الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
312 - باب وقت قيام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الليل
1316 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا حسين بن يزيد الكوفي: حَدَّثَنَا حفص، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: إن كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليُوقِظُه الله عز وجل بالليل، فما يجيء السَّحَرُ حتى يفْرُغَ من جُزئه.
* حديث غريب
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقيّ (3/ 3)، [التحفة (11/ 477/ 16792)، المسند المصنف (37/ 282/ 17885)].
قلت: حفص بن غياث: ثقة ثبت، لكنه ساء حفظه بعدما استُقضي، وله غرائب عن هشام بن عروة، وأين أصحاب هشام على كثرتهم عن هذا الحديث، والمتفرد عن حفص به: الحسين بن يزيد الطحان الكوفي: روى عنه جمع من الأئمة والثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه أبو حاتم:"لين الحديث"[التهذيب (1/ 439)، التراجم الساقطة من إكمال مغلطاي (100 و 101)]، وقد تفرد عن حفص بن غياث بأحاديث لم يتابع عليها، وهذا منها، وقد سبق أن ذكرت له حديثًا وهِم فيه على حفص فيما تقدم في السنن [راجع: فضل الرحيم الودود (5/ 501/ 492)]، وأنكر عليه البخاري حديثًا آخر تفرد به عن حفص أيضًا، وتفرد فيه أيضًا بإسناد لا يجيء مثله، ولا يُعرف إِلَّا من طريقه [كما في علل الترمذي الكبير (439)]، ولم أر له عند أبي داود سوى هذا الحديث الواحد، وأما الترمذي فإنه لم يكثر عنه أيضًا، ولم يصحح له حديثًا واحدًا مما أخرج له، وإن كان قد توبع على بعضها، بل استغرب أكثرها، ولم يحسن له سوى حديث واحد قد توبع عليه [جامع الترمذي (2546 و 3095 و 3559 و 3610 و 3611 و 3874)].
وعليه: فهو حديث غريب من حديث هشام بن عروة، ثم من حديث حفص بن غياث؛ تفرد به حسين بن يزيد الطحان الكوفي، وله ما يستنكر، والله أعلم.
* * *
1317 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا إبراهيم بن موسى: حَدَّثَنَا أبو الأحوص،
(ح) وحدثنا هناد، عن أبي الأحوص - وهذا حديث إبراهيم -، عن أشعث، عن أبيه، عن مسروق، قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنه عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ لها: أيُّ حينٍ كان يصلي؟ قالت: كان إذا سمع الصُّراخَ قام فصلى.
* حديث متفق على صحته، لكن بلفظ: إذا سمع الصارخ
أخرجه من طريق هناد بن السري [كوفي، ثقة حافظ]: مسلم (741)، وأبو نعيم في
مستخرجه عليه (2/ 336/ 1681 م)، والبيهقي (3/ 4)، [التحفة (11/ 746/ 17659)، المسند المصنف (37/ 281/ 17884)].
ولفظه بتمامه عند مسلم: عن مسروق، قال: سألت عائشة عن عمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يحب الدائم، قال: قلت: أي حين كان يصلي؟ فقالت: كان إذا سمع الصارخ قام فصلى.
* تابعهما: محمد بن سلام البِيكَندي [ثقة ثبت]، وخلف بن هشام البزار المقرئ [ثقة]، فروياه عن أبي الأحوص به؛ إِلَّا أن خلفًا شك في إسناده، وقال: عن مسروق أو الأسود، وقول الجماعة بغير شك هو الصواب.
أخرجه البخاري (1132)، والإسماعيلي في مستخرجه على البخاري (3/ 18 - الفتح لابن حجر)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 336/ 1681 م)، [التحفة (11/ 746/ 17659)، المسند المصنف (37/ 281/ 17884)، [وانظر: التعديل والتجريح (2/ 683)، مطالع الأنوار (5/ 573)، التوضيح لابن الملقن (9/ 57)، الفتح لابن حجر (3/ 17)، عمدة القاري (7/ 182)].
هكذا تفرد شيخ أبي داود؛ إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الرازي بلفظة: الضُراخ، وإبراهيم: ثقة حافظ متقن، قال عنه أبو زرعة:"هو أتقن من أبي بكر ابن أبي شيبة، وأصح حديثًا منه، لا يحدث إِلَّا من كتابه"، ويبدو أنه رواه بالمعنى، وقد روى الحديثَ جماعةٌ من الأئمة وكبار الحفاظ، مئل: سفيان الثوري، وشعبة، وشيبان، وإسرائيل، عن أشعث به، فقالوا: إذا سمع الصارخ؛ فدل ذلك على أنه اللفظ المحفوظ، ومن رواه بخلاف ذلك فقد أخطأ، ورواه بالمعنى.
* هكذا رواه أبو الأحوص سلام بن سليم [وهو: ثقة متقن]، عن أشعث بن أبي الشعثاء، وقد تابعه جماعة من كبار الحفاظ:
1 -
فرواه غندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، وبشر بن المفضل، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وشاذان أسود بن عامر، وبهز بن أسد، وروح بن عبادة، وعثمان بن جبلة [وهم ثقات]:
عن شعبة، عن الأشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، قال: سألت عائشة عن عمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان أحب العمل إليه الدائم، قلت: فأيُّ حينٍ [وفي رواية: فأيُّ ساعةٍ] كان يقوم؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ قام. واللفظ للطيالسي، والباقون بنحوه، وقال بهز وحده فوهِم: إذا سمع الصرخة.
قال أبو داود: يعني: الديك.
أخرجه البخاري (1132 و 6461)، وأبو عوانة (2/ 42/ 2247 و 2248)، والنسائي في المجتبى (3/ 208/ 1616)، وفي الكبرى (2/ 1318/122)، وأحمد (6/ 94 و 110 و 147)، والطيالسي (3/ 33/ 1510)، والبيهقيّ (3/ 3)، [التحفة (11/ 746/ 17659)، الإتحاف (17/ 561/ 22798)، المسند المصنف (37/ 281/ 17884)].
2 -
ورواه يحيى بن سعيد القطان، قال: حَدَّثَنَا سفيان، قال: حَدَّثَنِي أشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الدائم من العمل، قال: فقلت: أيُّ الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ.
أخرجه أحمد (6/ 203)، والبيهقي (3/ 17)، [الإتحاف (17/ 561/ 22798)، المسند المصنف (37/ 281/ 17884)].
وهو حديث صحيح.
3 -
ورواه شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي [ثقة]، عن الأشعث، عن أبيه، عن مسروق، قال: قلت لعائشة: أيُّ العمل كان أعجبَ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يحب الدائم، قال: قلت: فأيَّ حينٍ كان يصلي؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ قام فصلى.
أخرجه أحمد (6/ 279)، [الإتحاف (17/ 561/ 22798)، المسند المصنف (37/ 281/ 17884)].
وهو حديث صحيح.
4 -
ورواه إسرائيل بن أبي إسحاق، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، قال: سألت عائشة: مِن أيِّ الليل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ فقالت: كان إذا سمع الصارخ قام؛ يعني: الديك. [لفظ أبي نعيم الفضل بن دكين الملائي، وهو: ثقة ثبت][عند ابن راهويه].
وفي رواية: سألت عائشة: متى كان النَّبِيّ يوتر؟ قالت: إذا سمع الصارخ، - يعني: الديك -، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل. [لفظ عبد اللّه بن رجاء الغداني، وهو: صدوق][عند ابن حبان].
أخرجه ابن حبان (6/ 197/ 2444)، وإسحاق بن راهويه (3/ 822/ 1466)، وابن عدي في الكامل (1/ 424)(2/ 362/ 2708 و 2709 - ط. الرشد)، وأبو علي الشاموخي في حديثه (19)، [الإتحاف (17/ 538/ 22755)، المسند المصنف (37/ 281/ 17884)].
وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ذكر شواهد طرفه الأول في استدامة العمل والقصد فيه عند الحديث رقم (1368).
* * *
1318 -
. . . إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: ما ألفاه السَّحَرُ عندي إِلَّا نائمًا؛ تعني: النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
* حديث متفق على صحته
أخرجه البخاري (1133)، والإسماعيلي في مستخرجه على البخاري (3/ 18 - الفتح لابن حجر)، وابن حبان (6/ 364/ 2637)، وأحمد (6/ 270)، والطيالسي (3/ 86/ 1585)،
وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 938/ 3995 - السفر الثاني)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/ 679/ 1193)، وأبو يعلى (8/ 251/ 4835)، [التحفة (11/ 774/ 17715)، الإتحاف (17/ 618/ 22898)، المسند المصنف (37/ 282/ 17886)، [وانظر فيما وقع وهمًا: التحفة (91/ 301/ 16340)].
رواه عن إبراهيم بن سعد [وهو: ثقة حجة]: أبو توبة الربيع بن نافع، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وموسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، وأبو داود الطيالسي، وزكريا بن يحيى بن صبيح الواسطي، وجمعة بن عبد اللّه البلخي [وأكثرهم ثقات حفاظ]، ومحمد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي [ضعيف]، وغيرهم.
* ورواه محمد بن بشر، وعبدة بن سليمان، وعبيد الله بن موسى، وسفيان بن عيينة، وجعفر بن عون [وهم ثقات]:
عن مسعر بن كدام [ثقة ثبت]، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: ما ألفى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم السَّحَرُ الأعلى في بيتي - أو: عندي -، إلا نائمًا. لفظ ابن بشر [عند مسلم].
ولفظ ابن عنة: ما ألفى النبيَّ صلى الله عليه وسلم السَّحَرُ الأخرُ قطُّ عندي إِلَّا نائمًا.
أخرجه مسلم (742)، وأبو عوانة (2/ 43/ 2250)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 336/ 1682)، وأحمد (6/ 161)، وإسحاق بن راهويه (2/ 474/ 1051)، والحميدي (189)، وأبو يعلى (8/ 123/ 4662)، والبيهقي (3/ 3)، [التحفة (11/ 774/ 17715)، الإتحاف (17/ 618/ 22898)، المسند المصنف (37/ 282/ 17886)].
* ورواه وكيع بن الجراح، عن مسعر وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: ما كنتُ ألفى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم آخرَ السحر إِلَّا وهو نائم عندي.
أخرجه ابن ماجة (1197)، وأبو عوانة (2/ 43/ 2250)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 336/ 1682)، وأحمد (6/ 137 و 205)، وإسحاق بن راهويه (2/ 475/ 1052)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 30)، [الإتحاف (17/ 618/ 22898)، المسند المصنف (37/ 282/ 17886)].
وهو حديث صحيح.
* قال في لسان العرب (15/ 252): "وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ما ألفاه السَّحَرُ عندي إِلَّا نائمًا؛ أي: ما أتى عليه السحرُ إِلَّا وهو نائم، تعني: بعد صلاة الليل، والفعل فيه للسحر"[وانظر: هدي الساري (80)، فتح الباري (3/ 18) و (6/ 456)، قال: "ما ألفاه السحر؛ أي: وجده"].
* قال البخاري: "باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا، قال علي [هو: ابن المديني]: وهو قول عائشة: ما ألفاه السحر عندي إِلَّا نائمًا".
قلت: حديث: عمرو بن دينار؛ أنه سمع عمرو بن أوس الثقفي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام إلى الله صيام داود: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى اللّه صلاة داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه".
أخرجه البخاري (1131 و 3420)، ومسلم (1159). وسيأتي تخريجه - إن شاء الله تعالى - في باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، عند الأحاديث رقم (1368 - 1370)، وهو في السنن برقم (2448).
وقال ابن الملقن في التوضيح (9/ 60): "وقولها: "ما ألفاه السحر عندي إِلَّا نائمًا"؛ أي: مضطجعًا على جنبه؛ لأنها قالت في حديث آخر: فإن كنت يقظانة حَدَّثَنِي وإلا اضطجع حتى يأتيه المنادي للصلاة؛ فتحصل بالضجعة الراحة من نصب القيام، ولما يستقبله من طول صلاة الصبح؛ ولذلك وإن ينام عند السحر"[وانظر: شرح ابن بطال (3/ 123)، إكمال المعلم (3/ 88)، الفتح لابن رجب (6/ 220)، الفتح لابن حجر (3/ 17)].
وقد تُعُقب هذا التأويل، قال ابن حجر في الفتح (3/ 18) في حكاية كلام ابن رشيد في التعقب:"لأن السياق ظاهر في النوم حقيقة، وظاهر في المداومة على ذلك، ولا يلزم من أنه كان ربما لم ينم وقت السحر هذا التأويل، فدار الأمر بين حمل النوم على مجاز التشبيه، أو حمل التعميم على إرادة التخصيص، والثاني أرجح، وإليه ميل البخاري؛ لأنه ترجم بقوله: من نام عند السحر، ثم ترجم عقبه بقوله: من تسحر فلم ينم، فأومأ إلى تخصيص رمضان من غيره، فكان العادة جرت في جميع السنة أنه كان ينام عند السحر، إِلَّا في رمضان فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل، ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبه".
* قلت: مما جاء في معنى حديث أبي سلمة هذا عن عائشة: "ما ألفاه السحر عندي إِلَّا نائمًا"؛ ما صح عن ابن عباس؛ مما يدل على نومه صلى الله عليه وسلم بعد وتره، وقبل الفجر:
فقد روى مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب، عن ابن عباس؛ في قصة مبيته عند خالته ميمونة، وموضع الشاهد منه: ثم أوتر، ثم اضطجع، حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح أيأتي عند أبي داود برقم (1367)، وهو في الموطأ (317)، والبخاري (183 و 992 و 1198 و 4570 - 4572)، ومسلم (763/ 182)].
وأما حديث عروة وأبي سلمة عن عائشة فيدل ظاهره على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصِلُ صلاة الليل بركعتي الفجر ثم يضطجع بعدهما؛ يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في وقت السحر، فلم يكن الاضطجاع عندئذ في وقت السحر، وإنما كان بعد طلوع الفجر:
ففي روايةٍ عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى من الليل ثم أوتر صلى الركعتين؛ فإن كنت مستيقظة حَدَّثَنِي، وإلا اضطجع حتى يأتيه المنادي [وهذا أصله في مسلم (743). تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1263)].
* وروى الزُّهري، عن عروة بن الزُّبَير؛ أن عائشة قالت: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يجيء المؤذن فيؤذنه [رواية معمر، عند البخاري (6310)].
وفي رواية عمرو بن الحارث [عند مسلم]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة.
وفي رواية ابن أبي ذئب [عند أحمد (6/ 74 و 143 و 215)، والدارمي، وبنحوه لفظ شعيب عند البخاري (994 و 1123)، ولفظ يونس عند أحمد (6/ 248)، ولفظ الأوزاعي عند أحمد (6/ 83)، وابن حبان (2431)]: كان النبي يصلي ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل اثنتين، ويوتر بواحدة، ويسجد في سبحته [وفي رواية: ويمكث في سجوده، بقدر ما يقرأ أحدكم بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1263)].
* وهذا موافق لما رواه: مسلم، عن مسروق، عن عائشة، قالت: مِن كلِّ الليل قد أوتر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فانتهى وتره إلى السحر.
أخرجه البخاري (996)، ومسلم (745)، ويأتي تخريجه في السنن برقم (1435).
* وكذلك ما رواه: يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر.
أخرجه مسلم (745)، ويأتي تخريجه في السنن برقم (1435)، إن شاء الله تعالى.
وطريق الجمع بين هاتين الطائفتين من الأحاديث: أن تحمل هذه الأحاديث على اختلاف أحوال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقد كان أحيانًا يوتر ثم ينام وقت السحر [كما دل عليه حديث أبي سلمة عن عائشة، وحديث ابن عباس، وحديث ابن عمرو من قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة داود]، وأحيانًا يصل صلاته بالليل بركعتي الفجر ثم يضطجع بعدها [كما دل عليه حديث عروة وأبي سلمة عن عائشة، وحديث مسروق عن عائشة]، وحديث مسروق يزيل الإشكال حيث أخبرت فيه عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد أوتر من كل الليل، فأوتر أحيانًا في أول الليل، وأوتر في أوسطه، وأوتر في آخره، لكن كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل قبل وفاته صلى الله عليه وسلم الوتر وقت السحر، فقالت: فانتهى وتره إلى السحر، فلا تعارض فيما نقلته عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما كانت تحكي بعض أحواله، وقد أخبرت أبا سلمة بالحالين معًا، لكن في وقتين متفرقين، وحديثين مستقلين، ثم جمعتهما معًا لمسروق في حديث واحد، وعليه فحديث مسروق عنها قاضبى على حديث غيره، في انتهاء وتره صلى الله عليه وسلم إلى السحر؛ يعني: في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، واللّه أعلم.
* * *
1319 -
قال أبو داود: حَدَّثَنَا محمد بن عيسى: حَدَّثَنَا يحيى بن زكريا، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد اللّه الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة، قال: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمرٌ صلى.
* حديث ضعيف
* اختلف في إسناد هذا الحديث على يحيى بن زكريا بن أبي زائدة [وهو: ثقة متقن]:
أ - فرواه محمد بن عيسى أهو: ابن نجيح أبو جعفر ابن الطباع: ثقة حافظ فقيه]: حَدَّثَنَا يحيى بن زكريا، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة، قال: كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمرٌ صلى.
أخرجه أبو داود (1319)، [التحفة (2/ 662/ 3375)، المسند المصنف (7/ 282/ 3637)].
وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (3/ 172)، كما حسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 169).
ب - ورواه إسماعيل بن عمر [الواسطي أبو المنذر: ثقة]، وخلف بن الوليد الأزدي [العتكي البغدادي: ثقة. الجرح والتعديل (3/ 371)، الثقات (8/ 227)، تاريخ بغداد (8/ 320)]، وإسماعيل بن سالم [أبو محمد الصائغ، البغدادي، نزيل مكة: ثقة]: قالوا: حَدَّثَنَا يحيى بن زكريا - يعني: ابن أبي زائدة -، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد اللّه الدُّؤَلي، قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
أخرجه أحمد (5/ 388)(10/ 5536/ 23773 - ط. المكنز)[وما في التحفة (2/ 663) وهمٌ]. وابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 619 - ط. هجر)، وأبو جعفر ابن البختري في ثلاثة مجالس من أماليه (25)(224 - مجموع مصنفاته)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1881/ 4732)، والبيهقي في الشعب (5/ 445/ 2912)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 274)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 172)، [أطراف المسند (2/ 255/ 2213)، المسند المصنف (7/ 282/ 3637)].
ج - ورواه سهل بن عثمان أبو مسعود العسكري [نزيل الري، ثقة حافظ، له غرائب]: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: قال عكرمة بن عمار: قال محمد بن الدؤلي: قال عبد العزيز: قال حذيفة: رجعت إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، وهو مشتملٌ في شملةٍ يصلي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
أخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (212).
د - ورواه سريج بن يونس [ثقة]: نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد اللّه [الدؤلي]، عن عبد العزيز أخي حذيفة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم . . . فذكره، هكذا مرسلًا.
أخرجه ابن قانع في المعجم (2/ 189)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1881/ 4733)، وعلقه ابن حبان في الثقات (4/ 125).
تنبيه؛ وقع في مطبوعة المعرفة لأبي نعيم: عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى.
بينما عزاه ابن الأثير في الأسد (3/ 523) لأبي نعيم في المعرفة، وقال فيه: عن عبد المحزيز ابن أخي حذيفة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
وهذا الذي نقله ابن الأثير أشبه عندي بالصواب، لاتفاقه مع إسناد رواية ابن قانع، وهو أولى عندي أيضًا من نقل المزي في التحفة (2/ 663)، والله أعلم.
* هكذا اختلف الثقات على ابن أبي زائدة في إسناد هذا الحديث، فمنهم من قال فيه: عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حديفة، ومنهم من قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة، ومنهم من قال: عن عبد العزيز أخي حذيفة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلًا.
