زكريا الغلابي، قال: حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية، قال: حدثنا العلاء بن حريز، عن عمر بن مصعب، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا تميمًا وضُبَّة، فإنهما كانا مسلمين".
قلت: كيف يتحمل عمر تبعة أباطيل غيره؛ فهذا حديث باطل؛ فإن الراوي عنه: العلاء بن حريز؛ لم أقف على من تكلم فيه بجرح أو تعديل [المؤتلف للدارقطني 1/ 358)، الإكمال 2/ 86 و 87)]، والراوي عنه: العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية: اتهمه العباس بن عبد العظيم العنبري بوضع حديث عبيد الله بن عكراش عن أبيه، وقال ابن حبان في ترجمته:"كان ممن ينفرد بأشياء مناكير عن أقوام مشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بأخباره التي انفرد بها، فأما ما وافق فيها الثقات فإن اعتبر بذلك معتبر لم أر بذلك بأسًا"، وقال في ترجمة شيخه عبيد الله بن عكراش:"روى عنه العلاء بن الفضل بن أبي السوية، منكر الحديث جدًّا، فلا أدري المناكير في حديثه وقع من جهته؟ أو من العلاء بن الفضل؟ ومن أيهما كان؟ فهو غير محتج به على الأحوال"[المجروحين (2/ 62 و 183)، تعليقات الدارقطني على المجروحين (195)، المغني (2/ 440)، تاريخ الإسلام (15/ 333)، الميزان (3/ 104)، التهذيب (3/ 21 و 347)]، ثم إن شيخ الطبراني: محمد بن زكريا الغلابي: متروك، متهم بالوضع [اللسان (7/ 139)، شعب الإيمان (1/ 247)، دلائل النبوة للبيهقي (1/ 139) و (2/ 427)].
ولذا قال الذهبي في الميزان (3/ 224) عن عمر بن مصعب: "ورد في إسناد مظلم؛ فيحرر أمره، والخبر باطل"، قلت: قد برئ من عهدته.
كذلك فإن الحديث الذي رواه روح بن غطيف، عن عمر بن مصعب بن الزبير، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]، قال:"الضراط".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 196)، والقاسم بن موسى الأشيب في جزئه (73)، وابن جرير الطبري في جامع البيان (18/ 389)، وفي التاريخ (1/ 176) "وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3054/ 17272)، وابن عدي في الكامل (3/ 138)(4/ 535/ 6835 - ط. الرشد)، وعلقه ابن حبان في المجروحين (1/ 299).
فهو أيضًا حديث باطل؛ يتهم به روح بن غطيف، وهو: متروك، متهم بوضع حديث: لاتعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم" [راجع: فضل الرحيم الودود (4/ 346/ 388)].
وعلى هذا فقد برئ عمر بن مصعب من عهدة هذه الأحاديث الباطلة، فسقطت حجة من طعن فيه، ولم يبق لنا فيه سوى توثيق ابن حبان له حيث أورده في ثقاته، وقد روى عنه ثلاثة [التاريخ الكبير (6/ 196)، الجرح والتعديل (6/ 134)، الثقات (5/ 146)، اللسان (6/ 146)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 317)].
وعليه: فإن عمر بن مصعب بن الزبير: صالح في المتابعات، وحديثه هذا صحيح.
• ومما يؤكد ثبوت الإيثار بخمس لا فصل بينهن بسلام في هذا الحديث:
ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 26/ 4666)، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء؛ أنه رأى عروة بن الزبير أوتر بخمس أو سبع ما جلس للمثنى.
وهذا مقطوع على عروة بإسناد صحيح؛ فهذا عروة بن الزبير يعمل بما رواه عنه ابنه هشام مرفوعًا، فلو كان هشام أخطأ عليه فيه لما امتثله عروة وعمل به.
• ورواه أيضًا: عبد الرزاق (3/ 26/ 4665)(2/ 559/ 4715 - ط. التأصيل)، عن ابن جريج، قال: أخبرني محمد بن يوسف، عن عروة؛ أنه أوتر بخمس ما جلس إلا في الوتر.
وهذا مقطوع على عروة بإسناد صحيح، ومحمد بن يوسف هذا: يحتمل أن يكون القرشي المدني مولى عثمان، ويحتمل أن يكون الكندي المدني الأعرج، وكلاهما: ثقة، من رجال التهذيب، والله أعلم.
• ورواه أيضًا: ابن أبي شيبة (2/ 90/ 6827)(4/ 495/ 7004 - ط. الشثري)، قال: حدثنا عبدة بن سليمان [الكلابي: ثقة ثبت]، عن عثمان بن حكيم [هو: ابن عباد بن حنيف الأنصاري: ثقة ثبت]، عن عثمان بن عروة [ثقة، روى له الشيخان]، عن أبيه؛ أنه كان يوتر بخمس لا ينصرف فيها.
وهذا مقطوع على عروة بإسناد صحيح.
* خالفه: عبد الواحد بن زياد [ثقة، روى له الجماعة]، قال: حدثنا عثمان بن حكيم؛ سمع عثمان بن عروة، عن إسماعيل بن زيد بن ثابت؛ أن زيدًا كان يوتر بخمس لا يسلم إلا في الخامسة، وكان أُبي يفعله.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 355)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 987/4248 - السفر الثاني)، والبيهقي في السنن (3/ 29).
• وخالفهما فأسقط من إسناده عثمان بن عروة: يعلى بن عبيد [الطنافسي: كوفي، ثقة بحفظ]، عن عثمان بن حكيم، عن إسماعيل بن زيد، قال: كان زبد بن ثابت يوتر بخمس ركعات، لا ينصرف فيها.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 89/ 6823)(4/ 494/ 6999 - ط. الشثري)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 184/ 2661).
* وخالفهم في متنه: عيسى بن يونس [ثقة مأمون]، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: ثنا عثمان بن عروة، عن إسماعيل بن زيد؛ أن زيد بن ثابت كان يوتر بواحدة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 178/ 2640).
قلت: أما أثر عروة فهو ثابت من وجوه متعددة، وأما أثر زيد بن ثابت: فلا يثبت من وجهين:
الأول: الاضطراب في إسناده ومتنه، حيث اختلف الثقات فيه على عثمان بن حكيم، وهو: ثقة ثبت.
والثاني: الانقطاع؛ فإن إسماعيل لم يدرك أباه.
قال ابن سعد: "وكان إسماعيل بن زيد أصغر ولد زبد بن ثابت، ولم يرو عن أبيه شيئًا، ولم يدركه، وقد روى عن غيره، وكان قليل الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"وهو أصغر ولد زيد"، وروى عنه ثلاثة، وذكره الحاكم في المعرفة (255)، ضمن جماعة بوب لهم بقوله:"ذكر النوع الحادي والخمسين من علوم الحديث: هذا النوع من هذه العلوم معرفة جماعة من الرواة التابعين فمن بعدهم؛ لم يحتج بحديثهم في الصحيح، ولم يسقطوا"، ثم ذكره فيهم، وقال:"هؤلاء التابعون على علو محالهم في التابعين، ومحال آبائهم في الصحابة، ليس لهم في الصحيح ذكرٌ لفساد الطريق إليهم، لا لجرح فيهم؛ فقد نزههم الله عن ذلك"[الطبقات الكبرى (5/ 264)، التاريخ الكبير (1/ 355)، الجرح والتعديل (2/ 170)، الثقات (4/ 15)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 376)].
* وروى ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة سجدة، وكان أكثر صلاته قائمًا، فلما كبر وثقل كان أكثر صلاته قاعدًا، وكان يصلي صلاته وأنا معترضة بين يديه على الفراش الذي يرقد عليه، حتى يريد أن يوتر فيغمزني فأقوم، فيوتر ثم يضطجع حتى يسمع النداء بالصلاة، ثم يقوم فيسجد سجدتين خفيفتين، ثم يلصق جنبه الأرض، ثم يخرج إلى الصلاة.
أخرجه أحمد (6/ 103)، وقد اضطرب فيه ابن لهيعة، وتقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (711). [المسند المصنف (37/ 308/ 17903)].
وفي الباب أيضًا، مما جاء في الوتر بخمس:
1 -
حديث أبي أيوب الأنصاري:
* يرويه يونس بن يزيد الأيلي [ثقة، من أصحاب الزُّهري، وعنه: ابن وهب، وهو من ثقات المكثرين عنه]،
* ومعمر بن راشد [ثقة ثبت في الزُّهري، وهو من أثبت أصحابه][وعنه: وهيب بن خالد، وهو: بصري، ثقة ثبت، وعدي بن الفضل، وهو: متروك]،
* وسفيان بن عيينة [ثقة حافظ، من الطبقة الأولى من أصحاب الزُّهري الثقات الذين لازموه][وعنه: أبو إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس، ابن عم الإمام الشافعي، وهو: ثقة، ومحمد بن حسان بن فيروز الأزرق، وهو: ثقة]،
* ومحمد بن الوليد الزبيدي [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزُّهري، قدمه أبو حاتم في الزُّهري على معمر، أرواه عنه: يزيد بن يوسف الرحبي الصنعاني الدمشقي، وهو: ضعيف، تركه أحمد والنسائي والدارقطني وغيرهم، وتابعه: عبد الله بن سالم؛ كما قال البيهقيّ في الخلافيات، وهو: الأشعري الحمصي: ليس به بأس؛ إِلَّا أنه غالبًا ما يصل إلينا إِلَّا بإسناد حمصي لا يثبت مثله، تقدم الكلام عليه غير مرة. راجع ما تقدم في: فضل الرحيم الودود (3/ 101/ 226) و (7/ 287/ 653) و (10/ 178/ 936) والحديث رقم (1163)]،
* وبكر بن وائل بن داود التيمي الكوفي [صدوق][وعنه: قريش بن حيان العجلي، وهو: بصري ثقة].
* والأوزاعي [ثقة ثبت، إِلَّا أن في روايته عن الزُّهري شيء][وعنه: الوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وهم من ثقات أصحاب الأوزاعي، لا سيما الأولان، فهما من أثبت الناس فيه، ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، وهو: ضعيف].
* وسفيان بن حسين [ثقة في غير الزُّهري؛ فإنه ليس بالقوي فيه]،
* ومحمد بن أبي حفصة [صدوق، ضعفه ابن معين في الزُّهري. التقريب (530)، شرح العلل (2/ 673 و 676)].
* ودويد بن نافع أليس هو من أصحاب الزُّهري، ولا هو بالمشهور، ولا بالحافظ، وغاية ما يقال فيه: صدوق، ولا يبلغ ذلك؛ بل قال فيه الدارقطني:"ليس بقوي"، وأنكرت عليه أحاديث تفرد بها عن الزُّهري] [وعنه: ضبارة بن عبد اللّه بن مالك بن أبي السليل، وقيل: السليك: مجهول، روى أحاديث مناكير عن دويد بن نافع. راجع ترجمتهما في: فضل الرحيم الودود (5/ 234/ 425)]،
* وأشعث بن سوار [ضعيف]:
عن ابن شهاب، قال: أخبرني عطاء بن يزيد الليثي؛ أنه سمع أبا أيوب الأنصاري،
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال:"الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليوتر، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر بها، ومن شق عليه ذلك فليومع إيماءً". لفظ يونس [عند ابن حبان].
ولفظ معمر [عند الطحاوي]: "الوتر حق، فمن أوتر بخمس فحسن، ومن أوتر بثلاث فقد أحسن، ومن أوتر بواحدة فحسن، ومن لم يستطع فليومئ للماء".
ولفظ بكر بن وائل [عند أبي داود]: "الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل".
ولفظ الأوزاعي [عند ابن ماجة]: "الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة".
ولفظ دويد وبنحوه لفظ ابن أبي حفصة [وكلاهما منكر]: "الوتر حق، فمن شاء أوتر بسبع، ومن شاء أوتر بخمس، ومن شاء أوتر بثلاث، ومن شاء أوتر بواحدة".
ولم يذكر سفيان بن حسين السبع، وزاد في آخره:"فإن لم تستطع فأومئ إيماءً".
أخرجه أبو داود (1422)، والنسائي في المجتبى (3/ 238/ 1710 و 1711)، وفي الكبرى (1/ 250/ 442) و (2/ 156/ 1405)، وابن ماجة (1190)، والدارمي (1728 و 1729 - ط. البشائر)، وابن حبان (6/ 167/ 2407) و (6/ 170/ 2410) و (6/ 171/ 2411)، والحاكم (1/ 302 و 303)(2/ 62 - 64/ 1141 - 1147 - ط. الميمان)، وأحمد (5/ 418)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 91/ 6845)(4/ 498/ 7023 - ط. الشثري)، وفي المسند (6)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 251)، وابن نصر في كتاب الوتر (293 - مختصره)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 188/ 2666)، والطحاوي (1/ 291)، وابن أبي حاتم في العلل (495)]. والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (1111)، والطبراني في الكبير (4/ 147 و 148/ 3961 - 3967)، وفي الأوسط (2/ 267/ 1944)، وابن عدي في الكامل (4/ 102) و (6/ 261)، وأبو الشيخ في فوائده بانتقاء ابن مردويه (76)، والدارقطني (2/ 22 و 23)، والبيهقي في السنن (3/ 23 و 24)، وفي المعرفة (2/ 316/ 1394)، وفي الخلافيات (2/ 216/ 1410) و (2/ 218/ 1412)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 248 - ط. الغرب) و (16/ 488 - ط. الغرب)، [التحفة (3/ 21/ 3480)، الإتحاف (4/ 375/ 4396)، المسند المصنف (26/ 204/ 11816)].
* تنبيه: وقع في رواية الدارقطني من طريق محمد بن حسان الأزرق عن ابن عيينة به بزيادة: واجب، فقال:"الوتر حق واجب"، ورواه الحاكم من نفس الوجه بدونها.
قال الدارقطني: "قوله: واجب: ليس بمحفوظ؛ لا أعلم تابع ابن حسان عليه أحد".
* تنبيه آخر: خالف أصحاب الأوزاعي: عمر بن عبد الواحد [السلمي، أبو حفص الدمشقي: ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي، قال مروان بن محمد الطاطري: "نظرنا في كتب أصحاب الأوزاعي فما رأينا أحدًا أصح حديثًا عن الأوزاعي من عمر بن
عبد الواحد". التهذيب (3/ 242)]، فرواه عن الأوزاعي، عن الزُّهري، عن عطاء بن يزيد، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلًا.
ذكره ابن أبي حاتم في العلل (490).
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن الاختلاف على الأوزاعي في وصله وإرساله: أيهما أصح: مرسل، أو متصل؟ فقال:"لا هذا، ولا هذا، هو من كلام أبي أيوب"[العلل (490)].
* أوقفه: معمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، والزبيدي، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد الأيلي، وأبو معيد حفص بن غيلان، ومحمد بن إسحاق، وعبد اللّه بن بديل الخزاعي:
رواه معمر بن راشد [وعنه: عبد الرزاق]، وشعيب بن أبي حمزة [ولم يختلف عليه]، والزبيدي [وعنه: محمد بن حرب، قاله البيهقيّ في الخلافيات، وهو: الخولاني الحمصي، كاتب الزبيدي، وهو: ثقة]، وسفيان بن عيينة [وعنه: أبو بكر بن أبي شيبة، ويونس بن عبد الأعلى، والحارث بن مسكين]، ويونس بن يزيد الأيلي [في رواية لابن وهب عنه، وكذا رواه عثمان بن عمر بن فارس عن يونس، كما قال الدارقطني، وزاد البيهقيّ: رشدين بن سعد]، وأبو معيد حفص بن غيلان [ليس به بأس، وثقه جماعة، ولينه وضعفه آخرون. التهذيب (1/ 459)، الميزان (1/ 568)، مسائل ابن هانئ للإمام أحمد (2/ 220)][وعنه: الهيثم بن حميد، وهو: لا بأس به، ضعفه أبو مسهر لقلة ضبطه. التهذيب (4/ 295)]،
ومحمد بن إسحاق [صدوق، وعنه: أحمد بن خالد الوهبي، ويزيد بن هارون، وهما: ثقتان]،
وعبد الله بن بديل الخزاعي [ضعيف، ضعفه ابن معين - في رواية -، وأبو بكر النيسابوري، وابن عدي، والدارقطني، ومشاه ابن معين في رواية، فقال: "صالح"، ولمزه أبو حاتم بقوله: "كان صاحب غلط". علل ابن أبي حاتم (1864)، الجرح والتعديل (5/ 14)، الثقات (7/ 21)، الكامل لابن عدي (1/ 236) و (4/ 213)، سنن الدارقطني (2/ 200)، علل الدارقطني (2/ 26/ 93) و (8/ 26/ 1389) و (9/ 177/ 1699) و (13/ 147/ 3024) و (223/ 13/ 3120)، المؤتلف للدارقطني (1/ 167)، تاريخ أسماء الثقات (674)، سنن البيهقيّ (4/ 316)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 225)، الميزان (2/ 395)، إكمال مغلطاي (7/ 252)، التهذيب (2/ 306)]:
عن الزُّهري، قال: أخبرني عطاء بن يزيد؛ أنه سمع أبا أيوب، يقول: الوتر حق، فمن أحب أن يوتر بخمس ركعات فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث ركعات فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل. لفظ أبي معيد، وبنحوه لفظ شعيب، وزاد في آخره: ومن لم يستطع إِلَّا أن يومئ برأسه فليفعل.
ولفظ معمر: الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس ركعات فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتز بواحدة فليفعل، ومن لم يستطع إِلَّا أن يومئ إيماءً فليفعل.
ولفظ ابن عيينة: من شاء أوتر بسبع، ومن شاء أوتر بخمس، ومن شاء أوتر بثلاث، [ومن شاء أوتر بواحدة]، ومن غُلِب أوما إيماءً. وبنحوه لفظ ابن بديل، وزاد في أوله؛ الوتر حق، أو واجب.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 238 - 239/ 1712) و (3/ 239/ 1713)، وفي الكبرى (1/ 250/ 443) و (2/ 156/ 1406)، والحاكم (1/ 303)(2/ 64/ 1146 - ط. الميمان)، والطيالسي (1/ 485/ 594)، وعبد الرزاق (3/ 19/ 4633)، وابن أبي شيبة (2/ (9/ 6846)(4/ 499/ 7024 - ط. الشثري) و (2/ 92/ 6859)(4/ 503/ 7037 - ط. الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 182/ 2654)، والطحاوي (1/ 291)، والدارقطني (2/ 24)، والبيهقي (3/ 27)، [التحفة (3/ 21/ 3480)، الإتحاف (4/ 375/ 4396)، المسند المصنف (26/ 204/ 11816)].
قال النسائي في الموضع الأول: "أبو معيد اسمه: حفص بن غيلان، وهو صالح الحديث".
وقال في الموضع الثاني: "الموقوف أولى بالصواب، واللّه أعلم".
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن الاختلاف على الأوزاعي في وصله وإرسأله: أيهما أصح: مرسل، أو متصل" فقال:"لا هذا، ولا هذا، هو من كلام أبي أيوب".
ثم قال ابن أبي حاتم: "وقد أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد، عن أبيه، عن الأوزاعي، فقال: عن أبي أيوب، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وروى بكر بن وائل، والزبيدي، ومحمد بن أبي حفصة، وسفيان بن حسين، ووهيب، عن معمر، فقالوا كلهم: عن الزُّهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وأما من وقفه فابن عيينة، ومعمر، من رواية عبد الرزاق، وشعيب بن أبى حمزة" [العلل (490)].
وقال أبو بكر الأثرم في الناسخ (88): "وأما حديث أبي أيوب: فإن الثقات رووه عن الزُّهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب؛ موقوفًا، غير مرفوع".
وقال ابن عدي في الكامل بعد أن أورده في ترجمة ضبارة عن دويد: "وهذا ما أقل من رفعه عن الزُّهري، وإنما يرفعه سفيان بن حسين، وبعض رواة الأوزاعي عن الأوزاعي، ومن رواية ضبارة هذا عن دوبد عن الزُّهري، ورواه وهيب عن معمر، والنعمان بن راشد عن الزُّهري مرفوعًا أيضًا".
وقال في ترجمة ابن أبي حفصة: "وهذا إنما رفعه سفيان بن حسين، ومن حديث
الأوزاعي عن الزُّهري، وروي عن الأوزاعي عن الزُّهري مرفوعًا، ورواه وهيب عن معمر، والنعمان بن راشد عن الزُّهري مرفوعًا أيضًا، والباقون يوقفونه" [الكامل (9/ 364/ 15572 - ط. الرشد)].
وقال الدارقطني في السنن: "هكذا رواه عدي بن الفضل عن معمر مسندًا، ووقفه عبد الرزاق عن معمر، ووقفه أيضًا سفيان بن عيينة، واختلف عنه هو ومحمد بن إسحاق عن الزُّهري،
…
، وأسنده بكر بن وائل أيضًا عن الزُّهري".
وقال في العلل (6/ 98/ 1005): "يرويه الزُّهري، واختلف عنه في رفعه؛ فرواه بكر بن وائل، والأوزاعي، والزبيدي، ومحمد بن أبي حفصة، وسفيان بن حسين، ومحمد بن إسحاق، عن الزُّهري، مرفوعًا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه أشعث بن سوار، عن الزُّهري، فشك في رفعه.
واختلف عن يونس؛ فرواه حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، مرفوعًا. وخالفه ابن أخي ابن وهب، عن عمه، عن يونس، فوقفه. وتابعه عثمان بن عمر، عن يونس.
واختلف عن معمر؛ فرفعه عدي بن الفضل، عن معمر.
ووقفه حماد بن زيد، وابن عليه، وعبد الأعلى، وعبد الرزاق عنه.
واختلف عن ابن عيينة؛ فرفعه محمد بن حسان الأزرق عنه. ووقفه الحميدي، وقتيبة، وسعيد بن منصور.
والدين وقفوه عن معمر أثبت ممن رفعه".
وقال الحاكم بعد أن أخرجه من طريق الأوزاعي مرفوعًا: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد تابعه: محمد بن الوليد الزبيدي، وسفيان بن عيينة، وسفيان بن حسين، ومعمر بن راشد، ومحمد بن إسحاق، وبكر بن وائل، على رفعه"، ثم قال:"لست أشك أن الشيخين تركا هذا الحديث لتوقيف بعض أصحاب الزُّهري إياه، هذا مما لا يعلل مثل هذا الحديث، واللّه أعلم".
وقال البيهقيّ في السنن: "اتفق هؤلاء [يعني: بكر بن وائل، والأوزاعي، وسفيان بن حسين، وابن أبي حفصة، على رفع هذا الحديث عن الزُّهري، وتابعهم على ذلك معمر بن راشد من رواية وهيب عنه،
…
، ورواه حماد بن زيد، وعبد الرزاق، عن معمر موقوفًا على أبي أيوب، وكذلك رواه جماعة عن الزُّهري موقوفًا على أبي أيوب".
ثم نقل عن محمد بن يحيى الذهلي قوله: "هذا الحديث برواية يونس، والزبيدي، وابن عيينة، وشعيب، وابن إسحاق، وعبد الرزاق عن معمر: أشبه أن يكون غيرَ مرفوع، وإنه ليتخالج في النفس من رواية الباقين مع رواية وهيب عن معمر، والله أعلم".
وقال البيهقيّ في المعرفة: "وهذا حديث قد رفعه بكر بن وائل، وتابعه على رفعه: الأوزاعي وهو إمام، وسفيان بن حسين، ومحمد بن أبي حفصة، وكذلك رواه وهيب بن خالد، عن معمر، عن الزُّهري، ورواه جماعة عن الزُّهري، فوقفوه على أبي أيوب.
فيحتمل أن يكون يروبه من فتياه مرة، ومن روايته أخرى، ونحن نقول به، ونجيز الوتر على هذه الأوجه، وعلى كل وجه صح الخبر به عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا ندع منها شيئًا بحالٍ بحمد الله ومنه وحسن توفيقه".
وقال في الخلافيات: "هذا حديث مختلف في رفعه إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ فرواه الأوزاعي عن الزُّهري مرفوعًا، وتابعه على ذلك: يونس بن يزيد من رواية حرملة عن ابن وهب عنه، ومعمر بن راشد من رواية وهيب، ومحمد بن الوليد الزبيدي من رواية عبد الله بن سالم، وبكر بن وائل، وسفيان بن حسين، ومحمد بن أبي حفصة، ودويد بن نافع، وغيرهم عن الزهري.
ورواه موقوفًا على أبي أيوب الأنصاري: صالح بن كيسان، وسفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، وعمرو بن الحارث، وعقيل بن خالد من رواية رشدين، ومعمر بن راشد من رواية عبد الرزاق، والزبيدي من رواية محمد بن حرب، وأبو معيد حفص بن غيلان، وأشعث بن سوار، ومحمد بن إسحاق بن يسار، والنعمان بن راشد، والوليد بن محمد الموقري، وقرة بن عبد الرحمن، وبونس، جميعًا من رواية رشدين عنهما، وعبد الله بن بديل، كلهم قالوا: عن الزُّهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب؛ أنه قال: الوتر حق. موقوف على أبي أيوب.
إِلَّا أشعث بن سوار فإنه قال: أراه رفعه، وهكذا رواه عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزُّهري موقوفًا.
ولهذا الاختلاف تركه البخاري ومسلم ولم يخرجاه"، ثم أسند قول الذهلي.
ثم قال أيضًا: "وهم في رفعه [يعني: محمد بن حسان الأزرق عن ابن عيينة]، والصحيح رواية الحميدي وغيره عن ابن عيينة موقوفًا على أبي أيوب رضي الله عنه، وقال الحميدي في روايته: حق أو واجب، بالشك من قول أبي أيوب".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 259): "وذهب النسائي إلى أن الصحيح عنده موقوف، وخرجه أبو داود مرفوعًا، كما ذكرنا عنه، وهو أولى إن شاء الله".
ثم قال: "وقد شُبِّه على قوم من متقدمي الفقهاء مثل هذا الحديث وشبهه، فقالوا: الوتر واجب، وفي حديث الأعرابي في حديث طلحة بن عبيد الله، في الخمس صلوات: هل عليَّ غيرها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إِلَّا أن تطوع": دليل على أن لا فرض إِلَّا الخمس"، قلت: وسيأتي بيان ذلك في بابه إن شاء اللّه تعالى.
وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 351/ 2526): "مختلف فيه، رفعه قوم عن الزُّهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ووقفه آخرون، وكلهم ثقة، فينبغي أن يكون القول فيه قول من رفعه؛ لأنه حفظ ما لم يحفظ واقفه"[وانظر كلامه بتمامه: بيان الوهم (5/ 350/ 2525) و (5/ 351/ 2526)].
وقال النووي في المجموع (4/ 30): "حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد
صحيح]، وقال في الخلاصة (1856):"رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح"[وانظر: المجموع (4/ 26)]، وصححه أيضًا: ابن الملقن في البدر المنير (4/ 294).
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 205): "والموقوف أصح عند أبي حاتم والنسائي والأثرم وغيرهم".
* وقد زيد في متن الحديث ما ليس منه، مثل قول بعضهم: الوتر حق مسنون، أو ليس بواجب، وليس لها أصل من حديث أبي أيوب أراجع مثلًا: المجموع (4/ 24)، البدر المنير (4/ 300)، التلخيص الحبير (2/ 13 و 14)].
* قلت: بعد إنعام النظر في طرق هذا الحديث، والاختلاف فيه على رواته عن الزُّهري، وكلام أئمة النقاد فيه، يتبين لي ما يأتي:
أ - أن الراجح في رواية معمر: الوقف؛ كما نص عليه الدارقطني، فقد رفعه عنه اثنان؛ أحدهما متروك، والآخر ثقة ثبت؛ لكنه بصري، وسماع أهل البصرة من معمر فيه اضطراب؛ لأن كتبه لم تكن معه، فكان يحدثهم بالخطأ من حفظه، وأما باليمن فكان يتعاهد كتبه، وينظر فيها؛ فيأتي بالحديث على وجهه، روى أبو بكر الأثرم قال:"سمعت أبا عبد اللّه يقول: حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البصريين، كان - يعني: معمرًا - يتعاهد كتبه وينظر - يعني: باليمن -، وكان يحدثهم حفظًا بالبصرة"، وقال يعقوب بن شيبة:"سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب؛ لأن كتبه لم تكن معه"، وقال أبو حاتم:"ما حدث بالبصرة ففيه أغاليط"[الجرح والتعديل (8/ 257)، تاريخ دمشق (36/ 169)، شرح علل الترمذي (2/ 767)، التهذيب (4/ 125)، الميزان (4/ 154)]، وممن رواه عنه باليمن: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو راويته، ومن أثبت الناس فيه، وتابعه على الوقف ثلاثة من ثقات أهل البصرة وحفاظهم: حماد بن زيد، وإسماعيل بن عليه، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، كما ذكره الدارقطني وغيره.
ومعمر هو أثبت من روى هذا الحديث عن الزُّهري.
ب - ولم يختلف على شعيب بن أبي حمزة عن الزُّهري في وقفه، وهو: من أثبت الناس فيه أيضًا.
ج - وأما رواية ابن عيينة فالراجح فيها الوقف أيضًا؛ فرفعه عنه: أبو إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس، ومحمد بن حسان الأزرق، وهما: ثقتان، بينما أوقفه: الحميدي، وابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، والحارث بن مسكين، ويونس بن عبد الأعلى، وهم أكثر وأثبت ممن رفعه؛ لا سيما وفيهم: الحميدي؛ فهو من أثبت أصحابه، وهو أيضًا راويته؛ وتابعه خمسة من ثقات أصحاب ابن عيينة المكثرين عنه، وفيهم كبار الحفاظ، لذا قال البيهقيّ في الخلافيات:"وهم في رفعه [يعني: محمد بن حسان الأزرق عن ابن عيينة]، والصحيح رواية الحميدي وغيره عن ابن عيينة موقوفًا على أبي أيوب رضي الله عنه"، ولم يحك عنه في الخلافيات سوى رواية الوقف.
د - وأما رواية الزبيدي، وهو: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزُّهري، قدمه أبو حاتم في الزُّهري على معمر، فقد رواه عنه مرفوعًا: يزيد بن يوسف الرحبي الصنعاني الدمشقي، وهو: ضعيف، تركه أحمد والنسائي والدارقطني، وتابعه: عبد الله بن سالم؛ كما قال البيهقيّ في الخلافيات، وهو: الأشعري الحمصي: ليس به بأس؛ إِلَّا أنه غالبًا لا يصل إلينا إِلَّا بإسناد حمصي لا يثبت مثله، وأوقفه: محمد بن حرب الخولاني الحمصي، كاتب الزبيدي، وهو: ثقة، واختلف النقاد في رواية الزبيدي هذه، فمنهم من عده فيمن رفعه، مثل: ابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم، ومنهم من عده فيمن أوقفه، مثل: الذهلي وابن عدي، فالله أعلم.
هـ - وأما رواية يونس بن يزيد؛ فقد رواه عنه مرفوعًا: ابن وهب [وهو من ثقات المكثرين عنه] من رواية حرملة بن يحيى عنه به [وهو: مصري، صدوق، كان راوية لابن وهب، ومن أعلم الناس بحديثه].
وخالفه ابن أخي ابن وهب [أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رُمي بالكذب، وقد أنكروا عليه أحاديث تفرد بها عن عمه، ولا أصل لها، حتى اتهمه أبو زرعة بالوضع. انظر: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1024)]، فرواه عن عمه، عن يونس، فوقفه.
وهكذا رواه عثمان بن عمر بن فارس [ثقة]، ورشدين بن سعد [ضعيف]، عن يونس، عن الزُّهري موقوفًا. وقد ذكر الذهلي يونس فيمن وقف الحديث، فالله أعلم.
و - وأما رواية ابن إسحاق فالراجح فيها عندي الوقف؛ فقد أوقفه: أحمد بن خالد الوهبي، ويزيد بن هارون، وهما: ثقتان، ولم أقف على رواية من رفعه، وإن كان الدارفطني والحاكم ممن ذكر ابن إسحاق ضمن جماعة رفعوه عن الزُّهري؛ فقد ذكره الذهلي والبيهقي ضمن من أوقفوه.
ز - وأما رواية الأوزاعي فالراجح عنه فيها الرفع؛ فقد رفعه ثقات أصحابه وأثبت الناس فيه، مثل: الوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وهم أثبت وأكثر ممن خالفهم عن الأوزاعي فأرسله، لكن الأوزاعي وإن كان ثقة ثبتًا، إِلَّا أن في روايته عن الزُّهري شيء، ولم يرها أبو حاتم شيئًا، فإنه لما سئل عن روايتي الوصل والإرسال؛ أيهما أصح؟، قال:"لا هذا، ولا هذا، هو من كلام أبي أيوب".
* وممن رفعوه ولم يختلف عليهم: بكر بن وائل [وهو: صدوق]، وبعض من ضعفوا في الزُّهري، مثل: سفيان بن حسين، ومحمد بن أبي حفصة، ودويد بن نافع، وكذلك: أشعث بن سوار [وهو: ضعيف].
* وممن أوقفوه ولم يختلف عليهم: صالح بن كيسان [ثقة ثبت، وهو ثبت في الزُّهري، وأكبر منه، ولم أقف على حديثه مسندًا؛ لكن ذكره البيهقيّ في الخلافيات]، وعمرو بن الحارث [ثقة حافظ، من أصحاب الزُّهري، ولم أقف على حديثه مسندًا؛ لكن
ذكره البيهقيّ في الخلافيات]، وعقيل بن خالد [ثقة ثبت، من أصحاب الزُّهري المقدمين فيه، لكنه من رواية رشدين بن سعد عنه، وهو: ضعيف، ولم أقف على حديثه مسندًا؛ لكن ذكره البيهقيّ في الخلافيات]، وأبو معيد حفص غيلان [ليس به بأس]، وعبد اللّه بن بديل الخزاعي [ضعيف]، والوليد بن محمد الموقري [متروك، يروي عن الزُّهري ما لا أصل له، ولم أقف على حديثه مسندًا؛ لكن ذكره البيهقيّ في الخلافيات]، وقرة بن عبد الرحمن بن حيويل [ليس بقوي، روى أحاديث مناكير، وقال فيه أحمد: "منكر الحديث جدًّا". وهو من رواية رشدين بن سعد عنه، وهو: ضعيف، ولم أقف على حديثه مسندًا؛ لكن ذكره البيهقيّ في الخلافيات].
والنعمان بن راشد [ليس بالقوي]، ذكره ابن عدي فيمن رفعه، وذكره البيهقيّ ضمن من أوقفه [ولم أقف على حديثه مسندًا].
* والحاصل من هذا البيان: أن الراجح عن أثبت الناس في الزُّهري هو الوقف، فقد رواه موقوفًا [في الراجح عنه، أو ممن لم يختلف عليه فيه]: معمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة، وصالح بن كيسان، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن إسحاق، وأبو معيد حفص بن غيلان.
فكيف تقابل رواية هؤلاء، وفيهم جماعة من أثبت الناس في الزُّهري، برواية جماعة تُكُلِّم في روايتهم عن الزُّهري، مثل: الأوزاعي، وسفيان بن حسين، وابن أبي حفصة، ودويد بن نافع، وأشعث بن سوار، وأمثلهم: بكر بن وائل.
* فهو صحيح موقوفًا على أبي أيوب، وقد جزم بوقفه: أبو حاتم، والأثرم، ورجح الموقوف: محمد بن يحيى الذهلي، والنسائي، وابن عدي، والدارقطني، والله أعلم.
* وقوله فيه: الوتر حقٌّ؛ أي: مشروع مأمور به؛ قاله النووي [المجموع (4/ 25)].
2 -
حديث أبي هريرة:
رواه أحمد بن صالح المصري [ثقة حافظ]، وحرملة بن يحيى [مصري، صدوق، كان راوية لابن وهب، ومن أعلم الناس بحديثه]، وموهب بن يزيد بن خالد بن موهب الرملي [صدوق. الجرح والتعديل (8/ 415)، تاريخ الإسلام (6/ 221)]، وأحمد بن عبد الرحمن [ابن أخي ابن وهب؛ أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رُمي بالكذب، تقدم ذكره في حديث أبي أيوب]:
عن عبد اللّه بن وهب، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن صالح بن كيسان، عن عبد اللّه بن الفضل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب".
أخرجه الطحاوي (1/ 292)، وابن حبان (6/ 185/ 2429)، والدارقطني (2/ 24 -
25)، والحاكم (1/ 304)(2/ 66/ 1151 - ط. الميمان)، والبيهقي في السنن (3/ 31)، وفي المعرفة (2/ 321/ 1403)، وفي الخلافيات (3/ 333/ 2539)، [الإتحاف (15/ 186/ 19125)، المسند المصنف (158/ 31/ 14240)].
قال الدارقطني: "كلهم ثقات".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: نعم؛ أخرج الشيخان [البخاري (3414)، ومسلم (2373)، التحفة (13939)] حديثًا لعبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة، وأخرج مسلم (172) حديثًا لعبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة [التحفة (14965)].
ومع كون هذا الحديث إسناده مدني، ورجاله كلهم ثقات؛ بل على شرط الشيخين، لكنه غريب جدًّا؛ فإن إعراض البخاري ومسلم عنه، وكذلك إعراض أصحاب السنن والمصنفات والمسانيد، يجعل النفس تتوقف عن قبوله، ثم كيف يخرج هذا الحديث من المدينة، ويخفى على مالك، فلا يخرجه في موطئه، فإن صالح بن كيسان من شيوخه الذين تلقى عنهم العلم، وروى عنهم في موطئه، فلماذا لم يتحمل عنه هذا الحديث، فإن قيل: عمل به مالك، حيث قال في المدونة (1/ 126):"لا ينبغي لأحد أن يوتر بواحدة ليس قبلها شيء، لا في حضر، ولا في سفر، ولكن يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يوتر بواحدة"؛ يعني: أنه لا يقول بالوتر بثلاث متصلة، فيقال: لم يكن منزعه هذا الحديث، وإنما عمل بحديث ابن عمر مرفوعًا:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعةً واحدةً، توتر له ما قد صلى"[أخرجه البخاري (995)، ومسلم (749/ 145)، وقد تقدم تخريجه بطرقه تحت الحديث رقم (1295)]، ثم بما ثبت عن ابن عمر من فعله: أنه كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر [الموطأ (1/ 184/ 326)]، ثم روى مالك في موطئه (1/ 327/184) عن سعد بن أبي وقاص؛ أنه كان يوتر بعد العتمة بواحدة، ثم قال مالك:"وليس على هذا العمل عندنا، ولكن أدنى الوتر ثلاث"، فلما كان هذا الحديث مؤيدًا لمذهب مالك في عدم الوتر بثلاث متصلة، ثم لا يرويه مالك في موطئه؛ دل على غرابته، وأنه لم يكن يُعرف بالمدينة في زمن مالك، والله أعلم.
فهذا كله مما يجعل النفس لا تطمئن لثبوته، ولا لكونه محفوظًا، لكونه أصلًا في بابه في المنع من الإيتار بثلاث متصلة، وعدم تشبيه الوتر بصلاة المغرب، فإن أقدم من أخرجه من المصنفين هو الطحاوي المتوفى سنة (321)، فأين كان عنه أصحاب القرن الثاني، وأصحاب القرن الثالث؟!!
ثم أين أصحاب أبي سلمة والأعرج على كثرتهم؟! وأين أصحاب عبد الله بن الفضل؟! وأين أصحاب صالح بن كيسان عنه؟! مع كون صالح مشهورًا بالرواية عن الأعرج والسماع منه بلا واسطة، وروايته عنه في الصحيحين [التحفة (13649 - 13654)]، ثم أين أصحاب سليمان بن بلال عنه؟!
ويؤيد ما ذهبت إليه: قول ابن أبي حاتم في العلل (489): "سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن أبيه؛ أن سعدًا كان يوتر بركعة؛ ويقول: ثلاث أحبُّ إليَّ من واحدة، وخمس أحبُّ إليَّ من ثلاث، وسبع أحبُّ إليَّ من خمس، وما كان أكثر فهو أحبُّ إليَّ؟
قال أبي: إنما يروي إسماعيل بن محمد، عن عمه، عن سعد: أنه كان يوتر بواحدة، وأما ذكر الخمس والسبع: فإنما يروي إسماعيل بن محمد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قوله".
وموضعٍ الشاهد من إيراد هذه المسألة: أن هذا الحديث يُعرف عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا عليه في الخمس والسبع، ولو كان مشهورًا بالرفع عند أبي حاتم لأشار إليه، أو نبه عليه استطرادًا، واحتجاج أبي حاتم بموقوف أبي هريرة في إعلال الرواية الأخرى؛ يعني: ثبوته عنده، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص المدني: ثقة حجة، روى له الشيخان، وروايته بالوقف أولى عندي بالصواب، من رواية الرفع التي لم تشتهر في بلدها، ولا خارجها، والله أعلم.
ثم وجه آخر من النكارة في الحديث - لو كان مرفوعًا -: أنه جوَّز الوتر بخمس وسبع، وهذا لا إشكال فيه؛ لثبوته في أحاديث، لكن وجه الإشكال، أنه لم يشر إلى مشروعية الوتر بواحدة، مع كون الإيتار بواحدة هو الأثبت والأكثر والأشهر من جهة الرواية، كما ثبت في حديث ابن عمر وعائشة وزيد بن خالد وابن عباس، حتى ذهب بعضهم إلى أن الوتر لا يكون إِلَّا بواحدة، ورد ما عدا ذلك، فأخطأ.
ووجه آخر من النكارة، فإنه إذا كان مورد المنع هو التشبه بصلاة المغرب؛ فلا يمكن إطلاق النهي إِلَّا على أحد أمرين: الأول: نفس عدد الركعات، والثاني: الجلوس للتشهد الأوسط، فإن كان الأول: فقد صح خلافه في ظاهر حديث عبد الرحمن بن أبزى [وهو حديث صحيح، سبق تخريجه في الذكر والدعاء (1/ 353/ 175)، ويأتي في السنن برقم (1423)]، ففيه مشروعية الوتر بثلاث، وحديث ابن أبزى وإن لم يكن صريحًا في الوصل ولا الفصل؛ فقد احتج بعضهم بظاهره على الوتر بثلاث متصلة، وهذا وجه معارضته لحديث أبي هريرة هذا، وليس عندنا دليل صحيح على المنع من الإيتار بثلاث؛ لا سيما مع ثبوت الأثر عن بعض الصحابة في الإيتار بثلاث بسلام واحد [راجع مثلًا: الأوسط لابن المنذر (5/ 180)، وليس هنا موضع بحث مسألة عدد ركعات الوتر، وإنّما نحن بصدد عدد ركعات صلاة الليل، وهيئات صلاة الليل، وأما مسائل الوتر، فسوف يأتي بحثها - إن شاء الله تعالى - في موضعها من السنن في أبواب الوتر، والتي تبدأ بالحديث رقم (1416)].
وأما إذا كان المعنى الثاني هو المراد؛ فإنه لم يكن ليتوجه النهي إلى الإيتار بثلاث، وإنما يتوجه المنع إلى عين الصفة الذي يقع بها الشبه، وهو الجلوس للتشهد الأوسط؛ كأن
يقول: لا تجلسوا بعد الثانية، ونحو ذلك، ويبقى الجواز لمن أراد أن يوتر بثلاث، ومن ثم فإن دلالة الحديث - لو صح - متوجهة إلى المنع من مطلق الإيتار بالثلاث، وإباحة ما عداه؛ فلما لم يشر إلى مشروعية الواحدة مع كونها هي الأصل في الإيتار، دل على اختلال في التركيب البلاغي، والتقسيم العقلي، وعدم مراعاة رفع الحرج عن المكلف بإرشاده إلى ما هو الأخف في حقه، ولذا فإن هذا النص لا يخرج مثله من مشكاة النبوة، مع مراعاة ما تقدم بيانه قبل ذلك من العلل الأسنادية والمتنية، والله أعلم.
* فإن قيل: قد تابع ابن وهب عليه: عبد الملك بن مسلمة بن يزيد.
رواه الدارقطني، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد اللّه الفارسي [هو: محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر البغدادي الفقيه، وهو: ثقة ثبت. تاريخ بغداد (2/ 50)، تاريخ الإسلام (25/ 128)]: ثنا مقدام بن داود: ثنا عبد الملك بن مسلمة بن يزيد: ثنا سليمان بن بلال، عن صالح بن كيسان، عن عبد الله بن الفضل، عن أبي سلمة وعن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس، أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب".
أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 26 - 27)، [الإتحاف (15/ 186/ 19125)].
فيقال: ثبت العرش ثم انقش، عبد الملك بن مسلمة: منكر الحديث، يروي المناكير الكثيرة عن أهل المدينة [اللسان (4/ 81)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 470)]، قال أبو حاتم:"هو مضطرب الحديث ليس بقوي"، وقال أبو زرعة:"ليس بالقوي، وهو منكر الحديث، هو مصري" [الجرح والتعديل (5/ 371).
وانظر: المجروحين (2/ 134)]، والمقدام بن داود الرعيني: ضعيف، واتُّهم أراجع ترجمته: تحت الحديث المتقدم برقم (236)، وبرقم (728)، طريق رقم (14)].
* ورواه من وجه آخر: أبو الحسين طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق بن قرة بن نهيك بن مجاهد الهلالي بمصر: ثنا أبي: أخبرني الليث بمن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توتروا بثلاث؛ تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة، أو كثر من ذلك".
أخرجه محمد بن نصر في كتاب الوتر (300 - مختصره)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 184/ 2662)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (39 - رواية أبي الحسن الطرازي)، والحاكم (1/ 354)(2/ 66/ 1155 - ط. الميمان)، والبيهقي في السنن (3/ 31)، وفي الخلافيات (3/ 334/ 2540)، والخطيب في الموضح (2/ 190)، [الإتحاف (15/ 369/ 19499)].
رواه عن طاهر بن عمرو به: محمد بن نصر المروزي، وأبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، وابن المنذر.
قلت: عمرو بن الربيع بن طارق الكوفي، نزل مصر: ثقة، وابنه أبو الحسين طاهر بن
عمرو بن الربيع بن طارق بن قرة بن نهيك بن مجاهد الهلالي المصري، لقبه حبشي: شيخ لأبي عوانة، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، وأبي العباس الأصم، وابن المنذر، والطحاوي، ولم يكثروا عنه، قال ابن القطان:"عمرو بن الربيع بن طارق: ثقة، وابنه طاهر: لا تعرف له حال"[المؤتلف للدارقطني (2/ 949)، بيان الوهم (4/ 663 / 2224)، الموضح (2/ 195)، تهذيب مستمر الأوهام (222)، توضيح المشتبه (3/ 68)، مغاني الأخيار (2/ 455)].
قال ابن رجب في الفتح (6/ 205): "وفي رفعه نكارة".
* قلت: المحفوظ في هذا: ما رواه بكر بن مضر [ثقة ثبت]، والليث بن سعد [ثقة ثبت، وعنه: يحيى بن بكير، وهو: ثقة، من أثبت الناس في الليث، وعيسى بن حماد زغبة: ثقة، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات]:
عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة رضي الله عنه - ولم يرفعه -، قال: لا توتروا بثلاث ركعات؛ تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة.
أخرجه الطحاوي (1/ 292)، والبيهقي (3/ 32)، [الإتحاف (15/ 369/ 19499)].
قلت: وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح، ولا يصح رفعه، وعراك بن مالك سمع أبا هريرة [التاريخ الكبير (7/ 88)]، وحديثه عنه في الصحيحين [التحفة (10/ 14153 - 14158)].
3 -
حديث أم سلمة:
يرويه منصور بن المعتمر، واختلف عليه في إسناده:
أ - فرواه إسرائيل بن أبي إسحاق [ثقة]، وسفيان الثوري [ثقة حجة، إمام، وعنه: مخلد بن يزيد الحراني، وهو: لا بأس به، وكان يهم، وهذا من أوهامه على الثوري، وروي من حديث مؤمل بن إسماعيل عن الثوري، ولا يثبت عنه]:
عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع أو بخمس، لا يفصل بينهن بتسليم. لفظ إسرائيل.
ولفظ الثوري: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس، لا يفصل بينهن بتسليم ولا بكلام.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 239/ 1715)، وفي الكبرى (1/ 247/ 433) و (2/ 157/ 1408)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 425/ 3583)، والطبراني في الكبير (23/ 378/ 895)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 341 - ط. الغرب)، [التحفة (12/ 106/ 18181)، المسند المصنف (40/ 307/ 19259)].
قال أبو بكر الأثرم في الناسخ (89): "وأما حديث منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة: فإنه حديث مضطرب، مختلف فيه، قد اختلف فيه عن منصور،
وخولف فيه أيضًا منصور، ولا أعلم أحدًا ذكر فيه ابن عباس غير إسرائيل، وبعضهم يجعله عن عائشة وميمونة، وبعضهم يوقفه ولا يرفعه، فهو حديث واه".
وقال أبو حاتم: "هذا حديث منكر"[العلل (450)].
ب - خالف فأسقط ابن عباس من إسناده: سفيان الثوري [وعنه: يحيى بن آدم، وعبد الرزاق بن همام، وهما ثقتان، وروايتهما هي المحفوظة عن الثوري]، وزهير بن معاوية [ثقة ثبت]، وجرير بن عبد الحميد [ثقة]، وأبو حمزة السكري [محمد بن ميمون المروزي: ثقة ثبت]:
عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس أو بسبع، لا يفصل بينهن بكلام ولا بتسليم.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 239/ 1714)، وفي الكبرى (1/ 247/ 432) و (2/ 157/ 1407)، وابن ماجة (1192)، وأحمد (6/ 290 و 310 و 321)، وإسحاق بن راهويه (4/ 123/ 1891) و (4/ 142/ 1914)، وعبد الرزاق (3/ 27/ 4668)، وابن نصر في كتاب الوتر (289 - مختصره)، وأبو يعلى (12/ 398/ 6963)، والطحاوي (1/ 291)، والطبراني في الكبير (23/ 283/ 617) و (23/ 399/ 954)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 2055/ 1718)، وفي تاريخ بغداد (9/ 55 - ط. الغرب)، [التحفة (12/ 122/ 18214)، الإتحاف (18/ 164/ 23498)، المسند المصنف (40/ 307/ 19259)].
ج - خالف فأسقط ابن عباس من إسناده، وأبهم الحكم: أبو الأحوص [سلام بن سليم الكوفي: ثقة متقن]، فرواه عن منصور، عن رجل، عن مقسم، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع ركعات أو خمس، لا يفصل بينهن كلام ولا تسليم.
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (4/ 268/ 898)، بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص به.
قلت: إما أن يكون القول فيه قول أبي بكر الأثرم، وأنه قد اضطرب فيه منصور بن المعتمر؛ إذ الرواة عنه كلهم ثقات، أو يكون المحفوظ رواية الجماعة، وعليه: فإسناده منقطع؛ قال البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 294/ 1431): "لا يعرف لمقسم سماع من أم سلمة، ولا ميمونة، ولا عائشة".
* واختلف فيه أيضًا على الحكم بن عتيبة:
أ - فرواه منصور بن المعتمر، عن الحكم، عن مقسم، عن أم سلمة، مرفوعًا [كما في رواية الجماعة عن منصور].
ب - وخالفه في ذلك شعبة بن الحجاج:
* فرواه يزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد القطان، وغندر محمد بن جعفر، وآدم بن أبي إياس، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو داود الطيالسي، والنضر بن شميل، وعمرو بن مرزوق [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب شعبة]:
عن شعبة، عن الحكم، قال: قلت لمقسم: إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصلاة خشية أن تفوتني، قال: إن ذلك لا يصلح إِلَّا بسبع أو خمس، فحدثت بذلك مجاهدًا، ويحيى بن الجزار، فقالا: سله عن مَن؟ فسألته، فقال: عن الثقة [وفي رواية يزيد بن زريع والطيالسي والنضر: عن الثقة، عن الثقة]، عن عائشة وميمونة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 293/ 1430)، والنسائي في الكبرى (1/ 247/ 431) و (2/ 158/ 1410)، وفي الرابع من الإغراب (112)، وأحمد (6/ 193 و 335) (11/ 6163/ 26255 - ط. المكنز) [في بعض نسخ المسند في الموضع الأول فقط: عن الثقة عن الثقة، والأقرب أنها واحدة بغير تكرار]، وإسحاق بن راهويه (4/ 211/ 2014 و 2015)، والطيالسي (3/ 198/ 1732)، والحارث بن أبي أسامة (229 - بغية الباحث)، وأبو يعلى (13/ 24/ 7107)، والطبراني في الكبير (23/ 441/ 1569) و (24/ 26/ 65)، [التحفة (11/ 820/ 17818)، الإتحاف (17/ 572/ 22817)، المسند المصنف (37/ 315/ 17914)].
ج - ورواه سفيان بن حسين [ثقة]، عن الحكم، عن مقسم، قال: الوتر سبع، ولا أقل من خمس.
قال الحكم: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: عمن ذكره؟ قلت: لا أدري، قال الحكبم: فحججت فلقيت مقسمًا، فقلت: عمن؟ فقال: عن الثقة، عن عائشة، وميمونة. موقوفًا، ولم يذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 239 / 1716)، وفي الكبرى (2/ 157/ 1409)، [التحفة (11/ 820/ 17818)، المسند المصنف (37/ 315/ 117914].
* ورواه عبد الرزاق في مصنفه (3/ 4656/25)، عن عبد اللّه، عمن سمعه، عن الحكم قال: قلت لمقسم: إني أوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصبح خشية أن تفوتني الصلاة، * فكره ذلك أن يوتر إِلَّا بخمس أو سبع، قلت: عمن هذا؟ قال: عن الثقة، عن ميمونة، وعائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. [المسند المصنف (37/ 315/ 17914)].
وهذا راويه عن الحكم مبهم، لا ندري من هو، وإن كان قد تابع شعبة في روايته.
قلت: والذي أثبت الواسطة بين مقسم وبين عائشة وميمونة، قد زاد في الإسناد رجلًا، والحكم لمن زاد هنا؛ فإنه ثقة حافظ إمام ناقد، وهو شعبة بن الحجاج، وتابعه على الزيادة: سفيان بن حسين؛ إِلَّا أنه أوقفه، ولم يرفعه.
* والحاصل: فإن هذا الحديث ضعيف؛ لأجل إبهام التابعي الواسطة بين مقسم وبين عائشة وميمونة، ولم نعرف عينه، ولم يوثقه إمام معتبر، والحديث قد أعله أئمة النقال:
* قال البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 294/ 1431 - 1433) بعد حديث مقسم: "ولا يعرف لمقسم سماع من أم سلمة ولا ميمونة ولا عائشة.
وقال ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل"، وحديث ابن عمر: أثبت، وقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ألزم.
حَدَّثَنَا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن نافع وعبد اللّه بن دينار، عن عبد اللّه بن عمر؛ أن رجلًا سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال:"مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى".
هكذا أعل البخاري حديث مقسم هذا ورده بحديث ابن عمر.
وقال أبو بكر الأثرم في الناسخ (89): "وأما حديث منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة: فإنه حديث مضطرب، مختلف فيه، قد اختلف فيه عن منصور، وخولف فيه أيضًا منصور، ولا أعلم أحدًا ذكر فيه ابن عباس غير اسرائيل، وبعضهم يجعله عن عائشة وميمونة، وبعضهم يوقفه ولا يرفعه، فهو حديث واه".
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه علي بن ميمون الرقي، عن مخلد بن يزيد الحراني، عن سفيان، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس، ولا يفصل بينهن بتسليم، ولا بكلام. قال أبي: هذا حديث منكر"[العلل (450)].
وقال الدارقطني في العلل (15/ 205/ 3951): "يرويه الحكم بن عتيبة، واختلف عنه؛ فرواه إسرائيل، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن أم سلمة. قاله عبيد الله بن موسى عنه. وكذلك قال مخلد بن يزيد الحراني، عن الثوري، عن منصور.
وخالفه أصحاب الثوري، فرووه عن الثوري، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن أم سلمة.
وكذلك رواه جرير بن عبد الحميد، وأبو حمزة السكري، وعمرو بن أبي قيس، وأبو وكيع، وزائدة بن قدامة، وزهير، وأبو الأحوص، عن منصور.
وقال جعفر الأحمر: عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن رجل، عن ميمونة، وعائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه مالك بن مغول، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وأم سلمة.
ورواه حجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن عائشة، وميمونة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
والمرسل عنهما أصح" [وانظر أيضًا: العلل (14/ 85/ 3438)].
4 -
حديث ابن عباس:
* رواه عبد العزيز بن محمد، عن عبد المجيد بن سهيل، عن يحيى بن عباد، عن
سعيد بن جبير؛ أن ابن عباس حدثه،
…
فذكر قصة في قيام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: قام فصلى ركعتين، ثم ركعتين، حتى صلى ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن.
أخرجه أبو داود (1358)، وسوف يأتي تخريجه قريبًا - إن شاء الله تعالى - في طرق حديث ابن عباس في موضعه من السنن، ولا يثبت.
* وروى محمد بن قيس الأسدي، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أمسى، فقال:"أصلى الغلام؟ "، قالوا: نعم، فاضطجع حتى إذا مضى من الليل ما شاء اللّه، قام فتوضأ، ثم صلى سبعًا أو خمسًا أوتر بهن، لم يسلم إِلَّا في آخرهن.
أخرجه أبو داود (1356)، وسوف يأتي تخريجه قريبًا - إن شاء الله تعالى - في طرق حديث ابن عباس في موضعه من السنن، ولا يثبت.
* قال الترمذي بعد حديث الباب: "وفي الباب عن أبي أيوب، حديث عائشة حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم الوتر بخمس، وقالوا: لا يجلس في شيء منهن إِلَّا في آخرهن.
وسألت أبا مصعب المديني عن هذا الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بالتسع والسبع، قلت: كيف يوتر بالتسع والسبع؟ قال: يصلي مثنى مثنى، ويسلم، ويوتر بواحدة".
* * *
1339 -
. . . مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم يصلي إذا سمع النداءَ بالصبح ركعتين خفيفتين.
* حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 178/ 316)، ومن طريقه: البخاري (1170)، وتقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1255).
* وروي عن عائشة من وجه آخر، ولا يثبت إسناده:
قال الطَّبراني في مسند الشاميين (4/ 343/ 3506): حَدَّثَنَا محمد بن حيان المازني: ثنا كثير بن يحيى: ثنا سالم أبو جميع: ثنا مطر الوراق، عن مكحول، قال: سئلت عائشة: بكم ركعة كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يوتر بثلاث عشرة ركعة، ثم أوتر بتسع ركعات، حتى إذا بدن وأخذ اللحم، فكان يوتر بسبع ركعات.
قلت: مكحول الشامي: لم يدرك عائشة، إنما يروي عنها بواسطة مسروق وغيره [انظر: تحفة الأشراف (11/ 750/ 17668)، تهذيب الكمال (28/ 466)، تحفة التحصيل (314)، وغيرها]، ومطر بن طهمان الوراق: ضعيف، وهو غريب من حديثه.
وسالم بن دينار أبو جميع البصري: وثقه ابن معين وحده، وقال أحمد:"أرجو أن لا يكون به بأس، لم يكن عنده إِلَّا شيء يسير من الحديث"، ومع قلة حديثه قال أبو زرعة:"لين الحديث"، وقال أبو داود:"شيخ"، وقال الدارقطني:"ليس بمتروك، حمل الناس عنه "، وذكره ابن حبان في الثقات، وله أوهام [الجرح والتعديل (4/ 180)، علل الدارقطني (2/ 12/ 85) و (10/ 55/ 1857) (5/ 35/ 1857 - ط. الريان)، الميزان (2/ 114)، التهذيب (1/ 676)، فضل الرحيم الودود (1077)].
وكثير بن يحيى بن كثير صاحب البصري: صدوق، تُكُلم فيه [اللسان (6/ 415)].
وشيخ الطَّبراني: روى عنه جماعة من الحفاظ، ولم أر من وثقه من المتقدمين، نعته الذهبي بالشيخ الصدوق المحدث [تاريخ الإسلام (21/ 257) و (22/ 262)، السير (13/ 569)].
* ومما جاء فيمن قال: ثلاث عشرة ركعة، دون أن يعدَّ فيها ركعتي الفجر:
1 -
حديث ابن عباس:
رواه يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وغندر محمد بن جعفر، ووكيع بن الجراح، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وحجاج بن محمد المصيصي، ويزيد بن هارون، ووهب بن جرير، وأبو زيد سعيد بن الربيع الهروي [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب شعبة]، وعمرو بن حكام [ضعيف. اللسان (6/ 200)]:
عن شعبة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه البخاري (1138)، ومسلم (764)، وأبو عوانة (2/ 50/ 2277)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 363/ 1752)، والترمذي في الجامع (442)، وقال:"حسن صحيح". وفي الشمائل (266)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 397/ 421)، والنسائي في الكبرى (1/ 236/ 400)، وابن خزيمة (2/ 191/ 1164)، وابن حبان (6/ 345/ 2611)، وأحمد (1/ 228 و 324 و 338)، والطيالسي (4/ 467/ 2871)، وابن أبي شيبة (2/ 234/ 8487)، والبزار (11/ 446/ 5308)، وأبو يعلى (4/ 433/ 2559)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1287)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 157/ 2586 - 2588)، والطحاوي (1/ 286)، والطبراني في الكبير (12/ 229/ 12964)، [التحفة (4/ 734/ 6525)، الإتحاف (8/ 122/ 9044)، المسند المصنف (11/ 615/ 5628)].
قال البزار: "وهذا الحديث قد روي عن ابن عباس من غير هذا الوجه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة، وفي هذا الحديث دلالة على أن تلك كانت صلاته وأنه كان يديم عليها".
قلت: في الصحيحين من طريقين آخرين عن ابن عباس ما يدل على أنه عدَّ ركعتي الفجر ضمن الثلاثة عشر، وسيأتي ذكر طرق حديث ابن عباس في موضعها قريبًا إن شاء اللّه تعالى [(1353 - 1358 و 1364 و 1365 و 1367)].
لكن البخاري استدل به على ظاهره، وكأنه حديث مستقل لابن عباس، فترجم له بقوله:"باب كيف كان صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل".
2 -
حديث زيد بن خالد الجهني:
يرويه مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه؛ أن عبد اللّه بن قيس بن مخرمة، أخبره عن زيد بن خالد الجهني؛ أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، [قال: فتوسدت عتبته، أو فسطاطه]، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فدلك ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه مسلم (765)، وسبق تخريجه تحت الحديث رقم (1324).
3 -
حديث أم سلمة:
يرويه أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن أم سلمة، قالت: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة، فلما كلبر وضعف أوتر بسبعٍ [كذا عند الترمذي، ووقع عند النسائي: أوتر بتسعٍ].
أخرجه الترمذي (457)، والنسائي في المجتبى (3/ 237/ 1708) و (3/ 243/ 1727)، وفي الكبرى (1/ 426/ 428) و (2/ 136/ 1349)، والحاكم (1/ 306)(2/ 71/ 1162 - ط. الميمان)، وأحمد (6/ 322)(12/ 6457/ 27380 - ط. المكنز)، وابن أبي شيبة (2/ 89/ 6819)، وإسحاق بن راهويه (4/ 124/ 1892)، والطبراني في الكبير (23/ 324/ 741)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 79/ 962)، [التحفة (12/ 128 / 18225)، الإتحاف (18/ 172/ 23511)، المسند المصنف (40/ 309/ 19260)].
هكذا رواه الترمذي والنسائي كلاهما عن هناد بن السري به؛ إِلَّا أن الترمذي قال: بسبع، وقال النسائي: بتسع، ورواه أيضًا النسائي عن أحمد بن حرب عن أبي معاوية به، وقال: أوتر بتسع، ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وأحمد بن حنبل، عن أبي معاوية به، فقالوا: أوتر بسبع، ورواه إسحاق عن أبي معاوية به، فقال: أوتر بخمس أو سبع، شك إسحاق، والأشبه عندي: أوتر بسبع، رواها جمع من الحفاظ.
قال الترمذي: "حديث أم سلمة حديث حسن".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد صح وتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة، وإحدى عشرة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة، وأصحها وتره صلى الله عليه وسلم بركعة واحدة".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 303): "هذا الحديث صحيح".
* هكذا رواه عن أبي معاوية: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر ابن
أبي شيبة، وأخوه عثمان، وهناد بن السري، وأحمد بن حرب [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، فقالوا فيه: عن أم سلمة.
* وخالفهم فوهم: نعيم بن حماد [ضعيف]، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن أم الدرداء، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع.
أخرجه الطحاوي (1/ 291)، [الإتحاف (18/ 257/ 23628)].
هكذا جعله من مسند أم الدرداء، وإنما هو من مسند أم سلمة، والله أعلم.
* وقد اختلف في هذا الحديث على الأعمش:
أ - فرواه أبو معاوية [ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن أم سلمة، قالت: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبعٍ.
