المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌313 - باب افتتاح صلاة الليل بركعتين - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٥

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌313 - باب افتتاح صلاة الليل بركعتين

• ومما لم أذكره هناك:

ما رواه محمد بن حميد الرازي [حافظ، أجمع أهل بلده على ضعفه، وكذبه بعضهم، وهو كثير المناكير]، عن يحيى بن الضريس [ثقة]، عن النضر بن حميد، عن سعد الإسكاف، عن الشعبي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عقَّب ما بين المغرب والعشاء بُني له في الجنة قصران ما بينهما مسيرة مائة عام، وفيهما من الشجر ما لو نزلها أهل المشرق وأهل المغرب لأوسعتهم فاكهة، وهي صلاة الأوابين وغفلة الغافلين، وإن من الدعاء المستجاب الدي لا يرد: الدعاء ما بين المغرب والعشاء".

أخرجه السهمي في تاريخ جرجان (74)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 331).

قلت: وهذا حديث باطل موضوع؛ سعد بن طريف الإسكاف الكوفي: متروك، قال ابن حبان:"كان يضع الحديث"[للتهذيب (1/ 693)]، والنضر بن حميد الكندي: متروك، منكر الحديث، واتهم [اللسان (8/ 272)].

• وقد روي عن ابن عمر من وجه آخر موقوفًا:

رواه موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ابن عمر، قال: من أحيى أربع ركعات بعد المغرب كان كالمعقب غزوة بعد غزوة.

وهذا موقوف ضعيف؛ لأجل موسى بن عبيدة الربذي، وتقدم الكلام عن طرقه تحت الحديث رقم (1284). وانظر له طريقاً آخر عند: ابن أبي شيبة (2/ 15/ 5922).

* * *

‌313 - باب افتتاح صلاة الليل بركعتين

1323 قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة: حدثنا سليمان بن حيان، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل، فليصل ركعتين خفيفتين".

* حديث صحيح

أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (17/ 290)، وفي الاستذكار (2/ 107)، [التحفة (10/ 210/ 14572)، المسند المصنف (31/ 156/ 14239)].

• هكذا رواه عن أبي خالد الأحمر: أبو توبة الربيع بن نافع، وهو: ثقة حجة، وخالفه فجعله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قوله: أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ]، وآدم بن أبى إياس [ثقة]:

قالا: حدثنا أبو خالد [سليمان بن حيان]، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته من الليل بركعتين خفيفتين. لفظ ابن أبي شيبة.

ص: 172

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 74/ 6623)، وأبو عوانة (2/ 40/ 2239)، والبيهقي (3/ 6)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 17 - 18/ 908)، وقال:"هذا حديث صحيح". وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 435/ 1938)، [المسند المصنف (31/ 156/ 14239)].

قلت: هذا الاختلاف إنما هو من قِبَل أبي خالد الأحمر؛ فإنه صدوق، ولم يكن بذاك الحافظ، إنما أتي من سوء حفظه، قال البزار:"ليس ممن يلزم بزيادته حجة، لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظاً، وأنه قد روى أحاديث عن الأعمش وغيره: لم يتابع عليها"، وقال ابن عدي:"وإنما أتي هذا من سوء حفظه، فيغلط ويخطئ، وهو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق، وليس بحجة"[الكامل (3/ 282)، إكمال مغلطاي (6/ 50)، التهذيب (3/ 468)، [راجع: الحديث رقم (698)].

• تابع أبا خالد الأحمر على رفع هذا الحديث عن هشام بن حسان للفظ الأمر:

أبو أسامة حماد بن أسامة، وزائدة بن قدامة، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، ومحمد بن سلمة الحراني، وعبد الله بن رجاء المكي، وأسباط بن محمد [وهم ثقات، بعضهم حفاظ متقنون]:

عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا قام أحدكم من الليل، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين". لفظ أبي أسامة [عند مسلم].

أخرجه مسلم (768)، وأبو عوانة (2/ 41/ 2241)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 365/ 1756)، والترمذي في الشمائل (268)، وابن خزيمة (2/ 183/ 1150)، وابن حبان (6/ 345/ 2606)، وأحمد (2/ 232 و 278 و 399)، وعبد الرزاق (2/ 77/ 2562)، والبزار (17/ 290/ 10027)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (128 - مختصره)، وأبو العباس السواج في حديثه بانتقاء الشحامي (2190 و 2191)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 152/ 2571)، وأبو العباس جعفر المستغفري في فضائل القرآن (504)، والبيهقي (3/ 6)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 17/ 907)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 435/ 1939)، [التحفة (10/ 207/ 14561)، الإتحاف (15/ 546/ 19849)، المسند المصنف (31/ 156/ 14239)].

