الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتميم على الباب رقم (305) والحديث رقم (1303) بشأن أحاديث الأربع بعد العشاء
° ومما ذكره بعضهم في الباب مرفوعًا:
1 -
حديث ابن عباس:
رواه شعبة، قال: حدثنا الحكم، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعاتٍ، ثم نام، ثم قام، ثم فال:"نام الغليم"، أو كلمة تشبهها، ثم قام، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعاتٍ، ثم صلى ركعتين، ثم نام، حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة.
أخرجه البخاري (117 و 697). وهو مخرج في الفضل برقم (1357).
قلت: قبل الكلام عن الجمع بين طرق حديث ابن عباس في قصة مبيته عند خالته ميمونة ليرقب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار كون ابن عباس هو حبر هذه الأمة في التفسير، وكان يقال له: ترجمان القرآن، وما من آية في القرآن إلا وتجد عنه فيها قولًا منقولًا، والقرآن قد قص الله عز وجل علينا فيه من القصص والعبر من خبر الأمم السابقة لا سيما قصة موسى مع قومه، وقصته مع فرعون، وقد تصرفت هذه القصة في القرآن على وجوه شتى بحسب سياق السورة وما تعالجه من قضايا عقدية أو اجتماعية؛ ويبدو أن ابن عباس قد تأثر بالسياق القرآني لسرد الأحداث، وتجد ذلك واضحًا جدًّا في هذا الحديث على وجه الخصوص، لا سيما وأن ابن عباس قد تحمل هذه الواقعة وكان إذ ذاك صغيرًا قد ناهز الاحتلام.
فلما كبر ابن عباس وصار يحدث أصحابه بهذه القصة تصرف في حكايتها وترتيب أحداثها، فقدَّم وأخَّر، واختصر وطوَّل، وحذف بعض الوقائع أحيانًا؛ بحسب ما اقتضاه الأمر عند ابن عباس حين حدث كل صاحب له بهذه القصة، وقد يكون بين هذه الواقعة وبين تحديث ابن عباس بها ما يقرب أحيانًا من خمسين سنة، أو يزيد!
وهذا الحديث رواه أيضًا عن ابن عباس: ابنه علي، ومولاه كريب، وعكرمة بن
خالد، وأبو جمرة، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وأبو المتوكل، وسميع الزيات، وغيرهم.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 484): "والحاصل: أن قصة مبيت ابن عباس يغلب على الظن عدم تعددها، فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها، ولا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم، ولا سيما إن زاد أو نقص".
* ومما قلت في الجمع بين الاختلاف الواقع بين الروايات:
قلت: ومن وجوه الجمع بين حديث علي بن عبد الله بن عباس، وحديث سعيد بن جبير، وحديث كريب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ليلته تلك إحدى عشرة ركعة [انظر: الحديث رقم (1357)]، فيكون ابن عباس لما حدث ابنه عليًّا بهذه القصة اختصر منها ذكر الركعتين الخفيفتين اللتين يستفتح بهما صلاة الليل [انظر: الحديث رقم (1364)]، كما أن قوله: أوتر بثلاث، يحمل على الفصل، لثبوت الرواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر في تلك الليلة بركعة واحدة [كما في حديث سعيد بن جبير برقم (1356)].
وعلى هذا يمكن الجمع بين رواية سعيد بن جبير ورواية غيره عن ابن عباس: بأن ابن عباس لم يذكر لسعيد راتبة العشاء التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم في بيته إذا دخل، وذكرها لغيره [كما في حديث سليمان بن بلال عن شريك عن كريب، برقم (1355)، وفيه: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟. . . فذكر الحديث]، أو أنه لم يذكر الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل، وقد كان عدهما ضمن ركعات القيام عندما حدث بالقصة غيره، كما في رواية كريب مثلًا [انظر: حديث سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان، برقم (1364)، وفيه: فصلى ركعتين خفيفتين،. . . حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر]، وعلى هذا صار عدد ركعات الليل في حديث شعبة عن الحكم عن سعيد: تسع ركعات، قد نقص منها الركعتين الخفيفتين اللتين يستفتح بهما صلاة الليل، بينما عدد الركعات في حديث كريب: ثلاث عشرة ركعة، مضافًا إليها راتبة العشاء، أو ركعتا الفجر؛ ليصبح العدد في كلا الروايتين هو إحدى عشرة ركعة، كما جاء مصرحًا به في رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس [البخاري (4569 و 6215 و 7452). ومسلم (763/ 190). وهو مخرج في الفضل برقم (1355)]، وكما في رواية سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس [برقم (1364)]، وكما في رواية الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس [برقم (1367)].
ومما قلت في ذلك أيضًا: كما لم يذكر ابن عباس لسعيد بن جبير أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فصل بالنوم والوضوء والسواك وتلاوة الآيات بين كل ركعتين كما دل عليه حديث علي بن عبد الله بن عباس وحديث سليمان بن بلال عن شريك عن كريب.
كما أن الركعتين اللتين ذكرهما بعد الخمس في حديث سعيد هذا هما ركعتا الفجر، وليستا الركعتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر وهو جالس، وفيه بيان أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد ركعتي الفجر، وقبل خروجه للصلاة، خلافًا لما ثبت من طرق الحديث الأخرى.
كما بيَّنت رواية سعيد هذه أن ابن عباس لم يصلِّ مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع صلاة الليل، وإنما صلى معه بعضها، والله أعلم.