ب - ورواه سفيان الثوري، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة، ومحمد بن فضيل [وهم ثقات، من أصحاب الأعمش المقدمين فيه، لا سيما الثوري، فهو أثبتهم فيه]:
عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعاتٍ، فلما كثر لحمه وأسنَّ صلى سبع ركعاتٍ. لفظ أبي الأحوص. وفي رواية الثوري: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل تسعًا، فلما ثقُل وأسنَّ صلى سبعًا. وفي رواية أبي عوانة: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ، فلما أسنَّ وثقُل أوتر بسبعٍ.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 238/ 1709)، وفي الكبرى (1/ 246/ 427) و (2/ 137/ 1350) و (2/ 138/ 1353 و 1354)، وأحمد (6/ 32 و 225)، وعبد الرزاق (3/ 41/ 4715)، وابن أبي شيبة (2/ 89/ 6818)، وابن نصر في كتاب الوتر (290 - مختصره)، والطحاوي (1/ 284)، [التحفة (11/ 757/ 17681)، [الإتحاف (17/ 582/ 22836)، المسند المصنف (37/ 312/ 17910)].
قال الأثرم في الناسخ (85): "وأما حديث الأعمش: فقد اضطرب فيه، فقال مرة: عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة، وقال مرة: عن عمارة عن يحيى بن الجزار عن عائشة، وفي الكلام أيضًا اختلاف وقد بيّنّا ذلك، ويحيى بن الجزار لم يلق واحدًا منهما".
وقال الدارقطني في العلل (14/ 353/ 3697): "يرويه الأعمش، واختلف عنه؛ فرواه علي بن مسهر، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة.
وخالفه ابن فضيل، رواه عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة. وقول ابن فضيل أشبه بالصواب".
ولم يعرض الدارقطني للاختلاف الواقع فيه بين أبي معاوية والجماعة، فيمن جعله من مسند أم سلمة، أو من مسند عائشة، وإنما تكلم على الاختلاف الواقع في حديث عائشة، مما يدل على كونهما محفوظين عنده عن الأعمش.
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 225): "أبو معاوية: مقدَّم على أصحاب الأعمش؛ إِلَّا أن الدارقطني قال: من قال فيه: عن عمارة بن عمير فهو أشبه بالصواب من قول من قال: عمرو بن مرة. وقال الأئرم: اضطرب الأعمش في إسناده وفي متنه، قال: ويحيى الجزار: لم يلق عائشة، ولا أم سلمة".
قلت: يحيى بن الجزار: كوفي ثقة، سمع من علي أحرفًا يسيرة [راجع: فضل الرحيم الودود (5/ 73/ 409)، وروايته عنه في مسلم (627/ 204)]، وكان يتشيع، ولا يُعرف له عن عائشة ولا عن أم سلمة سماع، ولا أنه دخل عليهما، ولا له عنهما كثير رواية.
وقول الأثرم بالاضطراب له وجه، لكن الأشبه بالصواب: أن الحديث محفوظ عن الأعمش بالوجوه التي رواها عنه ثقات أصحابه، ويأتي ذكر بقيتها تحت الحديث الآتي برقم (1345)، فإن سليمان بن مهران الأعمش من كبار حفاظ الإسلام في زمانه؛ بل مدار حديث الكوفة على الأعمش وأبي إسحاق السبيعي، وقد بلغ الأعمش الغاية في الحفظ والأتقان حتى لقِّب بالمصحف [التهذيب (2/ 115)]، فيحتمل من مثله التعدد في الأسانيد والمتون.
وعليه: فحديث أم سلمة: ضعيف لانقطاعه، وأما حديث عائشة فله ما يعضده، ويأتي ذكر ذلك تحت الحديث الآتي برقم (1340)، والله أعلم.
* وروي عن أم سلمة من وجه آخر مفصلًا، بعَدِّ ركعتي الفجر منها:
فقد روى إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة، ثبت في جده؛ لكنه غريب من حديثه]، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، قالت: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة: ثمان ركعات، ويوتر بثلاث، ويركع ركعتي الفجر.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 233 / 394) و (1/ 240/ 410)، [التحفة (12/ 135/ 18237)، المسند المصنف (40/ 310/ 19261)].
* واختلف على أبي إسحاق فبم هذا الحديث:
* فرواه أيضًا: محمد بن جعفر بن أبي كثير [مدني، ثقة]، قال: حَدَّثَنِي موسى بن عقبة [مدني، ثقة]، عن أبي إسحاق، عن عامر الشعبي، قال: سألت ابن عباس وابن عمر: كيف كان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالا: ثلاث عشرة ركعة، منها ثمان، ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 239/ 408) و (2/ 138/ 1357)، وابن ماجة (1361)، والطحاوي (1/ 279)، والطبراني في الكبير (12/ 91/ 12568)، وفي الأوسط (162)، [التحفة (4/ 444/ 5770)، الإتحاف (7/ 315/ 7897)، المسند المصنف (11/ 616/ 5629)].
قال الطَّبراني: "جوده موسى بن عقبة، فرواه متصلًا عن ابن عمر وابن عباس.
ورواه شريك، عن أبي إسحاق، فلم يصله.
حَدَّثَنَا محمد بن النضر الأزدي [ثقة]، قال: نا شهاب بن عباد العبدي [ثقة]، قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر الشعبي، قال: قدمت المدينة، فسألت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فأجمعوا على: ثلاث عشرة، منها الوتر، وركعتين قبل الفجر".
* ورواه ابن أبي عدي [بصري ثقة، متفق عليه، من أصحاب شعبة المكثرين عنه]، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، والشعبي؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 240/ 409) و (2/ 139/ 1358)، [التحفة (4/ 444/ 5770) و (12/ 365/ 18867) و (12/ 560/ 19579)، المسند المصنف (61/ 611/ 5629)].
قلت: وهذا هو المحفوظ: عن أبي إسحاق عن أبي سلمة والشعبي مرسلًا؛ فإن شعبة من أثبت الناس في أبي إسحاق، وأقدمهم منه سماعًا، وروايته أولى من رواية إسرائيل على غرابتها، وقد تابع شعبةً على ذلك: زهير بن معاوية.
قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول: روى موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، وأبي سلمة، عن ابن عمر، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: كانت صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الليل ثمان ركعات، والوتر ثلاثًا، وركعتين قبل الفجر.
قال أبي: وروى زهير بن معاوية هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، وعامر الشعبي؛ أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم . . . مرسلًا، وهو أشبه" [العلل (371)].
قلت: ورواية شريك النخعي التي أسندها الطَّبراني وأعل بها حديث موسى بن عقبة، قريبة من رواية شعبة وزهير، فهؤلاء ثلاثة من أصحاب أبي إسحاق اتفقوا على إرسأل الحديث؛ والعمدة على رواية شعبة وزهير، والله أعلم.
* وروي نحوه من وجه آخر، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن سبرة الجعفي، قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن صومك؟
…
فذكر الحديث بموضع الشاهد.
أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1831/ 4624)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 91) [ووقع عنده: عبد الرحمن بن سمرة].
وهو حديث باطل؛ تفرد به عن الشعبي: السري بن إسماعيل، وهو: متروك، أحاديثه عن الشعبي: منكرة [التهذيب (1/ 687)].
4 -
حديث جابر بن عبد اللّه:
يرويه الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد الجمحي، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن سعيد الأشدق؛ أنه قال: دخلت على جابر بن عبد الله، أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن، فوجدناه قائمًا يصلي عليه إزار،
…
فذكر الحديث بنحو قصة جابر وجبَّار
في تهيئة حياض الأثاية، وقال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج لبعض حاجته، فصببت له وَضوءًا، فتوضأ فالتحف بإزاره، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، وأتى آخر فقام عن يساره، فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وصلينا معه، فصلى ثلاثَ عشرةَ ركعةً بالوتر.
وإسناده صحيح، تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (7/ 109/ 613) [وانظر كلامي عن هذا الإسناد: تحت الحديث السابق برقم (1327)].
* قال الترمذي: "وقد روي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: الوتر بثلاث عشرة، وإحدى عشرة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة.
قال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روي أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة، قال: إنما معناه: أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروى في ذلك حديثًا عن عائشة، واحتج بما روي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال:"أوتروا يا أهل القرآن"، قال: إنما عنى به قيامَ الليل، يقول: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن".
* * *
1340 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم، قالا: حَدَّثَنَا أبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي - قال مسلم: بعد الوتر - ركعتين، وهو قاعدٌ، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين.
* حديث صحيح، متفق عليه من حديث يحيى بن أبي كثير
أخرجه من طريق أبان بن يزيد العطار: الطحاوي (1/ 281)، [التحفة (11/ 804/ 17781)، الإتحاف (17/ 616/ 22895)].
رواه عن أبان: موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم، وسهل بن بكار [وهم ثقات].
* تابع أبان بن يزيد العطار [وهو: ثقة، من أصحاب يحيى بن أبي كثير]:
أ - هشام بن أبي عبد اللّه الدستوائي [ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في يحيى بن أبي كثير]، عن يحيى، عن أبي سلمة]. قال: سألت عائشة عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر [بركعة] ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم بصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح.
أخرجه مسلم (724/ 91) و (738/ 126)، وأبو عوانة (2/ 18/ 2154) و (2/ 59/ 2305)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 334/ 1676)، والنسائي في المجتبى (3/ 256/
1781)، وفي الكبرى (1/ 254/ 450)، والدارمي (1618 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (2/ 157/ 1102)، وابن حبان (6/ 360/ 2634)، وأحمد (6/ 52 - 53 و 128 و 189 و 249)، وإسحاق بن راهويه (2/ 473/ 1049) و (2/ 474/ 1050)، والطيالسي (3/ 86/ 1586)، وابن نصر في كتاب الوتر (311 - مختصره)، وأبو جعفر ابن البختري في مجلسين من أماليه (5)(169 - مجموع مصنفاته)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 362)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 84/ 964)، وفي الشمائل (577)، [التحفة (11/ 804/ 17781)، الإتحاف (17/ 616/ 22895) و (17/ 646/ 22963)، المسند المصنف (37/ 296/ 17897)].
ب - ورواه أبو معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي، ومعاوية بن سلام، وعلي بن المبارك [وهم ثقات، من أصحاب يحيى المكثرين عنه]:
عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سأل عائشة أم المؤمنين، عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الليل؟ فقالت: كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة: تسع ركعاتٍ قائمًا، ويوتر فيها، وركعتين جالسًا، فإذا أراد أن يركع، قام فركع وسجد، ويفعل ذلك بعد الوتر، فإذا سمع نداء الصبح قام فركع ركعتين خفيفتين. لفظ معاوية بن سلام [عند النسائي]، وبنحوه لفظ شيبان، وقد أحال مسلم لفظ شيبان ومعاوية بن سلام على لفظ هشام، فقال: بمثله، غير أن في حديثهما: تسع ركعات قائمًا، يوتر منهن.
أخرجه البخاري (619)[مختصرًا، مقتصرًا منه على ركعتي الفجر]، ومسلم (738/ 126)، وأبو عوانة (2/ 18/ 2154) و (2/ 60/ 2306 - 2308)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 334/ 1677)، والنسائي في المجتبى (3/ 651/ 1752)، وفي الكبرى (2/ 174/ 1453)، وأحمد (6/ 81 و 138 و 279)، وإسحاق بن راهويه (2/ 571/ 1146)، وابن أبي شيبة (2/ 49/ 6333)، والطحاوي (1/ 281 - 282)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 95/ 2830) [ووقع عنده: سبع ركعات، بدل: تسع، وهو خطأ بيِّن]. والبيهقي (3/ 32)، وأبو الغنائم النرسي في فوائد الكوفيين (28)، [التحفة (11/ 804/ 17781) و (11/ 805/ 17783)، الإتحاف (17/ 616/ 22895) و (17/ 646/ 22963)، المسند المصنف (37/ 296/ 17897)].
ج - ورواه الأوزاعي [وعنه: الوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، ويحيى بن حمزة، وبشر بن بكر، وعمر بن عبد الواحد، وهم من ثقات أصحاب الأوزاعي، وتابعهم: بقية بن الوليد، وهو: صدوق، ويحيى بن عبد اللّه بن الضحاك البابلتي، وهو: ضعيف]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: حدثتني عائشة؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العشاء الآخرة ثماني ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين يقرأ فيهما وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم ركع بعد لك ركعتي الفجر. لفظ يحيى بن حمزة، ولفظ الوليد [عند ابن حبان]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثمان ركعات، ويوتر بواحدة، ثم يركع
ركعتين وهو جالس. وفي رواية: كان يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الفجر.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 256/ 1780)، وفي الكبرى (1/ 240 - 241/ 412) و (2/ 164/ 1426)، وابن ماجة (1196)، وأبو عوانة (2/ 18/ 2153)، وابن حبان (6/ 348/ 2616)، وإسحاق بن راهويه (2/ 571/ 1145)، وأبو يعلى (9/ 218/ 4786)، والطحاوي (1/ 341)، والبيهقي (3/ 32)، [التحفة (11/ 807/ 17791)، الإتحاف (17/ 616/ 22895)، المسند المصنف (37/ 17897/296)].
قلت: الأوزاعي: ثقة ثبت إمام، لكنه كان لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير ولم يكن عنده فيه كتاب، ضاع كتابه عن يحيى، فكان يحدث به من حفظه، ويهم فيه [شرح علل الترمذي (269)]، لكنه في هذا الحديث قد ضبطه وحفظه وجوده، فأداه كما سمعه، وتابع فيه أصحاب يحيى، فهو من صحيح حديثه عن يحيى، واللّه أعلم.
* وممن رواه أيضًا عن أبى سلمة:
أ - روى أحمد بن حنبل، والحميدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو بن محمد الناقد، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وقتيبة بن سعيد، وحامد بن يحيى البلخي، وعبد الرزاق بن همام، والعباس بن الوليد النرسي، وزياد بن أيوب، وعبد الجبار بن العلاء، وعبيد اللّه بن عمر القواريري، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، ولوين محمد بن سليمان المصيصي [وهم ثقات، أصحاب ابن عيينة]:
عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي لبيد، سمع أبا سلمة، قال: أتيت عائشة، فقلت: أيْ أمَّه! أخبريني عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة بالليل، منها ركعتا الفجر.
أخرجه مسلم (738/ 127)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 335/ 1678)، والنسائي في الكبرى (1/ 232/ 391) و (1/ 241/ 413) و (1/ 256/ 454)، وابن خزيمة (3/ 341/ 2213)، وأحمد (6/ 39)، وعبد الرزاق (4/ 292/ 7859)، والحميدي (173)، وابن أبي شيبة (2/ 8486/234)(5/ 357/ 8713 - ط. الشثري)، ولوين في جزء من حديثه (95)، وأبو يعلى (8/ 272/ 4860)، والطحاوي (1/ 282)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (65)، والبيهقي في السنن (3/ 6)، وفي المعرفة (2/ 298/ 1353 و 1354)، وابن عساكر في المعجم (1054 و 1435)، وقال:"حديث صحيح". وعلقه أبو عوانة (2/ 252/ 3051 م)، [التحفة (11/ 781/ 17735)، الإتحاف (17/ 616/ 22895)، المسند المصنف (37/ 294/ 17896)].
ب - وروى يونس بن محمد المؤدب [ثقة ثبت]، وحجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت]:
عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي سلمة؛
أنه سمع عائشة، تقول: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي كل ليلةٍ ثلاثَ محشرةَ ركعةً: تسعًا قائمًا، وركعتين وهو جالس، ثم يمهل حتى يؤذن بالأول من الصبح قام فركع ركعتين.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 241/ 414) و (1/ 255/ 451)، وأحمد (6/ 222)، [التحفة (11/ 769/ 17702)، الإتحاف (17/ 639/ 22939)، المسند المصنف (37/ 296/ 17897)].
* خالفه سعيد بن أبي أيوب، فزاد في إسناده عراك بن مالك:
رواه البخاري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ونصر بن علي الجهضمي [وهم ثقات حفاظ]، ومحمد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ [ثقة]، وجعفر بن مسافر التنيسي [صالح الحديث]، وبشر بن موسى البغدادي الأسدي [راوي مسند الحميدي: ثقة نبيل. الجرح والتعديل (2/ 367)، سؤالات السلمي (74)، تاريخ بغداد (7/ 86)، السير (13/ 352)]:
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حَدَّثَنَا سعيد بن أبي أيوب، قال: حَدَّثَنِي جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم صلى ثماني ركعاتٍ قائمًا، وركعتين جالسًا، وركعتين بين النداءين، ولم يكن يدعهما [أبدًا]. لفظ ابن المقرئ [عند النسائي]، وبنحوه لفظ البخاري وبشر بن موسى، وهذا اللفظ هو الأقرب للفظ يحيى عن أبي سلمة.
ولفظ أحمد، وابن راهويه، وجعفر بن مسافر: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم صلى ثمان ركعات قائمًا، وركعتين جالسًا بين الندائين، لم يكن يدعهما. أسقط الركعتين بعد الوتر جالسًا، وأدخل الجلوس على ركعتي الفجر، فاضطرب المتن، وأظنه من عبد اللّه بن يزيد نفسه؛ فإن الذين اختلفوا عليه كلهم ثقات.
وفي رواية نصر بن علي [عند أبي داود]: ثم صلى ثماني ركعاتٍ قائمًا، وركعتين بين الأذانين، ولم يكلن يدعهما. أسقط الركعتين بعد الوتر جالسًا.
أخرجه البخاري (1159)، وأبو داود (1361)، والنسائي في الكبرى (1/ 241/ 415) و (1/ 255/ 452)، وأحمد (6/ 154)(11/ 6084/ 25848 - ط. المكنز)، وإسحاق بن راهويه (2/ 473/ 1048) و (3/ 976/ 1694)، والبيهقي (2/ 470)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 168)، وفي الأربعين الأبدال العوالي (28)، والضياء المقدسي في حديث أبي عبد الرحمن المقرئ (5)، [التحفة (11/ 783/ 17735)، الإتحاف (17/ 641/ 22943)، المسند المصنف (37/ 310/ 17908)].
قلت: ضبط الليث بن سعد متن الحديث، ولم يختلف عليه فيه، لكنه أسقط من الإسناد عراك بن مالك، وضبط المقرئ الإسناد فزاد فيه عراكًا؛ إِلَّا أنه لم يضبط المتن، واضطرب فيه كما تقدم بيانه؛ كما أنه أسقط ذكر ركعة الوتر، ولم يبيِّن موضعها، فذكر ثماني ركعات، ثم ركعتين جالسًا، ثم ركعتي الفجر، وموضع الوتر في حديث أبي سلمة
هذا: بعد الركعات الثماني كما جاء مبينًا في حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وذكرها الليث مجملة مع الثماني، فقال: تسعًا قائمًا، فيحمل ما أجمله على تفصيل يحيى بن أبي كثير، وأن الركعتين اللتين صلاهما جالسًا إنما كانتا بعد الوتر، وقبل أذان الفجر، لا شك في ذلك كما يتبين من جمع الطرق، واللّه أعلم [انظر تصرف البخاري في مثل ذلك؛ في الجمع بين حديثين في كل منهما علة، إحداهما في الإسناد والأخرى في المتن، أو كلاهما في الإسناد راجع: صحيح البخاري (382 - 384 و 663 و 1358 و 1359 و 1626 و 1984 و 3144 و 4320 و 4344 و 5404 و 5405 و 6243 و 7083]، [وقد سبق أن تكلمت عن بعض هذه الأحاديث في موضعها من فضل الرحيم الودود (1/ 74/ 21) و (8/ 57/ 711)، [وانظر: الحديث السابق برقم (1322)، [وانظر: الفتح لابن رجب (6/ 260)].
قال ابن حجر في الفتح (3/ 42): "وكأن جعفرًا أخذه عن أبي سلمة بواسطة، ثم حمله عنه، وليزيد فيه إسناد آخر، رواه عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة، أخرجه مسلم، وكأن لعراك فيه شيخين، والله أعلم".
قلت: جعفر بن ربيعة غير مشهور بالرواية عن أبي سلمة، إنما يروي عنه بواسطة عراك بن مالك والزهري والأعرج والزبرقان بن عمرو وغيرهم، وليس له رواية في الكتب الستة عن أبي سلمة سوى هذا الموضع عند النسائي في الكبرى، ولم يذكر فيه سماعًا من أبي سلمة، وعليه فالراجح رواية سعيد بن أبي أيوب بالزيادة في الإسناد، وحديث الليث محفوظ المتن، والله أعلم.
* وأما الإسناد الآخر الذى أشار إليه ابن حجر؛ فهو ما رواه الليث بن سعد [وعنه: قتيبة بن سعيد، وحجاج بن محمد المصيصي، ويحيى بن بكير، وهم ثقات]، وعمرو بن الحارث [وعنه: ابن وهب]:
عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة؛ أن عائشة أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي [بالليل] ثلاث عشرة ركعة؛ بركعتي الفجر. لفظ الليث.
أخرجه مسلم (737/ 124)، وأبو عوانة (2/ 58/ 2302)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 333/ 1674)، وأبو داود (1360)، والنسائي في الكبرى (1/ 242/ 416)، وأحمد (6/ 222)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (209)، والبيهقي (3/ 7)، [التحفة](11/ 325/ 16371)، الإتحاف (17/ 144/ 22024)، المسند المصنف (37/ 309/ 17906)].
* هكذا نص القاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزُّبَير، في حديثهم عن عائشة: على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر.
ج - وروى أبو عامر العقدي: حَدَّثَنَا عبد الله بن عمر، عن سالم أبي النضر، عن أبي
سلمة، عن عائشة؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل عشر ركعات، ويوتر بواحدة.
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (438).
* ورواه ابن وهب، قال: حَدَّثَنِي عبد الله بن عمر به، مطولًا في قصة صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالناس التراويح ليلتين ثم لم يخرج لهم في الثالثة، وفيه: قالت عائشة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة قائمًا، وركعتين جالسًا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ، ثم ركع ثم يوتر بواحدة. قال أبو سلمة: فقلت: كيف كانت صلاته في شهر رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في شهر رمضان على هذا.
أخرجه أبو يعلى (8/ 221/ 4788)، [المسند المصنف (37/ 272/ 17880)].
وعبد اللّه بن عمر العمري: ليس بالقوي، ولا تثبت هذه الرواية عن أي سلمة، راجع طرق حديث أبي سلمة عن عائشة فيما سيأتي: برقم (1368)؛ إن شاء اللّه تعالى.
د - وروى عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن محمد بن أبي حرملة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة إلى أن يطلع الفجر.
أخرجه أبو القاسم البغوي في حديث مصعب الزبيري (117).
وهذا حديث غريب؛ والمحفوظ في هذا عن أبي سلمة: ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر؛ كما رواه يحيى بن أبي كثير، وعبد اللّه بن أبي لبيد، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وغيرهم، ومحمد بن أبي حرملة المدني: ثقة، روى عنه مالك في موطئه، وروى له الشيخان في صحيحيهما، وقال النسائي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (3/ 538)]، وليس من شرط الثقة ألا يهم، وقد وهم في هذا الحديث بجعله صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة بدون ركعتي الفجر، فيصبح المجموع خمس عشرة ركعة [تقدم الكلام عن بعض أوهامه: تحت الحديث رقم (1273)]؛ إِلَّا أن يقال بأنه أراد: إلى أن يصلي الفجر، فتدخل ركعتا الفجر في العدد، ووجه غرابته: تفرد مصعب بن عبد الله الزبيري به عن الدراوردي دون بقية أصحابه على كثرتهم، والله أعلم.
هـ - وروى موسى بن هارون [الحمَّال، الحافظ الكبير الحجة الناقد، مشهور بالحفظ والإتقان ونقد الرجال]: نا يحيى بن أيوب المقابري [بغدادي ثقة]: نا علي بن ثابت الحراني [صدوق]: حدثني نوح بن أبي بلال [مدني، ثقة، من الخامسة]: حَدَّثَنِي زيد بن أبي العتاب [مدني، ثقة]؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره؛ أنه سأل عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، قالت: كان يصلي بعد العشاء الآخرة فيما بينه وبين الفجر ثلاث عشرة ركعة، منها ركعتان مع الفجر.
أخرجه الطَّبراني في الأوسط (8/ 149/ 8232)، قال: حَدَّثَنَا موسى بن هارون به.
إسناده صحيح غريب.
و - وروى حماد بن سلمة [وعنه: موسى بن إسماعيل]، ويزيد بن هارون [وعنه:
أحمد]، ويحمى بن سعيد القطان، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [وهم ثقات]:
عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة؛ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعةً، يوتر بتسع - أو كلما قالت -، ويصلي ركعتين وهو جالسٌ، وركعتي الفجر بين الأذان والإقامة. لفظ حماد [عند أبي داود].
ولفظ يزيد بن هارون [عند أحمد]: كان يصلي ثلاثَ عشرةَ ركعةً: تسعًا قائمًا، وثنتين جالسًا، وثنتين بعد النداءين؛ يعني: بين أذان الفجر وبين الإقامة. وبنحوه لفظ القطان مختصرًا.
ولفظ إسماعيل بن جعفر: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، منها ركعتان يصليهما وهو جالس، ويصلي إذا طلع الفجر ركعتين قبل الصبح، فتلك ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه أبو داود (1350)، وأحمد (6/ 55 و 182)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (212)، والطحاوي (1/ 282)، والبيهقي (3/ 32)، [التحفة (11/ 791/ 17755)، الإتحاف (17/ 616/ 22895 و 22896)، المسند المصنف (37/ 296/ 17897)].
وهذا حديث حسن، كان محمد بن عمرو بن علقمة يتصرف في ألفاظه، وهي تدور في فلك واحد، ورواياته يفسر بعضها بعضًا، وترجع إلى حديث يحيى بن أبي كثير، ولا تخالفه في شيء، والدليل على أن محمد بن عمرو كان يحفظ معناه ويتصرف في أدائه على ألفاظ شتى، اختلاف أصحابه عليه كما ترى، وقوله في رواية حماد بن سلمة: يوتر بتسعٍ أو كما قالت، واللّه أعلم.
* ولمحمد بن عمرو فيه اسناد آخر:
رواه حماد بن سلمة [وعنه: موسى بن إسماعيل]:
عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثم أوتر بسبع ركعاتٍ، وركع ركعتين وهو جالسٌ بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أنَ يركع قام فركع ثم سجد.
أخرجه أبو داود (1351)، ومن طريقه: البيهقيّ (3/ 32)، [التحفة (11/ 642/ 17411)، المسند المصنف (37/ 322/ 17919)].
* قال أبو داود: روى الحديثين خالد بن عبد اللّه الواسطي، مثله، قال فيه: قال علقمة بن وقاص: يا أمتاه، كيف كان يصلي الركعتين؟
…
فذكر معناه.
قال أبو داود: حَدَّثَنَا وهب بن بقية، عن خالد.
أخرجه أبو داود (1351 م)، ومن طريقه: البيهقيّ (3/ 32).
* ورواه مختصرًا بطرفه الأخير:
محمد بن بشر العبدي، ويزيد بن هارون، وإسماعيل بن جعفر، والنضر بن شميل، وأسامة بن زيد الليثي:
عن محمد بن عمرو: حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن علقمة بن وقاص، قال: قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الركعتين وهو جالس؟ قالت: كان يقرأ فيهما [وهو جالس]، فإذا أراد أن يركع قام فركع.
وفي رواية النضر [عند ابن راهويه]: فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع.
أخرجه مسلم (731/ 114)، وأبو عوانة (1/ 532/ 1990)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 327/ 1659)، وأحمد (6/ 237)، وإسحاق بن راهويه (3/ 996/ 1724)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (214)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2184)، وأبو طاهر المخلص في الثالث من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (205)(571 - المخلصيات)، [التحفة (11/ 642/ 17410)، الإتحاف (17/ 426/ 22563)، المسند المصنف (37/ 322/ 17918)].
والحديث صحيح مطولًا ومختصرًا، وله ما يعضده كما سيأتي.
* وممن روى عن عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلى تسع ركعات من الليل:
أ - خالد الحذاء، عن عبد اللّه بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه؟ فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل [بيتي] فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل [بيتي] فيصلي ركعتين، وبصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين.
وكان يصلي من الليل تسعَ ركعاتٍ فيهن الوتر.
وممان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا، وليلًا طويلًا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين، [ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر].
أخرجه مسلم (730/ 105)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (955)[فضل الرحيم الودود (10/ 287/ 955)].
ب - سفيان الثوري [وعنه: يحيى بن آدم، وهو: ثقة حافظ]، وأبو الأحوص سلام بن سليم [وعنه: هناد بن السري، والحسن بن الربيع، وهما ثقتان]، وأبو عوانة [وعنه: يحيى بن حماد، ختن أبي عوانة، وهو: ثقة]، وموسى بن أعين [وعنه: عبد الجبار بن عاصم أبو طالب النسائي، وعبد الغفار بن داود أبو صالح الحراني، وأحمد بن داود بن موسى السدوسي البصري المكي، وهم ثقات]:
عن الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل تسع ركعات.
وفي رواية أبي عوانة: كان يوتر بتسعٍ.
أخرجه الترمذي في الجامع (443 و 444)(38/ أ - مخطوطة الكروخي)، وفي الشمائل (273 و 274)، والنسائي في المجتبى (3/ 243/ 1725)، وفي الكبرى (1/ 245/
426) و (1/ 246/ 430) و (2/ 137/ 1351 و 1352) و (2/ 138/ 1355) و (2/ 160/ 1416)، وابن ماجة (1360)، وابن حبان (6/ 347/ 2615)، وأحمد (6/ 253)، وإسحاق بن راهويه (3/ 842/ 1497)، وابن أبي شيبة (2/ 234/ 8490)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (379)، وأبو يعلى (8/ 182/ 4737) و (8/ 225/ 4791) و (8/ 226/ 4793)، والطحاوي (1/ 284)، [التحفة (11/ 146/ 15951)، الإتحاف (16/ 1043/ 21576) و (16/ 1046/ 21588)، المسند المصنف (37/ 311/ 17909)].
قال الترمذي: "حديث عائشة: حديث حسن، غريب من هذا الوجه"[التحفة (15951)].
قلت: بل هو حسن صحيح، على شرط الشيخين.
* وانظر فيمن وهم في إسناده على موسى بن أعين، فقلب إسناده، وجعل عطاء بن السائب بدل الأعمش، وهو وهم قبيح: أخرجه الطَّبراني في الأوسط (9/ 120/ 9300).
ج - ثم رواه أيضًا: سفيان الثوري [وعنه: عبد الرزاق بن همام، وهو: ثقة]، وأبو الأحوص سلام بن سليم [وعنه: العلاء بن عُصَيم، وهو: صدوق]، وزائدة بن قدامة [وعنه: حسين بن علي الجعفي، وهو: ثقة، أروى الناس عن زائدة]، وأبو عوانة [وعنه: يحيى بن حماد]، ومحمد بن فضيل [وهم ثقات، من أصحاب الأعمش المقدمين فيه، لا سيما الثوري، فهو أثبتهم فيه]:
عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعاتٍ، فلما كثر لحمه وأسنَّ صلى سبع ركعاتٍ. لفظ أبي الأحوصٍ. وفي رواية الثوري: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل تسعًا، فلما ثقُل وأسنَّ صلى سبعًا. وفي رواية أبي عوانة: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ، فلما أسنَّ وثقُل أوتر بسبعٍ.
وقد تقدم الكلام عن هذا الحديث تحت الحديث السابق برقم (1339)، ورجحت هناك كونه محفوظًا عن الأعمش، لا سيما وقد رواه هنا بهذين الوجهين جميعًا: الثوري وأبو الأحوص وأبو عوانة، وأشار إلى ذلك النسائي بعد أن أخرجه من طريق أبي الأحوص بالوجهين جميعًا، فقال:"تابعه أبو عوانة فحدث بالحديثين جميعًا وآخر معهما"؛ يعني: حديث أبي الضحى عن مسروق الآتي بعد هذا، وقد سبق أن قررت بأن الأعمش يحتمل منه مثل هذا في التعدد في الأسانيد.
وحديث الأعمش هذا: رجال إسناده ثقات، وفي سنده انقطاع.
وهو حديث صحيح؛ لما ثبت من وجه آخر يعضده، حيث رواه محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعِ ركعاتٍ، ثم أوتر بسبع ركعاتٍ، وركع ركعتين وهو جالسٌ بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أنَ يركع قام فركع ثم سجد [تقدم ذكره قبل قليل].
د - ورواه أيضًا: أبو عوانة [وعنه: يحيى بن حماد، وسهل بن بكار، وهما: ثقتان]، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ، فلما بلغ سنًا وثَقُل أوتر بسبع. لفظ سهل بن بكار.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 246/ 429) و (2/ 138/ 1356) و (2/ 1417/160)، والطحاوي (1/ 284)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 439)، [التحفة (11/ 742/ 17650)، الإتحاف (17/ 536/ 22752)، المسند المصنف (37/ 307/ 17902)].
وإسناده صحيح على شرط الشيخين [انظر: التحفة (17634) وما بعده].
هـ - وروى عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: سبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرةَ، سوى ركعتي الفجر.
أخرجه البخاري (1139)، والنسائي في الكبرى (1/ 245/ 425) و (2/ 162/ 1421)، والبغوي في شرح السنَّة (4/ 8/ 903)، [التحفة (// 17654)، المسند المصنف (37/ 308/ 17904)].
و - وقد روي عن الأسود من وجه آخر:
رواه إسماعيل بن إبراهيم [ثقة ثبت، وعنه ختنه: مؤمل بن هشام، وهو: ثقة، مكثر عن ابن عليه]، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد؛ أنه دخل على عائشة، فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة، وترك ركعتين، ثم قبض صلى الله عليه وسلم حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، آخر صلاته من الليل الوتر.
[زاد في رواية ابن أبي الدنيا: ثم ربما جاء إلى فراشه هذا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة، وقد أحدث الجنابة فيثب - قال الأسود: فما نسيت قولها: فيثب، وليست من لغتي -، ثم يخرج فيفيض عليه من الماء - فما نسيت قولها: فيفيض عليه من الماء، وليست من لغتي -، ثم يخرج إلى الصلاة ورأسه يقطر، فيصبح صائمًا].
أخرجه أبو داود (1363)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (378)، والبيهقي في السنن (3/ 34)، وفي المعرفة (2/ 323/ 1407)، [التحفة (11/ 179/ 16034)، المسند المصنف (37/ 309/ 17905)].
هكذا رواه عن مؤمل بن هشام: أبو داود، وابن أبي الدنيا [وهما: ثقتان حافظان]، وقالا فيه: عن الأسود بن يزيد؛ أنه دخل على عائشة.
* وخالفهما فجعله عن مسروق بدل الأسود: الحافظ الجهبذ ابن خزيمة فرواه في صحيحه (2/ 193 / 1168)، قال: ثنا مؤمل بن هشام اليشكري: نا إسماعيل - يعني: ابن عليه -، عن منصور بن عبد الرحمن - وهو: الغداني الذي يقال له: الأشل -، عن أبي إسحاق الهمداني، عن مسروق؛ أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟
فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة، ترك ركعتين، ثم قبض حين قبض وهو يصلي من الليل بتسع ركعاتٍ، آخر صلاته من الليل الوتر، ثم ربما جاء إلى فراشه هذا، فيأتيه بلال، فيؤذنه بالصلاة.
أخرجه ابن حبان (6/ 350/ 2619)، عن ابن خزيمة به، وعلقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 158/ 2591)، [الإتحاف (17/ 536/ 22751)، المسند المصنف (37/ 307/ 17901)].
قال البيهقيّ بعد أن رواه من طريق أبي داود: "خالفه محمد بن إسحاق بن خزيمة عن مؤمل بن هشام، فقال: عن أبي إسحاق عن مسروق، ورواية أبي داود أصح، بدليل ما تقدم من رواية عمار بن رزيق".
قلت: هذا الحديث قد رواه عن أبي إسحاق جماعة من ثقات أصحابه المقدمين فيه والمكثرين عنه، منهم: سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل، وزهير بن معاوية، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وزكريا بن أبي زائدة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعمار بن رزيق، ومطرف بن طريف، وغيرهم؛ فلم يذكروا شطره الأول موضع الشاهد، وإنما اقتصروا على شطره الثاني [راجع: فضل الرحيم الودود (3/ 118 - 125/ 228)]، وإن كان قوله فيه: آخر صلاله من الليل الوتر: محفوظًا [أخرجه مسلم (740)، من طريق عمار بن رزيق][راجع: فضل الرحيم الودود (3/ 124/ 228)]، وانفراد منصور بن عبد الرحمن الغداني دونهم بهذه الزيادة المفصلة في قيام الليل، وأطواره في التناقص من ثلاث عشرةَ إلى إحدى عشرةَ إلى تسع، تجعل النفس في معزل عن قبول روايته، لا سيما مع غمز بعض الأئمة له؛ فهو وإن وثقه مطلقًا: ابن معين، وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وكان أحمد تهيب أن يتكلم فيه لأجل رواية شعبة وابن عليه عنه، فقال مرة:"صالح، روى عنه شعبة"، وقال مرة أخرى:"هو ثقة؛ حدث عنه: إسماعيل بن عليه وشعبة" إِلَّا أنه خالف في أحاديث، وهو: ثقة، ليس به بأس"، قلت: والعبارة الأخيرة تنزله عن رتبة الثقات إلى رتبة من لا بأس بحديثهم، ممن يقع منهم الوهم والغلط لكن لم يغلب ذلك عليهم حتى يخرجوا عن وصف الصدق، ولذا قال فيه العجلي مع تساهله: "جائز الحديث"، وأما أبو حاتم فهو على أصله في تشدده في الرجال، حيث يقول فيه: "ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به" [العلل ومعرفة الرجال (1/ 413/ 876) و (2/ 344/ 2526)، التاريخ الكبير (7/ 345)، معرفة الثقات (1638)، سؤالات الآجري (377)، الجرح والتعديل (8/ 174)، الثقات (7/ 475)، تاريخ أسماء الثقات (1321)، التهذيب (4/ 158)].
فأين هو من أصحاب أبي إسحاق السبيعي الثقات الأثبات المقدمين فيه والمكثرين عنه؟ حتى تقبل زيادته عليهم في حديث قد شاركهم في أصله! ثم انفرد عنهم بما لم يتابع عليه، فحُقَّ لهذه الزيادة أن توصف بالنكارة والرد، واللّه أعلم.
ز - وروى خالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ، ومحمد بن جعفر، وأبو داود
الطيالسي [لكن أبهم الطيالسيُّ سليمانَ بن مرثد، وقال: رجلًا من عنزة][وهم من أثبت أصحاب شعبة]:
قالوا: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت سليمان بن مرثد [زاد غندر: أو: مزيد، على الشك]، يحدث عن عائشة؛ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل تسع ركعات.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 39)، وأحمد (6/ 100)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 142)(2/ 163/ 594 - ط. التأصيل)، وابن عدي في الكامل (287/ 3)(5/ 280/ 7810 و 7811 - ط. الرشد)، [الإتحاف (16/ 1106/ 21711)، المسند المصنف (37/ 313/ 17911)].
قال البخاري بعد أن أخرجه في ترجمة سليمان: "لا يعرف له سماع من عائشة".
وقال ابن عدي: "ولم يذكر البخاري لسليمان عن عائشة غير هذا الحديث الواحد، ومقصد البخاري أن لا يسقط عليه راوٍ، ولا أعلم لسليمان بن مرثد عن عائشة، ولا عن غير عائشة غيره"، قلت: أخرج له العقيلي حديثًا آخر عن أبي الدرادء، فهو مقل جدًّا.
والحاصل: فإن سليمان بن مرثد هذا: مجهول، لا يُعرف له سماع من عائشة، ولذا وفع مبهمًا في رواية الطيالسي، لم يرو عنه سوى أبي التياح يزيد بن حميد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يروي عن عائشة؛ إن سمع منها"، وقال عنه الذهبي:"عن عائشة، وأبي الدرداء، لا يعرف له سماع منهما، وعنه أبو التياح فقط"[الثقات (4/ 311)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 178)، الميزان (2/ 222)، اللسان (4/ 174)، التعجيل (426)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 128)].
ح - وروى أحمد بن صالح [المصري: ثقة حافظ]، ومحمد بن سلمة المرادي [ثقة ثبت]، وبحر بن نصر [الخولاني مولاهم، وهو: مصري ثقة، راوية لابن وهب]:
عن ابن وهب [ثقة حافظ، قال ابن عدي في كامله (6/ 405): "وعند ابن وهب عن معاوية بن صالح عن مشايخه كتاب، ونسخة طويلة"]، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: قلت لعائشة: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؛ قالت: كان يوتر بأربعٍ وثلاث، وستٍّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبعٍ، ولا بأكثر من ثلاثَ عشرةَ.
زاد أحمد بن صالح: ولم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر، قلت: ما يوتر؟ قالت: لم يكن يدع ذلك، ولم يذكر أحمد وبحر: وست وثلاث.
أخرجه أبو داود (1362)، والطحاوي (1/ 285)، والبيهقي (3/ 28)، [التحفة (11/ 282/ 16282)، الإتحاف (17/ 67/ 21884)، المسند المصنف (37/ 315/ 17913)].
* تابعه: عبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت، حافظ إمام، عنده عن معاوية بن صالح أحاديث عداد]، وعبد الله بن صالح [أبو صالح المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير
الغلط، وكانت فيه غفلة، قال ابن عدي في كامله (6/ 406):"وعند أبي صالح كاتب الليث عن معاوية بن صالح: كتاب طويل، ونسخة حسنة"]:
عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة بكم كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوتر؟ فقالت: بأربع وثلاث، وبست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة، ولا أنقص من سبع، وكان لا يدع ركعتي الفجر.
أخرجه أحمد (6/ 149)، وإسحاق بن راهويه (3/ 956/ 1667)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 123/ 1918)، وابن عدي في الكامل (6/ 405)، والخطيب في الموضح (2/ 198)، [الإتحاف (17/ 69/ 21888)، المسند المصنف (37/ 315/ 17913)].
قال البيهقيّ: "وهذا يحتمل أن يريد به ثلاثًا لا يفصل بينهن بجلوس ولا تسليم، فيكون في معنى رواية هشام بن عروة، والله أعلم"؛ يعني: في الخمس المتصلة بسلام واحد.
قلت" لم يتابع أحدٌ معاويةَ بن صالح على هذه الهيئة لصلاة الليل، في صلاة أربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، والتي ظاهرها وصل الثلاث بسلام واحد، سواء اقترنت بأربع ركعات، أو بست، أو بثمان، أو بعشر، وقد روى هيئات صلاة الليل عن عائشة جماعة من ثقات أصحابها، منهم: ابن أختها عروة أوله عنها حديثان، يرويهما: الزُّهري، وهشام بن عروة]، وابن أخيها القاسم بن محمد، ومسروق [وله عنها حديثان، يرويهما: يحيى بن وثاب، وأبو الضحى]، والأسود بن يزيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أوله عنها حديثان، يرويهما: يحيى بن أبي كثير وجماعة، وسعيد بن أبي سعيد المقبري]، وعبد الله بن شقيق، وعلقمة بن وقاص، وسعد بن هشام [وهم ثمانية]، وغيرهم، فلم يذكر أحد منهم هذه الهيئة، فهي من أفراد معاوية بن صالح.
ومعاوية بن صالح، هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد، ولذا فإن معاوية بن صالح إذا تبين لنا أنه وهم، أو أخطأ، أو تفرد بما لم يتابم عليه: لم نقبل منه حديثه [فضل الرحيم الودود (7/ 356/ 666)].
وعليه: فحديثه هذا: حديث غريب شاذ.
فلا تغتر بمن مشى على ظاهر السند فصححه [انظر: الخلاصة (1880)، البدر المنير (4/ 302)، الفتح لابن حجر (3/ 21)].
والأحاديث التي سبق أن صححتها لمعاوية بن صالح، فإنما هي أحاديث معروفة قد توبع عليها [انظر مثلًا: فضل الرحيم الودود (1/ 285/ 69) و (3/ 46/ 211) و (3/ 102/ 226) و (4/ 243 / 366) و (5/ 416/ 472) و (7/ 589/ 699) و (8/ 355/ 759) و (8/ 613/ 797) و (9/ 339/ 845) و (9/ 477/ 873)، وما تحت الحديث رقم (1091)، الشاهد الرابع، والحديث رقم (1118)، والحديث رقم (1273) طريق رقم (13) من طرق حديث عائشة، والحديث رقم (1289)، والحديث رقم (1333)].
وانظر أيضًا فيما أعللته بمعاوية بن صالح: فضل الرحيم الودود (2/ 10/ 105) و (7/ 356/ 666) و (8/ 759/355) و (8/ 393/ 766)، وما تحت الحديث رقم (1255)، والحديث رقم (1277).
* ولا يقال بان معاوية بن صالح قد توبع على أصله فيما رواه: سليمان بن أبي كريمة؛ أن الزُّهري حدثه، عن عروة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوتر بكثر من ثلاث عشرة ركعة، ولا قصر عن سبع.
فهو حديث باطل من حديث الزُّهري، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (1337)، فراجعه.
* ولا يشهد له أيضًا حديث أم سلمة الذي رواه:
أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن أم سلمة، قالت: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبعٍ.
فهو حديث ضعيف لانقطاعه، وليس فيه الحصر الموجود في حديث معاوية بن صالح.
* ومما روي عن غير عائشة من الصحابة في القيام بتسع ركعات:
1 -
حديث جابر بن عبد الله:
يرويه أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، وعبيد اللّه بن موسى، وجعفر بن حميد [وهم ثقات]، ومحمد بن عبد الوهاب بن الزُّبَير بن زنباع أبو جعفر الحارثي [لا بأس به، وله غرائب وأفراد، ويخطئ في بعض ما يروي. انظر: ما تقدم برقم (1119)، وفضل الرحيم الودود (10/ 22/ 905)]، ومحمد بن حميد الرازي [حافظ ضعيف، كثير المناكير]:
عن يعقوب بن عبد الله بن سعد القمى الأشعري [ليس به بأس. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (1044)]، قال: حدثنا عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد اللّه، قال: صلى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعاتٍ، وأوتر، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج فيصلي بنا، فأقمنا فيه حتى أصبحنا، فقلنا: يا رسول اللّه! رجونا أن تخرج فتصلي بنا، قال:"إني كرهت - أو: خشيت - أن يكتب عليكم الوتر".
أخرجه ابن خزيمة (2/ 138/ 1070)، وابن حبان (6/ 169/ 2409) و (6/ 173/ 2415)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (217 - مختصره)، وفي كتاب الوتر (274 - مختصره)، وأبو يعلى (3/ 336/ 1802)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 168/ 2606)، والطبراني في الأوسط (8/ 104/ 3733)، وفي الصغير (525)، وابن عدي في الكامل (5/ 248)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 214/ 1405 و 1406)(2/ 8 - مختصره)، [الإتحاف (3/ 308/ 3076)، المسند المصنف (5/ 230/ 2592)].
قال الطَّبراني: "لا يروى عن جابر بن عبد الله إِلَّا بهذا الإسناد، تفرد به: يعقوب، وهو ثقة". وقال ابن عدي: "غير محفوظ".
* وروي من نفس الوجه بقصة أخرى مغايرة:
رواه عبد الأعلى بن حماد النرسي [ثقة]، وجعفر بن حميد [ثقة]، وعبد اللّه بن عمرو بن أبي أمية [قال أبو حاتم:"لا أخبر أمره". الجرح والتعديل (5/ 120)، غنية الملتمس (245)]، ومحمد بن حميد الرازي [حافظ ضعيف، كثير المناكير]، وغيرهم:
عن يعقوب بن عبد الله القمي: ثنا عيسى بن جارية الأنصاري، عن جابر بن عبد اللّه، قال: جاء أُبي بن كعب إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنه كان مني البارحة شيء، قال:"وما هو يا أُبي؟ "، قال: نسوة معي في الدار، قلن لي:[إنا لا نقرأ القرآن] نصلي الليلة بصلاتك [فصليت بهن ثمان ركعات والوتر]، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شبهَ الرضا [ولم يقل شيئًا]، قال: وذلك في شهر رمضان.
وفي رواية: عن جابر، عن أبي، قال: جاء رجل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! عملت الليلة عملًا، قال:"ما هو؟ "، قال: نسوة معي في الدار قلن لي: إنك تقرأ ولا نقرأ، فصل بنا، فصليت ثمانيًا والوتر، قال: فسكت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال: فرأينا أن سكوته رضًا بما كان.
أخرجه ابن حبان (6/ 290/ 2549) و (6/ 291/ 2550)، والحارث بن أبي أسامة (146 - بغية الباحث)، وعبد اللّه بن أحمد في زياداته على مسند أبيه (5/ 115)، وابن نصر المروزي في قيام رمضان (217 - مختصره)، وأبو يعلى (3/ 336/ 1801)، والطبراني في الأوسط (4/ 108/ 3731)، وابن عدي في الكامل (5/ 248)، [الإتحاف (1/ 182/ 12) و (3/ 309/ 3079)، المسند المصنف (1/ 86/ 24)].
أخرجه ابن عدي في ترجمة عيسى بن جارية، وقال:"وبهذا الإسناد ثمانية أحاديث أخر، غير محفوظة"، ثم قال عن هذا الحديث وغيره:"وكلها غير محفوظة".
قلت: كلاهما حديث منكر، فعيسى بن جارية: وإن قال فيه أبو زرعة: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات؛ فقد قال فيه ابن معين [في رواية ابن أبي خيثمة]:"ليس بذاك"، وقال [في رواية الدوري]:"وحديثه ليس بذاك"، وقال [في رواية الدوري أيضًا]:"عنده أحاديث مناكير"، وقال [في رواية ابن الجنيد]:"ليس بشيء"، وقال فيه أبو داود:"منكر الحديث"، وقال أيضًا:"ما أعرفه، روى مناكير"، وقال النسائي:"منكر الحديث"، وقال مرة:"متروك"، وذكره العقيلي وابن عدي في الضعفاء، وهو مقل، كما قال الذهبي في التاريخ [تاريخ الدوري (4/ 365 و 369/ 4810 و 4825)، سؤالات ابن الجنيد (122)، التاريخ الكبير (6/ 385)، الجرح والتعديل (6/ 273)، الثقات (5/ 214)، ضعفاء النسائي (423)، الضعفاء الكبير (3/ 383)، الكامل (5/ 248)، تاريخ الإسلام (7/ 439)، الميزان (3/ 311)، التهذيب (3/ 356)، التقريب (485)].
2 -
حديث أنس بن مالك:
يرويه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وأبو غسان مالك بن إسماعيل [وهم ثقات]، ومؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط]:
عن عمارة بن زادان: نا ثابت [البناني]، عن أنس قال: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعاتٍ [قال مسلم: وهو قائم]، فلما أسنَّ وثقُل أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس، يقرأ بالرحمن، والواقعة. قال أنس: ونحن نقرأ بالسور القصَّار: {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ونحوهما. كذا وقع في رواية مؤمل [عند ابن خزيمة]، وإسحاق الأزرق [عند البيهقيّ] من قول أنس، وفي رواية مسلم [عند ابن المنذر وأبي علي الرفاء]: قال ثابت: ونحن نقرأ السور القصار.
أخرجه ابن خريمة (2/ 143/ 1079)(2/ 265/ 1079 - ط. الميمان)(2/ 78/ 1136 - ط. التأصيل) و (2/ 158/ 1105)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 177/ 2636)، والطحاوي (1/ 341)، وأبو علي الرفاء في الثاني من الأول من فوائده (5)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (936)، والبيهقي (3/ 33)(5/ 440/ 4888 - ط. هجر)، [الإتحاف (1/ 548/ 696 و 697)، المسند المصنف (2/ 71/ 606)].
قلت: عمارة بن زاذان الصيدلاني: صدوق، كثير الخطأ، قال أحمد:"يروي عن ثابت عن أنس: أحاديث مناكير"[التهذيب (3/ 210)، شرح العلل (2/ 692)، التقريب (450)].
قلت: وهذا منها، وقد اضطرب في هذا الحديث، فمرة يرويه عن ثابت عن أنس، ومرة يرويه عن أبي غالب عن أبي أُمامة، وسيأتي.
* وقد روى آخره دون موضع الشاهد من حديث أنس:
بقية بن الوليد، قال: حَدَّثَنِي عتبة بن أبي حكيم، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ في الأولى بأم الكتاب، و {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، وفي الثانية بأم الكتاب، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} .
أخرجه البزار (13/ 464/ 7246)، وابن نصر في قيام الليل (197 - مختصره)، والطبراني في مسند الشاميين (759)، والدارقطني في السنن (2/ 41)، وفي الأفراد (1/ 215/ 1037 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في الخامس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (121)(1001 - المخلصيات)، والبيهقي (3/ 33)، [الإتحاف (2/ 194/ 1530)].
قال أبو حاتم: "هذا من حديث قتادة: منكر"[العلل (442)].
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن قتادة عن أنس إِلَّا عتبة".
قال أبو بكر بن أبي داود: "هذه سنَّة تفرد بها أهل البصرة، وحفظها أهل الشام".
وقال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث قتادة عنه، تفرد به عتبة عنه، وتفرد به بقية عن عتبة".
وقال البيهقيّ: "أبو غالب، وعتبة بن أبي حكيم: غير قويين، ورواه عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس؛ في الوتر بتسع ثم بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس، غير أنه
قال: وقرأ فيهن بالرحمن والواقعة. قال أنس: ونحن نقرأ بالسور القصار: {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ونحوهما".
قلت: هكذا رواه عن بقية أصحابه الشاميون، مثل: يزيد بن عبد ربه الجرجسي [ثقة، من أثبت الناس في بقية]، ومحمد بن المصفى [حمصي، صدوق، كان يسوي حديث بقية]، ومحمد بن عمرو بن حنان الحمصي [صدوق]، وأحمد بن الفرج بن سليمان الكندي الحمصي أبو عتبة [ضعفه أهل بلده، وخفي أمره على الغرباء؛ فحسنوا الرأي فيه. التهذيب (1/ 40)، اللسان (1/ 575)].
خالفهم: إسحاق بن راهويه، قال: أخبرنا بقية بن الوليد: حَدَّثَنِي عتبة بن أبي الحكيم، عن قتادة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في هاتين الركعتين بعد الوتر
…
فذكر مثله.
أخرجه إسحاق في مسنده (3/ 715/ 1319).
هكذا جعله إسحاق من مسند عائشة، وأهل الشام يروونه عن بقية من مسند أنس، وهو الصواب.
وعتبة بن أبي حكيم: فيه مقال لا ينزل بحديثه عن رتبة الحسن، إذا لم يتبين لنا خطؤه، ولم ينفرد بأصل وسُنَّة [وقد ذكرت كلام الأئمة فيه في الحديث المتقدم برقم (44) (1/ 159/ 44 - فضل الرحيم الودود) فليراجع، وله ذكر تحت الحديث رقم (248) (3/ 210/ 248 - فضل الرحيم الودود)].
فلا يحتمل تفرد مثله عن قتادة، دون بقية أصحاب قتادة الثقات على كثرتهم وجمعهم لحديثه، لا سيما وعتبة من الغرباء، فهو أردني، وقتادة بصري، فهو حديث منكر، كما قال أبو حاتم، والله أعلم.
* وقد روى جماعة من ثقات أصحاب قتادة وأثبت الناس فيه، منهم: هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهمام، وأبو عوانة، ومعمر بن راشد، وغيرهم:
عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أنه طلق امرأته، ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارًا له بها، ويجعله في السلاح والكُراع، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطًا من قومه،
…
فذكر الحديث بطوله، وفيه سؤاله عائشة عن خلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وعن قيامه، وعن وتره؟ وفيه: ثم يصلي ركعتين وهو جالس.
دون تعيين السور التي تقرأ في هاتين الركعتين، والله أعلم.
3 -
حديث أبي أُمامة:
يرويه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، والحسن بن موسى الأشيب، وعاصم بن علي، وعبد الواحد بن غياث، وشيبان بن أبي شيبة فروخ، والخصيب بن ناصح، وخالد بن خداش [وهم ثقات في الجملة]:
ثنا عمارة بن زاذان: ثنا أبو غالب، عَن أبيَ أُمَامة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع، حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع [وهو قائم]، وصلى ركعتين وهو جالس، يقرأ فيها:"إذَا زُلْزِلَتِ"، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وزاد بعضهم:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه أحمد (5/ 269)، وابن نصر في قيام الليل (196 - مختصره)، وفي كتاب الوتر (311 - مختصره)، والروياني (1185)، والطحاوي (1/ 295)، والطبراني في الكبير (8/ 277/ 8064)، وابن عدي في الكامل (5/ 80)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1011)، والبيهقي (3/ 34)(5/ 440/ 4889 - ط. هجر)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 367)، [الإتحاف (6/ 270/ 6509)، المسند المصنف (26/ 61/ 11655)].
هكذا اضطرب عمارة بن زاذان في هذا الحديث، فمرة يرويه عن ثابت عن أنس، ومرة يرويه عن أبي غالب عن أبي أمامة، ولا يثبت من حديث أنس، بل هو منكر؛ وشطره الأخير قد ثبت عن أبي غالب من وجه آخر:
* فقد رواه عبد الصمد بن عبد الوارث، ومسدد بن مسرهد، وداود بن معاذ المصيصي، وعبد الرحمن بن المبارك [وهم ثقات]:
عن عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]، عن عبد العزيز بن صهيب [تابعي، ثقة، مكثر عن أنس، وروايته عنه في الصحيحين]، عن أبي غالب، عن أبي أمامة؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما:{إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} .
أخرجه أحمد (5/ 260)، والطحاوي (1/ 341)[وفي سنده سقط]، والطبراني في الكبير (8/ 277/ 8565)، وابن عدي في الكامل (2/ 455)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1012)، والبيهقي (3/ 33)، [الإتحاف (6/ 271/ 6512)، المسند المصنف (26/ 61/ 11655)].
* ورواه محمد بن عبد الله الحضرمي [مطين: ثقة حافظ]: ثنا عقبة بن مكرم [بصري، ثقة]: ثنا يونس بن بكير [كوفي صدوق، صاحب غرائب]: ثنا أبو قبيصة [الفزاري، عبد الله بن قبيصة: كثير الوهم، حدَّث بما لا يتابع عليه.
الجرح والتعديل (5/ 142)، الضعفاء للعقيلي (2/ 295)، الكامل (4/ 192)، اللسان (4/ 545)]، عن أبي غالب، عن أبي امامة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع، فلما ثقل أوتر بسبع.
أخرجه الطَّبراني في الكبير (8/ 277/ 8066).
وهذا على ضعفه، فهو حديث غريب.
* وقد روي عن أبي غالب من وجه آخر بلفظ مغاير:
رواه أحمد بن إسحاق بن نِيخاب الطيبي [أبو الحسن، منسوب إلى طِيب، وهي بلدة بين واسط وكور الأهواز، مشهورة، كان ممن حدث ببغداد، قال فيه الخطيب: "ولم أسمع فيه إِلَّا خيرًا"، ونعته الذهبي بالشيخ الصدوق. تاريخ بغداد (4/ 35)، السير (15/ 530)، الأنساب (4/ 95)، الإكمال (5/ 258) و (7/ 338)]: ثنا إبراهيم بن الحسن المهراني [كذا
في بعض المطبوعات وفي الإتحاف، وفي نسخة: إبراهيم بن الحسين الهمذاني؛ فإن كان الأول: فلا يُعرف، ولم أجد من ترجم له، وإن كان الثاني، وهو الأقرب: فهو ابن ديزيل الثقة الحافظ المشهور. تاريخ دمشق (6/ 387)، السير (13/ 184)، اللسان (1/ 265)]: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي [حمصي، ثقة]: نا معتمر بن تميم البصري [كذا، ولم أقف له على ترجمة؛ إِلَّا أن يكون أراد: معتمر بن سليمان التيمي، كان أبوه نزل في بني تيم بن مرة، فنسب إليهم، فلا يقال فيه: ابن تميم، فشتان بين تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وتميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. انظر: الأنساب (1/ 478 و 498)]، عن أبي غالب، عن أبي أُمامة، قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم أوتر؟ قال: "بواحدة"، قلت: يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فبثلاث"، ثم قال:"بخمس"، ثم قال:"بسبع"، قال أبو أمامة: فوددت أني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه الدارقطني (2/ 24)(2/ 343/ 1648 - ط. الرسالة)، قال: حَدَّثَنَا أحمد بن إسحاق به. [الإتحاف (6/ 270/ 6510)].
قلت: وهذا حديث غريب جدًّا، ولا يثبت مثله.
* والمعروف في ذلك:
ما رواه عبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود الطيالسي، وأبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل [وهم ثقات]:
عن سَليم بن حيان [ثقة]، عن أبي غالب، قال: كان أبو أُمامة يوتر بثلاث ركعات.
أخرجه يحيى بن معين في فوائده (122)، وابن أبي شيبة (2/ 90/ 6826)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 181/ 2653)، والطحاوي (1/ 290)، [الإتحاف (6/ 270/ 6508)].
وهذا موقوف على أبي أُمامة، وقد ثبت هذا أيضًا عن أبي غالب، كما ثبت عن أبي غالب عن أبي أُمامة مرفوعًا في القراءة في الركعتين بعد الوتر وهو جالس.
* قال البيهقيّ: "أبو غالب، وعتبة بن أبي حكيم: غير قويين، ورواه عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس؛ في الوتر بتسع ثم بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس، غير أنه قال: وقرأ فيهن بالرحمن والواقعة. قال أنس: ونحن نقرأ بالسور القصار: {إِذَا زُلْزِلَتِ}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}، ونحوهما".
وقال البيهقيّ أيضًا: "خالف عمارة بن زاذان في قراءة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيهما سائر الرواة، ورواه مرة أخرى عن أبي غالب عن أبي أُمامة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبع، حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بثلاث، وصلى ركعتين وهو جالس، يقرأ فيهما: {إِذَا زُلْزِلَتِ}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}، ثم أسنده، وقال: "وكان البخاري رحمه الله يقول: عمارة بن زاذان: ربما يضطرب في حديثه".
وقال في المعرفة (2/ 323): "إسناد حديثه ليس بالقوي".
* قلت: أبو غالب، حزوَّر صاحب أبي أمامة، بصري، نزل أصبهان: ليس بالقوي، قال فيه ابن حبان:"منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إِلَّا فيما يوافق الثقات، وهو صاحب حديث الخوارج"، وهذا جرح مفسر يقدم على تعديل وتوثيق الدارقطني له، ومع هذا فقد اختلف قول الدارقطني فيه، فقال مرة أخرى:"بصري يعتبر به"، وهذا يقوله فيمن يكتب حديثه، ولا يحتج به، واختلف فيه أيضًا قول ابن معين، فقال في رواية الدارمي:"ثقة"، وقال له ابن الجنيد: ثقة؟ فقال ابن معين: "ليس به بأس"؛ فأنزله عن رتبة الثقات، وقال في رواية إسحاق بن منصور:"صالح الحديث"، ومما يؤيد قول ابن حبان فيه: قول أبي حاتم: "ليس بالقوي"، وقد ضعفه النسائي، وابن سعد وقال:"وكان ضعيفًا، منكر الحديث"، وأما قول ابن عدي:"ولم أر في أحاديثه حديثًا منكرًا جدًّا، وأرجو أنه لا بأس به"، فهذا يقوله فيمن ضعفه محتمل ويكتب حديثه، والله أعلم. [التهذيب (4/ 570)، الميزان (1/ 476) و (4/ 560)، تاريخ ابن معين للدارمي (917)، سؤالات ابن الجنيد (115)، الجرح والتعديل (3/ 315)، ضعفاء النسائي (665)، طبقات ابن سعد (7/ 238)، المجروحين (1/ 329 - ط. حمدي السلفي)، الكامل (2/ 456)، سؤالات البرقاني (115)].
وعلى هذا فإن قول البيهقيّ فيه قد وافق الصواب، فهو حديث ليس بالقوي.
فلا يثبت شيء في القراءة في الركعتين بعد الوتر وهو جالس: لا من حديث أنس، ولا من حديث أبي أُمامة.
ولم يثبت أيضًا من حديث عائشة، فيما رواه أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام الأنصاري؛ أنه سأل عائشة عن صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا صلى العشاء تجوَّز بركعتين،
…
فذكر الحديث، وفي آخره: ويصلي ركعتين وهو جالس، يقرأ فيهما بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} .
وهي رواية شاذة؛ تفرد بها أبو حرة واصل بن عبد الرحمن عن الحسن البصري بزيادة القراءة في الركعتين بعد الوتر وهو جالس، ولم يتابع عليها؛ فقد رواه عن الحسن بدونها: هشام بن حسان، وقتادة، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وحصين بن نافع العنبري، وهم ثقات، ويأتي تخريجه برقم (1352) إن شاء الله تعالى.
* * *
1341 -
. . . مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه أخبره؛ أنه سأل عائشة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: كيف صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرةَ ركعةً، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل
عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثًا، قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت: يا رسول اللّه! أتنام قبل أن توتر؟ قال: "يا عائشة! إن عينيَّ تنامان، ولا ينام قلبي".