زاد عبد الرزاق، ومحمد بن سلمة: قال هشام: فكان محمد يقرأ في الأولى منهما: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} إلى {خَالِدُونَ (71)} [البقرة: 245]، وفي الآخرة:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} [البقرة: 284] إلى آخر السورة.

• وتابعهم على رفعه أيضًا، لكن جعله من فعله صلى الله عليه وسلم:

حفص بن غياث [كوفي، ثقة]، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: كان النيي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل بدأ بركعتين خفيفتين.

ص: 173

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2192).

• خالفهم فأوقفه حماد بن زيد وهشيم:

أ - روى سليمان بن حرب [ثقة حافظ، لزم حماد بن زيد تسع عشرة سنة.

التهذيب (2/ 88)]، قال: حدثنا حماد بن زيد [ثقة ثبت]، عن هشام، عن محمد، قال: قال أبو هريرة: إذا قام أحدكم إلى الصلاة من الليل فليبدأ فليصل ركعتين خفيفتين، قال حماد: فذكرت ذلك لأيوب، فقال: خفيفتين؟ وأنكر أيوب قوله: خفيفتين.

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 336)(4/ 161 - ط. التأصيل).

• هكذا رواه العقيلي بإسناد صحيح إلى سليمان بن حرب.

لكن رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 24)، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد، عن سعيد بن أبي صدقة [بصري، ثقة]، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين يقرأ فيهما، ثم يقرأ في ركعتين قبل الفريضة أو بعدها.

قال حماد: وذكرت لأيوب أن هشاماً يقول: ركعتين خفيفتين، وأنكره.

قلت: هكذا قلب إسناده؛ فجعل سعيد بن أبي صدقة، مكان: هشام بن حسان، وهو وهم عندي؛ لأن الحديث مشهور - عن هشام بن حسان، وحماد بن زيد مكثر عن هشام، والله أعلم.

ب - ورواه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال: قال أبو هريرة: إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح [صلاته] بركعتين خفيفتين.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 73 /6621)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (398)، [المسند المصنف (31/ 156/ 14239)].

قال أبو داود: "روى هذا الحديث حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وجماعة، عن هشام عن محمد، أوقفوه على أبي هريرة".

وقال البيهقي: "ورواه جماعة عن هشام موقوفًا على أبي هريرة، منهم: حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وكذلك رواه أيوب وابن عون عن ابن سيرين، وروي في حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة: ثم ليطول بعدُ ما شاء".

قلت: المحفوظ عن هشام المرفوع، هكذا رواه عنه جماعة من ثقات أصحابه المتقنين، لكن هشامًا تهيب حماد بن زيد فأوقفه؛ فقد روى العقيلي (4/ 336) (4/ 161 - ط. التأصيل) بإسناده إلى: حماد بن زيد، قال:"كان هشام يرفع حديث محمد عن أبي هريرة، يقول فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لأيوب، فقال لي: قل له: إن محمدًا لم يكن يرفعُها، فلا ترفعْها، إنما كان ينحو بها نحو الرفع، فذكرت ذلك لهشام فترك الرفع".

ص: 174

• تابع هشام بن حسان على رفع هذا الحديث عن ابن سيرين:

عمران بن خالد الخزاعي [ضعيف. اللسان (6/ 171)]، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين".

أخرجه البزار (17/ 283/ 9993)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(429)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 287).

قال البزار: "وقد روى عمران بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أحاديث، كلها قد رواها غيره من الثقات، فاقتصرنا على ما ذكرنا منها".

* * *

1324 قال أبو داود: حدثنا مخلد بن خالد: حدثنا إبراهيم -يعني: ابن خالد-، عن رباح بن زيد، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: إذا

بمعناه، زاد: ثم ليطوِّلْ بعدُ ما شاء.

قال أبو داود: روى هذا الحديث حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وجماعة، عن هشام عن محمد، أوقفوه على أبي هريرة.

وكذلك رواه أيوب، وابن عون، أوقفوه على أبي هريرة.

ورواه ابن عون، عن محمد، قال: فيهما تجوُّزٌ.

• صحيح مرفوعًا بدون الزيادة

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 6). [التحفة (10/ 178 /14456)].

هكذا رواه معمر بن راشد، عن أيوب به موقوفًا، ومعمر: ثقة ثبت في الزهري وابن طاووس، حديثه عن أهل البصرة ليس بذاك، وليس بالثبت في أيوب.

• وقد خالفه من هو أثبت منه في أيوب: فقد رواه سفيان بن عيينة [ثقة حافظ، إمام حجة]، قال: ثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين، يفتتح بها صلاته".

أخرجه الحميدي (1015)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (479)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 291)، وفي الاستذكار (2/ 107)، [المسند المصنف (31/ 156/ 14239)].