ومما قلت أيضًا في الجمع بين طرق حديث ابن عباس:
* ومما ينبغي التنبيه عليه: أن حديث ابن عباس هذا وقع فيه اختلاف كثير بين رواته عن ابن عباس، وسبق التنبيه على كيفية الجمع بين طرق الحديث في عدة مواضع، وبيان المحفوظ المقبول منها من الشاذ المردود؛ لكني هنا أود التنبيه على ما احتمله الشيخان من بعض أنواع الاختلاف المستساغ مما يحتمل تأويله بوجه من الوجوه:
[فذكرت منها] الاختلاف في عدد الركعات، ففي حديث علي بن عبد الله بن عباس: صلى ستًّا؛ ركعتين ركعتين، يفصل بينها بالنوم والاستياك والوضوء وتلاوة الآيات، ثم صلى ثلاثًا، فصار المجموع تسع ركعات.
وفي حديث سعيد بن جبير: صلى أربعًا بعد العشاء، ثم نام فقام فصلى خمسًا.
وفي حديث كريب: صلى إحدى عشرة ركعة، ثم صلى ركعتي الفجر، فمنهم من أدخلهما في العدد ليصبح ثلاث عشرة ركعة.
ورواية سليمان بن بلال تحل هذا الأشكال وتجمع بين روايات الحديث، فهي أكثر الروايات تفصيلًا وإيضاحًا لمواضع الاختصار التي وقعت في طرق هذا الحديث:
فقد روى سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين، وكوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، وذلك في الشتاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجرة وأنا في البيت، فقلت: والله لأرمقن الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنظرن كيف صلاته؟ قال: فاضطجع مكانه في مصلاه حتى سمعت غطيطه، قال: ثم تعارَّ من الليل، فقام فنظر في أفق السماء وفكر، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران، ثم أخذ سواكًا فاستنَّ، ثم خرج فقضى حاجته، ثم رجع إلى شَنٍّ معلقة فصب على يده، ثم توضأ ولم يوقظ أحدًا، ثم قام فصلى ركعتين، ركوعهما مثل سجودهما، وسجودهما مثل قيامهما، قال: فأراه صلى مثل ما رقد، قال: ثم اضطجع مكانه، فرقد حتى سمعت غطيطه، ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، وهو مخرج في الفضل تحت الحديث رقم (1355).
وبعد هذا البيان المختصر، فإنه لا ينبغي لأحد الاحتجاج بحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس هذا في الأربع بعد العشاء؛ لأنه قد تبين بجمع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل بيته صلى راتبة العشاء ركعتين فقط، ثم فصل بعد ذلك بين كل ركعتين من قيام الليل بنومة، حيث صلى إحدى عشرة ركعة، ركعتين ركعتين، وأوتر بواحدة، والله أعلم.
2 -
حديث عائشة:
رواه ابن أبي عدي، عن بهز بن حكيم: حدثنا زرارة بن أوفى؛ أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، فقالت: كان يصلي صلاةَ العشاء في جماعةٍ، ثم يرجعُ إلى أهله، فيركع أربع ركعاتٍ، ثم يأوي إلى فراشه، وينامُ وطَهورُه مغطًّى عند رأسه، وسواكُه موضوعٌ، حتى يبعثه الله ساعتَه التي يبعثه من الليل، فيتسوَّك، ويسبغ الوضوء، ثم يقوم إلى مصلاه، فيصلي ثماني ركعاتٍ، يقرأ فيهنَّ بأمِّ الكتاب، وسورةٍ من القرآن، وما شاء الله، ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة، ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة، ثم يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعوه، ويسأله، ويرغب إليه، ويسلِّم تسليمة واحدةً شديدةً، يكاد يوقظُ أهلَ البيت من شدَّة تسليمه، ثم يقرأ وهو قاعدٌ بأمِّ الكتاب، ويركع وهو قاعدٌ، ثم يقرأ الثانية، فيركع ويسجد وهو قاعدٌ، ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم وينصرف.
فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدُنَ، فنقص من التسع ثنتين، فجعلها إلى الستِّ والسبع، وركعتيه وهو قاعدٌ، حتى قُبِض على ذلك صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهو حديث شاذ بذكر الأربع بعد العشاء، وبإسقاط سعد بن هشام من إسناده، راجع: تخريجه مفصلًا برقم (1346)، وما قبله وما بعده.
3 -
حديث عبد الله بن الزبير:
رواه أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي [ثقة ثبت حافظ]: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي [لا بأس به]، قال: حدثني نافع بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء صلى أربع ركعات، وأوتر بسجدة، ثم نام حتى يصلي بعدُ صلاتَه من الليل.
أخرجه أحمد (4/ 4)، والبزار (6/ 176/ 2219)، وابن نصر في كتاب الوتر (283 - مختصره)، والروياني (1338)، والطبراني في الكبير (14/ 208/ 14833)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 492 - ط. الغرب)، والضياء في المختارة (9/ 338 و 339/ 305 و 306)، والذهبي في الميزان (2/ 593). [الإتحاف (6/ 628/ 7123)، المسند المصنف (11/ 188/ 5286)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه بهذا اللفظ إلا ابن الزبير، ولا نعلم له طريقًا عن ابن الزبير أحسن من هذا الطريق".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 229): "نافع، هو: ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير، ورواياته عن جده ابن الزبير منقطعة في ظاهر كلام البخاري وأبي حاتم".