* حديث متفق على صحته
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 177/ 315)، ومن طريقه: البخاري (1147 و 2013 و 3569)، ومسلم (738/ 125)، وأبو عوانة (2/ 59/ 2304) و (2/ 252/ 3052)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 334/ 1675)، وأبو داود (1341)، والترمذي في الجامع (439)، وقال:"حسن صحيح"، وفي الشمائل (270)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 395/ 419)، والنسائي في المجتبى (3/ 234/ 1697)، وفي الكبرى (1/ 232/ 392) و (1/ 233/ 393) و (1/ 240/ 411) و (1/ 255/ 453) و (2/ 163/ 1425)، وابن خزيمة (1/ 35/ 49) و (2/ 192/ 11166، وابن حبان (6/ 186/ 2430) و (6/ 346/ 2613) و (14/ 297/ 6385)، وأحمد (6/ 36 و 73 و 104)، وإسحاق بن راهويه (2/ 555/ 1130)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 192)، وعبد الرزاق (2/ 405/ 3864) و (3/ 38/ 4711)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (119)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (473)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 158/ 2589)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 282)، وفي المشكل (9/ 53 / 3431)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (66)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (3)، والجوهري في مسند الموطأ (377)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 384)، وابن بشران في الأمالي (1217)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (499)، والبيهقي في السنن (1/ 122) و (2/ 495) و (3/ 6) و (7/ 62)، وفي الدلائل (1/ 371)، وفي المعرفة (2/ 298/ 1355 و 1356)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 4/ 899)، وفي الشمائل (565)، وأبو طاهر السلفي في الرابع والعشرين من المشيخة البغدادية (3)، وغيرهم. [التحفة (11/ 776/ 17719)، الإتحاف (17/ 610/ 22886) (17/ 635/ 22929)، المسند المصنف (37/ 292/ 17895)].
رواه عن مالك: عبد الله بن مسلمة القعنبي (158 م)، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ومعن بن عيسى، وأبو مصعب الزُّهري (293)، وعبد الرحمن بن القاسم (417 - تلخيص القابسي)، وعبد اللّه بن وهب، ويحيى بن يحيى الليثي (315)، ويحيى بن بكير، وبشر بن عمر الزهراني، وقتيبة بن سعيد، وعبد الرزاق بن همام، وإسماعيل بن أبي أويس، وإسحاق بن عيسى الطباع، ومنصور بن سلمة الخزاعي، وموسى بن أعين، ومحرز بن عون، وسويد بن سعيد (99)، ومحمد بن الحسن الشيباني (239).
* تنبيه: انفرد محرز بن عون [وهو: صدوق] دون أصحاب مالك الثقات المتقنين
بزيادة في آخره في بيان السبب الدافع لسؤال عائشة عن النوم قبل الوتر: قالت: قلت: يا رسول الله - إعظامًا للوتر - تنام عن الوتر؟ [عند ابن حبان (6385) وأبي طاهر السلفي]، وهذه اللفظة: إعظامًا للوتر: شاذة، لانفراد محرز بها، والله أعلم.
* قال الشافعي: "وإنما أرادت أربعًا مشتبهات - واللّه أعلم - في الطول، وأربعًا مشتبهات، وثلاثًا مشتبهات كذلك، وفي حديثها ما يبين أنه كان يوتر بركعة منفصلة"، ثم ساق الكلام إلى أن قال:"وقد فسر ابن عمر ذلك، وكذلك أرادت بالأربع، وتفسيرها [يعني: ركعتين ركعتين]، وتفسير ابن عباس وابن عمر يأتي بعد ذلك"[قاله البيهقيّ في المعرفة (2/ 299)].
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 84): "وتأويل معنى ذكر أربع هنا عند بعضهم: أنها كانت في التلاوة والتحسين على هيئة واحدة، لم يختلف الركعتان الأوليان من الأخرتين، ثم الأربع بعدها أيضًا مشتبهة في الصفة من الترتيل والتحسين، وإن لم تبلغ فى طولها قدر الأول، كما قال في الحديث الآخر: يصلي ركعتين طويلتين ثم يصلي ركعتين هما دون اللتين قبلهما، ثم ذكر في بقية الحديث مثله، وقيل: إنما خصت أربعًا ثم أربعًا؛ لأنه كان عليه السلام ينام بعد كل أربع نومة ثم يقوم، وفي حديث أم سلمة: كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، فيكون هذا معنى تخصيص الأربع، لا أنها متصلة دون سلام، ويدل أيضًا على صحة هذا التأويل قول عائشة: أتنام قبل أن توتر؟ وقد جاء قولها هذا فى صفة صلاته بالليل، وقد يحتمل قولها هذا أنها قالت له لنومه قبل قيامه، وإنما سألته عائشة هذا السؤال لأنها جاءته صغيرة لم تفهم بعدُ شيئًا من العلم إِلَّا ما علمته من أبويها، وكانت عهدت أباها لا ينام حتى يوتر على ما عرف وصح الخبر به عنه، فحسبت أن ذلك متعين لا يجوز خلافه، فلما جاءت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وشاهدته ينام ويؤخر وتره سألته عن هذا".
* قلت: وتفسَّر الركعات الثلاث المجملة المشتبهة في الوتر الواردة في حديث سعيد المقبري عن أبي سلمة، بالنص المحكم الوارد في حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة: ثم يوتر بركعة، فيزيل عنها اشتباه الاتصال، والله أعلم.
* وكذلك فإن الرواية المفصلة للزهري عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرةَ ركعةً، يسلم من كلِّ ثنتين، ويوتر بواحدةٍ [تقدم برقم (1336)]، قاضية على الإجمال الوارد في حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة: كان يصلي ثماني ركعات، وكذلك في حديث سعيد المقبري عن أبي سلمة: يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، على أنه صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين كل ركعتين بالتسليم، إِلَّا ما ورد فيه نصٌّ بيِّنُ الاتصال، كما في حديث هشام بن عروة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر منها بخمسٍ، لا يجلسُ في شيء من الخَمس، حتى يجلس في الآخرة، فيُسلِّم [تقدم برقم (1338)]، وكما في حديث سعد بن هشام الآتي: كان يوتر بثمان ركعاتٍ
لا يجلس إِلَّا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعةً أخرى، لا يجلس إِلَّا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلِّم إِلَّا في التاسعة، والله أعلم.
* * *
1342 -
. . . همام: حَدَّثَنَا قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: طلقتُ امرأتي، فأتيت المدينة لأبيعَ عقارًا كان لي بها، فأشتريَ به السلاحَ وأغزو، فلقيتُ نفرًا من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد أراد نفرٌ منا ستةٌ أن يفعلوا ذلك، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:{لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
فأتيت ابن عباس، فسألته عن وتر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أدلك على أعلم الناس بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتِ عائشة رضي الله عنها، فاتيتُها، فاستَتْبَعتُ حكيمَ بنَ أفلحَ، فأبى، فناشدته فانطلق معي، فاستأذنَّا على عائشة، فقالت: من هذا؟ قال: حكيمُ بنُ أفلح، قالت: ومن معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: هشام بن عامر الذي قتل يوم أُحد؟ قال: قلت: نعم، قالت: نعم المرء كان عامرٌ، قال: قلت: يا أمَّ المؤمنين! حدثيني عن خُلُق رسول اللُّه صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؛ فإن خُلُقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآنَ.
قال: قلت: حدثيني عن قيام الليل، قالت: ألست تقرأ: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} ؟، قال: قلت: بلى، قالت: فإن أول هذه السورة نزلت، فقام أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم، وحُبس خاتمتُها في السماء اثني عشر شهرًا، ثم نزل آخرُها، فصار قيامُ الليل تطوعًا بعد فريضة.
قال: قلت: حدثيني عن وتر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يوتر بثمان ركعاتٍ لا يجلس إِلَّا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعةً أخرى، لا يجلس إِلَّا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلِّم إِلَّا في التاسعة، ثم يصلبم ركعتين، وهو جالسٌ، فتلك إحدى عشرةَ ركعةً يا بني.
فلما أسنَّ، وأخذ اللحمَ، أوتر بسبع ركعاتٍ، لم يجلس إِلَّا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إِلَّا في السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك هي تسع ركعات يا بني.
ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً يتمُّها إلى الصباح، ولم يقرأ القرآن في ليلةٍ قطُّ، ولم يصم شهرًا يتمُّه غيرَ رمضان، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها، وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنومٍ صلى من النهار ثنتي عشرةَ ركعةً.
قال: فأتيت ابن عباس، فحدثته، فقال: هذا واللّه هو الحديث، ولو كنتُ أكلِّمُها لأتيتُها حتى أشافهها به مشافهةً. قال: قلت: لو علمت أنك لا تكلِّمها ما حدثتك.
* حديث صحيح
أخرجه أحمد (6/ 94 - 95)(11/ 5956/ 25275 - ط. المكنز) و (6/ 258)(12/ 6319/ 26860 - ط. المكنز)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 202/ 2752)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2058/ 5173)، والبيهقي في الشعب (3/ 304/ 1359)، [التحفة (11/ 207/ 16104)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
رواه عن همام بن يحيى: أبو عمر حفص بن عمر الحوضي [واللفظ له]، وبهز بن أسد، وعفان بن مسلم، وهدبة بن خالد، وعمرو بن عاصم الكلابي [وهم ثقات].
وفي رواية عفان وبهز [عند أحمد]: غلبته عيناه بنوم أو وجع.
وفي رواية لعفان [عند ابن المنذر]: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين! حدثيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: نعم اجلس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقد فنعد له سواكه ووضوءه، فيبعثه الله لما يشاء أن يبعثه، فيقوم فيتسوك، ثم يتوضأ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن، فإذا كان في الثامنة جلس فحمد الله وأثنى عليه، ثم يقوم فلا يسلم، فيركع ركعة ثم يحمد الله ويثني عليه، ثم يسلم حتى يسمعني التسليم، ثم يركع ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرةَ ركعةً.
فلما دقَّ وأسنَّ وكثر لحمه، صلى سبع ركعات، قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها، قالت: وكان إذا فاته القيام من الليل صلى ثنتي عشرة ركعة من النهار.
* * *
1343 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا محمد بن بشار: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن قتادة،
…
بإسناده نحوه، قال: يصلي ثماني ركعاتٍ لا يجلس فيهنَّ إِلَّا عند الثامنة، فيجلس، فيذكر الله عز وجل، ثم يدعو، ثم يسلم تسليمًا يُسمِعُنا، ثم يصلي ركعتين، وهو جالسٌ بعدما يسلّم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرةَ ركعةً يا بني، فلما أسنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأخذ اللحمَ، أوتر بسبعٍ، وصلى ركعتين، وهو جالسٌ بعدما يسلم
…
بمعناه إلى: مشافهةً.
* حديث شاذ بهذا السياق
أخرجه أبو داود هنا في السنن، كما أخرجه في مسائله لأحمد (1967).
* وأخرجه من طريق بندار محمد بن بشار به: النسائي في المجتبى (3/ 60/ 1315) و (3/ 199/ 1601)، وفي الكبرى (2/ 86/ 1239) و (2/ 112/ 1296)، وابن خزيمة (2/ 141/ 1078) و (2/ 171/ 1127) و (2/ 194/ 1170) و (2/ 198/ 1177)، وابن حبان (6/ 195/ 2441)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 339/ 1690)، [التحفة (11/ 207/ 16104) و (11/ 208/ 16107)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672) و (16/ 1092/ 21676)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
* وقد رواه النسائي عن بندار بتمامه، بمثل سياق أحمد الآتي، إِلَّا موضع الشذوذ منه.
* فقد رواه أيضًا عن يحيى بن سعيد القطان به: أحمد بن حنبل.
أخرجه أحمد (6/ 53)(11/ 5865/ 24907 - ط. المكنز)، ومن طريقه: الحاكم (2/ 613)(5/ 331/ 4268 - ط. الميمان)، والبيهقي (3/ 29)، [الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
ولفظ أحمد بتمامه: عن سعد بن هشام؛ أنه طلق امرأته، ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارًا له بها، ويجعله في السلاح والكُراع، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطًا من قومه، فحدثوه أن رهطًا من قومه ستةً أرادوا ذلك على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"أليس لكم فيَّ أسوة حسنة؟ "، فنهاهم عن ذلك، فأشهدهم على رجعتها، ثم رجع إلينا، فأخبرنا أنه أتى ابن عباس، فسأله عن الوتر؟ فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: ائت عائشة فاسألها؟ ثم ارجع إليَّ، فأخبرني بردها عليك، قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها، فقال: ما أنا بقاربها، إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا، فابت فيهما إِلَّا مُضيًا، فأقسمت عليه، فجاء معي فدخلنا عليها، فقالت: حكيم؟ وعرفته، قال: نعم، أو: بلى، قالت: من هذا معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قال: فترحمت عليه، وقالت: نعم المرء كان عامر.
قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
فهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن قيام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ هذه السورة {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله عز وجل خاتمتها في السماء اثني عشر شهرًا، ثم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيامُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الليلَ تطوعًا من بعد قريضة.
فهممت أن أقوم، ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن
وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك، ثم يتوضأ، ثم يصلي ثماني ركعات، لا يجلس فيهن إِلَّا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه عز وجل ويدعو ويستغفر، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة، فيقعد فيحمد ربه ويذكره ويدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.
فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخد اللحمَ أوتر بسبع، ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك تسع يا بني.
وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلةً حتى أصبح، ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان.
فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقت، أما لو كنت أدخل عليها، لأتيتها حتى تشافهني مشافهةً.
* هكذا خالف بندار في سياق هذا الحديث وشذ عن جماعة الحفاظ الذين رووا هذا الحديث عن يحيى بن سعيد القطان، ثم عن سعيد بن أبي عروبة، ثم عن قتادة.
وحتى يتبين الشذوذ نورد النصين:
قال بندار: لا يجلس فيهنَّ إِلَّا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله عز وجل ثم يدعو، ثم يسلم تسليمًا يُسمِعُنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، بعدما يسلِّم، ثم يصلي ركعةً.
وقال أحمد: لا يجلس فيهنَّ إِلَّا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه عز وجل ويدعو ويستغفر، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة، فيقعد فيحمد ربه ويذكره ويدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم.
وبهذا يظهر موضع الخطأ من بندار:
حيث قدم التسليم بعد الثامنة، وإنما التسليم بعد التاسعة.
وحيث أخَّر ركعة الوتر بعد الركعتين وهو جالس، وإنما هي قبلهما.
وحيث قدَّم الركعتين جالسًا على الوتر، وإنما هما بعده.
وحيث فصل الركعات التسع، فجعلها ثمانيًا بغير وتر مع الفصل بينهما بالسلام والركعتين، وإنما هي تسع متصلة بسلام واحد وجلستين.
وقول أحمد في روايته: ثم ينهض ولا يسلم، نص لا يحتمل التأويل.
لذا فقد أشار النسائي إلى هذا الوهم بقوله بعد حديث بندار: "كذا وقع في كتابي، ولا أدري ممن الخطأ في موضع وتره عليه السلام"، وكأنه تهيب بندارًا أن ينسب الوهم إليه؛ لمكانته عنده، واللّه أعلم.
قلت: الخطأ من الحافظ بندار، وقد لمزه بعضهم [انظر: ترجمته من التهذيب (3/ 519)]، ولكل صارم نبوة ولكل جواد كبوة، فقد رواه عن بندار به هكذا: أبو داود
السجستاني وأبو عروبة الحراني [عند أبي نعيم في المستخرج، لكن اختلطت عليه الروايات، ونسب هذه الرواية لمحمد بن بشر، وهو منها بريء، أو تحرف النص على الناسخ]، وذلك كما رواه عنه النسائي بنفس مواضع التقديم والتأخير، وقد رواه على الصواب أحد كبار الأئمة الحفاظ النقاد الثقات الأثبات: أحمد بن حنبل عن القطان، كما هو المحفوظ من حديث ابن أبي عروبة، ثم من حديث قتادة.
* * *
1344 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة: حَدَّثَنَا محمد بن بشر: حَدَّثَنَا سعيد،
…
بهذا الحديث، قال: يسلم تسليمًا يُسمِعُنا،
…
كما قال يحيى بن سعيد.
* حديث صحيح
أخرجه أبو داود هنا في السنن، كما أخرجه في مسائله لأحمد (1967).
وأخرجه من طريق محمد بن بشر: مسلم (139/ 746)، وأبو عوانة (1/ 551/ 2060) و (2/ 56/ 2295)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 339/ 1690)، وابن ماجة (1191 و 1348)، والبيهقي في السنن (1/ 39 و 358) و (2/ 499)، وفي الخلافيات (3/ 330/ 2537)، وفي القراءة خلف الإمام (1)، وفي الدلائل (8/ 351)، [التحفة (11/ 207/ 16104) و (11/ 709/ 16107 و 16108)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
رواه عن محمد بن بشر العبدي: عثمان بن أبي شيبة، وأخوه أبو بكر بن أبي شيبة، والحسن بن علي بن عفان [وهم ثقات حفاظ].
ولفظه بتمامه عند أبي عوانة: انطلقت إلى ابن عباس فسألته عن الوتر، فقال: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: من؟ قال: عائشة، ائتها فسلها، ثم أعلمني ما ترد عليك، قال: فانطلقت إليها فاتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته، فانطلقنا إلى عائشة فاستأذنا فدخلنا، فقالت: من هذا؟ فقال: حكيم بن أفلح، فقالت: من هذا معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قالت: نعم المرء، كان عامر أصيب يوم أُحد.
قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قل: بلى، قالت: فإن خلق نبط الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
قال: فهممت أن أقوم فبدا لي، فقلت: فقيام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يا أم المؤمنين؟ قالت: ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، ثم أنزل اللّه التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة.
قال: فهممت أن أقوم فبدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره، فيبعثه الله فيما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهنَّ إلا عند الثامنة، فيدعو ربه ويصلي على نبيه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة فيقعد، ثم يحمد ربه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم يدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.
فلما أسنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخده اللحمُ أوتر بسبعٍ، وصلى ركعتين بعد ما يسلم يا بني.
وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة حتى الصباح، ولا صام قط شهرًا كاملًا غير رمضان.
فأتيت ابن عباس فأخبرته بحديثها، فقال: صدقت.
وكان أول أمره أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارًا له بها، ويجعله في السلاح والكراع، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطًا من قومه فذكر لهم ذلك، فاخبروه أن رهطًا منهم ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك.
* * *
1345 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا محمد بن بشار: حَدَّثَنَا ابن أبي عدي، عن سعيد،
…
بهذا الحديث، قال ابن بشار بنحو حديث يحيى بن سعيد، إِلَّا أنه قال: ويسلم تسليمةً يُسمِعُنا.
* حديث صحيح
أخرجه أبو داود هنا في السنن، كما أخرجه في مسائله لأحمد (1967).
* وأخرجه من طريق ابن أبي عدي: مسلم (746/ 139)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 339/ 1690)، وابن خزيمة (2/ 141/ 1078) و (2/ 171/ 1127) و (2/ 194/ 1170)، وابن نصر في قيام الليل (122 - 123 - مختصره)، والبيهقي في السنن (3/ 29)، وفي المعرفة (2/ 319/ 1399)، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 372)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 80/ 963)، وفي الشمائل (576)، [التحفة (11/ 207/ 16104)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672) و (16/ 1092/ 21676)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
رواه عن ابن أبي عدي: محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى [وهما ثقتان حافظان].
* ولفظ ابن المثنى عند مسلم: أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله، فقدم المدينة، فإراد أن يبيع عقارًا له بها فيجعله في السلاح والكُراع، ويجاهد الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة لقي أناسًا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك، وأخبروه
أن رهطاً ستةً أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"أليس لكم فيَّ أسوة؟ "، فلما حدثوه بذلك راجع امرأته، وقد كان طلقها، وأشهد على رجعتها، فأتى ابن عباس، فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: من؟ قال: عائشة، فأتها فاسألها، ثم ائتني فأخبرني بردِّها عليك، فانطلقت إليها، فأتيت على حكيم بن أفلح، فاستلحقته إليها، فقال: ما أنا بقاربها؛ لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً، فأبت فيهما إلا مُضيًّا، قال: فأقسمت عليه، فجاء فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنا عليها، فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ فعرفته، فقال: نعم، فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، فترحمت عليه، وقالت خيراً - قال قتادة: وكان أصيب يوم أُحد -.
فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله صلى الله عليه وسلم افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.
قال: قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يُسمِعُنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.
فلما أسنَّ نبي اللّه صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني.
وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان.
قال: فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقت لو كنت أقربها، أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به، قال: قلت لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها.
هكذا رواه عن سعيد بن أبي عروبة: يحيى بن سعيد القطان [من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، وسماعه منه قديم قبل الاختلاط. الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح علل الترمذي (2/ 743)، التقييد والإيضاح (429)]، ومحمد بن بشر
العبدي [ثقة ثبت، سماعه من ابن أبي عروبة: صحيح جيد]، وابن أبي عدي [بصري ثقة، ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، واستشهد الشيخان بروايته عن ابن أبي عروبة].
وتابعهم فرواه مطولاً أو مختصراً: يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، وعبدة بن سليمان الكلابي [وهم: ثقات أثبات، من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، سمعوا منه قبل الاختلاط]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، كان عالماً بسعيد بن أبي عروبة إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]، ومكي بن إبراهيم البلخي [ثقة ثبت، لكنه من طبقة من سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، ومحمد بن سواء [قديم السماع، قرنه أحمد بروح بن عبادة، وروح: ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط. التهذيب (1/ 614)، تقدم تفصيل القول فيه في فضل الرحيم الودود (7/ 378/ 671)]، ومحمد بن فضيل [كوفي، ثقة]:
عن سعيد بن أبي عروبة، قال: حدثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أنه أتى عبد الله بن عباس، فسأله عن الوتر؟ فقال: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: من؟ قال: عائشة، ائتها فسلها، ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردِّها عليك، فانطلقنا إلى عائشة فاستأذنَّا عليها، فدخلنا قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خُلُق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
فهممتُ أن أقومَ فلا أسأل أحداً عن شيءٍ حتى أموت، قلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ هذه السورة: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.
قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له طهوره وسواكه، فيبعثه الله لما شاء؛ أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلي تسع ركعاتٍ لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة فيحمد ربه، ويدعوه ويذكره، ثمٍ ينهض ولا يسلم، ويصلي التاسعة، فيجلس فيذكر ربه ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يُسمعُنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعدٌ بعدما يسلم، فتلك إحدى عشرة يا بني.
فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخد اللحم صلى سبع ركعاتٍ لا يقعد إلا في آخرهن، وصلى ركعتين وهو قاعد بعدما يسلم، فتلك تسع يا بني.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أحبَّ أن يداوم عليها، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا شغله أمرٌ أو غلبه نومٌ أو وجعٌ صلى من النهار اثنتي عشرةَ ركعةً.
ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلةً حتى أصبح، ولا صام شهراً قطُّ كاملاً غيرَ رمضان.
فأتيتُ ابن عباس فأنبأته بحديثها، فقال: صدقَتْ؛ أما إني لو كنتُ أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به مشافهةً، قلت: لو علمت أنك لا تأتيها ما أنبأتك بحديثها. لفظ خالد، ورواه بعضهم مختصراً.
ولفظ يزيد بن زريع: عن سعد بن هشام، حدثنا أنه طلق امرأته ثم دخل المدينة ليبيع عقاراً له بها، ثم يجعله في الكُراع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت، قال: فلما قدمت المدينة لقيت رهطاً من الأنصار أو قومه، فحدثهم، فحدثوه أن رهطاً منهم ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال لهم:"أليس لكم فيَّ أسوة؟ "، فلما حدثوه حديثهم هذا أشهدهم على رجعة امرأته، ثم أتانا فأخبرنا أنه انطلق إلى عائشة رضي الله عنها، قال: فأتيت على حكيم بن أفلح، فاستلحقته فجاء معي، فاستأذنا فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ وعرفته، قال: نعم، قالت: من هذا معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، [قالت:] نعم المرء كان، وكان أصيب يوم أُحد.
قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
قال: فهممت أن أقوم فلا أسألها عن شيء، أو: فلا أسأل أحداً عن شيء؛ فبدا لي، فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ هذه السورة: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.
أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (390)، والنسائي في المجتبى (3/ 218/ 1641) و (3/ 240/ 1718) [وتحرف في هذا الموضع سعيد إلى شعبة. انظر: المجتبى (2348)، والسنن الكبرى (1412)، والتحفة (16107 و 16115)] و (3/ 241/ 1720) و (4/ 151/ 2182) و (4/ 199/ 2348)، وفي الكبرى (1/ 244/ 424) و (2/ 131/ 1337) و (2/ 159/ 1412) و (2/ 160/ 1418) و (3/ 121/ 2503) و (3/ 174/ 2669) و (10/ 315/ 11563)، وابن خزيمة (2/ 141/ 1078) و (2/ 171/ 1127)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 339/ 1690)، وابن سعد في الطبقات (1/ 364)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 344/ 9749)، وفي المسند (964)، وابن نصر في قيام الليل (22 - مختصره).
وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 398/ 422)[وفيه زيادة تفسيرية، لعلها من بعض الرواة]، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (3/ 127/ 906)، وابن حزم في المحلى (3/ 45)، والبيهقي في المعرفة (2/ 319/ 1398)، [التحفة (11/ 207/ 16104) و (11/ 209/ 16107 و 16108) و (11/ 211/ 16115)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
ويبدو لي أن سعيد بن أبي عروبة قد روى هذا الحديث مرة مختصراً؛ فأوهم فيه معنى جديداً:
* فقد روى يزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان [وهما ثقتان ثبتان، من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، سمعا منه قبل الاختلاط]، وعيسى بن يونس [قال أحمد:"سماع عيسى منه جيد، سمع منه بالكوفة". شرح العلل (2/ 744)]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وبشر بن المفضل، وأبو بدر شجاع بن الوليد، والمطعم بن المقدام الصنعاني الشامي [وهم ثقات]، ومحمد بن الحسن الشيباني [ضعيف]:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أن عائشة حدثته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. وفي رواية عيسى: في الركعتين الأوليين من الوتر.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 234/ 1698)، وفي الكبرى (2/ 156/ 1404)، والحاكم (1/ 304)(2/ 66/ 1152 - ط. الميمان)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (1/ 198)، وفي زياداته على موطأ مالك (266)، وابن أبي شيبة (2/ 91/ 6842) (4/ 498/ 7019 - ط. الشثري) [وفيه زيادة: عن أبيه، بعد سعد بن هشام، وهي وهم]. وإسحاق بن راهويه (3/ 706/ 1310)، وابن نصر في كتاب الوتر (291 - مختصره)، والطحاوي (1/ 280)، والطبراني في الأوسط (6/ 375/ 6661)، وفي الصغير (990)، وفي مسند الشاميين (2/ 59/ 917)، والدارقطني (2/ 32)، وابن حزم في المحلى (3/ 47)، والبيهقي في السنن (3/ 31)، وفي المعرفة (2/ 0 32/ 1400)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 270)، [التحفة (11/ 211/ 16116)، الإتحاف (16/ 1086/ 21671)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
وإنما أراد ابن أبي عروبة أن يقول فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى الوتر تسعاً وسبعاً من غير أن يفصل بينهن بسلام.
قال أبو بكر الأثرم في الناسخ (88): "وأما حديث سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، فإني سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول: هو خطأ".
وقال ابن نصر: "فهذا عندنا قد اختصره سعيد من الحديث الطويل الذي ذكرناه، ولم يقل في هذا الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث لم يسلم في الركعتين، فكان يكون حجة لمن أوتر بثلاث بلا تسليم في الركعتين، إنما قال: لم يسلم في ركعتي الوتر، وصدق في ذلك الحديث: أنه لم يسلم في الركعتين، ولا في الثلاث، ولا في الأربع، ولا في الخمس، ولا في الست، ولم يجلس أيضاً في الركعتين، كما لم يسلم فيهما".
وقال البيهقي في السنن: "ورواه الجماعة عن ابن أبي عروبة عن قتادة، وهمام بن يحيى عن قتادة، كما سبق ذكره في وتره بتسع ثم بسبع، وكذلك رواه بهز بن حكيم عن زرارة بن أوفى، وفي رواية عبد الوهاب يشبه أن يكون اختصاراً من الحديث، ورواية أبان
خطأ، والله أعلم، وقد ورد الخبر بالنهي عن الوتر بثلاث ركعات متشبهة بصلاة المغرب".
وقال في المعرفة: "هكذا روياه عبد الوهاب بن عطاء، وعيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، وهو مختصر من الحديث الأول".
ومشى الحاكم على ظاهر السند فصححه كعادته، وقال:"صحيح على شرط الشيخين".
* وقد وهم بعضهم في إسناده على ابن أبي عروبة:
قال عبد الله بن أحمد في العلل (3/ 202/ 4869): "سمعت أبي يقول: ابن أبي زائدة ينقص من هذا الحديث - يعني: حديث ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعد بن هشام عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم في الركعتين من الوتر من الثلاث، قال أبي: فترك منه زرارة".
* ومن خلال النظر في طرق حديث ابن أبي عروبة يتبين لنا: أن يحيى القطان ومحمد بن بشر وابن أبي عدي قد قالوا فيه: أوتر بسبع، هكذا مجملاً من غير تفصيل، هل جلس في السادسة والسابعة، أم أنه لم يجلس إلا في آخرهن.
بينما جاء في رواية خالد بن الحارث: صلى سبع ركعاتٍ لا يقعد إلا في آخرهن.
والجمع بينهما من وجهين:
الأول: أن تحمل الرواية المجملة على الرواية المفسرة، وبهذا يكون ابن أبي عروبة قد خالف في روايته: همامَ بن يحيى وهشاماً الدستوائي.
والثاني: أن يقال: إن الرواية المفسرة تحتمل معنى بحيث تتفق به مع رواية همام وهشام الدستوائي، بأن يقال: لا يقعد للتسليم إلا في آخرهن، وبذا فلا مخالفة بين رواية ابن أبي عروبة وغيره.
هكذا روى هذا الحديث عن قتادة: همام بن يحيى، وابن أبي عروبة، وتابعهما:
أ- هشام الدستوائي [وعنه: ابنه معاذ، وأبو داود الطيالسي، وعمرو بن محمد بن أبي رزين، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأزهر بن القاسم، وهم ثقات]، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أنه طلَّق امرأته، وأتى المدينة ليبيع عقاره؛ فيجعله في السلاح والكراع، فلقي رهطاً من الأنصار، فقالوا: أراد ذلك ستة منا على عهد رسول الله - فمنعهم، وقال:"أما لكم فيَّ أسوة؟! ".
ثم إنه قدم البصرة، فحدثنا أنه لقي عبد اللّه بن عباس فسأله عن الوتر، فقال: ألا أحدثك بأعلم الناس بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: أم المؤمنين عائشة، فأتها فسلها، ثم ارجع إليَّ فحدثني بما تحدثك.
فأتيت حكيم بن أفلح، فقلت له: انطلق معي إلى أم المؤمنين عائشة، قال: إني لا آتيها، إني نهيت عن هذه الشيعتين فأبت إلا مُضيًّا، قلت: أقسمتُ عليك لما انطلقت، فانطلقنا، فسلمنا فعرفت صوت حكيم، فقالت: من هذا؟ قلت: سعد بن هشام، قالت:
من هشام؟ قلت: هشام بن عامر، قالت: نعم المرء، قتل يوم أُحد، قلت: أخبرينا عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإنه خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأردت أن أقومَ ولا أسأل أحداً عن شيء حتى ألحق بالله، فعرض لي القيام، فقلت: أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قلت: بلى، قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُنزِل أولُ السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم، وحُبِس آخرُها في السماء ستةَ عشرَ شهراً، ثم أنزل فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان فريضة.
فأردت أن أقومَ ولا أسأل أحداً عن شيء حتى ألحق بالله، فعرض لي الوتر، فقلت: أخبرينا عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام وضع سواكه عندي، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه، فيصلي تسعَ ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، فيحمد الله، ويدعو ربه، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يجلس في التاسعة، ويحمد الله ويدعو ربه، ويسلم تسليمة يسمعُنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.
فلما أسنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحمل اللحمَ، صلى سبعَ ركعاتٍ، لا يجلس إلا في السادسة، فيحمد الله ويدعو ربه، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يجلس في السابعة، فيحمد الله ويدعو ربه، ثم يسلم تسليمةً، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك تسع يا بني.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخد خُلُقاً أحبَّ أن يداوم عليه، وما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلةً حتى يصبح، ولا قرأ القرآن كله في ليلةٍ، ولا صام شهراً كاملاً غيرَ رمضان.
فأتيت ابن عباس فحدثته، فقال: صدقتك، أما إني لو كنت أدخل عليها لشافهتها مشافهةً، قال: فقلت: أما إني لو شعرت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك.
أخرجه مطولاً أو مختصراً: مسلم (746/ 139)، والنسائي في المجتبى (3/ 240/ 1719)، وفي الكبرى (2/ 159/ 1413)، والدارمي (1619 - ط. البشائر)، وا بن خزيمة (2/ 141/ 1078) و (2/ 143/ 1079)[(2/ 265/ 1079 - ط. الميمان) (2/ 78/ 1135 - ط. التأصيل)] و (2/ 171/ 1127) و (2/ 194/ 1170)، وابن حبان (6/ 195/ 2442) و (6/ 293/ 2552)، وأحمد (6/ 255)(12/ 6312/ 26826 - ط. المكنز)(16/ 1089/ 21672 - الإتحاف)[مختصراً، وفي بعض النسخ زيادة: عن أبيه، وهي خطأ محض]، والطيالسي (3/ 97/ 1600) و (3/ 99/ 1603)، وإسحاق بن راهويه (3/ 714/ 1317)، وابن نصر في قيام الليل (195 - مختصره)، والطحاوي في المشكل (4/ 70 - 71/ 1438)، وابن أبي حاتم في التفسير (10/ 3379/ 19011)(5/ 254 - تفسير ابن كثير، ط طيبة)، وابن حزم في المحلى (3/ 45)، والبيهقي (3/ 30)، [التحفة 11/ 207/ 16104) و (11/ 210/ 16113) و (11/ 211/ 16114)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672) و (16/ 1092/ 21676)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
وهذا لفظ معاذ بن هشام عن أبيه، عند الدارمي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا معاذ بن هشام به؛ فقال فيه: ستة عشر شهراً، وتابعه على ذلك: عبيد الله بن عمر القواريري عن معاذ به، عند ابن أبي حاتم، فقال فيه: ستة عشر شهراً، وقد أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن معاذ به فلم يسق لفظه، وإنما أحال على لفظ ابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة، دون أن ينبه على مخالفة حديث هشام لحديث ابن أبي عروبة، والذي ساقه مسلم بتمامه وفيه: وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء.
كما لم ينبه أيضاً على هيئة الإيتار بسبع حيث جعله هشام يجلس في السادسة ثم السابعة، بينما في رواية ابن أبي عروبة: فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخد اللحم صلى سبع ركعاتٍ لا يقعد إلا في آخرهن.
وفي رواية النسائي وابن نصر [من طريق إسحاق بن راهويه أيضاً]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات، لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة، ثم يسلم تسليمة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس.
وكذا رواه البيهقي من طريق أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي عن معاذ بن هشام به في الجلوس في السادسة.
وقد رواه ابن خزيمة (1127) عن بندار عن معاذ بن هشام به ولم يسق لفظه، دون أن ينبه على مخالفته للفظ الجماعة في قولهم: وأمسك الله خاتمتها، اثني عشر شهراً في السماء.
ورواه الطحاوي من طريق: عمرو بن أبي رزين، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى؛ أن سعد بن هشام سأل عائشة، فقال: يا أم المؤمنين أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإنه أنزل أول السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم، وحبست خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، ثم نزلت الرخصة، فكان قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.
وقد رواه الطيالسي عن هشام بطرفين منه، دون موضع الاختلاف.
وأما لفظ أزهر [عند أحمد]: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر صلى ركعتين وهو جالس.
وكذلك رواية عبد الصمد [عند ابن خزيمة (2/ 143)] مختصرة: ثم يسلم تسليمةً يسمعُنا.
* قلت: الكلام على رواية هشام الدستوائي من حديث اتفاقها واختلافها مع بقية أصحاب قتادة من وجوه:
* الأول: قوله في رواية ابنه معاذ: وحُبِس آخرُها في السماء ستةَ عشرَ شهراً، وهذا وهم؛ ويغلب على ظني أنه من معاذ بن هشام، فقد كان يغلط في الشيء بعد الشيء مع صدقه، وقد قال فيه ابن معين مرة:"ليس بذاك القوي"[انظر: التهذيب (4/ 102) وغيره]، وله عن أبيه أوهام عُدَّت عليه، تقدم بعضها معنا في فضل الرحيم (6/ 270/ 549) و (8/ 34/ 703) و (8/ 38/ 704) و (8/ 271/ 745) والحديث المتقدم برقم (1177).
وقد خالفه فرواه بما يوافق رواية الجماعة عن قتادة: عمرو بن أبي رزين [صدوق، وروايته تلك عند الطحاوي]، فرواه عن هشام الدستوائي به، وقال: وحبست خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء.
وهكذا رواه عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى، ومعمر بن راشد، وهذا هو المحفوظ من حديث قتادة: اثنا عشر شهراً.
وتصرف مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما يدل على شذوذ رواية من قال: ستة عشر شهراً، وأن المحفوظ عندهما: اثنا عشر شهراً.
* ثم إنه الموافق لحديث ابن عباس المتقدم برقم (1305)، والذي يرويه: مسعر، عن سماك الحنفي، عن ابن عباس، قال: لما نزلت أولُ المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان، حتي نزل آخرُها، وكان بين أولها وأخرِها سنةٌ.
* الثاني: قوله: ويسلم تسليمةً يسمعُنا، كذا وقع في رواية هشام الدستوائي، وكذا في رواية بندار عن ابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة، وخالفه من هو أضبط منه وأتقن، وهو محمد بن المثنى، فقال: ثم يسلم تسليماً يسمعنا، وهي الرواية التي اختارها مسلم في صحيحه، وهكذا رواه عن ابن أبي عروبة قدماء أصحابه ممن سمعوا منه قبل الاختلاط، وممن هم أثبت الناس فيه، مثل: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، فقالوا: ثم يسلم تسليماً يسمعنا، فعبروا بالمصدر دون لفظ العدد، وهكذا رواه معمر عن قتادة، كما سيأتي.
وقد قطعت رواية همام الاحتمال [تقدمت برقم (1342)]؛ إذ يقول: ثم يسلم حتى يسمعني التسليم، فبان بذلك أن عائشة رضي الله عنها إنما أرادت بهذه الكلمة بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتسليم حتى يوقظها للوتر، ولم تقصد بيان عدد مرات التسليم أهو تسليمة واحدة أم اثنتان.
وعلى فرض صحة رواية هشام، فمحمولة على أنه صلى رفع صوته بالتسليمة الأولى فقط لكي يوقظ أهل البيت للصلاة، فإنه كان يقوم الليل منفرداً، وعلى هذا فلم يكن المراد بيان أنه لم ينصرف من الصلاة إلا بتسليمة واحدة، وإنما المراد بيان رفع صوته بالتسليم لكي يوقظها، والله أعلم.
وسيأتي لذلك مزيد بيان عند الحديث الآتي برقم (1349).
* الثالث: قوله: صلى سبعَ ركعاتٍ، لا يجلس إلا في السادسة، فيحمد الله ويدعو ربه، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يجلس في السابعة، فيحمد الله ويدعو ربه، ثم يسلم.
وقد تابعه على ذلك همام بن يحيى، فقال: أوتر بسبع ركعاتٍ، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة.
وفيه بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها على هيئة التسع، فيجلس عند السادسة فيتشهد التشهد الأوسط، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يجلس بعد السابعة فيتشهد ثم يسلم.
وقد جاء في رواية خالد بن الحارث عن ابن أبي عروبة ما يخالف ظاهره هذه الهيئة، حيث قال: صلى سبع ركعاتٍ لا يقعد إلا في آخرهن، وقد أجمل هذا الموضع في بقية الروايات عن ابن أبي عروبة، فقد رواه عنه: يحيى القطان ومحمد بن بشر وابن أبي عدي فقالوا فيه: أوتر بسبع، وكذا وقع في رواية معمر عن قتادة، هكذا مجملاً من غير تفصيل، هل جلس في السادسة والسابعة، أم أنه لم يجلس إلا في آخرهن.
وقد سبق أن قررت أنه يمكن الجمع بين روايات ابن أبي عروبة من وجهين:
الأول: أن تحمل الرواية المجملة على الرواية المفسرة، وبهذا يكون ابن أبي عروبة قد خالف في روايته: همامَ بن يحيى وهشاماً الدستوائي.
والثاني: أن يقال: إن الرواية المفسرة تحتمل معنى بحيث تتفق به مع رواية همام وهشام، بأن يقال: لا يقعد للتسليم إلا في آخرهن.
وبذا فلا مخالفة بين رواية ابن أبي عروبة وغيره، وهذا عندي هو الأقرب للصواب، وبه تلتئم الروايات.
وعلى القول الأول: يكون سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي قد اختلفا على قتادة، وهما من أثبت الناس في قتادة، هشام الدستوائي: ثقة ثبت حافظ، من أثبت الناس في قتادة، كما أن سعيد بن أبي عروبة ثبت في قتادة، فيُنظر أيهما قد توبع على روايته، فوجدنا أن هشاماً قد تابعه همام، فترجح روايته بالمتابعة، ولكون روايته أكثر بياناً من رواية ابن أبي عروبة، والتي تحتمل من التأويل ما لا تحتمله رواية هشام، والله أعلم.
ب- شعبة [وعنه: عيسى بن يونس، وشاذان الأسود بن عامر، وسعيد بن عامر، وأبو قتيبة سلم بن قتيبة، وهم ثقات]، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام الأنصاري، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرِض، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
قالت: وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح، وما صام شهراً متتابعاً إلا رمضان. لفظ عيسى وغيره.
أخرجه مسلم (746/ 141)، وأبو عوانة (2/ 47/ 2271)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 342/ 1693)، وابن خزيمة (2/ 194/ 1169) و (2/ 199/ 1178)، وابن حبان (6/ 179/ 2420) و (6/ 369/ 2642) و (6/ 371/ 2644) و (6/ 372/ 2646)، وأحمد (6/ 109)، والبيهقي (2/ 485)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 115/ 987)، وقال:"حديث صحيح". [التحفة (11/ 210/ 16109)، الإتحاف (16/ 1091/ 21674) و (16/ 1092/ 21676)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
* والبخاري قد أخرج بهذا الإسناد حديث: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة"[حديث متفق عليه: البخاري (4937)، مسلم (798)]، فهو على شرطه، لكنه أعرض عنه، وقد صححه مسلم وغيره.
* ورواه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية [حمصي، ليس به بأس. تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (396)]، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: سألت عائشة عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يوضع له وَضوؤه وسواكه، ثم يبعثه الله متى شاء أن يبعثه له من الليل، فيستاك ويتوضأ، ثم يقوم فيركع تسع ركعات، وركعتين وهو قاعد، وكان إذا مرض أو لم يقم من الليل صلى اثنتي عشرة ركعة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 350 - 351/ 4404)، وفي مسند الشاميين (3/ 362/ 2471)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 129/ 549).
رواه الطبراني، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن الأشعث [أبو الدرداء الأنطرطوسي الشامي: مجهول الحال. فتح الباب (2655)، الأنساب (1/ 222)، معجم البلدان (1/ 270)، تاريخ دمشق (32/ 166)، تاريخ الإسلام (21/ 205)]، قال: نا إبراهيم بن محمد بن عبيدة [المددي الشامي: لم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً. إكمال ابن ماكولا (6/ 57)]، قال: نا أبي [محمد بن عَبيدة، أبو يوسف المددي الشامي: لم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وهو مجهول الحال، مقلٌّ، أكثر حديثه عن الجراح بن مليح. تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 103)، تاريخ دمشق (8/ 15)، إكمال ابن ماكولا (6/ 54)، توضيح المشتبه (6/ 135)]، قال: نا الجراح بن مليح [البهراني الحمصي: لا بأس به]، قال: حدثني إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية به.
والطبراني يروي بهذا الإسناد نسخةً عن ابن ذي حماية [انظر: المعجم الأوسط (4/ 348 - 354/ 4397 - 4415)، مسند الشاميين (3/ 365 - 374)].
* وقال أبو الشيخ: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن [ابن متويه الأصبهاني: ثقة حافظ. السير (14/ 142)]: نا عمر بن عبد الملك بن حكيم الحمصي [روى عنه ابن متويه، وابن جرير الطبري في تفسيره، وعباس بن الخليل، وقيل: روى عنه النسائي، وأنه قال فيه: "صالح"، ولم يرد ذكره في تسمية شيوخه، وقال ابن حجر: "مقبول"، جامع البيان (3/ 188)، المعجم الكبير للطبراني (1/ 354/ 1077) و (12/ 318/ 13231)، المعجم الأوسط (3/ 22/ 2345) و (3/ 210/ 2941)، غرائب شعبة (20)، معجم ابن المقرئ (1228)، فتح الباب (1773)، التهذيب (3/ 241)]: نا محمد بن عبيدة، عن الجراح بن مليح، عن إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يوضع له وضوؤه وسواكه، ثم يبعثه الله لما شاء أن يبعثه له من الليل، فيستاك ويتوضأ، ثم يقوم فيركع تسع ركعات وركعتين وهو قائم، فلما أسنَّ كان يركع تسع ركعات وركعتين وهو قاعد، وكان إذا مرض ولم يقم من الليل صلى اثنتي عشر ركعة من النهار، كان إذا عمل عملاً داوم عليه، ولم يقرأ القرآن في ليلة، ولم يقم حتى الصباح، ولم يصم شهراً تاماً غير رمضان.
قلت: حديث ابن ذي حماية هذا غريب من حديث شعبة، فإن أصحاب شعبة قد رووه بدون هذا الطرف، وإنما يُعرف هذا الطرف من حديث هشام وابن أبي عروبة وهمام ومعمر، وقد اختصر شعبة الحديث، واقتصر منه على آخره، كما رواه مسلم وغيره.
وأما رواية عمر بن عبد الملك بن حكيم الحمصي: فإنها منكرة، حيث خلط فيه، ولم يضبط متنه حين قال فيه: يقوم فيركع تسع ركعات وركعتين وهو قائم، فلما أسنَّ كان يركع تسع ركعات وركعتين وهو قاعد.
وأيًّا كان فإن أصل هذه الزيادة لا تثبت من حديث شعبة لانفراد أحد المجاهيل بها عن ابن ذي حماية، والله أعلم.
ج - أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبته عينه، أو وجِع، فلم يصلِّ بالليل؛ صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة.
أخرجه مسلم (746/ 140)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 342/ 1692)، والترمذي (445)، وقال:"حسن صحيح". وفي الشمائل (267)، والنسائي في المجتبى (3/ 259/ 1789)، وفي الكبرى (2/ 179/ 1465)، وابن حبان (6/ 371/ 2645)، وأحمد (6/ 109)، وابن نصر في قيام الليل (188 - مختصره)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (70 و 2170 و 2482)، وتمام في فوائده (1712)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (518)، والبيهقي في السنن (2/ 485)، وفي الخلافيات (3/ 309/ 2498)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 148)، [التحفة (11/ 208/ 16105)، الإتحاف (16/ 1092/ 21676)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
د- معمر بن راشد [ثقة ثبت في الزهري وابن طاووس، وقد يهم في حديث قتادة، لكنه هنا قد حفظ الحديث، وتابع فيه أصحاب قتادة؛ إلا في حرف واحد]، رواه عن قتادة، عن زرارة بن أوفى؛ أن سعد بن هشام بن عامر كان جاراً له، فأخبره أنه طلق امرأته، ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له ومالاً، يجعله في السلاح والكُراع، ثم يجاهد الرومَ حتى يموت، فلقيه رهطٌ من قومه فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطاً منهم ستةً أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم:"أليس لكم فيَّ أسوة؟ "، فلما حدثوه بذلك راجع امرأته، فلما قدم علينا أخبر أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر، فقال ابن عباس: أولا أنبئك، أو: ألا أدلك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: من؟ قال: عائشة، فأتها فسلها عن ذلك، ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردها عليك، قال سعد بن هشام: فأتيت حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها، فقال: ما أنا بمقاربها، إني نهيتها أن تقول بين الشيعتين شيئاً، فأبت إلا مُضيًّا فيها، فأقسمتُ عليه فجاء معي، فسلمنا عليها، فدخل فعرفته، فقالت: أحكيم؟ فقال: نعم، فقالت: من هذا معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قالت: نعم المرء كان عامراً، أصيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد.
قال: فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
قال: فهممتُ أن أقوم فبدا لي، فقلت لها: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أما تقرأ هذه السورة {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثنتي عشر شهراً، ثم أنزل الله التخفيف في آخر السورة، فصار قيام الليل تطوعاً بعد إذ كان فريضة.
فهممتُ أن أقوم فبدا لي فسألتها، فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نعد له سواكَه وطَهورَه من الليل، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه، ثم يتسوك ويتوضأ ثم يصلي تسع ركعات لا يقعد فيهن إلا عند الثامنة، فيحمد الله ويذكره ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم حتى يصلي التاسعة، فيقعد ويحمد الله ويذكره ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد بعدما يسلم، فتلك إحدى عشرة ركعة؟ أي بني!
فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحمَ، أوتر بسبعٍ، وصلى ركعتين وهو قاعد بعدما يسلم، فتلك تسعٌ؛ أي بني!
وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أحب أن يداوم عليها، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه عن قيامِ الليل نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن في ليلةٍ، ولا قام ليلةً حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غيرَ رمضان.
قال: فأتيت على ابن عباس فأنباته بحديثها، فقال: صدقت، أما أني لو كنت أدخل عليها لشافهتها به مشافهةً، قال حكيم بن أفلح: أما إني لو علمت أنك ما تدخل عليها ما أنبأتك بحديثها.
أخرجه مسلم (746/ 139)، وأبو عوانة (1/ 551/ 2060) و (2/ 55/ 2294) و (3/ 9/ 4002)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 340/ 1691)، والنسائي في المجتبى (3/ 241/ 1721)، وفي الكبرى (1/ 253/ 448)، وابن حبان (6/ 292/ 2551)، والحاكم (2/ 499)(5/ 92/ 3884 - ط. الميمان)، وأحمد (6/ 163 و 1168، وإسحاق بن راهويه (3/ 711/ 1316) و (3/ 828/ 1478)، وعبد الرزاق (3/ 39/ 4714)(3/ 16/ 4765 - ط. التأصيل)[واللفظ له]. وابن نصر في قيام الليل (110 - مختصره)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 145/ 2552) و (5/ 159/ 2592) و (5/ 161/ 2598) و (5/ 176/ 2635)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2058/ 5172)، [التحفة (11/ 207/ 16104) و (11/ 208/ 16107)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672) و (16/ 1093/ 21680)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
قلت: وهم معمر في آخر الحديث، في حرف واحد، حين قال: قال حكيم بن أفلح: أما إني لو علمت أنك ما تدخل عليها ما أنبأتك بحديثها.
وإنما القائل هو سعد بن هشام، فقد طلب منه ابن عباس أن يرجع إليه ليخبره بما قالت له عائشة، قال ابن عباس لسعد: فأتها فسلها عن ذلك، ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردها عليك.
هـ - ورواه أبان بن يزيد العطار [ثقة ثبت، وهو من طبقة الشيوخ من أصحاب قتادة]، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن.
أخرجه الحاكم (1/ 304)(2/ 67/ 1153 - ط. الميمان)، وعنه: البيهقي في السنن (3/ 28)، وفي الخلافيات (3/ 331/ 2538)، بإسناد صحيح إلى شيبان بن فروخ أبي شيبة: ثنا أبان به. [الإتحاف (16/ 1086/ 21671)].
قال البيهقي في السنن: "كذا في هذه الرواية، وقد روينا في حديث سعد بن هشام وتر النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ثم بسبع، والله أعلم".
وقال في موضع آخر (3/ 31): "ورواه الجماعة عن ابن أبي عروبة عن قتادة، وهمام بن يحيى عن قتادة، كما سبق ذكره في وتره بتسع ثم بسبع، وكذلك رواه بهز بن حكيم عن زرارة بن أوفى، وفي رواية عبد الوهاب يشبه أن يكون اختصاراً من الحديث، ورواية أبان خطأ، والله أعلم، وقد ورد الخبر بالنهي عن الوتر بثلاث ركعات متشبهة بصلاة المغرب".
وقال في المعرفة (2/ 320): "وهو بخلاف رواية: ابن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، ومعمر، وهمام، عن قتادة".
وقال في الخلافيات: "فصارت الرواية عن قتادة فيه متعارضة، والصحيح رواية محمد بن بشر عن سعيد، والعراقيون لا يقولون بذلك".
وفي المنتقى للمجد ابن تيمية أن الإمام أحمد ضعف إسناد هذا الحديث [نيل الأوطار (3/ 35)، البدر المنير (4/ 308)].
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 196): "قال الإمام أحمد: فهذه الرواية خطأ. يشير إلى أنها مختصرة من رواية قتادة المبسوطة".
قلت: هو حديث شاذ، تفرد به عن أبان بن يزيد العطار دون بقية أصحابه: شيبان بن فروخ، وهو: صدوق، لكن قال أبو زرعة مرةً:"يهِم كثيراً"، وقال أبو حاتم:"كان يرى القدر، اضطر الناس إليه بأخرة"، وقال الذهبي:"وما علمت به بأساً، ولا استنكروا شيئاً من أمره، ولكنه ليس في الذروة"[سؤالات البرذعي (2/ 511)، الجرح والتعديل (4/ 357)، علل ابن أبي حاتم (769)، علل الدراقطني (12/ 447/ 2886)، السير (11/ 101)، إكمال مغلطاي (6/ 308)، التهذيب (2/ 185)].
قلت: والوهم فيه عندي من شيبان، لا من أبان، والله أعلم.
و- ورواه أبو عبيدة مجاعة بن الزبير [ضعيف. اللسان (6/ 463)، كنى مسلم
2399 -
، الجرح والتعديل (8/ 420) و (1/ 154)، الثقات (7/ 517)]، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: قلت - يعني: لعائشة -:
…
فذكر الحديث؛ إلا أنه قال فيه: ثم يسلم تسليمةً واحدةً، مستقبل القبلة، يسمعنا أهل البيت.
أخرجه جعفر المستغفري في فضائل القرآن (495)، بإسناد غريب فيه جهالة إلى مجاعة به.
والراوي عن مجاعة: عبد الله بن رُشيد الجنديسابوري: قال جعفر بن محمد الجوزي: "ثنا عبد الله بن رشيد، وكان ثقة"، وقال ابن حبان في الثقات:"مستقيم الحديث"، وقال البيهقي:"لا يحتج به"، وقال الذهبي:"ليس بقوي، وفيه جهالة"[صحيح أبي عوانة (4/ 386/ 7044)، الثقات (8/ 343)، سنن البيهقي (6/ 108)، الأنساب (2/ 95)، المغني (1/ 338)، تاريخ الإسلام (16/ 222)، ذيل الميزان (469)، اللسان (4/ 477)].
والراوي عنه غير مشهور، ثم الراوي عنه: أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المنكدري المدني نزل البصرة ثم أصبهان ثم الري ونيسابور: حافظ جوال، على لين فيه، له أفراد ومناكير وعجائب [تاريخ دمشق (5/ 427)، السير (14/ 532)، التذكرة (3/ 793)، اللسان (1/ 638)].
ز - ورواه أيضاً من الضعفاء: الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أوما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4].
وفي رواية: قلت لعائشة رضي الله عنها: أخبريني عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: لما أنزل عليه {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} [المزمل: 1، 2]، قاموا سنة حتى ورمت أقدامهم، فأنزل الله عز وجل:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20].
أخرجه محمد بن الحسين البُرجلاني في الكرم والجود (14)، والحاكم (2/ 504)(5/ 103/ 3903 - ط. الميمان)، [الإتحاف (16/ 1093/ 21678)].
من طريق: الحسن بن بشر بن سلم الهمداني، قال: ثنا الحكم به.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، فتعقبه الذهبي بقوله:"الحكم: ضعيف".
قلت: لا يصح بهذا اللفظ عن قتادة؛ تفرد به عن قتادة: الحكم بن عبد الملك، وقد روى الحكم هذا عن قتادة غير حديثٍ لم يتابع عليه، وهذا الحديث مثال على ذلك، فهو: ضعيف، قليل الرواية عن قتادة، ينفرد عنه بما لا يتابع عليه [ضعفاء العقيلي (1/ 257)، الجرح والتعديل (3/ 122)، علل الحديث (1/ 204/ 587)، التهذيب (1/ 466)][وانظر في مناكيره فيما تقدم: الحديث رقم (402) الطريق رقم (22)]، والحسن بن بشر البجلي: متكلم فيه أيضاً، وهو: لا بأس به، روى عن زهير أحاديث منكرة، وقد روى عنه أبو حاتم
وصدقه، وأبو زرعة الرازي، وروى عنه البخاري في الصحيح من غير روايته عن زهير [الجرح والتعديل (3/ 3)، التهذيب (1/ 384)، الميزان (1/ 481)].
ح - وروى الطبراني، قال: حدثنا يحيى بن نافع أبو حبيب المصري [لم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وليس بذاك المشهور، ففيه جهالة. تاريخ الإسلام (21/ 333) و (22/ 325)]: حدثنا سعيد بن أبي مريم [ثقة ثبت]: أخبرنا عبد الله بن لهيعة [ضعيف]، عن يزيد بن أبي حبيب [ثقة فقيه]، عن عمران بن سليمان - يعني: القبي -[كوفي ثقة. تاريخ ابن معين للدوري (4/ 68/ 3184)، التاريخ الكبير (6/ 426)، الجرح والتعديل (6/ 299)، الثقات (7/ 241)، تاريخ أسماء الثقات (1077)، اللسان (6/ 173)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 383)]، عن قتادة الأعمى، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقالت: كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فريضةً حين أنزل الله عز وجل {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} [المزمل: 1، 2]، فكان أول فريضة، فكانوا يقومون حتى تتفطر أقدامهم، وحبس الله عز وجل آخر السورة عنهم حولاً ثم أنزل:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، فصار قيام الليل تطوعاً.
أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (1160)، وفي حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (127).
قال الطبراني: "لم يروه عن عمران بن سليمان الكوفي إلا يزيد، ولا عنه إلا ابن لهيعة، تفرد به: ابن أبي مريم".
قلت: لفظه قريب من لفظ جماعة أصحاب قتادة، لكن مع تقديم وتأخير، دون ذكر الآية الناسخة، فلا يُحفظ تعيينها من حديث قتادة، وإنما يحفظ ذلك من حديث:
علي بن حسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: في المزمل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} نسختها الآية التي فيها {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، [تقدم برقم (1304)، وهو حديث حسن].
وهذا حديث غريب من حديث يزيد بن أبي حبيب، كما أن عمران القبي غير مشهور بالرواية عن قتادة، ولا عنه يزيد، فهو حديث مدني، ثم بصري، ثم كوفي، ثم مصري، فهو غريب جداً، والله أعلم.
وأخاف أن يكون قد تفرد به: يحيى بن نافع أبو حبيب المصري، فتكون التبعة عليه، دخل له حديث في حديث، والله أعلم.
والحاصل: فإن حديث سعد بن هشام عن عائشة: حديث صحيح.
ثبت بإسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مشاهير، على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم في صحيحه محتجًّا به، وأخرج البخاري بإسناده حديث:"الماهر بالقرآن"[كما تقدم ذكره عند حديث شعبة]، واحتج به أحمد وجماعة من الأئمة، وقد صححه أيضاً: الترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، واحتج به أيضاً: أبو داود والنسائي.
* قال أبو داود في مسائله لأحمد (461): "سمعت أحمد سئل عمن يوتر بتسع؟ قال: إذا كان يوتر [وفي رواية: إذا أوتر] بتسع فلا يقعد إلا في الثامنة"[مختصر كتاب الوتر لابن نصر (288)].
وقال ابن القيم في الزاد (1/ 319): "قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: إلى أي حديث تذهب في الوتر؟ قال: أذهب إليها كلها: من صلى خمساً لا يجلس إلا في آخرهن، ومن صلى سبعاً لا يجلس إلا في آخرهن، وقد روي في حديث زرارة عن عائشة: يوتر بتسع يجلس في الثامنة.
قال: ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة، فانا أذهب إليه،
…
".
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (335): "قلت لأبي: قال بعض الناس: أوتر بركعتين؟ قال: لا يكون هذا وتراً حتى يكون واحدة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، وهذا كله يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب إلي أن يوتر بواحدة إذا كان قبلها صلاة متقدمة".
وقال محمد بن نصر في كتاب الوتر (284 - مختصره): "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في آخرهن.
وقد روي عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة.
وكل ذلك جائز أن يعمل به اقتداء به صلى
…
"، إلى أن قال: "لأنها أخبار حسان غير مدفوعة عند أهل العلم بالأخبار".
وعلى هذا؛ فانفراد سعد بن هشام عن عائشة بهذه الهيئة في الوتر لا يضره، فإن سعد بن هشام: تابعي ثقة، لقي عائشة وهو كبير، فيصعب توهيمه بغير حجة، لا سيما ولم يتكلم فيه الأئمة بجرح، ولم يوهنوه لأجل هذا الحديث مع اشتهاره، وتعدد طرقه عنه، وبلوغه الآفاق، بل قد وثقه ابن سعد، والنسائي على تشدده في الرجال، وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له الشيخان [التهذيب (1/ 698)]، وكون عائشة قد اختصته بصفة خاصة من قيام الليل غير مستبعد، كما اختصت غيره، ثم إنه قد ذكر في الحديث قصة له تدل على حفظه للحديث، وضبطه له، فهي واقعة وقعت له حيث طلق زوجته وذهب ليبيع عقاره بالمدينة ليجعله في السلاح والكراع ثم يجاهد حتى يموت، فلما رده قومه عن ذلك، راجع امرأته، وذهب يسأل عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن خلقه وقيامه ووتره، فكان ذلك أدعى لحفظه وضبطه لما يرويه، ثم إنه لم يصرح الأئمة الكبار بإنكار هذا الحديث عليه، بدعوى أنه قد أتى فيه بما لم يُعرف إلا من طريقه؛ وذلك لأن مثل هذا مما يحتمل، وأن عائشة كانت تحدث كلًّا بصورة من صور وتره صلى الله عليه وسلم، فلا يقال بأن عائشة اضطربت كما زعم بعضهم، والله أعلم.
قال القرطبي في المفهم (2/ 367): "قد أشكلت هذه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسبوا حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب.
وهذا إنما كان يصح لو كان الراوي عنها واحداً أو أخبرت عن وقتٍ واحدٍ،
والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز".
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 10): "المثال الثالث والسبعون: ردُّ السُّنَّة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة؛
…
"، فذكر الأحاديث إلى أن قال: "وكحديث عائشة رضي الله عنها؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات، لا يجلس فبها إلا في الثامنة،
…
"، فذكر الحديث، ثم قال: "وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها؛ فردت هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثني" وهو حديث صحيح، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس، وسُننه كلُّها حق يصدِّق بعضها بعضاً؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى، ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 201): "وأجاز أحمد وأصحابه وإسحاق: أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم؛ لما جاء في حديث عائشة المتقدم.
وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث:"صلاة الليل مثنى مثنى"، وقالوا في التسع والسبع والخمس: الأفضل أن تكون بسلام واحد؛ لذلك".
* قلت: فالكل صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز.
وسوف يأتي نقل كلام أهل العلم في ذلك مفصلاً عند الحديث رقم (1352)، إن شاء الله تعالى.
1346 -
قال أبو داود: حدثنا علي بن حسين الدرهمي: حدثنا ابن أبي عدي، عن بهز بن حكيم: حدثنا زرارة بن أوفى؛ أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، فقالت: كان يصلي صلاةَ العشاء في جماعةٍ، ثم يرجعُ إلى أهله، فيركع أربع ركعاتٍ، ثم يأوي إلى فراشه، وينامُ وطَهورُه مغطًّى عند رأسه، وسواكُه موضوعٌ، حتى يبعثه الله ساعتَه التي يبعثه من الليل، فيتسوَّك، ويسبغ الوضوء، ثم يقوم إلى مصلاه، فيصلي ثماني ركعاتٍ، يقرأ فيهنَّ بأمِّ الكتاب، وسورةٍ من القرآن، وما شاء الله، ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة، ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة، ثم يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعوه، ويسأله، ويرغب إليه، ويسلِّم تسليمةً واحدةً شديدةً، يكاد يوقظُ أهلَ البيت من شدِّة تسليمه، ثم يقرأ وهو
قاعدٌ بأمِّ الكتاب، ويركع وهو قاعدٌ، ثم يقرأ الثانية، فيركع ويسجد وهو قاعدٌ، ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم وينصرف.
فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدُنَ، فنقص من التسع ثنتين، فجعلها إلى الستِّ والسبع، وركعتيه وهو قاعدٌ، حتى قُبِض على ذلك صلى الله عليه وسلم.
حديث شاذ بذكر الأربع بعد العشاء، وبإسقاط سعد بن هشام من إسناده
أخرجه من طريق ابن أبي عدي: العقيلي في الضعفاء (4/ 248)، [التحفة (11/ 197/ 16086)، المسند المصنف (37/ 257/ 17873)].
رواه عن ابن أبي عدي: علي بن حسين الدرهمي، وبكر بن خلف [وهما ثقتان].