هكذا رواه عن ابن عيينة: الحميدي [ثقة حافظ فقيه، أثبت أصحاب ابن عيينة، وراويته]، وحامد بن يحيى البلخي [ثقة، من أعلم الناس بابن عيينة، لازمه طويلًا]، وأبو موسى الهروي [إسحاق بن إبراهيم: ليس به بأس. راجع ترجمته في: فضل الرحيم (9/ 536/ 895)].

ص: 175

• خالفهم فأفحش في الوهم:

الحارث بن سريج [النقال الخوارمي: ضعيف، تركه بعضهم، واتُّهم. سؤالات ابن الجنيد (119 و 333 و 334)، سؤالات الآجري (558)، الجرح والتعديل (3/ 76)، الثقات (8/ 183)، الكامل (2/ 196)، ضعفاء الدارقطني (157)، تاريخ بغداد (8/ 209)، اللسان (2/ 514)، الثقات لابن قطلوبغا (3/ 243)]: ثنا ابن عيينة، قال: قال هشام بن حسان: عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستفتح القراءة بركعتين خفيفتين".

أخرجه تمام في فوائده (1776).

• والحاصل: فإن الراجح من حديث أيوب؛ فيما وقفت عليه من أسانيد: ما رواه ابن عيينة عنه به مرفوعًا، وفيه اللفظة التي نقل حماد بن زيد أن أيوب أنكرها على هشام بن حسان، وهي كلمة:"خفيفتين"، والله أعلم.

• وأما حديث ابن عون:

فيرويه أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان [صدوق]، وإسماعيل بن أبي زياد السكوني [كذاب، يضع الحديث، وفي الإسناد إليه جهالة. سؤالات البرذعي (2/ 373)، سؤالات البرقاني (4)، ضعفاء الدارقطني (85)، الميزان (1/ 231 و 250)، التهذيب (1/ 151 و 168)]:

حدثنا عبد الله بن عون [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين]، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يقوم الليل فليفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين، يقرأ بفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ويقرأ بفاتحة الكتاب في الركعة الثانية وخاتمة بني إسرائيل". لفظ السكوني، وهو حديث موضوع.

وأحال أبو عوانة لفظ أبي خالد على روايته عن هشام بن حسان، من فعله صلى الله عليه وسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد صلى ركعتين خفيفتين.

أخرجه أبو عوانة (2/ 41/ 2240)، وأبو العباس جعفر المستغفري في فضائل القرآن (503).

قال الدارقطني في العلل (8/ 108/ 1432): "وروي عن أبي خالد الأحمر عن ابن عون مرفوعًا، والمحفوظ عن ابن عون: الموقوف".

ولم يستوعب الدارقطني ذكر الاختلاف فيه على ابن سيرين، حيث قال:"يرفعه خالد الحذاء، وهشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه ابن عون على أبي هريرة".

فلم يتعرض لرواية أيوب، والاختلاف عليه فيها، ولا للاختلاف على هشام.

قال أبو داود: "روى هذا الحديث حماد بن سلمة، وزهير بن معاوية، وجماعة، عن هشام، عن محمد، أوقفوه على أبي هريرة.

ص: 176

وكذلك رواه أيوب، وابن عون، أوقفوه على أبي هريرة".

• قلت: أما هشام بن حسان: فالمحفوظ عنه الرفع، وقد اعتمده مسلم وصححه، وأما أيوب السختياني: فالمحفوظ عنه الرفع أيضًا -فيما وصل إلينا من أسانيد-، وأما ابن عون: فالمحفوظ عنه الوقف، على ما جزم به الدارقطني.

وأيوب السختياني: ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء والعباد، أثبت أصحاب ابن سيرين، وأكثرهم عنه رواية، وهشام بن حسان: بصري ثقة، ثبت في ابن سيرين.

ورواية ابن عون الموقوفة لا يُعلُّ بها المرفوع، فقد كان البصريون يفعلون ذلك في أحاديث ابن سيرين؛ بل ابن سيرين نفسه كان يفعل ذلك.

ولو فرضنا أن الوقف هو المحفوظ فيه عن أيوب السختياني: فإنه لا يُعِلُّ المرفوع.

قال المرُّوذي في سؤالاته لأحمد: "سألته عن هشام بن حسان؟ فقال: أيوب وابن عون أحبُّ إليَّ، وحسَّنَ أمرَ هشام، وقال: قد روى أحاديث رفعها أوقفوها، وقد كان مذهبهم أن يقصروا بالحديث ويوقفوه"[العلل ومعرفة الرجال رواية المروذي (78)].

وقال الخطيب في الكفاية: "قال موسى [هو: ابن هارون، الحمال، الحافظ الكبير]: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: "قال قال" فهو مرفوع. قلت للبرقاني: أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة، فقال: كذا تحسب، قلت: ويحقق قول موسى هذا ما أخبرناه ابن الفضل، قال: أنا عبد الله بن جعفر، قال: ثنا يعقوب بن سفيان، قال: ثنا يحيى بن خلف، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن خالد، قال: قال محمد بن سيرين: كل شيء حَدَّثتُ عن أبي هريرة فهو مرفوع".