وقال الذهبي: "غريب جدًا، منكر".
وقال الهيثمي في المجمع (2/ 272): "رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه نافع بن ثابت، وثابت هو: ابن عبد الله بن الزبير؛ ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يسمع نافع من جده عبد الله بن الزبير ولم يدركه، وإنما روى عن أبيه ثابت".
وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (12/ 775/ 5855): "والحديث عندي منكر؛ لأن قوله: حتى يصلي بعدُ صلاتَه بالليل؛ يشعر أنه كان يصلي صلاته المعهودة؛ أي: غير الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر، وهذا غير معروف في الأحاديث الصحيحة. والله أعلم".
قلت: نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة من الثقات، وكان قليل الحديث، قال الذهبي:"صالح الحديث، مقل"[طبقات ابن سعد (353 - المتمم)، الجرح والتعديل (8/ 457)، الثقات (5/ 471)، تاريحْ الإسلام (9/ 648). التعجيل (1091)]، وقد ولد بعد مقتل جده عبد الله بن الزبير بما يقرب من عشر سنين؛ وعليه: فعدم إدراكه متحقق بالتأريخ، والحديث منكر، والله أعلم.
4 -
حديث ابن عمر:
رواه أبو حنيفة، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد، كان كعدل ليلة القدر".
روى هذا الحديث عن أبي حنيفة: جماعة من الثقات والضعفاء، وقد أوقفه عنه أكثر أصحابه، وهو الأشبه.
أخرجه موقوفًا ومرفوعًا: أبو يوسف في الآثار (414)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الآثار (111)، والطبراني في الكبير (13/ 130/ 13800)، وفي الأوسط (5/ 254/ 5239)، ومن طريقه: أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (223)، وعبد الغني المقدسي في أخبار الصلاة (53).
قال الطبراني عن المرفوع: "لم يرو هذا الحديث عن ابن عمر إلا محارب بن دثار، ولا عن محارب إلا حنيفة، تفرد به: إسحاق الأزرق".
قلت: إسحاق بن يوسف الأزرق: ثقة.
وقال أبو نعيم: "لم يروه عن ابن عمر إلا محارب، ولا عنه إلا أبو حنيفة، تفرد به إسحاق، عن ابن عمر مرفوعًا، ورواه جماعة من أصحابه، منهم: الحسن بن الفرات، وأبو يوسف، وأسد، وسعيد بن أبي الجهم، وأيوب، والصلت بن حجاج الكوفي، وعبد الحميد الحماني، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن الحسن"، يعني: موقوفًا.
قلت: قد رواه عن أبي حنيفة عن محارب عن ابن عمر موقوفًا عليه جماعةً من أصحابه، منهم: القاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والحسن بن الفرات، وأسد بن
عمرو، وسعيد بن أبي الجهم، وأيوب بن هانئ، والحسن بن زياد، والصلت بن الحجاج، وعبد الحميد الحماني، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم [كما في جامع المسانيد (1/ 393 - 395)]، ووقع في إسناد محمد بن الحسن: أخبرنا أبو حنيفة، قال: حدثنا الحارث بن زياد، أو: محارب بن دثار، والشك من محمد.
قلت: هو حديث منكر؛ حيث تفرد به: أبو حنيفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت: ضعيف، قال البخاري:"كان مرجئًا، سكتوا عنه وعن رأيه وعن حديثه"، وقال مسلم:"مضطرب الحديث، ليس له كبير حديث صحيح"، وقال ابن حبان:"لم يكن الحديث صناعته، حدث بمائة وثلاثين حديثًا مسانيد، ما له حديث في الدنيا غيره، أخطأ منها في مائة وعشرين حديثًا"، وقد أطال في الحط عليه، وقال ابن عدي: "له أحاديث صالحة، وعامة ما يرويه غلط وتصاحيف
…
، ولم يصح له في جميع ما يرويه إلا بضعة عشر حديثًا. . ."، وقد ضعفه الجمهور [انظر: التاريخ الكبير (8/ 81)، كنى مسلم (963)، التمييز (199)، الجرح والتعديل (8/ 450)، ضعفاء العقيلي (4/ 268)، المجروحين (3/ 61)، الكامل (7/ 5)، تاريخ بغداد (13/ 323)، ضعفاء الأصبهاني (255)، موسوعة أقوال الإمام أحمد (4/ 16)، الاستغناء (624)، ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه (51)، الأنوار الكاشفة (51)، التنكيل (1/ 258 و 358)، الجامع في الجرح والتعديل (3/ 210)].