1347 -
قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله: حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا بهز بن حكيم،
…
فذكر هذا الحديث بإسناده، قال: يصلي العشاء، ثم يأوي إلى فراشه،
…
لم يذكر الأربع ركعات، وساق الحديث، وقال فيه: فيصلي ثماني ركعاتٍ يسوِّي بينهنَّ في القراءة والركوع والسجود، ولا يجلس في شيءٍ منهنَّ، إلا في الثامنة، فإنه كان يجلس، ثم يقوم، ولا يسلِّم فيه، فيصلي ركعةً يوتر بها، ثم يسلم تسليمةً يرفع بها صوته حتى يوقظَنا،
…
ثم ساق معناه.
حديث شاذ بإسقاط سعد بن هشام من إسناده
أخرجه أبو داود هنا في السنن، كما أخرجه في مسائله لأحمد (1967).
* وأخرجه من طريق يزيد بن هارون: أحمد (6/ 236)(12/ 6265/ 26627 - ط. المكنز)، [التحفة (11/ 197/ 16086)، الإتحاف (16/ 1078/ 21660)، المسند المصنف (37/ 257/ 17873)].
رواه عن يزيد بن هارون: هارون بن عبد الله [واللفظ له]، وأحمد بن حنبل.
ولفظ أحمد [في المسند]: حدثنا يزيد، قال: حدثنا بهز بن حكيم - وقال مرة: أخبرنا - قال: سمعت زرارة بن أوفى، يقول: سُئِلت عائشةُ عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: كان يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعتين، ثم ينام، فإذا استيقظ وعنده وَضوؤه مغطى وسواكه، استاك ثم توضأ، فقام فصلى ثمان ركعات، يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وما شاء من القرآن - وقال مرة: ما شاء الله من القرآن -، فلا يقعد في شيء منهن إلا في الثامنة، فإنه يقعد فيها فيتشهد ثم يقوم ولا يسلم، فيصلي ركعة واحدة، ثم يجلس فيتشهد ويدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا، ثم يكبر وهو
جالس، فيقرأ ثم يركع ويسجد وهو جالس، فيصلي جالساً ركعتين، فهذه إحدى عشرةَ ركعة، فلما كثر لحمه وثقل جعل التسع سبعاً، لا يقعد إلا كما يقعد في الأولى، ويصلي الركعتين قاعداً، فكانت هذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله.
1348 -
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان: حدثنا مروان - يعني: ابن معاوية -، عن بهز: حدثنا زرارة بن أوفى، عن عائشة أم المؤمنين؛ أنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصلي بالناس العشاء ثم يرجعُ إلى أهله، فيصلي أربعاً، ثم يأوي إلى فراشه،
…
ثم ساق الحديث بطوله، ولم يذكر: يسوِّي بينهنَّ في القراءة والركوع والسجود، ولم يذكر في التسليم: حتى يوقظَنا.
حديث شاذ بذكر الأربع بعد العشاء، وبإسقاط سعد بن هشام من إسناده
أخرجه أبو داود هنا في السنن، كما أخرجه في مسائله لأحمد (1967)، [التحفة (11/ 197/ 16086)، المسند المصنف (37/ 257/ 17873)].
قال المنذري: "ورواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة: هي المحفوظة، وعندي في سماع زرارة من عائشة نظر، فإن أبا حاتم الرازي قال: قد سمع زرارة من عمران بن حصين، ومن أبي هريرة، ومن ابن عباس، [قال ابن أبي حاتم:] ومَنْ أيضاً؟ قال: هذا ما صح له. وظاهر هذا أنه لم يسمعه عنده من عائشة، والله أعلم"[مختصر السنن (2/ 101) (1/ 390 - ط. المعارف)، التوضيح (9/ 76)][وانظر: الجرح والتعديل (3/ 603)، المراسيل (221)، تحفة التحصيل (110)].
1349 -
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد - يعني: ابن سلمة -، عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنها. . . بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهم.
حديث صحيح
تقدم بنفس إسناده، وبطرف منه برقم (56)(1/ 207/ 56 - فضل الرحيم الودود)، وتقدم ذكر من أخرجه بالطرف الأول، وهو طرف محفوظ، رواه قتادة في حديثه عن زرارة بن أوفى.
* وأخرجه بهذا الطرف موضع الشاهد من طريق حماد بن سلمة: العقيلي في الضعفاء (4/ 248)، [التحفة (11/ 210/ 16110 و 16111)، المسند المصنف (37/ 253/ 17873)].
رواه عن حماد بن سلمة: أبو سلمة التبوذكي موسى بن إسماعيل، وحجاج بن منهال.
ولفظ حجاج [عند العقيلي]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات، فلما لحُم وبدُن أوتر بسبع ركعات، وركع ركعتين وهو جالس.
وهذا أيضاً صحيح؛ إذ هو محفوظ كما في حديث قتادة عن زرارة، لكنه مختصر.
وعلى هذا فإن رواية حماد بن سلمة عن بهز عن زرارة، متابعة لرواية قتادة عن زرارة؛ سنداً ومتناً، حيث زاد حماد بن سلمة ذكر سعد بن هشام في الإسناد، وأطرافه مضمنة في حديث قتادة؛ فهو حديث صحيح.
تابع حماد بن سلمة على زيادة سعد بن هشام في الإسناد، ولم يضبط المتن:
عمران بن يزيد العطار، عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: قلت لأم المؤمنين عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل؟ قالت: كان يصلي العشاء
…
فذكر الحديث، ويصلي ركعتين قائماً يرفع صوته، كأنه يوقظنا، بل يوقظنا، ثم يدعو بدعاء يسمعنا، ثم يسلم تسليمة، يرفع بها صوته.
أخرجه أحمد (6/ 236)(12/ 6265/ 26628 - ط. المكنز)، قال: حدثنا يونس [يعني: ابن محمد المؤدب، وهو: ثقة ثبت]، قال: ثنا عمران به [الإتحاف (16/ 1078/ 21660)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
وعمران هذا ترجم له العجلي في الثقات (1431) بقوله: "عمران بن يزيد العطار: بصري ثقة، وكان يرى القدر، [الثقات لابن قطلوبغا (7/ 393)]، وقد روى له أحمد في المسند أربعة أحاديث، قال في الأول (5/ 339): ثنا يونس: ثنا عمران بن يزيد القطان بصري، عن أبي حازم، والثاني (6/ 236) هو هذا الحديث، وقال: العطار بدل القطان، وشيخه فيه: بهز بن حكيم، والثالث والرابع (6/ 350) قال فيه: ثنا يونس، قال: ثنا عمران بن يزيد العطار بصري، عن منصور بن عبد الرحمن [وأحد هذين الحديثين الأخيرين، أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 334/ 2870) من طريق: أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا يونس بن محمد: ثنا عمران بن زيد، عن منصور بن صفية به، كذا قال فيه: عمران بن زيد، وليس ابن يزيد]، لذا ترجم له الحسيني في الإكمال (673) بقوله: "عمران بن يزيد القطان بصري: عن أبي حازم، ومنصور بن عبد الرحمن، وعنه: يونس بن محمد المؤدب: مجهول"، وذلك لكونه لم يجد له ترجمة في أصول كتب الرجال الثلاثة: التاريخ الكبير، والجرح والتعديل، وثقات ابن حبان ومجروحيه، ولا في غيرها؛ إلا ما كان من العجلي في ثقاته، ويبدو أنه لم يقف عليه.
قلت: لكن من نفس طبقته: عمران بن يزيد، أو: ابن زيد التغلبي، وقيل: الثعلبي، أبو يحيى الملائي الطويل، من أهل الكوفة، ونسبه ابن عدي بصريًّا، وهو معروف بالرواية عن أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج، روى عنه: وكيع بن الجراح، وأسد بن موسى، وأبو
نعيم الفضل بن دكين، وأبو الوليد الطيالسي، وابن المبارك، وعبد الله بن رجاء الغداني، وأحمد بن يونس، وعبيد الله بن محمد العيشي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعلي بن الجعد، وغيرهم، وهؤلاء جميعاً من نفس طبقة يونس المؤدب.
كذلك فقد جاء في بعض المصادر: عن يونس بن محمد المؤدب؛ أنه قال: حدثنا عمران بن زيد، بحديث غير ما تقدم ذكره؛ بل إن بعض الأحاديث التي رواها عمران بن زيد التغلبي، قد رواها عنه: يونسى بن محمد المؤدب [انظر: السُّنَّة لابن أبي عاصم (981)، مسند أبي يعلى (4/ 459/ 2586)، ضعفاء العقيلي (1/ 284) و (2/ 24)، معجم ابن الأعرابي (2/ 762/ 1544)، دلائل النبوة للبيهقي (6/ 548)].
فتبين لي بهذه القرائن أنه شخص واحد، لا سيما ولم يترجم للعطار أو القطان لا البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان، مما يدل على أنه عندهم هو نفسه التغلبي، وأن يونس بن محمد هو الذي نسبه لإحدى الحرف والصنائع، والله أعلم.
قلت: فبهذه القرائن يظهر لي: أنه هو عمران بن زيد التغلبي، وهو: ليس بالقوي، قال ابن المديني:"كان عندنا ثقة ثبتاً"، وقال ابن معين في رواية الدوري عنه:"ليس به بأس"، وفي موضع آخر:"ليس يحتج بحديثه"، وقال ابن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن عمران بن يزيد التغلبي، فقال:"ضعيف"، وقال أبو حاتم:"شيخ يكتب حديثه، ليس بالقوي"، وقال العقيلي:"يهم في الحديث"، وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 125):"منكر الحديث على قلته، يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات"، وقال ابن عدي:"قليل الحديث"[سؤالات ابن أبي شيبة (46)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 63/ 3159) و (4/ 263/ 4286)، الجرح والتعديل (6/ 298)، علل ابن أبي حاتم (1061)، ضعفاء العقيلي (3/ 306) (3/ 181 - ط. التأصيل)، الكامل (5/ 89) (7/ 483 - ط. الرشد)، تعليقات الدارقطني على المجروحين (234)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 527)، تاريخ الإسلام (4/ 467 - ط. الغرب)، الميزان (3/ 237)، التعجيل (817)، التهذيب (3/ 319)، توضيح المشتبه (2/ 45)].
وعليه: فإن عمران هذا قد أصاب في زيادة سعد بن هشام في الإسناد، بينما خلط في المتن ولم يضبطه.
* قلت: هكذا اختلف على بهز بن حكيم:
أ- فرواه ابن أبي عدي، ويزيد بن هارون، ومروان بن معاوية، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [وهم ثقات، أكثرهم أثبات]:
عن بهز بن حكيم: حدثنا زرارة بن أوفى؛ أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل،
…
الحديث.
* وتابع بهزاً على هذا الوجه:
أبان بن أبي عياش [متروك]، عن زرارة بن أوفى، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يصلِّ من الليل شيئاً صلى من النهار اثني عشر ركعة.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 51/ 4751)، عن إبراهيم بن محمد [هو: ابن أبي يحيى الأسلمي، وهو: متروك، كذبه جماعة]، عن أبان به. [المسند المصنف (37/ 257/ 17873)].
ب - وخالفهم فزاد في الإسناد سعد بن هشام:
حماد بن سلمة [ثقة]، وعمران بن يزيد العطار [ليس بالقوي]:
فروياه عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: قلت لأم المؤمنين عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل؟
…
الحديث.
ج - خالف هؤلاء فسلك فيه الجادة، وغاير في المتن:
المثنى بن بكر أبو حاتم البصري [متروك، لا يتابع على حديثه. اللسان (6/ 460)]، فرواه عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 248).
وقال عن رواية المثنى بن بكر هذه: "حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: ليس بمحفوظ، وأما حديث زرارة فمعروف".
وقال في أول ترجمته: "مثنى بن بكر العبدي العطار أبو حاتم: بصري، عن بهز بن حكيم، لا يتابع على حديثه".
وقال أيضاً بعد أن أخرجه من طريق ابن أبي عدي وحماد: "وأما حديث بهز عن أبيه عن جده: فلا أصل له".
قلت: وقول حماد بن سلمة ومن تابعه هو الصواب؛ حيث زاد في الإسناد رجلاً، والحكم هنا لمن زاد، وكذا قال قتادة في حديثه: عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، وعليه: فإن هذا الحديث إنما يرويه زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة.
والوهم في زيادة الركعات الأربع بعد العشاء، وفي إسقاط سعد بن هشام من إسناده إنما هو عندي من بهز بن حكيم، لا من الرواة عنه؛ فإنهم ثقات أثبات، وأما بهز: فقد وثقه ابن المديني ويحيى بن معين والنسائي والحاكم، وقال الآجري:"قيل لأبي داود: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده؟ قال: هو عندي حجة"، وقال الترمذي:"هو ثقة عند أهل الحديث"، وقال أبو زرعة:"صالح، ولكنه ليس بالمشهور"، وقال أبو حاتم:"هو شيخ يكتب حديثه، ولا يحتج به"، وقال البخاري:"يختلفون فيه"، وقال ابن حبان:"كان يخطئ كثيراً، فأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم رحمهما الله فهما يحتجان به، ويرويان عنه، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث: "إنا آخذوه وشطر إبله، عزمة من عزمات ربنا"، لأدخلناه في الثقات، وهو ممن أستخير الله عز وجل فيه"، وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به في رواياته، ولم أر أحداً تخلف عنه في الرواية من الثقات، ولم أر
له حديثاً منكراً، وأرجو أنه إذا حدث عنه ثقة فلا بأس بحديثه"، وقال الدارقطني: "لا بأس به"، وقال مرة: "متوسط"، وقال الذهبي في التاريخ بأن له مؤاخذات على قول ابن حبان، منها: "الثاني: قولك: تركه جماعة، فما علمت أحداً تركه أبداً؛ بل قد يتركون الاحتجاج بخبره، فهلا أفصحت بالحق"، وقال في الميزان: "ما تركه عالم قط، إنما توقفوا في الاحتجاج به" [الميزان (1/ 353)، تاريخ الإسلام (3/ 824 - ط. الغرب)، السير (6/ 253)، إكمال مغلطاي (3/ 36)، التهذيب (1/ 251)، جامع الترمذي (1897)، الجرح والتعديل (2/ 430)، المجر وحين (1/ 194)، الكامل (2/ 66) (2/ 523 - ط. الرشد)، سؤالات السلمي (71 و 80)]؛ فأين بهز من قتادة؟!
قلت: وقول قتادة في زيادة سعد بن هشام في الإسناد، يؤيد رواية حماد بن سلمة، وانفراد بهز دون قتادة بذكر الأربع ركعات بعد العشاء، يعدُّ شاذاً، لا سيما مع اختلاف أصحابه عليه في العدد، فمرة يقول: ركعتين، ومرة: أربع، فيرد ذلك إلى المحكم المحفوظ من السُّنَّة، فقد صح من حديث ابن عمر [البخاري (1165)، مسلم (723)، تقدم تخريجه بطرقه تحت الحديث رقم (1128)، والحديث رقم (1132)]، وعائشة [أخرجه مسلم (730/ 105)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (955)، فضل الرحيم الودود (10/ 287/ 955)]، وأم حبيبة [تقدم برقم (1250)، وهو حديث صحيح، أصله في مسلم (728)]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العشاء ركعتين في بيته.
* قال ابن أبي حاتم في العلل (21): "سألت أبي عن حديث رواه الأنصاري، عن بهز بن حكيم، عن زرارة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يوضع له وَضوءه وسواكه من الليل.
ورواه حماد بن سلمة، عن بهز، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أيهما أصح؟
قال أبي: إن كان حفظ حماد، فهذا أشبه".
قلت: كذا وقع في العلل، ولعله سقط ذكر زرارة بين بهز وسعد، وقد سبق تقرير كون رواية حماد هي المحفوظة حيث زاد في الإسناد رجلاً، والله أعلم.
وقال الدارقطني في العلل (14/ 316/ 3657): "يرويه زرارة بن أوفى، واختلف عنه:
فرواه سليمان التيمي، وشعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وأبو عوانة، وهمام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، منهم من اختصره، ومنهم من أتى به بطوله.
وخالفه بهز بن حكيم، فرواه عن زرارة بن أوفى، عن عائشة، لم يذكر سعد بن هشام. وقول قتادة أصح".
* يبقى الكلام عن التسليمة الواحدة: ففي رواية ابن أبي عدي عن بهز: ويسلِّم
تسليمةً واحدةً شديدةً، يكاد يوقظُ أهلَ البيت من شدَّة تسليمه، وفي رواية يزيد بن هارون: ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا.
فعلى فرض أن بهزاً حفظ هذا الحرف هكذا من زرارة بن أوفى، فإنه يُرَدُّ في فهم معناه إلى رواية قتادة، والتي سبق أن قررت فيها: أن رواية همام عن قتادة [برقم (1342)]: ثم يسلم حتى يسمعني التسليم، قد قطعت الاحتمال الوارد في رواية هشام الدستوائي، وكذا في رواية بندار عن ابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة، والتي فيها: ويسلم تسليمةً يسمعُنا، والتي استدل بها بعضهم على اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بتسليمة واحدة في الانصراف من الصلاة، وأنه قد رواه عن ابن أبي عدي: محمد بن المثنى [وهو أضبط من بندار وأتقن]، فقال: ثم يسلم تسليماً يسمعنا، وهي الرواية التي اختارها مسلم في صحيحه، وهكذا رواه عن ابن أبي عروبة قدماء أصحابه ممن سمعوا منه قبل الاختلاط، وممن هم أثبت الناس فيه، مثل: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، فقالوا: ثم يسلم تسليماً يسمعنا، فعبروا بالمصدر دون لفظ العدد، وهكذا رواه معمر عن قتادة، فبان بمجموع ذلك أن عائشة رضي الله عنها إنما أرادت بهذه الكلمة بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتسليم حتى يوقظها للوتر، ولم تقصد بيان عدد مرات التسليم أهو تسليمة واحدة أم اثنتان، ورواية بهز هي في هذا السياق؛ لا سيما رواية يزيد بن هارون: ثم يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا؛ ففيها تعليل اختصاص ذكر التسليمة الواحدة، وهو أنه كان يرفع صوته بالتسليمة الأولى دون الثانية ليوقظ بها أهله، وقد ذهب إلى ذلك أحمد، والله أعلم.
* قال أبو داود في مسائله لأحمد (1967): "سمعت أحمد، سئل عن حديث قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة، قال: رواه عوف كذلك أيضاً".
قلت: لا يصح حديث مرفوع في التسليمة الواحدة، وقد تتابعت أقوال الأئمة في تضعيف ما روي في التسليمة الواحدة [راجع ذلك مفصلاً في: فضل الرحيم الودود (10/ 484 - 499/ 1000)].
قال ابن القيم في الزاد (1/ 259): "وأجود ما فيه حديث عائشة رضي الله عنها؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم، يرفع بها صوته، حتى يوقظنا، وهو حديث معلول، وهو في السنن، لكنه كان في قيام الليل، والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل، على أن حديث عائشة ليس صريحاً في الاقتصار على التسليمة الواحدة؛ بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها، ولم تنف الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتها عنها مقدماً على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عدداً، وأحاديثهم أصح، وكثير من أحاديثهم صحيح، والباقي حسان".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 210): "وقد حمله الإمام أحمد على أنه كان يجهر بالواحدة، ويسر الثانية".
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 324): "فقد بيَّن أحمد أن معنى الحديث يرجع إلى أنه يسمعهم التسليمة الواحدة".
1350 -
قال أبو داود: حدثنا موسى - يعني: ابن إسماعيل -: حدثنا حماد - يعني: ابن سلمة -، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر بتسعٍ - أو كما قالت -، ويصلي ركعتين وهو جالسٌ، وركعتي الفجر بين الأذان والاقامة.
حديث حسن
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
***
1351 -
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يوترُ بتسع ركعاتٍ، ثم أوتر بسبع ركعاتٍ، وركع ركعتين وهو جالسٌ من بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام، فركع، ثم سجد.
قال أبو داود: روى الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي، [عن محمد بن عمرو] مثله، قال فيه: قال علقمة بن وقاص: يا أُمَّتاه كيف كان يصلي الركعتين، فذكر معناه.
1351 م - حدثناه وهب بن بقية، عن خالد.
حديث صحيح
أخرجه مسلم (731/ 114)، بطرفه الأخير دون أوله، وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
1352 -
. . . هشام، عن الحسن، عن سعد بن هشام، قال: قدمت المدينة، فدخلت على عائشة، فقلت: أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاةَ العشاء، ثم يأوي إلى فراشه فينام، فإذا كان جوفُ الليل قام إلى حاجته، وإلى طَهوره، فتوضأ، ثم دخل المسجد، فصلى ثماني ركعاتٍ، يخيَّل إليَّ أنه يسوِّى بينهنَّ في القراءة والركوع والسجود، ثم يوترُ بركعةٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، ثم يضع جنبه، فربما جاء بلالٌ، فآذنه بالصلاة، ثم يغفي، وربما
شككتُ أغفى أو لا، حتى يؤذنَه بالصلاة، فكانت تلك صلاته حتى سنَّ ولَحُمَ، فذكرَتْ من لحمه ما شاء الله،
…
وساق الحديث.
حديث شاذ بذكر دخول المسجد
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 422)، والنسائي في المجتبى (3/ 220/ 1651)، وفي الكبرى (1/ 243/ 423) و (2/ 161/ 1420)، وأحمد (6/ 235)(12/ 6264/ 26626 - ط. المكنز)، [التحفة (11/ 252/ 116096)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
رواه عن هشام بن حسان: عبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن]. وهذا لفظ عبد الأعلى.
ولفظ يزيد [عند النسائي وأحمد]: عن سعد بن هشام بن عامر، قال: قدمت المدينة فدخلت على عائشة، فقالت لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعد بن هشام، فقالت: يرحم الله أباك، قلت: أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقوَّى [وفي المسند: كان يقرأ]، قلت: أجل، ولكن أخبريني، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس العشاء الآخرة، ثم يأوي إلى فراشه، فإذا كان من جوف الليل قام إلى طَهوره فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ثماني ركعاتٍ، يُسوِّي بينهن في القراءة والركوع والسجود، ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع رأسه، فربما جاءه بلالٌ فآذنه بالصلاة قبل أن يغفي، وربما شككت أغفى أو لم يُغفِ، حتى يؤذنه بالصلاة، فكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أسنَّ ولحُم، فكان يصلي بالناس العتمة، ثم يأوي إلى فراشه، فإذا كان من جوف الليل قام إلى طهوره فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ستَّ ركعات، يسوِّي بينهنَّ في الركوع والسجود والقراءة، ويوتر بركعة، ويصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه فربما لم يُغفِ حتى يجيء بلالٌ فيؤذنه بالصلاة، وربما شككتُ أغفى أو لم يُغفِ.
* قلت: ذكر دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد لصلاة الليل شاذ تفرد به هشام بن حسان، ولم يأت إلا من طريق الحسن البصري.
وقد مر معنا حديث يعارضه، وهو حديث عبد الله بن سعد:
يرويه معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أفضل؟ الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: "ألا ترى إلى بيتي؟ ما أقربه من المسجد؛ فلأن أصلي في بيتي أحب إليَّ من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة".
وهو حديث صحيح بشواهده، تقدم تخريجه في السنن برقم (211)، وقد ذكرته أيضاً في شواهد حديث زيد بن ثابت.
والشاهد من حديث زيد: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه
سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة"، وفي رواية: "أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة".
أخرجه البخاري (6113)، ومسلم (781/ 213)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1044).
* وانظر فيمن وهم في إسناده على هشام بن حسان، فأسقط سعد بن هشام: ما أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 737/ 1345).
هكذا رواه هشام بن حسان عن الحسن البصري، ورواه أيضاً عن الحسن جماعة: أ- رواه معمر بن راشد [ثقة، وقد رواه عن قتادة بالوجهين]، وحماد بن سلمة [ثقة] [وعنه: حجاج بن منهال، وأبو كامل مظفر بن مدرك، وعفان بن مسلم، وهم ثقات أثبات]:
عن قتادة، عن الحسن، قال: أخبرني سعد بن هشام، عن عائشة؛ أنه سمعها تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فلما ضعف أوتر بسبع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 242/ 1722 و 1723)، وفي الكبرى (1/ 254/ 449) و (2/ 159/ 1414)، وأحمد (6/ 168 و 227)، وعبد الرزاق (3/ 39/ 4713)، وإسحاق بن راهويه (3/ 715/ 1318)، وأبو علي الطوسي مختصر الأحكام (2/ 416/ 435)، [التحفة (11/ 202/ 16096) و (11/ 203/ 16099)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
وهذا حديث صحيح، وقد رواه زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام به مطولاً.
* ولا يعل هذا الحديث بأنه قد رواه عن قتادة ثقات أصحابه على وجه آخر:
فقد رواه هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهمام، وأبو عوانة، ومعمر بن راشد، وغيرهم [وفيهم أثبت أصحاب قتادة]:
عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مطولاً، وتقدم.
* وخالفهم: معمر، وحماد بن سلمة:
فروياه عن قتادة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مختصراً في قيام الليل.
قلت: كلا الوجهين محفوظ عن قتادة، لأدلة عديدة:
الأول: أن قتادة يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وأنه قد حمله مطولاً عن زرارة بن أوفى، وحمله مختصراً عن الحسن البصري، وقتادة من أحفظ الناس، وقدَّمه بعضهم في الحسن على بقية أصحابه.
الثاني: أن الحديث محفوظ عن الحسن البصري من وجوه، كما سيأتي بيانه في الأسانيد.
الثالث: أنه قد رواه معمر بن راشد عن قتادة بالوجهين جميعاً، ورواه عن معمر بالوجهين راويته عبد الرزاق، وتابع معمراً على الوجه الثاني: حماد بن سلمة، مما يدل على أنه حفظه من حديث قتادة عن الحسن البصري.
الرابع: اختلاف سياق الحديثين، فرواية الجماعة مطولة، وإن كان بعضهم قد اختصرها، ورواية معمر وحماد مختصرة، مقتصرة على مسألة القيام وحدها، مع اختلاف السياق أيضاً.
الخامس: ما رواه معاذ بن هشام، عن أبيه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.
وهو طرف من هذا الحديث، تفرد به معاذ بن هشامٍ، وجعله من حديث سمرة، وعده البخاري وأبو حاتم والترمذي محفوظاً، وسيأتي ذكره قريباً، والله أعلم.
ب - ورواه أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو سعيد مولى بني هاشم [وهما ثقتان]:
عن حصين بن نافع العنبري [ثقة. الجرح والتعديل (3/ 197)، سؤالات البرقاني (118)، التهذيب (1/ 446)]، عن الحسن، عن سعد بن هشامٍ، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثماني ركعاتٍ، ويوتر بالتاسعة، فلما بَدَّن صلى ستَّ ركعاتٍ، وأوتر بالسابعة، وصلى ركعتين وهو جالس.
وفي رواية: دخلت على عائشة، فقلت لها: إني أريد أن أتبتل، قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله يقول:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} ، فلا تتبتل.
ولفظ أبي سعيد مولى بني هاشم [عند أحمد]، قال: حدثنا حصين بن نافع المازني [قال أحمد: حصين هذا صالح الحديث]، قال: حدثنا الحسن، عن سعد بن هشام؛ أنه دخل على أم المؤمنين عائشة، فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يصلي من الليل ثماني ركعات، ويوتر بالتاسعة، ويصلي ركعتين وهو جالس، وذكرت الوضوء أنه كان يقوم إلى صلاته، فيأمر بطهوره وسواكه، فلما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى ست ركعات وأوتر بالسابعة، وصلى ركعتين وهو جالس، قالت: فلم يزل على ذلك حتى قبض.
قلت: إني أريد أن أسألك عن التبتل، فما ترين فيه؟ قالت فلا تفعل، أما سمعت الله صلى الله عليه وسلم يقول:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]، فلا تبتل.
قال: فخرج وقد فقه، فقدم البصرة، فلم يلبث إلا يسيراً حتى خرج إلى أرض مكران، فقتل هناك على أفضل عمله.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 242/ 1724) و (6/ 60/ 3216)، وفي الكبرى (1/ 243/ 422) و (5/ 152/ 5306)، وأحمد (6/ 97)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 201/ 2701)، والطحاوي (1/ 280)، والواحدي في تفسيره الوسيط (3/ 19)، [التحفة (11/
202/ 16096) و (11/ 204/ 16100)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873) و (38/ 167/ 18232)].
وهذا حديث صحيح، وطرفه الثاني محفوظ؛ فلا يستبعد كون سعد بن هشام قد خص الحسن البصري، بما لم يخص به زرارة بن أوفى في شأن التبتل والانقطاع للجهاد والعبادة، حيث أخبر زرارة بما وقع له مع رهط من قومه حين قدم المدينة وقد طلق امرأته، فاعلموه بما وقع لستة من قومه حتى ردوه فراجع امرأته، بينما أخبر الحسن البصري أنه سأل عائشة عن التبتل، فمنعته منه أيضاً، لكن بعد قصته مع قومه، ولا تنافي بين القصتين، ولا يضره وقف حصين بن نافع فهو محفوظ مرفوعاً، كما سيأتي.
ج - وروى مبارك بن فضالة [وعنه: أبو النضر هاشم بن القاسم، وهدبة بن خالد، والحسين بن محمد بن بهرام التميمي، وأسد بن موسى، وآدم بن أبي إياس، وابن المبارك]، عن الحسن، عن سعد بن هشام بن عامر، قال: أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن، قول الله عز وجل:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} .
قلت: فإني أريد أن أتبتل، قالت: لا تفعل، أما تقرأ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؟ فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولد له. لفظ أبي النضر [عند أحمد]، وأسد بن موسى [عند الطحاوي].
ولفظ هدبة [عند أبي يعلى]، قال: حدثنا مبارك بن فضالة: حدثنا الحسن، عن سعد بن هشام بن عامر، قال: كنت رجلاً أتتبع السلطان، فأخذني أبي فحبسني - قال مبارك: ولا أعلمه إلا قال: وقيدني -، فقال لي: والله لا تخرج حتى تستظهر كتاب الله، فاستظهرت كتاب الله فنفعني الله به، فذهبت عني الدنيا، وجعلت أكره أن أتزوج وأصنع، فدخلت على عائشة، فقلت: سعد بن هشام بن عامر، فقالت: رحم الله عامراً أصيب يوم أحد شهيداً، قال: فقلت: يا أم المؤمنين إني أريد أن أتبتل، فجئت أسألك عن ذلك، فقالت: يا هشام لا تبتل؛ فإن الله قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وولد له.
قال: قلت: يا أم المؤمنين! حدثيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: يا بني أما تقرأ القرآن؟ قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} ، خُلُقُ محمدٍ القرآن.
قال: قلت: يا أم المؤمنين! حدثيني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: يا بني ومن يطيق صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذاصلى صلى ركعتين، ثم هجع هجعة، ثم يقوم فيصلي ركعتين وركعتين وركعتين وركعتين وركعتين وركعة، أو قالت: فيصلي ركعتين وركعتين وركعتين وركعتين وركعة، صلاة بعد العشاء تسع ركعات وإحدى عشرة، فلما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثر لحمه صلى ركعتين وركعتين وركعة، وصلى ركعتين وهو جالس.
أخرجه أحمد (6/ 91 و 112)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (52)، وأبو يعلى (8/ 275/ 4862)، والطبري في تفسيره (29/ 219)، والطحاوي في المشكل (11/ 266/ 4435)، والبيهقي في الشعب (3/ 305/ 1360)، [الإتحاف (16/ 1087/ 21672) المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
قلت: وهذا حديث شاذ، لم يضبط المبارك بن فضالة متنه، وخلط فيه تخليطاً شديداً، وخالف فيه أصحاب الحسن البصري، وحديث قتادة عن الحسن وزرارة بخلاف ذلك أيضاً.
والمبارك بن فضالة: صدوق، كثير الخطأ والتدليس، ضعفه بعضهم، لازم الحسن بضع عشرة سنة، مكثر عنه، وقد صرح ابن فضالة بالسماع، فانتفت شبهة تدليسه، وكان الأئمة يحتجون به إذا قال: حدثنا، وقال أحمد:"ما روى عن الحسن يحتج به"[التهذيب (4/ 18)، الميزان (3/ 431)]، والعمل على الاحتجاج به عن الحسن إذا صرح بالسماع، إلا أن تدل القرائن على خطئه، فيُردُّ حديثه حينئذ.
وفي هذا الحديث قد خالف المبارك بن فضالة جماعة من أصحاب الحسن البصري، وهم: هشام بن حسان، وحصين بن نافع العنبري، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن، وقتادة [وهو أثبتهم فيه، واللفظ له]:
رووه عن الحسن، قال: أخبرني سعد بن هشام، عن عائشة؛ أنه سمعها تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فلما ضعف أوتو بسبع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ.
وأما قول مبارك بن فضالة في أوله: كنت رجلاً أتتبع السلطان، فأخذني أبي فحبسني - قال مبارك: ولا أعلمه إلا قال: وقيدني -، فقال لي: والله لا تخرج حتى تستظهر كتاب الله، فاستظهرت كتاب الله فنفعني الله به، فذهبت عني الدنيا، وجعلت أكره أن أتزوج وأصنع، فدخلت على عائشة، فقلت: سعد بن هشام بن عامر، فقالت: رحم الله عامراً أصيب يوم أُحد شهيداً، قال: فقلت: يا أم المؤمنين إني أريد أن أتبتل، فجئت أسألك عن ذلك، فقالت: يا هشام لا تبتل؛ فإن الله قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وولد له.
فهو مخالف لما رواه قتادة بن دعامة السدوسي، وهو: ثقة ثبت، حافظ عصره، قال فيه ابن سيرين:"قتادة هو أحفظ الناس"، وقد شهد له بالحفظ الذي لا نظير له جماعةٌ، منهم: سعيد بن المسيب، وبكر بن عبد الله المزني، وسفيان الثوري، وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم [التهذيب (3/ 428)، السير (5/ 269)].
حيث رواه قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أنه طلَّق امرأته، وأتى المدينة ليبيع عقاره؛ فيجعله في السلاح والكراع، فلقي رهطاً من الأنصار، فقالوا: أراد ذلك ستةٌ منا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعهم، وقال:"أما لكم في أسوة؟! ".
ثم إنه قدم البصرة، فحدثنا أنه لقي عبد الله بن عباس فسأله عن الوتر، فقال: ألا أحدثك بأعلم الناس بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: أم المؤمنين عائشة، فأتها فسلها، ثم ارجع إليَّ فحدثني بما تحدثك،
…
الحديث.
وفي رواية: أنه طلق امرأته، ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له بها، ويجعله في السلاح والكُراع، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطاً من قومه، فحدثوه أن رهطاً من قومه ستةً أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:، أليس لكم فيَّ أسوة حسنة؟ "، فنهاهم عن ذلك، فأشهدهم على رجعتها، ثم رجع إلينا، فأخبرنا أنه أتى ابن عباس، فسأله عن الوتر؟ فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: ائت عائشة فاسألها؟
…
الحديث.
فدل هذا الحديث على أن سعد بن هشام قدم المدينة في المرة الأولى وكان قد طلق امرأته، ثم راجعها قبل أن يدخل على عائشة في قدمته الثانية، وعليه: فإن رواية المبارك خطأ محض، حين قال: وجعلت أكره أن أتزوج وأصنع، فدخلت على عائشة؛ يعني: أنه دخل عليها عزباً، لا زوج له، فإن قيل: قد روى أصحاب الحسن عن سعد قصة سؤاله عائشة في التبتل؟ فيقال: هذا محفوظ عن الحسن، ولا يعارض رواية قتادة عن زرارة، وذلك لكون سعد أحب أن يطرح السؤال على عائشة مرة أخرى بعد أن راجع امرأته، وأن نفسه تراوده في التبتل والانقطاع للجهاد والعبادة، فأخبرته بمثل ما أخبره به رهط من قومه من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل، وترك الزواج، والانقطاع للعبادة، والله أعلم.
د - ورواه أشعث بن عبد الملك الحمراني [ثقة، من أصحاب الحسن. وعنه: النضر بن شميل، وهو: ثقة ثبت]، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس.
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 114/ 8134).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أشعث إلا النضر"، قلت: لا يضره تفرده.
وهذا حديث صحيح.
* وروى خالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان، وحماد بن مسعدة، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [وهم ثقات]، وعبد الله بن حمران [صدوق]:
عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.
أخرجه الترمذي في العلل الكبير (262)، والنسائي في المجتبى (6/ 58/ 3213)، وفي الكبرى (5/ 151/ 5303)، والدارمي (2307 - ط. البشائر)، وأحمد (6/ 125 و 157 و 252 - 253)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (6/ 252 - 253)، وإسحاق بن راهويه (3/ 707/ 1311)، وأبو عوانة (3/ 9/ 4000)، وتمام في فوائده (835)، وعبد الخالق بن أسد في المعجم (146)، [التحفة (11/ 204/ 16100)، الإتحاف (16/ 1093/ 21679)، المسند المصنف (38/ 167/ 18232)].
لطيفة: رواه أحمد في المسند عن خالد بن الحارث، وحماد بن مسعدة، ورواه ابنه عبد الله عن القواريري عن يحيى بن سعيد القطان، ثم قال عبد الله:"فحدثته أبي، فقال: لم أسمعه من يحيى".
قال أبو عوانة: "ورواه أبو يحيى صاعقة، عن الأنصاري، فقال: عن هشام، عن الحسن، أخرجه مسلم"، كذا في المطبوعة.
* وانظر فيمن وهم في إسناده على محمد بن عبد الله الأنصاري؛ فقلب إسناده، وجعله عن الحسن عن سمرة: ما أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 90).
وهذا قد رواه معاذ بن هشام، عن أبيه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.
وفي رواية: وقرأ قتادة: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].
أخرجه الترمذي في الجامع (1082)، وفي العلل الكبير (261)، والنسائي في المجتبى (6/ 59/ 3214)، وفي الكبرى (5/ 151/ 5302)، وابن ماجه (1849)، وابن الجارود (673)، وأحمد (5/ 17)، وإسحاق بن راهويه (3/ 708/ 1312)، وابن أبي شيبة (3/ 454/ 15918)، والبزار (10/ 415/ 4562)، والطبراني في الكبير (7/ 214/ 6893)، وفي الأوسط (8/ 234/ 8496)، [التحفة (3/ 588/ 4590)، الإتحاف (6/ 52/ 6116)، المسند المصنف (9/ 478/ 4620)].
قال الترمذي في الجامع: "حديث سمرة: حديث حسن غريب، وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ويقال: كلا الحديثين صحيح".
وقال في العلل (262): "سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: حديث الحسن عن سمرة: محفوظ، وحديث الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة: هو حسن، قال محمد: وقد روي عن سعد بن هشام عن عائشة موقوفاً".
وقال النسائي: "قتادة أثبت عندنا وأحفظ من أشعث، وحديث أشعث هذا أشبه بالصواب، والله تعالى أعلم".
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1203): "وسألت أبي عن حديث رواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.
ورواه معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل. قلت: أيهما أصح؟
قال أبي: قتادة أحفظ من أشعث، وأحسب الحديثين صحيحين؛ لأن لسعد بن هشام قصة في سؤاله عائشة عن ترك النكاح؛ يعني: التبتل".
لكن قال البزار: "هذا الحديث لا نعلم رواه عن قتادة إلا هشام، ولا عن هشام إلا
ابنه معاذ، وكان معاذ قد حدثهم مرة: عن أبيه عن قتادة عن الحسن، ثم حدثهم بعدُ به فجعله عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: لعل البزار قال ذلك اجتهاداً منه؛ وإلا فإان قول البخاري وأبي حاتم مقدَّم، فهما أقعد بعلم العلل من البزار، والله أعلم.
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا هشام، تفرد به: معاذ".
قلت: كلا الحديثين صحيح؛ أما حديث الأشعث، فقد تابعه عليه عن الحسن: حصين بن نافع العنبري، لكن أوقفه على عائشة، والرفع زيادة من ثقة ثبت مقدم في الحسن، فتقبل زيادته.
وأما حديث قتادة، فقد رواه عنه أحد أثبت أصحابه وهو هشام الدستوائي، ولا يضره تفرد ابنه معاذ به، فقد روى معاذ أيضاً عن أبيه حديثه الآخر عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ حديثه الطويل في خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيامه، ووتره، وفيه أصل المسألة في طلاق سعد بن هشام امرأته لأجل الجهاد والتبتل، فنهاه رهط من قومه، وأخبروه أن رهطاً ستة من قومه أرادوا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك، فراجع امرأته.
وكما سبق أن ذكرنا قريباً منزلة قتادة في الحفظ والإتقان الذي كان يضرب به المثل، فمثله يحتمل منه التعدد في أسانيد الحديث الواحد، ولذا فقد ذهب البخاري وأبو حاتم والترمذي إلى تصحيح الحديثين جميعاً: حديث عائشة، وحديث سمرة، في النهي عن التبتل، وهو الصواب، والله أعلم.
وقد سبق تحقيق القول في سماع الحسن من سمرة عند الحديث رقم (354)[وراجع أيضاً: الأحاديث رقم (27) و (777 - 780)]، وخلاصة ما قلت هناك: أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، والباقي كتاب غير مسموع؛ إلا أنه وجادة صحيحة معمول بها عند الأئمة.
وعليه: فإنه إذا صح الإسناد إلى الحسن البصري؛ فحديثه عن سمرة محمول على الاتصال، وهو صحيح.
هـ - ورواه خلف بن هشام البزار [ثقة]، قال: نا عبيس بن ميمون، عن معاوية بن قرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع حتى إذا أخذ اللحم أوتر بسبع، وهو جالس.
أخرجه الطبرانىِ في الأوسط (6/ 22/ 5677).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن قرة إلا عبيس بن ميمون، تفرد به خلف بن هشام".
قلت: هو حديث منكر باطل؛ تفرد به عبيسٌ عن أبي إياس معاوية بن قرة، وعبيس: متروك، منكر الحديث، عامة ما يرويه غير محفوظ [التهذيب (3/ 47)، الميزان (3/ 26)]،
ومعاوية بن قرة: بصري ثقة، تابعي جليل، معروف بالرواية عن أنس بن مالك، وسمع منه [التاريخ الكبير (7/ 330)]، وروايته عنه في الصحيحين [البخاري (3795 و 6413)، مسلم (1805)]، وقد روى عنه جماعة من الثقات، فكيف يتفرد به عنه عبيس دون أصحابه الثقات.
و - ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم [ثقة ثبت]: حدثنا محمد - يعني: ابن راشد -، عن يزيد بن يعفر، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء دخل المنزل، ثم صلى ركعتين، ثم صلى بعدهما ركعتين أطول منهما، ثم أوتر بثلاث لا يفصل فيهن، ثم صلى ركعتين وهو جالس، يركع وهو جالس، ويسجد وهو قاعد جالس.
أخرجه أحمد (6/ 155 - 156)، [المسند المصنف (37/ 331/ 17926)].
قلت: هو حديث منكر بهذا السياق، خالف فيه يزيد بن يعفر أصحاب الحسن البصري، فقد رواه هشام بن حسان، وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن، وحصين بن نافع العنبري، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وقتادة [واللفظ له]:
عن الحسن، قال: أخبرني سعد بن هشام، عن عائشة؛ أنه سمعها تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فلما ضعف أوتر بسبع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ.
ويزيد بن يعفر هذا لا تحتمل منه هذه المخالفة لجماعة الثقات من أصحاب الحسن، وقد قال فيه الدارقطني:"بصري معروف، يعتبر به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي:"ليس بحجة"، وهو مقل جدًّا، لا يُعرف روى عنه سوى محمد بن راشد المكحولي [التاريخ الكبير (8/ 371)، الجرح والتعديل (9/ 296)، الثقات (7/ 630)، سؤالات البرقاني (556)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2351)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 335)، الميزان (4/ 442)، المغني (2/ 754)، التعجيل (2/ 381/ 1190)، اللسان (8/ 509)]، والمكحولي: ثقة.
* سئل الدارقطني في العلل (14/ 316/ 3658) عن حديث سعد بن هشام، عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث أو بسبع، ويسجد سجدتين وهو جالس؟ فقال: "يرويه الحسن البصري، واختلف عنه؛ فرواه معاوية بن قرة، ويزيد بن يعفر، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة.
وكذلك قيل: عن هشيم، عن منصور بن زاذان، عن الحسن؛ وخالفه الضحاك بن حمرة؛ فرواه عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن كثير بن أفلح، عن عائشة.
وخالفهما ميمون بن موسى المرئي؛ فرواه عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، قاله حماد بن مسعود عنه، وقول من قال: سعد بن هشام أشبه بالصواب، وقول ميمون المرئي: غير مدفوع".
قلت: كل هذه الوجوه لا تثبت، وإن كان من قال فيه: عن سعد بن هشام، فهو محفوظ من جهة السند، وأما من جهة المتن فهي أحاديث منكرة، كما سبق بيانه.
ز - وروى أبو بحر البكراوي: ثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ثلاث كثلاث المغرب".
أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 121)، والطبراني في الأوسط (7/ 165/ 7170).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا إسماعيل بن مسلم، تفرد به: أبو بحر".
قلت: وهذا حديث منكر؛ إسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف، قال أحمد:"منكر الحديث"، وعنده عجائب، يروي عن الثقات المناكير، وقد تركه ابن مهدي والقطان والنسائي وغيرهم [العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)].
وأبو بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان: ضعيف، له غرائب، وهذا منها، وقد ذكر ابن حبان هذا الحديث في مناكير إسماعيل بن مسلم، والله أعلم.
ح - ورواه أبو داود الطيالسي: نا أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام الأنصاري؛ أنه سأل عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء تجوَّز بركعتين، ثم ينام وعند رأسه طهوره وسواكه، فيقوم فيتسوك ويتوضأ، ويصلي ويتجوَّز بركعتين، ثم يقوم فيصلي ثمان ركعات يسوي بينهن في القراءة، ويوتر بالتاسعة، ويصلي ركعتين وهو جالس، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم، جعل الثمان ستًّا ويوتر بالسابعة، ويصلي ركعتين وهو جالس، يقرأ فيهما {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {إِذَا زُلْزِلَتِ} .
أخرجه ابن خزيمة (2/ 158/ 1104)، وعنه: ابن حبان (6/ 361/ 2635) و (6/ 367/ 2640)، وغيرهما [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1324)].
وأصله في مسلم (767)، من حديث: هشيم بن بشير: أخبرنا أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي، افتتح صلاله بركعتين خفيفتين.
وقد تقدم تخريجه بطرقه عن أبي حرة [تحت الحديث رقم (1324)]، وقلت هناك بأنه: حديث صحيح، سمعه الحسن من سعد بن هشام، وسمعه أبو حرة من الحسن.
لكن أبا حرة واصل بن عبد الرحمن قد تفرد هنا عن الحسن البصري بزيادة القراءة في الركعتين بعد الوتر وهو جالس، ولم يتابع عليها؛ فقد رواه عن الحسن بدونها: هشام بن حسان، وقتادة، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وحصين بن نافع العنبري، وهم ثقات؛ فهي زيادة شاذة.
* ورواه عبيد الله بن محمد العيشي، قال: حدثنا حماد، عن أبي حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ يقعد في الثامنة، ثم يقوم فيركع ركعةً.
أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 161/ 1419)، ومن طريقه: ابن حزم في المحلى (3/ 44)، [التحفة (31/ 203/ 16098)، المسند المصنف (37/ 254/ 17873)].
* قلت: وقد قصر به الحسن مرة، فأرسله:
فقد رواه إسماعيل ابن عليه [ثقة ثبت]، عن يونس بن عبيد [ثقة ثبت، أثبت الناس في الحسن البصري]، عن الحسن، قال: سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان خلقه القرآن.
أخرجه أحمد (6/ 216)، وابن سعد في الطبقات (1/ 364).
ط - ورواه الحجاج بن منهال، وعفان بن مسلم، وأبو كامل مظفر بن مدرك [وهم ثقات أثبات، مكثرون عن حماد بن سلمة]:
قالوا: حدثنا حماد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم . . . ، مثل حديث حماد عن قتادة عن الحسن، السابق في الطريق (أ)، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات، فلما بدن ولحم صلى سبع ركعات، ثم صلى ركعتين وهو جالس.
أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 159/ 1415)، وأحمد (6/ 227)، [التحفة (11/ 202/ 16095)، الإتحاف (16/ 1087/ 21672)، المسند المصنف (37/ 245/ 17873)].
وهذا حديث صحيح.
* نرجع بعد ذلك إلى رواية عبيد الله العيشي عن حماد، فنقول:
هكذا رواه عن حماد بن سلمة: عبيد الله بن محمد بن حفص العيشي، وهو: ثقة جواد، وهو مكثر عن حماد بن سلمة، كان عنده عنه تسعة آلاف، لكنه تفرد بهذا الوجه عن حماد، ولم يتابع عليه.
وقد رواه غيره مثل: عفان بن مسلم، وأبي كامل مظفر بن مدرك، وحجاج بن المنهال، وأبي سلمة موسى بن إسماعيل، فلم يتابعه أحد على هذا الوجه، حيث قال فيه: عن أبي حرة.
* روى موسى بن إسماعيل [أبو سلمة التبوذكي: ثقة ثبت، من أروى الناس عن حماد]، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعةً، يوتر بتسعٍ - أو كما قالت -، ويصلي ركعتين وهو جالسٌ، وركعتي الفجر بين الأذان والإقامة. [تقدم تحت الحديث رقم (1340)].
* وروى أيضاً: موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعِ ركعاتٍ، ثم أوتر بسبع ركعاتٍ، وركع ركعتين وهو جالسٌ بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم سجد. [تقدم تحت الحديث رقم (1340)].
* وروى أيضاً: موسى بن إسماعيل، وحجاج بن منهال [ثقة فاضل، من أصحاب حماد بن سلمة، مكثر عنه]:
عن حماد بن سلمة، عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنه،
…
الحديث. [تقدم برقم (1349)].
* وروى حجاج بن منهال، وأبو كامل مظفر بن مدرك، وعفان بن مسلم [وهم ثقات أثبات، مكثرون عن حماد بن سلمة]:
عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، قال: أخبرني سعد بن هشام، عن عائشة؛ أنه سمعها نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فلما ضعف أوتر بسبع ركعات، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ.
* وروى الحجاج بن منهال، وعفان بن مسلم، وأبو كامل مظفر بن مدرك [وهم ثقات أثبات، مكثرون عن حماد بن سلمة]:
عن حماد، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مرفوعاً.
قلت: كل هذه الوجوه الخمسة محفوظة عن حماد بن سلمة، ويلاحظ فيها ما يأتي:
أن بعضها قد رواه جماعة من أصحاب حماد، رووها عنه على وجهين أو ثلاثة، وهو: الثالث والرابع والخامس.
وأن بعضها رواه عنه أحد أثبت أصحابه المكثرين عنه على ثلاثة وجوه، وهو: الأول والثاني والثالث، مع الأخذ في الاعتبار أنها ليست بحديث واحد، فحديث أبي سلمة، غير حديث علقمة بن وقاص، غير حديث سعد بن هشام.
وأن حماد بن سلمة قد توبع على جميع هذه الوجوه، ولم ينفرد بشيء منها.
فإن قيل: الوجه الذي انفرد به عبيد الله العيشي عن حماد، قد توبع عليه حماد أيضاً؟ فيقال: كيف ينفرد العيشي عن حماد بوجه واحد من هذه الوجوه، مع كون أصحابه جميعاً قد شارك بعضهم بعضاً، أو أن الواحد منهم قد روى عن حماد وجهين أو ثلاثة، بل كان حماد أحياناً يروي بعضها في إثر بعض، ويحيل متن الثاني على الأول، كما فعل في الإسناد الرابع والخامس، وعليه فإن احتمال وقوع قلبٍ في إسناد العيشي قائم، حيث رواه حجاج، وأبو كامل، وعفان، ثلاثتهم عن حماد، فقالوا: عن قتادة، وانفرد العيشي عنه، ففال: عن أبي حرة، فيغلب على ظني أنه انقلب عليه، ولو كان محفوظاً لتوبع عليه، أو يكون قد شارك بعضهم في بعض هذه الطرق، ولكنا أيضاً لا نستطيع الجزم في مثل ذلك،
لكون العيشي من أصحاب حماد المكثرين، ولا يقال في مثل هذا بأن حماد بن سلمة قد اضطرب في هذه الأسانيد، إذ رواها عنه جمع من أثبت أصحابه، وذلك لأنه لم ينفرد بشيء منها، فقد توبع عليها جميعاً إما متابعة تامة، وإما متابعة قاصرة، والله أعلم بالصواب.
ومما روي في صلاة الركعتين بعد الوتر وهو جالس:
1 -
حديث أم سلمة:
يرويه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وبندار محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى [وهم ثقات حفاظ]، وعلي بن مسلم الطوسي، والجراح بن مخلد، وحوثرة بن محمد المنقري البصري [وهم ثقات]، ويحيى بن أبي طالب [وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، وقد سبق ذكره مراراً. اللسان (8/ 423 و 452)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)]، وهارون بن سليمان بن داود بن بهرام السلمي أبو الحسن الخزاز [أحد الثقات. الثقات (9/ 241)، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 14 و 412)، تاريخ أصبهان (2/ 313)، تكملة الإكمال (1/ 301)]:
ثنا حماد بن مسعدة [ثقة]، عن ميمون بن موسى المرئي، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة؛ أن النبي صلى كان يصلي ركعتين خفيفتين وهو جالس بعد الوتر.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 422)، وفي التاريخ الأوسط (2/ 114/ 1987)، والترمذي (471)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 436/ 449)، وابن ماجه (1195)، وأحمد (6/ 298)، وابن نصر في قيام الليل (196 - مختصره)، وفي كتاب الوتر (311 - مختصره)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 186)، والطبراني في الكبير (23/ 364/ 859)، وابن عدي في الكامل (6/ 415)، والدارقطني (2/ 37)، وابن جميع الصيداوي في المعجم (165)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 305) و (2/ 313)، والبيهقي (3/ 32)، [التحفة (12/ 144/ 18255)، [الإتحاف (18/ 198/ 23554)، المسند المصنف (40/ 310/ 19262)].
قال الدارقطني: "هذا حديث صحيح"[كذا في الإتحاف وليس في مطبوعة السنن؛ بل على العكس من ذلك، قال ابن زريق في كتابه: من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن من الضعفاء والمتروكين والمجهولين، قال: "ميمون المرئي: عن الحسن، وعنه حماد بن مسعدة، ليس بقوي"، وفي هذا إشارة لتضعيف حديثه هذا، والله أعلم].
قال يحيى بن سعيد القطان: "أتيت ميموناً المرئي، فما صحَّح لي إلا هذه الأحاديث التي سمعتها"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 218/ 4943)، ضعفاء العقيلي (4/ 186)، التعليقات على المجروحين (343)].
قلت: ولم أجد يحيى بن سعيد فيمن روى هذا الحديث عن ميمون بن موسى، وإنما تفرد به عنه: حماد بن مسعدة، واشتهر عنه، ولو رواه يحيى بن سعيد لطارت به الركبان،
مما يدل على أن هذا الحديث ليس مما صح سماع ميمون فيه من الحسن.
وقال أحمد بن حنبل: "ما أرى به بأساً، وكان يدلس، وكان لا يقول: حدثنا الحسن "[العلل ومعرفة الرجال (2/ 523/ 3450)، ضعفاء العقيلي (4/ 186)، الجرح والتعديل (8/ 237)، الكامل لابن عدي (6/ 415)، التعليقات على المجروحين (343)، تاريخ أسماء الثقات (1404)].
وهذا مما وقع في حديثنا هذا، حيث لم يذكر فيه سماعاً من الحسن، لا سيما وقد ثبت أنه دلس حديثاً عن الحسن، أخذه عن خالد العبد، وخالد العبد: كذاب، يضع الحديث [التاريخ الكبير (3/ 165)، التاريخ الأوسط (2/ 127/ 2034)، الجرح والتعديل (8/ 237)، ضعفاء العقيلي (2/ 12)، الكامل لابن عدي (3/ 23)، اللسان (3/ 350)].
وقال البخاري: "قال أبو الوليد: أخرج إلينا ميمون كتاباً، قال: إن شئتم حدثتكم بما سمعت منه - يعني: من الحسن -، وإن شئتم لفقت فيه من كلٍّ، قلنا: حدثنا ما سمعت، فحدثنا بأربعة أشياء ليس فيها إسناد"[التاريخ الكبير (7/ 341)، التاريخ الأوسط (2/ 114/ 1986)].
وهذا يفسر قول البخاري في التاريخ الكبير: "سمع الحسن"؛ يعني: سمع منه بعض المقاطيع، وبذا يتفق مع قول أحمد عنه:"وكان لا يقول: حدثنا الحسن"؛ يعني: فيما أسنده الحسن، ومنها هذا الحديث، إذ لم يذكر فيه سماعاً، والأصل عدم سماعه من الحسن إلا شيئاً يسيراً بلا إسناد، والله أعلم.
ويؤيد ذلك قول أبي داود حين سأله الآجري (932)، قال: "قلت لأبي داود: ميمون المرائي؟ قال: ليس به بأس، قلت: هو أبو موسى؟ قال: أُراه، روى عن الحسن ثلاثة أشياء؛ يعني: سماعاً لا، قلت: وليس هذا منها.
وقال العقيلي بعد أن أخرجه في ترجمة ميمون بن موسى المرئي: "لا يتابع على رفعه، وغيره يرويه عن أم سلمة فعلها"، قلت: وهذه علة أخرى.
وقال ابن عدي: "وميمون هذا: عزيز الحديث، وإذا قال: حدثنا، فهو صدوق؛ لأنه كان متهماً في التدليس".
قلت: ميمون بن موسى المرئي: ليس من أصحاب الحسن البصري، كما أنه مختلف فيه، فممن رآه صدوقاً، لا بأس به: أحمد، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو حاتم، وأبو داود، وضعفه: الفلاس - في رواية عنه -، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وكذا قال أبو أحمد الحاكم، وقال الدارقطني:"ليس بقوي"، وذكره العقيلي في الضعفاء، واختلف فيه قول ابن حبان، فذكره مرة في الثقات من روايته عن أبيه، ثم أعاده في المجروحين لكن من روايته عن الحسن، وقال:"منكر الحديث، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"، فكأنه أنكر عليه ما يرويه عن الحسن خاصة، وهو مشهور بالتدليس، حتى قال فيه ابن عدي: "إذا قال: حدثنا، فهو صدوق؛ لأنه كان
متهماً في التدليس" [التاريخ الكبير (3/ 165) و (7/ 341)، التاريخ الأوسط (2/ 114/ 1986) و (2/ 127/ 2034)، الجرح والتعديل (8/ 237)، ضعفاء العقيلي (4/ 186 و 326)، الثقات (9/ 173)، المجروحين (3/ 6)، الكامل لابن عدي (6/ 415)، من تكلم فيه الدارقطني في السنن لابن زريق (437)، التهذيب (4/ 199)].
* وعلى هذا فمثله لا يحتمل تفرده عن الحسن البصري، فضلاً عن كون حديثه هذا معلولاً لأنه أخطأ في رفعه، وأن المحفوظ فيه موقوف على أم سلمة فعلها، ثم إنه لم يذكر فيه سماعاً من الحسن، وأن غالب ما رواه من مسندات الحسن لم يسمعها منه؛ وقد يكون دلسها عن بعض المجروحين.
ثم إنه خالف أصحاب الحسن، مثل: قتادة بن دعامة، وهشام بن حسان، وحصين بن نافع العنبري، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وأبي حرة واصل بن عبد الرحمن، ومبارك بن فضالة:
حيث رووه جميعاً: عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مرفوعاً.
فالقول قولهم، وأخطأ فيه ميمون بن موسى المرئي، حين رواه عن الحسن عن أمه عن أم سلمة مرفوعاً، والله أعلم.
ولذا فإن الصواب: قول البخاري، حين خطَّأ روايته، بعدما ذكر الاختلاف الوارد في هذا الحديث، وختمه برواية هشام بن حسان، عن الحسن، عن سعد بن هشام: دخلت على عائشة، فقالت: ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ويضع رأسه، ثم قال البخاري:"وهذا أصح"[التاريخ الكبير (3/ 422)].
وذلك خلافاً لقول الدارقطني في العلل (14/ 317/ 3658): "وقول ميمون المرئي: غير مدفوع"، قلت: بل هو مدفوع، غير مقبول.
وروي من وجه آخر، عن الحسن عن أمه عن أم سلمة، وليس بشيء:
رواه عنبسة بن عبد الواحد [ثقة]، عن زكريا بن حكيم [هالك، ليس بشيء، ترك الناس حديثه. اللسان (3/ 505)]، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد وتره ركعتين وهو جالس.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 422)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1031/ 2211)، والطبراني في الكبير (23/ 364/ 860)، وفي الأوسط (7/ 137/ 7094).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا زكريا بن حكيم، وميمون بن موسى المرئي".
* قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 422) بعدما ذكر الاختلاف الوارد في هذا الحديث من رواية ميمون بن موسى وزكريا بن حكيم، ثم ختمه برواية هشام بن حسان، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قال:"وهذا أصح".
وسئل الدارقطني في العلل (14/ 316/ 3658) عن حديث سعد بن هشام، عن
عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث أو بسبع، ويسجد سجدتين وهو جالس؟
فقال: "يرويه الحسن البصري، واختلف عنه؛ فرواه معاوية بن قرة، ويزيد بن يعفر، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة.
وكذلك قيل: عن هشيم، عن منصور بن زاذان، عن الحسن؛ وخالفه الضحاك بن حمرة؛ فرواه عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن كثير بن أفلح، عن عائشة.
وخالفهما ميمون بن موسى المرئي؛ فرواه عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، قاله حماد بن مسعدة عنه، وقول من قال: سعد بن هشام أشبه بالصواب، وقول ميمون المرئي: غير مدفوع".
قلت: كل هذه الوجوه لا تثبت، وإن كان من قال فيه: عن سعد بن هشام، فهو محفوظ من جهة السند، وأما من جهة المتن فهي أحاديث منكرة، كما سبق بيانه.
وقال البيهقي: "ميمون هذا بصري، ولا بأس به؛ إلا أنه كان يدلس، قاله أحمد بن حنبل وغيره، والله أعلم، وروي عن زكريا بن حكيم، عن الحسن، وخالفهما هشام فرواه عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة، قال البخاري: وهذا أصح".
2 -
حديث أنس بن مالك:
يرويه عمارة بن زاذان: نا ثابت، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعاتٍ، فلما أسنَّ وثقُل أوتر بسبعٍ، وصلى ركعتين وهو جالس، يقرأ بالرحمن، والواقعة. قال أنس: ونحن نقرأ بالسور القصار: {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ونحوهما.
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340)، وهو حديث منكر.
3 -
حديث أبي أُمامة:
يرويه عمارة بن زاذان: ثنا أبو غالب، عن أبي أُمامة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع، حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس، يقرأ فيها:{إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340)، وهو حديث ليس بالقوي.
ومما روي في الحث الركعتين بعد الوتر:
4 -
حديث ثوبان:
* يرويه عبد الله بن وهب [ثقة ثبت]، واختلف عليه:
أ - فرواه مروان بن محمد [هو الطاطري الدمشقي: ثقة]، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب [أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب. انظر ترجمته: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1024 و 1156)]:
عن عبد الله بن وهب: حدثني معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:"إن هذا السفَر [وفي رواية الدارمي: السهر] جَهدٌ وثِقَلٌ، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ [وفي رواية الدارمي: فإن قام من الليل]، وإلا كانتا له".
أخرجه الدارمي (1740 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (2/ 159/ 1106)، [الإتحاف (3/ 32/ 2485)، المسند المصنف (4/ 478/ 2248)].
قال الدارمي: "ويقال: السفر، وأنا أقول: السهر".
قال ابن حجر في الإتحاف عن لفظة "السهر" عند الدارمي: "لعله تصحيف"، قلت: لعله لم يطلع على قول الدارمي؛ فإنه يدل على علمه بأنهم يروونها بلفظ السفر، لكنه اختار أن يقول: السهر، لأمر بدا له من معناه، حيث لم يعله في أول حديثه أن ذلك كان في السفر، وعليه: فالمحفوظ فيه: "إن هذا السفر جَهدٌ وثِقَلٌ"، وهي رواية الجماعة، والله أعلم.
ب - ورواه حرملة بن يحيى [مصري، صدوق، كان راويةً لابن وهب، ومن أعلم الناس بحديثه]: حدثنا ابن وهب: حدثني معاوية بن صالح، عن شريح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن ثوبان، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:"إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له".
أخرجه ابن حبان (6/ 315/ 2577 - ترتيب ابن بلبان)(2/ 222 - 223/ 1194 - التقاسيم والأنواع)(683 - الموارد). قال: أخبرنا ابن قتيبة، قال: حدثنا حرملة به [الإتحاف (3/ 32/ 2485)، المسند المصنف (4/ 478/ 2248)].
وفي حاشية موارد الظمآن (683) قال محققه: "جاء في حاشية الأصل من خط شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله: سقط "عن أبيه" من الأصل، ولا بد منه، وكذلك رويناه في حديث حرملة، رواية ابن المقرئ عن ابن قتيبة عنه".
قلت: ولعله لهذا السبب لم ينبه ابن حجر في الإتحاف على سقوط جبير بن نفير من إسناد ابن حبان، والله أعلم.