وفي رواية عنه: "كل شيء حدثتكم عن أبي هريرة؛ فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وفي رواية: أنه كان إذا حدَّث عن أبي هريرة، فقيل له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "كل حديث أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم"[المعرفة والتاريخ (3/ 136)، شرح مشكل الآثار (1/ 243 - ترتيبه)، الكفاية (418)، تاريخ دمشق (53/ 188)، [راجع: فضل الرحيم الودود (1/ 282/ 69) و (5/ 414/ 472)].

• وقال الدارقطني في حديث لابن سيرين عن أبي هريرة اختلف في رفعه ووقفه: "والمرفوع أشبه، وعادة ابن سيرين التوقف"[العلل (9/ 160/ 1690)].

وقال في موضع آخر عن حديث آخر لابن سيرين عن أبي هريرة (10/ 14/ 1820): "ورفعه صحيح، وكان ابن عون ربما وقف المرفوع".

وقال في موضع ثالث (10/ 1827/25): "وقد تقدم قولنا في أن ابن سيرين من توقيه وتورعه: تارة يصرح بالرفع، وتارة يومئ، وتارة يتوقف، على حسب نشاطه في الحال".

وقال في موضع رابع (10/ 27/ 1829): "ورفعه صحيح؛ لأن ابن سيرين كان شديد التوقي في رفع الحديث"[انظر: العلل (5/ 14/ 1829 - ط. البيان)، مقدمة العلل لابن أبي حاتم (1/ 76 - ط. الحميد)].

ص: 177

وقال في موضع خامس (10/ 29 /1830): "ورفعه صحيح، وقد عرفت عادة ابن سيرين أنه ربما توقف عن رفع الحديث توقيًا".

وقال في موضع سادس (10/ 30/ 1831): "فرفعه صحيح، ومن وقفه فقد أصاب؟ لأن ابن سيرين كان يفعل مثل هذا، يرفع مرة ويوقف أخرى".

وانظر أيضًا: العلل (8/ 107 /1431) و (8/ 115/ 1441) و (8/ 116/ 1442) و (10/ 18/ 1822) و (10/ 33/ 1833) و (10/ 37/ 1837)(10/ 40/ 1841) و (10/ 48/ 1849) و (10/ 55/ 1856).

وقال ابن رجب في شرح العلل (2/ 700): "وليس وقف هذا الحديث مما يضر، فإن ابن سيرين كان يقف الأحاديث كثيرًا، ولا يرفعُها، والناس كلهم يخالفونه ويرفعونها".

وراجع في تصرف الشيخين في مثل ذلك، ما تقدم في: فضل الرحيم الودود (10/ 10/ 903).

والحديث ثابت مرفوعًا من فعله صلى الله عليه وسلم، من حديث عائشة، وزيد بن خالد الجهني.

• والحاصل: فإن هذا الحديث: حديث صحيح؛ قصر به بعضهم فأوقفه توقيًا.

فالمرفوع: صحيح؛ ولذا أخرجه مسلم في صحيحه، وقد احتج الشيخان بهذه الترجمة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة، وخرج منها مسلم جملة وافرة من الأحاديث، والله أعلم.

• وقد صح ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم:

1 -

حديث عائشة:

يرويه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]: أخبرنا أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي، افتتح صلاته بركعتين خفيفتين.

أخرجه مسلم (767)، وأبو عوانة (2/ 41/ 2243)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 364/ 1755)، وأحمد (6/ 30)، وإسحاق بن راهويه (3/ 1028/ 1779) و (3/ 1048/ 1814)، وابن سعد في الطبقات (1/ 483)، وابن أبي شيبة (2/ 73 /6620)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (397)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (128 - مختصره)، والطحاوي (1/ 280)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 486)، والبيهقي (3/ 5)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 290)، وفي الاستذكار (2/ 107)، [التحفة (11/ 203/ 16097)، الإتحاف (16/ 1088/ 21672)، المسند المصنف (37/ 247/ 17873)].

ووقع بأطول من هذا من رواية سعيد بن منصور عن هشيم به، عند ابن سعد والطحاوي، ولفظه عند الطحاوي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثم صلى ثمان ركعات ثم أوتر.

ص: 178

• ورواه يحيى بن سعيد القطان [ثقة حافظ، إمام حجة]، عن أبي حرة، قال: حدثنا الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل صلى ركعتين، يتجوَّز فيهما.

أخرجه أحمد (6/ 203).