° ورواه أحمد بن محمد بن إبراهيم الحازمي [أبو نصر المؤذن البخاري: قال الخطيب: "كان صدوقًا". تاريخ بغداد (6/ 51)، الإكمال (3/ 235)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 467)]: حدثنا أبو نصر أحمد بن سهل بن بشر الكندي [معروف. انظر: الإكمال (3/ 235)، الأنساب (5/ 99)]: حدثنا محمد بن يونس السرخسي [محمد بن يونس بن المنير، أبو عبد الرحمن السرخسي: ذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (9/ 148)]: حدثنا أبو جعفر محمد بن القاسم: حدثنا عبد العزيز بن خالد [الترمذي: روى عنه جماعة، وقال أبو حاتم: شيخ. الجرح والتعديل (5/ 380)، علل الدارقطني (9/ 372)، تاريخ الإسلام (4/ 914 - ط. الغرب)، التهذيب (2/ 583)]، عن أبي حنيفة [النعمان بن ثابت، الإمام الفقيه، وهو: ضعيف في الحديث]، عن أيوب بن عائذ الطائي [ثقة]، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء الآخرة، ثم صلى بعدها أربع ركعات لا يفصل بينهن إلا بالتشهد يقرأ إياه"، قال:"فيهن: فاتحة الكتاب، وتنزيل السجدة، والدخان، وتبارك، ويس، كن مثلهن من ليلة القدر، وأجير من عذاب القبر، وشفع في أهل بيته في سبعين ممن قد وجبت له النار، وهذا في كل عام مرة".
أخرجه جعفر المستغفري في فضائل القرآن (964).
قلت: هو حديث باطل موضوع؛ تفرد به محمد بن القاسم بن مجمِّع البلخي الطايكاني، وهو: كذاب، يضع الحديث على مذهب المرجئة [اللسان (7/ 444 و 451)].
قلت: وإنما يُعرف هذا عن محارب بن دثار عن عبد الرحمن بن الأسود مقطوعاً عليه قوله:
• رواه أحمد بن إبراهيم الدورقي [ثقة حافظ]: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي [أبو أحمد الزبيري: ثقة ثبت]: حدثنا مسعر [هو: ابن كدام: ثقة ثبت]، عن محارب بن دثار، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: من صلى أربعاً بعد العشاء كنَّ كمثلهنَّ في ليلة القدر، قلت: ممن سمعته؟ قال: إن كنَّ كذا؛ وإلا فهنَّ صوالح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على الزهد لأبيه (2100).
وهذا مقطوع على عبد الرحمن بن الأسود قوله؛ بإسناد صحيح.
وقول عبد الرحمن بن الأسود في آخره يدل على أنه لم يكن له فبه إسناد، وفي هذا رد على المتمسكين بدعوى أن لمثله حكم الرفع.
• وقد روي عن عبد الرحمن بن الأسود من وجه آخر:
رواه الفضل بن دكين [أبو نعيم: ثقة ثبت]، عن بكير بن عامر [البجلي الكوفي: ليس بالقوي]، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: من صلى أربع ركعات بعد العشاء الآخرة عدلن بمثلهن من ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7279).
وهذا مقطوع على عبد الرحمن بن الأسود قوله؛ بإسناد لين.
5 -
حديث البراء بن عازب:
رواه ناهض بن سالم الباهلي: ثنا عمار أبو هاشم [هو: عمار بن عمارة أبو هاشم الزعفراني: لا بأس به]، عن الربيع بن لوط [ثقة]، عن عمه البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى قبل الظهر أربع ركعات كأنما تهجد بهن من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء كُنَّ كمثلهنَّ من ليلة القدر، وإذا لقي المسلم المسلم فأخذ بيده، وهما صادقان، لم يتفرقا حتى يغفر لهما".
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 254/ 6332).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الربيع بن لوط إلا عمار أبو هاشم، تفرد به: ناهض بن سالم".
قلت: هو حديث باطل؛ تفرد به ناهض بن سالم، ولم أجد له ذكراً.
6 -
حديث ابن عباس:
رواه سعيد بن الحكم بن أبي مريم [ثقة ثبت]: أخبرنا عبد الله بن فروخ [منكر الحديث عن ابن جريج. انظر: الكامل (4/ 199). فضل الرحيم الودود (6/ 419/ 568)]: حدثني أبو فروة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة، قرأ في الركعتين الأوليين: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، وفي الأخريين: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، {الم (1) تَنْزِيلُ}؛ كُتبنَ له كأربع ركعاتٍ من ليلة القدر".
أخرجه ابن نصر المروزي في قيام الليل (92 - مختصره)، والطبراني في الكبير (11/ 437/ 12240)، وأبو عثمان البحيري في السابع من فوائده (9)، والبيهقي (2/ 477)، وعبد الغني المقدسي في أخبار الصلاة (54).
قال البيهقي: "تفرد به ابن فروخ المصري".
قلت: وهذا حديث منكر؛ تفرد به عن سالم الأفطس دون بقية أصحابه: يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، وهو: ضعيف، مشاه بعضهم، وقال ابن عدي:"وعامة حديثه غير محفوظ" [التهذيب (4/ 416)، الميزان (4/ 427)، ثم هو لا يُعرف من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ إلا من هذا الوجه، ولا يُعرف من حديث سالم بن عجلان الأفطس، وهو: ثقة مشهور؛ إلا من هذا الوجه، تفرد به: عبد الله بن فروخ، وأحاديثه مناكير.
7 -
حديث أنس بن مالك:
رواه محرز بن عون [صدوق]، قال: نا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن محمد بن جحادة [ثقة، من الخامسة]، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع قبل الظهر كعدلهنَّ بعد العشاء، وأربع بعد العشاء كعدلهنَّ من ليلة القدر".
أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 141/ 2733).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جحادة إلا يحيى".
قلت: هو حديث منكر باطل؛ تفرد به عن محمد بن جحادة: يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، وهو: منكر الحديث، متهم [اللسان (8/ 464)].