قلت: ومحمد بن عبد اللّه الدؤلي: لا يُعرف روى عنه غير عكرمة بن عمار [الجرح والتعديل (7/ 310)].
وذكره البخاري في ترجمة محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي في الاختلاف على عكرمة في إسناد هذا الحديث [التاريخ الكبير (1/ 172)].
* وقد روى إسماعيل بن موسى الفزاري [صدوق له أفراد، ويوصل مراسيل. التهذيب (1/ 169)، الميزان (1/ 251)]، قال: حَدَّثَنَا الحسن بن زياد الهمداني، عن ابن جريج، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة، عن عبد العزيز بن اليمان، عن حذيفة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 618 - ط. هجر)، وابن قانع في المعجم (2/ 189).
* ورواه إسماعيل بن موسى مرةً أخرى، قال: نا الحسن بن زياد، عن ابن جريج، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة، عن عبد العزيز بن اليمان [أخي حذيفة بن اليمان]، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. هكذا مرسلًا.
أخرجه ابن قانع في المعجم (2/ 189)، وابن منده في المعرفة (3/ 523 - أسد الغابة)، وعلقه ابن حبان في الثقات (8/ 168)، في ترجمة الحسن بن زياد، وكأنه لا يُعرف بغير هذا الإسناد. وعلقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1881/ 4732 م)، من طريق أبي العباس السراج أومن طريقه رواه ابن منده]، لكن وقع عنده: عن إسحاق بن موسى الفزاري، وإنما هو: إسماعيل بن موسى [كما عند ابن منده]، وقال: عن محمد بن
عبد اللّه بن أبي قدامة، وإنما هو: ابن عبيد، وقال: عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة أوعند ابن منده: أخي حذيفة]؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر بادر بالصلاة [وانظر أيضًا: التحف (2/ 663)].
والحسن بن زياد هذا: ذكره مغلطاي في ثقاته (3/ 357)، ولم يزد على ما قال ابن حبان شيئًا، ولم يترجم له البخاري، ولا ابن أبي حاتم، فهو مجهول، إِلَّا أن يكون هو الحسن بن زياد اللؤلؤي، فإنه مكثر عن ابن جريج، لكنه كان يكذب عليه، وهو: متروك، كذبه جمع كبير من الأئمة النقاد [اللسان (3/ 48)].
وعليه: فهو حديث باطل من حديث ابن جريج، لا يُعرف عنه إِلَّا من هذا الوجه.
* والحديث علقه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 172) من وجه آخر. ومن طريقه: البيهقيّ في الشعب (5/ 446/ 2913).
قال البخاري: وقال النضر: عن عكرمة، عن محمد بن عبيد أبي قدامة، سمع عبد العزيز أخا حذيفة، عن حذيفة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صملى.
والنضر بن محمد بن موسى الجرشي اليمامي: ثقة، روى عن عكرمة بن عمار ألف حديث، قال العجلي:"هو من أروى الناس عن عكرمة بن عمار اليمامي"[التهذيب (3/ 133) و (4/ 226)، الميزان (3/ 90)، الجرح والتعديل (8/ 479)، معرفة الثقات (1851)، الثقات (7/ 535)].
* وبهذا الوجه يظهر أن عكرمة بن عمار قد روى هذا الحديث مرة عن: محمد بن عبد الله الدؤلي، ورواه مرة أخرى عن: محمد بن عبيد أبي قدامة، وهما رجل واحد؛ اضطرب في اسمه عكرمة.
* وهذا الحديث قد رواه مطولًا: أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي [صدوق، ليس بذاك في الثوري، شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)]: ثنا عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، قال: ذكر حذيفة مشاهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جلساؤه: أما واللّه لو كنا شهدنا لفعلنا ولفعلنا، فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودًا،
…
فذكر حديثًا طويلًا في قصة غزوة الأحزاب، ورحيل أبي سفيان ومن معه، وموضع الشاهد منه: فأومأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليَّ بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل عليَّ شملته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى،
…
أخرجه أبو عوانة (4/ 320/ 6842)، والبيهقي في الدلائل (3/ 451)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 282)، وعلقه ابن حبان في الثقات (5/ 1124، [الإتحاف (4/ 267/ 4244)].
* وهذا الحديث أصله في مسلم (1788) من وجه آخر بغير هذا السياق، رواه من طريق: جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند
حذيفة،
…
فذكر الحديث بطوله في غزوة الأحزاب، فلم يذكر موضع الشاهد، وحديث عكرمة قد انفرد فيه راويه بما لم يتابع عليه.
والذي يظهر لي: أن عكرمة بن عمار لم يضبط إسناد هذا الحديث، ولا متنه، فقد اختلف الرواة عنه في اسم شيخه، وقد رواه مرة مختصرًا، ومرة مطولًا، وقد وجدت له حديثًا آخر موقوفًا على حذيفة، قد رواه بهذا الإسناد لكنه غاير في اسم شيخه أيضًا:
* رواه عبد الرحمن بن مهدي [ثقة حجة، حافظ إمام]، قال: حَدَّثَنَا عكرمة بن عمار، عن حميد أبي عبد الله الفلسطيني، قال: حَدَّثَنِي عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة، قال: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقضن عُرى الإسلام عروة عروة، وليصلين النساء وهنَّ حُيَّض، ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقهم، ولا يُخطَأُ بكم، حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة، تقول إحداهما: ما بال الصلوات الخمس، لقد ضل من كان قبلنا، إنما قال الله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، لا تصلوا إِلَّا ثلاثًا، وتقول الأخرى: إنا لمؤمنون بالله كإيمان الملائكة، ما فينا كافر ولا منافق، حق على الله أن يحشرهما مع الدجال. موقوف.
أخرجه الدولابي في الكنى (2/ 814/ 1420)، وأبو جعفر ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (2/ 672/ 1006 - مسند ابن عباس) [ووقع عنده: أخو حذيفة]، وابن بطة في الإبانة (2/ 901/ 1260) [ووقع عنده: أخو حذيفة]، والحاكم (4/ 469)(10/ 288/ 8654 - ط. الميمان)، [الإتحاف (4/ 242/ 4189)].
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
* ثم رواه وكيع بن الجراح [وهو: ثقة حافظ]، عن عكرمة بن عمار، عن أبي عبد الله الفلسطيني، عن عبد العزيز ابن أخٍ لحذيفة، قال: سمعته من حذيفة منذ خمس وأربعين سنة، قال: قال حذيفة: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 140/ 34808)، ومن طريقه: أبو نعيم في الحلية (1/ 1281، وأحمد في الزهد (1003)[لكن وقع عنده: عن عبد العزيز أخي حذيفة].
قلت: رواية ابن أبي شيبة عن وكيع أشبه بالصواب؛ لأن ابن الأخ هو الأليق به أن يقول هذه العبارة: سمعته من حذيفة منذ خمس وأربعين سنة، واللّه أعلم.
* ثم رواه عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي [ثقة]، قال: ثنا عكرمة، عن أبي عبد الله الفلسطيني، قال: حَدَّثَنِي عبد العزيز أخو حذيفة، عن حذيفة بن اليمان، قال: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة،
…
فذكره بنحوه مطولًا.
أخرجه أبو بكر الخلال في السُّنَّة (4/ 112/ 1292)، وابن بطة في الإبانة (1/ 174/ 8) و (2/ 571/ 716).
* ورواه أيضًا: عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، قال: ثنا عكرمة بن عمار اليمامي، قال: ثنا حميد أبو عبد الله، قال: حَدَّثَنِي عبد العزيز أخو حذيفة؛ أن حذيفة قال: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع،
…
فذكر مثل معناه؛ إِلَّا أنه ذكر: ليصلين النساء وهن حيض.
أخرجه أبو بكر الخلال في السنَّة (4/ 113/ 1293).
وبهذا الجمع؛ يظهر جليًّا أن عكرمة بن عمار قد اضطرب في إسناد هذا الحديث ومتنه، وأنه لم يكن يضبط اسم شيخه، فمرة يقول: عن محمد بن عبد اللّه الدؤلي، ومرة يقول: عن محمد بن عبيد أبي قدامة، ومرة يقول: عن حميد أبي عبد الله الفلسطيني، وهم رجل واحد؛ اضطرب في اسمه عكرمة.
وعكرمة بن عمار: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب كثير، وقد قال عنه الإمام أحمد مرة:"مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة"[التهذيب (3/ 133)]، وقد تقدمت له أحاديث وقع منه الاضطراب أو الوهم فيها، وبعضها عن غير يحيى بن أبي كثير، مثل عبد الله بن بدر اليمامي، وعمرو بن سعد، انظر مثلًا: ما تقدم برقم (15)(1/ 48 - فضل الرحيم)، والحديث رقم (97)(1/ 400 - فضل الرحيم)، والشاهد الرابع من شواهد الحديث رقم (821)(9/ 139 - فضل الرحيم)، والشاهد الأول من شواهد الحديث رقم (855)(9/ 389 - فضل الرحيم).
* قال ابن حبان في ثقات التابعين (5/ 124): "عبد العزيز بن اليمان؛ أخو حذيفة بن اليمان: يروي عن حذيفة، ولا صحبة له"[انظر: التاريخ الكبير (6/ 10)، الجرح والتعديل (5/ 399)، معرفة الثقات (1019)، الآداب الشرعية (1/ 169)، التهذيب (2/ 598)].
وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1881): "عبد العزيز بن اليمان أخو حذيفة، ذكره بعض المتأخرين [يعني: في الصحابة]، وهو وهم، وصوابه: عبد العزيز ابن أخي حذيفة بن اليمان".
واعتمده ابن حجر، حيث قال في الإصابة (5/ 249): "وهو تابعي،
…
، وأما الحديث الذي فيه: عبد العزيز ابن أخي حذيفة، ولم يُسمَّ فيه أبوه: فهو المعتمد".
قلت: وهو الصواب، وعبد العزيز ابن أخي حذيفة: لا يُعرف [كما قال الذهبي في الميزان (2/ 639)]، ووهم من عده في الصحابة. وشيخ عكرمة هو: محمد بن عبيد أبو قدامة الحنفي: وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه: قتادة، وحميد الطويل، ويونس بن عبيد، وابن أبي فديك، وعكرمة بن عمار [التاريخ الكبير (1/ 172)، كنى مسلم (2788)، الجرح والتعديل (8/ 9)، الثقات (5/ 385)، معرفة الثقات (1626)، الكنى للدولابي (3/ 927)، التعجيل (2/ 529/ 1373)، التهذيب (3/ 613)].
والحاصل: فإن هذا الحديث ضعيف، لجهالة تابعيه، واضطراب عكرمة فيه، فلم
يضبط إسناده ولا متنه، وقد أخرج أصله مسلم من وجه آخر بدون موضع الشاهد، فدل على أن عكرمة لم يحفظه، والله أعلم.
وهذا الحديث وإن كان معناه صحيحًا؛ إِلَّا أنه لا يثبت بهذا الإسناد، والله أعلم.
* * *
1320 -
. . . الهقل بن زياد السكسكي: حَدَّثَنَا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: سمعت ربيعة بن كعب الأسلمي، يقول: كنتُ أبيتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوَضوئه وبحاجته، فقال:"سَلْني"، فقلتُ: مرافقَتَك في الجنة، قال:"أوَ غيرَ ذلك؟ "، قلتُ: هو ذاك، قال:"فأعني على نفسِك بكثرة السجود".
* حديث صحيح
أخرجه مسلم (489)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 102/ 1086)، والنسائي في المجتبى (2/ 138/ 1227)، وفي الكبرى (1/ 364/ 728)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 352/ 2387)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 406/ 1058)، وابن دحيم في فوائده (24)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 31 - 32)، وفي معرفة الصحابة (2/ 1089/ 2750)، والواحدي في تفسيره الوسيط (2/ 441)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 19)، [التحفة (3/ 102/ 3603)، المسند المصنف (8/ 90/ 3976)].
رواه عن الهقل بن زياد: هشام بن عمار، والحكم بن موسى [وهما صدوقان].
* تابع الهقل بن زياد أوهو: ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي، وكان كاتبه]:
الوليد بن مزيد [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الأوزاعي]، وبشر بن بكر التنيسي [ثقة]، ويحيى بن عبد اللّه البابلتي بضعيف]:
عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حَدَّثَنِي أبو سلمة، قال: حَدَّثَنِي ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنت أبيت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم آتيه بوَضوئه وبحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول:"سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده" الهوِيَّ، ثم يقول:"سبحان رب العالمين، سبحان رب العالمين" الهوِيَّ.
ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل لك من حاجة؟ "، قال: قلت: يا رسول اللّه! مرافقتك في الجنة؟ قال: "أوَ غير ذلك؟ " قال: قلت: يا رسول الله هي حاجتي، قال:"فأعني على نفسك بكثرة السجود".
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (321)، وأبو عوانة (1/ 499/ 1861)، والطبراني في الكبير (5/ 56/ 4570)، وفي الدعاء (767)، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 594)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1088/ 2749)، والبيهقي في السنن (2/ 486)، وفي الدعوات (419)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 149/ 655)، وقال: "هذا
حديث صحيح"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 318) و (35/ 149) و (59/ 388)، [الإتحاف (4/ 505/ 4578)].
وهو حديث صحيح.
* ورواه بطرفه الأول وحده:
الأوزاعي [وعنه: الوليد بن مسلم، وعبد اللّه بن المبارك، وعمر بن عبد الواحد، وهم ثقات، من أثبت أصحاب الأوزاعي، وتابعهم: عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، كاتب الأوزاعي: ليس به بأس، وغيرهم]، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة، من أثبت أصحاب يحيى]، والحسين بن ذكوان المعلم [ثقة، من أثبت أصحاب يحيى]، ومعاوية بن سلام [دمشقي، ثقة]:
عن يحيى بن أبي كثير، قال: حَدَّثَنِي أبو سلمة، عن ربيعة بن كعب السلمي، قال: كنت أبيت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم آتيه بوَضوئه وبحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول:"سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده" الهوِيَّ، ثم يقول:"سبحان رب العالمين، سبحان ربِّ العالمين" الهوِيَّ. لفظ الوليد عن الأوزاعي، والبا قون بنحوه.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 209/ 1618)، وفي الكبرى (2/ 123/ 1320) و (9/ 318/ 10632)، وابن ماجة (3879)، وأبو عوانة (1/ 499/ 1859 و 1860) و (2/ 40/ 2235 - 2237)، وابن حبان (6/ 329/ 2594) و (6/ 330/ 2595)، وابن المبارك في الزهد (106 و 1236)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 43/ 29338)، وفي المسند (687)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 353/ 2388 و 2389)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (973)، وابن دحيم في فوائده (25)، والطبراني في الكبير (5/ 57/ 4573 - 4575)، وفي مسند الشاميين (4/ 96/ 2832)، وفي الدعاء (768 و 771 - 773)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (752)، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 595)، وأبو الغنائم النرسي في فوائد الكوفيين (29)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 21/ 911)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 62) و (59/ 387)، [التحفة (3/ 102/ 3603)، الإتحاف (4/ 505/ 4578)، المسند المصنف (8/ 88/ 3975)].
وهو حديث صحيح.
* ورواه معمر بن راشد [ثقة، من أصحاب يحيى، وقد يهِم عليه]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنت أنام في حجرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي، يقول:"الحمد لله ربِّ العالمين"، الهوي، ثم يقول:"سبحان الله العظيم وبحمده"، الهوي. قلت له: ما الهوي؟ قال: يدعو ساعة.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 209/ 1618)، وفي الكبرى (2/ 123/ 1320)، وابن حبان (6/ 330/ 2595)، وأحمد (4/ 57)، وابن المبارك في الزهد (106 و 1236)،
وعبد الرزاق (2/ 78/ 2563)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 353/ 2389 و 2390)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (109)، والطبراني في الكبير (5/ 56/ 4569)، وفي الدعاء (766)، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 595)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1088/ 2749)، [التحفة (3/ 102/ 3653)، الإتحاف (4/ 505/ 4578)، المسند المصنف (8/ 88 ث/ 3975)].
* ورواه هشام الدستوائي [ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في يحيى بن أبي كثير]، عن يحعص بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: حَدَّثَنِي ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنت أبيت عند باب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فأعطيه وَضوءه، فاسمعه الهوِيَّ من الليل يقول:"سمع الله لمن حمده"، وأسمعه الهوِيَّ من الليل يقول:"الحمد لله رب العالمين".
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1218)، والترمذي (3416)، وأحمد (4/ 57 و 57 - 58)، والطيالسي (2/ 491/ 1268)، وابن سعد في الطبقات (4/ 313)، والدولابي في الكنى (1/ 142/ 288)، والطبراني في الكبير (5/ 56/ 4571)، وفي الدعاء (769)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 31)، وفي معرفة الصحابة (2/ 1088/ 2749)، والبيهقي في الدعوات (420)، [التحفة (3/ 102/ 3603)، الإتحاف (4/ 505/ 4578)، المسند المصنف (8/ 88/ 3975)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
* ورواه علي بن المبارك [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، به نحوه.
أخرجه أبو عوانة (2/ 40/ 2238)، والطبراني في الكبير (5/ 57/ 4572)، وفي الدعاء (770)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1088/ 2749)، [الإتحاف (4/ 505/ 4578)].
* قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث (3/ 518): "قال الخليل: الهَوِىُّ: الحِينُ الطويل من الزمان، وقال كيره: هو الوقت الطويل من الليل".
* ورواه إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، وهو أثبت الناس في ابن إسحاق]، ومحمد بن سلمة [الباهلي الحراني: ثقة]، وإسماعيل بن عياش [صدوق، لم يضبط حديث الحجازيين]:
عن ابن إسحاق [مدني، صدوق]، قال: حدثنى محمد بن عمرو بن عطاء [مدني، ثقة، من الطبقة الثالثة]، عن نعيم بن مجمر أهو: نعيم بن عبد الله، يُعرف بالمجمر، وكذا أبوه: ثمَة، من الثالثة]، عن ربيعة بن كعب، قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته، أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فما أزال أسمعه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده"، حتى أملَّ فارجع، أو تغلبني عيني فأرقد،
قال: فقال لي يومًا لما يرى من خفتي وخدمتي إياه: "سلني يا ربيعة أعطك"، قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول اللّه! ثم أعلمك ذلك، قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقًا سيكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لآخرتي، فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به، قال: فجئت فقال: "ما فعلت يا ربيعة؟ "، قال: فقلت: نعم يا رسول الله! أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال: فقال: "من أمرك بهذا يا ربيعة؟ "، قال: فقلت: لا واللّه الذي بعثك بالحق! ما أمرني به أحد، ولكنك لما قلتَ:"سلني أعطك"، وكنتَ من الله بالمنزل الذي أنتَ به؛ نظرتُ في أمري، وعرفتُ أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقًا سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، قال: فصمَتَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم طويلًا، ثم قال لي:"إني فاعلٌ، فأعني على نفسك بكثرة السجود". لفظ إبراهيم
أخرجه أحمد (4/ 59)، والطبراني في الكبير (5/ 57/ 576 4)، وفي الدعاء (774)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1089/ 2751)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 319)، [الإتحاف (4/ 505/ 4578)، المسند المصنف (8/ 90/ 3977)].
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم، وقد صرح فيه محمد بن إسحاق بالتحديث.
وحديث ابن إسحاق هذا يرد قول الدارقطني في الأفراد عن هذا الحديث: "تفرد به يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن ربيعة بن كعب الأسلمي"[أطراف الغرائب والأفراد (1/ 384/ 2083)][وانظر: الإلزامات (127)].
* ورواه ابن لهيعة: ثنا محمد بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي فراس الأسلمي، قال: إن فتى منا يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخف له في حاجته، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال:"سلني أعطك"، فقال: ادع الله أن يجعلني معك يوم القيامة، قال:"فإني فاعل، فأعني بكثرة السجود".
أخرجه ابن منيع في مسنده (7/ 128/ 6506 - إتحاف الخيرة)، والدولابي في الكنى (1/ 142/ 287)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 18).