• ورواه أبو زيد الهروي [سعيد بن الربيع: ثقة]، قال: ثنا أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة قال: سألتها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء الآخرة صلى ركعتين يتجوَّز فيهما.

أخرجه أبو عوانة (2/ 41/ 2242)، ومن طريقه: البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 475/ 898)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".

والحسن البصري قد سمع هذا الحديث من سعد بن هشام، وأبو حرة هو: واصل بن عبد الرحمن البصري، وهو: صدوق عابد، فإن قيل: قد تكلموا في روايته عن الحسن خاصة، فيقال: إنما تكلموا فيه لأجل عدم سماعه لأكثر حديثه من الحسن، فضُعِّف لأجل ذلك [العلل ومعرفة الرجال (2/ 595/ 3823)، ضعفاء العقيلي (4/ 326)، الكامل (7/ 86)، الميزان (4/ 329)، إكمال مغلطاي (12/ 200)، التهذيب (4/ 302)، تحفة التحصيل (336)]، وأما هذا الحديث بعينه فهو مما سمعه أبو حرة من الحسن، كما تقدم في طريق يحيى بن سعيد القطان عند أحمد.

قال أحمد بن حنبل: "كان أبو حرة صاحب تدليس عن الحسن؛ إلا أن يحيى روى عنه ثلاثة أحاديث، يقول في بعضها: حدثنا الحسن، منها: حديث سعد بن هشام، حديث عائشة في الركعتين"[سؤالات المروذي (1)].

فاتصل بذلك إسناده مع ثقة رجاله، فصح الحديث، والحمد لله.

* وقد رواه مطولًا: أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]: نا أبو حرة، عن الحسن، عن سعد بن هشام الأنصاري؛ أنه سأل عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء تجوَّز بركعتين، ثم ينام وعند رأسه طهوره وسواكه، فيقوم فيتسوك ويتوضأ، ويصلي ويتجوَّز بركعتين، ثم يقوم فيصلي ثمان ركعات يسوي بينهن في القراءة، ويوتر بالتاسعة، ويصلي ركعتين وهو جالس، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم، جعل الثمان ستًا ويوتر بالسابعة، وبصلي ركعتين وهو جالس، يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} {إِذَا زُلْزِلَتِ} .

أخرجه ابن خزيمة (2/ 158 /1104)، وعنه: ابن حبان (6/ 361/ 2635) و (6/ 367/ 2640)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (472) ، والطحاوي (1/ 280)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (206)(1782 - المخلصيات)، [الإتحاف (16/ 1088/ 21672)، المسند المصنف (37/ 247/ 17873)].

• ورواه بدون موضع الشاهد: حماد بن سلمة، عن أبي حرة، عن الحسن، عن

ص: 179

سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات يقعد في الثامنة، ثم يقوم فيركع ركعة.

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 161/ 1419)، ومن طريقه: ابن حزم في المحلى (3/ 44)، [التحفة (11/ 203/ 16098)، المسند المصنف (37/ 254/ 17873)].

هكذا رواه عن حماد بن سلمة: عبيد الله بن محمد بن حفص العيشي، وهو: ثقة جواد، وهو مكثر عن حماد بن سلمة، كان عنده عنه تسعه آلاف، لكنه خولف فيه عن حماد.

فقد رواه غيره مثل: عفان بن مسلم، وأبي كامل مظفر بن مدرك، وحجاج بن المنهال، وأبي سلمة موسى بن إسماعيل، وأبي عمر حفص بن عمر الضرير:

عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مرفوعًا.

وعن حماد، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مرفوعًا.

وعن حماد، عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة به مرفوعًا.

وسوف يأتي تخريج حديث سعد بن هشام عن عائشة مستوفى إن شاء الله تعالى قريبًا برقم (1342 - 1349 و 1352)، وتحقيق القول في هذا الاختلاف على حماد وغيره.

2 -

حديث زيد بن خالد الجهني:

يرويه مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه؛ أن عبد الله بن قيس بن مخرمة، أخبره عن زيد بن خالد الجهني؛ أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، [قال: فتوسدت عتبته، أو فسطاطه]، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة. لفظ قتيبة [عند مسلم].

أخرجه مسلم (765)، وأبو عوانة (2/ 53/ 2286 و 2287)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 364/ 1753)، وأبو داود (1366)، والترمذي في الشمائل (269)، والنسائي في الكبرى (1/ 234/ 395) و (2/ 131/ 1338)، وابن ماجه (1362)، وابن حبان (6/ 343/ 2608)، وعبد الرزاق (3/ 38/ 4712)، وعبد بن حميد (273)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (474)، وإبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 383)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على مسند أبيه (5/ 193)(9/ 5074/ 22590 و 22091 - ط. المكنز)، ومحمد بن نصر المروزي في قيام الليل (122 - مختصره)، والطحاوي (1/ 290)، والطبراني في الكبير (5/ 249/ 5245)، والجوهري في مسند

ص: 180

الموطأ (505)، والبيهقي في السنن (3/ 8)، وفي المعرفة (2/ 325/ 1409)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 288 و 289)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 19/ 909)، وقال:"حديث صحيح". وفي الشمائل (571)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 103 و 104)، [التحفة (3/ 186/ 3753)، الإتحاف (5/ 4888/23)، المسند المصنف (8/ 732/ 4134)].