8 -
مرسل يحيى بن أبي كثير:
رواه معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقرؤوا: {الم (1) تَنْزِيلُ} ، و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ؛ فإنهما تعدل كل آية منهما سبعين آية من غيرهما، ومن قرأهما بعد العشاء الآخرة كانتا له مثلهما في ليلة القدر.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 382/ 6035). ومن طريقه: جعفر المستغفري في فضائل القرآن (861).
وهذا مع إرساله منكر؛ ولا أظنه محفوظاً عن يحيى بن أبي كثير، ومعمر بن راشد وإن كان ثقةً من أصحاب يحيى؛ إلا أنه ممن يهِم عليه ويخطئ، وفي المتن نكارة؛ إذ لا يُعرف مثله من وجه محتمل.
وأما الآثار المروية في الباب:
1 -
عن ابن مسعود:
رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن عبد الجبار بن عباس، عن قيس بن وهب [ثقة]، عن مرة [مرة بن شراحيل الهمداني: ثقة، من الثانية، روى عنه جمع من كبار الثقات والتابعين]، عن عبد الله، قال: من صلى أربعاً بعد العشاء لا يفصل بينهن بتسليم، عدلن بمثلهن من ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7275).
قلت: ولا يثبت هذا؛ فإن عبد الجبار بن عباس، وإن وثقه أبو حاتم، ويعقوب بن سفيان، وقال أحمد:"رجل من أهل الكوفة، أرجو ألا يكون به بأس، حدثنا عنه وكيع وأبو نعيم، وكان يتشيع"، وقال ابن معين - في رواية الدوري وابن محرز -، وأبو داود:"ليس به بأس"، وقال العجلي:"كوفي، صويلح، لا بأس به، وكان يتشيع".
فقد تكلم فيه غيرهم، قال ابن سعد:"وكان فيه ضعف، وقد روي عنه"، وقال العقيلي:"لا يتابع على حديثه، وكان يتشيع"، وقال ابن حبان:"كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الثقات، وكان غالياً في التشيع، وكان أبو نعيم يقول: لم يكن بالكوفة أكذب من عبد الجبار بن العباس وأبي إسرائيل الملائي"، وقال ابن عدي:"ولعبد الجبار هذا غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه مما لا يتابع عليه "[الطبقات الكبرى (6/ 366)، سؤالات ابن محرز (1/ 88/ 312)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 341/ 2513)، التاريخ الكبير (6/ 108)، معرفة الثقات (1004)، المعرفة والتاريخ (3/ 121)، ضعفاء العقيلي (3/ 88)، الجرح والتعديل (6/ 31)، المجروحين (2/ 159)، الكامل (5/ 326)، تاريخ أسماء الثقات (990)، تاريخ الإسلام (4/ 113 - ط. الغرب)، الميزان (2/ 533)، التهذيب (2/ 468)، فضل الرحيم الودود (5/ 348/ 447)].
قلت: فهو وإن كان صدوقاً لا بأس به؛ إلا أن له أفراداً لا يتابع عليها، ومناكير لا تُعرف إلا من جهته، وهذا منها، ولا يحتمل من مثله التفرد بمثل هذا الفضل العظيم، ولا سيما قوله: لا يفصل بينهن بتسليم، وهو المنافي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله؛ فإن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم وعادته أنه كان يصلي نوافل النهار والليل ركعتين ركعتين، يفصل بين كل ركعتين بسلام، بخلاف الفريضة [راجع: فضل الرحيم الودود (14/ 399/ 1295) و (14/ 445/ 1296)]، ولما روى مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعةً واحدةً، توتر له ما قد صلى"[وهو حديث متفق على صحته. أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749/ 145). وقد تقدم تخريجه بطرقه تحت الحديث رقم (1295)، وهو مروي من قرابة أربعين طريقاً] أفضل الرحيم الودود (14/ 405/ 1295)]، والله أعلم.
والثابت عن ابن مسعود من فعله في النوافل بخلاف هذا المروي من قوله، مما يدل على عدم ثبوته عنه، ومما يؤكد وهم عبد الجبار بن عباس فيه:
ومما ثبت من فعل عبد الله بن مسعود موقوفاً عليه:
ما رواه الأعمش، وسفيان الثوري، وشعبة، ومسعر بن كدام، والمسعودي:
عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: كان تطوع عبد الله الذي لا ينقص منه [وفي رواية: كانت صلاة عبد الله التي لا يكاد يدع]: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 66/ 4815)، وابن أبي شيبة (2/ 19/ 5970 و 5972)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (108)، والطبراني في الكبير (9/ 286/ 9442 - 9444).
وتابعه: زهير بن معاوية: ثنا أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: كانت صلاة عبد الله من النهار: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، ولا يصلي قبل العصر، ولا بعدها.
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 286/ 9441)، بإسناد صحيح إلى زهير.
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد جيد.
نعم؛ أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن حديثه عنه صحيح، يدخل في المسند، كما سبق تقريره قبل ذلك [راجع: الحديثين السابقين برقم (754 و 877)].
ومما نقلت هناك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلقِّ لآثاره من أكابر أصحاب أبيه،
…
، ولم يكن في أصحاب عبد الله من يُتَّهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل أنه لم يسمع من أبيه" [مجموع الفتاوى (6/ 404)].
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 60): "وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة"، وقال أيضاً (6/ 14):"وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم".