وهذا إسناد ضعيف؛ ابن لهيعة: ضعيف، ومحمد بن عبد الله بن مالك الداري المدني: روى عنه ابن لهيعة وعطاف بن خالد، وذكره ابن حبان في الثقات؛ فهو ليس بالمشهور [التاريخ الكبير (1/ 127)، الجرح والتعديل (7/ 304)، الثقات (5/ 361)، التعجيل (945)]، وفي سنده انقطاع؛ فإن محمد بن عمرو بن عطاء إنما يرويه عن نعيم بن مجمر، عن ربيعة بن كعب، ويكنى بأبي فراس.
* وروي عن محمد بن عمرو بن عطاء به، من وجه آخر أشد ضعفًا، رواه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب الحمصي، وهو: متروك، منكر الحديث، لم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش [التهذيب (2/ 590)، الميزان (2/ 632)، الكامل (5/ 285)].
أخرجه من هذا الوجه: الطَّبراني في مسَند الشاميين (2/ 1353/286)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 2985/ 6947).
* وقد روي من وجه آخر؛ لكن بإبهام اسم الصحابي، وهو: ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي:
رواه عفان بن مسلم [ثقة ثبت]، ومسدد بن مسرهد [ثقة ثبت]:
قالا: حَدَّثَنَا خالد - يعني: الواسطي -[ثقة ثبت]، قال: حَدَّثَنَا عمرو بن يحيى الأنصاري [المازني: ثقة، من السادسة]، عن زياد بن أبي زياد مولى بني مخزوم [مدني، ثقة، من الخامسة]، عن خادم للنبي صلى الله عليه وسلم، رجلٍ أو امرأةٍ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يقول للخادم: "ألك حاجة؟ "، قال: حتى كان ذات يوم، فقال: يا رسول الله، حاجتي، قال:"وما حاجتك؟ "، قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة، قال:"ومن دلَّك على هذا؟ "، قال: ربي، قال:"إما لا، فأعني بكثرة السجود". لفظ عفان.
أخرجه أحمد (3/ 500)، ومسدد في مسنده (4/ 353/ 573 - مطالب)(7/ 127/ 6505 - إتحاف الخيرة)، [الإتحاف (16/ 439/ 20951)، المسند المصنف (35/ 93/ 16761)].
وهذا إسناد رجاله ثقات، ولا يُعرف سماع التابعي من خادم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ فإن زياد بن أبي زياد ميسرة مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي: سمع أنس بن مالك، وروى عن جابر وغيره، ولا يُعرف له سماع من ربيعة بن كعب، ولا من خادم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم[انظر: التاريخ الكبير (3/ 354)، الجرح والتعديل (3/ 545)، الثقات (4/ 254)، المتفق والمفترق (2/ 978)، تاريخ دمشق (19/ 235)، التهذيب (1/ 646)]، والله أعلم.
* وقد رويت هذه القصة من وجه آخر، لكن في سندها اختلاف، وإرسال:
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 222/ 8353)، والبزار (3/ 273/ 2737 - كشف)، والطبراني في الكبير (20/ 365/ 851)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2558/ 6176).
* وفي الباب:
1 -
حديث ثوبان وأبي الدرداء:
رواه الوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، ومحمد بن يوسف الفريابي [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب الأوزاعي، وليس في حديث الأخيرين ذكر أبي الدرداء]، ويحيى بن عبد اللّه بن الضحاك البابلتي [ضعيف]، وهشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي [والراوي عنه: ابنه إبراهيم بن هشام، وهو: كذاب، قال أبو حاتم:"وأظنه لم يطلب العلم، وهو كذاب"، ومن وثقه فقد تساهل في أمره، مثل: ابن حبان والطبراني، قال الذهبي ردًّا على ابن حبان:"إبراهيم بن هشام: أحد المتروكين، الذين مشاهم ابن حبان؛ فلم يصب". الجرح والتعديل (2/ 142)، الميزان (1/ 72) و (4/ 377)، اللسان (1/ 381) و (8/ 443)]:
عن الأوزاعي، قال: حدثني الوليد بن هشام المعيطي: حَدَّثَنِي معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: لقيت ثوبان مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني اللّه به الجنة، أو قال: قلت: باحب الأعمال إلى اللّه، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عليك بكثرة السجود للّه، فإنك لا تسجد لله سجدةً إِلَّا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً".
قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان.
وفي رواية: "ما من عبد يسجد لله سجدةً؛ إِلَّا رفعه الله بها درجةً، وحطَّ عنها بها خطيئةً".
أخرجه مسلم (488)، وأبو عوانة (1/ 499/ 1858)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 101/ 1085)، والترمذي (388 و 389)، والنسائي في المجتبى (2/ 228/ 1139)، وفي الكبرى (1/ 365/ 729)، وابن ماجة (1423)، وابن خزيمة (1/ 163/ 316)، وابن حبان (5/ 27 / 1735)، وأحمد (5/ 276 و 280)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 464 - 465)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (289)، وتمام في الفوائد (1647)، وابن حزم في المحلى (5/ 112)، والبيهقي (2/ 485)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 148/ 654)، وقال:"حديث صحيح". وفي تفسيره (2/ 227)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 50) و (63/ 310 و 311)، [التحفة (2/ 168/ 2112)، الإتحاف (3/ 40/ 2495)، المسند المصنف (4/ 474/ 2245)].
قال الترمذي: "حديث ثوبان وأبي الدرداء في كثرة الركوع والسجود: حديث حسن صحيح".
قال ابن معين: "أهل الشام يقولون: معدان بن طلحة، وقتادة وهؤلاء يقولون: معدان بن أبي طلحة، وأهل الشام أثبت فيه وأعلم به"[تاريخ ابن معين للدوري (4/ 111/ 3411) و (4/ 466/ 5323)].
وقال يعقوب بن سفيان: "وأهل البصرة مختلفون، بعضهم يقول: معدان بن طلحة، وبعضهم يقول: ابن أبي طلحة، وهذا إسناد جيد".
وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 376): "وهكذا يقول العراقيون في نسب هذا الرجل أيعني: معدان بن طلحة]، وأما الشاميون فيقولون فيه: معدان بن أبي طلحة، وهم به أعرف؛ لأنه منهم، وهو يعمري، وقد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه".
* خالفهم فوهم في إسناده، واضطرب فيه، ولم يضبط أسماء الرجال:
عبد الرزاق بن همام، فرواه عن الأوزاعي، عن الوليد بن هشام، عن رجل، قال: قلت لثوبان: حَدَّثَنِي بحديث لعل اللّه أن ينفعني به، قال: قلت له ذلك ثلاث مرات، فقال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسجد للّه سجدة إِلَّا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة".
أخرجه عبد الرزاق (3/ 73/ 4846)(3/ 45/ 4897 - ط. التأصيل).
* ثم رواه عبد الرزاق مرة أخرى، قال: أخبرنا الأوزاعي، عن الوليد بن هشام، عن خالد بن أبي طلحة بن معدان، قال: قلت لثوبان: حَدَّثَنِي بحديث لعل الله ينفعني به، قال: قلت له ذلك ثلاثًا، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
فذكره.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 347/ 5917)(3/ 259/ 5996 - ط. التأصيل).
فدل ذلك على أن عبد الرزاق لم يضبط إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي، وأن رواية بلدي الرجل، وأصحابه المكثرين عنه؛ بل وأثبت الناس فيه: أولى من رواية الغرباء، والله أعلم.
* ورواه محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد، ومعاذ بن معاذ، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعمرو بن مرزوق [وهم ثقات، من أصحاب شعبة المكثرين عنه]:
عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قيل لثوبان: حدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: تكذبون على [زاد جماعة: وقلتم عليَّ ما لم أقل]، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يسجد لله سجدةً إِلَّا رفعه الله بها درجةً، وحطَّ عنه بها خطيئةً".
أخرجه الطيالسي (2/ 329/ 1079)، وابن أبي شيبة (1/ 403/ 4631)، وأحمد (5/ 276 و 283)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 112/ 353)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (387)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (300)، والروياني (617)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 318/ 364)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (81)، وأبو عمرو السمرقندي في فوائده المنتقاة (45)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 167)، [الإتحاف (3/ 40/ 249)، المسند المصنف (4/ 475/ 2246)].
وهذا إسناد رجاله ثقات مشاهير، لكن في سنده انقطاع؛ فإن سالمًا لم يسمع من ثوبان، ولم يدركه، إنما يروي عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان، قال أحمد وأبو حاتم:"سالم بن أبي الجعد: لم يسمع من ثوبان، بينهما معدان بن أبي طلحة"، وقال أحمد أيضًا:"سالم بن أبي الجعد: لم يلق ثوبان"، وقال ابن معين والبخاري ويعقوب بن سفيان:"لم يسمع سالم من ثوبان"، وقال أبو حاتم:"ولم يدرك ثوبان، وبينه وبين ثوبان معدان"[علل الترمذي الكبير (414)، المنتخب من علل الخلال (82)، المراسيل (285 و 288 و 290)، الجرح والتعديل (4/ 181)، المعرفة والتاريخ (3/ 236)، تحفة التحصيل (120)].
* وروي من حديث الثوري، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، ولا يثبت.
أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 210).
وهو حديث باطل، ليس له أصل من حديث الثوري، تفرد به عن الثوري: علي بن الحسن بن يعمر السامي، وهو: واهٍ، حدث عن الثقات بالأباطيل والموضوعات، اتهمه جماعة، وكذبه الدارقطني [اللسان (5/ 511)].
قال ابن عدي: "قال لنا ابن صاعد: وهذا عن الثوري ليس بمحفوظ؛ بل هو منكر".
وقال ابن عدي بعد أن روى له جملة من حديث الثوري: "وهذه الأحاديث عن الثوري بواطيل كلها، ليست هي بمحفوظة عن الثوري".
2 -
حديث أبي ذر:
وله أسانيد متعددة:
أ - رواه الوليد بن مزيد، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وعبد الرزاق بن همام، ومحمد بن يوسف الفريابي [وهم ثقات، وفيهم أحد أثبت أصحاب الأوزاعي]، ومحمد بن كثير [هو: ابن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي، وهو: صدوق كثير الغلط]:
عن الأوزاعي، عن هارون بن رئاب، عن الأحنف بن قيس، قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أيدري هذا على شفع ينصرف، أم على وتر؟ فلما فرغ، قلت: يا عبد الله، أعلى شفع تدري انصرفت، أم على وتر؟ فقال: إن الله لا أدري، فإن الله يدري، ثم قال: إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم[وفي رواية عبد الرزاق: أخبرني حبي أبو القاسم، ثم بكا - ثلاثًا -]، يقول:"ما من عبد يسجد لله سجدةً إِلَّا رفعه الله بها درجةً، وحط عنه بها خطيئةً"، قلت: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر، قال: فتقاصرت إلي نفسي.
أخرجه الدارمي (1605 - ط. البشائر)، وأحمد (5/ 164)، وعبد الرزاق (2/ 327/ 3561) و (3/ 73/ 4847)، وفي الأمالي (199)، والبزار (9/ 345/ 3903)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (288)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 135)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 156، والبيهقي (2/ 489)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 300 و 301) و (43/ 58)، وفي المعجم (625)، [الإتحاف (14/ 103/ 17469)، المسند المصنف (27/ 250/ 12276)].
قال البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن أبي ذر بأحسن من هذا الإسناد".
وقال ابن عساكر في المعجم: "هذا حديث محفوظ من حديث هارون بن رئاب الأسدي، وهو منقطع؛ لأنه لم يدرك الأحنف".
قلت: وهو كما قال، رجاله ثقات؛ وهارون بن رئاب لم يدرك الأحنف بن قيس؛ لأن الأحنف مخضرم قديم الوفاة، بينه وبين وفاة أنس بن مالك ما يزيد على عشرين سنة، وهارون: لم يسمع من أنس على الصحيح [انظر: التاريخ الكبير (8/ 219)، الجرح
والتعديل (9/ 89)، الثقات (5/ 508) و (7/ 578)]، وقد قال البخاري في الأوسط (1/ 318/ 1532):"ومات هارون بن رئاب الأسدي البصري قبل محمد بن واسع"، وابن واسع كانت وفاته سنة (123)، والله أعلم.
ب - ورواه أبو الأحوص سلام بن سليم [ثقة متقن، من أصحاب أبي إسحاق المكثرين عنه]، وأبو خيثمة زهير بن معاوية [ثقة ثبت، من أصحاب أبي إسحاق المكثرين عنه، لكن سماعه منه بعد التغير]، وأخوه حديج بن معاوية [ليس بالقوي]:
عن أبي إسحاق، عن مخارق، قال: مررت بأبي ذر بالربذة وأنا حاج، فدخلت عليه منزله، فرأيته يصلي يخفف القيام قدر ما يقرأ:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} ، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ، ويكثر الركوع والسجود، فلما قضى صلاته، قلت: يا أبا ذر! رأيتك تخفف القيام وتكثر الركوع والسجود، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسجد لله سجدةً، أو يركع له ركعةً، إِلَّا حط الله عنه بها خطيئته، ورفع له بها درجته".
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 402/ 4628)، وأحمد (5/ 147)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 430)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (287)، والطحاوي (1/ 76)، والبيهقي (3/ 10)، [الإتحاف (14/ 187/ 17656)، المسند المصنف (27/ 248/ 12274)].
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، ومخارق: هو أحد شيوخ أبي إسحاق المجاهيل، ذكره ابن حبان في الثقات وقال:"شيخ"[التاربخ الكبير (7/ 430)، الجرح والتعديل (8/ 352)، الثقات (5/ 444)، التعجيل (1012)].
ج - ورواه إسماعيل بن عبد الله [هو: ابن الحارث البصري: صدوق]، وعلي بن مسهر [كوفي، ثقة]:
عن داود بن أبي هند [بصري، ثقة متقن، من الخامسة]، [زاد إسماعيل: وخالد الحذاء؛ وهو: ابن مهران البصري: ثقة، من الخامسة]، عن أبي عثمان النهدي [عبد الرحمن بن مل: ثقة ثبت، مخضرم، من كبار الطبقة الثانية]، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير [ثقة، من كبار التابعين، من الثانية]، قال: كنت أمشي مع كعب فمررنا برجل يركع ويسجد [ولا يفصل]، لا يدري أعلى شفع هو أم على وتر؟ قال: قلت: لأرشدن هذا، فتخلفت، فقلت: يا عبد الله، أعلى شفع أنت أم على وتر؟ قال: قد كفيت، قلت: من كفاك؟ قال: الكرام الكاتبون، قال: ثم قال: من سجد للّه سجدة كتب اللّه له بها حسنة، ورفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، قال: ثم قلت: من أنت؟ قال: أبو ذر، قال: فقلت: ثكلت مطرفًا أمه، أبي ذر يُعزف السُّنَّة [وفي رواية: يُعلِّم أبا ذر السُّنَّة]، قال: فقال كعب: أين مطرف؟ قال قيل: تخلف يرشد رجلًا رآه لا يدري أعلى شفع هو أم على وتر؟ فقال كعب: من سجد لله سجدة كتب الله له بها حسنة ورفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة. واللفظ لإسماعيل.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 327/ 3562)، وابن أبي شيبة (1/ 402/ 4630)(3/ 518/ 4752 - ط. الشثري)، [المسند المصنف (27/ 249/ 12275)].
وانظر فيمن وهم في إسناده على علي بن مسهر، فأسقط من إسناده أبا عثمان النهدي: ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 291)[والآفة فيه من سويد بن سعيد الحدثاني؛ فإنه: ضعيف].
قلت: خالد الحذاء: اختلف في سماعه من أبي عثمان النهدي، قال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 541/ 3565):"قال أبي: كنا عند سليمان بن حرب، فذكرنا المسح على الخفين، فذكرنا أحاديث، فجعل سليمان بن حرب يقول: ذا لا يحتمل، وذا ما أدري، قلنا: أيش عندك؟ قال: خالد عن أبي عثمان عن عمر قال: يمسح حتى يأوي إلى فراشه، قلنا: خالد لم يسمع من أبي عثمان شيئًا، يقول ذلك بعض الناس، ويروى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يُوقِّت، ويقول: خالد عن أبي عثمان، كأنه لم يرض منه بذلك"[وانظر: تحفة التحصيل (94)].
وقال أبو داود: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: خالد ما أُرى سمع من أبي عثمان كبير شيء، إنما هي أحاديث عاصم"[مسائل أبي داود (2034)].
وقال عبد الله: "قلت ليحيى [يعني: ابن معين]: خالد الحذاء سمع من أبي عثمان النهدي؟ قال: نعم، قد روى عنه، قلت: سمع منه؟ قال: نعم"[موسوعة أقوال أحمد (1/ 335). وانظر: تاريخ ابن معين للدوري (4/ 203/ 3957)].
وأما داود بن أبي هند فقد أخرج له مسلم في صحيحه عن أبي عثمان النهدي حديثين، أحدهما (1925) عن أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا في الطائفة المنصورة، وقد أخرجه الدورقي في مسند سعد (116) بذكر سماع داود من أبي عثمان، قال: حَدَّثَنَا أبو عثمان النهدي، والآخر (2753) عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعًا في الرحمة، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 247)(9/ 362/ 7820 - ط. الميمان) بذكر سماع داود من أبي عثمان.
وعليه: فإن هذا الحديث موقوف بإسناد صحيح، وهو حديث مرفوع قصر به راويه، بدليل قوله فيه: يعلم أبا ذر السُّنَّة، وأن ما احتج به أبو ذر لم يكن من قبل نفسه واجتهاده، وإنما من قبل الوحي، واللّه أعلم.
وقد اختلف في مطرف راوي هذا الحديث؛ فإنه لم ينسب في رواية إسماعيل عند عبد الرزاق، ونسب في رواية علي بن مسهو عند ابن أبي شيبة، فقال: مطرف بن عبد الله بن الشخير، ونسب في رواية حماد بن زيد بخلاف ذلك:
* فقد روى مسدد بن مسرهد [ثقة ثبت]: نا حماد بن زيد [ثقة ثبت]، عن خالد الحذاء، عن أبي عثمان، عن مطرف بن عوف، سمع أبا ذر، قال: من سجد لله سجدة
…
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 397).
وترجم له بقوله: "مطرف بن عوف: روى عنه أبو عثمان النهدي"، ثم ذكر حديثه هذا، وتبعه أبو حاتم، فقال في الجرح والتعديل (8/ 313):"مطرف بن عوف: بصري روى عن أبي ذر، روى خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عنه".
وتبعه على هذه الترجمة أيضًا: ابن حبان في الثقات (5/ 435).
ومطرف بن عوف هذا: لا يُعرف بغير هذا الإسناد، ويبدو لي أن البخاري قد أفرد هذه الترجمة، بسبب هذه الرواية، مع كونه قد ترجم لمطرف بن عبد اللّه بن الشخير قبل هذا بترجمة واحدة، وأورد فيها نفس الحديث لكن من طريق علي بن زيد ابن جدعان الآتي ذكره لاحقًا، وقد عدَّ ابن المديني في علله (297) جماعة من التابعين ممن روى عنهم أبو عثمان النهدي، ومنهم مطرف هذا، فقال:"ومطرف بن عوف عن أبي ذر"، معتدًا برواية حماد بن زيد تلك، ولا أستبعد كون البخاري قد تبع شيخه ابن المديني في شأن مطرف بن عوف هذا، والله أعلم.
والأشبه عندي بالصواب رواية علي بن مسهر عن داود بن أبي هند، والتي سماه فيها ونسبه، فقال: مطرف بن عبد الله بن الشخير، وذلك لأن داود بن أبي هند أحفظ وأتقن من خالد الحذاء، قدمه ابن معين وأبو حاتم على خالد، فضلًا عن كون خالد قد تكلم في سماعه من أبي عثمان، وأنه قد اضطرب في إسناد هذا الحديث، واللّه أعلم.