هكذا رواه عن مالك جمهور رواة الموطأ: عبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، ومعن بن عيسى، وأبو مصعب الزهري (297)، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري، وعبد الرزاق بن همام، وأبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، ومصعب بن عبد الله الزبيري، ومحمد بن الحسن الشيباني (166).

• خالفهم في متنه: يحيى بن يحيى الليثي، فرواه عن مالك في الموطأ (1/ 179 / 318)، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه؛ أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره، عن زيد بن خالد الجهني؛ أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتوسدت عتبته، أو فسطاطه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فتلك ثلاث عشرة ركعة.

قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 287): "هكذا قال يحيى في الحديث: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين طويلتين طويلتين، ولم يتابعه على هذا أحد من رواة الموطأ عن مالك فيما علمت، والذي في الموطأ عن مالك عند جميعهم: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين، فأسقط يحيى ذكر الركعتين الخفيفتين، وذلك خطا واضح؛ لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن خالد وغيره: أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، وقال يحيى أيضًا: طويلتين طويلتين، مرتين، وغيره يقوله ثلاث مرات: طويلتين طويلتين طويلتين"، إلى أن قال:"وذلك مما عُدَّ على يحيى من سقطه وغلطه، والغلط لا يسلم منه أحد"، وقال نحوه في الاستذكار (2/ 106). وانظر: مشارق الأنوار (2/ 308).

• وخالفهم في إسناده: عبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عبادة:

فروياه عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر؛ أن عبد الله بن قيس أخبره؛ عن زيد بن خالد الجهني؛ أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوسدت عتبته أو فسطاطه،

فذكر الحديث بمثله. والسياق لابن مهدي.

أخرجه أحمد (5/ 193)(9/ 5074/ 22089 - ط. المكنز)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 103)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (46 - جزء من حديثه منتخب من مسنده برواية ابن شادل)(3/ 2723/22 - ط. التأصيل).

ص: 181

قال إسحاق: "وزاد غير روح، فقال: عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عبد الله بن قيس".

وقال عبد الله بن أحمد في المسند بعد حديث مصعب: "ولم يذكر عبد الرحمن في حديث مالك: عن أبيه، والصواب ما روى مصعب: عن أبيه"، ثم أسنده من طريق معن، ثم قال:"والصواب ما قال مصعب ومعن: عن أبيه، ولم يذكر عبد الرحمن فيه: عن أبيه، وَهِمَ فيه".

قلت: وكذلك وهم فيه روح بن عبادة، والصواب: رواية الجماعة من ثقات أصحاب مالك، وهم جمهور رواة الموطأ.

• تابع مالكًا عليه: وهب بن جرير، وزهير بن محمد التميمي:

أ - فأما حديث وهب بن جرير فقد رواه:

محمد بن معمر [هو: ابن ربعي القيسي البصري البحراني: ثقة]، قال: نا أبو عامر [العقدي؛ عبد الملك بن عمرو: ثقة]، قال: نا وهب [ثقة]، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو، عن أبيه، عن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام ذات ليلة، ثم فزع، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم قام فصلى ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين خفيفتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة.

أخرجه البزار (9/ 238 /3781)، قال: حدثنا محمد بن معمر به.

وهو حديث صحيح.

ب - وأما حديث زهير بن محمد فقد رواه:

حفص بن عمر بن الصباح الرقي [صدوق، ليس بمتقن. تقدمت ترجمته مرارًا، آخرها تحت الحديث رقم (1556)،: ثنا أبو حذيفة: ثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عبد الله بن قيس، عن زيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حديث مالك.

أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 249/ 5246)، قال: حدثنا حفص بن عمر به.

قلت: وهو حديث صحيح، زهير بن محمد التميمي: رواية أهل الشام عنه ضعيفة فيها مناكير، ورواية أهل العراق عنه مستقيمة؛ قال الإمام أحمد:"أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة: عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر!، وقال الإمام البخاري: "أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد: مقاربة مستقيمة"، وهذا الحديث مما رواه عنه من أهل العراق [انظر: التهذيب (1/ 639)، الميزان (2/ 84)، إكمال مغلطاي (5/ 90)، ترتيب علل الترمذي ص (395)، جامع الترمذي (3291).

وغيرها]، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري: صدوق، وهو معروف بالرواية عن زهير.