قلت: والأقرب عندي أن حرملة رواه مرسلاً بدون ذكر جبير بن نفير، وذلك لأن الثابت في رواية ابن حبان بإسقاطه، هكذا وقع في أصوله، وذلك بشهادة ابن حجر نفسه، وأما الرواية المتصلة التي وقف عليها ابن حجر فيحتمل أن تكون مجوَّدةً من قِبل بعض الرواة أو النساخ، والله أعلم.
وإسقاط جبير بن نفير من الإسناد، يجعله منقطعاً بين عبد الرحمن بن جبير وثوبان، فإن بين وفاتيهما أربعةً وستين عاماً.
ج - ورواه هارون بن سعيد الأيلي [نزيل مصر، ثقة فاضل، من أصحاب ابن وهب]، قال: ثنا ابن وهب: حدثني معاوية بن صالح: حدثني أبو الزاهرية: حدثني جبير بن نفير: حدثني ثوبان مولى رسول الله صلى، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم الله صلى: "إذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن قام وإلا كانتا له".
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 289/ 6439)، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عِرس المصري [المروزي، روى عن جماعة كثيرة من المصريين والمراوزة والحجازيين وغيرهم، وأكثر عنه الطبراني، روى له في الأوسط وحده سبعة وثلاثين حديثاً. الإكمال 6/ 183)، توضيح المشتبه (6/ 238)]: ثنا هارون بن سعيد به.
هكذا ليس فيه: شريح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وجعل بدلاً منهما: أبا الزاهرية.
قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن ثوبان إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن وهب".
وكلام الطبراني يفهم منه أن هارون بن سعيد قد توبع على هذا الوجه عن ابن وهب.
وقد استشهد مسلم بمثل هذا الإسناد في المتابعات [صحيح مسلم (1975)].
والحاصل: فهان هذا اضطراب من ابن وهب في إسناد هذا الحديث، لا سيما وراويا الوجهين الأخيرين هما أكثر صحبة لابن وهب، وأثبت فيه من راوي الوجه الأول.
فإن قيل: ألا تكون رواية أبي صالح الآتية مرجحة للوجه الأول؟
* فقد رواه أيضاً: عبد الله بن صالح [أبو صالح المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، واختلف عليه أيضاً:
أ - فرواه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، وفهد بن سليمان بن يحيى المصري، وأحمد بن نصر بن زياد النيسابوري المقرئ، وبكر بن سهل الدمياطي [وهم ثقات، عدا الأخير فمتكلم فيه]:
عن عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:"إن هذا السفر جَهدٌ وثِقَلٌ، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا كانتا له".
أخرجه الروياني (644)، والطحاوي (1/ 341)، والطبراني في الكبير (2/ 92/ 1410)، وفي مسند الشاميين (3/ 182 - 183/ 039 2)، والدارقطني (2/ 36)، والبيهقي (3/ 33)(5/ 441/ 4890 - ط. هجر)(2/ 965/ 4288 - تهذيب السنن)، [الإتحاف (3/ 32/ 2485)، المسند المصنف (4/ 478/ 2248)].
ب - وخالفهم: عمر بن الخطاب [السجستاني: ثقة]، قال: نا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن ثوبان رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:"إن هذا السفر جَهدٌ وثِقَلٌ، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له".
أخرجه البزار (10/ 127/ 4193)(692 - كشف الأستار).
سقط من إسناده: شريح بن عبيد، ورواية جماعة الحفاظ عن أبي صالح بإثباته أولى بالصواب، والله أعلم.
* قلت: أبو صالح فيه مقال معلوم، واضطراب ابن وهب فيه يدعو إلى التوقف عن تصحيحه والاحتجاج به، لا سيما مع تفرد معاوية بن صالح به، مع مخالفته الأمر الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في جعل آخر صلاة الليل وتراً:
* فقد روى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751/ 151)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروايته الأخرى تدل أيضاً على هذا المعنى:
فقد رواه عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدةً، فأوترت له ما صلى"، وإنه كان يقول: اجعلوا آخر صلاتكم وتراً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به.
أخرجه البخاري (472)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
ولحديث ابن عمر هذا طرق كثيرة جدًّا، نوردها اختصاراً، حتى يُعلمَ اشتهار حديثه، وإخراج الشيخين له من طرق عديدة، وأنه كيف يُعارَض مثله - مع اشتهاره وصحته واتفاق الشيخين على إخراجه - بحديث ثوبان الذي لم يشتهر، فضلاً عن وقوع الاضطراب في إسناده:
* فقد رواه أيضاً: أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيتَ الصبحَ فأوتر بواحدة، توتر لك ما قد صليت".
أخرجه البخاري (473)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى".
أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749/ 145)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة".
وفي رواية: أن ابن عمر، قال: من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك.
وفي رواية:، صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدةٍ، واجعل آخر صلاتك وتراً".
أخرجه مسلم (751/ 150)[بطرفه الثاني وحده]. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه ابن جريجٍ، قال: أخبرني نافع؛ أن ابن عمر كان يقول: من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً قبل الصبح، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم.
أخرجه مسلم (751/ 152)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* والحديث قد رواه أيضاً عن نافع:
يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن عون، والحسن بن الحر، وخالد بن زياد الترمذي، وعبد العزيز بن أبي رواد، وجرير بن حازم، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز الأموي [وهم ثقات]، وآخرون:
عن نافع؛ أن ابن عمر أخبرهم؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، قال:"مثنى مثنى، فإن خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة". لفظ الحسن بن الحر.
ولفظ يحيى الأنصاري: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له صلاله".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه سمعه يقول:"صلاة الليل ركعتين ركعتين، فإذا خفتم الصبح فأوتروا بواحدة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى سفيان بن عيينة، عن ابن أبي لبيد، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يُسأل عن صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن جعفر: عن عبد الله بن دينار، أنه سمع عبد الله بن عمر، يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال:"يصلي أحدكم مثنى مثنى، حتى إذا خشي الصبح سجد سجدة واحدة [وفي رواية الثوري: حتى إذا خشي الصبح أوتر بواحدة]، توتر له ما قد صلى". لفظ إسماعيل.
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى شعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن الوليد الزبيدي، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي [وهم ثقات]، وغيرهم:
عن الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبد الله؛ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح، فأوتر بواحدة".
أخرجه البخاري (1137)، ومسلم (749/ 146)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن ابن شهاب حدثه؛ أن سالم بن عبد الله بن عمر وحميد بن عبد الرحمن بن عوف حدثاه، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ أنه قال: قام رجل فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة".
أخرجه مسلم (749/ 147)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى ابن أخي ابن شهاب، عن عمه [ابن شهاب الزهري]، قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن؛ أن عبد الله بن عمر أخبره؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر [دمشقي ثقة]، والمثنى بن حبيب العطار [صدوق]:
قال ابن زبر: سمعت سالم بن عبد الله، يقول: سمعت عبد الله بن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الفجر فأوتر بركعة، توتر لك صلاتك". قال: وكان عبد الله يوتر بواحدة.
وقال المثنى: سمعت سالم بن عبد الله، يقول: حدثني عبد الله بن عمر؛ أنه كان قاعداً في أصل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس، فجاءه رجل من أهل البادية، فقال: يا رسول الله! صلاة الليل؟ قال: "نعم، مثنى مثنى، فإذا خشيت أن يرهقك الفجر" أو: "يدركك الفجر، ركعت ركعة، فأوترت لك ما مضى".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى حماد بن زيد: حدثنا أيوب وبديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن عمر؛ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا بينه وبين السائل، فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فصلِّ ركعةً، واجعل آخر صلاتك وتراً".
ثم سأله رجل على رأس الحول، وأنا بذلك المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري هو ذلك الرجل، أو رجل آخر، فقال له مثل ذلك.
أخرجه مسلم (749/ 148)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى حماد: حدثنا أيوب وبديل وعمران بن حدير، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، ورواه أيضاً: حماد: حدثنا أيوب، والزبير بن الخريت، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرا بمثله، وليس في حديثهما ثم سأله رجل على رأس الحول وما بعده.
أخرجه مسلم (749/ 148)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى همام بن يحيى، قال: حدثنا قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر؛ أن رجلاً من أهل البادية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ قال [بإصبعيه]:"مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه خالد بن مهران الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر واحدة، وسجدتان قبل صلاة الصبح".
وفي رواية: نادى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجل من أهل البادية، وأنا بينه وبين البدوي، فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فواحدة، وركعتين قبل الغداة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه عمران بن حدير، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن ابن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن صلاة الليل، وأنا بين السائل وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة"، قال: ثم جاء عند قرن الحول وأنا بذاك المنزل بينه وبين السائل فسأله، فقال:"مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه عاصم بن سليمان الأحول، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت ابن عمر عن صلاة الليل، فقال ابن عمر: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل وأنا بينهما، فقال:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فبادر الصبح بركعة، وركعتين قبل صلاة الغداة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه شعبة، عن أبي بشر: سمعت عبد الله بن شقيق، يحدث عن ابن عمر؛ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ قال: فمشيت أنا وذاك الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة"، قال شعبة: لم يقل: من آخر الليل.
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف، فاركع ركعة توتر لك ما صليت".
أخرجه البخاري في الصحيح (993)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه مثنى بن حبيب العطار: حدثنا القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله؛ أن عبد الله بن عمر حدثهما؛ أنه كان عند المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فجاء رجل من أهل البادية، فسأله عن صلاة الليل، فقال:"مثنى، فإذا خشيت أن يرهقك" أو: "يدركك الصبح، فاركع ركعة توتر لك ما مضى".
وهذا إسناد جيد. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى حماد بن زيد، وحماد بن سلمة:
عن أنس بن سيرين، قال: قلت لابن عمر: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، ويصلي الركعتين قبل صلاة الغداة، وكان الأذان بأذنيه. قال حماد بن زيد: أي سرعةً. لفظ البخاري.
ولفظه عند مسلم: سألت ابن عمر، قلت: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة، أأطيل فيهما القراءة؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، قال: قلت: إني لست عن هذا أسألك، قال: إنك لضخم! ألا تدعني أستقرئ لك الحديث؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، ويصلي ركعتين قبل الغداة؛ كان الأذان بأذنيه.
أخرجه البخاري (995)، ومسلم (749/ 157)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم 12951)].
* ورواه شعبة، عن أنس بن سيرين، قال: سألت ابن عمر: ما أقرأ في الركعتين قبل الصبح؟ فقال ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة من آخر الليل، قال أنس: قلت: فإنما أسألك ما أقرأ في الركعتين قبل الصبح؟ فقال: بَهْ بَهْ، إنك لضخم، إنما أحدِّث، أو قال: إنما أقتص لك الحديث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم يوتر بركعة من آخر الليل، ثم يقوم كان الأذان أو الإقامة في أذنيه.
أخرجه مسلم (749/ 158)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه هشام بن حسان، وهارون بن إبراهيم الأهوازي، ويونس بن عبيد، وعبد الله بن عون، وسالم بن عبد الله الخياط: عن محمد بن سيرين، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل".
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المغرب وتر صلاة النهار، فأوتروا صلاة الليل".
ولفظ يونس: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى عمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت، وسليمان بن طرخان التيمي [وهم ثقات]، وليث بن أبي سليم [ضعيف]:
عن طاووس، عن ابن عمر؛ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال:"مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة".
أخرجه مسلم (749/ 146)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى أبو أسامة حماد بن أسامة، عن الوليد بن كثير، قال: حدثني عبيد الله بن
عبد الله بن عمر؛ أن ابن عمر حدثهم؛ أن رجلاً نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: يا رسول الله! كيف أوتر صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى فليصلِّ مثنى مثنى، فإن أحسَّ أن يصبح سجد سجدةً، فأوترت له ما صلى".
أخرجه مسلم (749/ 156)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى شعبة، قال: سمعت عقبة بن حريث، قال: سمعت ابن عمر، يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة".
فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم في كل ركعتين.
أخرجه مسلم (749/ 159)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى عاصم الأحول، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة"، قلت: أرأيتَ إن غلبتني عيني، أرأيتَ إن نمتُ؟ قال: اجعل أرأيت عند ذاك النجم، فرفعت رأسي، فإذا السِّمَاك، ثم أعاد فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة قبل الصبح".
وهذا حديث صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى أبو التياح، وقتادة:
عن أبي مجلز، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ركعة من آخر الليل".
أخرجه مسلم (752/ 153 و 154)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* ورواه همام: حدثنا قتادة، عن أبي مجلز، قال: سألت ابن عباس عن الوتر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ركعة من آخر الليل"، وسألت ابن عمر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ركعة من آخر الليل".
أخرجه مسلم (753/ 155)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وروى بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عقبة بن مسلم، قال: سألت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الوتر، فقال: أتعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، صلاة المغرب، قال: صدقت أو أحسنت، ثم قال: بينا نحن في المسجد قام رجل فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر أو عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة".
وهذا حديث مصري صحيح. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
* وله طرق أخرى تركت ذكرها اختصاراً، وهذه الطرق تناهز في مجموعها الأربعين طريقاً، راجعها في الموضع المشار إليه.
* والحاصل: فكيف يعارض حديث ابن عمر هذا بحديث ثوبان، وإنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا فعله الركعتين بعد الوتر جالساً، من طرق عن عائشة رضي الله عنها، كما تقدم بيانه.
وعليه: فإن حديث ثوبان هذا في الأمر بالركعتين بعد الوتر: حديث غريب؛ تفرد به
معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي، ولم يتابع عليه، وهو: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)]، وهذا الحديث من أفراده، وليس معاوية بن صالح ممن يحتج به استقلالاً، ولا ممن يعتمد على حفظه، مع إمكان دخول الوهم عليه، أو دخول هذا الحديث عليه مما ليس من حديثه، ولذا فإن معاوية بن صالح إذا تبين لنا أنه وهم، أو أخطأ، أو تفرد بما لم يتابع عليه: لم نقبل منه حديثه [فضل الرحيم الودود (7/ 666/356)].
وعليه: فحديثه هذا: حديث غريب شاذ.
والأحاديث التي سبق أن صححتها لمعاوية بن صالح، فإنما هي أحاديث معروفة قد توبع عليها [انظر مثلاً: فضل الرحيم الودود (1/ 285/ 69) و (3/ 46/ 211) و (3/ 102/ 226) و (4/ 243/ 366) و (5/ 416/ 472) و (7/ 589/ 699) و (8/ 355/ 759) و (8/ 613/ 797) و (9/ 339/ 845) و (9/ 477/ 873)، وما تحت الحديث رقم (1091)، الشاهد الرابع، والحديث رقم (1118)، والحديث رقم (1273) طريق رقم (13) من طرق حديث عائشة، والحديث رقم (1289)، والحديث رقم (1333)].
وانظر أيضاً فيما أعللته بمعاوية بن صالح: فضل الرحيم الودود (2/ 10/ 105) و (7/ 356/ 666) و (8/ 355/ 759) و (8/ 393/ 766)، وما تحت الحديث رقم (1255)، والحديث رقم (1277)، وما تحت الحديث رقم (1340).
وهذا الحديث قد رواه عنه: ابن وهب، وقد اضطرب في إسناده، وعبد الله بن صالح المصري، وقد كان كثير الوهم والغلط، وكانت فيه غفلة.
فلا يثبت عندي حديث ثوبان هذا لمعارضته حديث ابن عمر، ولما ذكرته من علل إسنادية، والله أعلم.
* ومنهم من مشى على ظاهر إسناده فصححه، ثم احتج به على ظاهره:
قال ابن خزيمة: "باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر، أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة".
وكان الأولى به أن يتأوله، مثل البيهقي وابن رجب:
قال البيهقي: "يحتمل أن يكون المراد به ركعتان بعد الوتر، ويحتمل أن يكون أراد: فإذا أراد أن يوتر فليركع ركعتين قبل الوتر".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 264): "حديث ثوبان تأوله بعضهم على أن المراد: إذا أراد أن يوتر فليركع ركعتين، وكأنه يريد أنه لا يقتصر في وتره في السفر على ركعة واحدة، بل يركع قبلها ركعتين، فيحصل له بهما نصيب من صلاة الليل، فإن لم يستيقظ من
آخر الليل كان قد أخذ بحظ من الصلاة، وإن استيقظ صلى ما كتب له، وهذا متوجه، والله سبحانه وتعالى أعلم".
قلت: لو صح الحديث لصرنا إلى هذا التأويل، لكنه لا يثبت؛ فلسنا بحاجة إذًا لتأويله، والله الموفق للصواب.
* قال النووي في شرح مسلم (6/ 21) ضمن كلام طويل عن الركعتين بعد الوتر: "الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسًا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالسًا، ولم يواظب على ذلك؛ بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة، ولا تغتر بقولها: كان يصلي؛ فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع،
…
"، ثم قال: "وإنما تأولنا حديث الركعتين جالسًا لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كان وترًا، وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترًا،
…
" [وكذا قال في المجموع (4/ 22)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن فعل ذلك لم ينكر عليه؛ لكن ليست واجبة بالاتفاق، ولا يذم من تركها، ولا تسمى زحافة، فليس لأحد إلزام الناس بها، ولا الإنكار على من فعلها"[مجموع الفتاوى (23/ 93). وانظر أيضًا: (23/ 96)، زاد المعاد (1/ 333)].
* تنبيه.
جاء في نسخة جامعة برنستون بأمريكا، والتي يرويها أبو علي الغساني عن ابن عبد البر، من طريق ابن داسة، وفي نسخة مكتبة رئيس الكتاب بتركيا مصطفى أفندي، وهي نسخة ملفقة من روايات ابن داسة وابن الأعرابي والرملي: عقب حديث هشام بن حسان عن الحسن (1352) ما نصه:
حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر منها بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ من الخَمس، حتى يجلس في الآخرة، فيُسلِّم. [وهو نص الحديث المتقدم برقم (1338)]. ورقم له بعلامتي ابن الأعرابي والرملي، ولم ينبه عليه المزي في التحفة.
وجاء في نسخة مكتبة رئيس الكتاب الملفقة: قال أبو داود: "إنما ذكرت [وفي نسخة: كررت] هذا الحديث؛ لأنهم اضطربوا فيه"، ثم قال أبو داود:"وأصحابنا لا يرون الركعتين بعد الوتر". صح لابن دحيم. اهـ.
* وفي نهاية الكلام عن أسانيد حديث عائشة في صفة قيام الليل، وروايتها لأحوال
النبي صلى الله عليه وسلم المتعددة في هيئات قيام الليل، أود أن أذكر بعض كلام الأئمة عن هذه الأحاديث، وتوجيه القول فيها:
* قال أبو بكر الأثرم في الناسخ (151) في الكلام عن عدد ركعات صلاة الليل، وقد أورد الروايات بثلاث عشرة، وإحدى عشرة، وتسع ركعات، وسبع ركعات:"فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه فيها أن ذلك كله جائز، وكل كان يفعل".
وقال قبل ذلك في باب الوتر بركعة وأكثر (87): "فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والأحاديث الأولى هي أثبت وأصح مخارجًا، وإياها يختار أهل المعرفة بالعلم وصحة الأسانيد"؛ يعني: أن أحاديث الوتر بركعة أصح وأثبت من غيرها، ثم كرَّ على ما زاد على الركعة بالتضعيف، إلى أن قال:"وأما حديث هشام عن أبيه عن عائشة، وحديث سعد بن هشام عن عائشة؛ فإن الزهري أثبت من روى عن عروة عن عائشة في هذا الباب، وهو الذي ذكرناه أول الباب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة، فهذا أصلح ما في ذلك، ولم يصح في الوتر بثلاث فما زاد من غير تسليم حديث واحد، ولا أكثر منه، وتلك الأحاديث أكثرها صحاح".
قلت: وهذا خلاف ما ذهب إليه أحمد؛ فإنه قد عمل بحديث هشام بن عروة، وبحديث سعد بن هشام.
قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (328 و 329): "سألت أبي عن الوتر بركعة؟ قال: يعجبنا لمن أوتر بركعة أن تكون قبل ذلك صلاة متقدمة، إما ست، وإما ثمان، وأقل من ذلك، ثنتين ويسلم، ثم يوتر بواحدة.
إن أوتر بخمس لم يجلس إلا في الخامسة، لا يسلم إلا في آخر الخمس، يصلي ولا يجلس في شيء منهن إلا في الخامسة".
ثم قال: "سألت أبي عن الوتر بركعة وثلاث وخمس وسبع وتسع؟ فقال: لا بأس بهذا كله، والذي نختار: يسلم في ثنتين، ويوتر بواحدة".
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (461): "سمعت أحمد سئل عمن يوتر بتسع؟ قال: إذا كان يوتر [وفي رواية: إذا أوتر] بتسع فلا يقعد إلا في الثامنة"[مختصر كتاب الوتر لابن نصر (288)].
وقال ابن القيم في الزاد (1/ 319): "قال مهنا: سألت أبا عبد الله: إلى أي شيء تذهب في الوتر، تسلم في الركعتين؟ قال: نعم. قلت: لأي شيء؟ قال: لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين، الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من الركعتين.
وقال حرب: سئل أحمد عن الوتر؟ قال: يسلم في الركعتين؛ وإن لم يسلم، رجوت ألا يضره، إلا أن التسليم أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: إلى أي حديث تذهب في الوتر؟ قال: أذهب
إليها كلها: من صلى خمسًا لا يجلس إلا في آخرهن، ومن صلى سبعًا لا يجلس إلا في آخرهن، وقد روي في حديث زرارة عن عائشة: يوتر بتسع يجلس في الثامنة.
قال: ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة، فأنا أذهب إليه،
…
".
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (335): "سمعت أبي يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بركعة من أربعة وجوه: عن ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن خالد، وعائشة، وهو الذي آخذ به وأذهب إليه، يسلم في الركعتين ويوتر بواحدة.
وروي عن ابن عباس أنه أوتر بثلاث.
قلت لأبي: قال بعض الناس: أوتر بركعتين؟ قال: لا يكون هذا وترًا حتى يكون واحدةً، أو ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، وهذا كله يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب إلى أن يوتر بواحدة إذا كان قبلها صلاة متقدمة".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 201): "وأجاز أحمد وأصحابه وإسحاق: أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم؛ لما جاء في حديث عائشة المتقدم.
وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث:"صلاة الليل مثنى مثنى"، وقالوا في التسع والسبع والخمس: الأفضل أن تكون بسلام واحد، لذلك".
قلت: هكذا أعمل أحمد ما صح من النصوص الواردة في الباب، ولم يرد بعضها ببعض، ولم يجعله من اختلاف التعارض، وإنما هو من اختلاف التنوع، كما سيأتي بيانه في كلام الأئمة بعده.
* وقال محمد بن نصر في كتاب الوتر (284 - مختصره): "فالذي نختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره: أن يسلم بين كل ركعتين، حتى إذا أراد أن يوتر صلى ثلاث ركعات، يقرأ في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ويتشهد في الثانية ويسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في آخرهن.
وقد روي عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة.
وكلُّ ذلك جائزٌ أن يعمل به اقتداء به صلى الله عليه وسلم غير أن الاختيار ما ذكرنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل أجاب بان صلاة الليل مثنى مثنى، فاخترنا ما اختار هو لأمته، وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله؛ إذ لم يُرو عنه نهيٌ عن ذلك، بل قد روي عنه أنه قال:"من شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة".
غير أن الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بواحدة هي أثبت وأصح وأكثر عند أهل العلم بالأخبار، واختياره صلى الله عليه وسلم حين سئل كان كذلك؛ فلذلك اخترنا الوتر بركعة على ما
فسرنا، واخترنا [كذا، ولعل الصواب: وأجزنا] العمل بالأخبار الأخر؛ لأنها أخبار حسان غير مدفوعة عند أهل العلم بالأخبار".
وهذا كما قال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 222): "والفصل في الثلاث وما وراءها من الأعداد أقوى إسنادًا وأثبت، ومن أدلته: حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق على صحته، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى؛ فإذا رأيت الصبح يدركك فأوتر بواحدة"، ومنها: حديث الزهري عن عروة عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، أخرجه مسلم في صحيحه، والله أعلم".
وقال ابن نصر أيضًا (291 - مختصر الوتر): "فالعمل عندنا بهذه الأخبار كلها جائز، وإنما اختلفت لأن الصلاة بالليل تطوع، الوتر وغير الوتر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تختلف صلاته بالليل ووتره على ما ذكرنا، يصلي أحيانًا هكذا وأحيانًا هكذا، فكل ذلك جائز حسن، فأما الوتر بثلاث ركعات فإنا لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرًا ثابتًا مفسرًا أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، كما وجدنا في الخمس والسبع والتسع، غير أنا وجدنا عنه أخبارًا أنه أوتر بثلاث لا ذكر للتسليم فيها".
وقال ابن خزيمة في الصحيح (2/ 193): "نأخذ بالأخبار كلها التي أخرجناها في كتاب الكبير، في عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، واختلاف الرواة في عددها كاختلافهم في هذه الأخبار التي ذكرتها في هذا الكتاب، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بعض الليالي أكثر مما يصلي في بعض، فكل من أخبر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أزواجه، أو غيرهن من النساء، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل عددًا من الصلاة، أو صلى بصفةٍ، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في بعض الليالي، بذلك العدد، وبتلك الصفة، وهذا الاختلاف من جنس المباح، فجائز للمرء أن يصلي أيَّ عددٍ أحبَّ من الصلاة مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاهن، وعلى الصفة التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها، لا حظر على أحد في شيء منها".
وحكاه ابن المنذر في الأوسط (5/ 159) باختصار وشيء من التصرف مقرًّا به، ثم بوب بعد ذلك (5/ 175) على الوتر بواحدة، وبخمس متصلة بسلام واحد، وبسبع وتسع مع بيان صفة الجلوس، واحتج في ذلك بحديث هشام بن عروة، وبحديث سعد بن هشام.
ثم صرح بثبوت ذلك، فقال في الأوسط (5/ 187):"وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن، وأوتر بسبع، وثبت أنه أوتر بتسع لا يقعد فيهن إلا عند الثامنة، ثم قعد في التاسعة، فبأي فعلٍ مما جاء به الحديث من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر فعله رجل فقد أصاب السُّنَّة؛ غير أن الأكثر من الأخبار والأعم منها أنه سئل عن صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"،
…
".
وقال البيهقي في المعرفة (2/ 317): "
…
، ونحن نقول به، ونجيز الوتر على هذه
الأوجه، وعلى كل وجه صح الخبر به عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا ندع منها شيئًا بحالٍ بحمد الله ومنِّه وحسن توفيقه".
وقال أيضًا (2/ 318): "هذا هو الطريق عند أهل العلم في أحاديث الثقات أن يؤخذ بجميعها إذا أمكن الأخذ به.
ووتر النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في عمره مرة واحدة، حتى إذا اختلفت الروايات في كيفيتها كانت متضادة، والأشبه أنه كان يفعلها على ممر الأوقات على الوجوه التي رواها هؤلاء الثقات، فنأخذ بالجميع كما قال الشافعي رحمه الله، ونختار ما وصفنا في رواية الزهري عن عروة عن عائشة؛ لفضل حفظ الزهري على حفظ غيره، ولموافقته رواية القاسم بن محمد عن عائشة، ورواية الجمهور عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا النوع من الترجيح ترك البخاري رواية هشام بن عروة في الوتر، ورواية سعد بن هشام عن عائشة في الوتر، فلم يخرج واحدة منهما في الصحيح مع كونهما من شرطه في سائر الروايات"، ثم أسند إلى ابن معين قوله: "الزهري أثبت في عروة من هشام بن عروة في عروة"، ثم قال: "وعلى هذا سائر أهل العلم بالحديث، فأما من زعم أن رواية عروة في هذا قد اضطربت؛ فادعها، وأرجع إلى رواية من رواها مطلقة ليس فيها من التفسير ما في رواية عروة؛ ليمكنني تصحيحها على مذهبي، أو إلى رواية من لعله لم يدخل على عائشة إلا مرة واحدة، ولم يسمع منها وراء الحجاب إلا مرة، فإنه لا ينظر في استعمال الأخبار لدينه، ولا يحتاط فيها لنفسه، والله يوفقنا لمتابعة السُّنَّة، وترك الهوى برحمته".
ثم نعى البيهقي في موضع آخر (2/ 319) على من يأخذ من الأحاديث ما يوافق مذهبه وهواه، ويترك منها ما يخالفه، فقال: "واحتج بعض من لا يجوِّز الوتر بركعة واحدة بهذا الحديث [يعني: حديث سعد بن هشام]، ثم تركه، فلم يجوز الزيادة في الوتر على ثلاث ركعات، ولا الزيادة على ركعتين في صلاة الليل.
واحتج برواية الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يسلم من كل ركعتين، وفي حديث الزهري: ويوتر بواحدة، فترك من حديث الزهري ما لا يوافقه، وترك من حديث سعد بن هشام ما لا يوافقه، ويدعي مع هذا متابعة الآثار، والله حسيب الكل".
وقال في الخلافيات (3/ 332)(2/ 274 - مختصره): "فإن ذهبوا إلى الترجيح فحديث عروة بن الزبير أولى؛ لأنه أعرف بحديث عائشة رضي الله عنها من سعد بن هشام، وكما أظن لا يخفى هذا على عالم؛ لقربه من عائشة، وكونه ابن أختها، وفقهه ودرايته بأمور الدين، وهو أحد الفقهاء السبعة من التابعين.
ثم رواية الزهري عنه أولى من رواية هشام بن عروة عنه؛ لأنه أحفظ وأفقه من هشام بكثير، وهذا أيضًا مما لا يخفى على عالم.
وروايته موافقة لما روينا عن ابن عباس وابن عمر.
وقد روينا عن الصحابة الذين سميناهم ما يوافق رواية الزهري عن عروة عن عائشة،
ورواية ابن عمر وابن عباس، وهو متفق على صحته مخرج في كتاب البخاري ومسلم.
وحديث هشام بن عروة عن أبيه، وسعد بن هشام: انفرد مسلم بإخراجه في الصحيح. هذا وجه الترجيح.
وإن صرنا إلى الاستعمال فيجوز له أن يوتر بواحدة أو بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن، أو بتسع أو أقل، يقعد فيها مرتين ولا يسلم إلا في آخرهن، أو لا يقعد إلا في الآخرة منهن؛ لما رويناه في حديث هشام، إلا أن المستحب أن يفصل بينهما بسلام إن قعد في الثانية؛ لحديث ابن عمر وابن عباس، ولما رويناه عن الصحابة.
فنحن نجيز الوتر على هذه الأوجه التي قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي رواية الزهري عن عروة عن عائشة، ورواية هشام عن عروة عن عائشة، ورواية ابن أبي عروبة التي أخرجها مسلم في الصحيح، وأما إذا صلاها ثلاثًا وقعد في الثانية فهي قياس حديث سعد بن هشام".
وأما قول ابن عبد البر في التمهيد (21/ 72): "فلما اختلفت الآثار عن عائشة في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل هذا الاختلاف وتدافعت واضطربت لم يكن في شيء منها حجة على غيره، وقامت الحجة بالحديث الذي لم يختلف في نقله ولا في متنه، وهو حديث ابن عمر، رواه عنه جماعة من التابعين كلهم بمعنى واحد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"،
…
، وقضى حديث ابن عمر بأن رواية من روى عن عائشة في صلاة الليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم منها في كل ركعتين: أصح وأثبت؛ لقوله: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وبالله التوفيق" [انظر: التوضيح (8/ 183)].
وقال في الاستذكار (2/ 102): "وأهل العلم يقولون: إن الاضطراب عنها في أحاديثها في الحج، وأحاديثها في الرضاع، وأحاديثها في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وأحاديثها في قصر صلاة المسافر؛ لم يأت ذلك إلا منها رضي الله عنهما؛ لأن الذين يروون ذلك عنها حفاظ أثبات: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، ومسروق، ونظراؤهم"[انظر: التوضيح (9/ 77)].
قلت: الظاهر أن ابن عبد البر قد أخذ هذا القول عن ابن بطال في شرحه على البخاري (3/ 128)، والذي أخذه بدوره عن الطحاوي فيما كتبه في شرح المعاني (1/ 277 - 296) حيث أطال جدًّا في إيراد أحاديث الباب وقد اجتهد في تأويلها، لتوافق مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، واضطرب في ذلك كلامه، وفي بعض ما تأوله ما لا يحتمله النص، وقد لمزه البيهقي في كلامه السابق نقله.
ومما يدل على أن أول من قال بنسبة الاضطراب لحديث عائشة قبل ابن عبد البر، ما قاله الطحاوي في شرح المعاني (1/ 284): "فقد خالف ما روى هشام ومحمد بن جعفر عن عروة؛ ما روى الزهري من قوله: كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ويسلم بين كل ركعتين.
فلما اضطرب ما روي عن عروة في هذا عن عائشة من صفة وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يكن فيما روى [يعني: عروة] عنها في ذلك حجة، ورجعنا إلى ما روى عنها غيره".
وأما ما عجز عن تأويله فقد رده، حيث يقول (1/ 286):"غير أن ما رواه هشام بن عروة عن أبيه في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن؛ لم نجد له معنى، وقد جاءت العامة عن أبيه وعن غيره عن عائشة رضي الله عنها بخلاف ذلك، فما روته العامة أولى مما رواه هو وحده وانفرد به"، وقد سبق قبل أن نقلت قول من صححه أو احتج به في موضعه؛ فهو حديث صحيح، صححه مسلم، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وغيرهم، واحتج به: أحمد، وأبو داود، والنسائي.
قال القرطبي في المفهم (2/ 367): "قد أشكلت هذه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسبوا حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب.
وهذا إنما كان يصح لو كان الراوي عنها واحدًا أو أخبرت عن وقتٍ واحدٍ، والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز".
وقد أطال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 81) في بيان وجوه الجمع بين أحاديث الباب، لا سيما طرق حديث عائشة، وقد اختصره ابن الملقن بشيء من التصرف فقال في التوضيح (9/ 77)، وكذا في الإعلام (3/ 543): "وذكر القاضي عياض عن العلماء: أن كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة أخبر بما شاهد، وأما الاختلاف في حديث عائشة؛ فقيل: منها، وقيل: من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة منهن الوتر [هو] الأغلب، وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرًا في بعض الأوقات، وأكثره: خمس عشرة بركعتي الفجر، وأقله: سبع.
وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه، بطول قراءة [كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود]، أو لنوم، أو لعذر أمن، مرض أو غيره، أو في بعض الأوقات عند كبر السن، كما قالت [عائشة]: لما أسنَّ صلى سبع ركعات، أو تارة تَعُدُّ الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل، كما رواها زيد [بن خالد]، وروتها عائشة [في صحيح مسلم]، وتعُدُّ ركعتي الفجر تارةً، وتحذفها تارةً، أو تعُدُّ أحدهما [كذا]، وقد تكون عدَّت راتبة العشاء مع ذلك تارةً، وحذفتها تارةً".
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 10): "المثال الثالث والسبعون: ردُّ السُّنَّة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة؛ كحديث أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام، رواه الإمام أحمد، وكقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن، متفق عليه [قلت: انفرد به مسلم]، وكحديث عائشة رضي الله عنها؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة،
…
"، فذكر
الحديث، ثم فال:"وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها؛ فردت هذه بقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة الليل مثنى مثنى" وهو حديث صحيح، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس، وسننه كلُّها حق يصدِّق بعضها بعضًا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى، ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع والتسع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسمًا للركعة المفصولة وحدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى [مثنى]، فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما صلى"، فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضه بعضًا، وكذلك يكون ليس إلا، وإن حصل تناقض فلا بد من أحد أمرين؛ إما أن يكون أحد الحديثين ناسخًا للآخر، أو ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان الحديثان من كلامه وليس أحدهما منسوخًا فلا تناقض ولا تضاد هناك ألبتة، وإنما يؤتى من يؤتى هناك من قِبَل فهمه وتحكيمه آراء الرجال وقواعد المذهب على السُّنَّة؛ فيقع الاضطراب والتناقض والاختلاف، والله المستعان".
* ثم قال ابن الملقن في الإعلام (3/ 545): "ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زيدت زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعله صلى الله عليه وسلم، وما اختاره لنفسه".
وقال أيضًا في شرح حديث هشام بن عروة في الخمس المتصلة بسلام واحد: "أن هذا الحديث معارض له، أعني حديث: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وهو من باب تعارض القول والفعل، ودلالة الفعل على الجواز قوية، ويبعد معها احتمال التخصيص؛ لأنه لا يصار إليه إلا بدليل".
وقد لخصه من كلام ابن دقيق العيد في الإحكام (1/ 319)، حيث قال:"واعلم أن محطَّ النظر: هو الموازنة بين الظاهر من قوله عليه السلام: "صلاة الليل مثنى مثنى" في دلالته على الحصر، وبين دلالة هذا الفعل على الجواز، والفعل يتطرق إليه الخصوص، إلا أنه بعيدٌ لا يُصار إليه إلا بدليل، فتبقى دلالة الفعل على الجواز معارَضة بدلالة اللفظ على الحصر، ودلالة الفعل على الجواز عندنا أقوى".
* فإن قيل: أليس عندنا نص قوي في خلاف ذلك: وهو ما رواه مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره؛ أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كيف صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرةً ركعةً،
…
الحديث [أخرجه مالك في الموطأ (1/ 177/ 315)، ومن طريقه: البخاري (1147 و 2013 و 3569)، ومسلم (738/ 125)، وتقدم برقم (1341)]، وما رواه سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي لبيد، سمع أبا سلمة، قال: أتيت عائشة، فقلت: أيْ أمَّه! أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:
كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة بالليل، منها ركعتا الفجر. [أخرجه مسلم (738/ 127)، وتقدم تحت الحديث رقم (1340)].
ففي هذين النصين ما يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لزم ذلك على الدوام، وأنه لم يكن يزيد على إحدى عشرة ركعة.
* ويؤيده: ما رواه محمد بن جعفر غندر، والنضر بن شميل:
عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: سئلت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما رأيته كان يفضل ليلة على ليلة.
أخرجه أحمد (6/ 127)، وإسحاق (3/ 935/ 1637)، [الإتحاف (16/ 1005/ 21512)، المسند المصنف (37/ 286/ 17888)].
فيقال: الرد على هذا من وجوه:
الأول: أن قول عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في صلاة الليل في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، فهذا هو غاية علمها؛ إذ قد علم غيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد زاد على ذلك فصلى ثلاث عشرة ركعة، ولم يعد فيها ركعتي الفجر، وذلك فيما ثبت من حديث زيد بن خالد الجهني، وتقدم تحت الحديث رقم (1324).
الثاني: أن عائشة أرادت بقولها هذا ذكر أغلب أحواله صلى الله عليه وسلم، وأكثر ما كان يصلي في العادة، وأنه في الغالب ما كان يزيد على إحدى عشرة، ولم تذكر ما كان يصنعه في بعض الأحيان، فلا يمنع من كونه صلى الله عليه وسلم صلى أحيانًا ثلاث عشرة ركعة، وتسع ركعات، وسبع ركعات، والله أعلم.
الثالث: أن حديث النخعي عن عائشة حديث ضعيف؛ لا يثبت مثله، لمخالفته الأحاديث الكثيرة عن عائشة في تنويع النبي صلى الله عليه وسلم صلاته بالليل، واتيانه فيها بهيئات مختلفة.
وإبراهيم بن يزيد النخعي: دخل على عائشة وهو صغير، ولم يسمع منها شيئًا [المراسيل (1)، جامع التحصيل (13)، تحفة التحصيل (19)، راجع: الحديث رقم (243) من الفضل].
ومغيرة: ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس عن إبراهيم، فحديثه عن إبراهيم مدخول، وقال أحمد بأن عامة ما رواه عن إبراهيمٍ إنما سمعه من غيره [التهذيب (4/ 138)، تحفة التحصيل (313)]، ولم يذكر مغيرة سماعًا من إبراهيم في هذا الحديث؛ فلا يبعد أن يكون سمعه من غيره.
قلت: فالكل صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز، ومما يؤكد هذا المعنى:
ما قاله ابن الملقن في الأعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 539) في شرح حديث هشام بن عروة في الخمس المتصلة بسلام واحد: "المختار أن: كان من حيث وضعها لا يلزم منها دوام ولا تكرار، فإن دل دليل على ذلك عمل به، ومما استعمل فيه كان للمرة
الواحدة حديث عائشة: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. ومعلوم أن عائشة لم تحج معه إلا حجة الوداع، ولا يقال: لعلها طيبته لحله قبل أن يطوف بالبيت في العمرة أيضًا، فاقتضت التكرار؛ لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع.
إذا تقرر هذا؛ فقولها: كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، مع ما ثبت في الصحيح عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بتسع ركعات، وكان يقوم بإحدى عشرة منهن الوتر، يسلم من كل ركعتين، وكان يركع ركعتي الفجر إذا جاء المؤذن، وعنها: كان يقوم بثلاث عشرة بركعتي الفجر، وعنها: كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة: أربعًا، أربعًا، وثلاثًا، وعنها: كان يصلي ثلاث عشرة: ثمانيًا، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يصلي ركعتي الفجر، وقد فسرتهما في الحديث الآخر: منها ركعتي الفجر، وعنها في البخاري: أن صلاته بالليل سبع أو تسع، يقتضي كل ذلك عدم التكرار والدوام".
* قلت: والحاصل؛ فإن حديث هشام بن عروة عن أبيه حديث مستقل، حدثه به أبوه عروة، بصفة مستقلة لصلاة الليل غير ما حدث به الزهري، وعروة يحتمل منه التعدد، كما أن هشامًا: ثقة ثبت، قال فيه أبو حاتم؛ وهو أحد المتشددين: داثقة، إمام في الحديث"، وقد روى عنه هذا الحديث جمع غفير من الثقات، فهو حديث ثابت لا مطعن فيه. ولم ينفرد به هشام عن أبيه؛ بل تابعه: ابن عمه محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، وهو: ثقة فقيه، وابن عمه الآخر: عمر بن مصعب بن الزبير، وهو: لا بأس به في المتابعات، وراجع كلامي بالتفصيل في تصحيحه في موضعه السابق.
وأما حديث سعد بن هشام، فهو: تابعي ثقة، لقي عائشة وهو كبير، فيصعب توهيمه بغير حجة، لا سيما ولم يتكلم فيه الأئمة بجرح، ولم يوهنوه لأجل هذا الحديث مع اشتهاره وبلوغه الآفاق، وكون عائشة قد اختصته بصفة خاصة من قيام الليل غير مستبعد، كما اختصت غيره.
* وفي الجملة: فإنه ليس هناك عدد معين مؤقت لقيام الليل، ولا صفة بعينها يجب لزومها، وإنما ذلك بحسب النشاط والتيسير واتساع الوقت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر:"صلاة الليل مثنى مثنى" قاضٍ بجواز الزيادة على أكثر ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم من الثلاث عشرة ركعة، وأما هيئات صلاة الوتر، فسيأتي بحثها في بابها، وخلاصتها: أنه لا يؤتى فيها بصورة محدثة سوى ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لم يوقِّت النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان عددًا معينًا"، ثم ذكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومذاهب السلف والعلماء، ثم قال:"وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين"، ثم قال: "ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير
واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقَّتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ" [مجموع الفتاوى (22/ 272)].
ومما يؤيد ما ذهب إليه: أن حديث ابن عمر المتفق عليه جاء في رواياته ما يبين أن السائل كان أعرابيًّا من أهل البادية، وأنه سأل عن كيفية صلاة الليل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر؛ ففي بعض روايات الصحيح: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدةً، فأوترت له ما صلى"، وإنه كان يقول: اجعلوا آخر صلاتكم وترًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به.
وفي رواية: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيتَ الصبحَ فأوتر بواحدة، توتر لك ما قد صليت".
وفي رواية خارج الصحيح: عن عبد الله بن عمر؛ أنه كان قاعدًا في أصل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس، فجاءه رجل من أهل البادية، فقال: يا رسول الله! صلاة الليل؟ قال: "نعم، مثنى مثنى، فإذا خشيت أن يرهقك الفجر" أو: "يدركك الفجر، ركعت ركعة، فأوترت لك ما مضى". [راجع: تخريجه بطرقه وألفاظه مفصلًا: تحت الحديث رقم (1295)].
فإذا كان السائل يسأل عن كيفية صلاة الليل، ولم يكن من أهل المدينة، بحيث يمكنه الاطلاع على حال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل، كمثل ما وقع لابن عباس وحذيفة وابن مسعود وزيد بن خالد الجهني وغيرهم، ثم يجيبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب من غير توقيت الصلاة بعدد معين، بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص منه، دل على السعة في الأمر، وأن المصلي بالليل ليس له عدد معين يتقيد به في صلاته بالليل؛ إنما هو بحسب النشاط والسعة، وأما الوتر فأرشده فيه أن يوتر بواحدة إذا خشي الصبح، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس وسبع وتسع بسلام واحد، فلا تعارض بينهما، والله أعلم.
***
1353 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى: حدثنا هشيم: أخبرنا حصين، عن حبيب بن أبي ثابت،
(ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه استيقظ، فتسوَّك وتوضَّأ، وهو يقول:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي} [آل عمران: 193] حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف، فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مراتٍ ستَّ ركعاتٍ، كلُّ ذلك يستاك، ثم يتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر
-قال عثمان:- بثلاثِ ركعاتٍ فأتاه المؤذن، فخرج إلى الصلاة، -وقال ابن عيسى: ثم أوتر، فأتاه بلال، فآذنه بالصلاة حين طلع الفجر، فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، ثم اتفقا-، وهو يقول:"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، واجعل في لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل خلفي نورًا، وأمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللَّهُمَّ وأعظِم لي نورًا".
* حديث صحيح، أخرجه مسلم
* أخرجه من طريق محمد بن فضيل: مسلم (763/ 191)، وأبو عوانة (2/ 54/ 2292)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 1749/362)، وابن خزيمة (1/ 229/ 448)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (294)، والبيهقي في الدعوات الكبير (64)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 14/ 906)، وفي التفسير (1/ 385)، وفي الشمائل (569)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 32/ 850)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 363)، وفي المعجم (1037)، [التحفة (4/ 639/ 6287)، الإتحاف (7/ 639/ 8655)، المسند المصنف (11/ 643/ 5647)].
رواه عن محمد بن فضيل: عثمان بن أبي شيبة، وأبو كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن يحيى بن الضريس، وهارون بن إسحاق الهمداني، وواصل بن عبد الأعلى [وهم ثقات]، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي [ضعيف] [وقال الأخيران في آخره:"اللَّهُمَّ أعطني نورًا"، بدل:"أعظم"، ورواية ابن عبد الجبار عند البيهقي:، اللَّهُمَّ أعظم لي نورًا"].
ولابن فضيل فيه إسناد آخر عن الأعمش، يأتي ذكره في الاختلاف على حبيب.
* وأخرجه من طريق هشيم بن بشير: البزار (11/ 389/ 5223)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 287)، وفي المشكل (1/ 17/ 14)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (762)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (76)[وفي سنده زيادة مقحمة، راجع: مسند البزار (5223)]، [التحفة (4/ 639/ 6287)، الإتحاف (7/ 639/ 8655)، المسند المصنف (11/ 643/ 5647)].
وقد سبق أن أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب السواك لمن قام من الليل، برقم (58)، قال: حدثنا محمد بن عيسى: حدثنا هشيم به، إلى قوله: ثم أوتر [راجع: فضل الرحيم الودود (1/ 210/ 58)].
رواه عن هشيم: محمد بن عيسى بن نجيح [ابن الطباع: ثقة حافظ فقيه، من أعلم الناس بحديث هشيم]، وسعيد بن منصور [ثقة حافظ مصنف]، والحسن بن عرفة [ثقة]، وسريج بن يونس [ثقة].
1354 -
قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن حصين،
…
نحوه قال: "وأعظم لي نورًا".
قال أبو داود: وكذلك قال أبو خالد الدالاني عن حبيب في هذا، وكذلك قال في هذا [الحديث]، وقال سلمة بن كهيل، عن أبي رشدين، عن ابن عباس.
* حديث صحيح، أخرجه مسلم
رواه عن وهب بن بقية به: ابن نصر المروزي في قيام الليل (124 - مختصره)، [التحفة (4/ 639/ 6287)، المسند المصنف (11/ 643/ 5647)].
قال ابن نصر: حدثنا وهب بن بقية: أخبرنا خالد بن عبد الله، عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، قال: حدثني أبي؛ أن أباه أخبره؛ أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظ، فاستاك، ثم توضأ وهو يقرأ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190]، فصلى ركعتين، ثم انصرف فنام، حتى سمعت نفخ النوم، ثم استيقظ فاستاك وتوضأ وهو يقول مثل ما قال، حتى فعل ذلك ثلاث مرار، ثم أوتر، ثم أتاه المؤذن فخرج وهو يقول:"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، واجعل في لساني نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل أمامي نورًا، وخلفي نورًا، واجعل عن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، واجعل فوقي نورًا، وتحتي نورًا، اللَّهُمَّ اجعلني نورًا".
هكذا رواه عن حصين بن عبد الرحمن: هشيم بن بشير [ثقة ثبت، أثبت الناس في حصين]، وخالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]، ومحمد بن فضيل [ثقة].
* تابعهم: زائدة بن قدامة، وأبو عوانة، وعبد الله بن إِدريس [وهم ثقات أثبات]: عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فتوضأ فاستاك، وهو يقرأ هذه الآية حتى فرغ منها:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190]، حتى قرأ هؤلاء الآيات، أو انتهى إلى آخر السورة، ثم صلى ركعتين، ثم عاد فنام، حتى سمعت نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك، ثم صلى ركعتين، ثم نام، ثم قام فتوضأ واستاك، وصلى ركعتين، وأوتر بثلاث. لفظ زائدة [عند النسائي]، وبنحوه رواية ابن إدريس [عند الطبراني].
ولفظ أبي عوانة [عند أحمد]: عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، أنه حدثه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: حدثني ابن عباس: أنه بات عند النبي رضي الله عنه، فاستيقظ من الليل، فأخذ سواكه فاستاك به، ثم توضأ وهو يقول:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190]، حتى قرأ هذه الآيات، وانتهى عند آخر السورة، ثم صلى ركعتين، فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف، حتى سمعت نفخ
النوم، ثم استيقظ، فاستاك وتوضأ وهو يقول، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أوتر بثلاث، فأتاه بلال المؤذن، فخرج إلى الصلاة، وهو يقول:"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل أمامي نورًا، وخلفي نورًا، واجعل عن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، اللَّهُمَّ أعظم لي نورًا".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 237/ 1705)، وفي الكبرى (1/ 237/ 402)، وأبو عوانة (2/ 54/ 2292)، وابن خزيمة (1/ 230/ 449)، وأحمد (1/ 373)، وعبد بن حميد (673)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 68/ 1246)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 287)، وفي المشكل (1/ 16/ 13)، والطبراني في الكبير (10/ 278/ 10653)، [التحفة (4/ 6287/639)، الإتحاف (7/ 639/ 8655)، المسند المصنف (11/ 643/ 5647)].
* قال ابن خزيمة (1/ 229): "كان في القلب من هذا الإسناد شيء، فمان حبيب بن أبي ثابت مدلس، ولم أقف هل سمع حبيب هذا الخبر من محمد بن علي أم لا؟ ثم نظرت، فإذا أبو عوانة رواه عن حصين عن حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثني محمد بن علي".
وقال الدارقطني في التتبع (187): "أخرج مسلم حديث حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي عن أبيه، وفيه على حبيب سبعة أقاويل".
* وهذا الحديث قد اختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت:
أ- فرواه حصين بن عبد الرحمن السلمي [ثقة]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، قال:
…
فذكره.
ب- وتابعه: سفيان الثوري [وعنه: معاوية بن هشام القصار]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قام من الليل فاستنَّ، ثم صلى ركعتين، ثم نام، ثم تام فاستن، ثم توضأ فصلى ركعتين حتى صلى ستًا، ثم أوتر بثلاث، وصلى ركعتين.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 236/ 1704)، وفي الكبرى (2/ 135/ 1346)، وأحمد (1/ 350)، والبزار (11/ 388/ 5222)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2478)، وأبو الحسن الحربي في فوائده المنتقاة (46)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (579)، [التحفة (4/ 639/ 6287)، الإتحاف (7/ 639/ 8655)، المسند المصنف (11/ 643/ 5647)].
وهذا غريب من حديث الثوري، تفرد به عنه: معاوية بن هشام القصار، وهو: صدوق، كثير الخطأ، وليس بالثبت في الثوري؛ بل له عنه أوهام كثيرة، قيل: حاله قريب من قبيصة والفريابي، قلت: بل هما أكثر منه رواية عن الثوري، وأقل خطأً، واعتمدهما صاحبا الصحيح [التهذيب (4/ 112)، الميزان (4/ 138)، شرح العلل (2/ 722)].
وانظر في أوهامه على الثوري: ما تقدم برقم (178 و 676 و 929 و 950 و 1243)،
وأوهامه مبثوثة في كتب العلل وغيرها، ذكر طرفًا منها ابن أبي حاتم والدارقطني، وقد نص الدارقطني على وهمه على الثوري في مواضع كثيرة من العلل [انظر مثلًا: علل الدارقطني (3/ 77/ 294) و (4/ 68/ 434) و (4/ 78/ 439) و (4/ 143/ 474) و (4/ 648/386) و (4/ 411/ 663) و (5/ 50/ 695) و (5/ 120/ 764) و (5/ 196/ 817) و (5/ 319/ 910) و (8/ 11/ 1376) و (10/ 93/ 1888 و (11/ 79/ 2136) و (12/ 246/ 2674) و (12/ 324/ 2757) و (12/ 423/ 2856) و (13/ 212/ 3104) و (13/ 402/ 3297) و (15/ 201/ 3947)]، ولعل الدارقطني لينه لأجل وقوفه على هذه الأوهام؛ فإنه لما سئل عنه قال:"ليس بالقوي"[سؤالات السلمي (328)]، وقول ابن معين فيه قريب من الصواب، فإنه لما سئل عن أصحاب الثوري، وتكلم في الترجيح بين أكابرهم كيحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وأبي نعيم، ثم انتقل الدارمي بعد ذلك فقال لابن معين:"قلت: فمعاوية بن هشام؟ فقال: صالح وليس بذاك، قلت: والزبيري؟ أعني: أبا أحمد، فقال: ليس به بأس"، وهكذا رفع ابن معين من شأن أبي أحمد الزبيري في الثوري، بينما حط من شأن معاوية، لما له من أوهام كثيرة عن الثوري [تاريخ ابن معين للدارمي (90 - 95)]، قلت: وهو في الجملة صدوق؛ كما قال أبو حاتم وغيره، لكنه كثير الخطأ في حديث الثوري [الجرح والتعديل (8/ 385)، التهذيب (4/ 112)]، وقد استغرب له ابن عدي حديثين تفرد بهما عن الثوري، وخطاه في حديث تفرد به عن مالك، ثم قال:"ولمعاوية بن هشام غير ما ذكرت حديث صالح عن الثوري، وقد أغرب عن الثوري بأشياء، وأرجو أنه لا بأس به"[الكامل (6/ 407)].
والحاصل: فإن هذا الحديث قد اشتهر من حديث حصين، ولم يُعرف عن الثوري إلا من هذا الوجه، والله أعلم.
* وانظر في الغرائب: ما أخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 454/ 2484 - أطرافه).
ج- خالف فأسقط من الإسناد علي بن عبد الله: زيد بن أبي أنيسة [وعنه: عبيد الله بن عمرو]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن ابن عباس، قال: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن،
…
وساق الحديث.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 237/ 1706)، وفي الكبرى (1/ 237/ 403) و (2/ 136/ 1347)، بإسناد صحيح إلى عبيد الله بن عمرو به.
[التحفة (4/ 699/ 6444)، المسند المصنف (11/ 5647/ 645)].
قلت: زيد بن أبي أنيسة: ثقة حافظ، ولا يضر تفرد عبيد الله بن عمرو الجزري الرقي عنه؛ فهو: ثقة فقيه، كان راويةً لزيد بن أبي أنيسة [انظر: التهذيب (3/ 24)] [وانظر للفائدة: الطريق رقم (28) تحت الحديث السابق برقم (1295)، المعجم الكبير للطبراني (10/ 279/ 10655)].
* وقد توبع زيد على ذلك:
فقد روى الوليد بن عقبة [هو: ابن المغيرة، الكوفي الطحان: صدوق]، عن حمزة الزيات [ثقة]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ولم يقل: عن أبيه.
أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 279/ 10654)، بإسناد صحيح إلى الوليد.
* وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (8/ 302 - ط. الغرب)، من وجه لا يثبت، عن أبي خالد الدالاني [يزيد بن عبد الرحمن: كوفي، لا بأس به، له أوهام، ولا يتابع على بعض حديثه]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن ابن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين قبل الفجر،
…
فذكره مختصرًا بالدعاء.
قال الإمام مسلم في التمييز (215): "محمد بن علي: لا يُعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه، أو رآه".
د- ورواه الأعمش، واختلف عليه:
* فرواه عثام بن علي العامري [كوفي، ثقة، من أصحاب الأعمش، روى له البخاري عن هشام بن عروة]، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك. لفظ قتيبة [عند النسائي]، وبنحوه رواه الجماعة كابن معين.
ولفظ أحمد، وبنحوه رواه أبو الأحوص والأشج: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
ولفظ سفيان بن وكيع [عند ابن ماجه]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
ووقع في رواية قتيبة تفسير مخالف لبقية الروايات: قال عثام: يعني الركعتين قبل الفجر.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 237 - 238/ 404) و (2/ 135/ 1345)، وابن ماجه (288 و 1321)، والحاكم (1/ 145) (1/ 348/ 520 - ط.
الميمان)، والضياء في المختارة (10/ 137/ 139 و 138)، وأحمد (1/ 218/ 1881)، وابن أبي شيبة (1/ 155/ 1789)، وأبو سعيد الأشج في جزئه (34)، وأبو يعلى (4/ 367/ 2485) و (5/ 82/ 2681)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (105 - رواية أبي الحسن الطرازي)، والمحاملي في الأمالي (102 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والطبراني في الكبير (12/ 17/ 12337)، والخطيب في الموضح (2/ 7)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 560)، [التحفة (4/ 312/ 5480)، الإتحاف (7/ 120/ 7441)، المسند المصنف (11/ 614/ 5627)].
رواه عن عثام بن علي: أحمد بن حنبل، وأبو بكر ابن أبي شيبة، ويحيى بن معين،
وقتيبة بن سعيد، وعمرو بن محمد الناقد، ومسدد بن مسرهد، وأبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، ومحمد بن قدامة بن أعين المصيصي، وأبو الأحوص محمد بن حيان، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، وسفيان بن وكيع [ضعيف، واتُّهم]، وغيرهم.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 376): "وإسناده صحيح؛ لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود، وبيَّن فيه أنه تخلل بين الانصرافِ والسواكِ نومٌ، وأصل الحديث في مسلم مبينًا أيضًا".
قلت: قد استدل به شيخه ابن الملقن في الإعلام (1/ 562) على التسوك عقب الصلاة.
قلت: وهو حديث شاذ بهذا السياق، فهو مخالف لما هو ثابت عن ابن عباس من وجوه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك عند الاستيقاظ والوضوء، لا بعد الصلاة.
* فقد روى عياض بن عبد الله الفهري، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، فأتيته وهو في بيت ميمونة، فرقدني على فضل وسادة، حتى إذا كان شطر الليل قام فنظر إلى السماء، ثم قرأ آخر سورة آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] حتى ختمها، ثم عمد إلى شجب من ماء معلق، فتسوك وتوضأ وأسبغ الوضوء،
…
فذكر الحديث.
أخرجه مسلم (763/ 183)، ويأتي ذكره تحت الحديث رقم (1367).
* وروى سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعةً، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر، قعد فنظر إلى السماء، فقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190]، ثم قام فتوضأ واستن، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال، فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح.
أخرجه البخاري (4569 و 6215 و 7452)، ومسلم (763/ 190)، ويأتي ذكره تحت الحديث الآتي برقم (1355).
* وروى إسماعيل بن مسلم: حدثنا أبو المتوكل؛ أن ابن عباس حدثه؛ أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] حتى بلغ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} ، ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى.
أخرجه مسلم (256)، ويأتي ذكره تحت الحديث رقم (1367).
* وروى يونس بن أبي إسحاق: حدثني المنهال بن عمرو، قال: حدثني علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: أمرني العباس رضي الله عنه، قال: بت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً،
…
فذكر الحديث إلى أن قال: ثم استوى على فراشه فرفع رأسه إلى السماء، فقال:"سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، ثم قام فبال، ثم استنَّ بسواكه، ثم توضأ،
…
وذكر الحديث بطوله.
وإسناده جيد، ويأتي ذكره بعد قليل.
* وروى حصين بن عبد الرحمن، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه استيقظ، فتسوَّك وتوضَّأ، وهو يقول:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
…
الحديث، وهو الحديث موضع البحث، وهو حديث صحيح.
ففي هذه الروايات لم يفصل بين الانصراف من الصلاةِ والاستياكِ نومٌ! بل وقع التسوك في مستهل أفعاله صلى الله عليه وسلم ليشرع بعد ذلك في الصلاة، فالتسوك إنما هو لأجل الاستعداد للصلاة، وليس بعد الانصراف منها.
* ورواه محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي الكوفي [واللفظ له][ثقة]، ومحمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي الكوفي [ثقة]، وعلي بن المنذر الطريقي الكوفي [ثقة]، وغيرهم:
عن محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم إبل أعطاها إياه من إبل الصدقة، فلما أتاه، وكانت ليلة ميمونة، وكانت ميمونة خالة ابن عباس، فأتى المسجد فصلى العشاء، ثم جاء فطرح ثوبه، ثم دخل مع امرأته في ثيابها، فأخذت ثوبي، فجعلت أطويه تحتي [وفي رواية: فالتففت فيه]، ثم اضطجعت عليه، ثم قلت: لا أنام الليلة حتى أنظر إلى ما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام حتى نفخ، حتى ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، ثم قام فخرج، فبال، ثم أتى سقاءً موكأً فحلَّ وِكاءَه، ثم صبَّ على يديه من الماء، ثم وطئ على فم السقاء فجعل يغسل يديه، ثم توضأ حتى فرغ، وأردت أن أقوم فأصب عليه، فخفت أن يدع الليلة من أجلي، ثم قام يصلي، فقمت ففعلت مثل الذي فعل، ثم أتيته، فقمت عن يساره، فتناولني بيده فأقامني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع حتى جاءه بلال فأذن بالصلاة، فقام فصلى ركعتين قبل الفجر.
أخرجه أبو داود (1653)[مختصرًا بأوله في إبل الصدقة]، والنسائي في الكبرى (2/ 133/ 1341)[واللفظ له]، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (439)، والبزار (11/ 387/ 5220)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 216)، والبيهقي (7/ 30)[التحفة (4/ 662/ 6344)، المسند المصنف (11/ 634/ 5639)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا ثعلم أحدًا قال: عن حبيب عن كريب، غير محمد بن فضيل. وقد خالفه الثوري وحصين، فقالا: عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس".
قلت، أما حديث الثوري؛ فلا يثبت من حديثه، حيث تفرد به عنه: معاوية بن هشام القصار، ولا يحتمل تفرده عنه، لكثرة غرائبه عن الثوري، كما سبق بيانه.
* وهذا الحديث قد اختلف فيه على ابن فضيل:
فرواه جماعة من ثقات أهل الكوفة وغيرهم، مثل: عثمان بن أبي شيبة، وأبي كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن يحيى بن الضريس، وهارون بن إسحاق الهمداني، وواصل بن عبد الأعلى:
عن محمد بن فضيل، عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم،
…
فذكر الحديث.
* ورواه جماعة آخرون من ثقات أهل الكوفة أيضًا: محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، ومحمد بن عبيد المحاربي، وعلي بن المنذر:
عن محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من إبل الصدقة
…
، الحديث.
فيحتمل أن ابن فضيل حفظه على الوجهين، لا سيما وابن فضيل من أصحاب الأعمش المكثرين عنه.
والأصل فيما يرويه ابن فضيل عن الأعمش: متابعة ثقات أصحاب الأعمش فيما يروونه، فهو يشاركهم مروياتهم عن الأعمش؛ هذا هو الغالب على حديثه عن الأعمش؛ لذا فقد عده الدارقطني ضمن أرفع الرواة عن الأعمش (38 - سؤالات ابن بكير)، لكن عقب بقوله:"وقد غلط عليه في شيء"، وذكر في العلل (4 1/ 3589/235) مرةً الاختلاف على الأعمش، وذكر وهمًا لابن فضيل عليه، ثم قال:"ووهم فيه على قلة وهمه"؛ نعم؛ لا ننكر أن لابن فضيل أوهام معدودة على الأعمش، أشهرها حديث:"إن للصلاة أولًا وآخرًا"، والذي يرويه ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا، وقد خالفه أصحاب الأعمش: زائدة بن قدامة، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو زبيد عبثر بن القاسم؛ فرووه عن الأعمش، عن مجاهد قوله، أو مرسلًا، وهذا حديث قد اتفق أهل الحديث على وهم ابن فضيل فيه [راجع: فضل الرحيم الودود (4/ 404/ 395)].