ويؤيد ذلك: ما رواه المفضل الغلابي، قال:"حدثت يحيى بن معين عن علي بن زيد، عن مطرف، قال: قعدت إلى نفر من قريش فجاء رجل فجعل يصلي، قال: فإذا هو أبو ذر، فقال ابن معين: إنهم يقولون: إنه مطرف بن عوف، ولا معنى لهذا؛ فقد صح سماع مطرف من أبي ذر"؛ يعني: ابن الشخير [تاريخ دمشق (58/ 292)].
* ويزيد ذلك بيانًا: أن خالدًا الحذاء قد اضطرب في إسناد هذا الحديث:
فقد رواه إسماعيل بن عبد الله [صدوق]، عن داود بن أبي هند، وخالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن مطرف [ولم ينسبه]، قال: كنت أمشي مع كعب
…
، فذكره.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 327/ 3562)، وتقدم.
ورواه حماد بن زيد [ثقة ثبت]، عن خالد الحذاء، عن أبي عثمان، عن مطرف بن عوف، سمع أبا ذر، قال: من سجد لله سجدة
…
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 397)، وتقدم.
ورواه عبد الوهاب الثقفي [ثقة]، عن خالد الحذاء، عن أبي تميم المنذري [هكذا بدل أبي عثمان النهدي]، عن مطرف [ولم ينسبه]، قال: أتيت بيت المقدس، فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع والسجود، فلما انصرف قلت: إنك شيخ، وإنك لا تدري على شفع انصرفت أم على وتر؟ فقال: إني قد كفيتُ حفظه، وإني لأرجو أني لا أسجد سجدة إِلَّا رفعني الله بها درجة، أو كتب لي بها حسنة، أو جمع لي كلتيهما. قال عبد الوهاب: الشيخ الذي صلى وقال المقالة أبو ذر.
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 657 - 658/ 738).
ثم رواه البيهقيّ في المعرفة (2/ 322/ 1405) من طريق الشافعي، قال: وأخبرنا الثقفي، عن خالد الحذاء، عن رجل [هكذا مبهمًا، ولو كان أبو تميم المنذري تحرف في النسخ عن أبي عثمان النهدي، لما وقع عند البيهقيّ: عن رجل]، عن مطرف، قال: أتيت بيت المقدس،
…
فذكره.
لذلك فقد رجحتُ رواية داود بن أبي هند، وأعرضت عن رواية الحذاء، حيث إن ابن أبي هند حفظ وضبط ما لم يضبطه الحذاء، والله أعلم.
* وقد رواه عفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل [وهم ثقات أثبات، من أثبت أصحاب حماد]:
قالوا: حَدَّثَنَا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: قعدت إلى نفر من قريش [وفي رواية سليمان: كنت في حلقة بالمدينة]، فجاء رجل فجعل يصلي: يركع ويسجد ثم يقوم، ثم يركع ويسجد لا يقعد، فقلت: والله ما أرى هذا يدري ينصرف على شفع أو وتر، فقالوا: ألا تقوم إليه فتقول له؟ قال: فقمت فقلت: يا عبد الله، ما أراك تدري تنصرف على شفع أو على وتر؛ قال: ولكن اللّه يدري، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول:"من سجد للّه سجدة، كتب الله له بها حسنة، وحط بها عنه خطيئة، ورفع له بها درجة". فقلت: من أنت؟ فقال: أبو ذر، فرجعت إلى أصحابي، فقلت: جزاكم الله من جلساء شرًا، أمرتموني أن أعلم رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 397)، وأحمد (5/ 148)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (286)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 291)، [المسند المصنف (27/ 249/ 12275)].
قلت: علي بن زيد بن جدعان: أحد علماء التابعين، ضعيف؛ وكان كثير الحديث واسع الرواية، فلم يوصف بأنه منكر الحديث، ولا حكموا على مجمل حديثه بالنكارة، وإنما وقعت المناكير في بعض حديثه، ولم يُترك، بل لينه كثير من النقاد بقولهم:"ليس بالقوي"، وهي أخف مراتب الجرح؛ بل هذا قريب من قول أحد المتشددين فيه، وهو أبو حاتم الرازي حيث قال عنه:"ليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إليَّ من يزيد بن أبي زياد، وكان ضريرًا، وكان يتشيع"، وقال الترمذي:"وعلي بن زيد: صدوق؛ إِلَّا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره"، كذلك فلم يمتنع ابن مهدي من الرواية عنه، وقد روى عنه شعبة والسفيانان والحمادان والكبار، وأما ابن حبان فهو مع تعنته في الجرح ومبالغته في الحطِّ على من له جرحة؛ فإنه لم يزد على أن ختم كلامه فيه بقوله:"فاستحق ترك الاحتجاج به"؛ يعني: إذا تفرد، وروى له مسلم مقرونًا بثابت البناني في موضع واحد، وقد صحح له الترمذي جملة من حديثه مما توبع عليه، وقال الذهبي:"وكان من أوعية العلم، على تشيُّعٍ قليل فيه، وسوءُ حفظه يغُضُّه من درجة الإتقان"، وقال أيضًا:
"صالح الحديث"[صحيح مسلم (1789)، جامع الترمذي (109 و 545 و 1146 و 2330 و 2678 و 3148 و 3168 و 3615 و 3902)، الجرح والتعديل (6/ 186)، المجروحين (2/ 103)، الكامل (5/ 195)، الميزان (3/ 127)، السير (5/ 206)، تذكرة الحفاظ (1/ 140)، تاريخ الإسلام (8/ 498)، المغني (2/ 447)، التهذيب (3/ 162)].
وحماد بن سلمة: أثبت الناس في ثابت وعلي بن ريد أعلل ابن أبي حاتم (1211 و 1212 و 2004)].
وهذا الحديث قد توبع عليه ابن جدعان، فهو من صحيح حديثه، واللّه أعلم.
* وروى أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (3/ 20/ 1985)، بإسناد لا بأس به مع غرابته؛ إلى بشار بن إبراهيم: ثنا غيلان [هو: ابن جرير المعولي البصري: ثقة، روايته عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير في الصحيحين]، عن مطرف، قال: دخلت مسجد بيت المقدس فإذا بشيخ يصلي، جعلت أتعجب من صلاته لا يستريح، فلما انصرف قلت: يا شيخ، واللّه ما أراك تدري كم صليت؟ قال: يا بني! اللّهُ تعالى يدري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من سجد لله سجدة كفر له بها ذنبًا، ورفع له بها درجة"، فلما خرج اتبعه الناس، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر رضي الله عنه.
قلت: ولا يثبت هذا عن غيلان بن جرير، حيث تفرد به بشار بن إبراهيم أبو عون النمري، وهو في عداد المجاهيل، يتفرد عن غيلان بما لم يتابع عليه [التاريخ الكبير (2/ 130)، كنى مسلم (2466)، الجرح والتعديل (2/ 416)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 205/ 971)].
د - ورواه جرير بن عبد الحميد [كوفي، ثقة]، عن منصور [وهو: ابن المعتمر، كوفي، ثقة ثبت]، عن سالم بن أبي الجعد [كوفي تابعي، ثقة، من الطبقة الثالثة]، قال: حَدَّثَنَا رجلٌ أتى إلى أبي ذر بالربذة، فقال: أين أبو ذر؟ فقالوا: هو في سفح ذاك الجبل في غنم له، قال: فأتيته، فإذا هو يصلي، فإذا هو يقل القيام ويكثر الركوع والسجود، قال: فلما صلى، قلت: يا أبا ذر رأيتك تصلي تقل القيام وتكثر الركوع والسجود، فقال: إني حُدِّثتُ أنه: ليس من مسلم يسجد للّه سجدةً إِلَّا رفعه اللّه بها درجة، وكفر عنه بها خطيئة.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 222/ 8352).
وهذا إسناد كوفي صحيح؛ لولا إبهام التابعي، والله أعلم.
هـ - ورواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة [حافظ صدوق، له غرائب]، قال: حَدَّثَنِي أبي [ثقة حافظ، له أوهام]، قال: وجدت في كتاب أبي، بخطه [محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم: ثقة]: حَدَّثَنَا مستلم بن سعيد [صدوق]، عن منصور بن زاذان [ثقة ثبت]، عن أبي بشر أهو: الوليد بن مسلم بن شهاب العنبري أبو بشر البصري: ثقة، من الخامسة]، عن أسير بن أحمر؛ أن أبا ذر الغفاري دخل المسجد، فركع وأسرع، فقلت: ما أرى هذا الشيخ يدري ما يصلي، قال: فانصرف، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يقول: "ما من عبد يسجد لله سجدة إِلَّا رفعه الله بها درجة، وكتب له بها حسنة".
أخرجه الطَّبراني في الأوسط (5/ 333/ 5471).
قال الطَّبراني بعد أن روى أحاديث بهذا الإسناد: "لم يرو هذه الأحاديث عن منصور بن زاذان إِلَّا مستلم بن سعيد، تفرد بها: محمد بن أبي شيبة".
قلت: هو حديث غريب، وأسير بن أحمر: لم أقف له على ترجمة.
والحاصل: فإن حديث أبي ذر: حديث صحيح ثابت؛ بمجموع طرقه، والله أعلم.
3 -
حديث أبي فاطمة:
رواه الوليد بن مسلم [ثقة ثبت]، وبقية بن الوليد [صدوق، والإسناد إليه لا يثبت]:
قال الوليد: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مرة؛ أن أبا فاطمة حدثه، قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال:"عليك بالسجود، فإنك لا تسجد للّه سجدةً إِلَّا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً". وقد رواه مرة مطولًا، وقد اقتصرت منه على موضع الشاهد، وسيأتي مطولًا في الرواية الآتية.
أخرجه ابن ماجة (1422)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 218/ 973)، وفي الجهاد (41)، والطبراني في الكبير (22/ 321/ 809)، وفي مسند الشاميين (1/ 126/ 198) و (4/ 352/ 3532)، [التحفة (8/ 521/ 12078)، المسند المصنف (29/ 136/ 13258)].
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات؛ عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: صدوق يخطئ، وتغير بأخرة، وأنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول [انظر: التهذيب (2/ 494)، الميزان (2/ 551)]، لكن هذا الحديث مروي عن كثير بن مرة من وجوه أخرى.
* فقد رواه بكر بن سهل: ثنا عبد اللّه بن يوسف: ثنا الهيثم بن حميد: حَدَّثَنِي زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة؛ أن أبا فاطمة حدثهم، قال: قلت: يا رسول اللّه، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله، قال:"عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها"، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله، قال:"عليك بالجهاد، فإنه لا مثل له"، قال: قلت: يا رسول اللّه، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله، قال:"عليك بالصوم فإنه لا مثل له"، قلت: يا رسول اللّه، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله، قال:"عليك بالسجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إِلَّا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
أخرجه الطَّبراني في الكبير (22/ 322/ 810)، وفي مسند الشاميين (2/ 214/ 1210).
قلت: عبد اللّه بن يوسف هو: التنيسي الكلاعي: ثقة متقن، لكني لا أراه يثبت عنه، ولا عن الهيثم، والحمل فيه على شيخ الطَّبراني: بكر بن سهل الدمياطي، فلا يقبل منه التفرد بمثل هذا، ويعد هذا من أفراده وغرائبه؛ لا سيما وقد خولف في إسناده، فإن بكرًا
قد ضعفه النسائي، ولم يوثقه أحد، وله أوابد، وذكره الحاكم فيمن لم يحتج به في الصحيح ولم يسقط، وقال الخليلي في نسخته التي يرويها من تفسير ابن جريج:"فيه نظر"، وقال الذهبي:"حمله الناس، وهو مقارب الحال"، وحمل عليه العلامة المعلمي اليماني فقال:"ضعفه النسائي، وله زلات تثبت وهنه"، وقال أيضًا:"ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك؛ فإن له أوابد"[الميزان (1/ 346)، اللسان (2/ 344)، المعرفة (255)، الإرشاد (1/ 391 - 392)، الأنساب (2/ 494)، تاريخ دمشق (10/ 379)، السير (13/ 425)، تعليق العلامة المعلمي اليماني على الفوائد المجموعة (135 و 226 و 244 و 467 و 481)].
* فقد رواه: هارون بن محمد بن بكار بن بلال [صدوق]، عن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع [صدوق، مستقيم الحديث، لا بأس به، وقد أنكر عليه حديث واحد، وهو حديث مقتل عثمان، وهو في كتابه عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللّه - أحد الكذابين - عن ابن أبي ذئب، فدلسه عن ابن أبي ذئب وأسقط إسماعيل؛ فتكلموا فيه لأجل هذا، وقد صرح هنا بالسماع. انظر: الميزان (3/ 678)، التهذيب (3/ 669)]، قال: حَدَّثَنَا زيد، عن كثير بن مرة، أن أبا فاطمة حدثهم؛ أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليك بالهجرة، فإنه لا مثل لها"، قال: يا رسول الله، حَدَّثَنِي بعلم أستقيم عليه، وأعمل به، قال:"عليك بالصبر، فإنه لا مثل له"، قال: يا رسول اللّه، حَدَّثَنِي بعلم أستقيم عليه وأعمله، قال:"عليك بالسجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إِلَّا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
أخرجه النسائي في المجتبى (7/ 145/ 4167)، وفي الكبرى (7/ 177/ 7742) و (8/ 62/ 8645)، [التحفة (8/ 521/ 12078)، المسند المصنف (29/ 13258/136)].
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ وفي سنده انقطاع.
كثير بن مرة الحضرمي الرهاوي أبو شجرة الحمصي: تابعي كبير، ثقة، من الطبقة الثانية، سمع معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب:"أدرك كثيرٌ سبعين بدريًا"، وجعله دحيم في طبقة جبير بن نفير وأبي إدريس الخولاني من المخضرمين، وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات من السبعين إلى الثمانين، ووهم من عدَّه في الصحابة [التاريخ الكبير (7/ 208)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (597)، تاريخ دمشق (50/ 53)، السير (4/ 46)، تاريخ الإسلام (5/ 514)، التهذيب (3/ 466)].
وزيد بن واقد: دمشقي، ثقة، توفي سنة (138)، فلم يدرك كثير بن مرة، ويدخل بينه وبين كثير بن مرة: سليمان بن موسى، ومكحولًا، وقد جزم الذهبي في السير (4/ 46) بالإرسال، فقال في ترجمة كثير:"وروى عنه زيد بن واقد مرسلًا".
ولو فرضنا كون رواية الهيثم بن حميد محفوظة بإثبات الواسطة بينهما، وهو: سليمان بن موسى؛ فلا تزول علة الإرسال أيضًا؛ قال أبو مسهر وابن معين: "لم يدرك
سليمان بن موسى كثير بن مرة، ولا عبد الرحمن بن غنم" [الكامل (3/ 264)، تاريخ دمشق (22/ 378 و 385)، تاريخ الإسلام (7/ 374)، التهذيب (3/ 510)، تحفة التحصيل (137)].
وسليمان بن موسى الأشدق الدمشقي: صدوق، من كبار أصحاب مكحول، وفي حديثه بعض الاضطراب، وعنده مناكير، ويدخل مكحولًا بينه وبين كثير بن مرة [التهذيب (2/ 111)].
* وأخرج الطبري في تاريخ الرسل والملوك (11/ 588)، وفي المنتخب من ذيل المذيل (82)، قال: حَدَّثَنِي محمد بن عوف [الطائي الحمصي: ثقة حافظ]، قال: حَدَّثَنِي محمد بن إسماعيل، قال: حَدَّثَنِي أبي، قال: حَدَّثَنِي ضمضم، عن صريح بن عبيد، قال: كان كثير بن مرة يحدث؛ أن أبا فاطمة حدثهم؛ أنه قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللّه! حَدَّثَنِي بعمل أستقيم عليه، فقال:"عليك بالهجرة، فإنه لا مثل لها"، فقلت: يا رسول اللّه! حَدَّثَنِي بعمل أستقيم عليه، قال:"عليك بالصيام، فإنه لا مثل له"، قال: فقلت: حَدَّثَنِي يا رسول اللّه بعمل أستقيم عليه، قال: "عليك بالسجود لله عز وجل، فإنك لن تسجد من سجدة إِلَّا رفعك الله عز وجل يها درجة، وحط عنك بها خطيئة].
وهذا إسناد شامي، وشريح بن عبيد الحضرمي: حمصي تابعي ثقة، أدرك كثير بن مرة، لكني لم أقف له على سماع، وضمضم بن زرعة الحمصي: قال ابن معين: "ثقة"، وقال أبو حاتم:"ضعيف"، وقال صاحب تاريخ الحمصيين:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، ونقل ابن خلفون عن ابن نمير توثيقه [تاريخ دمشق (24/ 415)، إكمال مغلطاي (7/ 40)، التهذيب (2/ 235)]، ورواية إسماعيل عن أهل الشام مستقيمة، لكن الشأن في ابنه، فإن محمد بن إسماعيل بن عياش: تكلموا فيه وفي روايته عن أبيه، فقال أبو حاتم:"لم يسمع من أبيه شيئًا، حملوه على أن يحدث عنه فحدث"، وقال أبو زرعة الرازي:"كان لا يدري أمر الحديث"، وقال أبو داود:"لم يكن بذاك، قد رأيته، ودخلت حمص غير مرة وهو حي، وسألت عمرو بن عثمان عنه فدفعه"[الجرح والتعديل (7/ 190)، علل الحديث (2/ 374)، سؤالات الآجري (1691)، التهذيب (3/ 514)]، وفي الجملة: فهو إسناد لا بأس به في المتابعات، والله أعلم.
* ورواه ابن لهيعة [ضعيف، وعنه: سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وموسى بن داود الضبي، وهما ثقتان]، والليث بن سعد [ثقة ثبت، وعنه: كاتبه أبو صالح عبد الله بن صالح، وابن وهب، وهما ثقتان، وفي الأول كلام يسير]:
عن يزيد بن عمرو المعافري [صدوق]، قال: سمعت أبا عبد الرحمن الحبلي [عبد اللّه بن يزيد المعافري: ثقة، من الثالثة]، يخبر أنه سمع أبا فاطمة الأزدي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يسجد لله سجدةً، إلا رفعه الله بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة".
وفي رواية لهما: قال لي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "يا أبا فاطمة، إن أردت أن تلقاني فأكثر السجود".
أخرجه أحمد (3/ 428)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (292)، والروياني (1534 و 1535)، والدولابي في الكنى (1/ 141/ 285)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 21/ 2422)، والطبراني في الكبير (22/ 323/ 812)، [الإتحاف (14/ 341/ 17800)، المسند المصنف (29/ 135/ 13256)].
وهذا إسناد جيد.
* ورواه ابن لهيعة مرة أخرى [وعنه: عبد الله بن المبارك، وأبو عبد الرحمن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، وقتيبة بن سعيد، والوليد بن مسلم، وأبو زكريا يحيى بن إسحاق السيلحيني، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار، والحسن بن موسى الأشيب، وهم ثقات]، قال: حَدَّثَنِي الحارث بن يزيد الحضرمي [المصري: ثقة]: أخبرني كثير الأعرج [وفي رواية: الصدفي]، قال: كنا بذي الصواري ومعنا أبو فاطمة الأزدي [وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم]، وقد اسودت جبهته وركبتاه من كثرة السجود، فقال لنا ذات يوم: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا فاطمة أكثر من السجود، فإنه ليس من عبد مسلم يسجد لله سجدة، إِلَّا رفعه الله بها درجة".
وفي رواية: سمعت أبا فاطمة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استكثروا من السجود، فإنه ما من عبد يسجد لله سجدة، إِلَّا رفعه الله بها درجة".