وقد تحصل من مجموع كلام الأئمة في ذلك: احتجاجهم بحديث أبي عبيدة عن أبيه، مع تصريحهم بأنه لم يسمع منه، وذلك لكونه أخذ هذه الأحاديث عن كبار أصحاب ابن مسعود، وأهل بيته، وليس فيهم مجروح، وأنه لم يرو فيها منكراً.
وعلى هذا فيقال: كيف زهد ابن مسعود في هاتيك الأربع مع فضلها الذي لم أر له مثيلاً في فضائل النوافل، حتى يقتصر على ركعتين بعد العشاء، ولا ينقل عنه ألبتة أنه كان يصلي أربعاً بعد العشاء يبتغي بها ثواب مثلها من ليلة القدر.
بل لم يُعرف عن ابن مسعود، ولا عن أصحابه، ولا عن أهل الكوفة؛ خلاف الثابت في السُّنَّة الصحيحة، فإنهم كانوا يصلون ركعتين بعد العشاء، لا يزيدون عليهما شيئاً:
• فقد روى وكيع بن الجراح، وعبد الرزاق بن همام:
عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يعدُّون من السُّنَّة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر.
قال إبراهيم: وكانوا يستحبون ركعتين قبل العصر، إلا أنهم لم يكونوا يعدونها من السُّنَّة.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 69/ 4830)، وابن أبي شيبة (2/ 19/ 5971).
وهذا ثابت عن إبراهيم النخعي بإسناد صحيح كالشمس في رابعة النهار، رواته أئمة مشاهير، هم أعلام زمانهم، وأركان الحديث في وقتهم.
2 -
عن عبد الله بن عمرو:
رواه عبد اللّه بن إدريس [ثقة]، ومحمد بن عبد الرحمن السهمي [روى له البخاري في التاريخ حديثاً، ثم قال: "ولا يتابع عليه"، وقال أبو حاتم: "ليس بمشهور"، وقال العقيلي: "لا يتابع على حديثه"، وله أوهام، ونقل ابن حجر في اللسان عن ابن أبي حاتم أنه نقل عن ابن معين قوله: "ضعيف"، ومع ذلك: فقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: "ولمحمد بن عبد الرحمن غير ما ذكرت، وهو عندي لا بأس به". التاريخ الكبير (1/ 162)، الضعفاء الكبير (4/ 101)، الجرح والتعديل (7/ 326). الثقات (9/ 72)، الكامل (6/ 191)، علل الدارقطني (13/ 407/ 3301)، تاريخ الإسلام (12/ 372)، اللسان (7/ 277)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 429)]:
عن حصين بن عبد الرحمن [ثقة ثبت]، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: من صلى أربعاً بعد العشاء كن كقدرهن من ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7273)(5/ 56/ 7467 ط. الشثري)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 101).
قلت: وهذا موقوف بإسناد صحيح، ومجاهد سمع من عبد الله بن عمرو [صحيح البخاري (1978 و 3166 و 5052 و 5991 و 6914). تحفة التحصيل (295)]، لكن له علة؛ إذ يُعرف هذا من قول مجاهد مقطوعاً عليه، وهو الأشبه:
فقد رواه سعيد بن منصور [ثقة حافظ]: حدثنا خلف بن خليفة [صدوق، ويغلب على ظني سماع سعيد بن منصور منه قبل اختلاطه. انظر: الكواكب النيرات (20)]، قال: سمعت هلال بن خباب [ثقة]، وحصين، يحدثان عن مجاهد، قال: أربع ركعات بعد عشاء الآخرة يعدلن بقدرهن من ليلة القدر.
أخرجه عبد الغني المقدسي في أخبار الصلاة (51).
وهذا مقطوع على مجاهد قوله، بإسناد جيد.
ورواه يعلى بن عبيد [ثقة]، وعبد الله بن عبد القدوس [ضعيف]:
عن الأعمش، عن مجاهد، قال: أربع ركعات بعد العشاء الآخرة يكن بمنزلتهن من ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7278). وعبد الله بن أحمد في زياداته على الزهد لأبيه (2222).
وهذا مقطوع على مجاهد قوله، بإسناد لا بأس به؛ إن كان الأعمش سمعه من مجاهد.
قلت: الأشبه عندي أنه من كلام مجاهد، لا من قول عبد الله بن عمرو بن العاصي،
ومثل هذا الثواب العظيم مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، وتحمله وروايته، فلو كان محفوظاً عن عبد الله بن عمرو لاشتهر عنه، ثم لاشتهر عن مجاهد، وهكذا، وإنما الذي اشتهر عن مجاهد؛ أنه من كلامه مقطوعاً عليه، رواه عنه من قوله: ثلاثة؛ حصين بن عبد الرحمن، وهلال بن خباب، والأعمش؛ بينما لا يُعرف من قول عبد الله بن عمرو إلا من طريق حصين عن مجاهد، والله أعلم.
ولو كان هذا ثابتاً عن عبد اللّه بن عمرو من قوله، ثم يقال بعدُ بأن مثله لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فكيف يهجر النبي صلى الله عليه وسلم العمل بهذا الفضل العظيم، حيث يعدل ثواب هذه الأربع كمن صلاها في ليلة القدر، ثم يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من يترك العمل به، حيث لم ينقله عنه أحد من أمهات المؤمنين، ولا أحد من أصحابه الملازمين، بل لم يصل إلينا مرفوعاً بإسناد صحيح فرد، حتى يصل إلينا بمثل هذه الأسانيد المعلولة، موقوفاً غير مرفوع، وكيف يخفي الله عز وجل ليلة القدر في رمضان، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحريها في العشر الأواخر منه؛ حتى يجتهد المكلف في إدراكها وموافقتها وتحصيل ثوابها، بينما يمكن تحصيل بعض ثوابها بصلاة أربع ركعات بعد العشاء في كل ليلة من ليالي السنة؟!!.