ص: 182

• وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه ابن قانع في المعجم (2/ 140)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 104 و 105).

3 -

حديث ابن عباس.

ويأتي تخريجه مفصلًا إن شاء الله تعالى برقم (1364)، وموضع الشاهد منه: فصلى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرأن في كل ركعة ثم سلم، ثم صلى ركعتين ثم سلم، حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر،

الحديث.

• قال ابن نصر المروزي في قيام الليل (128 - مختصره): "وهذا عندنا اختيار وليس بواجب، فإن افتتح صلاته بركعتين طويلتين فذلك مباح".

وقال في طرح التثريب (3/ 76): "ورأيت والذي رحمه الله لما سئل عن الحكمة في افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، أجاب عن ذلك: بأن الحكمة فيه استعجال حل عقد الشيطان، وهو معنى حسن بديع، ومقتضاه ما رجحته من أنه لا يحصل ذلك إلا بتمام الصلاة، ولا يخدش في هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم منزه عن عقد الشيطان على قافيته؛ لأنا نقول: إنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك تشريعًا لأمته ليقتدوا به، فيحصل لهم هذا المقصود، والله أعلم"، وأقره ابن حجر في الفتح (3/ 27).

* * *

1325 قال أبو داود: حدثنا ابن حنبل - يعني: أحمد -: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن خبشِي الخثعمي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "طول القيام".

• صوابه: عن عبيد بن عمير مرسلًا

أعاده أبو داود بنفس إسناده، وساق الحديث بتمامه لكن باختصار مخل في أوله، في أبواب الوتر، باب: طول القيام، الحديث رقم (1449).

• هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده (3/ 411)، قال: حدثنا حجاج [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن جريج]، قال: قال ابن جريج [ثقة حافظ]: حدثني عثمان بن أبي سليمان [ثقة]، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن حبشي الخثعمي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة"، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل"، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه"، قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من جاهد المشركين بماله ونفسه"، قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: "من أهريق دمه، وعقر جواده".

ص: 183

• وأخرجه أيضًا من طريق أحمد به: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1623 4085)، وفي الحلية (2/ 14)، والضياء في المختارة (9/ 13/ 2235).

• ورواه أيضًا عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور:

أبو خيثمة زهير بن حرب، ويحيى بن معين، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وهارون بن عبد الله الحمال، وزياد بن أيوب دلويه، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وإسحاق بن منصور الكوسج [وهم ثقات حفاظ]، وأحمد بن عبد الله بن أبي السفر، وإسحاق بن إبراهيم بن محمد أبو يعقوب الصفار، وأحمد بن عبيد الله بن إدريس أبو بكر النرسي، وأبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، وعلي بن معبد بن شداد الرقي، وعلي بن ميمون أبو الحسن العطار، وعبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، وعبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني [وهم ثقات]، وغيرهم:

عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن حبشي الحنفي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟

فذكروه بمثله، وقالوا:"طول القيام"، عدا الكوسج وصاعقة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 25)، والنسائي في المجتبى (5/ 58/ 2526) و (8/ 94/ 4986)، وفي الكبرى (3/ 47/ 2317)، والدارمي (1566 - ط. البشائر)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 467/ 2520)، وفي الجهاد (26 و 40 و 234)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (307)، وفي قيام الليل (129 - مختصره)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 501/ 2367)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 299)، وفي أحكام القرآن (397)، وأبو بكر العكري في فوائده (37)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 1188/601)، ومكرم البزاز في الأول من فوائده (111)، وابن قانع في المعجم (2/ 65)، وابن عدي في الكامل (5/ 180)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1623/ 4085)، والبيهقي (3/ 9) و (4/ 180) و (9/ 164)، والضياء في المختارة (9/ 236/ 214)، [التحفة (4/ 193/ 5241)، الإتحاف (6/ 571/ 7007)، المسند المصنف (11/ 146/ 5253)].

قال أبو القاسم البغوي: "عثمان بن أبي سليمان هو: ابن محمد بن جبير بن مطعم، وعلي الأزدي هو: علي بن عبد الله البارقي".

وقال ابن عدي: "اختلفوا على عبيد بن عمير في هذا الحديث على ألوان".

وقال الدارقطني في الإلزامات (173) فيما ألزم به الشيخين إخراج حديثه: "عبد الله بن حبشي الخثعمي: روى حديثَه ابنُ جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير عنه، وكلهم من رسمهما".

وقوى إسناده ابن حجر في الإصابة (4/ 52).