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة [وليس في المطبوع؛ لكونه من رواية أبي الطيب الأشناني، وقد أثبته المزي في التحفة (8/ 521/ 12078)]، وأحمد (3/ 428)، وابن المبارك في المسند (69)، وفي الزهد (1296)، وابن سعد في الطبقات (7/ 507)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (255 و 526)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (290 و 291)، والدولابي في الكنى (1/ 141/ 284)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 21/ 2421)، والطبراني في الكبير (22/ 322/ 811)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 6948/2986)، وابن بشران في الأمالي (1628)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1726)، والواحدي في التفسير الوسيط (2/ 442)، [التحفة (8/ 521/ 12078)، الإتحاف (14/ 341/ 17850)، المسند المصنف (29/ 135/ 13257)].
تنبيه: وقع في رواية الوليد بن مسلم [عند الطَّبراني]: كثيرة بن مرة، ولا يثبت عن الوليد، إذ الراوي عنه: سليمان بن أحمد الواسطي، صاحب الوليد بن مسلم، وهو: متروك، متهم، كذبه كير واحد [اللسان (4/ 123)].
قال البخاري في التاريخ الكبير (7/ 206): "كثير الأعرج: سمع أبا فاطمة، قال: "يا أبا فاطمة كثر من السجود"".
وقد فرق بينه وبين كثير بن مرة، ولم يتابعه على ذلك ابن أبي حاتم، ولا ابن حبان،
والصحيح أنهما واحد؛ بل إن ابن أبي حاتم لما ترجم لأبي فاطمة لم يذكر في الرواة عنه سوى كثير بن مرة، فدل ذلك على أنه هو نفسه كثير الأعرج، وهو ظاهر تصرف أبي نعيم في المعرفة، فإنه لما ترجم لأبي فاطمة قال:"روى عنه: كثير بن مرة، وأبو عبد الرحمن الحبلي"، ثم روى حديث الحارث بن يزيد هذا عن كثير الأعرج به، فدل على أن كثيرًا الأعرج عنده هو نفسه كثير بن مرة، واستشهد برواية: ابن ثوبان، عن مكحول، عن كثير بن مرة، واللّه أعلم.
قال المزي في تهذيب الكمال (24/ 148): "وهذا الحديث لم نجده إِلَّا في رواية أبي الطيب ابن الأشناني وحده عن أبي داود، ولم يقع لنا عنه مسموعًا، وقد اختلف في نسب كثير هذا، فزعم أبو سعيد ابن يونس أنه: كثير بن قليب بن موهب الصدفي الأعرج، وروى له هذا الحديث في ترجمته من رواية سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة، ونسبه ابن أبي مريم في روايته كما نسبه الحسن بن موسى سواء. وذكره أبو نصر ابن ماكولا في باب قليب بالقاف والباء، وقال فيه نحو ما قال ابن يونس.
ورواه الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الحضرمي، عن كثير بن مرة. وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي - صاحب تاريخ الحمصيين -: كثير بن مرة الحضرمي، قال: وهو الصدفي، وهو الأعرج.
وذكره أبو سعيد ابن يونس في كتاب الغرباء الذين قدموا مصر، وذكر أن جماعة من أهل مصر رووا عنه كما يأتي في ترجمته.
والحديث محفوظ من رواية كثير بن مرة عن أبي فاطمة، رواه عنه مكحول وسلبمان بن موسى وكيرهما، وقد أخرجه النسائي وابن ماجة من رواية كثير بن مرة.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: ذكر أبو سعيد ابن يونس في تأريخ المصريين أن كثيرًا الأعرج هو: ابن قليب بن موهب، وذكر أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي صاحب تاريخ الحمصيين أن كثير بن مرة الحضرمي صدفي أعرج، فعلى قول الحمصيين أن كثير بن مرة الحضرمي صدفي أعرج، فعلى قوله أنهما واحد، وابن لهيعة لم ينسب كثيرًا الأعرج، فيحتمل أن ابن يونس أخطأ في تسمية أبيه قليب بن موهب، والله أعلم".
قلت: تبع ابن يونس على قوله هذا: الدارقطني؛ حيث قال في المؤتلف (4/ 1857): "قُلَيب الأعرج: يروي عن أبي فاطمة وعقبة بن عامر، روى عنه الحارث بن يزيد، هو كثير بن قليب بن وهب الصدفي: تابعي، شهد فتح مصر".
وقال ابن ماكولا في الإكمال (7/ 55): "كثير بن قليب بن موهب الصدفي الأعرج، يروي عن أبي فاطمة وعقبة بن عامر، روى عنه الحارث بن يزيد تابعي شهد فتح مصر"، تبع ابن يونس والدارقطني، والقول كما قال صاحب تاريخ الحمصيين وابن عساكر والمزي، وعليه يدل تصرف ابن أبي حاتم وأبي نعيم في معرفة الصحابة؛ أن هذا الحديث
إنما يرويه كثير بن مرة عن أبي فاطمة، وهو نفسه كثير الأعرج الصدفي، واللّه أعلم.
وعليه: فإن هذا الإسناد إسناد لا بأس به في المتابعات، وتفرد ابن لهيعة به لا يضر، فابن لهيعة مكثر، يعتبر بحديثه، لا سيما عن أهل بلده، وقد رواه عنه ثلاثة ممن كان يتحرى في الأخذ عنه؛ من كتاب وصحة سماع ونحوه، مثل: ابن المبارك وأبي عبد الرحمن المقرئ وقتيبة بن سعيد [انظر: التهذيب (2/ 412)].
والحاصل: فإن حديث أبي فاطمة بمجموع طرقه: حديث صحيح ثابت، والله أعلم.
4 -
حديث عبادة بن الصامت:
يرويه الوليد بن مسلم [ثقة ثبت]، عن خالد بن يزيد بن صبيح [المري][دمشقي، ثقة]، عن يونس بن ميسرة بن حلبس [ثقة، من الثالثة]، عن [أبي عبد الله، الصنابحي، عن عبادة بن الصامت؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"ما من عبد يسجد لله سجدة إِلَّا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، فاستكثروا من السجود".
أخرجه ابن ماجة (1424)، والطبراني في الكبير (3/ 504/ 5768 - جامع المسانيد)، وفي الأوسط (1/ 266/ 867)، وفي مسند الشاميين (3/ 266/ 2226)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 135)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (16/ 290)، والضياء في المختارة (8/ 322/ 388 و 389)، [المسند المصنف (10/ 474/ 5022)].
* هكذا رواه عن الوليد بن مسلم: دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم، وسعيد بن سليمان الضبي الواسطي، والعباس بن عثمان الدمشقي، وصفوان بن صالح، وهم ثقات، وقد صرح بالسماع من شيخه في رواية صفوان بن صالح عند أبي نعيم.
* تنبيه: وقع في رواية دحيم عند الطَّبراني في مسند الشاميين زيادة في الإسناد وهي وهم محض؛ حيث زيد فيه: عن أبي إدريس، بين ابن حلبس والصنابحي، وهي غلط من النساخ، والله أعلم [راجع: تاريخ دمشق (16/ 290)، المختارة (388)، جامع المسانيد (5768)].
* ورواه هشام بن خالد [ثقة]: ثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك [دمشقي، ضعيف]، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن الصنابحي، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسجد لله سجدة إِلَّا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة".
أخرجه الطَّبراني في الكبير (8/ 321/ 387 - المختارة)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (8/ 321/ 387).
قال الطَّبراني في الأوسط: "لا يُروى هذا الحديث عن عبادة إِلَّا بهذا الإسناد، تفرد به خالد"؛ يعني: المري.
قلت: العجب أن الطَّبراني نفسه قد رواه بإسناد صحيح إلى خالد بن يزيد بن أبي مالك؛ يعني: أنه لم يتفرد به خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المر؛ بل تابعه ابن أبى مالك، واللّه أعلم.
* ورواه عبد الأعلى بن مسهر [ثقة ثبت]: حَدَّثَنِي خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري: حَدَّثَنِي يونس بن ميسرة بن حلبس، قال: التقى عبادة بن الصامت والصنابحي بالليل في أرض الروم، فعرف أحدهما صاحبه بصوته، فقال الصنابحي: يا أبا الوليد! قال: لبيك يا عبد اللّه، قال: كيف سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول في السجود؟ قال: سمعته يقول: "ما من عبد يسجد لله سجدة إِلَّا رفعه الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة".
أخرجه الضياء في المختارة (8/ 322/ 390)، بإسناد صحيح إلى أبي مسهر، فيه ثلاثة من المصنفين في نسق واحد، فلعله أخرجه من طريق أحدهم فيما لم يصل إلينا من مصنفاتهم.
قلت: وهذه الرواية لا تعارض رواية الوليد بن مسلم، بإرسالها؛ بقدر ما تبين الاتصال بين الصنابحي وعبادة بن الصامت في هذا الحديث، بينما بينت رواية الوليد بن مسلم أن ابن حلبس يرويه عن الصنابحي رواية، ولا يحكيه حكاية، فهو محمول على الاتصال، واللّه أعلم.
* ورواه إبراهيم بن هانئ [أبو إسحاق النيسابوري: ثقة حافظ إمام. الجرح والتعديل (2/ 144)، تاريخ بغداد (6/ 204)، السير 17/ 131)]، قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف التنيسي [ثقة متقن]، قال: أخبرنا خالد بن يزيد [هو: المري]، عن ابن حلبس، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من عبد يسجد لله سجدة إِلَّا رفعه الله بها درجة، وكتب له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، فأكثروا من السجود".
أخرجه البزار (7/ 150/ 2705).
قلت: الحكم هنا للزائد، والوليد بن مسلم: ثقة حافظ، يعتمد على حفظه، وتقصير من قصر في إسناده لا يضر رواية من زاد في إسناده، لا سيما والوليد بلدي لشيخه، مكثر عنه، سمع منه قديمًا، وهو أكبر من أبي مسهر والتنيسي، تقدمت وفاته عليهما بما يزيد على عشرين سنة.
وأبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي: تابعي كبير، مخضرم، هاجر إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من اليمن، فلما قدم الجحفة أتاه الخبر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم دفن قبل خمس ليال، وصلى خلف أبي بكر الصديق، وسمعه وروى عنه، وعن معاذ، وعبادة بن الصامت، وبلال، ومعاوية، وأرسل عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، روى عنه جماعة منهم: عطاء بن يسار، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وقيس بن الحارث، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعبد الله بن محيريز، ويونس بن ميسرة بن حلبس؛ وأثنى عليه عبادة بن الصامت [انظر: فضل الرحيم الودود (5/ 156/ 418)].
وعليه: فالأقرب عندي: أنه حديث صحيح، لا سيما مع صحة شواهده، والله أعلم.
5 -
حديث أبي أُمامة.
يرويه جرير بن حازم، وواصل مولى أبي عيينة، ومهدي بن ميمون، وهشام بن حسان
[وهم ثقات][رواه هشام مرة عن ابن أبي يعقوب بلا واسطة، ورواه أيضًا بواسطة واصل ومهدي]:
عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب [ثقة، من السادسة]، قال: حَدَّثَنِي رجاء بن حيوة [ثقة، من الثالثة]، عن أبي أُمامة [وفي رواية: حَدَّثَنَا أبو أُمامة الباهلي]، قال: أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: مرني بامر أنتفع به، قال:"اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إِلَّا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
وقد رواه بعضهم مطولًا، قال: أنشأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غزوةً فاتيته، فقلت: يا رسول اللّه ادع اللّه لي بالشهادة، فقال:"اللَّهُمَّ سلمهم، وغنمهم"، قال: فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ غزوةً فأتيته، فقلت: يا رسول اللّه ادع الله لي بالشهادة، فقال:"اللَّهُمَّ سلمهم، وغنمهم"، قال: فسلمنا، وغنمنا، ثم أنشأ غزوة ثالثة، فقلت: يا رسول اللّه إني أتيتك مرتين قبل مرتي هذه، فسألتك أن تدعو اللّه لي بالشهادة، فدعوت اللّه أن يسلمنا ويغنمنا، فسلمنا وغنمنا، يا رسول اللّه فادع اللّه لي بالشهادة، فقال:"اللَّهُمَّ سلمهم، وغنمهم"، قال: فسلمنا وغنمنا، قال: ثم أتيته فقلت: يا رسول الله مرني بعمل لعلي أنتفع به، فقال:"عليك بالصوم فإنه لا مثل له"، قال: فما رئي أبو أُمامة ولا امرأته ولا خادمه إِلَّا صيامًا، قال: فكان إذا رئي في داره الدخان بالنهار قيل: اعتراهم ضيف، نزل بهم نازل، قال: فلبثت بذلك ما شاء الله، ثم أتيته، فقلت: يا رسول اللّه! أمرتنا بالصيام وأرجو أن يكون اللّه قد بارك لنا فيه، يا رسول الله! مرني بعمل آخر، فقال:"اعلم أنك لن تسجد لله سجدة إِلَّا رفع الله لك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
أخرجه مطولًا أو بطرف منه: النسائي في المجتبى (4/ 165/ 2220 و 2221)، وفي الكبرى (3/ 134/ 2541 - 2542)، وابن حبان (8/ 212/ 3425)، وأحمد (5/ 248 - 249 و 249 و 255 و 258)، وعبد اللّه بن أحمد في زيادات المسند (5/ 249)(10/ 5203/ 22571 - ط. المكنز)، وعبد الرزاق (4/ 308/ 7899)(4/ 119/ 8041 - ط. التأصيل)، وابن أبي شيبة (2/ 273/ 8895)، والحارث بن أبي أسامة (345 و 346 - بغية الباحث)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (301 و 302)، والروياني (1176)، والطبراني في الكبير (8/ 91/ 7463 و 7464) و (8/ 92/ 7465)، وفي مسند الشاميين (3/ 213/ 2111)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 174 و 175) و (6/ 277)، والبيهقي في السنن (4/ 301)، وفي الشعب (6/ 395/ 3610)، وفي الدلائل (6/ 234)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 61 و 62)، [التحفة (4/ 13/ 4861)، الإتحاف (6/ 215/ 6363)، المسند المصنف (26/ 70/ 11664)].
صحح إسناده ابن حجر في الفتح (4/ 104).
* وخالفهم شعبة بن الحجاج:
فرواه عبد الصمد بن عبد الوارث [ثبت في شعبة]، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي
[صدوق]، ويحيى بن كثير بن درهم أبو غسان العنبري البصري [صالح الحديث، وله عن شعبة غرائب. التهذيب (4/ 382)]، وعمر بن سهل المازني [صدوق، وهم على شعبة في إسناد. الميزان (3/ 203)، التهذيب (3/ 231)]:
عن شعبة: حَدَّثَنَا محمد بن أبي يعقوب الضبي، قال: سمعت أبا نصر الهلالي [وصرح باسمه المازني في روايته، فقال: عن أبي نصر حميد بن هلال]، يحدث عن رجاء بن حيوة، عن أبي أُمامة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بعمل يدخلني الجنة، قال:"عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له"، ثم أتيته الثانية، فقال لي:"عليك بالصيام"[وفي رواية قال في الثانية: قلت: يا رسول اللّه مرني بعمل، قال: "عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له"].
أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 165/ 2222 و 2223)، وفي الكبرى (3/ 134/ 2543 - 2544)، وابن خزيمة (3/ 194/ 1893)، وابن حبان (8/ 213/ 3426)، والحاكم (1/ 421)، وأحمد (5/ 249)، والروباني (1175)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 175) و (7/ 165)، وأبو محمد الخلال في المجالس العشرة (1)، والبيهقي في الشعب (6/ 170/ 3315)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 348/ 1750)، [التحفة (4/ 13/ 4861)، الإتحاف (6/ 215/ 6363) و (6/ 216/ 6364)، المسند المصنف (26/ 69/ 11664)].
قال ابن خزيمة: "محمد بن أبي يعقوب هذا، هو الذي قال فيه شعبة: سيد بني تميم".
* خالفهم: أبو داود سليمان بن داود الطيالسي، قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن محمد بن أبي يعقوب، سمع أبا نصر، عن أبي أُمامة، قال: قلت: يا رسول اللّه! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال:"عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له"، أو قال:"لا مثل له".
أخرجه أحمد (5/ 264)(10/ 5235/ 22707 - ط. المكنز)، [الإتحاف (6/ 276/ 6526)، المسند المصنف (26/ 69 / 11664)].
قلت: ورواية الجماعة عن شعبة هي الصواب، لا سيما وهي الموافقة لرواية الجماعة عن ابن أبي يعقوب، قصر به الطيالسي.
قلت: ظاهر صنيع النسائي إعلال حديث الجماعة بحديث شعبة بإثبات الواسطة.
لكن قال ابن حبان: "أبو نصر هذا هو: حميد بن هلال، ولست أنكر أن يكون محمد بن أبي يعقوب سمع هذا الخبر بطوله عن رجاء بن حيوة، وسمع بعضه عن حميد بن هلال، فالطريقان جميعًا محفوظان".
وقال أبو نعيم: "وأبو نصر يشبه أن يكون يحيى بن أبي كثير؛ لأنه قد روى عن رجاء بن حيوة، ويحتمل أن يكون علي بن أبي حملة، فإنه يكنى أبا نصر".
وقال في موضع آخر: "أبو نصر هو: حميد بن هلال"، فأصاب.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ومحمد بن أبي يعقوب هذا الذي كان شعبة إذا حدث عنه يقول: حدئني سيد بني تميم، وأبو نصر الهلالي هوت حميد بن هلال العدوي، ولا أعلم له راويًا عن شعبة غير عبد الصمد، وهو ثقة مأمون".
* قلت: الأقرب عندي أن أبا نصر هذا هو حميد بن هلال العدوي البصري أوهوت ثقة، من الثالثة]؛ فإنه من نفس الطبقة، وقد صرح باسمه أحد رواته عن شعبة، وقال بذلك ثلاثة من الحفاظ النقاد: ابن حبان والحاكم وأبو نعيم الأصبهاني مرة، وحميد بن هلال قد نسبه هلاليًا: ابن حبان في الثقات (4/ 147)، وتبعه على ذلك جماعة، كما أن البخاري لما ترجم لحميد بن هلال في تاريخه الكبير (2/ 346)، قال:"حميد بن هلال العدوي البصري أبو نصر: سمع أنسًا وأبا قتادة العدوي وأبا الدهماء، روى عنه أيوب وابن عون، وقال شعبة: الهلالي"، فيحتمل أن يكون البخاري قد اعتمد رواية شعبة التي بين أيدينا، أو التي سيأتي ذكرها بعد قليل، حيث نسبه شعبة هلاليًا وكناه أبا نصر، فدل ذلك على حصول المقصود، وهو أن أبا نصر المذكور في هذا الإسناد هو: حميد بن هلال العدوي الهلالي البصري، فهو ثقة مشهور، وليس نكرة لا يُدرى من هو، كما قال بعضهم، والله أعلم.
ثم وجدت قرينة ترجح صحة ما ذهبت إليه:
فقد ترجم الخطيب في الموضح (2/ 25) لحميد بن هلال، وروى له حديثًا من طريق أيوب عن حميد بن هلال عن أبي الأحوص عن عبد الله، ثم قال الخطيب:"وهو: أبو نصر الهلالي الذي روى عنه عمرو بن مرة"، ثم روى له حديثًا من طريق: أبي داود الطيالسي، قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا نصر الهلالي، عن أبي برزة الأسلمي، قال: أتيت على أبي بكر رضي الله عنه . . . فذكر حديثًا، ثم قال الخطيب:"رواه غندر عن شعبة عن عمرو عن حميد بن هلال عن أبي برزة"، فدلت هذه القرينة على أن أبا نصر الهلالي في هذه الطبقة هو: حميد بن هلال العدوي الهلالي البصري الثقة المشهور، واللّه أعلم [وانظر لمزيد بيان: ما أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 146)، والروياني (141)، والطبراني في الكبير (18/ 229/ 572)، والجوزقاني في الأباطيل (229)].
وقول ابن حبان أقرب إلى الصواب من وجهين:
الأول: أن محمد بن عبد اللّه بن أبي يعقوب قد صرح بسماعه لهذا الحديث من رجاء بن حيوة، فيحتمل أن يكون سمعه أولًا من أبي نصر حميد بن هلال، ثم لقي رجاء فاستثبته منه.