وفي المقابل فقد احتُمل ابن فضيل في مخالفة بعض أصحاب الأعمش وقُدِّم قوله في أحاديث، وإن كان قد توبع عليها، كما في حديث:"إن الحصاة لتناشد"[راجع: فضل الرحيم الودود (5/ 387/ 459)]، وحديث:"الإمام ضامن"[راجع: فضل الرحيم الودود (6/ 109/ 518)]، وحديث:"أفتانًا يا معاذ؟ " [راجع: فضل الرحيم الودود (6/ 626/
600)]، وحديث:"إن في الصلاة لشغلًا"[راجَع: فضل الرحيم الودود (10/ 114/ 923)، البخاري (1199 و 1216)، مسلم (538)]، وغيرها.
وفي هذا الحديث؛ فقد اختلف سياق الحديثين اختلافًا بيِّنًا مما يدل على حفظ ابن فضيل له، وضبطه لمتنه، لا سيما والمتن الذي رواه عن حصين هو المشهور عنه، وبه رواه عنه أصحابه، والمتن الذي رواه من حديث كريب هو المشهور عنه، وبه رواه عنه أصحابه.
وأما قوله في هذا الحديث: في إبل أعطاها إياه من إبل الصدقة؛ فقد تأوله العلماء: قال الخطابي في المعالم (2/ 72): "وهذا لا أدري ما وجهه والذي لا أشك فيه أن الصدقة محرمة على العباس، والمشهور أنه أعطاه من سهم ذوي القربى من الفيء، ويشبه أن يكون ما أعطاه من إبل الصدقة -إن ثبت الحديث- قضاءً عن سلفٍ كان تسلفه منه لأهل الصدقة، فقد رُوي أنه شُكي إليه العباس في منع الصدقة، فقال: هي عليَّ ومثلها، كانه كان قد تسلف منه صدقة عامين فردها، أو رد صدقة أحد العامين عليه لما جاءته إبل الصدقة، فروى الحديث من رواه على الاختصار من غير ذكر السبب فيه، والله أعلم".
وقال البيهقي: "فهذا لا يحتمل إلا معنيين: أحدهما: أن يكون فبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ثم صار منسوخًا بما مضى، والآخر: أن يكون استسلف من العباس للمساكين إبلًا، ثم ردها عليه من إبل الصدقة، فقد روينا في كتاب الزكاة ما دل على ذلك، والله أعلم".
وقال ابن العربي في الأحكام (2/ 541): "وجوابه لو صح: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من العباس، فردَّ إليه ما استسلف من الصدقة، فأكلها بالعوض"[وانظر أيضًا: المحلى لابن حزم (8/ 125)].
وبعد هذا كله: فإنه يغلب على ظني؛ أن ابن فضيل وهم في ذكر حبيب في حديث الأعمش، وإنما هو: سالم بن أبي الجعد؛ فإنه مروي عن الأعمش من وجهين:
* فقد رواه محمد بن أبي عبيدة [ثقة]، عن أبيه [هو: أبو عبيدة عبد الملك بن معن المسعودي: ثقة]، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس،
…
مختصرًا في إبل الصدقة.
أخرجه أبو داود (1654)، ومن طريقه: البيهقي (7/ 30)، [التحفة (4/ 665/ 6350)، المسند المصنف (11/ 634/ 5639)].
فإن قيل: ابن فضيل ثقة مكثر، من أصحاب الأعمش المقدمين فيه، وأبو عبيدة المسعودي: لم يكن بالمكثر عن الأعمش، وله عنه أوهام [انظر: علل الدارقطني (10/ 111/ 1901) و (10/ 157/ 1949) و (12/ 374/ 2801) و (12/ 432/ 2870)].
فيقال: يؤيد كون أبي عبيدة حفظه عن الأعمش، متابعة جرير بن عبد الحميد له.
* فقد تابعه على هذا الوجه بطرف آخر من الحديث:
جرير بن عبد الحميد [ثقة، من أصحاب الأعمش]، عن الأعمش، عن سالم بن أبي
الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن شماله، فأقامني عن يمينه.
أخرجه أحمد (1/ 257)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (1/ 257)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (132)(1151 - المخلصيات)، [الإتحاف (7/ 680/ 8747)، المسند المصنف (11/ 634/ 5639)].
وهذا حديث صحيح، على شرط الشيخين.
* وانظر أيضًا: ما أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 386).
وعلى هذا فإن المحفوظ في إسناد حديث الأعمش: إنما هو عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس.
وللأعمش فيه إسناد آخر يأتي ذكره في بقية طرق حديث ابن عباس، تحت الحديث رقم (1367).
* والحاصل: فإن حديث عثام بن علي العامري: حديث شاذ، وحديث ابن فضيل: حديث محفوظ، دون ذكر حبيب في الإسناد؛ إنما هو عن سالم بن أبي الجعد، انقلب على ابن فضيل، وحديث أبي عبيدة وجرير عن الأعمش: محفوظ صحيح.
وعلى هذا فإن ذكر حبيب بن أبي ثابت في حديث الأعمش وهم، والله أعلم.
هـ- كامل بن العلاء أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين أفي صلاة الليل،:"اللَّهُمَّ اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني".
أخرجه أبو داود (850)[واللفظ له]. والترمذي (284 و 285)، وقال:"واجبرني"، بدل "وعافني". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(271)، وابن ماجه (898)، وقال: "
…
وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني". وابن حبان في المجروحين (2/ 227)، وزاد "وانصرني واجبرني"، ولم يذكر "واهدني". والحاكم (1/ 262) و (1/ 271)، وزاد "واجبرني وارفعني"، ولم يذكر: "وعافني". والضياء في المختارة (10/ 133/ 130 و 131)، والبزار (11/ 319/ 5128)، وقال: "وارحمني واهدني وأجرني وعافني". والقاسم بن موسى الأشيب في جزئه (1)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 190/ 1481) (3/ 356/ 1475 - ط. الفلاح)، وقال: "وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني". والطبراني في الكبير (12/ 25/ 12363)، وفي الدعاء (614)، وابن عدي في الكامل (6/ 82) (8/ 695/ 14335 - ط. الرشد) [وزاد: "واجبرني"، و (7/ 56)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (77)، والدارقطني في الثالث والثمانين من الأفراد (36) (1/ 430/ 2332 و 2333 - أطرافه)، وأبو الحسن السكري في الأول من حديثه (7) [مجموع مصنفات ابن الحمامي (197)]، والبيهقي في الدعوات الكبير (98 و 99)، وزاد: "واجبرني وارفعني"، ولم يذكر: "وعافني". والبغوي في شرح السُّنَّة (3/
163/ 667)، وفي الشمائل (545)، [التحفة (4/ 310/ 5475)، الإتحاف (7/ 118/ 7438)، المسند المصنف (11/ 649/ 5650)].
تنبيه: أخرجه ابن المقرئ في الأربعين (41)، عن أبي بكر ابن المنذر به؛ إلا أنه أسقط من إسناده حبيب بن أبي ثابت، والصحيح إثباته كما في الأوسط.
* وقد اختلف في هذا الحديث على أبي العلاء كامل بن العلاء:
* فرواه زيد بن الحباب [ثقة]، ط سماعيل بن صبيح اليشكري [صدوق]، وعبيد بن إسحاق العطار [منكر الحديث. اللسان (5/ 349)، كنى مسلم (69)، أسامي الضعفاء (195)]، ونائل بن نجيح الحنفي [ضعيف، روى عن الثوري أباطيل. التهذيب (4/ 212)، الجرح والتعديل (8/ 512)، المجروحين (3/ 60)، تاريخ بغداد (15/ 600)]:
عن كامل أبي العلاء، قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت، يحدث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:
…
فذكره بألفاظ مختلفة هكذا مختصرًا في الدعاء بين السجدتين.
* وهكذا رواه جماعة عن زيد بن الحباب، منهم: أبو كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن مسعود، وسلمة بن شبيب، وإسحاق بن البهلول، وأحمد بن يحيى بن زكريا الصوفي، وصالح بن مسمار السلمي [وهم ثقات]، وعبد السلام بن عاصم الجعفي [صدوق]، وسفيان بن وكيع [ضعيف، واتُّهم]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن][من رواية الحسن بن علي الخلال الحلواني عنه، وهو: ثقة حافظ]، ومحمد بن إسماعيل [يحتمل أن يكون: ابن سمرة الأحمسي، وهو: ثقة] [وعنه: أبو بكر ابن المنذر].
* ورواه علي بن أحمد بن عبد الله بن عمر أبو الحسن الجواربي الواسطي [وثقه الخطيب. تاريخ بغداد (13/ 208)، تاريخ الإسلام (6/ 124 - ط. الغرب)]، والحسين بن عيسى بن حمران البسطامي [ثقة]:
كلاهما عن يزيد بن هارون، عن زيد بن الحباب، عن كامل أبي العلاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا؛ هكذا بإسقاط حبيب بن أبي ثابت من الإسناد.
أخرجه أبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(270 و 271)، وابن عدي في الكامل (3/ 210)(/ 112/ 7278 - ط. الرشد).
والمحفوظ: رواية الجماعة عن زيد بن الحباب، والله أعلم.
* ورواه عبيد بن إسحاق العطار [منكر الحديث][وعنه: زكريا بن حمدويه البغدادي، وهو: مجهول. تاريخ بغداد (9/ 479)، تاريخ الإسلام (6/ 751 - ط. الغرب)]، ومخوَّل بن إبراهيم النهدي الكوفي [قال أبو حاتم:"صدوق]، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره العقيلي وابن عدي في الضعفاء لأجل تشيعه، وقال ابن عدي: "أكثر رواياته عن إسرائيل، وقد روى عنه أحاديث لا يرويها غيره، وهو في جملة متشيعي أهل الكوفة". ضعفاء العقيلي (4/ 262)، الجرح والتعديل (8/ 399)، الثقات (9/ 203)، الكامل (6/ 439)، اللسان (8/ 19)] [والراوي عنه: القاسم بن محمد الدلال الكوفي،
وهو: ضعيف. ضعفاء الدارقطني (440)، سؤالات الحاكم (160)، الثقات (9/ 19)، تاريخ الإسلام (6/ 794 - ط. الغرب)، اللسان (6/ 380)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 18)].
قالا: ثنا كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعًا، فاستقى ماء، فتوضأ، ثم قرأ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السورة، ثم افتتح البقرة، فقرأها حرفًا حرفًا حتى ختمها، ثم ركع، فقال:"سبحان ربي العظيم"، ثم سجد، فقال:"سبحان ربي الأعلى"، ثم رفع رأسه، فقال بين السجدتين:"رب اعفر لي، وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني"، ثم قام فقرأ في الركعة الثانية آل عمران حتى ختمها، ثم ركع وسجد، ثم فعل كما فعل في الأولى، ثم اضطجع، ثم قام فزعًا ففعل مثلما فعل في الأوليين فقرأ حرفًا حرفًا، حتى صلى ثمان ركعات، يضطجع بين كل ركعتين، وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتي الفجر، ثم قال:"اللَّهُمَّ اجعل في نفسي نورًا، وفي قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، واجعل بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن فوقي نورًا، وأعظم لي نورًا". واللفظ للعطار.
أخرجه جعفر الخلدي في فوائده (127 و 141) مطولًا ومختصرًا، والطبراني في الكبير (12/ 20/ 12349)[واللفظ له].
* ورواه خالد بن يزيد الطبيب [ثقة]: نا كامل بن العلاء، عن حبيب بن أبى ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من نومه فزعًا، فاستن سواكه،
…
فذكر الحديث، وقال فيه: وكان إذا رفع رأسه من السجدتين، -أو: قال بين السجدتين- قال: "رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني"، ثم سجد.
أخرجه أبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (78)، والبيهقي في السنن (2/ 122).
* ورواه يحيى بن آدم [ثقة حافظ]: حدثثا كامل بن العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، أو: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بين السجدتين في صلاة الليل:"رب اغفر لي، وارحمني، وارفعني، وارزقني، واهدني"، ثم سجد.
أخرجه أحمد (1/ 315)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (10/ 134/ 132)، [الإتحاف (7/ 34/ 7270)، المسند المصنف (11/ 649/ 5650)].
* ورواه أسود بن عامر [شاذان: ثقة]، قال: أخبرنا كامل، عن حبيب، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، قال: فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل،
…
فذكر
الحديث، قال: ثم ركع، قال: فرأيته قال في ركوعه: "سبحان ربي العظيم"، ثم رفع رأسه، فحمد الله ما شاء أن يحمده، قال: ثم سجد، قال: فكان يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، قال: ثم رفع رأسه، قال: فكان يقول فيما بين السجدتين: "رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني".
أخرجه أحمد (1/ 371)(2/ 818/ 3583 - ط. المكنز)، [الإتحاف (7/ 34/ 7270)، المسند المصنف (11/ 649/ 5650)].
* قال الترمذي: "هذا حديث غريب،
…
، وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلًا".
وقال الدارقطني: "تفرد به كامل بن العلاء عن حبيب بن أبي ثابت".
وقال البغوي: "هذا حديث غريب".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو العلاء كامل بن العلاء: ممن يجمع حديثه في الكوفيين".
قلت: بل هو كما قال ابن حبان، فقد أدخل أبا العلاء هذا في المجروحين، وأخرج هذا الحديث في مناكيره، وقال:"كان ممن يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل من حيث لا يدري، فلما فحش ذلك من أفعاله بطل الاحتجاج بأخباره".
وكما ذكره أيضًا ابن عدي في كامله، وأخرج حديثه هذا في جملة ما أنكره عليه، ثمٍ قال:"ولكامل غير ما ذكرت من الحديث، وليس بالكثير، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره؛ إلا أني رأيت في بعض رواياته أشياء أنكرتها، فذكرته من أجل ذلك، ومع هذا أرجو أن لا بأس به".
وقول ابن عدي فيه: "أرجو أن لا بأس به"، مع كونه ساق له أحاديث أنكرها عليه، فهذا دليل على عدم التعديل، وإنما أراد نفي تهمة تعمد الكذب عنه، فإن ابن عدي غالبًا ما يستعمل هذه العبارة فيمن هو متكلَّم فيه، وليس بالواهي، ممن ضعفُه محتمل، أو الغالب عليه الصدق في الرواية، وقد وثقه جماعة، ويقولها ابن عدي أيضًا في جماعة ممن ضعّفهم هو وغيره، وبعضهم من المتروكين والهلكى، حتى قال العلامة المعلمي اليماني في الفوائد المجموعة (459):"ليس هذا بتوثيق، وابن عدي يذكر منكرات الراوي، ثم يقول: أرجو أنه لا بأس به؛ يعني بالبأس: تعمد الكذب"، والله أعلم [راجع: فضل الرحيم الودود (8/ 333/ 755)، وما تحت الحديث رقم (1114)].
فإن قيل: قد وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان والعجلي، وقال النسائي وابن معين أيضًا:"ليس به بأس"، وقولهم أولى ممن جاء بعدهم، فيقال: قد اختلف فيه قول النسائي؛ فقال فيه أيضًا: "ليس بالقوي"، فعاد قوله إلى تليينه، وقال ابن سعد:"كان قليل الحديث، وليس بذاك"، فإذا كان مع قلة حديثه يهم فيه ويخطئ، فحري بمثله أن يضعَّف، وقد حمَّله البزار تبعة بعض الأحاديث الباطلة التي رواها، وأنكر عليه أحاديث، وأما ابن
حبان وابن عدي فقد وقفا له على أحاديث منكرة، هو الذي تفرد بها، تستلزم القدح فيه، وكذلك أورده العقيلي في الضعفاء، وأخرج له حديثين منكرًا بهما عليه، كما أن أحمد قد رد حديثه في الاطلاء بمرسل قتادة، مع كون مراسيل قتادة عندهم شبه الريح، نعم؛ بعض ما رواه من الأحاديث الباطلة يمكن تعصيب الجناية فيها بغيره، مثل قصة المرأة الغَيرَى، لكن حديث أم سلمة مثلًا في ندب الوليد: حديث منكر من جهة أبي العلاء نفسه، وكان ابن حجر اضطر إلى الإقرار بذلك في التهذيب والإصابة، فقال:"وهذا باطل"، وثمة أحاديث أخرى أنكرت عليه والإسناد إليه صحيح، وتصرف العقيلي وابن حبان وابن عدي يشتمل على حجة بيثة في جرحه، كما أن امتناع ابن مهدي من التحديث عنه يدل على ذلك أيضًا، وكذلك تصرف البخاري لما ترجم له في تاريخه الكبير حيث لم يورد له سوى أحد الأحاديث المنكرة؛ مشيرًا بذلك إلى ضعفه؛ لذا قدمنا هذا الجرح المفسر على التعديل المجمل، فلعل من وثقه لم يقف على هذه الأحاديث التي أنكرت عليه، أو وقف على بعضها لكن قواها بأصول تشهد لها، ومن علم حجة على من لم يعلم، لا سيما ومع الجارح زيادة علم، والله أعلم [انظر: الطبقات الكبرى (6/ 379)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 268/ 1266) و (3/ 273/ 1303) و (3/ 341/ 1653) و (3/ 448/ 2200)، سؤالات ابن الجنيد (310)، التاريخ الكبير (7/ 244)، معرفة الثقات (1539)، التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (1/ 489/ 2000 - السفر الثاني) و (2/ 207/ 2462 - السفر الثالث)، المعرفة والتاريخ (3/ 271)، مسند البزار (4/ 308/ 1490) و (7/ 226/ 2798) و (16/ 249 - 250/ 9427 - 9429)، الضعفاء الكبير (4/ 8)، الجرح والتعديل (7/ 172)، المراسيل (1)، علل الدارقطني (8/ 268/ 1562) و (15/ 233/ 3980)، الآداب الشرعية (3/ 324)، الميزان (3/ 400)، التهذيب (3/ 456)، الإصابة (6/ 621)].
قلت: وقد سبق لي أن حكمت على أبي العلاء بأنه ليس بالقوي، لكن ظهر لي الآن صحة إطلاق الضعف عليه، حيث إن له أحاديث مناكير، وأباطيل تفرد بها عن الثقات المشاهير، فضلًا عن كونه كثير الوهم على حبيب بن أبي ثابت، وهذا الحديث من مناكيره، وقد اضطرب كامل أبو العلاء في إسناد هذا الحديث ومتنه، فقد رواه عنه جماعة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال في إسناده مرة: عن حبيب عن ابن عباس، أو: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس [شك فيه، كما في رواية يحيى بن آدم]، وقال في إسناده مرة أخرى: عن حبيب، عن ابن عباس [أسقط سعيد بن جبير، كما في رواية أسود بن عامر]، وأما المتن: فإنه كان مرة يرويه مطولًا، وأخرى مختصرًا، مع اضطرابه في ألفاظه، وهذا من دلائل ضعفه، وزيادته في متن الحديث ما ليس منه.
فكيف يوصف ما أسنده بالحسن فضلا عن الصحة، والحديث كما قال الترمذي:"غريب"، بل هو منكر؛ تفرد به كامل هذا بهذه الزيادة في الدعاء بين السجدتين، فقد روى هذا الحديث بدونها:
* حصين بن عبد الرحمن السلمي [ثقة]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس؛ أنه بات عند النبي رضي الله عنه،
…
فذكر قصة مبيته وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، ولم يأت بهذا الذكر بين السجدتين.
* ورواه أيضًا: زبد بن أبي أنيسة [ثقة]، وحمزة بن حبيب الزيات [ثقة]:
كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن ابن عباس، قال: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن،
…
وساقا الحديث، بإسقاط ذكر علي من الإسناد، ولم يأتيا بهذه الزيادة [تقدم ذكره قريبًا].
* ورواه أيضًا: يونس بن أبي إسحاق: حدثني المنهال بن عمرو، قال: حدثني علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: أمرني العباس رضي الله عنه،
…
فذكر الحديث بدون الزيادة.
* ورواه الحكم بن عتيبة، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وأبو هاشم الرماني، ويحى بن عبَّاد بن شيبان الأنصاري أبو هبيرة الكوفي:
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بهذا الحديث، دون ذكر هذه الزيادة [ويأتي الكلام عليها برقم (1356 - 1358) إن شاء الله تعالى].
* وقد رواه جماعة عن كريب عن ابن عباس بدونها [ويأتي ذكره قريبًا].
* كما قد رواه عن ابن عباس بدونها أيضًا: أبو جمرة، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وأبو المتوكل، وسميع الزيات، وغيرهم [يأتي ذكرهم تحت الحديث رقم (1367)] [وراجع: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 181/ 99)].
و- وروى أبو أحمد الزبيري، وأبو داود سليمان بن داود، ويحيى بن آدم، وعون بن سلام [وهم ثقات]:
عن أبي بكر النهشلي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثماني ركعات، ويوتر بثلاث، ويصلي الركعتين، فلما كبر صار إلى تسع: وست وثلاث [وفي نسخة: صار إلى تسع: ست وثلاث]. لفظ أبي أحمد [عند أحمد][انظر: المسند (2/ 2758/660 - ط. المكنز)].
ولفظ يحيى بن آدم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثماني ركعات، ويوتر بثلاث، ويصلي ركعتين قبل صلاة الفجر.
ولفظ أبي داود وعون مختصر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 237/ 1707)، وفي الكبرى (1/ 237/ 401) و (2/ 136/ 1348)، وأحمد (1/ 299/ 2714) و (1/ 301/ 2740) و (1/ 326/ 3006)، والطحاوي (1/ 287)، والطبراني في الكبير (12/ 150/ 12730)، وأبو طاهر المخلص في الثالث من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (210)(576 - المخلصيات)، [التحفة (4/ 471/ 6547)، الإتحاف (8/ 132/ 9072)، المسند المصنف (11/ 617/ 5630)].
* خالفهم: أحمد بن عبد الجبار العطاردي [ضعيف]، قال: حدثني أبي [صدوق، في حديثه وهم كثير. ضعفاء العقيلي (3/ 90)، الثقات (8/ 418)، سؤالات الحاكم (5)، الموضح (1/ 458) و (2/ 559)، المغني (1/ 366)، اللسان (5/ 58)]، عن أبي بكر بن عبد الله [هو: النهشلي]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثمان ركعات ويوتر بثلاث، ثم بركعتي الفجر، فلما أسن صار إلى سبع.
أخرجه الخطيب في الموضح (2/ 559).
* وخالفهم في إسناده: أبو بلال الأشعري [ضعيف. اللسان (8/ 26) و (9/ 32)]: ثنا أبو بكر النهشلي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن وثاب، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثمان ركعات، ويوتر بثلاث.
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 136/ 12690)، وفي الأوسط (5/ 370/ 5586).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن وثاب إلا أبو بكر النهشلي".
قلت: المحفوظ: رواية الجماعة عن أبي بكر النهشلي، وهو: كوفي، صدوق، وثقه الأئمة؛ ابن مهدي وأحمد وابن معين وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان والدارقطني، لكن قال فيه أبو حاتم:"شيخ صالح يكتب حديثه، وهو أحب إلي من أبي بكر الهذلي"[التهذيب (4/ 497)، تاريخ الإسلام (10/ 541)، الجرح والتعديل (9/ 344)، المعرفة والتاريخ (3/ 180)، سنن الدارقطني (2/ 180)]، قلت: والهذلي: متروك، قال فيه أبو حاتم:"ليس بقوي، لين الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به"[التهذيب (4/ 498)، الجرح والتعديل (4/ 313)]؛ فكان أبا حاتم يلين النهشلي، لكنه يرفعه درجةً فوق الهذلي، وهذا يدل على وقوفه له على أوهام توجب القدح فيه [انظر: علل ابن أبي حاتم (1796)، علل الدارقطني (8/ 210/ 1522) و (12/ 378/ 2806) و (13/ 469/ 3359)]، وقال فيه ابن سعد:"وكان مرجيًا، وكان عابدًا ناسكًا، وكانت له أحاديث، ومنهم من يستضعفه"[الطبقات الكبرى (6/ 378)]، وقال عثمان الدارمي:"سمعت أحمد بن يونس يقول: كان أبو بكر النهشلي شيخًا صالحًا مغفلًا"[تاريخ الدارمي (943)]، والوصف بالغفلة يقدح في ضبط الراوي، وقال يعقوب بن شيبة:"هو: صدوق، ضعيف الحديث"، قلت: الأقرب عندي أن يعقوب بن شيبة أراد أبا بكر النهشلي فهد بن حيان فإنه أصغر من صاحب الترجمة، وفهد: متروك [تاريخ بغداد (13/ 415)، اللسان (6/ 362)]، وقال ابن حبان:"كان شيخًا صالحًا فاضلًا، غلب عليه التقشف؛ حتى صار يهم ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم، فبطل الاحتجاج به؛ وإن كان ظاهره الصلاح"، ثم قال:"وأبو بكر النهشلي وإن كان فاضلًا؛ فهو ممن كثر خطؤه فبطل الاحتجاج به إذا انفرد، وإن اعتبر معتبر بما وافق الثقات لم يجرح في فعله ذلك"[المجروحين (3/ 145)]، قلت: أعدل الأقوال فيه؛ ما
قال الذهبي في الميزان (4/ 496): "وهو حسن الحديث، صدوق"، وتبعه ابن حجر في التقريب، فليس هو بالثقة الحجة، ولكنه صدوق يحتج به، وأوهامه ليست بالكثيرة التي تنزله عن هذه الرتبة، فإن ظهرت لنا قرائن تدل على خطئه، رددنا روايته، والله أعلم.
ولذلك فإن رواية النهشلي لهذا الحديث أُراها وهمًا منه على حبيب بن أبي ثابت، ولعله دخل له حديث في حديث؛ لأمور:
الأول: أن هذا الحديث يُعرف عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس، وليس من حديث يحيى بن الجزار عن ابن عباس.
والثاني: أن أبا بكر النهشلي لم يضبط متنه، فقد اختلف عليه الثقات في متنه.
والثالث: أن يحيى بن آدم قد روى أثرًا لأبي بكر النهشلي، فأدخل فيه رجلًا بينه وبين حبيب بن أبي ثابت.
رواه يحيى بن آدم، قال: حدثنا أبو بكر النهشلي، عن محمد بن قيس، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاووس،
…
فذكر أثرًا مقطوعًا عليه.
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 554/ 23086)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 210).
فلعل هذا الحديث مما لم يسمعه أبو بكر النهشلي من حبيب.
والرابع: أن حديث يحيى بن الجزار إنما يرويه الثقات الأثبات عنه عن أم سلمة، وعن عائشة:
فقد روى أبو معاوية [ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، عن الأعمش [ثقة ثبت حافظ]، عن عمرو بن مرة [ثقة مأمون]، عن يحيى بن الجزار، عن أم سلمة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبعٍ.
أخرجه الترمذي (457)، وغيره [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1339)].
ورواه سفيان الثوري، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة، ومحمد بن فضيل [وهم ثقات، من أصحاب الأعمش المقدمين فيه]:
عن الأعمش، عن عمارة بن عمير [ثقة ثبت]، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعاتٍ، فلما كثر لحمه وأسنَّ صلى سبع ركعاتٍ.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 238/ 1709)، وغيره [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1339 و 1340)].
وقد أعل النسائي حديث النهشلي بحديث أم سلمة وعائشة، فدل ذلك على كونه غير محفوظ عنده، وأنه لم يخرجه محتجًّا به.
قال النسائي بعد حديث النهشلي: "خالفه عمرو بن مرة؛ فرواه عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثم قال:"خالفه عمارة بن عمير؛ فرواه عن يحيى بن الجزار عن عائشة".
وقد قلت في الموضع المحال عليه من فضل الرحيم الودود [(1339 و 1340)] بأن
حديث أم سلمة وحديث عائشة كلاهما محفوظ عن الأعمش، وأن الأعمش يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وأن حديث أم سلمة: ضعيف لانقطاعه، وأما حديث عائشة فهو حديث صحيح؛ لما ثبت من وجه آخر يعضده.
والحاصل: فإن حديث أبي بكر النهشلي: حديث شاذ، والله أعلم.
ز- وروى عطاء بن مسلم الحلبي: ثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكارة فاستصغرها، ثم قال لي: انطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني، فقل: بأبي أنت! إنا قوم نعمل؛ فإن كان عندك أسن منها فابعث بها إلينا، فاثيته بها، فقال:"ابن عمي! وجهها إلى إبل الصدقة"، ثم أتيته في المسجد فصليت معه العشاء، فقال:"ما تريد أن تبيت عند خالتك الليلة؟ قد أمسيت"، فوافقت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتها فعشتني، ووطأت لي عباءة بأربعة فافترشتها، فقلت: لأعلمن ما يعمل النبي صلى الله عليه وسلم الليلة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا ميمونة"، فقالت: لبيك يا رسول الله، قال:"ما أتاك ابن أختك؟ "، قالت: بلى، هو هذا، قال:"أفلا عشيتيه إن كان عندك شيء"، قالت: قد فعلت، قال:"فوطئت له؟ "، قالت: نعم، فمال إلى فراشه فلم يضطجع عليه واضطجع دونه، ووضع رأسه على الفراش، فمكث ساعة ثم سمعته قد نفخ في النوم، فقلت: نام وليس بالمستيقظ، وليس بقائم الليلة، ثم قام حين قلت: ذهب الربع الأول من الليل، فأتى سواكًا له ومطهرةً، فاستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك، وهو يتلو هؤلاء الآيات {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190]، ثم وضع السواك، ثم قام إلى قربة له فحل شناقها، فأردت أن أقوم فأصب عليه فخشيت أن يذر شيئًا من عمله، فلما توضأ دخل مسجده فصلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة مقدار خمسين آية، يطيل فيها الركوع والسجود، ثم جاء إلى مكانه الذي كان عليه فاضطجع هويًا، فنفخ وهو نائم، فقلت: نام، ليس بقائم الليلة حتى يصبح، فلما ذهب ثلث الليل أو نصفه أو قدر ذلك قام، فصنع ذلك، ثم دخل مسجده فصلى أربع ركعات على قدر ذلك، ثم جاء إلى مضجعه فاتكأ عليه فنفخ، فقلت: ذهب النوم ليس بقائم حتى يصبح، ثم قام حين بقي سدس الليل أو أقل، فاستاك ثم توضأ، ثم دخل مسجده، فكبر فافتتح فاتحة الكتاب، ثم قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، ثم ركع وسجد، ثم قام فقرأ فاتحة الكتاب، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ثم ركع وسجد، ثم قام فقرأ فاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، ثم قنت، ثم ركع وسجد، فلما فرغ قعد حتى إذا طلع الفجر، قال:"يا عبد الله"، قلت: لبيك يا رسول الله، قال:"قم، فوالله ما كنت بنائم"، فقمت فتوضأت ثم صليت خلفه، فقرأ بفاتحة الكتاب، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ثم ركع وسجد، ثم قام فِي الثانية فقرأ فاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، فلما سلم سمعته يقول: "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن
تحتي نورًا، وأعظم لي نورًا يا رب العالمين" [وهذا لفظه بتمامه عند الطبراني].
وفي رواية [عند الطحاوي والدينوري]: بت عند خالتي ميمونة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات، ثم أوتر، فقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، ثم قنت ودعا، ثم ركع.
وفي رواية: أوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث، قنت فيها قبل الركوع.
أخرجه مطولًا، أو مختصرًا بطرف منه: محمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (1/ 201)، والطحاوي في المشكل (11/ 369/ 4502)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (952)، والطبراني في الكبير (12/ 131/ 12679)، وفي الدعاء (761)، وابن عدي فى الكامل (5/ 368)(8/ 519/ 13749 - ط. الرشد)، وأبو بكر الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (1/ 676)، والدارقطني في الأفراد (1/ 428/ 2317 - أطرافه)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 62)، والبيهقي في السنن (3/ 41)، في الخلافيات (3/ 351/ 2563)، وغيرهم.
قال ابن عدي: "وعطاء بن مسلم: له أحاديث غير ما ذكرت، عن العلاء بن المسيب والأعمش وغيرهما، وفي أحاديثه بعض ما ينكر عليه"، وقد ساق حديثه هذا ضمن ما أنكره عليه.
وقال الدارقطني: "تفرد به عطاء بن مسلم الحلبي عن العلاء بن المسيب وسفيان الثوري عنه"؛ يعني: عن حبيب به.
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث حبيب والعلاء، تفرد به عطاء".
وقال البيهقي في السنن: "وهذا ينفرد به عطاء بن مسلم، وهو ضعيف".
وقال في الخلافيات: "عطاء بن مسلم الخفاف: ضعيف".
قلت: هذا حديث منكر؛ العلاء بن المسيب: ثقة، وفي تفرد عطاء بن مسلم الخفاف بهذا الحديث نكارة ظاهرة، فإن عطاء كان قد دفن كتبه، وحدث من حفظه فوهم كثيرًا، وقد أنكرت عليه أحاديث، فلم يعد بذاك القوي، واضطرب حديثه، ولم يتابع على هذا السياق ممن رواه عن حبيب، وقد زاد فيه زيادات منكرة [انظر: التهذيب (3/ 107)، الميزان (3/ 76)، علل الحديث ومعرفة الرجال (263)، معرفة الثقات (1241)، مسند البزار (3/ 14/ 760) و (9/ 94/ 3626)، ضعفاء العقيلي (3/ 405)، الجرح والتعديل (6/ 336)، علل الحديث لابن أبي حاتم (2013 و 2358)، المجروحين (2/ 131)، الكامل (5/ 367)، تاريخ بغداد (12/ 294)].
* ويمكن تلخيص الاختلاف على حبيب بن أبي ثابت بما يأتي:
أ- اشتهر من حديث حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فتوضأ،
…
الحديث.
ب- وانفرد معاوية بن هشام القصار، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قام من الليل فاستنَّ، ....
وهو غريب من حديث الثوري، ولا يثبت عنه.
ج- وروى زيد بن أبي أنيسة، وحمزة بن حبيب الزيات [وهما: ثقتان]، وأبو خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن [لا بأس به، ولا يتابع على بعض حديثه؛ ولم أقف عليه من وجه يثبت]:
عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي، عن ابن عباس، قال: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن،
…
الحديث؛ بإسقاط ذكر علي بن عبد الله من الإسناد.
والمحفوظ رواية حصين بن عبد الرحمن، فإن حديثه أشهر، وقد زاد في الإسناد رجلًا، وهو: ثقة مأمون، من كبار أصحاب الحديث، تحتمل منه الزيادة في الإسناد، وقد رواه عنه أثبت أصحابه وأعلمهم بحديثه، وأخرجها مسلم في صحيحه.
ثم إن الحديث محفوظ من رواية علي بن عبد الله عن أبيه، من رواية المنهال بن عمرو، كما سيأتي بيانه قريبًا.
د- وأما حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، فقد اختلف فيه على الأعمش، والمحفوظ فيه: عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس.
فليس هو من حديث حبيب بن أبي ثابت، وذكر حبيب في حديث الأعمش وهم، والله أعلم.
هـ- وأما ما رواه كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة،
…
الحديث، وفيه الدعاء بين السجدتين.
فهو حديث منكر.
و- وأما رواية أبي بكر النهشلي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثمانى ركعات، ويوتر بثلاث.
فهو حديث شاذ.
ز- وأما رواية عطاء بن مسلم الخفاف: حدثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة
…
فذكر الحديث بطوله، وأتى فيه بزيادات منكرة.
فهو حديث منكر.
وبذا نخلص أن المحفوظ من حديث حبيب بن أبي ثابت: هو ما رواه حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فتوضأ،
…
الحديث، وهو الوجه الذي أخرجه مسلم في صحيحه.
وبهذا التحرير تسقط دعوى الاضطراب التي ألمح إليها الدارقطني، حين قال في
التتبع (187): "أخرج مسلم حديث حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي عن أبيه، وفيه على حبيب سبعة أقاويل".
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 484) عن حديث علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عند مسلم: "فزاد على الرواة تكرار الوضوء وما معه، ونقص عنهم ركعتين أو أربعًا، ولم يذكر ركعتي الفجر أيضًا، وأظن ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت؛ فإن فيه مقالًا، وقد اختلف عليه فيه في إسناده ومتنه".
قلت: حبيب بن أبي ثابت: ثقة فقيه جليل، وقد وقع له بعض الأوهام، وقد تقدم معنا لحبيب بن أبي ثابت من الأوهام: حديث القبلة وحديث المستحاضة، واللذان لم يسمعهما حبيب من عروة بن الزبير؛ بل وأخطأ فيهما أيضًا على عروة [راجع: حديث القبلة في فضل الرحيم الودود (2/ 320/ 180)، وحديث المستحاضة في فضل الرحيم الودود (3/ 371/ 298)]، وحديثه عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءَكم المساجد، وبيوتهن خيرٌ لَهُنَّ"، وهو حديث شاذ [راجع: فضل الرحيم الودود (6/ 403/ 567)]، وحديثه عن طاووس عن ابن عباس في صلاة الكسوف، وهو حديث خطأ، أخطأ فيه حبيب فجعل في كل ركعة أربع ركوعات [تقدم برقم (1183)]، وحديثه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف، ولا مطر، حيث أخطأ في قوله: ولا مطر، والمحفوظ: ولا سفر [تقدم برقم (1211)]، لكن يبدو لي أن حبيب بن أبي ثابت قد حفظ هذا الحديث؛ فإنه قد توبع عليه، كما سيأتي بيانه، والله أعلم.
قلت: ويمكن أن يعتذر لمسلم بأنه: إنما أخرجه في المتابعات، لكون علي بن عبد الله بن عباس قد تابع في الدعاء كريبًا مولى ابن عباس، ومن المعلوم أنه يحتمل في المتابعات، ما لا يحتمل في الأصول، ومع ذلك: فالأقرب عندي أنه حديث محفوظ، ويأتي بيان ذلك.
* فقد توبع حبيب على روايته بإسناد علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه:
أ- روى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: حدثني داود بن عيسى الكوفي، عن منصور بن المعتمر، قال: حدثني علي بن عبد الله بن عباس، قال: حدثني أبي؛ أن أباه بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال: فوجدته جالسًا مع أصحابه في المسجد، فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى المغرب، قام يركع حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء، وثاب الناس، ثم صلى الصلاة فقام يركع، حتى انصرف من بقي في المسجد، ثم انصرف إلى منزله، وتبعته، فلما سمع حسي قال:"من هذا؟ "، والتفت إليَّ، فقلت: ابن عباس، فقال:"ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قلت: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"مرحبًا بابن عم رسول الله، ما جاء بك؟ "، فقلت: بعثني أبي بكذا وكذا، فقال:"الساعة جئت؟ "، فقلت: لا، فقال: "إذ لم تنصرف إلى ساعتك هذه فلست
منصرفًا"، فدخل منزله ودخلت معه، فقلت: لأنظرن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استيقظ فرمى ببصره إلى السماء، وتلا هذه الآيات التي في سورة آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخرها الآيات الخمس، حتى انتهى إلى: {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران: 194]، ثم قال: "اللَّهُمَّ اجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن تحتي نورًا، واجعل لي عندك نورًا"، وإلى جانبه مخضب من برام مطبق عليه سواك، فاستن ثم توضأ ثم ركع ركعتين، وعاد فنام أيضًا حتى سمعت غطيطه، ثم استيقظ فتلا الآيات ودعا الدعوة، ثم استن ثم توضأ ثم ركع ركعتين، ثم نام حتى سمعت غطيطه، ثم استيقظ فتلا الآيات ودعا الدعوة، ثم استن ثم توضأ ثم ركع ركعتين، ثم نام حتى سمعت غطيطه، فتلا الآيات، ثم دعا بالدعوة، ثم استن ثم توضأ ثم صلى صلاة عرفت أنه يوتر فيها، فجئت إلى ركنه الأيسر، فأخذ بأصبعه في أذني، فأدارني حتى أقامني إلى ركنه الأيمن، ثم ركع ركعتين الفجر، ثم خرج إلى الصلاة.
أخرجه أبو عوانة (2/ 55/ 2293)، والطبراني في الكبير (10/ 276/ 10649)[واللفظ له]، وفي الأوسط (1/ 16/ 38)، وفي الدعاء (760)، والدارقطني في الأفراد (1/ 455/ 2488 - أطرافه)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 309)، [الإتحاف (7/ 639/ 8655)].
قال الدارقطني: "غريب من حديث منصور بن المعتمر عن علي بن عبد الله عن أبيه، تفرد به داود بن عيسى النخعي عنه، وهو غريب من حديث داود بن عيسى، تفرد به: يحيى بن حمزة قاضي دمشق عنه".
قلت: هو حديث باطل من حديث منصور بن المعتمر، ثم من حديث داود بن عيسى؛ وداود بن عيسى الكوفي، مولى للنخع، سكن دمشق: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان متقنًا، عزيز الحديث"[التاريخ الكبير (3/ 242)، الجرح والتعديل (3/ 419)، الثقات (6/ 287)، تاريخ دمشق (17/ 180)، تاريخ الإسلام (9/ 127)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 186)]، ويحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي: ثقة [التقريب (659)].
والشأن في حفيده أحمد: حدث عن أبيه عن جده عن مشايخ ثقات بأحاديث بواطيل لا يحتملونها، وكان يقبل التلقين، وقال أبو حاتم:"سمعت أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئًا"[الثقات (9/ 74)، مسند أبي عوانة (5/ 138/ 8137)، فتح الباب (4471)، تاريخ دمشق (5/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 83)، اللسان (1/ 650)].
ومحمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي: روى عن أبيه وجادة، وقال ابن حبان في الثقات:"ثقة في نفسه، يتقى حديثه ما روى عنه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وأخوه عبيد؛ فإنهما كانا يدخلان عليه كل شيء"[الثقات (9/ 74)، تاريخ الإسلام (17/ 349)، اللسان (7/ 576)].
والحاصل: فإنه لا يصلح مثله في المتابعات.
ب- ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين، وشبابة بن سوار، وأبو أحمد الزبيري [وهم ثقات]:
عن يونس بن أبي إسحاق [كوفي، صدوق]: حدثني المنهال بن عمرو [كوفي، صدوق]، قال: حدثني علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: أمرني العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: بت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم[ليلةً]، فانطلقت إلى المسجد، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الآخرة، ثم قام يصلي حتى لم يبق في المسجد أحد غيره، ثم مر بي، فقال:"من هذا؟ "، قلت: عبد الله، قال:"فمه؟ "، قلت: أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة، قال:"فالحقْ [إذًا] "، قال: فلما دخل، قال:"افرشوا لعبد الله"، قال: فأُتيت بوسادةٍ من مُسُوح [حشوها ليف]، قال: وتقدَّم إليَّ العباس: لا تنم حتى تحفظ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فال: فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه فرفع رأسه إلى السماء، فقال:"سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، قال: ثم قام [فبال]، ثم استنَّ بسواكه، ثم توضأ، ثم دخل مصلاه، فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، ثم عاد إلى فراشه، فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه ففعل كما فعل المرة الأولى، ثم استنَّ بسواكه وتوضأ، ثم دخل مصلاه فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، ثم عاد إلى فراشه، فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه ففعل كما فعل، ثم استنَّ بسواكه، ثم توضأ ثم دخل مصلاه فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، ثم عاد إلى فراشه، فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه ففعل كما فعل، ثم استنَّ بسواكه، ثم توضأ ثم دخل مصلاه فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، ثم عاد إلى فراشه فنام حتى سمعت غطيطه، ثم فعل كما فعل ثم أوتر، فلما قضى صلاته سمعته يقول:"اللَّهُمَّ اجعل في بصري نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في لساني نورًا، واجعل في قلبي نورًا، واجعل عن يميني نورًا، واجعل عن شمالي نورًا، واجعل من أمامي نورًا، واجعل من خلفي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، واجعل من أسفلي [أسفل مني] نورًا، واجعل لي يوم القيامة نورًا، وأعظم لي نورًا". لفظ أبي نعيم [عند الطبراني في الدعاء، وهو أتم الروايات، وزيادة الركعتين للمرة الرابعة وهمٌ، لم يرد إلا في كتاب الدعاء، ولعله من الناسخ، وفي بقية الروايات لأبي نعيم عند الطبراني وغيره أن ذلك تكرر ثلاث مرات، بست ركعات، ثم أوتر، وكذا وقع في رواية شبابة وأبي أحمد].
وفي رواية شبابة [عند أبي يعلى]: فصلى ست ركعات ثم أوتر بثلاث، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، فلما فرغ من صلاته قال:
…
فذكر الدعاء.
أخرجه الحاكم (3/ 535 - 536)(8/ 56/ 6419 - ط. الميمان)، وابن أبي الدنيا
في التهجد وقيام الليل (514)، والبزار (11/ 388/ 5221)، وأبو يعلى (4/ 419/ 2545)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 286 و 339)، وفي المشكل (1/ 15/ 12)، وفي أحكام القرآن (447)، والطبراني في الكبير (10/ 275/ 10648)، وفي الدعاء (759)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 138/ 553)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 208)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (493)، والبيهقي في الأسماء والصفات (60)، [الإتحاف (7/ 639/ 8655)، المسند المصنف (11/ 646/ 5648)].
قال أبو نعيم: "هذا حديث صحيح من حديث ابن عباس، روي عنه من وجوه كثيرة، وحديث يونس رواه عنه أبو أحمد الزبيري مثله، ورواه داود بن عيسى النخعي عن منصور بن المعتمر عن علي نحوه، ورواه حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي عن أبيه عن جده نحوه، ورواه الأحوص بن حكيم عن علي بن عبد الله عن أبيه نحوه.
والمتفق عليه من هذه الروايات رواية كريب عن ابن عباس، رواه عن كريب: مخرمة بن سليمان، وعمرو بن دينار، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر، وسلمة بن كهيل، وبكير الطائي، وتفرد مسلم بحديث حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي عن أبيه، أخرجه من حديث ابن فضيل عن حصين، ورواه داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، طول في الدعاء وحذف الصلاة".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: اسناده كوفي جيد.
وبذا يظهر أن حبيب بن أبي ثابت لم ينفرد بهذه الهيئة في هذا الحديث، وأنه قد توبع عليها كما ترى.
وأن الفصل بين كلل ركعتين بالنوم والاستياك والوضوء وتلاوة الآيات الخواتم من سورة آل عمران: إنما هو من حديث علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه.
لكن خالفه المنهال بن عمرو في مواضع من القصة:
فقال: ثم قام يصلي حتى لم يبق في المسجد أحد غيره، ولم يذكر حبيب في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في المسجد بعد صلاة العشاء يتنفل حتى انصرف الناس.
وقال: "سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات، عند الاستيقاظ من النوم، ولم يذكره حبيب بن أبي ثابت.
وقال: فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، وخالفه في ذلك حبيب، فقال: ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود.
قلت: ما انفرد به المنهال في حديثه عن حبيب مما يحتمل تفرده به، والاختلاف في وصف الصلاة بالطول والقصر أمر نسبي، والمعهود من صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل هو التطويل.
وأما موضع الدعاء: فقد اختلف الرواة فيه على يونس بن أبي إسحاق، ويمكن حمل رواية أبي نعيم المجملة والتي قال فيها:"ثم أوتر فلما قضى صلاته سمعته يقول"، يمكن
حملها على رواية شبابة المفسرة: "ثم أوتر بثلاث ثم صلى الركعتين قبل الفجر فلما فرغ من صلاته قال"؛ يعني: أنه لما قضى صلاته في بيته ومنها صلاة الركعتين قبل الفجر عندئذ دعا بهذا الدعاء، لكن في رواية حبيب جعل الدعاء حين خروجه إلى الصلاة، فقال:"ثم خرج إلى الصلاة وهو يقول"، ولعله رواها بالمعنى؛ أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بهذا الدعاء بعد فراغه من صلاته، واختتم صلاته به، حتى اتصل ذلك بخروجه إلى صلاة الفريضة، والله أعلم.
وأكثر الرواة جعلوا هذا الدعاء في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل في بيته، وليس في صلاة الفريضة بالناس في المسجد، ولا في الطريق إلى المسجد، فقد قال سفيان الثوري في روايته عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس [تأتي قريبًا]:"وكان يقول في دعائه"؛ وموضع الدعاء هو السجود، يعني: في صلاته التي وصفها ابن عباس، وهو لم يصف صلاته بالناس الفريضة، وقال سعيد بن مسروق عن سلمة بن كهيل:"وكان يقول في سجوده"؛ يعني: في صلاته التي وصفها ابن عباس، وهي رواية مفسرة لما أجمل في رواية غيره، وقال عقيل بن خالد عن سلمة بن كهيل:"ودعا وسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ تسع عشرة كلمة"، ومذا صريح في كون ذلك كان في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل، وموضع الدعاء هو السجود على ما صرح به سعيد بن مسروق في روايته، وشذ ابن إسحاق فرواه عن سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد بن نويفع، كلاهما عن كريب عن ابن عباس، قال:"وركعتين بعد طلوع الفجر قبل الصبح، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءً"؛ فذكره ثم قال: "ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن فقام".
وفي حديث يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ أنه دعا بهذا الدعاء بعدما قضى صلاته من الليل، وفي رواية:"ففهمت من دعائه"؛ يعني: في صلاته تلك الليلة [وفيهما ضعف. انظر: ما سيأتي برقم (1358)].
وقال أبو هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: "فسمعته قال في مصلاه"، وهذا يحتمل الأمرين: كونه دعا به في سجوده، أو دعا به بعدما فرغ من ركعتي الفجر [وهو حديث صحيح. انظر: ما سيأتي برقم (1358)].
فإن قيل: جاء في رواية شعبة عن سلمة بن كهيل: "ثم خرج إلى الصلاة فصلى، نجعل يقول في صلاته، أو في سجوده" -شك شعبة-، قلت: شك شعبة هنا قرينة على كونه لم يضبط موضع الدعاء، ولعله وقع له فيه تقديم وتأخير، حيث قدم قوله:"ثم خرج إلى الصلاة فصلى"، وحقه التأخير، فتصبح رواية شعبة -على هذا التأويل- متابعة لرواية سعيد بن مسروق في تعيين موضع الدعاء، وهو السجود -على تردد وقع من شعبة-، لكن ذلك كان في صلاة الليل، لا في صلاة الفريضة، فأكثر الرواة عن سلمة بن كهيل على أنه دعا به في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل، وقيده سعيد بن مسروق بالسجود، وهو موضع الدعاء، وعليها تحمل بقية الروايات المجملة، والله أعلم.
وعلى هذا فإن رواية حبيب بن أبي ثابت يمكن حملها على رواية المنهال بن عمرو، وأنها مروية بالمعنى، لتقترب من بقية الروابات عن ابن عباس، وأن دعاءه صلى الله عليه وسلم كان بعدما قضى صلاته حتى اتصل دعاؤه بالخروج إلى الصلاة، وهو وجه من رواية سعيد بن جبير، كما تقدم بيانه، لكن في حديث كريب أنه دعا به في سجوده، وهو أيضًا وجه من رواية سعيد بن جبير، ولا أستبعد التعدد في مثل ذلك، مع اتحاد الواقعة؛ يعني: مع كون ابن عباس ينقل لنا ما رآه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في ليلة بعينها، وأن قصة مبيته هذه لم تتعدد، ومع ذلك فلا مانع من القول بأن نفس الدعاء الذي دعا به صلى الله عليه وسلم، قد تكرر في موضعين، مرة في سجوده، ومرة بعد فراغه من صلاة الركعتين قبل الفجر، وقبل خروجه لصلاة الفريضة، والله أعلم.
* قال الطحاوي في الشرح (1/ 287): "فأخبر علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان في صلاته تلك، وأنه ثلاث، وخالف أبا جمرة وعكرمة بن خالد وكريبًا في عدد التطوع".
قلت: مثل هذا يحتمل تأويله، ويرد متشابهه إلى محكمه، والله أعلم.
* قال ابن حجر في الفتح (2/ 484): "والحاصل: أن قصة مبيت ابن عباس يغلب على الظن عدم تعددها؛ فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها، ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم، ولا سيما إن زاد أو نقص، والمحقق من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة، وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سُنَّة العشاء، ويوافق ذلك رواية أبي جمرة عن ابن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ: كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة؛ يعني بالليل، ولم يبين هل سُنَّة الفجر منها أو لا،
…
".
* قلت: ومن وجوه الجمع بين حديث علي بن عبد الله بن عباس، وحديث سعيد بن جبير، وحديث كريب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ليلته تلك إحدى عشرة ركعة [كما سيأتي بيانه عند حديث سعيد بن جبير برقم (1357)]، فيكون ابن عباس لما حدث ابنه عليًّا بهذه القصة اختصر منها ذكر الركعتين الخفيفتين اللتين يستفتح بهما صلاة الليل [كما جاء ذلك في حديث سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان، ويأتي برقم (1364)]، كما أن قوله: أوتر بثلاث، يحمل على الفصل، لثبوت الرواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر في تلك الليلة بركعة واحدة [كما سيأتي بيانه عند حديث سعيد بن جبير برقم (1356)].
* وروى خالد بن عمرو القرشي: حدثنا عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كلما جلس للصلاة استن.
أخرجه أبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (147)(762 - المخلصيات)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 331).
وهذا حديث باطل؛ خالد بن عمرو القرشي، هو: ابن محمد بن عبد الله بن سعيد بن
العاص القرشي الأموي السعيدي، أبو سعيد الكوفي: متروك، منكر الحديث، كذبه ابن معين، ورماه بالوضع جماعة [الكامل (3/ 29)، تاريخ بغداد (8/ 199)، التهذيب (1/ 528)، الميزان (1/ 635)].
* وأما ما رواه ابن أبي ليلى، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس، قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلةً حين فرغ من صلاته [وفي رواية: بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته ممسيًا، وهو في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فلما صلى ركعتي الفجر، قال]: "اللَّهُمَّ إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي
…
" فذكر دعاءً طويلًا.
فهو حديث منكر؛ تقدم تخريجه بطرقه في فضل الرحيم الودود (1/ 58/211)، [المسند المصنف (11/ 647/ 5649)].
* قلت: حديث علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، والذي جاء من طريقين يقوي أحدهما الآخر، والذي فيه: أنه صلى الله عليه وسلم نام بين كل ركعتين، ثم قام في كل مرة فتسوك وتوضأ وقرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران: لم ينفرد به علي، فقد جاء ما يؤيده ولو بمطلق الفصل بين الركعات بالنوم.
* فقد تابعه على هذا الفصل:
أ- سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
…
فذكر الحديث، قال: ثم تعارَّ من الليل، فقام فنظر في أفق السماء وفكر، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران، ثم أخذ سواكًا فاستنَّ، ثم خرج فقضى حاجته، ثم رجع إلى شَنٍّ معلقة فصب على يده، ثم توضأ ولم يوقظ أحدًا، ثم قام فصلى ركعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأُراه صلى مثل ما رقد، قال: ثم اضطجع مكانه، فرقد حتى سمعت غطيطه، ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، يأتي تخريجه تحت الحديث الآتي برقم (1355).
ب- وروى شعبة، قال: حدثنا الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعاتٍ، ثم نام، ثم قام، ثم قال:"نام الغليم"، أو كلمة تشبهها، ثم قام، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعاتٍ، ثم صلى ركعتين، ثم نام، حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة.
أخرجه البخاري (117 و 697)، ويأتي تخريجه برقم (1357).
ج- وروى إسماعيل بن مسلم: حدثنا أبو المتوكل؛ أن ابن عباس حدثه؛ أنه بات
عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر اِلليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: 190] حتى بلغ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران: 194]، ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى.
أخرجه مسلم (256)، ويأتي ذكره تحت الحديث رقم (1367).
فظهر بمجموع هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بين كل ركعتين بالنوم والاستياك والوضوء وتلاوة الآيات، حتى صلى عشر ركعات وأوتر بواحدة، لكنه لم يفصل في آخرها بين الشفع والوتر؛ يعني: أنه صلى الثلاث الأخيرة بدون فصل بالنوم، وإنما فصل بينها بالتسليم: صلى ركعتين، ثم صلى ركعة واحدة يوتر بها، ولذلك فإن ذكر الثلاث في حديث علي بن عبد الله بن عباس؛ المراد منه عدم الفصل بينها بالنوم، والله أعلم.
* وأما حديث سلمة بن كهيل، عن أبي رشدين، عن ابن عباس:
أ- فيرويه عبد الرحمن بن مهدي، وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، وعبد الرزاق بن همام، والحسين بن حفص [وهم ثقات، من أصحاب الثوري، وأثبتهم فيه ابن مهدي]: عن سفيان [الثوري]، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القربة، فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين، ولم يكثر، وقد أبلغ، ثم قام فصلى، فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له [وفي رواية ابن مهدي عند البخاري: أرتقبه، وعند أحمد: أرتقبه، وعند ابن حبان: أرقبه، وفي رواية أبي حذيفة والحسين بن حفص: أرقبه]، فتوضأت، فقام فصلى، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي [وفي رواية البخاري: فأخذ بأذني، وفي رواية أبي حذيفة: فأخذ برأسي] فأدارني عن يمينه، فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى، ولم يتوضأ.
وكان [يقول] في دعائه: "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، [زاد أبو حذيفة والحسين بن حفص: وفي لساني نورًا]، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وعظِّم لي نورًا"[وفي آخر رواية البخاري: "واجعل لي نورًا"، بدل: وعظِّم].
قال كريب: وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس، فحدثني بهن، فذكر: عصبي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبَشَري، وذكر خصلتين [وفي رواية أبي حذيفة: قال كريب: وستة عندي مكتوبات في التابوت: ومخي وعصبي وشعري وبشري وعظامي، زاد الحسين بن حفم: ودمي، وقال أبو عوانة في آخره: يقال: التابوت فيه كتب علي بن عبد الله بن عباس].
أخرجه البخاري في الصحيح (6316)، وفي الأدب المفرد (695)، ومسلم (763/ 181)، وأبو عوانة (1/ 793/234) و (2/ 47/ 2272) و (2/ 48/ 2273)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 360/ 1744)، والترمذي في الشمائل (258)، والنسائي في الكبرى (1/ 234/ 396)، وابن حبان (6/ 362/ 2636)، وابن الجارود (11)، وأحمد (1/ 283 و 343)، وعبد الرزاق (2/ 403/ 3862) و (3/ 36/ 4707)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (38 و 383)، والبزار (11/ 383/ 5216)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 171/ 1964)، والطبراني في الكبير (11/ 419/ 12189)، والبيهقي في السنن (1/ 122)، وفي الدعوات الكبير (424)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 215)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 11/ 905)، وفي الشمائل (479)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 34/ 853)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (2/ 135/ 1303)، [التحفة (4/ 666/ 6352)، الإتحاف (7/ 8747/679) و (7/ 680/ 8747)، المسند المصنف (11/ 625/ 5636)].
* تنبيه: زاد عبد الرزاق في روايته عن الثوري: منها ركعتا الفجر، بعد قوله: فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، ويبدو لي أنها مدرجة في الحديث من كلام عبد الرزاق تفسيرًا للعدد، وذلك لعدم ورودها في رواية الجماعة من أصحاب الثوري، ولم يتابعه عليها أحد ممن روى الحديث عن سلمة بن كهيل، كما سيأتي.
* ورواه مختصرًا: وكيع بن الجراح، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل، فقضى حاجته، ثم فسل وجهه وبديه، ثم نام.
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ.
أخرجه مسلم (304)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (1/ 359/ 695)، وأبو داود (5043)، وابن ماجه (508)، وأحمد (1/ 234)، [التحفة (4/ 666/ 6352)، الإتحاف (7/ 680/ 8748)، المسند المصنف (11/ 625/ 5636)].
ب- ورواه غندر محمد بن جعفر، وحجاج بن محمد المصيصي، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي عدي [وهم ثقات، من أصحاب شعبة]:
عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فبقيت [وفي رواية حجاج: فتعينت، أو: فترقبت، أو: فتفقدت، وفي رواية غندر، والطيالسي: فرقبت، كيف يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقام فبال، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام، ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها، ثم صب في الجفنة، أو القصعة، فأكب بيده عليها، ثم توضأ وضوءًا حسنًابين الوضوءين، ثم قام يصلي، فجئت فقمت إلى جنبه، فقمت عن يساره، قال: فأخذني فأقامني عن يمينه، فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه.
ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته، أو في سجوده [شك شعبة]:
"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، واجعل لي نورًا"، أو قال:"واجعلني نورًا".
زاد غندر في آخره [عند أحمد]، وحجاج [عند أبي عوانة]: قال [يعني: شعبة]: وحدثني عمرو بن دينار، عن كريب، عن ابن عباس؛ أنه ثام مضطجعًا.
أخرجه مسلم (763/ 187)، وأبو عوانة (1/ 234/ 792) و (2/ 48/ 2274)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 360 - 361/ 1745)، وابن خزيمة (1/ 66/ 127) و (3/ 17/ 1534)، وابن حبان (4/ 292/ 1445)، وأحمد (1/ 284)، والطيالسي (4/ 424/ 2829)، والطحاوي (1/ 286)، [التحفة (4/ 666/ 6352)، الإتحاف (7/ 679/ 8747) و (7/ 680/ 8747)، المسند المصنف (11/ 625/ 5636)].
* ورواه النضر بن شميل [ثقة ثبت]، ويحيى بن سعيد القطان [ثقة حجة إمام، من أثبت الناس في شعبة]:
عن شعبة: حدثنا سلمة بن كهيل، عن بكير، عن كريب، عن ابن عباس، قال سلمة: فلقيت كريبًا، فقال: قال ابن عباس: كنت عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . ، ثم ذكر بمثل حديث غندر، وقال:"واجعلني نورًا" ولم يشك.
أخرجه مسلم (763/ 187)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 361/ 1746)، وابن ماجه (508 م)، والطبراني في الكبير (11/ 420/ 12191)، وقاضي المارستان في مشيخته (533).
وانظر: مسند أبي عوانة (2/ 49)، [التحفة (4/ 662/ 6343) و (4/ 666/ 6352)، المسند المصنف (11/ 625/ 5636)].
ج- ورواه أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن سلمة بن كهيل، عن أبي رشدين مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث، وبات النبي صلى الله عليه وسلم عندها، فرأيته قام لحاجته، فأتى القربة فحل شناقها، فتوضأ وضوءًا بين الوضوءين، ثم أتى فراشه فنام، ثم قام قومةً أخرى، فأتى القربة فحل شناقها، ثم توضأ وضوءًا هو الوضوء، ثم قام يصلي، [فقمت فصنعت كما صنع، ثم أتيته فقمت عن يساره، فلفتني فأقامني عن يمينه، فصلى إما إحدى عشرة ركعة، وإما ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ].
وكان يقول في سجوده: "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري فورًا، واجعل من تحتي نورًا، ومن فوقي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، واجعل أمامي نورًا، واجعل خلفي نورًا، وأعظم لي نوراً"، ثم نام حتى نفخ، فأتاه بلال فأيقظه للصلاة.
ولم يذكر غسل الوجه والكفين.
أخرجه مسلم (763/ 188)، وأبو عوانة (2/ 49/ 2275)، وأبو نعيم في مستخرجه
على مسلم (2/ 361/ 1747)، والنسائي في المجتبى (2/ 218/ 1121)، وفي الكبرى (1/ 357/ 712)، وابن أبي شيبة (2/ 8489/234) و (6/ 29/ 29231)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 307)، والطبراني في الكبير (11/ 418/ 12188)، والدارقطني في الأفراد (1/ 499/ 2817 - أطرافه)، [التحفة (4/ 666/ 6352)، الإتحاف (7/ 679/ 8747)، المسند المصنف (11/ 625/ 5636)].
قال الدارقطني: "غريب من حديث سعيد بن مسروق عن سلمة بن كهيل، تفرد به أبو الأحوص".
د- ورواه عقيل بن خالد؛ أن سلمة بن كهيل حدثه؛ أن كريبًا حدثه؛ أن ابن عباس بات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القربة، فسكب منها فتوضأ ولم يكثر من الماء، ولم يقصر في الوضوء،
…
وساق الحديث.
وفيه قال: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ تسع عشرة كلمة، قال سلمة: حدثنيها كريب، فحفظت منها ثنتي عشرة، ونسيت ما بقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ اجعل لي في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا".
أخرجه مسلم (763/ 189)، وأبو عوانة (2/ 49/ 2276)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 362/ 1748)، [التحفة (4/ 666/ 6352)، المسند المصنف (11/ 625/ 5636)].
هـ- ورواه إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، أثبت الناس في ابن إسحاق]، عن ابن إسحاق، قال: حدثثي عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل سلمة بن كهيل الحضرمي، ومحمد بن الوليد [بن نويفع مولى آل الزبير]، كلاهما عن كريب، عن عبد الله بن عباس، قال: بعثني أبي العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء الآخرة في حاجة له، فلما بلغته إياها قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أي بني! بت عندنا هذه الليلة"، وكان في بيت ميمونة رضي الله عنها، فبتُّ عندهما، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة رضي الله عنها في الحجرة، وتوسدا وسادةً لهما من أدمٍ محشوةٍ ليفًا، وبتُّ عليها معترضًا عند رأسيهما، فهبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فتعارَّ ببصره في السماء، ثم تلا هؤلاء الآيات من آل عمران:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى انتهى إلى خمس آيات، ثم عاد لمضجعه فنام هويًا من الليل، ثم ذهب فتعارَّ ببصره في السماء فتلاهنَّ، ثم قام إلى شنٍّ معلقةٍ، ثم استفرغ منها في إناء، ثم توضأ الوضوء، ثم أخذ بُردًا له حضرميًّا فتوشحه، ثم دخل البيت فقام يصلي، قال ابن عباس: فقمت إلى الشنِّ فاستفرغت منه، ثم توضأت كما رأيته توضأ، ثم دخلت عليه البيت فقمت عن يساره، فأدارني حتى جعلني عن يمينه، ثم وضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فجعل يمسح بها أذني، فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليونسني بيده في ظلمة البيت، ثم صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ عشرةَ ركعةً من الليل، وركعتين بعد طلوع الفجر قبل الصبح، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءً.