3 -
عن عائشة:
رواه محمد بن فضيل [ثقة]، عن العلاء بن المسيب [كوفي، ثقة]، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أربع بعد العشاء يعدلن بمثلهن من ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7274).
قلت: العلاء بن المسيب لا يُعرف بالرواية عن عبد الرحمن بن الأسود، ويقال في مثله: العلاء بن المسيب عن عبد الرحمن بن الأسود لا يجيء، وإنما يُعرف هذا عن عبد الرحمن بن الأسود قوله مقطوعاً عليه، ولما سئل عن ثبته فيما يقول، فلم يقدر أن يأتي بإسناد، فلو كان أخذه عن أبيه عن عائشة لصاح به:
• فقد رواه أحمد بن إبراهيم الدورقي [ثقة حافظ]: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي [أبو أحمد الزبيري: ثقة ثبت]: حدثنا مسعر [هو: ابن كدام: ثقة ثبت]، عن محارب بن دثار [تابعي، ثقة]، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: من صلى أربعاً بعد العشاء كنَّ كمثلهنَّ في ليلة القدر، قلت: ممن سمعته؟ قال: إن كنَّ كذا؛ وإلا فهنَّ صوالح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على الزهد لأبيه (2100).
وهذا مقطوع على عبد الرحمن بن الأسود قوله؛ بإسناد صحيح.
وقول عبد الرحمن بن الأسود في آخره يدل على أنه لم يكن له فيه إسناد، وفي هذا رد على المتمسكين بدعوى أن لمثله حكم الرفع.
• وقد روي عن عبد الرحمن بن الأسود من وجه آخر:
رواه الفضل بن دكين [أبو نعيم: ثقة ثبت]، عن بكير بن عامر [البجلي الكوفي: ليس
بالقوي]، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: من صلى أربع ركعات بعد العشاء الآخرة عدلن بمثلهن من ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7279).
وهذا مقطوع على عبد الرحمن بن الأسود قوله؛ بإسناد فيه لين.
وعلى هذا؛ فلا يثبت وقفه عن عائشة، وعائشة ممن نقلت السُّنَّة في راتبة العشاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء، ثم يدخل بيتها فيصلي ركعتين، قالت: ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر
…
الحديث.
[أخرجه مسلم (730/ 105). وتقدم تحت الحديث رقم (955). وتقدم ذكره في أول البحث]، والحاصل: فإنه لا يحفظ عن عائشة في هذا إلا ما نقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في راتبة العشاء، وأما فضل هذه الأربع: فإنما يعرف من قول عبد الرحمن بن الأسود، ولا يدرى من أين أتى به، والله أعلم.
• وقد روي من كلام كعب الأحبار [المعروف بنقله عن أهل الكتاب]:
رواه عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي [ثقة، له أوهام، وهو من أصحاب عطاء بن أبي رباح؛ إلا أنه يهم عليه في الشيء بعد الشيء. الضعفاء الكبير (3/ 32). وانظر: العلل ومعرفة الرجال (3/ 219/ 4949)، التهذيب (2/ 613)، الميزان (2/ 656)]، عن عطاء بن أبي رباح، عن أيمن مولى ابن الزبير [وفي رواية: مولى الزبير]، عن تبيع، عن كعب، قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى العشاء الآخرة، ثم صلى بعدها أربع ركعات، يتم ركوعهن وسجودهن ويعلم ما يقول فيهن كن له بمنزلة ليلة القدر.
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 84/ 4954)، وفي الكبرى (7/ 32/ 7400)، وابن أبي شيبة (2/ 127/ 7277)(5/ 57/ 7471 - ط. الشتري)، والدارقطني (4/ 262/ 3434)، والبيهقي في السنن (2/ 477) و (8/ 258)، وفي المعرفة (12/ 388/ 17112)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 27)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 26). [التحفة (1/ 755/ 1749)، الإتحاف (19/ 377/ 25043)].
• ورواه ابن جريج [ثقة حافظ، أروى الناس عن عطاء]، عن عطاء، عن أيمن مولى ابن عمر، عن تبيع، عن كعب، قال: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم شهد صلاة العتمة في جماعة، ثم صلى إليها أربعاً مثلها يقرأ فيها، ويتم ركوعها وسجودها، كان له من الأجر مثل ليلة القدر.
أخرجه النسائي في المجتبى (8/ 84/ 4955)، وفى الكبرى (7/ 33/ 7401). [التحفة (1/ 755/ 1749)].
وهذا الحديث لم يخرجه النسائي في سننه محتجاً به في بابه، إنما أخرجه ليثبت به أن أيمن هذا لا صحبة له، وأن حديثه في ثمن المجن مرسل، وقد أخرجه في الحدود ضمن أحاديث القطع في ثمن المجن.
قال الدارقطني: "أسنده عطاء، عن أيمن مولى ابن الزبير، عن سبيع أو تبيع، وأيمن هذا هو الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثمن المجن دينار، وهو من التابعين، ولم يدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء بعده".