والثاني: أن ابن أبي يعقوب سمع الحديث بطرف الصوم فقط بواسطة أبي نصر عن رجاء، ثم لقي رجاء فسمع منه الحديث بطوله، ثم حدث بعدُ بالوجهين، واللّه أعلم.
فهو حديث صحيح، بكلا الإسنادين، مطولًا ومختصرًا، واللّه أعلم.
6 -
حديث ابن عمر:
رواه عيسى بن يونس [كوفي، نزل الشام، ثقة مأمون]: ثنا ثور بن يزيد [حمصي، ثقة
ثبت]، عن أبي المنيب [الجرشي]، قال: رأى ابن عمر فتى قد أطال الصلاة وأطنب أفيها]، فقال: أيكم يعرف هذا؟ فقال رجل: أنا أعرفه، فقال: أما إني لو عرفته لأمرته بكثرة الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن العبد إذا قام إلى الصلاة أُتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه".
أخرجه ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (293)، وفي قيام الليل (130 - مختصره)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 279/ 486)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 100).
قال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي المنب وثور، لم نكتبه إِلَّا من حديث عيسى بن يونس".
قلت: أبو المنيب الجرشي: دمشقي، ثقة، من الطبقة الرابعة، لم يُذكر له سماع من ابن عمر [الكنى للبخاري (70)، الجرح والتعديل (9/ 440)، الثقات (5/ 564)، التمهيد (11/ 76)، تاريخ دمشق (67/ 257)، التهذيب (4/ 594)]، وروايته هذه ظاهرها الإرسال، مع ثقة الرجال، وغرابة الإسناد.
* ورواه عبد الله بن وهب [ثقة]، وأبو صالح عبد الله بن صالح [كاتب الليث: صدوق، وكانت فيه غفلة]:
ثنا معاوية بن صالح، عن أبي وهب العلاء بن الحارث، عن زيد بن أرطاة، عن جبير بن نفير؛ أن عبد اللّه بن عمر رأى فتى وهو قائم يصلي، قد أطال صلاته وأطنب فيها، فقال: من يعرف هذا؟ فقال رجل: أنا، فقال عبد الله بن عمر: لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه".
أخرجه ابن حبان (5/ 26 / 1734)، والضياء في المختارة (13/ 152/ 245 و 246)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (294)، والطحاوي (1/ 477)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 155/ 1981)، والبيهقي في السنن (3/ 10)، وفي الشعب (5/ 432/ 2877)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 150/ 656)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 253)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 111)، [الإتحاف (8/ 290/ 9397) و (9/ 442/ 11637)، المسند المصنف (14/ 83/ 6757)].
قال ابن حجر: "هذا حديث حسن، رواته كلهم ثقات".
قلت: جبير بن نفير الحمصي: ثقة جليل، مخضرم، من كبار التابعين، ولا يُعرف له سماع من ابن عمر، مع تحقق الإدراك والمعاصرة [التاريخ الكبير (2/ 223)، الجرح والتعديل (2/ 512)، الثقات (4/ 111)، التهذيب (1/ 292)]؛ بل ليس له في الكتب الستة عن ابن عمر سوى حديث: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" أجامع الترمذي (3537)، سنن ابن ماجة (4253)، التحفة (5/ 54/ 6674)]، ولا له عنه في الكتب المسندة كثير رواية، وظاهر هذه الرواية الأرسأل، فإنما يحكيه عن ابن عمر حكاية، ولا يرويه، واللّه أعلم.
وزيد بن أرطاة الفزاري الدمشقي: ثقة، سمع جبير بن نفير، والعلاء بن الحارث الحضرمي الدمشقي: ثقة فقيه.
ومعاوية بن صالح الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، ولأجل ذلك تكلم فيه من تكلم، والأكثر على توثيقه، وقد أكثر عنه مسلم، لكن أكثره في المتابعات والشواهد [راجع: فضل الرحيم الودود (7/ 358/ 666)]، وهذا من أفراده.
قلت: فكلا الطريقين عن ابن عمر مرسل، لم يروه عن ابن عمر سوى أهل الشام، ولم يتابعهم عليه أحد من أهل المدينة، ولا من أصحاب ابن عمر على كثرتهم، فقد روى عن ابن عمر خلائق من أهل الحجاز وأهل العراق وغيرهم، فهو حديث غريب من حديث ابن عمر، واللّه أعلم.
* وفي الباب أيضًا أحاديث أخرى، رويت عن ابن عمر، وجابر بن سمرة، وأنس بن مالك، وسلمان الفارسي، وغيرهم، ولا تخلو أسانيدها من مقال، كإرسال، أو علة خفية، أو نكارة، وأما حديث ابن عمر، وجابر بن سمرة؛ فهما حديثان منكران: انظر ما أخرجه ابن المبارك في الزهد (1287)، والبزار (6/ 476/ 2508)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (319)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 596/ 1176)، والطبراني في الكبير (2/ 245/ 2029) و (6/ 250/ 6125)، وفي الأوسط (3/ 63/ 2488)، وفي الصغير (1153)، وفي مسند الشاميين (1/ 418/ 736)، وأبو طاهر المخلص في الثاني عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (60)(2813 - المخلصيات)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 314)، وابن عدي في الكامل (7/ 47)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (37 - 39)، والبيهقي في الشعب (5/ 430/ 2875)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 313)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (3/ 19/ 1984)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 109). وانظر: علل ابن أبي حاتم (342).
* فائدة: اختلف أيهما أفضل طول القيام، أم كثرة الركوع والسجود؟
والجواب قد وقع فيما أجاب به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"[أخرجه مسلم (756)]، بل وهو ظاهر حاله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل، اختار طول القيام على كثرة الركوع والسجود.
قال ابن نصر في قيام الليل (130 - مختصره): "وعن الحجاج بن حسان: سألت أبا مجلز رحمه الله: أيما أحب إليك، طول القيام أو الركوع والسجود؟ قال: طول القيام، وقال شريك: كان يقال: طول القنوت بالليل وكثرة الركوع والسجود بالنهار، وهو قول يحيى بن آدم، وفي الأخبار المروية في صفة صلاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالليل دليل على اختياره طول القيام وتطويل الركوع والسجود، وذلك أن أكثر ما صح عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة بالوتر، وقد صلى إحدى عشرة، وتسع ركعات، وسبع ركعات يطول فيها القراءة
والركوع والسجود جميعًا، وذلك دليل على تفضيل التطويل على كثرة الركوع والسجود".
وقال الترمذي: "حديث ثوبان وأبي الدرداء في كثرة الركوع والسجود: حديث حسن صحيح.
وقد اختلف أهل العلم في هذا:
فقال بعضهم: طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود.
وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل هن طول القيام.
وقال أحمد بن حنبل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان، ولم يقض فيه بشيء.
وقال إسحاق: أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل فطول القيام، إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إلي؛ لأنه ياتي على جزئه، وقد ربح كثرة الركوع والسجود.
وإنما قال إسحاق هذا لأنه كذا وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، ووصف طول القيام، وأما بالنهار فلم يوصف من صلاته من طول القيام ما وصف بالليل".
* * *
1321 قال أبو داود: حدثنا أبو كامل: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، في هذه الآية:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} [السجدة: 16]، قال: كانوا يتيقَّظُون ما بين المغرب والعشاء يصلُّون، وكان الحسن يقول: قيام الليل.
* حديث صحيح
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 19)، [التحفة (1/ 549/ 1212)، المسند المصنف (2/ 58/ 593)].
هكذا رواه عن يزيد بن زربع: أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين، وهو: بصري، ثقة متقن.
• خالفه فأرسله: بشر بن معاذ العقدي [وهو: بصري، صالح الحديث، صدوق]، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ، قال: كانوا يتنفلون ما بين صلاة المغرب وصلاة العشاء.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 239 / 28228).
قلت: أخاف أن يكون هذا الوجه وهم من النساخ بإسقاط أنس من الإسناد، بدليل قوله في الرواية: كانوا يتنفلون ما بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، وهذه الجملة الأليق أنها من قول أنس يصف بها حال الصحابة؛ وإلا فإن أبا كامل الجحدري أثبت من بشر بن معاذ، وزيادته في الإسناد مقبولة، والله أعلم.
ويزيد بن زريع: ثقة ثبت، سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أثبت الناس فيه [الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح العلل (2/ 743)]؛ فهو إسناد بصري صحيح.
• وأما قول الحسن:
فرواه بشر بن معاذ العقدي، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ، قال: قيام الليل.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 239 / 28232).
وهذا مقطوع على الحسن قوله، بإسناد بصري صحيح.
• وروى يزيد بن زريع أيضًا [وعنه: بشر بن معاذ العقدي]، وابن أبي عدي [بصري ثقة، ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، واستشهد الشيخان بروايته عن ابن أبي عروبة]، ومهران بن أبي عمر العطار الرازي [لا بأس به، والراوي عنه: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير]:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، في قوله:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} [الذاريات: 17]، قال: قيام الليل.
وقال في رواية يزيد: كان الحسن يقول: لا ينامون منه إلا قليلًا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (11/ 453 / 32115 و 32120 و 32123].
وهذا مقطوع على الحسن قوله، بإسناد بصري صحيح، والقولان محفوظان عنه.
• وقد رواه محمد بن جعفر، وعبد الله بن المبارك، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي [وهم ثقات حفاظ]:
قالوا: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} ، قال: قال الحسن: كابدوا قيام الليل.
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1209)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (443)، وابن جرير الطبري في تفسيره (11/ 453/ 32114).
وهذا مقطوع على الحسن قوله، بإسناد بصري صحيح.
• وقد روي عن الحسن من وجوه أخرى كثيرة، تركت ذكرها اختصارًا.
* * *
1322 -
. . . يحيى بن سعيد، وابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، في قوله عز وجل:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} [الذاريات: 17]، قال: كانوا يصلون فيما بينهما، بين المغرب والعشاء.
زاد في حديث يحيى: وكذلك: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16].
* حديث صحيح
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 238 /28222 و 28223) و (11/ 452/ 32101)، والبيهقي (3/ 19)، [التحفة (1/ 549/ 1213)، المسند المصنف (2/ 58/ 593)].
رواه عن يحيى بن سعيد القطان، وابن أبي عدي: محمد بن المثنى، وبندار محمد بن بشار [وهم جميعًا ثقات أثبات، ويحيى بن سعيد القطان: ثقة متقن حافظ إمام، من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، وسماعه منه قديم قبل الاختلاط. الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح علل الترمذي (2/ 743)].
وفي رواية ابن المثنى عن ابن أبي عدي [عند ابن جرير]: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} بدل: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} .
وهذا إسناد بصري صحيح.
وهو محفوظ عن أنس أنه قال ذلك في الآيتين جميعًا، بدليل أن يحيى القطان رواه عن ابن أبي عروبة في الآيتين، والله أعلم.
• ورواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة؛ إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أروى الناس عنه، روى له الشيخان من روايته عن ابن أبي عروبة]، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [ثقة، ممن روى عن ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]:
قال الخفاف: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أنه قال في هذه الآية:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} ، قال: كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون ما بينهما. وقال عبد الأعلى: ما بين المغرب والعشاء لا ينامون، وقال الأنصاري: يصلون بين المغرب والعشاء.
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (305)، وابن جرير الطبري في تفسيره (11/ 452/ 32102)، والحاكم (2/ 467)(5/ 30/ 3779 - ط. الميمان)، والبيهقي (3/ 19)، [الإتحاف (2/ 264/ 11681)].
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: هو حديث صحيح.
• ورواه محمد بن بشر العبدي [ثقة ثبت، سماعه من ابن أبي عروبة: صحيح جيد. انظر: شرح علل الترمذي (2/ 743)، وفيه:"قال أحمد: سماع محمد بن بشر وعبدة منه جيد". التقييد والإيضاح (429)، وفيه: "قال أبو عبيد الآجري: سالت أبا داود عن سماع
محمد بن بشر من سعيد بن أبي عروبة؟ فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة"]، وحفص بن غياث [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بالكوفة حين قدمها قبل الطاعون، فسماعه صحيح. التعديل والتجريح (3/ 1086)]، ومحمد بن عبد الله الأنصاري:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ، قال: كانوا يتطوعون فيما بين المغرب والعشاء. لفظ محمد بن بشر.
وقال حفص: ما بين المغرب والعشاء.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 15/ 5930)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (490)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 238 /28224) و (10/ 239/ 28226)، والآجري في قيام الليل والتهجد (45)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 330 - 331)، والبيهقي في الشعب (5/ 403/ 2843)، والواحدي في أسباب النزول (342)، [المسند المصنف (2/ 58/ 593)].
وهو حديث صحيح.
• ولقتادة في تفسير هاتين الآيتين أسانيد أخرى تركتها اختصارًا، وقتادة واسع الرواية في التفسير والحديث، فليس هو من باب الاختلاف عليه، أخرجها: ابن أبي شيبة (2/ 47/ 6301) و (7/ 179/ 35127)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (304 و 443)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 239 /28232) و (11/ 452/ 32103 - 32105 و 32111) و (11/ 453/ 32118 و 32119) و (11/ 454/ 32126).
• وله أسانيد أخرى عن أنس، منها:
أ - ما رواه عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي [مدني، ثقة]، عن سليمان بن بلال [مدني، ثقة]، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك؛ أن هذه الآية:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة.
أخرجه الترمذي في الجامع (3196)، وفي العلل (657)، وابن جرير الطبري في تمبمميره (10/ 239/ 28231)، [التحفة (1/ 710/ 1662)، المسند المصنف (1/ 564/ 402)].
قال الترمذي في الجامع: "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
وقال في العلل: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عنه، فعرفه من حديث عبد العزيز".
قلت: يحيى بن سعيد الأنصاري: مدني، ثقة ثبت، سمع أنسًا، وحديثه عنه في الصحيحين [انظر: التحفة (1656 - 1660)]، والإسناد إليه مدني رجاله ثقات؛ لكن تفرد به عن أهل المدينة: عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني الكوفي، قال فيه أبو حاتم:"كوفي، صدوق"، وقال ابن أبي حاتم:"ثقة"، وروى عنه: أبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود والترمذي وابن خزيمة.
فهو حديث غريب؛ لتفرد هذا الكوفي به عن أهل المدينة.
ب - وروى جماعة، عن الحارث بن وجيه الراسبي، قال: ثنا مالك بن دينار، عن أنس بن مالك؛ أن هذه الآية نزلت في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} .
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 238 / 28225)، وابن عدي في الكامل (2/ 192)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 330).
قال ابن عدي: "وهذان الحديثان بأسانيدهما عن مالك بن دينار، لا يحدث [بهما] عن مالك غير الحارث بن وجيه، وللحارث بن وجيه غير ما ذكرت من الروايات شيء يسير، ولا أعلم له رواية إلا عن مالك بن دينار".
قلت: وهذا حديث منكر، تفرد به الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، والحارث بن وجيه هذا: ضعيف، قليل الحديث، ما له شيخ سوى مالك بن دينار، وقد خولف في إسناده، فقد ثبت مقطوعًا من قول سالم بن عبد الله بن عمر.
قال أبو زرعة في العلل (514): "هذا يروى: مالك بن دينار عن سالم".
قلت: وهو كما قال؛ فقد رواه أبو جفص الصيرفي [عمرو بن علي الفلاس: ثقة حافظ، إمام]: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد [العمي البصري: ثقة حافظ]: حدثنا مالك بن دينار: سالمت سالم بن عبد الله، عن النوم قبل العشاء؛ فانتهرني، وقال:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} ، قال: ما بين المغرب والعشاء يصلون.
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (306).
والمعروف في هذا عن أنس؛ أنه فسر الآية بحكاية حال الصحابة رضي الله عنه، وما كان يراه منهم، وهو أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء، ولا يثبت عنه القول بنزول الآية في الصلاة ما بين المغرب والعشاء، والله أعلم.
• وقد روي عن أنس من وجوه أخرى ظاهرة الضعف؛ منها: ما أخرجه البخاري في التاربخ الكبير (2/ 344)، وعبد الرزاق (1/ 563/ 2138)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 239/ 28227)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 331).
• وقد روي معناه عن أنس مرفوعًا من وجه آخر:
رواه منصور بن سقير: أنبا عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس، في قوله:{نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6]، قال: ما بين المغرب والعشاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين المغرب والعشاء.
أخرجه ابن نصر في قيام الليل (86 - مختصره)، والبيهقي (3/ 20).
وهذا رفعه منكر؛ منصور بن سقير: ضعيف، وهذا من أوهامه.
• فقد خالفه فأوقفه من فعل أنس:
عبد الله بن المبارك [ثقة حجة، حافظ إمام]، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي [ثقة]:
فروياه عن عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس؛ أنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء، ويقول: هي {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} .
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1263)، وابن أبي شيبة (2/ 15/ 5926)(4/ 278/ 6058 - ط. الشثري)، والآجري في قيام الليل والتهجد (40).
قلت: ولا يثبت هذا عن أنس؛ فإن عمارة بن زاذان الصيدلاني: لا بأس به، في حديثه عن ثابت مناكير، قال أحمد:"يروي عن ثابت عن أنس: أحاديث مناكير"[التهذيب (3/ 210)، شرح العلل (2/ 692)، التقريب (450)].
• وله شاهد من حديث بلال:
يرويه عبد الله بن شبيب، قال: نا الوليد بن عطاء بن الأغر، قال: نا عبد الحميد بن سليمان، قال: حدثني مصعب، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال بلال: لما نزلت هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية، كنا نجلس في المجلس، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء، فنزلت هذه الآية:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} .
أخرجه البزار (4/ 202/ 1364).
قال البزار: "ولا نعلم روى أسلم عن بلال إلا هذا الحديث، ولا نعلم له طريقًا عن بلال غير هذا الطريق".
قلت: هو حديث واهٍ؛ مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي: ليس بالقوي [راجع: ترجمته في: فضل الرحيم الودود (7/ 374/ 670)].
وعبد الحميد بن سليمان، أخو فليح، الخزاعي المدني الضرير، نزيل بغداد: ضعيف.
والوليد بن عطاء: شيخ مكي، لم يوثقه معتبر [الميزان (4/ 342)، اللسان (6/ 272)، الكامل (7/ 79)]، وعبد الله بن شبيب: واهٍ، ذاهب الحديث، كان يسرق الحديث [الميزان (2/ 438)، اللسان (4/ 499)].
• ومما روي مرفوعًا في هاتين الآيتين:
1 -
حديث معاذ بن جبل: وله طرق منها:
أ - ما رواه محمد بن جعفر غندر، وحجاج بن محمد المصيصي، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وروح بن عبادة، وعمرو بن مرزوق، وأبو زيد سعيد بن الربيع الهروي [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في شعبة]:
عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت عروة بن النزال، يحدث عن معاذ بن جبل [وفي رواية روح: قال شعبة: فقلت له: سمعه من معاذ؟ قال: لم يسمعه منه، وقد أدركه]، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فلما رأيته خليًّا، قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: "بخ، لقد سألت عن عظيم، وهو يسير على
من يسره الله عليه: تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتلقى الله لا تشرك به شيئًا، أولا أدلك على رأس الأمر ومحموده وذروة سنامه؟ أما رأس الأمر: فالإسلام، فمن أسلم سلم، وأما عموده: فالصلاة، وأما ذروة سنامه: فالجهاد في سبيل الله، أولا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة، وقيام العبد في جوف الليل يكفر الخطايا"، وتلا هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} "أولا أدلك على أملك ذلك لك كله؟ "، قال: فأقبل نفر، قال: فخشيت أن يشغلوا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال شعبة: أو كلمة نحوها، قال: فقلت: يا رسول الله! قولك: أولا أدلك على أملك ذلك لك كله؟ قال: فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى لسانه، قال: قلت: يا رسول الله! وإنا لنؤاخذ بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمك معا" وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ ".
قال شعبة: قال لي الحكم: وحدثني به ميمون بن أبي شبيب، وقال الحكم: سمعته منه منذ أربعين سنة.