فقال لي سلمة: قد ذكر لي كريب دعاءه فلم أحفظ منه إلا اثنتي عشرة كلمة، قوله:"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا"، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن فقام.
أخرجه ابن نصر في قيام الليل (121 - مختصره)، والطحاوي في المشكل (1/ 17/ 15).
قال ابن حجر في الفتح (2/ 482): "ولمحمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب من الزيادة: فقال لي: "يا بني بت الليلة عندنا"".
قلت: هو هذا الطريق، من طريق ابن إسحاق، حيث قرن في إسناده بين سلمة بن كهيل، وبين محمد بن الوليد بن نويفع.
وقد انفرد ابن إسحاق من بين أصحاب سلمة بن كهيل بإقرانه بمحمد بن الوليد بن نويفع هذا، وذلك لكونه هو المتفرد بالرواية عنه.
قلت: محمد بن الوليد بن نويفع، مولى الزبير بن العوام القرشي، وأمه مولاة رافع بن خديج: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني:"يعتبر به"، وقال الذهبي: "فيه كلام،
…
، ما حدث عنه سوى ابن إسحاق، له حديث عن كريب، في إسلام ضمام بن ثعلبة" [انظر: التاريخ الكبير (1/ 254)، الجرح والتعديل (8/ 111)، الثقات (7/ 420 و 428)، سؤالات البرقاني (462)، الميزان (4/ 60)، التهذيب (3/ 724)].
وعليه: فهو في عداد المجاهيل، وهو قليل الرواية جدًّا، ما له سوى ثلاثة أحاديث بهذا الإسناد.
قلت: فيحتمل من روايته ما كان موافقًا لرواية الثقات، ويُرَدُّ منها ما انفرد به، أو خالف فيه الثقات، وأهم ما انفرد به في هذا الحديث:
* قوله: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي بني! بت عندنا هذه الليلة"، وقد تقدم من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال:
…
فذكر الحديث إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ "، قلت: عبد الله، قال:"قمه؟ "، قلت: أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة، قال:"فالحقْ إذًا"، وهذا أولى؛ فإن إسناده جيد [وتقدم].
* وقوله بعد أن أداره فجعله عن يمينه: "ثم وضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فجعل يمسح بها أذني، فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليونسني نجيده في ظلمة البيت".
وقد جاء من طريق مالك، عن مخرمة بن سليمان عن كريب:"فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، فأخذ بأذني يفتِلُها"، ومن طريق سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن
سليمان: "ووضع يده على رأسي فجعل يمسح أذني كأنه يوقظني"، ومن طريق عياض بن عبد الله الفهري، عن مخرمة بن سليمان:"فجعل يقرأ وهو يفتل بأذني"، ومن طريق الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان:"فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني"[سيأتي تخريج هذه الطرق عند الحديث رقم (1367)، والحديث رقم (1364)].
هكذا جاء في طرق حديث مخرمة بن سليمان [وهو: مدني ثقة]: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يفتل بأذنه لكي يوقظه إذا أغفى، وروايته أولى من رواية ابن نويفع، والله أعلم.
* وقوله: "وركعتين بعد طلوع الفجر قبل الصبح، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءً"؛ فذكره ثم قال: "ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن فقام"، وأصحاب سلمة بن كهيل على أن هذا الدعاء كان في سجوده أو في صلاته.
و- ورواه ابن أبي ليلى [ليس بالقوي]، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأحفظنَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصنع، فجاء من المسجد فأتى ناحية الدار فقضى حاجته، ثم أتى القربة فأطلق شناقها فغسل وجهه ويديه، ثم أخذ مضجعه فمكث ما شاء الله، ثم قام فأتى ناحية الدار، ثم أتى القربة فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءاً بين الوضوءين لم يكثر إهراقة الماء، وقد أسبغ الوضوء، ثم أتى المسجد، قال: فصنعت كما صنع، ثم جئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فمدها من خلفي فأقامني عن يمينه، وصلى ثمان ركعات وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتين، ثم قال:"اللَّهُمَّ اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا من بين يدي، ونورًا من خلفي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من تحتي، ونورًا من فوقي، اللَّهُمَّ أعطني نورًا، واجعل لي نورًا، وأعظم لي نورًا".
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 419/ 12190).
وهذا حديث منكر بهذا السياق، حيث تفرد فيه بذكر دخول المسجد لصلاة الليل، وإنما صلى في حجرة ميمونة، كما أدرج فيه ابن أبي ليلى ما ليس من حديث سلمة بن كهيل، ولا من حديث كريب، إنما أخذه كريب من بعض ولد العباس، قال كريب: وسبعًا في التابوت، فلقيت بعض ولد العباس، فحدثني بهن، فذكر: عصبي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبَشَري، وذكر خصلتين، وفي روايةٍ: قال كريب: وستة عندي مكتوبات في التابوت: ومخي وعصبي وشعري وبشري وعظامي، قال أبو عوانة الإسفراييني:"يقال: التابوت فيه كتب علي بن عبد الله بن عباس"[راجع: رواية سفيان الثوري]، وقد خلط ابن أبي ليلى في إسناد هذا الحديث ومتنه.
* وانظر بقية طرقه عن كريب: ما يأتي برقم (1355 و 1364 و 1367).
1355 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا أبو عاصم: حدثنا زهير بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن الفضل بن عباس، قال: بتُّ ليلةً عند النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يصلي، فقام فتوضأ وصلى ركعتين، قيامُه مثل ركلوعِه، وركوعُه مثل سجودِه، ثم نام، ثم استيقظ فتوضأ واستنَّ، ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: 190]، فلم يزل يفعل هذا حتى صلى عشر ركعاتٍ، ثم قام، فصلى سجدةً واحدةً، فأوتر بها، ونادى المنادي عند ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما سكت المؤذن، فصلى سجدتين خفيفتين، ثم جلس حتى صلى الصبح.
قال أبو داود: خفي عليَّ من ابن بشار بعضُه.
* حديث شاذ، وأصله متفق عليه من حديث عبد الله بن عباس
لم أقف على من رواه عن ابن بشار من هذا الوجه، [التحفة (7/ 507/ 11059)، المسند المصنف (23/ 460/ 10615)].
* ورواه زكريا بن يحيى الساجي [إمام حافظ، ثقة ثبت مصنف، ناقد للرجال، متفنن في علم العلل. راجع ترجمته في: الجرح والتعديل (3/ 601)، السير (14/ 197)، تذكرة الحفاظ (2/ 709)، طبقات الشافعية (3/ 299)، اللسان (3/ 521)، وغيرها]: ثنا محمد بن بشار: ثنا أبو عامر العقدي: ثنا زهير بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن الفضل بن عباس، قال: بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يصلي، فقام إلى قربةٍ معلقةٍ بوتدٍ في الجدار، فتوضأ ثم صلى ركعتين، قيامه مثل ركوعه، وركوعه مثل سجوده، ثم نام، ثم استيقظ فتوضأ واستنثر [كذا]، ثم قرأ الخمسين آية [كذا] من آل عمران:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فلم يزل يفعل هذا حتى صلى عشر ركعات، ثم قام يصلي سجدةً واحدةً فأوتر بها، ونادى المنادي عند ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما سكت المؤذن فصلى سجدتين خفيفتين، ثم جلس حتى صلى الصبح.
أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 296/ 761)، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي به.
* ورواه محمد بن نصر المروزي [إمام حافظ، ثقة ثبت، مصنف حجة، من أعلم الناس باختلاف العلماء. السير (1/ 334)] في كتاب صلاة الوتر (283 - مختصره)، قال: حدثنا إسحاق أهو: ابن راهويه؛ الثقة الحافظ الإمام]، ومحمد بن بشار، قالا: أخبرنا أبو عامر العقدي: ثنا زهير بن محمد، عن شريك، عن كريب، عن الفضل بن عباس، قال: بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنظر كيف يصلي، فقام إلى قربةٍ معلقةٍ، فتوضأ ثم صلى ركعتين
ركعتين، حتى صلى عشر ركعات، ثم سلم، ثم قام فصلي سجدةً، فأوتر بها، ونادى المنادي عند ذلك.
هكذا رواه عن بندار محمد بن بشار: إمامان حافظان كبيران؛ زكريا بن يحيى الساجي، ومحمد بن نصر المروزي، فجعلا أبا عامر العقدي واسمه: عبد الملك بن عمرو؛ مكان: أبي عاصم، وهو: الضحاك بن مخلد النبيل، وتابع محمد بن بشار على هذا الوجه: الحافظ الكبير: إسحاق بن راهويه، فهؤلاء ثلاثة من الأئمة قالوا في إسناده: أبو عامر العقدي، وهو الصحيح، ولعل هذا مما خفي سماعه على أبي داود بسبب بعده في المجلس عن ابن بشار وقت التحديث، فاشتبه عليه في السمع: أبو عامر بأبي عاصم، فإنهما على وزن واحد، على وزن فاعل، ووقعهما في السمع متقارب، والحرفان الأولان متحدان، وهذا فضلًا عن كون أبي عاصم النبيل غير معروف بالرواية عن زهير بن محمد التميمي، بخلاف أبي عامر العقدي فإنه مكثر عنه.
لكن قال فيه الساجي في روايته: واستنئر، والمعروف في حديث ابن عباس: واستنَّ، وقال: خمسين آية، وإنما هي خمس، أو عشر.
وزهير بن محمد التميمي: رواية أهل الشام عنه ضعيفة فيها مناكير، ورواية أهل العراق عنه مستقيمة؛ قال الإمام أحمد:"أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة: عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر"، وقال الإمام البخاري:"أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد: مقاربة مستقيمة"، وهذا الحديث مما رواه عنه من أهل العراق: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي [انظر: التهذيب (1/ 639)، الميزان (2/ 84)، إكمال مغلطاي (5/ 90)، ترتيب علل الترمذي ص (395)، جامع الترمذي (3291)، وغيرها].
* ومع كون هذا الحديث من صحيح حديث زهير بن محمد؛ إلا أنه وهم فيه زهير على شريك، حيث جعله من مسند الفضل بن العباس، وإنما هو: عن عبد الله بن عباس، أو أن يكون الوهم من شريك نفسه، فإنه: ليس به بأس، وله أوهام.
قال محمد بن نصر: "فجعل هذه الرواية عن الفضل بن عباس، والناس إنما رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عباس، وهو المحفوظ عندنا".
* ورواه ابن لهيعة [ضعيف]، عن أحمد بن خازم، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن الفضل بن عباس، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى صلاةٍ بالليل إلا استنَّ.
أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 297/ 763)، بإسناد صحيح إلى ابن لهيعة. والدارقطني في الأفراد (2/ 114/ 4276 - أطرافه).
قال الدارقطني: "غريب من حديث الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم، تفرد به شريك بن أبي نمر عن كريب عنه، وعنه أحمد بن خازم المعافري، وعنه عبد الله بن لهيعة".
قلت: وأحمد بن خازم المعافري المصري؛ قال ابن عدي في الكامل: "ليس
بالمعروف، يحدث عنه ابن لهيعة، ويحدث أحمد هذا عن عمرو بن دينار، وعبد الله بن دينار، وعطاء، وابن المنكدر، وصفوان بن سليم، بأحاديث عامتها مستقيمة"، وقال الذهبي في التاريخ: "أحاديثه مستقيمة، وله نسخة معروفة سمعناها، وأبوه بخاء معجمة"، وقال في الضعفاء: "مجهول، ونسخته مستقيمة"، وقال في الميزان: "صاحب ذاك الجزء الذي رواه عنه ابن لهيعة، لا يعرف، ولكنها نسخة حسنة الحال، لم يرو عنه سوى ابن لهيعة" [الكامل (1/ 167)، المؤتلف للدارقطني (2/ 653)، جذوة المقتبس (204)، بغية الملتمس (395)، تاريخ الإسلام (20/ 249)، ديوان الضعفاء (31)، الميزان (1/ 95)، اللسان (1/ 449)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 328)].
وعليه: فمثل هذا الإسناد، وإن كان يصلح في المتابعات، إلا أنه لا يصلح لمعارضة أصل مشهور، وهو كون حديث ابن عباس قد رواه عنه جمع من أصحابه الثقات في قصة مبيته عند خالته ميمونة، وقد اشتهر من حديث كريب عن ابن عباس، ومن قال فيه: عن كريب عن الفضل بن العباس؛ فهو واهم، قد جانبه الصواب.
* ورواه يحيى بن فَصِيل [لم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل سوى أنه كان عنده نسخة من حديث الحسن بن صالح يحدث بها، وله عنه غرائب. تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 246)، الجرح والتعديل (9/ 181)، الكامل (2/ 316)، التوضيح (7/ 110)، المؤتلف (1817)، إكمال ابن ماكولا (7/ 67)، المهروانيات (11) ص (56 و 57)، تاريخ الإسلام (14/ 449)]، قال: حدثنا مندل [هو: ابن علي العنزي، وهو: كوفي ضعيف، صاحب غرائب وأفراد، وهذا منها. التهذيب](4/ 152)]، عن أبي إسحاق، عن شريك، عن كريب مولى ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاله من الليل إلا استاك.
أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 223)، قال: حدثنا علي بن العباس المقانعي [هو: علي بن العباس بن الوليد البجلي المقانعي الكوفي: وثقه الدارقطني ومسلمة بن قاسم والذهبي. سؤالات السهمي (315)، سؤالات الحاكم (136)، تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 401)، الأنساب (5/ 361)، السير (14/ 430)، تاريخ الإسلام (23/ 273)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 217)]: حدثنا يحيى بن محمد بن بشير [كذبه مطين، ولم يثبت أن الدارقطني وثقه؛ إنما وثق ابنه داود. سؤالات الحاكم (61 و 99)، المغني (3/ 396 و 411)، اللسان (8/ 421 و 474)]: حدثنا يحيى به.
ثم قال ابن عدي: "وأبو إسحاق المذكور في هذا الحديث هو: إبراهيم بن أبي يحيى.
أخبرنا علي بن العباس: حدثنا عباد بن يعقوب: أنبأنا إبراهيم بن محمد، عن شريك بن أبي نمر، عن كريب مولى ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الصلاة بليلٍ إلا استن".
قلت: فهو إسناد واهٍ بمرة؛ إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: متروك، كذبه جماعة، وعباد بن يعقوب الرواجني الأسدي: رافضي صدوق.
* والمحفوظ في هذا: ما رواه سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة، [والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل]، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعةً، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر، قعد فنظر إلى السماء، فقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} ثم قام فتوضأ واستنَّ، نصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال [بالصلاة]، فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح.
أخرجه البخاري (4569 و 6215 و 7452)، ومسلم (763/ 190)، وأبو عوانة (1/ 307/ 1086) و (2/ 50/ 2279)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 360/ 1743)، وابن نصر في قيام الليل (117 - مختصره)، والطبراني في الكبير (11/ 416/ 12184)، وابن منده في التوحيد (17)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 33/ 851)، [التحفة (4/ 668/ 6355)، الإتحاف (7/ 480/ 8768)، المسند المصنف (11/ 630/ 5637)].
* ورواه إبراهيم بن أبي داود سليمان الأسدي [هو: إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي البرلسي، وهو: ثقة حافظ متقن. تاريخ دمشق (6/ 414)، الأنساب (1/ 328)، السير (12/ 612) و (13/ 393)]، قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي [حمصي، صدوق]، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت مبه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟ قال: فاضطجع مكانه في مصلاه حتى سمعت غطيطه، قال: ثم تعارَّ من الليل، فقام فنظر في أفق السماء وفكر، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران، ثم أخد سواكًا فاستنَّ، ثم خرج فقضى حاجته، ثم رجع إلى شَنٍّ معلقة نصب على يده، ثم توضأ ولم يوقظ أحدًا، ثم قام فصلى ركعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأراه صلى مثل ما رقد، قال: ثم اضطجع مكانه، فرقد حتى سمعت فطيطه، ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
أخرجه أبو عوانة (2/ 39/ 2234) و (2/ 50/ 2278)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 288)، وفي المشكل (13/ 309/ 5289)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (665)، [الإتحاف (7/ 680/ 8748)].
وهذا إسناد جيد؛ لم ينفرد به يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال، فقد توبع عليه:
* رواه أبو بكر الشافعي في فوائده الغيلانيات (444)، قال: ثنا أبو إسماعيل الترمذي محمد بن إسماعيل بن يوسف [ثقة حافظ]: ثنا أيوب بن سليمان، قال: أخبرني سليمان، عن شريك بن أبي نمر؛ أن قريبًا مولى ابن عباس أخبره؛ أنه سمع الفضل بن عباس، يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من عشاء الآخرة انصرفت معه، قال: فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل تعودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته، قال: فاضطجع في مصلاه حتى سمعت غطيطه، قال: ثم تعار فنظر في أفق السماء وكبر، ثم قرأ العشر آيات من سورة آل عمران، ثم أخذ سواكًا فاستن، ثم خرج فقض حاجته، ثم رجع إلى شَنٍّ معلقةٍ فصبَّ على يده ثم توضأ، ولم يوقظ أحدًا، وصلى وكعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأراه صلى مثل ما رقد، ثم اضطجع مكانه، ورقد حتى سمعت غطيطه.
وأخرجه من طريق أبي بكر الشافعي: أبو موسى المديني في اللطائف (757)، لكنه قال في الإسناد: ثنا أبو إسماعيل الترمذي: ثنا أيوب بن سليمان: أخبرني سليمان -كذا في كتابي وأظنه سقط منه ابن أبي أويس-.
قلت: هذا الذي ظنه أبو موسى المديني ينبغي المصير إليه؛ فإن سليمان بن أيوب لا يروي عن أبيه إلا بواسطة أبي بكر بن أبي أويس؛ وهكذا يروي عنه أبو إسماعيل الترمذي بإثبات هذه الواسطة، وكان يقول أحيانًا: حدثنا أيوب بن سليمان: حدئني أبو بكر عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، ومما يؤكد وجود هذا السقط في إسناد الفوائد أن أبا بكر الشافعي نفسه قد روى حديثين عن أبي إسماعيل الترمذي في فوائده بإثبات الواسطة بين أيوب بن سليمان وبين أبيه [انظر: الغيلانيات (674 و 770)]، وعليه:
فهو إسناد صحيح على شرط البخاري في المتابعات؛ فإن أيوب بن سليمان بن بلال: مدني، ثقة، يروي عن أبي بكر بن أبي أويس، عن أبيه سليمان بن بلال نسخة، وووى عنه البخاري بهذا الإسناد أحاديث في المتابعات [صحيح البخاري (533 و 534 و 569 و 1029 و 7329)، [انظر: ما تقدم تحت الحديث رقم (394)].
قال الحاكم للدارقطني (282): "قلت: فأيوب بن سليمان بن بلال؟ قال: ليس به بأس؛ إنما هي صحيفة عنده، ومسلم لم يدركه، ولم يذكر عن رجل عنه".
وقال الذهبي في العبر (1/ 306): "أيوب بن سليمان بن بلال: له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس عن أبيه سليمان بن بلال، ما عنده سواها".
وقال في تاريخ الإسلام (16/ 101): "مشهور صدوق، لم أره لحق أباه، وإنما روى عن رجل عن أبيه، وهو عبد الحميد بن أبي أويس، له عنه نسخة".
قلت: إدراكه لأبيه غير ممتنع، فإن بين وفاتيهما سبعًا وأربعين سنة، لكن المتتبع للأسانيد وترجمة أيوب بن سليمان يجد أنه إنما يروي أحاديث أبيه بواسطة أبي بكر بن أبي أويس، كانت عنده في صحيفة، حتى قال الذهبي:"ما عنده سواها"، وكذلك فإن البخاري لم يذكر له سماعًا من أبيه، ولا رواية عنه، وإنما اقتصر على ذكر سماعه من أبي بكر بن أبي أويس، فقال:"سمع أبا بكر بن أبي أويس المدني"[انظر: التاريخ الكبير (1/ 415)، التاريخ الأوسط (2/ 352/ 2848)، كنى مسلم (3695)، الجرح والتعديل (2/ 248)، الثقات (8/ 126)، الإرشاد (1/ 296)، التهذيب (1/ 204)].
لكن يبقى أن يقال: إن ذكر الفضل في إسناد هذا الحديث غلط، إنما هو عبد الله بن عباس، ولعل الوهم فيه من شريك بن عبد الله بن أبي نمر نفسه، فإنه: ليس به بأس، وله أوهام.
وكريب: لم يدرك الفضل بن عباس، فكيف يثبت له منه سماع؛ إنما سمع عبد الله بن عباس [انظر: التهذيب (24/ 172)، تحفة التحصيل (270)].
* ورواه عبيد الله بن محمد العمري: ثنا إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب مولى ابن عباس؛ أنه سمع الفضل بن عباس، يقول: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فلما انصرف من العشاء
…
، فذكر الحديث.
أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 297/ 762)، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد به.
قلت: ولو صح هذا الإسناد لكان شاهدًا قويًّا لما ظنه أبو موسى المديني، وأن الحديث من رواية أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال، لكن شيخ الطبراني؛ عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري، قال النسائي:"قاضي، كذاب"، وقال الدارقطني:"كان ضعيفًا"[تاريخ دمشق (38/ 102)، تاريخ الإسلام (22/ 202)، المغني (2/ 418)، اللسان (5/ 340)]، والله أعلم.
***
1356 -
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا وكيع: حدثنا محمد بن قيس الأسدي، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أمسى، فقال:"أصلى الغلامُ؟ "، قالوا: نعم، فاضطجع حتى إذا مضى من الليل ما شاء الله، قام فتوضأ؟ ثم صلى سبعًا أو خمسًا أوتر بهنَّ، لم يسلم إلا في آخرهنَّ.
* حديث شاذ
لم أقف على من أخرجه من هذا الوجه عن وكيع بن الجراح [التحفة (4/ 318/ 5496)، المسند المصنف (11/ 617/ 5631)].
وعثمان بن أبي شيبة: ثقة حافظ، وقد حُفظت عليه أوهام [انظر: ترجمته من التهذيب (3/ 77)].
• ورواه أحمد بن حنبل [ثقة حجة، حافظ إمام]، ويوسف بن موسى القطان [ثقة]: قالا: حدثنا وكيع، عن محمد بن قيس، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل فتوضأ، قال: فقمت فتوضأت، ثم قام فصلى، فقمت خلفه، أو عن شماله، فأدارني حتى أقامني عن يمينه.
أخرجه أحمد (1/ 354)، والمحاملي في الأمالي (38 - رواية ابن البيع).
قلت: قوله: "أوتر بهنَّ، لم يسلم إلا في آخرهنَّ"؛ انفرد به عثمان بن أبي شيبة عن وكيع، ورواه عن وكيع بدونها: أحمد ويوسف بن موسى، والأقرب عندي: أنها من أوهام عثمان.
• فإن قيل: تابعه الفضل بن موسى السيناني، قال: ثنا محمد بن قيس الأسدي، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر إما بخمس وإما بسبع، ليس بينهن سلام.
أخرجه ابن نصر المروزي في كتاب الوتر (289 - مختصره).
فيقال: الفضل بن موسى السيناني، وإن كان ثقة، إلا أن ابن المديني قد أنكر عليه حديثًا، وقال أحمد: داروى الفضل مناكير" [التهذيب (3/ 396)]، قلت: ولعل هذا منها، لا سيما ووكيع بن الجراح كان أروى الناس عن محمد بن قيس الأسدي الوالبي الكوفي، وهو: ثقة [التهذيب (3/ 680)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 505/ 3326)].
° وأخيرًا: فإن هذا الحديث قد رواه عن الحكم بن عتيبة: شعبة بن الحجاج، وهو: أمير المؤمنين في الحديث، فلم يأت بهذه الزيادة.
قال شعبة: حدثنا الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة،
…
فذكر الحديث، وموضع الشاهد منه: فصلى خمس ركعاتٍ، ثم صلى ركعتين.
وقد وجدت حديث محمد بن قيس هذا قد اشتمل على ثلاث قرائن تبين شذوذ روايته؛ وأنه ليس بمحفوظ:
الأولى: الشك في عدد ركعات الوتر، هل هي سبع أم خمس.
الثانية: أنها متصلة بسلام واحد، لا فصل بينهن، خلافًا لما رواه شعبة.
الثالثة: شكه في موقف ابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:"فقمت خلفه، أو عن شماله"، وقد قال فيه شعبة عن الحكم:"فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه"، وهو المحفوظ من طرق حديث ابن عباس.
° قال ابن رجب في الفتح (6/ 214): "وردَّه الأثرم بمخالفته الروايات الكثيرة
الصحيحة عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر تلك الليلة بركعة، بعد أن صلى قبلها ركعتين ثم ركعتين، ستًّا أو خمسًا" [راجع: الناسخ لأبي بكر الأثرم ص (90)].
قلت: ومن ذلك ما رواه همام: حدثنا قتادة، عن أبي مجلز، قال: سألت ابن عباس عن الوتر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ركعة من آخر الليل"، وسألت ابن عمر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ركعة من آخر الليل".
أخرجه مسلم (753/ 155) ، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1295)].
وأما طرق حديث مبيته عند خالته ميمونة:
• فمنها: ما رواه سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث، قال: فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق (1355).
• ومنها: ما رواه مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب؛ أن عبد الله بن عباس أخبره؛ أنه بات عند ميمونة،
…
فذكر الحديث، وفيه: فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح.
وهو حديث متفق على صحته [يأتي تخريجه برقم (1367)].
• واختصره حماد بن خالد الخياط [ثقة]، قال: حدثنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة.
أخرجه ابن حبان (6/ 181/ 2424)[يأتي تخريجه برقم (1367)].
• ومنها: ما رواه عياض بن عبد الله الفهري، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية،. . . فذكر الحديث، وفيه: فصلى عشر ركعاتٍ، ثم أوتر، ثم نام وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه بلال فأيقظه للصلاة، فقام فركع ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة.
أخرجه مسلم (763/ 183)، [يأتي تخريجه تحت الحديث رقم (1367)].
1357 -
قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بتُّ في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء فصلى أربعًا، ثم قام، ثم قام يصلي،
فقمت عن يساره، فأدارني، فأقامني عن يمينه، فصلى خمسًا، ثم نام حتى سمعت غَطِيطَه- أو: خَطِيطَه-، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج، فصلى الغداة.
* حديث شاذ بتأخير ركعتي الفجر عن النوم
أخرجه من طريق أبي داود: الخطابي في غريب الحديث (1/ 178)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 218)، [التحفة (4/ 318/ 5496)، المسند المصنف (11/ 617 /5631)].
هكذا رواه عن شعبة: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو: ثقة؛ فلم يذكر ركعتي الفجر بعد الخمس، وإنما ذكرهما بعد النوم، وقبل خروجه لصلاة الصبح، وقد خالفه في ذلك عامة أصحاب شعبة:
° فقد رواه: آدم بن أبي إياس، وسليمان بن حرب، وغندر محمد بن جعفر، وبهز بن أسد، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد، وعفان بن مسلم، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي [وهم ثقات]، وغيرهم:
عن شعبة، قال: حدثنا الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعاتٍ، ثم نام، ثم قام، ثم قال:"نام الغليم"، أو كلمة تشبهها، ثم قام، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعاتٍ، ثم صلى ركعتين، ثم نام، حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة. لفظ آدم، ولم يقل سليمان: ثم قال: "نام الغليم"، أو كلمة تشبهها، ولم يذكر غندر ولا أبو داود الطيالسي الركعتين بعد الخمس، ولفظ بهز مختصر، لكنه زاد فيه بعد قوله: ثم قام فتوضأ، قال: لا أحفظ وضوءه.
أخرجه البخاري (117 و 697)، والنسائي في الكبرى (1/ 239/ 406) و (2/ 134/ 1343)، وفي الرابع من الإغراب (117)، والدارمي (1389 - ط. البشائر)، وأحمد (1/ 341)(2/ 756/ 3230 و 3231 - ط. المكنز) و (2/ 757/ 3236 - ط. المكنز)، والطيالسي (4/ 358/ 2754)، وعفان بن مسلم في حديثه (21 - برواية أبي علي الحسن بن المثنى العنبري)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (384)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (149)، والطحاوي (1/ 287 و 308 و 309 - 310)، والطبراني في الكبير (12/ 21/ 12365)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء أبي بكر البقال (26)(3025 - المخلصيات)، والبيهقي في السنن (2/ 477) و (3/ 28)، والبغوي في الشمائل (480)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 32/ 849)، [التحفة (4/ 318/ 5496)، الإتحاف (7/ 113/ 7431) و (7/ 119/ 7440)، المسند المصنف (11/ 617 / 5631)].
وذهب الطحاوي إلى القول بأن سعيد بن جبير قد وافق علي بن عبد الله بن عباس في التسع التي منها الوتر، وزاد عليه ركعتين بعد الوتر.
قلت: قبل الكلام عن الجمع بين طرق حديث ابن عباس في قصة مبيته عند خالته
ميمونة ليرقب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار كون ابن عباس هو حبر هذه الأمة في التفسير، وكان يقال له: ترجمان القرآن، وما من آية في القرآن إلا وتجد عنه فيها قولًا منقولًا، والقرآن قد قص الله عز وجل علينا فيه من القصص والعبر من خبر الأمم السابقة لا سيما قصة موسى مع قومه، وقصته مع فرعون، وقد تصرفت هذه القصة في القرآن على وجوه شتى بحسب سياق السورة وما تعالجه من قضايا عقدية أو اجتماعية؛ ويبدو أن ابن عباس قد تأثر بالسياق القرآني لسرد الأحداث، وتجد ذلك واضحًا جدًّا في هذا الحديث على وجه الخصوص، لا سيما وأن ابن عباس قد تحمل هذه الواقعة وكان إذ ذاك صغيرًا [جاء في رواية رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت إلى جنبه عن يساره، فأخذني فأقامني عن يمينه، قال: وقال ابن عباس: وأنا يومئذ ابن عشر سنين، ورشدين بن كريب: ضعفوه، لكن حديثه هذا ليس بالمنكر، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (1367). وقد أخرج البخاري (5035) من طريق: أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم. وقد صح عن شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، أنه قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس، قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين. أخرجه الطيالسي (2762)، وأحمد (1/ 373)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (372 و 373)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 326/ 2003)، وغيرهم. وهذا يوافق ما رواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى،. . . الحديث، متفق عليه، وتقدم في فضل الرحيم (8/ 67/ 715)؛ وإليه مال أحمد، انظر: العلل ومعرفة الرجال (1710 - 1723)، صحيح البخاري (6299 و 6300)، والله أعلم].
فلما كبر ابن عباس وصار يحدث أصحابه بهذه القصة تصرف في حكايتها وترتيب أحداثها، فقدَّم وأخَّر، واختصر وطوَّل، وحذف بعض الوقائع أحيانًا؛ بحسب ما اقتضاه الأمر عند ابن عباس حين حدث كل صاحب له بهذه القصة، وقد يكون بين هذه الواقعة وبين تحديث ابن عباس بها ما يقرب أحيانًا من خمسين سنة، أو يزيد!
وعلى هذا يمكن الجمع بين رواية سعيد بن جبير ورواية غيره عن ابن عباس: بأن ابن عباس لم يذكر لسعيد راتبة العشاء التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم في بيته إذا دخل، وذكرها لغيره [كما في حديث سليمان بن بلال عن شريك عن كريب، وقد تقدم برقم (1355)، وفيه: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل
البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟. . . فذكر الحديث]، أو أنه لم يذكر الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل، وقد كان عدهما ضمن ركعات القيام عندما حدث بالقصة غيره، كما في رواية كريب مثلًا [انظر: حديث سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان، ويأتي برقم (1364)، وفيه: فصلى ركعتين خفيفتين،. . . حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر]، وعلى هذا صار عدد ركعات الليل في حديث شعبة عن الحكم عن سعيد: تسع ركعات، قد نقممنها الركعتين الخفيفتين اللتين يستفتح بهما صلاة الليل، بينما عدد الركعات في حديث كريب: ثلاث عشرة ركعة، مضافًا إليها راتبة العشاء، أو ركعتا الفجر؛ ليصبح العدد في كلا الروايتين هو إحدى عشرة ركعة، كما جاء مصرحًا به في رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس [البخاري (4569 و 6215 و 7452)، ومسلم (763/ 190)، تقدم تحت الحديث السابق برقم (1355)]، وكما في رواية سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس [تأتي برقم (1364)]، وكما في رواية الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس [تأتي تحت الحديث رقم (1367)].
وأكثر الروايات تفصيلًا وإيضاحًا لمواضع الاختصار التي وقعت في طرق هذا الحديث: ما رواه سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟ قال: فاضطجع مكانه في مصلاه حتى سمعت غطيطه، قال: ثم تعارَّ من الليل، فقام فنظر في أفق السماء وفكر، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران، ثم أخد سواكًا فاستنَّ، ثم خرج فقضى حاجته، ثم رجع إلى شَنٍّ معلقة فصب على يده، ثم توضأ ولم يوقظ أحدًا، ثم قام فصلى ركعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأراه صلى مثل ما رقد، قال: ثم اضطجع مكانه، فرقد حتى سمعت غطيطه، ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق (1355).
فذكر فيه ركعتي العشاء، ثم صلاة الليل إحدى عشرة ركعة، أوتر منها بواحدة، ثم ركعتي- الفجر، ثم خرج إلى الصلاة.
كما لم يذكر ابن عباس لسعيد بن جبير أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فصل بالنوم والوضوء
والسواك وتلاوة الآيات بين كل ركعتين كما دل عليه حديث على بن عبد الله بن عباس وحديث سليمان بن بلال عن شريك عن كريب الآنف الذكر.
كما أن الركعتين اللتين ذكرهما بعد الخمس في حديث سعيد هذا هما ركعتا الفجر، وليستا الركعتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر وهو جالس، وفيه بيان أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد ركعتي الفجر، وقبل خروجه للصلاة، خلافًا لما ثبت من طرق الحديث الأخرى، ويأتي بيان هذه المسألة في آخر البحث عند الحديث رقم (1367).
كما بيَّنت رواية سعيد هذه أن ابن عباس لم يصلِّ مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع صلاة الليل، وإنما صلى معه بعضها، والله أعلم.
° خالفهم في إسناده فوهم:
أبو زيد الهروي سعيد بن الربيع [ثقة]، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"نام الغلام؟ " وبعدما صلى العشاء الآخرة، ثم صلى بعدها أربعًا، ثم قام الليل فجئت فقمت عن يساره فاجتذبني فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعات، ثم صلى ركعتين، فنام حتى سمعت غطيطه، أو: خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 239/ 407)، [التحفة (4/ 713 / 6480)].
هكذا قلب إسناده أبو زيد الهروي، فجعله عن مقسم؛ وإنما هو عن سعيد بن جبير، وقد تابع الجماعة في سياقه غير أنه ترك ذكر النوم بعد الأربع، والله أعلم.
1358 -
. . . عبد العزيز بن محمد، عن عبد المجيد، عن يحيى بن عباد، عن سعيد بن جبير؛ أن ابن عباس حدثه في هذه القصة، قال: قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمانيَ ركعاتٍ، ثم أوتر بخمسٍ ولم يجلس بينهنَّ.
* حديت شاذ بهذا الطرف دون الدعاء
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (696)، والنسائي في الكبرى (1/ 238/ 405) و (2/ 135/ 1344)، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر (336 - مختصره)، والطبراني في الكبير (12/ 31/ 12380)، والبيهقي في السنن (3/ 29)، وفي الخلافيات (3/ 328/ 2535)، والمزي في التهذيب (31/ 392)، [التحفة (4/ 383/ 5644)، المسند المصنف (11/ 640/ 5644)].
رواه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي: قتيبة بن سعيد [واللفظ له]، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وبشر بن الحكم النيسابوري، وإبراهيم بن حمزة الزبيري [وهم ثقات].
ولفظ القعنبي بتمامه [عند النسائي]: عن سعيد بن جبير؛ أن ابن عباس حدثه؛ أن أباه عباس بن عبد المطلب بعثه في حاجة له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس، فدخل عليها فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، قال ابن عباس: فاضطجعت في حجرتها، وجعلت في نفسي أحصي كم يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فجاء وأنا مضطجع في الحجرة بعدما ذهب الليل، فقال:"أرقد الوليد؟ "، فتناول ملحفةً على ميمونة، قال: فارتدى ببعضها وعليها بعض، ثم قام فصلى ركعتين ركعتين، حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهنَّ، ثم قعد فأثنى على الله بما هو له أهل، ثم أكثر من الثناء، وكان في آخر كلامه أن قال:"اللَّهُمَّ اجعل لى نورًا في قلبي، واجعل لى نورأ فبم سمعي، واجعل لى نورًا في بصري، واجعل لى نورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، واجعل لى نورًا بين يدي، ونورًا من خلفي، وزدني نورًا".
وقد اقتصر منه البخاري على آخره فقط دون عدد الركعات وهيئتها، والتي وقع فيها الوهم، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فصلى فقضى صلاته يثني على الله بما هو أهله، ثم يكون من آخر كلامه:"اللُّهُمَّ اجعل لى نورًا في قلبي، واجعل لى نورًا في سمعي، واجعل لى نورًا في بصري، واجعل لى نورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، واجعل لى نورًا من بين يدي، ونورًا من خلفي، وزدني نورًا، وزدني نورًا، وزدني نورًا".
وذلك بخلاف حديث الثوري عن سلمة بن كهيل حيث ساقه قبله بتمامه (695)، وفيه عدد الركعات:"فتتامت صلاته من الليل ثلاث عشرة ركعة"، وقد أخرجه في الصحيح (6316).
قال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 217): "وقد روى الدراوردي هذا الحديث عن عبد الحميد [كذا] عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بألفاظ خلاف مذهب أهل المدينة، وذكر فيه: أنه أوتر بخمس لم يجلس بينهن، ورواه الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ولم يذكر ذلك، وروايته أولى".
قلت: يحيى بن عبَّاد؛ هو: ابن شيبان الأنصاري، أبو هبيرة الكوفي: تابعي ثقة.
وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري: مدني ثقة، عزيز الحديث [التهذيب (2/ 605)].
وأظن الوهم فيه من عبد العزيز بن محمد الدراوردي؛ فقد كان صدوقًا، سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحًا؛ إلا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا [انظر: التهذيب (2/ 592) وغيره].
ولا أستبعد أن يكون البخاري قد حذف هذه الفقرة عمدًا -وإن كان لا يشترط الصحة في كتابه الأدب المفرد-؛ لأجل مخالفة الدراوردي، وقوله في الحديث:"ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهنَّ"، كما سبق أن أشرت إلى ذلك قبل قليل، كما رجح ابن عبد البر رواية شعبة عن الحكم بن عتيبة على هذه الرواية، وقد روي حديث يحيى بن عباد هذا من طرق أخرى فيها ضعف، وبدون هذه الزيادة أيضًا:
• رواه ليث بن أبي سليم، عن مجاهد ويحيى بن عباد، أو أحدهما، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فتسوك، ثم أتى القربة فتوضأ، ثم قمت أنا فتوضأت -قال: ولا أدري أذكر السواك-، ثم قمت عن شماله، فأخذني فأدارني حتى جعلني عن يمينه، وجعل يمسح رأسي، ثم صلى أربعًا، ثم أوتر، ثم صلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى صلاة الفجر.
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (2/ 496/ 2571).
وهذا الحديث من دلائل اختلاط ليث بن أبي سليم وسوء حفظه، فإنه لا يدري من حدثه بهذا الحديث؛ أهو مجاهد، أم يحيى بن عباد؟ والحديث ليحيى بن عباد، ولا يُعرف من حديث مجاهد، ثم إنه أسقط سعيد بن جبير من إسناد يحيى بن عباد، كما أنه لا يدري هل ذكر ابن عباس أنه تسوك مثل النبي صلى الله عليه وسلم، أم لا؟ والصحيح: أنه لم ينقل عن ابن عباس أنه تسوك، وإنما الثابت نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسوك، وقد خالف ليثٌ الدراورديَّ فجعلها خمسًا منفصلة، والله أعلم.
• ورواه محمد بن مرزوق [هو: محمد بن محمد بن مرزوق بن بكير بن البهلول الباهلي: صدوق. التهذيب (3/ 690)]، قال: حدثنا عمرو بن صالح أهو: ابن المختار الزهري الفقيه، قاضي رامهرمز: وثقه يحيى بن معين، وسماه العقيلي عمر بن صالح، وساق له حديثًا منكرًا، وقال:"مدني مجهول بالنقل، لا يعرف إلا بهذا، ولا يتابع عليه"، وساق له ابن عدي نفس الحديث المنكر، ثم قال:"وله غير هذا الحديث مما لا يتابع عليه"، وقال الذهبي في المغني:"منكر الحديث"، الجرح والتعديل (6/ 240)، ضعفاء العقيلي (3/ 173)، الكامل (5/ 132) ، تاريخ الإسلام (12/ 317)، الميزان (3/ 269)، المغني (2/ 485)، اللسان (6/ 117 و 213)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 350)]، قال: حدثنا الأشعث بن سوار [ضعيف]، عن أبي هبيرة [هو: يحيى بن عباد]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت ليلة خالتي، فجئت فاضطجعت على الفراش، فقال:"أنام الغلام؟ "، ولم أنم، وأنا أسمع كلامه، قال: فصلى أربع ركعاتٍ يطيل فيهن القراءة والركوع والسجود، قال: ثم اضطجع، قال: ثم قام فصلى خمس ركعات، وقمت فتوضأت وقمت عن يساره، فأخذ بيدي من خلفه، فأقامني عن يمينه، قال: ففهمت من دعائه، وهو يقول:"اللَّهُمَّ اجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وقدامي نورًا، وخلفي نورًا، وتحتي نورًا، وفوقي نورًا، اللَّهُمَّ أعظم لى نورًا".
أخرجه البزار (11/ 226/ 4995).
قال البزار: "وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية ابن عباس عنه، وكل يذكر عن ابن عباس في روايته ما يجب أن يعاد الحديث من أجله، ولا نعلم أسند أبو هبيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إلا هذا
الحديث، وأبو هبيرة اسمه يحيى بن عباد: رجل من أهل الكوفة، ثقة".
قلت: هذا الإسناد على ضعفه؛ إلا أنه جعل أبا هبيرة يحيى بن عباد متابعًا للحكم بن عتيبة في روايته عن سعيد بن جبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أربعًا ثم نام، ثم صلى خمسًا.
• ولا أستبعد كونه محفوظًا بتمامه عن الأشعث بن سوار، فقد صح عنه من وجه آخر، وبطرفه الأخير؛ لكن مع وهم في متنه:
فقد رواه حفص بن غياث [ثقة]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]:
عن أشعث بن سوار، عن أبي هبيرة [يحيى بن عباد]، عن سعيد [هو: ابن جبير] ، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو جالس، ثم نفخ، ثم جاء بلال فآذنه بالصلاة، فخرج فصلى، ولم يتوضأ.
أخرجه أبو يعلى (1/ 352/ 606 - إتحاف الخيرة) و (7/ 64/ 6386 - إتحاف الخيرة)، وابن عدي في الكامل (4/ 17)(6/ 124/ 9114 - ط. الرشد)[وفي كلا الطبعتين أخطاء في السند]، وتمام في الفوائد (1341).
• ورواه حريث بن أبي مطر [ضعيف]، عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان نومه ذلك، وهو جالس؛ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن ماجه (476)، بإسناد صحيح إلى حريث. [التحفة (4/ 383 / 5646)، المسند المصنف (11/ 404/ 5443)].
° وقوله في هذا الحديث: نام وهو جالس، إنما هو من أوهام أشعث بن سوار وحريث بن أبي مطر، والمحفوظ من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطجع.
• فقد روى سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة،. . . فذكر الحديث، وفيه: ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى، ولم يتوضأ [أخرجه البخاري (6316)، ومسلم (763/ 181)، وتقدم تحت الحديث رقم (1354)].
• وروى عمرو بن دينار، قال: أخبرني كريب، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة،. . . فذكر الحديث، وفيه: ثم اضطجع فنام حتى نفخ، فأتاه المنادي يؤذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى ولم يتوضأ [أخرجه البخاري (138 و 859)، ومسلم (763/ 186)، ويأتي تحت الحديث رقم (1367)].
° والحاصل: فإن هاتين الروايتين على ضعفهما، رواية ليث بن أبي سليم، ورواية أشعث بن سوار، قد اقتربتا برواية يحيى بن عباد من رواية الحكم بن عتيبة، بخلاف رواية الدراوردي التي ذهبت بها بعيدأ، حتى أصبح أبو هبيرة مخالفًا في سياق حديثه للحكم، وهذا عندي مما يؤكد وهم رواية الدراوردي، في قوله في هذا الحديث:"ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهنَّ"، والله أعلم.
* وله طرق أخرى عن سعيد بن جبير:
أ- أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت ليلةً عند ميمونة بنت الحارث خالتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره [لأصلي بصلاته]، قال: فأخذ بذؤابتي فجعلني عن يمينه.
أخرجه البخاري (5919)، وأبو داود (611)، والنسائي في الرابع من الإغراب (13)، وأحمد (1/ 215 و 287)، والطيالسي (2742)، وابن أبي شيبة (1/ 428/ 4924)، والحسن بن عرفة في جزئه (81)، وأبو بكر الشافعي في فوائده (252 و 253)، والطبراني في الكبير (12/ 55/ 12456)، وابن بشران في الأمالي (1508)، والبيهقي في السنن (3/ 95)، وفي الشعب (5/ 6486/232)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 268)، وقاضي المارستان في مشيخته (441)، وغيرهم كثير. [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 90/ 611)] [التحفة (4/ 303 / 5455)، الإتحاف (7/ 113/ 7431)، المسند المصنف (11/ 617/ 5631)].
وأبو بشر من أثبت الناس في سعيد بن جبير.
ب- ورواه إسماعيل بن إبراهيم [ابن علية: ثقة ثبت، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وهو من أثبت الناس في أيوب السختياني]، عن أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت أصلى معه، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي، فأقامني عن يمينه.
أخرجه البخاري (699)، والنسائي في المجتبى (2/ 87/ 806)، وفي الكبرى (1/ 429/ 882)، وابن حبان (5/ 571/ 2196)، وأحمد (1/ 360)، والبيهقي (3/ 54)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 214)، والبغوي في شرح السُّنة (3/ 383/ 826)، [التحفة (4/ 331/ 5529)، الإتحاف (7/ 119/ 7440)، المسند المصنف (11/ 617/ 5631)].
• خالفه: عاصم بن هلال، فرواه عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأقامني عن يمينه، ومسح صدري، وقال:"اللَّهُمَّ آته الحكمة".
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 287/ 381)، والطبراني في الكبير (12/ 58/ 12466).
وهذا حديث منكر؛ بهذا السياق، وبإسقاط عبد الله بن سعيد بن جبير من الإسناد، خالف فيه ابنَ عليه: عاصمُ بن هلال البارقي، وهو: ليس بالقوي، حدث بأحاديث مناكير عن أيوب [التهذيب (2/ 260)].
• وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب، فأبان عن علته، لكنه قصر بإسناده وأسقط عبد الله بن سعيد من الإسناد:
رواه سليمان بن حرب [ثقة حافظ، لزم حماد بن زيد تسع عشرة سنة. التهذيب (2/ 88)]، قال: حدثنا حماد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل، فجئت فقمت عن يساره، فأقامني عن يمينه، فصلى ثم نام، حتى سمعت نفخه، ثم خرح إلى الصلاة.
قال أيوب: فبلغني أنه دعا تلك الليلة: "اللَّهُمَّ آته الحكمة"، أو قال:"اللَّهُمَّ زده علمًا".
أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاربخ (1/ 284).
فظهر بذلك أن شقه الثاني في الدعاء قد أدرجه في الموصول: عاصم بن هلال، وإنما هو عند أيوب بلاغًا؛ إلا أن حماد بن زيد قد قصر في إسناده وأسقط عبد الله بن سعيد، ورواية ابن عليه هي المحفوظة، فقد زاد في الإسناد رجلًا، وهو ثقة حافظ من أثبت أصحاب أيوب، فتقبل زيادته، وقد اعتمدها البخاري فأخرجها في صحيحه، والله أعلم.
ج- أبو هاشم الرماني [ثقة]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم رجع إليها، وكانت ليلتها، فصلى ركعتين، ثم انفتل، فقال:"أنام الغلام؟ "، وأنا أسمعه، قال: فسمعته قال في مصلاه: "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي لساني نورًا، وأعظم لى نورًا".
أخرجه أحمد (1/ 352)، وابن الأعرابي في المعجم (1/ 226/ 403)، والطبراني في الكبير (12/ 60/ 12471)، [الإتحاف (7/ 217/ 7688)، المسند المصنف (11/ 640/ 5644)].
من طريق: يزيد بن هارون: ثنا سفيان بن حسين، عن أبي هاشم الرماني به.
وهذا إسناد صحيح.
د- أحمد بن كعب: ثنا مقدم: ثنا عمي، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى، وأقامني عن يمينه،. . . وذكر الحديث.
أخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربي في فوائده (135).
وهذا غريب جدًّا من حديث داود بن أبي هند؛ فإنه: بصري، ثقة متقن، من الطبقة الخامسة، كثير الأصحاب، والراوي عنه: القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدَّم الهلالي المقدَّمي الواسطي: ثقة، وابن أخيه: مقدَّم بن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم الهلالي المقدمي الواسطي: ثقة، له غرائب.
وأبو الحسن أحمد بن كعب الواسطي؛ هو: أحمد بن محمد بن صالح بن شعبة، المعروف بابن كعب الذارع، ترجم له الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا،
وقال الدارقطني عن إسنادٍ هو أحد رجاله: "ومن دون مالك ضعفاء"، ووصف الذهبي في الميزان نفس الإسناد بأنه ظلمة، مع كونه ترجم له في التاريخ وقال:"وكان أحد الحفاظ الكبار"[تاريخ بغداد (6/ 181 - ط. الغرب)، تكملة الإكمال (2/ 635)، تاريخ الإسلام (7/ 114)، الميزان (2/ 154)، اللسان (1/ 582)].
هـ- ووهم في إسناده ومتنه: عباد بن منصور [ضعيف، وله أحاديث منكرة، وهذا منها]، فرواه عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال؛ بت عند خالتي ميمونة،. . . فذكره مع زيادات منكرة تفرد بها.
وهو حديث منكر؛ تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (2/ 79/ 133).
ويأتي ذكر المحفوظ فيه عند الحديث رقم (1365)، حيث رواه معمر بن راشد، ووهيب بن خالد، عن عبد الله بن طاووس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس بطرف منه، وفي سنده انقطاع.
و- وروى المعلى بن مهدي: ثنا أبو عوانة، عن عاصم، عن بعض أصحابه، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعدما مضى من الليل، فنظر إلى السماء، ثم تلا هذه الآية:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190]، ثم قال:"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وني بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وأعظم لى نورًا يوم القيامة".
أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (764).
ومعلى بن مهدي الموصلي، قال عنه أبو حاتم:"يحدث أحيانًا بالحديث المنكر"، وقال الذهبي:"صدوق في نفسه"[الجرح والتعديل (8/ 335)، اللسان (8/ 113)].
قلت: وهذا من مناكيره؛ فإن هذا الحديث إنما يرويه أبو عوانة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن حبيب بن أبي ثابت؛ أنه حدثه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: حدثني ابن عباس؛ أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث [تقدم برقم (1354)].
* وروى بشر بن المفضل، وإسماعيل بن عليه، وعباد بن العوام، وغسان بن مضر [وهم ثقات]:
عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد بن مسلمة [ثقة، روى له الجماعة]، عن أبي نضرة، عن ابن عباس، قال: زرت خالتي فوافقت ليلة النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بسحر طويل، فأسبغ الوضوء، ثم قام يصلي، فقمت فتوضأت فجئت إلى جنبه [في رواية غسان: ثم انطلقت فقمت عن يساره]، فلما علم أني أريد الصلاة [معه] أخد بيدي فأقامني عن يمينه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوتر بسبع، أو بتسع [في رواية غسان: فأوتر بخمس، أو بسبع]، ثم
ركع ركعتين، ثم وضع جنبه حتى سمعت صفيره [وعند ابن خزيمة: ضفيزه؛ يعني: غطيطه]، ثم أقيمت الصلاة، فخرج إلى الصلاة. لفظ بشر.
وفي رواية عباد [عند ابن أبي شيبة]: زرت خالتي ميمونة، فوافقت ليلة النبي صلى الله عليه وسلم، فقام من الليل يصلي، ثم نام فلقد سمعت صفيره، قال: ثم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فخرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ، ولم يمس ماءً.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 157/ 1153) و (2/ 168/ 1121)، وابن أبي شيبة (1/ 124/ 1413)، والبزار (11/ 453 - 454/ 5320)، والطبراني في الكبير (12/ 166/ 12780)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 176)، [فضل الرحيم الودود (7/ 93/ 611)، [الإتحاف (8/ 92/ 8993)، المسند المصنف (11/ 638/ 5642)].
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال الصحيح؛ غير أن الشيخين لم يخرجا شيئًا بهذا الإسناد.
قال البزار: "وهذا الحديث قد روي عن ابن عباس بألفاظ مختلفة، ولا نعلمه يروى عن ابن عباس بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
ثم أسند حديثًا آخر من نفس الطريق، ثم قال:"ولم يسند أبو مسلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن ابن عباس إلا هذين الحديثين، واسم أبي نضرة: المنذر بن مالك بن قطعة، واسم أبي جمرة: نصر بن عمران".
وقال ابن خزيمة: "هاتان الركعتان اللتان ذكرهما ابن عباس في هذا الخبر يحتمل أن يكون أراد الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر، كما أخبرت عائشة، ويحتمل أن يكون أراد بهما ركعتي الفجر اللتين كان يصليهما قبل صلاة الفريضة".
قلت: بل هما ركعتا الفجر بلا شك، لقوله في آخر الحديث:"ثم أقيمت الصلاة، فخرج إلى الصلاة"، ولا يثبت في حديث ابن عباس في قصة مبيته عند خالته ميمونة من وجه يصح أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر جالسًا، وإنما ثبت ذلك من حديث عائشة، وأما هاتان الركعتان فهما ركعتا الفجر صلاهما ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.
قلت: قد شك سعيد بن يزيد في عدد الركعات، فقال مرة على الشك:"فأوتر بسبع أو بتسع" وقال أخرى: "فأوتر بخمس أو بسبع"، فإن رددنا هذه الرواية التي لم يضبط راويها العدد وشك فيه إلى الروايات المحفوظة عن ابن عباس، وجدنا أن أقل عدد من الركعات ذكره ابن عباس: تسع ركعات، كما ورد في حديث علي بن عبد الله بن عباس، وحديث سعيد بن جبير، وقد سبق أن بيَّنت أن ابن عباس اختصر ذكر الركعتين الخفيفتين اللتين يستفتح بهما الصلاة، فجعل العدد تسعًا، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة إحدى عشرة ركعة، صلي ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة، وقد سبق بيان ذلك، والله أعلم.
1359 -
. . . محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاثَ عشرةَ ركعةً بركعتَيه قبل الصبح، يصلي ستًّا مثنى مثنى، ويوتر بخمسٍ لا يقعد بينهنَّ إلا في آخرهنَّ.
* حديث صحيح
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338).
1360 -
. . . يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة؛ أنها أخبرته؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً بركعتي الفجر.
حديث صحيح
أخرجه مسلم (737/ 124)، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
1361 -
قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي، وجعفر بن مسافر؛ أن عبد الله بن يزيد المقرئ أخبرهما، عن سعيد بن أبي أيوب، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء، ثم صلى ثماني ركعاب قائمًا، وركعتين بين الأذانين، ولم يكن يدعُهُما.
قال جعفر بن مسافر في حديثه: وركعتين جالسًا بين الأذانين، زاد: جالسًا.
* حديث مختصر، ورواية جعفر بن مسافر شاذة
تقدم تخريجه. تحت الحديث رقم (1340).
أخرجه البخاري (1159)، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد: حدثنا سعيد [هو: ابن أبي أيوب]، قال: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم صلى ثماني ركعاتٍ، وركعتين جالسًا، وركعتين بين النداءين، ولم يكن يدعهما أبدًا.
وترجم له بقوله: باب المداومة على ركعتي الفجر.
• وقد رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي سلمة؛ أنه سمع عائشة، تقول: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي كل ليلةٍ ثلاثَ عشرةَ ركعةً: تسعًا قائمًا، وركعتين وهو جالس، ثم يمهل حتى يؤذن بالأول من الصبح قام فركع ركعتين.
وقد قلت في الموضع المشار إليه: ضبط الليث بن سعد متن الحديث، ولم يختلف
عليه فيه، لكنه أسقط من الإسناد عراك بن مالك، وضبط المقرئ الإسناد فزاد فيه عراكًا؛ إلا أنه لم يضبط المتن، واضطرب فيه كما تقدم بيانه [في الموضع المشار إليه]؛ كما أنه أسقط ذكر ركعة الوتر، ولم يبين موضعها، فذكر ثماني ركعات، ثم ركعتين جالسًا، ثم ركعتي الفجر، وموضع الوتر في حديث أبي سلمة هذا: بعد الركعات الثماني كما جاء مبينًا في حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وذكرها الليث مجملة مع الثماني، فقال: تسعًا قائمًا، فيحمل ما أجمله على تفصيل يحيى بن أبي كثير، وأن الركعتين اللتين صلاهما جالسًا إنما كانتا بعد الوتر، وقبل أذان الفجر، لا شك في ذلك كما يتبين من جمع الطرق، والله أعلم.
1363 -
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، ومحمد بن سلمة المرادي، قالا: حدثنا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربعٍ وثلاث، وستٌّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقصَ من سبعٍ، ولا بأكثرَ من ثلاثَ عشرةَ.
قال أبو داود: زاد أحمد بن صالح: ولم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر، قلت: ما يوتر؟ قالت: لم يكن يدع ذلك، ولم يذكر أحمد: وست وثلاث.
* حديث غريب شاذ
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
1363 -
قال أبو داود: حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد؛ أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: كان يصلي ثلاثَ عشرةَ وكعةً من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرةَ ركعةً، وترك ركعتين، ثم قُبِض صلى الله عليه وسلم حين قُبِض، وهو يصلي من الليل تسعَ ركعاتٍ، [وكان] آخر صلاته من الليل الوتر.
* حديث منكر
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
1364 -
قال أبو داود: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث: حدثني أبي، عن جدي، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان؛ أن كريبًا مولى ابن عباس أخبره؛ أنه قال: سألت ابن عباس، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قال: بتُّ عنده ليلة وهو عند ميمونة، فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل- أو: نصفه- استيقظ، قام إلى شَنٍّ فيه ماء، فتوضأ وتوضأت معه، ثم قام، فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني على يمينه، ثم وضع يده على رأسي كأنه يمسنُّ أذني كانه يوقظُني، فصلى ركعتين خفيفتين، قلت: قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعةٍ، ثم سلم، ثم صلى، حتى صلى إحدى عشرةَ ركعةً بالوتر، ثم نام، فأتاه بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله! فقام، فركع ركعتين، ثم صلى للناس.
* حديث صحيح
أخرجه من طريق أبي داود: أبو عوانة (1/ 470/ 1743) و (2/ 52/ 2285)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 213).
وأخرجه من طريق شعيب بن الليث: النسائي في المجتبى (2/ 30/ 686)، وفي الكبرى (1/ 398/236) و (2/ 132/ 1340) و (2/ 255/ 1662)، ومن طريقه: ابن عبد البر في التمهيد (13/ 213)، [التحفة (4/ 673/ 6362)، الإتحاف (7/ 679/ 8747)، المسند المصنف (11/ 631/ 5638)].
رواه عن شعيب بن الليث: ابنه عبد الملك، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم [وهما ثقتان].
ولفظ ابن عبد الحكم [عند النسائي في الكبرى]: سألت ابن عباس، فقلت: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قال: كان يقرأ في حجره فيسمع قراءته من كان خلفه، وقال: بت عنده ليلة، وهو عند ميمونة بنت الحارث، فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة على وسادة من أدم محشوةٍ ليفًا، فاضطجعا على طولها؛ واضطجعت على عرضها، فناما، حتى إذا ذهب ثلث اللَّيل، أو نصفه، استيقظ، فقام إلى شَنٍّ فيه ماء فتوضأ، وتوضأت معه، ثم قام، فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني على يمينه، ووضع يده على رأسي فجعل يمسح أذني كأنه يوقظني، فصلى ركعتين خفيفتين، قلت: قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى ركعتين، ثم سلم، حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام حتى استثقل فرأيته ينفخ، فأتاه بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله! فقام فصلى ركعتين، وصلى للناس ولم يتوضأ.
° ورواه مقتصرًا على طرفه الأول؛ أن كريبًا مولى ابن عباس، قال: سألت ابن
عباس، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قال: كان يقرأ في بعض حجره، فيسمع قراءته من كان خارجًا.
أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (371)، وابن خزيمة (2/ 187 - 188/ 1157)، وابن حبان (6/ 318/ 2581)، والضياء في المختارة (13/ 51/ 76)، والبيهقي (3/ 11)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 13)، [التحفة (4/ 673/ 6362)، الإتحاف (7/ 678 / 8746)، المسند المصنف (11/ 652/ 5652)].
رواه يحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن عبد الحكم [وهما ثقتان]: عن الليث بن سعد به مختصرًا.
وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1327).
وقلت هناك: وهذا إسناد مدني ثم مصري جيد.
وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال ابن حجر:"هذا حديث صحيح"، والأصل الاحتجاج بهذا الإسناد؛ إلا أن يكون في المتن أو في الإسناد ما يدل وقوع وهم فيه، فعندئذ نحمل الوهم على وقوع تدليس في إسناده.
قال البرذعي: "قال لى أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان"، قال ابن رجب:"يعني: مدلَّسة عنهما"[سؤالات البرذعي (361)، شرح علل الترمذي (2/ 867)، الفتح لابن رجب (4/ 367)، الميزان (2/ 162)، التهذيب (2/ 48). وانظر بعض أوهامه: علل الدارقطني (10/ 10/ 1819) و (12/ 35/ 2379)][وقد تقدم الكلام عن هذا الإسناد بتفصيل في مواضع، انظر منها مثلًا: فضل الرحيم الودود (8/ 526/ 788) و (9/ 95/ 816)، وما تقدم قريبًا برقم (1168)].
وكلام أبي زرعة وأبي حاتم لا يحمل على الرد المطلق لكل ما جاء بهذه السلسلة، وإنما ترد منها الأحاديث المنكرة، أو ما ثبت لنا بالقرائن وقوع الوهم فيه؛ دون الأحاديث التي استقامت متونها وعرفت مخارجها، وهذا منها، والله أعلم.
• فإن قيل: خالفه مالك، فرواه عن مخرمة بن سليمان به، إلا أنه عدَّ صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة سوى ركعتي الفجر، وقال في آخره: فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح.
فيقال: العطف هنا ليس عطف مغايرة، وإنما هو عطف بيان وتخصيص بالذكر؛ أي: أنه صلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، يؤكد ذلك أن الحديث قد رواه أيضًا عن مخرمة:
• عبد ربه بن سعيد، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس؛ أنه قال: نمت عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث إلى أن قال: فصلى في تلك الليلة
ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى، ولم يتوضأ.
فلم يذكر ركعتي الفجر لدخولها في العدد المذكور.
• عياض بن عبد الله الفهري، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، قال بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية،. . . فذكر الحديث إلى أن قال: فصلى عشر ركعاتٍ، ثم أوتر، ثم نام وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه بلال فأيقظه للصلاة، فقام فركع ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة.
وهذه الرواية المفصلة تبين وتفسر المجملة.
• الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة. . . فذكر الحديث إلى أن قال: فصلى إحدى عشرةَ ركعةً، ثم احتبى حتى إني لأسمع نفَسَه واقدًا، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين.
وكل هذه الأحاديث صحاح مخرجة في الصحيح، ويأتي تخريجها قريبًا برقم (1367).
° وإدخال ركعتي الفجر في عدد ركعات صلاة الليل غير مستنكر، فقد صح ذلك من طرق كثيرة من حديث عائشة، نذكر طرفًا منها:
فقد روى حنظلة بن أبي سفيان، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليلِ عشرَ ركعاتٍ، ويوتر بسجدةٍ، ويسجد سجدتي الفجر، فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً.