وقال البيهقي في السنن بعد حديث أيمن في ثمن المجن: "وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة"، ثم نقل عن الشافعي قوله:"قلت: أتعرف أيمن؟ إنما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث، لعله أصغر من عطاء، وروى عنه عطاء حديثاً عن تبيع ابن امرأة كعب، عن كعب، فهذا منقطع، والحديث المنقطع: لا يكون حجة".
وقال في المعرفة: "استدل الشافعي بهذه الرواية على انقطاع حديثه في ثمن المجن".
وقال في السنن: "وقد أشار إليه البخاري في التاريخ، واستدل هو وغيره بذلك على أن حديثه في ثمن المجن منقطع".
وأعني بهذه النقول: بيان أن معظم المصنفين لم يخرجوه لأجل قول كعب، وإنما للاستدلال به على إرسال حديث أيمن المرفوع في ثمن المجن، وذلك سوى ابن أبي شيبة، والدارقطني في الموضع الأول، وكذا البيهقي في الموضع الأول من السنن.
قال ابن حجر في الإتحاف عن الدارقطني: "أورده مستدلًّا على أن أيمن هذا مولى ابن الزبير هو الذي روى حديث: القطع في ثمن المجن دينار، قال: وتبين أن أيمن لا صحبة له، ثم روى عن البغوي، عن عباس النرسي، عن عبد الله بن داود، سمعت عبد الواحد بن أيمن، يذكر عن أبيه، قال: وكان عطاء ومجاهد قد رويا عن أبيه، قلت: فظهر أن راوي المجن هو أيمن الحبشي، وهو تابعي ثقة، روى عن عائشة وجابر وغيرهما، وخرج له البخاري في الصحيح، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل".
• ورواه هشام بن حسان [بصري، ثقة]، عن عطاء، عن تبيع، قال: من صلى بعد العشاء أربع ركعات يحسن فيهما القراءة والركوع والسجود كان له مثل أجر ليلة القدر.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 44/ 4727).
قلت: قصر به هشام بن حسان في موضعين، فإن عطاء بن أبي رباح إنما يرويه عن أيمن عن تبيع عن كعب.
• ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وأبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]:
عن عبد الواحد بن أيمن مولى بني مخزوم [لا بأس به]، عن أبيه [أيمن الحبشي: ثقة من الرابعة]، عن تبيع [ابن امرأة كعب][صدوق، من الثانية، كان عالماً بالكتب القديمة]، عن كعب [بن ماتع]، قال: من صلى أربع ركعات بعد العشاء، فقرأ فيهن، وأحسن ركوعهن وسجودهن، كان أجره كأجر من صلاهن في ليلة القدر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 127/ 7276)(5/ 57/ 7470 - ط. الشثري)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (2888)، والدارقطني (2/ 461/ 1878).
وهذا مقطوع من كلام كعب الأحبار.
فإن قيل: ثبت عن علي أنه كان يصليها:
فيقال: قد رواه أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن ميسرة، وزاذان، قالا: كان عليٌّ يصلي من التطوع أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وأربعاً بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 19/ 5969)(4/ 290 / 6103 - ط. الشثري).
قلت: عطاء بن السائب كان قد اختلط، وقد روى عنه هذا الحديث: أبو الأحوص سلام بن سليم، وهو كوفي، توفي هو وحماد بن زيد سنة (179 هـ)، وحماد: ممن نص الأئمة على أنه سمع من عطاء قبل الاختلاط، لكن يعكِّر عليه أن أبا عوانة توفي سنة (176 هـ) أو قبلها، وهو ممن سمع في حال الصحة والاختلاط فلم يفصل هذا من هذا، ولم أر من نص من الأئمة على أن أبا الأحوص سمع من عطاء قبل الاختلاط أو بعده، وله عن عطاء ما يدل على أنه روى عنه بعد الاختلاط [انظر في هذا: ما تقدم تحت الحديث (249)].
وحديث عطاء بن السائب قبل اختلاطه صحيح، وأما بعد اختلاطه فليس بشيء.
قال أحمد بن حنبل: "من سمع منه قديماً كان صحيحاً، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيء"[الجرح والتعديل (6/ 333)، التهذيب (3/ 104)].
وكذا قال ابن معين ،وأبو حاتم، والعجلي، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم [نظر: التهذيب (3/ 104) وغيره].
وممن سمع منه قديماً: سفيان الثوري، وشعبة، وأيوب السختياني، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وهشام الدستوائي، وزهير بن معاوية، وزائدة بن قدامة.
[راجع الكلام عن عطاء بن السائب، ومن سمع منه قبل وبعد الاختلاط: فضل الرحيم الودود (3/ 216/ 249) و (9/ 434/ 863)].
وعلى هذا: فهذا الحديث لم يروه عن عطاء أحد ممن سمع منه قبل الاختلاط، فهو حديث ضعيف، والله أعلم.
والحاصل: فإنه لا يثبت في هذا الباب شيء مرفوعاً ولا موقوفاً، والعمدة على ما ثبت في الباب عن ابن عمر وعائشة وأم حبيبة في الركعتين بعد العشاء، ولا يثبت شيء في فضل الأربع بعد العشاء، ولا في سُنِّيَّة فعلها متصلة ولا منفصلة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله أولاً وآخراً.