ووقع في رواية أبي داود الطيالسي، وروح بن عبادة، وعمرو بن مرزوق، وأبي زيد: عن عروة بن النزال، أو النزال بن عروة، شك شعبة.
أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 166 / 2226 و 2227)، وفي الكبرى (3/ 135/ 2547 و 2548)، وفي الرابع من الإغراب (92)، وأحمد في المسند (5/ 233 و 237)، وفي العلل (3/ 446 /5894)، والطيالسي (561)، وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 252/ 19312) و (5/ 320/ 26498) و (6/ 158/ 30314)، وفي الإيمان (1)، وفي الأدب (220)، والحارث بن أبي أسامة (12 - بغية الباحث)، وابن أبي عاصم في الزهد (7)، وفي الجهاد (16)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (35 - مختصره)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 240/ 28237)، والطبراني في الكبير (20/ 147/ 304) و (20/ 148/ 305)، والقضاعي في مسند الشهاب (48)، والبيهقي في الشعب (5/ 198/ 2549) و (5/ 549/ 3078) و (7/ 70/ 3921)، وإسماعيل الأصبهاني في التركيب والترهيب (2/ 216/ 1463) و (2/ 342/ 1733)، [التحفة (8/ 99/ 11347) و (8/ 107/ 11367)، الإتحاف (13/ 271/ 16706)، المسند المصنف (24/ 403/ 10974)].
قال النسائي في الإغراب: "عروة بن النزال: لا نعلمه سمع من معاذ".
قلت: عروة بن النزال: لا يُعرف روى عنه سوى الحكم بن عتيبة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يسمع من معاذ، ولا يكاد يُعرف بغير هذا الحديث [التهذيب (3/ 97)، الميزان (3/ 65)]، وقد توبع عليه.
ب - وقد رواه جرير بن عبد الحميد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وأبو عوانة، وأبو إسحاق الفزاري [وهم ثقات حفاظ]، وعادة بن حميد [ليس به بأس، ولم يكن من الحفاظ المتقنين. انظر: التهذيب (3/ 44)]، وعمار بن رزيق [لا بأس به]:
عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر، فتفرق القوم، حتى نظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربهم مني، قال: فدنوت منه، فقلت: يا رسول الله! أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال:"لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروصة، وتصوم رمضان"، قال:"وإن شئت أنبأتك بأبواب الجنة"، قلت: أجل يا رسول الله، قال:"الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليلِ يبتغي وجه الله"، قال: ثم قرأ هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} [السجدة: 16]، قال:"وإن شئت أنباتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه"، قال: قلت: أجل يا رسول الله، قال:"أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله، وإن شئت أنبأتك بأمْلَك ذلك كله"، قال: فسكت، فإذا راكبان يُوضِعان قِبَلنا، فخشيت أن يشغلاه عن حاجتي، قال: فقلت: ما هو يا رسول الله؟ قال: فأهوى بإصبعه إلى فيه، قال: فقلت: يا رسول الله، وإنا لنؤاخذ بما نقول بألسنتنا؟ قال:"ثكلتك أمك ابنَ جبلٍ! هل يكبُّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائدُ ألسنتهم؟ ".
وقد اختصره بعضهم، ومنهم من رواه عن الأعمش عن حبيب وحده مثل أبي إسحاق الفزاري، أو رواه عن الحكم وحده مثل عبيدة بن حميد، وهو محفوظ عن الأعمش بالوجهين، كما قال الدارقطني في العلل (6/ 988/75).
أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 166/ 2225)، وفي الكبرى (3/ 135/ 2546)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 158 /30315)، وفي الإيمان (2)، وهناد بن السري في الزهد (1590)، وابن أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان (6)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (197)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 240/ 28238)، والطبراني في الكبير (20/ 143 /292) و (20/ 144/ 293)، والدارقطني في العلل (6/ 988/76)، وفي الأفراد (2/ 133/ 4361)، والحاكم (2/ 76 و 412 - 413)(4/ 371/ 3590 - ط. الميمان)، والبيهقي في الشعب (8/ 44/ 4607)، والواحدي في أسباب النزول (343)، وفي تفسيره الوسيط (3/ 452). وانظر: علل الدارقطني (6/ 75/ 988)، [التحفة (8/ 107/ 11367) الإتحاف (13/ 293/ 16744)، المسند المصنف (24/ 403/ 10974)].
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
قلت: رجال إسناده ثقات مشاهير.
ج - ورواه آدم بن أبي إياس، قال: ثنا شيبان بن عبد الرحمن، قال: ثنا منصور بن المعتمر، عن الحكم بن عتيبة، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت أنبأتك بأبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام
الرجل في جوف الليل"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16].
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 240/ 28239)[تحرفت فيه: شيبان إلى: سفيان]. والبيهقي (9/ 20).
وهذا إسناد رجاله ثقات مشاهير.
د - ورواه أبو الأحوص، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شببب، عن معاذ بن جبل به، مرفوعًا مطولًا.
أخرجه هناد بن السري في الزهد (1090)، والطبراني في الكبير (20/ 144/ 294).
وهذا إسناد رجاله ثقات مشاهير.
هـ - ورواه فطر بن خليفة [ثقة]، عن حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، بثحوه مرفوعًا مطولًا.
أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (9/ 3109/ 17840)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 1366/264)، والطبراني في الكبير (20/ 142/ 291)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 376).
هكذا رواه عن فطر: أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، وجعفر بن عون [ثقة]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن، وقال في روايته: حدثنا فطر بن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحكيم بن جبير، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال:
…
فذكره مرفوعًا].
• وخالفهم: المحاربي [عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي: لا بأس به]، فرواه عن فطر: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، عن الحكم بن عتيبة، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصوم جنة".
أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 166 /2224)، وفي الكبرى (3/ 135/ 2545)، [التحفة (57/ 107/ 11367)، المسند المصنف (24/ 402/ 10974)].
قلت: وهذا وهم؛ إنما هو الحكم وحبيب مقرونان.
و - ورواه عبد الله بن رجاء [الغداني البصري: صدوق]: ثنا حماد بن شعيب [ضعفوه، وقال البخاري: "فيه نظر". اللسان (3/ 270)]، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، قال: قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأصابنا الحر
…
فذكر الحديث بطوله، وزاد ذكر الحج، ولم يذكر آخره في حصائد الألسن.
أخرجه إسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (83)، بإسناد جيد إلى ابن رجاء.
ز - ورواه سليمان بن يحيى بن ثعلبة بن عبيد الله بن أبي عمرة [لم أقف له على ترجمة، وله ذكر في معرفة الصحابة لابن منده (1/ 222)]: حدثني أبي [ضعيف. سؤالات ابن طهمان لابن معين (283 و 365)، تاريخ الدوري (1724 و 2158)، تاريخ الضعفاء
لابن شاهين (691)، ضعفاء الدارقطني (586)، توضيح المشتبه (8/ 251)، اللسان (8/ 422)]، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، بنحوه مرفوعًا.
أخرجه البيهقي في الشعب (8/ 4607/45).
• قلت: هذا الحديث مشهور عن الحكم بن عتيبة وعن حبيب بن أبي ثابت، ثابت عنهما، رواه عنهما جماعة من الثقات الحفاظ، مثل: شعبة، والأعمش، ومنصور، وفطر بن خليفة.
وميمون بن أبي شبيب: صالح الحديث، وقد سمع منه الحكم وحبيب بن أبي ثابت، روى عن معاذ بن جبل مرسلًا، قاله أبو حاتم، وقال أبو داود:"لم يدرك عائشة"، كما جزم أبو حاتم أيضًا بأن روايته عن عائشة غير متصلة، ووفاة عائشة كانت بعد وفاة معاذ بقرابة أربعين سنة، وفي تهذيب الكمال (29/ 207):، قال عمرو بن علي [يعني: الفلاس]: كان رجلًا تاجرًا، وكان من أهل الخير، وحدث عنه حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وإبراهيم النخعي، وكان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن عمر بن الخطاب، وعن عبد الله بن مسعود، وليس عندنا في شيء منه يقول: سمعت، ولم أخبر أن أحدًا يزعم أنه سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عنه"، والله أعلم [الجرح والتعديل (8/ 234)، المراسيل (805)، التهذيب (4/ 197)].
ح - ورواه معمر بن راشد [من أثبت الناس في الزهري وابن طاووس، وقد يهم في حديث غيرهما]، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله! ألا تخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار؟ قال:"يا معاذ، لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".
ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير! الصوم جنة من النار، والصدقة تطفئ غضب الرب [وفي رواية: تطفئ الخطيئة كما يطفي الماء النار]، وصلاة الرجل في جوت الليل"، ثم قرأ:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]، حتى بلغ:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17].
ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ "، فقلت: بلى يا رسول الله، قال:"رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد".
ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ "، فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، فقال:"اكفف عليك هذا"، فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو: على مناخرهم - يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم".
أخرجه الترمذي (2616)، والنسائي في الكبرى (10/ 214/ 11330)، وابن ماجه
3973 -
، وأحمد (5/ 231)، وعبد الرزاق (11/ 194/ 20303)، وعبد بن حميد (112)، والطبراني في الكبير (20/ 131/ 266)، والخطابي في غريب الحديث (2/ 488 - 489)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 331)، والبيهقي في الآداب (295)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 25/ 11)، [التحفة (8/ 84/ 11311)، الإتحاف (13/ 237 /16645)، المسند المصنف (24/ 400/ 10973)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
قلت: خفيت علته على الترمذي، فقد خولف في إسناده معمر بن راشد، ومعمر دمان كان ثقة في الزهري وابن طاووس؛ إلا أنه كان يُضعَّف حديثه عن أهل العراق خاصة [انظر: تاريخ دمشق (59/ 414)، شرح علل الترمذي (2/ 774)]، وقد خالفه في إسناده أهل العراق، ولا يُعرف لأبي وائل شقيق بن سلمة سماع من معاذ، ويستدل على ذلك أيضًا بعدم سماعه من أبي الدرداء، والذي تأخرت وفاته بعد معاذ بما لا يقل عن خمسة عشر عامًا، قال ابن أبي حاتم:"قلت لأبي: أبو وائل سمع من أبي الدرداء شيئًا؟ قال: أدركه، ولا يحكى سماع شيء، أبو الدرداء كان بالشام، وأبو وائل كان بالكوفة، قلت: كان يدلس؟ قال: لا، هو كما يقول أحمد بن حنبل"؛ يعني: كان يرسل [المراسيل (319)، تحفة التحصيل (149)].
ط - فقد رواه زيد بن الحباب، وحسن بن موسى، وسريج بن النعمان، وهدبة بن خالد [وهم ثقات]:
عن حماد بن سلمة [بصري، ثقة]، عن عاصم بن بهدلة [كوفي، صدوق]، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل؛ أنه قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخل صاحبه الجنة، قال:"بخ بخ، لقد سألت عن كبير، وإنه ليسير على من يسره الله، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتجج البيت، وسأنبئك برأس هذا الأمر وعموده وذروة سنامه، رأس هذا الأمر شهادة أن لا إله إلا الله، وعموده وذروة سنامه الجهاد، وسأنبئك بأبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفع الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وقيام العبد من الليل"، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] الآية، "وسأنبئك بأملك من ذاك كله"، وهز راحلته، ودنوت من الناس، فدنوت منه فقلت: يا رسول الله! ما الذي أملك من ذلك كله؟ فاوما بيده إلى لسانه، قلت: اللسان؟ كالمتهاون به، فقال:"ثكلتك أمك يا معاذ بن جبل، وهل يكب الناس في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم". لفظ هدبة، وقد اختصره بعضهم، وفرقه أحاديث.
أخرجه أحمد (5/ 232 و 242 و 248)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 241/ 28240)، والطبراني في الكبير (20/ 103/ 200)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 331)، [الإتحاف (13/ 238/ 16647) و (13/ 239/ 16648)].
قال الدارقطني في العلل (6/ 79 / 988): "وقول حماد بن سلمة: أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر، على اختلاف عنه فيه، وأحسنها إسنادًا: حديث عبد الحميد بن بهرام ومن تابعه، عن شهر، عن ابن غنم، عن معاذ.
وروى هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة - وكان ضعيفًا -، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن معا" ولا يثبت".
قلت: شهر لم يسمع من معاذ، قال البزار في المسند (7/ 104/ 2660):"شهر بن حوشسب: لم يسمع من معاذ بن جبل"[التهذيب (3/ 656)، الميزان (2/ 283)، نتائج الأفكار (1/ 371)، كشف الأستار (2)، جامع التحصيل (291)].
ورواية عبد الحميد بن بهرام، وابن أبي حسين، عن شهر، عن عبد الرحمن بن فنم، عن معاذ بن جبل: أولى بالصواب؛ فإنهما من أصحاب شهر.
وقد تعقب ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 792)، حكم الترمذي بقوله: "وفيما قاله - رجمه الله - نظر من وجهين:
أحدهما: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسن، وكان معاذ بالشام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة كأحمد وغيره يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكوفة، وأبو الدرداء بالشام؛ يعني: أنه لم يصح له سماع منه، وقد حكى أبو زرعة الدمشقي عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبي وائل من عمر، أو نفوه، فسماعه من معاذ أبعد.
والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرًا، قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه.
قلت: ورواية شهر عن معاذ مرسلة يقيناً، وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه، وقد خرجه الإمام أحمد من رواية شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، وخرجه الإمام أحمد أيضًا من رواية عروة بن النزال، أو النزال بن عروة، وميمون بن أبي شبيب، كلاهما عن معاذ، ولم يسمع عروة ولا ميمون من معاذ، وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة".
ي - قلت: قد رواه عبد الحميد بن بهرام: حدثنا شهر: حدثنا ابن غنم، عن حديث معاذ بن جبل؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس قِبَل غزوة تبوك، فلما أن أصبح صلى بالناس صلاة الصبح، ثم إن الناس ركبوا، فلما أن طلعت الشمس نعس الناس على أثر الدُّلجة، ولزم معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو أثره، والناس تفرقت بهم ركابهم على جواد الطريق [وفي رواية: جوانب الطريق]، تأكل وتسير، فبينما معاذ على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناقته تأكل مرة وتسير أخرى، عثرت ناقة معاذ، فكبحها بالزمام، فهبَّت حتى نفرت منها ناقة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف عنه قناعه، فالتفت فإذا ليس من الجيش رجل أدنى إليه من معاذ، فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا معاذ"، قال: لبيك يا نبي الله! قال: "ادْنُ دونك"[وفي رواية: "ادْنُ دنوك"]، فدنا منه حتى لصقت راحلتاهما إحداهما بالأخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما كنت أحسب الناس منا كمكانهم من البعد"، فقال معاذ: يا نبي الله نعس الناس، فتفرقت بهم ركابهم ترتع وتسير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وأنا كنت ناعسًا"، فلما رأى معاذ بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وخلوته له، قال: يا رسول الله! ائذن لي أسألك عن كلمة قد أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"سلني عمَّ شئت"، قال: يا نبي الله حدثني بعمل يدخلني الجنة لا أسألك عن شيء غيرها، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"بخ بخ بخ، لقد سألت بعظيم" لقد سألت بعظيم" ثلاثًا، "وإنه ليسير على من أراد الله به الخير، وإنه ليسير على من أراد الله به الخير، وإنه ليسير على من أراد الله به الخير"، فلم يحدثه بشيء إلا قاله له ثلاث مرات؛ يعني: أعاده عليه ثلاث مرات؛ حرصًا لكي ما يتقنه عنه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "تؤمن بالله واليوم الآخر، وتقيم الصلاة، وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئًا حتى تموت، وأنت على ذلك"، فقال: يا نبي الله! أعد لي، فأعادها له ثلاث مرات، ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت حدثتك يا معاذ برأس هذا الأمر، وقوام هذا الأمر وذروة السنام"، فقال معاذ: بلى بأبي وأمي أنت يا نبي الله! فحدثني، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه، ولا اغبرت قدم في عمل تبتغى فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله، أو يحمل عليها في سبيل الله".
وفي رواية: قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه، ثم وضع عليه إصبعه فاسترجع معاذ، فقال: يا رسول الله! أنؤاخذ بكل ما نقول ويكتب علينا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكب معاذ مرات، وقال:"ثكلتك أمك يا ابن أم معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟ ".
وفي رواية: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؛ الصلاة بعد الصلاة المفروضة؟ قال: ألا، ونعم ما هي"، قال: فالصوم بعد صيام رمضان؟ قال: "لا، ونعم ما هو"، قال: فالصدقة بعد الصدقة المفروضة؟ قال: "لا، ونعم ما هي"، قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه ثم وضع عليه إصبعه، فاسترجع معاذ، فقال: يا رسول الله! أنؤاخذ بما نقول كله ويكتب علينا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكب معاذ
مرارًا، فقال له:"ثكلتك أمك يا ابن جبل، وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم".
أخرجه ابن ماجه (72)، وأحمد (5/ 236 و 245)، وابن المبارك في الجهاد (31)، والطيالسي (5/ 82/ 4266 - إتحاف الخيرة)، وعبد بن حميد (113)، وابن أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان (8)، والبزار (7/ 111/ 2669)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (7)، والطبراني في الكبير (20/ 63 /115) و (20/ 64/ 116 و 117)، وابن عدي في الكامل (5/ 320)، والدارقطني (1/ 232 - 233)، وتمام في الفوائد (482)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 66)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 216/ 1464)، [التحفة (8/ 96 / 11340)، الإتحاف (13/ 261/ 16682 و 16683) و (13/ 262/ 16686)، المسند المصنف (24/ 405/ 10975) و (24/ 498 /11041)].
قال ابن عدي: "ولعبد الحميد بن بهرام غير ما ذكرت من الحديث، وهو في نفسه لا بأس به، وإنما عابوا عليه كثرة رواياته عن شهر بن حوشب، وشهر: ضعيف جدًّا".
قلت: عبد الحميد بن بهرام الفزاري: ثقة، وهو أثبت الناس في شهر بن حوشب، قال أبو حاتم:"هو في شهر بن حوشب مثل الليث بن سعد في سعيد المقبري، ليس به بأس، وأحاديثه عن شهر صحاح"، إلى أن قال:"لا يحتج به، ولا بحديث شهر بن حوشب، ولكن يكتب حديثه"، وقال يحيى بن سعيد القطان:"من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام"، وقال أحمد:"عبد الحميد بن بهرام: حديثه عن شهر مقارب، كان يحفظها كأنه سورة من القرآن، وهي سبعون حديثًا طوال"[الجرح والتعديل (6/ 8)، التهذيب (2/ 472)].
ولم ينفرد بذلك عبد الحميد، فقد تابعه: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وهو: مكي ثقة، عالم بالمناسك.
وشهر بن حوشب: حسن الحديث إذا لم يخالِف، ولم ينفرد بأصل وسُنَّة، أو لم يُختلف عليه في الإسناد والمتن بحيث يستدل بذلك على حفظه للحديث [انظر في شهر بن حوشب: ما تقدم من أحاديث برقم (44 و 45 و 134 و 677) وغيرها، علل ابن أبي حاتم (2/ 148 /1940)].