وفي رواية [عند البخاري وغيره]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، منها الوترُ وركعتا الفجر.
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه البخاري (1140)، ومسلم (128/ 738)][تقدم برقم (1334)].
وروى هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح.
وهو حديث صحيح [أخرجه مسلم (724/ 91) و (738/ 126)، [تقدم برقم (1340)].
وروى سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي لبيد، سمع أبا سلمة، قال: أتيت عائشة، فقلت: أيْ أمَّه! أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة بالليل، منها ركعتا الفجر.
وهو حديث صحيح [أخرجه مسلم (738/ 127)][تقدم برقم (1340)].
وروى يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة؛ أن عائشة أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي [بالليل] ثلاث عشرة ركعة؛ بركعتي الفجر.
وهو حديث صحيح [أخرجه مسلم (737/ 124)][تقدم برقم (1340)].
وروى محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة؛ بركعتيه قبل الصبح، يصلي ستًّا مثنى مثنى، ويوتر بخمس لا يقعد بينهنَّ إلا في آخرهنَّ.
وهو حديث صحيح [أخرجه أبو داود (1359)][تقدم برقم (1338)].
وراجع بقية الطرق في المواضع المشار إليها، وما بعدها.
° هذا وجه من الجمع، ووجه آخر: أن يقال: من قال ثلاث عشرة ركعة، ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين -ستَّ مرار-، ثم أوتر؛ يعني: بركعة واحدة، يمكن حمله على أنه أدخل ركعتي العشاء في العد، والله أعلم.
قلت: وبمجموع هذه الروايات يتبين أن سعيد بن أبي هلال قد حفظ هذا الحديث عن مخرمة، وأتى به على وجهه، وقوله في هذه الرواية:"فصلى ركعتين خفيفتين، قرأ فيهما بأم القرأن في كل ركعةٍ، ثم سلم" هو الموافق للمحفوظ من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، فقد ثبت ذلك من حديث أبي هريرة، وحديث عائشة، وحديث زيد بن أرقم [راجع: تخريجها برقم (1323 و 1324)]، وقد دلت طرق حديث ابن عباس على أن هاتين الركعتين محفوظتان من حديثه، وقد أسقطهما ابن عباس نفسه من عدد الركعات في حديث علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، وحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، وجاء فيهما عد ركعات صلاة الليل تسع ركعات فقط، والله أعلم.
1365 -
. . . عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس، قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فصلى ثلاثَ عشرةَ ركعةً منها ركعتي الفجر، حزرت قيامه في كل ركعةٍ بقدر:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} . لم يقل نوح: منها ركعتي الفجر.
* إسناده منقطع، وهو حديث شاذ بصفة الحزر
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 236/ 399) و (2/ 165/ 1429)، وأحمد (1/ 365 - 366)، وعبد الرزاق (2/ 406/ 3868) و (3/ 36/ 4706)، وعبد بن حميد (693)، والطبراني في الكبير (11/ 132/ 11272)، والبيهقي (3/ 8)، والضياء في المختارة (11/ 264/ 267) و (11/ 265/ 268)، [التحفة (4/ 534/ 5984)، الإتحاف (7/ 464/ 8233)، المسند المصنف (11/ 621/ 5633)].
رواه عن عبد الرزاق: أحمد بن حنبل، وعبد بن حميد، ونوح بن حبيب القومسي، ويحيى بن موسى البلخي، ومحمد بن رافع [وهم ثقات، بعضهم حفاظ من قدماء أصحاب عبد الرزاق ممن سمع منه قبل ذهاب بصره]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [ممن سمع من عبد الرزاق بأخرة بعدما عمي وأضر].
وفي رواية: بتُّ عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل، [فقمت معه عن يساره، فأخذ بيدي، فجعلني عن يمينه]، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، حزرت قيامه في كل ركعة بقدر {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} .
ومعمر بن راشد: ثقة ثبت، من أثبت الناس في عبد الله بن طاووس، وعلى هذا فزيادته في الحزر بالمزمل محفوظة من حديث ابن طاووس عن عكرمة، لكنه لا يثبت لأجل انقطاعه؛ كما سيأتي بيانه، ولعدم المتابع.
° ورواه وهيب بن خالد [ثقة ثبت]: حدثنا عبد الله بن طاووس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل يصلي، فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره، فجدبني فجرَّني، فأقامني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، قيامه فيهنَّ سواء.
أخرجه ابن حبان (6/ 356/ 2627)، وأحمد (1/ 252)، وأبو يعلى (4/ 350/ 2465)، والطحاوي (1/ 286)، [الإتحاف (7/ 464/ 8233)، المسند المصنف (11/ 621/ 5633)].
° ورواه الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي، قال: نا وكيع، عن مسعر [وفي رواية: عن مسعر ومحمد بن شريك]، عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فتوضأ، ثم صلى ثمان ركعات، ثم أوتر بثلاث، ثم اضطجع.
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 83/ 1322)، والدارقطني في الأفراد (1/ 460/ 2526 - أطرافه)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 12).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مسعر إلا وكيع، تفرد به: الحسين".
وقال الدارقطني: "غريب من حديث مسعر عن عكرمة بن خالد، تفرد به الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي، عن وكيع عنه.
ورواه عامر بن عبد الواحد الأحول، وهو غريب من حديثه عنه، تفرد به هشام الدستوائي عنه، ولم يروه عنه غير ابنه معاذ".
قال ابن شاهين: "هذا حديث غريب من حديث وكيع عن مسعر، ومحمد بن شريك: عزيز الحديث، لا أعلم حدث به عنهما إلا وكيع، ولا حدث به عنه إلا الجرجرائي -والله أعلم- فيما وقع إلي"[تاريخ دمشق (58/ 12)].
هكذا جزم الحفاظ بتفرد الحسين الجرجرائي به عن وكيع بن الجراح الثقة الحافظ، دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم، والحسين بن عبد الرحمن أبو علي الجرجرائي:
روى عنه جماعة من الأئمة والمصنفين، وذكره ابن حبان في الثقات، وله أوهام على وكيع وغيره [التهذيب (1/ 424)، علل الدارقطني (1/ 235/ 37) و (3/ 252/ 388)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 96/ 336)، الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 758)، فضل الرحيم الودود (8/ 311/ 752)]، وهذا الحديث من أوهامه، فإن هذا الحديث إنما يُعرف من حديث عبد الله بن طاووس وعباد بن منصور عن عكرمة بن خالد على اختلاف بينهما في إسناده، والله أعلم.
لكن قال ابن رجب في الفتح (4/ 193): "خرجه أبو نعيم في كتاب الصلاة: حدثنا محمد بن شريك: ثنا عكرمة بن خالد، قال: قال ابن عباس: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة- وهي خالته-، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل يصلي قمت خلفه، فأهوى بيده فأخذ برأسي، فأقامني عن يمينه إلى جنبه.
محمد بن شريك هذا، مكي، وثقه الإمام أحمد".
قلت: العهدة على ابن رجب في النقل، ومحمد بن شريك المكي: ثقة معروف، وبذا يكون متابعًا لرواية ابن طاووس عن عكرمة عن ابن عباس.
° ووهم في إسناده ومتنه: عباد بن منصور [ضعيف، وله أحاديث منكرة، وهذا منها]، فرواه عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة،
…
فذكره مع زيادات منكرة تفرد بها.
وهو حديث منكر؛ تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (2/ 79/ 133).
° وقد تقدم ذكر هذا الحديث في موضعين سابقين: فضل الرحيم الودود (2/ 80/ 133) و (7/ 92/ 611).
وقلت في الموضع الثاني: ورجاله ثقات، رجال الشيخين، لكن قال الإمام أحمد:"عكرمة بن خالد: لم يسمع من ابن عباس شيئًا، إنما يحدث عن سعيد بن جبير"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 403/ 833)، التاريخ الكبير (7/ 49)، الجرح والتعديل (7/ 9) ، الثقات (5/ 231)، التهذيب (3/ 131)]، وأما قول الذهبي في تاريخ الإسلام (7/ 425):"قرأ القرآن على ابن عباس عرضًا، وسمع منه"، فلعله اختلط عليه بعكرمة البربري مولى ابن عباس، والله أعلم.
° والحاصل: فإن هذا الحديث منقطع؛ وهو مع انقطاعه شاذ؛ حيث لم يتابع
عكرمةَ أحدٌ من أصحاب ابن عباس على قوله: "حزرت قيامه في كل ركعةٍ بقدر: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} "، والله أعلم.
* وقد روى إبراهيم بن طهمان [كما في نسخته (11)] ، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا".
قلت: عكرمة هذا هو مولى ابن عباس البربري؛ ثقة، سمع ابن عباس، وروايته عنه عند الجماعة.
وسماك بن حرب: صدوق، تُكُلم فيه لأجل اضطرابه في حديث عكرمة خاصة، وكان لما كبر ساء حفظه؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، قال يعقوب بن شيبة:"وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا -مثل شعبة وسفيان- فحديثهم عنه: صحيح مستقيم"[انظر: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656) وغيرها]، وهو هنا يروي عن عكرمة، ولم يروه عنه قدماء أصحابه مثل سفيان الثوري وشعبة، ممن ضبطوا حديثه، قال ابن المديني:"روايته عن عكرمة مضطربة، فسفيان وشعبة يجعلونها عن عكرمة، وأبو الأحوص وإسرائيل يجعلونها عن عكرمة عن ابن عباس"[تاريخ دمشق (41/ 97)، شرح علل الترمذي (2/ 797)، التهذيب (3/ 517)، الميزان (2/ 232)].
لكنه قد توبع على أصل حديثه، مما يدل على كونه محفوظًا، وهذا الذي رواه محفوظ عن ابن عباس من ثلاثة وجوه، رواه عن ابن عباس في قصة مبيته عند خالته ميمونة: ابنه علي، وصاحبه سعيد بن جبير، ومولاه كريب [وقد مضى الكلام عليها].
° ورواه يحيى بن أبي طالب [يحيى بن جعفر بن الزبرقان: وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، مثل: أبي داود؛ فقد خطَّ على حديثه، وموسى بن هارون؛ فقد كذبه، وأبي أحمد الحاكم؛ حيث قال: "ليس بالمتين". انظر: اللسان (8/ 423 و 452)، الجرح والتعديل (9/ 134)، الثقات (9/ 270)، سؤالات الحاكم (239)، تاريخ بغداد (14/ 225)، السير (12/ 619)]: أخبرنا علي بن عاصم: أخبرنا خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: دخلت مع ابن عباس على أبي هريرة، فقال أبو هريرة: سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته: "اللَّهُمَّ اجعل لى نورًا في قلبي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من فوقي، ونورًا من تحتي، اللَّهُمَّ اجعل لى نورًا"؛ فقال ابن عباس: عكرمة أحفظ.
أخرجه أبو جعفر ابن البختري في مجلس من حديثه (5 - رواية ابن مخلد البزاز)، وابن عساكر في المعجم (526).
قال ابن عساكر: "هذا حديث غريب، وعلي بن عاصم الواسطي: فيه لين".
قلت: هو كما قال؛ حديث غريب؛ علي بن عاصم: صدوق، سيئ الحفظ، يخطئ ويصر على خطئه، وقد تركه بعضهم، وقد روى أحاديث عن خالد الحذاء، ثم سئل عنها خالد فأنكرها، فلا يحتمل تفرده عن خالد الحذاء [التهذيب (3/ 173)، الميزان (3/ 135)]، كما أنه لا يثبت عن علي بن عاصم.
° قلت: وثبت أيضًا من حديث عكرمة عن ابن عباس في قصة مبيته عند خالته ميمونة:
• ما رواه يونس بن محمد المؤدب، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وعبيد الله بن محمد العيشي [وهم ثقات]:
قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد وأيوب [ولم يذكر العيشي: حميدًا]، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع له فطيط، فقام فصلى ولم يتوضأ، فقال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظًا.
أخرجه أحمد (1/ 244)، وعبد بن حميد (616)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 74)، 11 لإتحاف (468/ 7/ 8239)، المسند المصنف (11/ 403/ 5442)].
• ورواه حجاج بن المنهال [ثقة، من أصحاب حماد المكثرين عنه، وعنه جماعة من الثقات الحفاظ: علي بن عبد العزيز البغوي، وأبو مسلم الكشي إبراهيم بن عبد الله بن مسلم، وإسماعيل بن إسحاق القاضي]: ثنا حماد بن سلمة، عن حماد الكوفي، وحميد، وأيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع غطيطه، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ. زاد إسماعيل: قال عكرمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان محفوظًا.
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 262/ 11681) و (11/ 333/ 11920)، والبيهقي (1/ 121).
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال الصحيح، غير حماد بن أبي سليمان؛ فإنه: فقيه كوفي، صدوق، تكلم في رواية حماد بن سلمة عنه، وقد توبع.
1366 -
. . . مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه؛ أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره، عن زيد بن خالد الجهني؛ أنه قال: لأرمقَنَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، قال: فتوسدت عتبته -أو: فسطاطه-، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً.
* حديث صحيح
أخرجه مسلم (765)، وتقدم تحت الحديث رقم (1324).
1367 -
. . . مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس؛ أن عبد الله بن عباس أخبره؛ أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم -وهي خالته-، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأهلُه في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من
سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضأ منها، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال عبد الله: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت، فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، فأخذ بأذني يفتِلُها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين -قال القعنبي: ستَّ مرار-، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح.
* حديث متفق على صحته
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 178/ 317)، ومن طريقه: البخاري (183 و 992 و 1198 و 4570 - 4572)، ومسلم (763/ 182)، وأبو عوانة (1/ 469/ 1741) و (2/ 39/ 2233) و (2/ 43/ 2249) و (2/ 50/ 2280)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 357/ 1738)، وأبو داود (1367)، والترمذي في الشمائل (265)، والنسائي في المجتبى (3/ 210/ 1620)، وفي الكبرى (1/ 235/ 397) و (2/ 131/ 1339) و (10/ 57/ 11021)، وابن ماجه (1363)، وابن خزيمة (3/ 88 - 89/ 1675)، وابن حبان (6/ 317/ 2579) و (6/ 326/ 2592)، وأحمد (1/ 242 و 358)، والشافعي في الأم (1/ 169)، وفي السنن (56)، وفي المسند (58)، وعبد الرزاق (2/ 405/ 3866) و (3/ 37/ 4708) و (6/ 56/ 4773)، وإسماعيل القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (117)، والبزار (11/ 375/ 5206)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 288)، وفي المشكل (1/ 14/ 11)، والطبراني في الكبير (11/ 421/ 12192)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 122/ 545)، والجوهري في مسند الموطأ (636)، وابن منده في التوحيد (16)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (492)، والبيهقي في السنن (1/ 89) و (3/ 7)، وفي المعرفة (2/ 376/ 1495)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 9/ 904)، وفي الشمائل (568)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب (1949)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (57/ 143)، [التحفة (4/ 672/ 6362)، الإتحاف (7/ 680/ 8748)، المسند المصنف (11/ 631/ 5638)].
رواه عن مالك: الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (159)، ومعن بن عيسى القزاز، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن القاسم (193 - تلخيص القابسي)، وأبو مصعب الزهري (296)، وبحيى بن يحيى الليثي (317). وعبد الله بن وهب، وقتيبة بن سعيد، وعبد الرزاق بن همام، وإسماعيل بن أبي أويس، ومحمد بن الحسن الشيباني (170).
اتفق أصحاب مالك على لفظه، وكذا رواه أحمد عن ابن مهدي في المسند في
الموضع الأول، ورواه البخاري في صحيحه (4570)، قال: حدثنا علي بن عبد الله [يعني: ابن المديني]، وكذا رواه أحمد في الموضع الثاني من المسند عن ابن مهدي، وعمرو بن علي الفلاس [عند البزار]:
ثلاثتهم [ابن المديني، وأحمد، والفلاس]، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بن أنس، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها، فجعل يمسح النوم عن وجهه، ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم، ثم أتى شنًا معلقًا، فأخذه فتوضأ، ثم قام يصلي، فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم جئت فقمت إلى جنبه، فوضع يده على رأسي، ثم أخذ بأذني فجعل يفتلها، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم أوتر.
قلت: وهذا اختصارٌ غير مخلٍّ من ابن مهدي، ولا يضر.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن ابن عباس، وقد روي من وجوه، وكل واحد يزيد على صاحبه في ألفاظ هذا الحديث، فنذكر كل حديث منها في موضعه بلفظه".
• قال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 207): "لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه، وقد روى هذا الحديث عن مخرمة غير واحد، ورواه عن كريب جماعة، ورواه عن ابن عباس أيضًا جماعة، وفي ألفاظ الأحاديث عنهم من طرقهم اختلاف كثير".
• قلت: هكذا رواه جمهور رواة الموطأ وأصحاب مالك عن مالك به مطولًا.
ورواه حماد بن خالد الخياط [البصري، نزيل بغداد، أصله مدني، ثقة]، قال: حدثنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة. هكذا مختصرًا. اجتزأ بطرف من الحديث، ولا يضره.
أخرجه ابن حبان (6/ 181/ 2424) و (6/ 185/ 2428) و (6/ 352/ 2621)، بإسناد صحيح إلى حماد به. [الإتحاف (7/ 678/ 8745)، المسند المصنف (11/ 634/ 5638)].
* تابع مالكًا عليه:
أ- عبد ربه بن سعيد، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس؛ أنه قال: نمت عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فصلى، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى في تلك الليلة ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرفي فصلى، ولم يتوضأ.
قال عمرو: فحدثت به بكير بن الأشج، فقال: حدثني كريب بذلك.
أخرجه البخاري (698)، ومسلم (763/ 184)، وأبو عوانة (2/ 51/ 2281) و (2/
52/ 2282)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 358/ 1739)، وابن حبان (6/ 355/ 2626)، والطبراني في الكبير (11/ 421/ 12193)، والبيهقي (7/ 62)، [التحفة (4/ 672/ 6362)، الإتحاف (7/ 680/ 8748) ، المسند المصنف (11/ 631/ 5638)].
من طرقٍ عن: ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد به.
• روى خلاف ذلك:
إبراهيم بن منقذ العصفري، قال: حدثنا المقرئ [أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: ثقة]، عن سعيد بن أبي أيوب [ثقة ثبت]، قال: ثنا عبد ربه بن سعيد [مدني، ثقة]، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حدثه، قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العشاء، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر بثلاث.
أخرجه الطحاوي (1/ 288)، [الإتحاف (7/ 681/ 8748)].
قلت: رواية عمرو بن الحارث أولى، لا سيما وقد أخرجها الشيخان في صحيحيهما، وقد رواها عمرو عن بكير بنحو ذلك:
رواها عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتين حتى بلغ عشر ركعات، ثم أوتر بثلاث ركعات، ثم انضجع [وفي رواية: اضطجع] فنام حتى نفخ، وكان نومه نفخًا، ثم أتاه المؤذن بصلاة الصبح، فخرج فصلى ولم يتوضأ. [يأتي تخريجه قريبًا في بقية طرق الحديث عن ابن عباس].
والوهم فيه عندي من شيخ الطحاوي، إبراهيم بن منقذ العصفري الخولاني: قال ابن يونس ومسلمة بن قاسم: "ثقة"، زاد ابن يونس:"كانت قد احترقت كتبه قديمًا، وبقيت له منها بقية، وكان يحدث بما بقي من كتبه"، وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم: ابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانة في صحيحه، والروياني، وابن المنذر، والطحاوي، وابن صاعد، وأبو العباس الأصم، وأخرج له ابن حبان في صحيحه (3467)، والحاكم في المستدرك [فتح الباب (147 و 191)، الأنساب (4/ 203)، السير (12/ 503)، العبر (2/ 46)، مغاني الأخيار (1/ 20)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 252)].
ب- عياض بن عبد الله الفهري [وعنه: ابن وهب]، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، فأتيته وهو في بيت ميمونة، فرقدني على فضل وسادة، حتى إذا كان شطر الليل قام فنظر إلى السماء، ثم قرأ آخر سورة آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى ختمها، ثم عمد إلى شجب من ماء معلق، فتسوك وتوضأ وأسبغ الوضوء، ولم يهرق من الماء إلا قليلًا، ثم حركني فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره فحولني فقمت عن يمينه، فجعل يقرأ وهو يفتل بأذني، فصلى عشر ركعاتٍ، ثم أوتر، ثم نام وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه بلال فأيقظه للصلاة، فقام فركع ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة.
أخرجه مسلم (763/ 183)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 359/ 1741)، والطبراني في الكبير (11/ 422/ 12194)، [التحفة (4/ 672/ 6362)، المسند المصنف (11/ 631/ 5638)].
ج- الضحاك بن عثمان [وعنه: ابن أبي فديك]، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فقلت لها: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرةَ ركعةً، ثم احتبى حتى إني لأسمع نفَسَه راقدًا، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين.
أخرجه مسلم (763/ 185)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 359/ 1740)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (215)، وابن حزم (3/ 91)، وعبد الخالق بن أسد الحنفي في المعجم (255)، وابن عساكر في المعجم (1205)، [التحفة (4/ 672/ 6362)، المسند المصنف (11/ 631/ 5638)].
قال ابن رجب في الفتح (6/ 358): "فتبين بهذه الرواية: أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن ابن عباس في الصلاة إنما كان عند نعاسه، إيقاظًا له.
وكذلك خرجه أبو داود والنسائي من رواية سعيد بن أبي هلال عن مخرمة، وفي حديثة: فقمت إلى جنبه عن يساره، فجعلني عن يمينه، ووضع يده على رأسي، وجعل يمسح أذني، كأنه يوقظني.
فهاتان الروايتان: فيهما دلالة على أنه إنما أخذ بأذنه بعد أن أداره عن يمينه، وفيه: رد على من زعم: أن أخذه بأذنه وفتلها إنما كان ليديره عن شماله إلى يمينه".
قلت: والاحتباء المذكور في رواية الضحاك هذه، يمكن حمله على أول الأمر؛ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتبى أولًا، ثم اضطجع، كما صح ذلك في بقية الروايات عن مخرمة بن سليمان، والله أعلم.
* وممن رواه أيضًا عن كريب:
أ- سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القربة، فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين، ولم يكثر، وقد أبلغ، ثم قام فصلى، فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له، فتوضأت، فقام فصلى، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني عن يميته، فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى، ولم يتوضأ.
وكان في دعائه: "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا،
وعن يميتي نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وعظِّم لى نورًا".
أخرجه البخاري (6316)، ومسلم (763/ 181 و 187 - 189)، [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1354)].
ب- شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة، [والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل]، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعةً، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر، قعد فنظر إلى السماء، فقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190]، ثم قام فتوضأ واستنَّ، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال [بالصلاة]، فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح.
أخرجه البخاري (4569 و 6215 و 7452)، ومسلم (763/ 190)، [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1355)].
• ورواية سليمان بن بلال عن شريك في هذا الحديث قد بيَّنت كثيرًا من مواضع الاختصار والحذف الذي وقع في حديث ابن عباس، لذا نعيد ذكره استحضارًا لكيفية الجمع بين روايات هذا الحديث:
فقد روى سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟ قال: فاضطجع مكانه في مصلاه حتى سمعت غطيطه، قال: ثم تعارَّ من الليل، فقام فنظر في أفق السماء وفكر، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران، ثم أخذ سواكًا فاستنَّ، ثم خرج فقضى حاجته، ثم رجع إلى شَنٍّ معلقة فصب على يده، ثم توضأ ولم يوقظ أحدًا، ثم قام فصلى ركعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأراه صلى مثل ما رقد، قال: ثم اضطجع مكانه، فوقد حتى سمعت غطيطه، ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق (1355).
ج- عمرو بن دينار [وعنه: سفيان بن عيينة]، قال: أخبرني كريب، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة ليلةً، فنام النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في بعض الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شق معلق وضوءًا خفيفًا -يخففه عمرو ويقلله-، ثم قام يصلي، فقمت فتوضأت نحوًا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره -وربما قال سفيان: عن شماله- فحولني
فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، فأتاه المنادي [وفي رواية: بلال] يؤذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى [الصبح] ولم يتوضأ.
قلنا لعمرو: إن ناسًا يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه.
قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: إن رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].
وفي رواية: قال سفيان: وهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه.
أخرجه البخاري (138 و 859)، ومسلم في الصحيح (763/ 186)، وفي التمييز (50)، وأبو عوانة (1/ 223/ 736) و (2/ 52/ 2283 و 2284)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 359/ 1742) و (2/ 363/ 1750)، وابن ماجه (423)، وابن خزيمة (2/ 47/ 884) و (3/ 14/ 1524) و (3/ 17/ 1533)، وابن الجارود (10)، وأحمد (1/ 220)، والشافعي في السنن (1/ 171/ 55)، والحميدي (477 - 479)، والطحاوي في المشكلل (9/ 51/ 3430)، والبيهقي في السنن (1/ 122)، وفي المعرفة (2/ 376/ 1496)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 212)، [التحفة (4/ 669/ 6356)، الإتحاف (7/ 679/ 8747)، المسند المصنف (11/ 622/ 5634)].
رواه عن سفيان بن عيينة: الشافعي، وعلي بن المديني، والحميدي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن حرب، وابن أبي عمر العدني، وعبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ومحمد بن حاتم بن ميمون، وأبو إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب ابن عيينة].
* وشذ عنهم: سفيان بن وكيع [ضعيف، واتهم]، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن كريب، عن ابن عباس، قال: دعا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدني علمًا وفهمًا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 169 / 264 - مسند ابن عباس).
• ورواه قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي، فجعلني عن يمينه، فصلى ورقد، فجاءه المؤذن، فقام وصلى ولم يتوضأ.
أخرجه البخاري (726)، والترمذي (232)، وقال:"حديث حسن صحيح". والنسائي في المجتبى (1/ 215/ 442)، [التحفة (4/ 669/ 6356)، المسند المصنف (11/ 622/ 5634)].
• وجاء في رواية حجاج بن محمد وغندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة،
…
فذكرا الحديث، وقالا في آخره: قال شعبة: وحدثني عمرو بن دينار، عن كريب، عن ابن عباس؛ أنه قال: نام مضطجعًا.
أخرجه أبو عوانة (2/ 49/ 2274)، وأحمد (1/ 284)، [تقدم تحت الحديث السابق برقم (1354)].
• ورواه حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن كريب بن أبي مسلم، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة بنت الحارث، فقام يصلي من الليل، قال: فقمت عن يساره، فأخد بيدي فأقامني عن يمينه، ثم صلى، ثم نام حتى نفخ، ثم جاءه بلال بالأذان، فقام فصلى ولم يتوضأ.
أخرجه أحمد (1/ 244 - 245)، [الإتحاف (7/ 682/ 8748)، المسند المصنف (11/ 622/ 5634)].
وهذا حديث صحيح.
• ورواه حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس، عن عمرو بن دينار؛ أن كريبًا أخبره؛ أن ابن عباس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم[وهو يصلي] من آخر الليل، فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست [وفي لرواية: انخنست]، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لى:"ما شأني أجعلك حذائي فتخنس؟ "، فقلت: يا رسول الله! أوَ ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك! وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبته، فدعا الله لى أن يزيدني علمًا وفهمًا، قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كل نام حتى سمعته ينفخ، ثم أتاه بلال، فقال: يا رسول الله الصلاة، فقام فصلى، ما أعاد وضوءًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 383 / 32221)، وأحمد في المسند (1/ 330)، وفي فضائل الصحابة (2/ 956/ 1857)، والحسن بن عرفة جزئه (2)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 285/ 376)، والدارقطني في الأفراد (1/ 99 4/ 2818 - أطرافه)، وأبو بكر الأنباري في حديثه (6)، والحاكم (3/ 534)(8/ 54/ 6412 - ط. الميمان)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 314) و (8/ 386)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1701/ 4255)، والبيهقي في الشعب (3/ 399/ 1432)، والضياء في المختارة (13/ 53/ 80)، [الإتحاف (7/ 8748/682)، المسند المصنف (11/ 624/ 5635)].
قال الدارقطني: "تفرد به أبو يونس القشيري حاتم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار عن كريب بهذه الألفاظ".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة".
قلت: حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس القشيري: بصري ثقة، وليس بالمكثر [تاريخ الإسلام (9/ 95)، التهذيب (1/ 324)] ، وقد خالفه أصحاب عمرو بن دينار، وفيهم أثبت الناس فيه: سفيان بن عيينة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وحماد بن سلمة.
قال ابن عيينة: "ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه"، وقال داود:"فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي، فجعلني عن يمينه"، وقال
حماد: "فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأقامنى عن يمينه"، وليس في حديث أحد منهم هذه القصة التي انفرد بها حاتم.
وعليه: فإن حديث حاتم بن أبي صغيرة: حديث شاذ، والله أعلم.
د- بكير بن الأشج [وعنه: عمرو بن الحارث، وسلمة بن كهيل]، قال: حدثني كريب بذلك.
أخرجه البخاري (698)، ومسلم (763/ 184 و 187)، [تقدم ذكر طريق عمرو بن الحارث قبل قليل، وتقدم ذكر طريق سلمة تحت الحديث رقم (1354)].
• ورواه أيضًا: أحمد بن صالح [ثقة حافظ، وعنه: أحمد بن رشدين المصري، وهو: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم. انظر: اللسان (1/ 594)]، وعيسى بن إبراهيم بن عيسى بن مثرود [الغافقي: ثقة]:
ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتين حتى بلغ عشر ركعات، ثم أوتر بثلاث ركعات، ثم انضجع [وفي رواية: اضطجع] فنام حتى نفخ، وكان نومه نفخًا، ثم أتاه المؤذن بصلاة الصبح، نخرج فصلى ولم يتوضأ.
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 413/ 12172)، وأبو طاهر المخلص في التاسع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (186)(2073 - المخلصيات).
وهذا حديث صحيح.
• ورواه الليث بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فصلى ركعتين ركعتين حتى بلغ عشر ركعات، ثم أوتر بثلاث ركعات، ثم اضطجع، فنام حتى نفخ، وكان نومه نفخًا، ثم ناداه المؤذن لصلاة الصبح، فخرج ولم يتوضأ.
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 289/ 8662)، رواه عن مطلب بن شعيب [وهو ثقة، له عن أبي صالح حديث منكر. اللسان (8/ 86)]، عن عبد الله بن صالح [أبو صالح كاتب الليث: صدوق، كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، عن الليث به.
وهذا غريب من حديث الليث بن سعد.
هـ- يوسف بن موسى، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم عن شماله فأقامني عن يمينه.
أخرجه البزار (11/ 376/ 5207).
وهذا شاذ من حديث الأعمش عن أبي سفيان، يأتي بيان علته في الطرق الآتية.
والمحفوظ فيه: ما رواه عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن
الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن شماله، فأقامني عن يمينه.
أخرجه أحمد (1/ 257)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (1/ 257)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (132)(1151 - المخلصيات)، [الإتحاف (7/ 680/ 8747)، المسند المصنف (11/ 634/ 5639)].
وهذا حديث صحيح، على شرط الشيخين.
و- ورواه ابن فضيل [وعنه: أحمد بن حنبل، وهارون بن إسحاق الهمداني الكوفي]، قال: أخبرنا رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت إلى جنبه عن يساره، فأخذني فأقامني عن يمينه، قال: وقال ابن عباس: وأنا يومئذ ابن عشر سنين.
أخرجه أحمد (1/ 364)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (11/ 411/ 12165)، وابن عدي في الكامل (3/ 148)، [الإتحاف (7/ 680/ 8747)، المسند المصنف (11/ 512/ 5536)].
قال ابن عدي: "ولرشدين غير ما ذكرت، وليس بالكثير، وأحاديثه مقاربة، لم أر فيها حديثا منكرًا جدًّا، وهو على ضعفه يكتب حديثه".
قلت: وحديثه هذا ليس بالمنكر؛ قد رواه جماعة من أصحاب كريب الثقات، وإنما انفرد فيه بذكر سن ابن عباس وقت الواقعة، وهو محتمل، فقد يخص كريب ابنه بشيء لا يذكره لغيره، من الفوائد المتعلقة بالتاريخ ونحوه مما يعلق بالأذهان، والله أعلم.
• ورواه هارون بن إسحاق الهمداني [ثقة، واللفظ له]، وأبو كريب محمد بن العلاء [ثقة حافظ]، وأبو همام [الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني: ثقة]، ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة [ثقة]، وأبو هشام الرفاعي [محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي: ليس بالقوي]، وزيد بن الحريش [الأهوازي نزيل البصرة: فيه جهالة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وقال ابن القطان الفاسي:"مجهول الحال"، الجرح والتعديل (3/ 561)، الثقات (8/ 251)، بيان الوهم (3/ 383)، تاريخ الإسلام (18/ 278)، ذيل الميزان (398)، اللسان (3/ 550)، مجمع الزوائد (10/ 281)]:
عن ابن فضيل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين اللتين قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، فقال:"يا ابن عباس! ركعتين قبل الفجر أدبار النجوم، وركعتين بعد المغرب أدبار السجود".
أخرجه الترمذي (3275)، وابن جرير الطبري في تفسيره (26/ 181)، وابن أبي حاتم في التفسير (10/ 3310/ 18646)، والطبراني في الأوسط (7/ 265/ 7458)، وابن عدي في الكامل (3/ 148)، والحاكم (1/ 320)(2/ 101/ 1213 - ط.- الميمان)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 107)، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 172)،
[التحفة (4/ 664/ 6348)، الإتحاف (7/ 675/ 8740)، المسند المصنف (11/ 605/ 5621)].
قال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه من حديث محمد بن فضيل عن رشدين بن كريب.
سألت محمد بن إسماعيل عن محمد ورشدين بن كريب أيهما أوثق؟ قال: ما أقربهما، ومحمد عندي أرجح.
وسألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا؟ فقال: ما أقربهما عندي، ورشدين بن كريب أرجحهما عندي. والقول عندي ما قال أبو محمد، ورشدين أرجح من محمد وأقدم، وقد أدرك رشدين ابن عباس ورآه".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن رشدين بن كريب إلا محمد بن فضيل".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
وقد تعقبه الذهبي بقوله: "رشدين ضعفه أبو زرعة والدارقطني".
قلت: هذا حديث منكر؛ تفرد به رشدين بن كريب عن أبيه، دون أصحاب أبيه الثقات، ورشدين: ضعفوه، وهو: منكر الحديث [التهذيب (1/ 608)، الميزان (2/ 51)، سؤالات البرذعي (441 و 778)].
• وانظر فيمن وهم في إسناده على هارون بن إسحاق عن ابن فضيل، فجعله من مسند أنس: ما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (6/ 254 - ط. الغرب).
ز- ورواه كثير بن زيد: حدثني يزيد بن أبي زياد، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طول الوسادة، واضطجعت في عرضها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ونحن نيام، قال:"يا هذين الصلاة! "، ثم رش عليهما من وضوئه، قال: ثم قام فصلى، فقمت عن يمينه، فأخذني فجعلني عن يساره، فلما صلى قلت: يا رسول الله! أخبرني عن مقامي، قال:"أخبرتك عن مقام جبريل"، قال: فسمعته يدعو بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ هب لي نورًا في سمعي، وهب لى ونورًا في بصري، وهب لى نورًا من خلفي، وهب لي نورًا عن يميني، وعن يساري، وهب لي نورًا في لحمي وشعري ودمي"، فعدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة مرة يرددها، ثم في السبع عشرة:"اللَّهُمَّ هب لي نورًا إلى نور".
أخرجه مسلم في التمييز (49)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (224).
قال مسلم: "وهذا خبر غلط، غير محفوظ؛ لتتابع الأخبار الصحاح برواية الثقات على خلاف ذلك: أن ابن عباس إنما قام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحوله حتى أقامه عن يمينه، وكذلك سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأخبار عن ابن عباس، أن الواحد مع الإمام يقوم عن يمين الإمام، لا عن يساره".
ثم قال بعدما ساق طرق حديث ابن عباس بما يخالف هذه الرواية: "فقد صح بما
ذكرنا من الأخبار الصحاح عن كريب، وسائر أصحاب ابن عباس، [أن قول كثير بن زيد]: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يساره؛ وهم وخطأ غير ذي شك".
• قلت: هكذا رواه عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي [وهو: بصري ثقة] عن كثير بن ريد به.
وخالفه: أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو [وهو: بصري ثقة مأمون]، قال: حدثنا كثير بن زيد، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن مولى مطيع، عن كريب، عن ابن عباس، بنحوه، وليس فيه أنه قام عن يمينه فحوله عن يساره.
أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 957/1530).
قلت: وهذا حديث منكر؛ اضطرب فيه كثير بن زيد الأسلمي المعروف بابن مافنَّة، وهو: متكلم فيه، ليس ممن يحتج به إذا انفرد، نعم هو في الأصل صدوق؛ لكن فيه لين، وليس بذاك القوي [انظر: التهذيب (3/ 458)، سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (97)، الميزان (3/ 404)] [وانظر: ما تحت الحديث رقم (801)].
وهو هنا قد خالف جمعًا كبيرًا من الثقات ممن روى حديث ابن عباس في قصة مبيته عند خالته ميمونة، ثم هو قد اضطرب في إسناده، فمرة يرويه عن يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن نلقن، فهو: ليس بالقوى؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (9/ 344)، الميزان (4/ 423)، وقد تقدم الكلام عليه مرارًا]، ومرة يقول: عن عبد الحميد بن عبد الرحمن مولى مطيع، ولم أجد من ترجم له سوى الخطيب في المتفق، ولم يزد في ترجمته على هذا الإسناد وهذا الحديث، والله أعلم.
* وله أسانيد أخرى عن ابن عباس.
أ- شعبة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه البخاري (1138)، ومسلم (764)، [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود تحت الحديث رقم (1339)].
ب- عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قمت ليلة أصلي عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي -أو: بعضدي- حتى أقامني عن يمينه، وقال بيده من ورائي.
وفي رواية: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأقامني عن يمينه.
أخرجه البخاري (728)، [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (7/ 91/ 611)][المسند المصنف (11/ 637/ 5641)].
• وروى أبو إسحاق، عن عامر الشعبي، قال: سألت ابن عباس وابن عمر: كيف
كان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالا: ثلاث عشرة ركعة، منها ثمان، ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر.
قلت: صوابه ما رواه: شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، والشعبي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. هكذا مرسلًا.
وهذا هو المحفوظ: عن أبي إسحاق عن أبي سلمة والشعبى مرسلًا، ورجحه أبو حاتم في العلل (371)[تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1339)].
ج- ابن جريج، وعبد الملك بن أبي سليمان، وقيس بن سعد:
عن عطاء، عن ابن عباس، قال: بِتُّ في بيت خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فأطلق القِرْبة فتوضأ، ثم أوكأ القربة، ثم قام إلى الصلاة، فقمتُ فتوضأت كما توضأ، ثم جئتُ فقمتُ عن يساره، فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه، فأقامني عن يمينه، فصليتُ معه. لفظ عبد الملك.
أخرجه مسلم (763/ 192 و 193)، [تقدم تخريجه بطرقه في فضل الرحيم الودود (7/ 89/ 610)] [راجع: مسند أبي عوانة (2/ 53/ 2289)(6/ 279/ 2343 - ط. الجامعة الإسلامية)، إتحاف المهرة (7/ 290/ 7835) و (7/ 412/ 8086)، وذكر طاووس في إسناده خطأ] [المسند المصنف (11/ 636/ 5640)].
د- أبو نعيم الفضل بن دكين، وعبد الله بن المبارك:
قالا: حدثنا إسماعيل بن مسلم [العبدي]: حدثنا أبو المتوكل؛ أن ابن عباس حدثه؛ أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى بلغ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 191]، ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى.
أخرجه مسلم (256)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (1/ 314/ 596)، وأحمد (1/ 275 و 350)، وابن منده في التوحيد (18)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 18/ 819)، [التحفة (4/ 639/ 6286)، الإتحاف (8/ 170/ 9146)، المسند المصنف (11/ 642/ 5646)].
هـ- سفيان الثوري و [عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق بن همام، وقبيصة بن عقبة]، وجرير بن عبد الحميد، وعمار بن رزيق:
عن الأعمش، قال: سألت إبراهيم عن الرجل يصلي مع الإمام؟ فقال: يقوم عن يساره، فقلت: حدئني سميع الزيات [مولى ابن عباس]، قال: سمعت ابن عباس يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يمينه، فأخذ به [قلت: يعني: إبراهيم].
وفي رواية: كنت قمت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شماله، فأدارني فجعلني عن يمينه.
أخرجه الدارمي (687 - ط. البشائر)، وأحمد (1/ 257 و 357 و 365)، وعبد الرزاق (2/ 405/ 3865)، وأبو يعلى (4/ 444/ 2570)، والطبراني في المعجم الكبير (12/ 96/ 12590)، [فضل الرحيم الودود (7/ 93/ 611)][المسند المصنف (11/ 511/ 5535)].
وإسناده صحيح، سميع الزيات: ثقة، سمع ابن عباس [التاريخ الكبير (4/ 189)، الجرح والتعديل (4/ 306)، الثقات (4/ 342)، التعجيل (426)].
• هكذا رواه عن جرير: عثمان بن أبي شيبة [عند أحمد].
• وللأعمش فيه إسناد آخر:
رواه أيضًا: عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن شماله، فأقامني عن يمينه.
أخرجه أحمد (1/ 257)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (1/ 257)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (132)(1151 - المخلصيات)، [الإتحاف (7/ 680/ 8747)، المسند المصنف (11/ 634/ 5639)].
وهذا حديث صحيح، على شرط الشيخين.
• وخالفه فوهم في إسناده: يوسف بن موسى، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم عن شماله فأقامني عن يمينه.
أخرجه البزار (11/ 376/ 5207).
قال البزار: "ولا نعلم أن أبا سفيان روى عن كريب عن ابن عباس غير هذا الحديث".
قلت: وهم في إسناده: يوسف بن موسى بن راشد القطان، وهو: صدوق، والقول: فول عثمان بن أبي شيبة، وهو: ثقة حافظ، وقد رواه عن جرير بالوجهين الأولين، وهما إسنادان محفوظان عن الأعمش، بخلاف الأخير، فقد تفرد به يوسف القطان، والله أعلم.
و- وروى عبد الله بن أحمد في المسند (1/ 284)(2/ 631/ 2615 - ط. المكنز)، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن عبيد: حدثني محمد بن ثابت العبدي العصري، قال: حدثنا جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس، قال: تضيَّفتُ ميمونةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالتي، وهي ليلتئذٍ لا تصلي، فأخذت كساء فثنته، وألقت عليه نمرقة، ثم رمت عليه بكساء آخر، ثم دخلت فيه، وبسطت لى بساطًا إلى جنبها، وتوسدت معها على وسادها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صلى العشاء الآخرة، فأخذ خرقة فتوزَّر بها، وألقى ثوبيه، ودخل معها لحافَها، وبات حتى إذا كان من آخر الليل، قام إلى سقاءٍ معلَّق فحرَّكه، فهممت أن أقوم فأصبَّ عليه، فكرهت أن يرى أني كنت مستيقظًا، قال: فتوضأ، ثم أتى الفراش، فأخذ ثوبيه، وألقى الخرقة، ثم أتى
المسجد، فقام فيه يصلي، وقمتُ إلى السقاء، فتوضأت، ثم جئت إلى المسجد فقمت عن يساره، فتناولني فأقامني عن يمينه، فصلى وصليت معه ثلاث عشرة ركعة، ثم قعد، وقعدت إلى جنبه، فوضع مرفقه إلى جنبي، وأصغى بخده إلى خدي، حتى سمعت نفس النائم، فبينا أنا كذلك إذ جاء بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله، فسار إلى المسجد، واتبعته، فقام يصلي ركعتي الفجر، وأخذ بلال في الإقامة.
وقد ذهب محققو الإتحاف وطبعة المكنز إلى أن شيخ أحمد هو عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله العيشي، وهو: ثقة.
• وقد تابعه عليه: عبد الله بن بكار: نا محمد بن ثابت: نا جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: تضيفت ميمونة. . .، فذكره بنحوه، وفيه: فأخذ خرقة عند رأس الفراش، فاتزر بها، وخلع ثوبيه فعلقهما، ثم دخل معها في لحافها، حتى إذا كان في آخر الليل قام إلى سقاء معلق فحله.
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 483/515)، والبغوي في الشمائل (840)، وأبو طاهر السلفي في العاشر من المشيخة البغدادية (7)(1007 - مشيخة المحدثين البغدادية)[زيد في إسناده كريب، ولا يثبت][الإتحاف (7/ 10/ 7226)، المسند المصنف (11/ 639/ 5643)].
وعبد الله بن بكار، أبو عبد الرحمن، من أهل البصرة: ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 62)، وترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام (17/ 213) بقوله:"سمع عكرمة بن عمار، ومحمد بن ثابت البناني، روى عنه: أبو يعلى الموصلي، وهو من كبار شيوخه"، وذكره ضمن من روى عن عكرمة بن عمار (9/ 526)، وقال:"شيخ لقيه أبو يعلى"، وهذا يدل على مغايرته بينه وبين عبد الله بن بكار من ولد أبي موسى الأشعري الذي ترجم له العقيلي في الضعفاء (2/ 237)، وقال:"عبد الله بن بكار الأشعري: مجهول في النسب والرواية، حديثه غير محفوظ"،لذا أورد الذهبيُّ الأشعريَّ في الميزان (2/ 398)، ولم يورد شيخ أبي يعلى [الثقات لابن قطلوبغا (5/ 488)، اللسان (4/ 442)].
وأما الراوي عن ابن عباس؛ فهو: إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل: روى عنه جماعة من صغار التابعين، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين، مما يقتضي إرساله عن ابن عباس [معرفة الثقات (69)، الجرح والتعديل (2/ 227)، الثقات (6/ 46)، تاريخ دمشق (8/ 234)، التهذيب (1/ 122)]، وهو غير إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة [مدني ثقة، سمع ابن عباس. راجع: ترجمته عند الحديث المتقدم برقم (1165)].
وجبلة بن عطية: فلسطيني ثقة.
قلت: وهو حديث منكر؛ تفرد به محمد بن ثابت العبدي، وأتى فيه بألفاظ لم يتابع عليها، وسياقه غريب جدًّا، ومحمد بن ثابت: ليس بالقوي، تفرد بأحاديث أُنكرت عليه
[التهذيب (3/ 526)، الميزان (3/ 495)، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (16)، فضل الرحيم الودود (1/ 53/ 16)].
ز- وروى أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن عبد الله بن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد العباس ذودًا من الإبل، فبعثني إليه بعد العشاء، وكان في بيت ميمونة بنت الحارث، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسدت الوسادة التي توسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام غير كبير أو غير كثير، ثم قام عليه السلام فتوضأ فأسبغ الوضوء، وأقلَّ هِراقةَ الماء، ثم افتتح الصلاة، فقمت فتوضأت، فقمت عن يساره، وأخلف بيده فأخذ بأذني فأقامني عن يمينه، فجعل يسلم من كل ركعتين، وكانت ميمونة حائضًا، فقامت فتوضأت، ثم قعدت خلفه تذكر الله، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أشيطانُكِ أقامَكِ؟ "، قالت: بأبي وأمي يا رسول الله، ولي شيطان؟ قال:"إي، والدي بعثني بالحق! ولي، غير أن الله أعانني عليه، فأسلم"، فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة، ثم ركع ركعتي الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى أتاه بلال فآذنه بالصلاة.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 149/ 1093)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 195/ 2683)، والطبراني في الكبير (11/ 1277/ 1135)، وفي الأوسط (7/ 186/ 7229)، وفي مسند الشاميين (1/ 417/ 734) و (1/ 419/ 737)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (294)(1313 - المخلصيات) ، [الإتحاف (7/ 308/ 7883)، المسند المصنف (11/ 641/ 5645)].
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عتبة بن أبي حكيم إلا أيوب بن سويد".
قلت: هذا حديث منكر؛ عتبة بن أبي حكيم: فيه مقال لا ينزل بحديثه عن رتبة الحسن، إذا لم يتبين لنا خطؤه، ولم ينفرد بأصل وسنة [وقد ذكرت كلام الأئمة فيه في الحديث المتقدم برقم (44) فليراجع، وله ذكر تحت الحديث رقم (248)].
وأيوب بن سويد الرملي: ضعيف، صاحب مناكير [انظر: التهذيب (1/ 204)، الميزان (1/ 287)]، وهذا الحديث من مناكيره؛ فإنه لا يُعرف من حديث أبي سفيان عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وقد أتى في هذا الحديث بعجائب لم يتابع عليها، ولم يذكر الطبراني لأبي سفيان عن ابن عباس سوى هذا الحديث، مما يدل على أنه لا يعرف له غيره، وروي بعضه عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن كريب، عن ابن عباس؛ لكنه شاذ من حديث الأعمش، إنما يرويه الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، وتقدم ذكره قريبًا.
ح- وروى خليفة بن خياط [صدوق]: ثنا حباب بن عبد الله الدارمي: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن حنين مولى ابن عباس، عن أبيه [ثقة]، عن جده [عبد الله بن حنين: ثقة، من الثالثة]، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة، فنام رسوك الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ، فتوضأ واستاك، فعل ذلك من الليل مرارًا.
أخرجه خليفة في مسنده (47)، ومن طريقه: البخاري في التاريخ الكبير (8/ 396)، والطبراني في الكبير (11/ 428/ 12214).
قلت: لا بأس به، وفي الإسناد جهالة، يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن حنين: ترجم له البخاري بحديثين هذا أحدهما بنفس الإسناد، وروى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (8/ 396)، الجرح والتعديل (9/ 201)، علل ابن أبي حاتم (192)، الثقات (7/ 643)].
وحباب بن عبد الله الدارمي: روى عنه خليفة بن خياط شباب العصفري وأبو كامل الجحدري، وهو: مقلٌّ جدًّا، لا يُعرف [الجرح والتعديل (3/ 302)، بيان خطأ البخاري (661)، المؤتلف للدارقطني (1/ 478)، الإكمال لابن ماكولا (2/ 141)].
ط- وروى الحسين بن علي بن يزيد الصدائي [صدوق]، عن أبيه، عن إبراهيم بن فروخ مولى عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: بت عند ميمونة خالتي -وكانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فأغفى رسول صلى الله عليه وسلم، ونمت عند رؤوسهما، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اللَّهُمَّ بك وضعت جنبي، وإليك فوضت أمري، آمنت بما أنزلت، وبما جاءت به الرسل، صدق الله وبلغ المرسلون" ثلاث مرات، ثم أغفى هُنَيَّةً، ثم قام فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه، ونضح فرجه بالماء، ثم قام فصلى، فقرأ سورة المائدة، والنحل، و {إِنَّا فَتَحْنَا} [الفتح: 1]، ثم رقد هُنيةً، ثم قام فتوضأ دون ذلك الوضوء، كل ذلك لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها
…
، فذكر الحديث بطوله.
علقه ابن أبي حاتم في العلل (459).
قال أبو حاتم: "هذا حديث منكر، وإبراهيم هذا هو مجهول".
قلت: هو كما قال؛ حديث منكر؛ والشأن في تفرد علي بن يزيد بن سليم الصدائي الأكفاني، قال فيه أحمد:"ما كان به بأس"، وقال أبو حاتم:"ليس بقوي، منكر الحديث عن الثقات"، وقال ابن عدي:"أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات، إما أن يأتي بإسناد لا يتابع عليه، أو بمتن عن الثقات منكر، أو يروي عن مجهول، وأحاديثه غرائب، وعامة ما يرويه مما لا يتابع عليه"، وذكره ابن حبان في الثقات [الكامل (8/ 149 - ط. الرشد). الميزان (3/ 162)، التهذيب (3/ 199)].
• قال العراقي في الذيل على الميزان (43): "وقد رواه أبو الشيخ ابن حيان في طبقات الأصبهانيين، والخطيب في كتاب المتفق والمفترق، من رواية محبوب بن محرز، عن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ القرشي، عن أبيه، عن ابن عباس؛ مختصرًا في نضح الفرج بعد الوضوء. قال أبو الشيخ: لم يروه إلا محبوب بن محرز تفرد به، كذا قال، وقد تقدم من رواية علي بن يزيد"[وانظر: اللسان (1/ 331)، شرح ابن ماجه لمغلطاي (1/ 374)].
قلت: نعم؛ أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1436/ 824)، وابن ماكولا في تهذيب مستمر الأوهام ص (200).
من طريق: محبوب بن محرز، عن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ القرشي، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه مرة.
قلت: محبوب بن محرز القواربري الكوفي: قال أبو حاتم: "يكتب حديثه"، قيل له: يحتج بحديثه؟ فقال: "يحتج بحديث سفيان وشعبة"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل:"حدثني سريج بن يونس، قال: حدثنا محبوب بن محرز القواريري؛ كوفي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكره في الضعفاء: العقيلي وابن عدي وغيرهما، مما يدل على استقامة أمره عندهم، وأن الضعف ليس بيِّنًا على حديثه، فإن قيل: ضعفه الدارقطني، فيقال: ضعفه والعهدة فيه على غيره، فقد قال بعد حديثٍ في عدة المتوفى عنها زوجها:"لم يسنده غير أبي مالك النخعي، وهو: ضعيف؛ ومحبوب هذا: ضعيف أيضًا"، قلت: العهدة فيه على أبي مالك النخعي عبد الملك بن حسين، فإنه: متروك، منكر الحديث، وقد برئ من عهدته محبوب [الجرح والتعديل (8/ 388)، الثقات (9/ 205)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2061)، سنن الدارقطني (3/ 266 و 315)، الميزان (3/ 442)، إكمال مغلطاي (11/ 90)، التعجيل (14)، التهذيب (4/ 30)].
لكن الخطيب أخرج هذا الحديث في ترجمة: عبد الله بن فروخ القرشي، مغايرًا بينه وبين عبد الله بن فروخ مولى آل طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، المترجم له في التهذيب، وقد جعلهما المزي ومن تبعه واحدًا، ويبدو لى أنهما اثنان كما هو ظاهر صنيع الخطيب، وقد ترجم البخاري للتيمي بقوله:"عبد الله بن فروخ، مولى آل طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي: رأى طلحة بن عبيد الله، وعن أم سلمة رضي الله عنها، سمع منه طلحة بن يحيى"، ولم يترجم للراوي عن ابن عباس، وتبعه على ذلك ابن حبان، بينما جعلهما أبو حاتم واحدًا فأدخل صاحب الترجمة على الراوي عن أم سلمة، فقال:"عبد الله بن فروخ مولى آل طلحة بن عبيد الله القرشى التيمي: روى عن طلحة بن عبيد الله وابن عباس وأم سلمة، روى عنه طلحة بن يحيى وابنه إبراهيم بن عبد الله بن فروخ "، والأقرب أنهما اثنان، كما تقدم، ويؤيد ذلك أن صاحب الترجمة جاء في الإسناد أنه مولى عمر بن الخطاب، بينما الراوي عن أم سلمة ترجموا له بأنه مولى آل طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، وجاء في إسناد جيد أنه مولى أم سلمة [مسند إسحاق (4/ 1843/81)، التاريخ الكبير (5/ 169)، الجرح والتعديل (5/ 137)، الثقات (5/ 12)، تهذيب الكمال (15/ 427)، التعجيل (14)، التهذيب (2/ 402)].
والحاصل: فإن عبد الله بن فروخ وابنه إبراهيم: مجهولان، والحديث الذي روياه منكر، والله أعلم.
ي- وروى أبو يزيد الخراز [خالد بن حيان: رَقِّي، ليس به بأس]: ثنا النضر بن شميل [بصري، ثقة ثبت]: ثنا يونس بن أبي إسحاق [كوفي، صدوق]: حدثني عبد المؤمن الأنصاري، قال: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلى
سقاء فتوضأ وشرب قائمًا، قلت: والله لأفعلنَّ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت وتوضأت وشربت قائمًا، ثم صففت خلفه، فأشار إليَّ لأوازيَ به أقوم عن يمينه، فأبَيْتُ، فلما قضى صلاته قال:، ما منعك أن لا تكون وازيت بي؟ "، قلت: يا رسول الله! أنت أجلُّ في عيني وأعزُّ من أن أوازيَ بك، فقال: "اللَّهُمَّ آته الحكمة".
أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 315)، بإسناد جيد إلى الخراز [صححت إسناده من الجرح والتعديل لابن أبي حاتم].
قال ابن رجب في الفتح (4/ 193): "إسناد مجهول؛ فلا تعارض به الروايات الصحيحة الثابتة".
قلت: هو حديث منكر؛ عبد المؤمن الأنصاري هذا: مجهول؛ ولا أراه سمع ابن عباس، ولا أدركه، ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 65) بقوله:"عبد المؤمن: روى عن ابن عباس، روى عنه: يونس بن أبي إسحاق".
ولا يحتمل التفرد بمثل هذا عن الإمام الثبت النضر بن شميل، على كثرة أصحابه الثقات، وأبو يزيد الخراز خالد بن حيان: رَقِّي، ليس به بأس، له غرائب ومناكير لا يتابع عليها، وهذا منها، والله أعلم.
* ونختم الكلام عن حديث ابن عباس هذا ببعض الفوائد:
° قال العمراني في البيان في شرح المهذب (2/ 423): "قال أصحابنا: وفي هذا الخبر أربع عشرة فائدة:
إحداهن: أن المأموم الواحد ينبغي له أن يكون على يمين الإمام.
الثانية: أنه إذا خالف، ووقف على يساره صحت صلاته.
الثالثة: أنه لا يلزمه سجود السهو.
الرابعة: أنه إذا وقف عن يساره ينبغي له أن يتحول إلى يمينه.
الخامسهّ: أنه إذا لم يتحول حوله الإمام.
السادسة: أنه يحوله بيمينه دون يساره.
السابعة: أن يديره من خلفه.
الثامنة: أن صلاة النفل يحرم فيها الكلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكلمه.
التاسعة: أن النفل يجوز فعله جماعة.
العاشرة: أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الإحدى عشرة: أن المشي القليل لا يبطل الصلاة، مثل مشي ابن عباس.
الاثنتا عشرة: أن الصبي له موقف في الصف كالبالغ؛ لأن ابن عباس كان صبيًّا.
الثالثة عشرة: أن المأموم يدور هو، ولا يدور الإمام.
الرابعة عشرة: أن المرور بين يدي المصلي مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أداره من خلفه، ولم يدره بين يديه.
فإن جاء مأموم آخر، أحرم عن يسار الإمام، فإن كان قدام الإمام واسعًا ووراءهما ضيقًا، تقدم الإمام، وإن كان وراءهما واسعًا، تأخر المأمومان، سواء كان قدام الإمام واسعًا أو ضيقًا؛ لما روى جابر، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يساره، فدفعنا جميعًا، حتى أقامنا من خلفه.
ولأنهما تابعان للإمام، فكانا أولى بالتأخير، بدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس، ولم يدر هو" [وانظر أيضًا: الأعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 539)].
° قلت: وهذه تراجم الإمام البخاري في صحيحه لطرق حديث ابن عباس [متبوعة برقم الحديث]؛ مما يدل على دقة فهم واستنباط هذا الإمام المحدث الفقيه:
السمر في العلم (117)، التخفيف في الوضوء (138)، قراءة القرآن بعد الحدث وغيره (183)، يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواءً؛ إذا كانا اثنين (697)، إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه لم تفسد صلاتهما (698)، إذا لم ينوِ الإمامُ أن يؤمَّ ثم جاء قومٌ فأمَّهم (699)، إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته (726)، ميمنة المسجد والإمام (728)، وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور، وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز، وصفوفهم (859)، ما جاء في الوتر [وأورد فيه حديث مالك](992)، استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة (1198)، وبوب له في التفسير بأربع آيات من آل عمران (4569 - 4572)، الذوائب (5919)، رفع البصر إلى السماء (6215)، الدعاء إذا انتبه من الليل (6316)، ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرها من الخلائق (7452).
* ومما ينبغي التنبيه عليه: أن حديث ابن عباس هذا وقع فيه اختلاف كثير بين رواته عن ابن عباس، وسبق التنبيه على كيفية الجمع بين طرق الحديث في عدة مواضع، وبيان المحفوظ المقبول منها من الشاذ المردود؛ لكني هنا أود التنبيه على ما احتمله الشيخان من بعض أنواع الاختلاف المستساغ مما يحتمل تأويله بوجه من الوجوه:
° الاختلاف في عدد الركعات، ففي حديث علي بن عبد الله بن عباس: صلى ستًّا؛ ركعتين ركعتين، يفصل بينها بالنوم والاستياك والوضوء وتلاوة الآيات، ثم صلى ثلاثًا، فصار المجموع تسع ركعات.
وفي حديث سعيد بن جبير: صلى أربعًا بعد العشاء، ثم نام فقام فصلى خمسًا.
وفي حديث كريب: صلى إحدى عشرة ركعة، ثم صلى ركعتي الفجر، فمنهم من أدخلهما في العدد ليصبح ثلاث عشرة ركعة.
ورواية سليمان بن بلال تحل هذا الإشكال وتجمع بين روايات الحديث:
فقد روى سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما
مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟ قال: فاضطجع مكانه في مصلاه حتى سمعت غطيطه، قال: ثم تعارَّ من الليل، فقام فنظر في أفق السماء وفكر، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران، ثم أخذ سواكًا فاستنَّ، ثم خرج فقضى حاجته، ثم وجع إلى شَنٍّ معلقة فصب على يده، ثم توضأ ولم يوقظ أحدًا، ثم قام فصلى ركعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأراه صلى مثل ما رقد، قال: ثم اضطجع مكانه، فرقد حتى سمعت غطيطه، ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق (1355).
° جاء في بعض الروايات: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ برأسه ليحوله من اليسار إلى اليمين، وفي بعضها: أخذ بيده، أو بعضده، أو بذؤابته.
° الاختلاف في موضع ركعتي الفجر قبل الاضطجاع أم بعده:
فقد وقع في رواية مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب [عند الشيخين]: ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح.
وفي رواية عياض بن عبد الله الفهري عن مخرمة بن سليمان [عند مسلم]: ثم أتاه بلال فأيقظه للصلاة، فقام فركع ركعتين خفيفتين، ثم خرج إلى الصلاة.
وفي رواية الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان [عند مسلم]: ثم احتبى حتى إني لأسمع نفَسَه راقدًا، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين.
وفي رواية سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان؛ أن كريبًا مولى ابن عباس أخبره؛ أنه قال: سألت ابن عباس، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟. . . فذكر الحديث إلى أن قال: حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام حتى استثقل فرأيته ينفغ، فأتاه بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله! فقام فصلى ركعتين، وصلى للناس ولم يتوضأ [وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1364)].
فدلت هذه الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد الوتر، ثم قام فصلى ركعتين سُنَّةَ الفجر، ثم خرج لصلاة الصبح، ولم يفصل بينهما بشيء.
هكذا تتابع أربعة من الثقات عن مخرمة بن سليمان، وفيهم كبير المتثبتين ورأس المتقنين؛ مالك بن أنس، وروي مرة عن مخرمة بدون ذكر ركعتي الفجر، وهل اضطجع قبلها أم بعدها:
فقد روى عبد ربه بن سعيد [ثقة]، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب [عند الشيخين]: فصلى في تلك الليلة ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى، ولم يتوضأ.
وعلى هذا فالمحفوظ عن مخرمة بن سليمان: رواية من أثبت ركعتي الفجر بعد الاضطجاع، وقبل خروجه للصلاة من غير فصل.
وتابعه على ذلك ممن رواه عن كريب:
شريك بن أبي نمر، رواه عن كريب به [عند الشيخين]، فقال: فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح. لم يفصل بينهما بشيء.
• لكن وقع في رواية سلمة بن كهيل عن كريب [عند الشيخين]: ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى، ولم يتوضأ.
وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب [عند الشيخين]: ثم اضطجع فنام حتى نفخ، فأتاه المنادي يؤذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى الصبح ولم يتوضأ.
قلت: ورواية من أثبت ركعتي الفجر قبل خروجه إلى الصلاة: هي الصواب؛ إذ إنها رواية مفسرة، والأخرى مجملة لم يأت فيها ذكر ركعتي الفجر ولا موضعها.
• وقد صح ذلك من وجه آخر عن ابن عباس:
فقد روى هشيم، عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث، وفيه: ثم أوتر، فأتاه بلال، فآذنه بالصلاة حين طلع الفجر، فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصلاة [أصله في مسلم بدونها، وهي زيادة محفوظة. راجع: الحديث المتقدم برقم (1353)].
ويشكل على ذلك: ما رواه شعبة، قال: حدثنا الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة،. . . فذكر الحديث، وفي آخره: فصلى خمس ركعاتٍ، ثم صلى ركعتين، ثم نام، حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة [أخرجه البخاري. وتقدم برقم (1357)]، والله أعلم.
إلا أن يكون ابن أبي عدي، هو الذي أصاب في روايته حين رواه عن شعبة، فقال فيه: فصلى خمسًا، ثم نام حتى سمعت غَطِيطَه -أو: خَطِيطَه-، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج، فصلى الغداة. ثم انقلب بعد ذلك على شعبة، فأصبح يحدث أصحابه به مقلوبًا، والله أعلم بالصواب.