• تابع عبد الحميد بن بهرام عليه:
ك - عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين: حدثني شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ غزا تبوكًا، فأدلج ليلة وأدلجنا معه، ثم صلى الصبح وصلينا معه، ثم اغتدى وغدونا معه، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرقت الركاب، والإبل تأكل على أفواهها، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم رداء نجراني قد أخذ طرفيه فألبسه بوجهه، [وملكت] فلمحت عيني حلقة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وأنا أحسب أنه ينزل عليه، فبينا أنا كذلك تنادلت ناقتي [رمثة] رنة؛ فاجتذبها
[فأسدتها]؛ فالتوى فرسنها، ففزعت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقرعها، فاستيقظ، فقال:"معاذ؟ "، قلت: نعم يا رسول الله!، قال:"ادن"، فدنوت، قال لي ذلك ثلاثًا، فدنوت حتى تحاكت الراحلتان، قال معاذ: وفي نفسي كلمة قد أحزنتني وأمرضتني، ولم أسمع أحدًا يسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أسأل عنها، قلت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أسألك عن كلمة أحزنتني وأمرضتني لم أسألك عنها قط، ولم أسمع أحدًا يسألك عنها؟ قال:"سل يا معاذ"، قلت: حدثني عن عمل يدخلني الجنة لا أسألك عن غيره، فقال:"بخ بخ، لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله؛ تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتعبد الله وحده"، ثم أقبلت عليه أسأله، فقلت: أي الأعمال أفضل، الصلاة بعد الصلاة المفروضة؟ قال:"لا، ونعم ما هي"، قلت: الزكاة بعد الزكاة المفروضة؟ قال: "لا، ونعم ما هي"، قلت: فالصيام بعد الصيام المفروض؟ قال: "لا، ونعم ما هي"، ثم قال:"يا معاذ، ألا أخبرك برأس هذا الأمر وقوامه وذروة سنامه؟ "، فقلت: بلى، قال:"رأس هذا الأمر شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وقوامه إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، والذي نفس محمد بيده ما تغبرت قدما عبد ولا وجهه في عمل أفضل عند الله بعد الصلاة المفروضة من جهاد في سبيله، ألا أخبرك يا معاذ بأملك بالناس من ذلك؟ "، قلت: نعم، فوضع إصبعه على لسانه، فقلت: يا رسول الله أوَكلما نقول بألسنتنا يكتب علينا؟ فضرب منكبي الأيسر بيده اليمنى حتى أوجعني، ثم قال:"ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ " أو: "ما تقول الألسُّنَّة".
أخرجه أحمد (5/ 235)، والبزار (7/ 113/ 2670)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 137/ 2938)[واللفظ له]، [الإتحاف (13/ 261/ 16684)، المسند المصنف (24/ 405/ 10975)].
• وهذا إسناد جيد متصل، وقد حفظه شهر بن حوشب، فإن الحديث معروف عن عبد الرحمن بن غنم من غير طريق شهر أيضًا؟
ل - فقد رواه كثير بن هشام [الكلابي أبو سهل الرقي: ثقة]، قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان، قال: حدثنا عمير بن هاني؛ أنه سمع عبد الرحمن بن غنم، يقول: سمعت معاذ بن جبل، يقول: قلت: يا رسول الله! حدثني بعمل يدخل به العبد الجنة إذا عمل؟ قال: "بخٍ بخٍ! سألتَ عن عظيم، وإنه يسير على من يسره الله عليه؛ تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، ولا تشرك بالله شيئًا، وسأنبئك بأبواب من الخير: الصيام جنة، وقيام العبد في جوف الليل يبتغي مرضات الله"، ثم تلا هذه الآية:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16].
أخرجه الشجري في الأمالي الخميسية (920 و 1519 - ترتيبه)، وذكره الدارقطني في العلل (6/ 78).
قصر في إسناده كثير بن هشام.
م - فقد رواه علي بن الجعد [ثقة ثبت]: ثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن عمير بن هانئ؛ أنه سمع عبد الرحمن بن غنم، يحدث أنه سمع معاذ بن جبل، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال له: حدثني بعمل يدخل الجنة إذا هو عمله، قال:"بخٍ بخٍ! سألتَ عن عظيم، وهو يسير لمن يسره الله له؛ تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفووضة، ولا تشرك بالله شيئًا".
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3403)، وابن حبان (1/ 447/ 214)، والطبراني في الكبير (20/ 66/ 122)، وفي مسند الشاميين (222)، [الإتحاف 13/ 261/ 16683)، المسند المصنف (24/ 407/ 10975)].
ورواية ابن الجعد هذه أولى من رواية هشام بن كثير، حيث زاد في الإسناد رجلًا، والزيادة من الحافظ مقبولة.
وعليه: فهو إسناد متصل لا بأس به؛ سمع بعضهم من بعض، عبد الرحمن بن غنم الأشعري: مختلف في صحبته، لازم معاذ بن جبل إلى أن مات، يُعرف بصاحب معاذ، لملازمته، أثبت له الصحبة: الليث بن سعد، وابن لهيعة، وابن يونس، وغيرهم، وممن عده في التابعين: ابن سعد، وأحمد، وأبو حاتم، وأبو مسهر، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، وابن حبان، والدارقطني، وأبو نعيم، وعده أحمد ودحيم وابن عبد البر من المخضرمين الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه، وقال أبو حاتم:"شامي جاهلي، ليست له صحبة"، وقال ابن حبان:"زعموا أن له صحبة، وليس ذلك بصحيح عندي"، وتردد فيه البغوي وأبو نعيم أيضًا، وأما الحديث الذي أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 247 و 297)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 334)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1867 / 4701)، وإسماعيل الأصبهاني في الدلائل (237)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 312 و 313)، والذي فيه إثبات صحبته: فإنه لا يثبت؛ لذا جزم أبو حاتم وابن حبان بعدم صحبته، وأما الذين نقلوا عن البخاري بأنه أثبت له الصحبة، فلا أظنهم أصابوا في ذلك، حيث إن البخاري قد ترجم له بعد جماعة شهد لهم بالصحبة صراحة، ثم أعقب بذكر جماعة جاء ذكر صحبتهم بأسانيد لا تثبت بمثلها الصحبة؟ ومنهم عبد الرحمن بن غنم، وقد ضعف البخاري إسناد الرواية التي تثبت صحبته في موضع آخر، وذلك فضلًا عن كونه لم يصرح بصحبته، والله أعلم [الطبقات الكبرى (7/ 441)، التاريخ الأوسط (1/ 195/ 896)، التاربخ الكبير (5/ 247 و 297)، ثقات العجلي (1067)، الجرح والتعديل (5/ 274)، المراسيل (443)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (596)، معجم الصحابة للبغوي (4/ 174)، ثقات ابن حبان (5/ 78)، مشاهير علماء الأمصار (851)، سؤالات الحاكم (387)، معرفة الصحابة (5/ 2432)، التعديل والتجريح (2/ 875)، إكمال ابن ماكولا (7/ 27)، تاريخ دمشق (35/ 311)، أسد الغابة (3/ 482)، السير (5/ 10)، تاريخ
ولفظ ابن ثوبان بنحو لفظ حديث عمير بن هانئ [عند ابن حبان والطبراني].
أخرجه هناد بن السري في الزهد (1091)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3403)، وابن حبان (1/ 447 /214)، والطبراني في الكبير (20/ 66/ 122)، وفي مسند الشاميين (222)، [الإتحاف (13/ 261/ 16683)، المسند المصنف (24/ 407/ 10975)].
• رواه محمد بن راشد [المكحولي الدمشقي: صدوق، سمع من مكحول]، عن مكحول؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث لمعاذ:"إنك ما كنت ساكتًا فأنت سالم، فإذا تكلمت فلك أو عليك".
أخرجه الطيالسي (562)، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (8/ 46/ 4608).
وهو شاذ بهذا اللفظ في طرفه الأخير، ومكحول: ثقة؛ لكنه لم يدرك معاذ بن جبل.
ع - وروى آخره: عبدة بن سليمان [كوفي، ثقة ثبت]، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي [مدني، صدوق]، ومحمد بن بشر العبدي [كوفي، ثقة حافظ]، وبزيد بن هارون [واسطي، ثقة متقن]، وأبو خالد سليمان بن حيان الأحمر [ثقة]:
عن محمد بن عمرو: ثنا أبو سلمة، قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله أوصني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى، واذكر الله عند كل حجر وشجر، وإذا عملت السيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية، وأخبرك بما هو أملك بك من ذلك؟ "، قال: يا رسول الله وما هو؟ قال: "هذا"، وأشار إلى لسانه، قال معاذ: يا رسول الله هو ذا، وأشار إلى لسانه، قال:"وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا هذا". وهذا لفظ عبدة، واختصره بعضهم فلم يذكر موضع الشاهد.
أخرجه ابن أبي شيبة (19/ 258 /37044 - ط. الشثري)، وهناد بن السري في الزهد (1072 و 1092)، وابن أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان (22)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 294/ 1400)، والطبراني في الكبير (20/ 175/ 374).
قلت: وهذا إسناد منقطع، رجاله ثقات؛ أبو سلمة بن عبد الرحمن: لم يدرك معاذ بن جبل، قال أحمد:"أبو سلمة: لم يدرك عمر"[مسائل صالح (769)]، قلت: فعدم إدراكه لمعاذ أولى.
قال ابن حجر في الأمالي المطلقة (132): "أبو سلمة: لم يدرك معاذًا".
ف - وروى أبو أحمد الزبيري [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا أبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي [ثقة]، عن أبي عمرو الشيباني [سعد بن إياس: كوفي، ثقة، مخضرم، روى له الجماعة]، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أنه قال: يا رسول الله! أوصني، قال:"احفظ عليك لسانك"، فأعاد عليه، فقال:"ثكلتك أمك يا معاذ، هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم".
الإسلام (5/ 476)، الإصابة (4/ 293) و (5/ 82)، التهذيب (2/ 543)، تحفة التحصيل (203)].
وعمير بن هانئ: تابعي شامي ثقة، من الرابعة، وثابت بن ثوبان: شامي ثقة، من السادسة، وابنه عبد الرحمن: لا بأس به.
ن - ورواه مبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري: ثنا سعيد بن مسروق، عن أيوب بن كريز، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: بينا نحن ركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تقدمت راحلته حتى ظننت أن راحلته قد عرفت وطيء راحلتي، حتى نطحت ركبتي ركبته، فقلت: يا رسول الله! إني أريد أن أسألك عن أمر، ويمنعني مكان هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، قال:"ما هو يا معاذ؟ "، قال: قلت: العمل الذي يدخل الجنة وينجي من النار؟ قال: "قد سألت عظيمًا، وإنه يسير، شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"، ثم قال:"ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ "، قال:"أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروته فالجهاد"، ثم قال:"الصيام جنة، والصدقة تكفر الخطايا"، ثم قال:"ألا أنبئك بما هو أملك بالناس من ذلك؟ "، قال: فأخذ بلسانه فوضعه بين أصبعين من أصابعه، قال: قلت: يا رسول الله! أما ما نتكلم به يكتب علينا؟ قال: "ثكلتك أمك، إنك لن تزال سالمًا ما سكت، فإذا تكلمت كلتب عليك ولك".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 426)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (195)، والطحاوي في المشكل (4/ 116/ 1478)، وفي أحكام القرآن (1608)، والطبراني في الكبير (20/ 73/ 137)، والدارقطني في المؤتلف (4/ 1958)، وابن بشران في الأمالي (818).
وفي إسناده: أيوب بن كريز، وهو مجهول [الثقات (6/ 54)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 486)]، والمبارك بن سعيد الثوري: ليس به بأس [التهذيب (8/ 30)، الميزان (3/ 431)، الإكمال لمغلطاي (11/ 58)، التقريب (918) ، وقال: "صدوق"].
فهو إسناد لا بأس به في المتابعات، وأما ذكر الآية في أوله، ولفظ الطرف الأخير منه فهو شاذ.
س - ورواه حاتم بن إسماعيل [ثقة]، عن محمد بن عجلان [صدوق]،
ورواه علي بن الجعد: ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه،
كلاهما [ابن عجلان، وابن ثوبان]، عن مكحول، عن معاذ بن جبل؛ أن الناس تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقته،
…
فذكر الحديث بطوله، وفي آخره:"ألا أنبئك بأملك الناس من ذلك"، فأشار إلى لسانه ثلاثًا، قال: فقلت: وإنا لنؤاخذ بما نتكلم به؟ فضرب منكبي، ثم قال:"ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا هذا اللسان، إنك ما سكت سلمت، وإذا تكلمت فلك أو عليك". لفظ ابن عجلان [عند هناد].
أخرجه البزار (7/ 89/ 2643)، والطبراني في الكبير (20/ 128/ 258)، وأبو علي ابن البنا في الرسالة المغنية في السكوت (5).
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، ولم أقف على سماع أبي عمرو الشيباني من معاذ، وقد أدركه، لكن ما زال الأئمة يستدلون على عدم السماع باختلاف البلدان، كما تقدم ذكره قبل قليل في حديث أبي وائل عن معاذ، فمعاذ كان بالشام، والشيباني كان بالكوفة، روى عنه أهلها، وروايته عمن سكن الكوفة من الصحابة، والله أعلم.
ص - وروى أبو بكر بن أبي مريم: حدثني عطية بن قيس، عن معاذ بن جبل؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الجهاد عمود الإسلام، وذروة سنامه".
أخرجه أحمد (5/ 234)، والبزار (7/ 94/ 2651)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 358 /1492)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 154)، [الإتحاف (13/ 272/ 16710)، المسند المصنف (24/ 514/ 11056)].
قال البزار: "عطية: لم يسمع من معاذ"[كشف الأستار (2/ 256/ 11646)].
قلت: هو حديث منكر بهذا اللفظ، تفرد به: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، وقد ضعفوه، وعطية بن قيس الكلاعي: لم يدرك معاذًا.
• وله أسانيد أخرى لا تخلو من مقال، مطولًا أو بطرف منه:
• أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 480) بآخر طرف منه في حصائد الألسن [وفي إسناده: القاسم بن عثمان، له أحاديث لا يتابع عليها. اللسان (6/ 376). قال العقيلي: "وفي هذا الباب عن معاذ وغيره أحاديث ثابتة من غير هذا الوجه"].
• وأخرجه الطبراني في الكبير (20/ 55/ 96)[وإسناده واهٍ؛ علي بن يزيد الألهاني: متروك، والراوي عنه: عثمان بن أبي العاتكة: ضعيف، حديثه عن الألهاني: منكر. تقدم تفصيل القول في إسناده عند الحديث رقم (472)، وتقدم أيضًا تحت الحديث رقم (48)، والحديث رقم (468)].
• وأخرجه الطبراني في الكبير (20/ 76/ 141)[وهو حديث منكر؛ تفرد به عن الزهري: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي، وقد ضعفوه، وهو منكر الحديث عن الزهري، قلب أحاديث شهر بن حوشب، فجعلها عن الزهري. التهذيب (2/ 565)].
• وأخرجه البزار (6/ 273/ 2302)، والطبراني في الأوسط (7/ 283/ 7553) [وهو حديث منكر؛ تفرد به عن فضيل بن سليمان: عمرو بن مالك الراسبي، وهو: ضعيف، قال ابن عدي:"منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث". التهذيب (3/ 301)، الميزان (3/ 285)].
• ويمكن تلخيص ما تقدم من الأسانيد في حديث معاذ بن جبل، باطراح الأحاديث الشاذة والمنكرة والواهية، والاعتبار بما هو صالح في المتابعات؛ كما ياتي:
أ - شعبة، عن الحكم، قال: سمعت عروة بن النزال، يحدث عن معاذ بن جبل،
قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك،
…
فذكر الحديث بطوله، ثم قال شعبة: قال لي الحكم: وحدثني به ميمون بن أبي شبيب، وقال الحكم: سمعته منه منذ أربعين سنة.
وهذا منقطع.
ب - الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وفطر بن خليفة:
عن الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك،
…
فذكر الحديث بطوله، وهذا منقطع أيضًا.
ج - عبد الحميد بن بهرام، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين:
حدثني شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ غزا تبوكًا،
…
فذكر الحديث بطوله، بلفظ مغاير للطريقين السابقين، والمعنى متقارب.
وهذا إسناد جيد متصل.
د - علي بن الجعد: ثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن عمير بن هانئ؛ أنه سمع عبد الرحمن بن غنم، يحدث أنه سمع معاذ بن جبل، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال له: حدثني بعمل يدخل الجنة
…
فذكر الحديث مختصرًا بطرف منه.
وهذا إسناد متصل لا بأس به.
هـ - مبارك بن سعيد: ثنا سعيد بن مسروق، عن أيوب بن كريز، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: بينا نحن ركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تقدمت راحلته،
…
فذكر الحديث بطوله، مع شذوذ في أوله وآخره.
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات.
و - مكحول، عن معاذ بن جبل؛ أن الناس تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقته،
…
فذكر الحديث بطوله، وفي آخره شذوذ.
وإسناده منقطع.
ز - محمد بن عمرو: ثنا أبو سلمة، قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله أوصني،
…
فذكر حديثاً آخر مشتملًا على الطرف الأخير في حصائد الألسن.
وإسناده منقطع.
ح - أبو أحمد الزبيري، قال: أخبرنا أبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي، عن أبي عمرو الشيباني، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أنه قال: يا رسول الله! أوصني،
…
فذكره مختصرًا مقتصرًا على الطرف الأخير في حصائد الألسن.
ورجاله ثقات.
• وباجتماع هذه الأسانيد لا سيما المتصلة منها؛ فإن حديث معاذ بن جبل حديث
صحيح، والأصل المعتمد عليه فيها هو حديث شهر بن حوشب لكونه أتمها سياقة، ولاتصال إسناده، والله أعلم.
وأما موضع الشاهد منه في الاستشهاد بالآية على قيام الليل مرفوعًا: فهو ثابت عندي لمجيئه من الطريقين الأولين وفيهما انقطاع، ولمجيئه من الطريق التاسعة والثانية عشرة، حديث حماد بن سلمة، وحديث كثير بن هشام، وكثير بن هشام وإن كان قد قصر في إسناده بإسقاط رجل من الإسناد إلا أنه حفظ المتن وأتى به بأتم من رواية علي بن الجعد، فكثير بن هشام قصر في الإسناد وحفظ المتن، وابن الجعد جوَّد الإسناد واختصر المتن ولم يتمه، ويقال مثله في رواية حماد بن سلمة، وعليه: فإن الأقرب عندي أن الاستشهاد بهذه الآية على القيام في جوف الليل محفوظ مرفوعًا، والله أعلم.
[انظر تصرف البخاري في مثل ذلك؛ في الجمع بين حديثين في كل منهما علة، إحداهما في الإسناد والأخرى في المتن، أو كلاهما في الإسناد: راجع: صحيح البخاري (384 - 382 و 663 و 1358 و 1359 و 1626 و 1984 و 3144 و 4320 و 4344 و 5404 و 5405 و 6243 و 7083)، [وقد سبق أن تكلمت عن بعض هذه الأحاديث في موضعها من فضل الرحيم الودود (1/ 74/ 21) و (8/ 57/ 711)].
2 -
حديث ابن عباس:
يرويه عثمان بن عبد الله بن عفان الشامي: نا محمد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن أبي سعيد، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى أربعًا بعد المغرب من قبلِ أن يكلم أحدًا كان أفضل من قيام نصف ليلة، وهي التي يقول الله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} [الذاريات: 17]، وهى التي يقول الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]، وهي التي يقول الله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: 15]، ومن صلى أربعًا بعد عشاء الآخرة كأنما صلى هو في المسجد الأقصى، وكأنما وافق ليلة القدر، ومن صلى أربعًا قبل الظهر، وأربعاً بعدها حرمه الله عن النار أن تأكله أبدًا، ومن صلى أربعًا قبل العصر، غفر الله له ألبتة".
أخرجه أبو الفضل الزهري في حديثه (601)، بإسناده إلى عثمان الشامي هذا.
قلت: هو حديث موضوع، عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان القرشي الأموي الشامي: كذاب، يسرق الحديث، ويروي الموضوعات عن الثقات، كذبه واتهمه بالوضع جماعة من الأئمة [سؤالات السجزي (42)، المجروحين (2/ 102)، اللسان (5/ 394). وغيرها].
• ولم أتعرض هنا للمراسيل لكثرتها.
• وقد رويت أحاديث في فضل الصلاة بين المغرب والعشاء، أو بعد المغرب، وقد ذكرت أكثرها تحت الحديث السابق برقم (1284)، فراجعه إن شئت.