ص: 184

• قلت: ولهذا الحديث طرق أخرى:

أ - رواه إبراهيم بن سعد [ثقة حجة]، عن صالح بن كيسان [ثقة ثبت، من الرابعة]، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه عبيد بن عمير؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ما الإسلام؟ قال: "إطعام الطعام، وطيب الكلام"، قيل: فما الإيمان؟ قال: "الصبر، والسماحة"، قيل: فمن أفضل المسلمين إسلامًا؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قيل: فمن أفضل المؤمنين إيمانًا؟ قال: "أحسنهم خلقًا"، قيل: فما أفضل الهجرة؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 25)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (643)[واللفظ له]، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (5/ 974/ 1620)، وعلقه ابن أبي حاتم في العلل (1941).

وهذا إسناد صحيح غريب إلى عبد الله بن عبيد بن عمير، وهو مرسل.

ب - ورواه عمران بن حدير [بصري، ثقة ثقة]، عن بديل بن ميسرة [بصري، ثقة، من الخامسة]، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه - ولم يسمعه منه -، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

البخاري في التاريخ الكبير (5/ 143)، وعلقه ابن أبي حاتم في العلل (1941).

وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن عمير، وهو مرسل.

ج - ورواه جرير بن حازم [ثقة]، عن عبد الله بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقط، لا يقول فيه: أبوه، ولا جده.

علقه ابن أبي حاتم في العلل (1941).

وهم فيه جرير وقصر في إسناده؛ فأسقط عبيد بن عمير من الإسناد.

د - ورواه ابن عيينة [ثقة حافظ، أثبت الناس في عمرو بن دينار، وأعلمهم بحديثه]، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عبيد بن عمير يحدث، قال: قيل: أي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده، وأهريق دمه"، قيل: فأي الصلوات أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل"، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما نهاه الله عنه ورسوله"، قيل: فأي الناس أحكم؟ قال: "الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه"، قيل: فأي الناس أعلم؟ قال: "الذى يجمع علم الناس إلى علمه"، قال: لا أعلم عبيدًا إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 72/ 4844).

وهذا إسناد صحيح إلى عبيد بن عمير، وهو مرسل.

• وانظر في الأباطيل: ما أخرجه أبو يعلى (4/ 132/ 2183)، وابن حبان في المجروحين (3/ 35).

هـ - ورواه معاوية بن عمرو [الأزدي: ثقة]: ثنا أبو إسحاق [إبراهيم بن محمد بن

ص: 185

الحارث الفزاري: ثقة حافظ]، عن هارون [هو: ابن رئاب، وهو: ثقة]، عن عبيد بن عمير، أو: عن ابنه عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأهريق دمه"، قال: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل"، قيل: أرأيت قوماً هلكوا في الجاهلية قبل الإسلام كانوا يطعمون الطعام ويفعلون كذا وكذا؟ قال: "كانوا يفعلون ولا يقولون: اللَّهُمَّ اغفر لنا يوم الدين".

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (38 - بغية الباحث).

وهذا إسناد صحيح إلى هارون بن رئاب؛ إلا أن عبيد بن عمير قد مات قبل ابن عمر؛ قاله ابن جريج، وعليه: فإن هارون بن رئاب لم يدركه، وبين وفاة عبيد بن عمير على قولٍ، وبين وفاة أنس بن مالك ما يزيد على عشرين سنة، وهارون: لم يسمع من أنس على الصحيح [انظر: التاريخ الكبير (8/ 219)، الجرح والتعديل (9/ 89)، الثقات (5/ 508) و (7/ 578)]، وقد قال البخاري في الأوسط (1/ 318/ 1532):"ومات هارون بن رئاب الأسدي البصري قبل محمد بن واسع"، وابن والمعكانت وفاته سنة (123)، وعليه: فيكون قد أدرك عبد الله بن عبيد بن عمير، ولم يدرك أباه، والله أعلم.

• وروي من وجه آخر، عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، مرسلًا، في جهد المقل.

أخرجه ابن بشران في الأمالي (1121).

ولا يثبت عن زياد بن سعد، تفرد به عنه: زمعة بن صالح، وهو: ضعيف، والإسناد إليه غريب.

• وانظر فيمن قلب إسناده، وجوده، فجعل مالك بن أنس مكان زمعة بن صالح: ما أخرجه قاضي المارستان في مشيخته (35)، وأبو طاهر السلفي في السادس عشر من المشيخة البغدادية (24)(1394 - مشيخة المحدثين البغدادية).

وهذا باطل من حديث مالك؛ المتهم به هو: أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث السجستاني، وهو: منكر الحديث، اتهمه ابن حبان [اللسان (1/ 588)].

و - ورواه سوبد أبو حاتم، وأبو بدر الحلبي:

عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده، قال: بينما أنا قاعد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: "إطعام الطعام، ولين الكلام"، قال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: "السماحة، والصبر"، قال: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: "أحسنهم خلقًا"، [قال: يا رسول الله! أي القتل أشرف؟ قال: "من أريق دمه، وعقر جواده"]، قال: يا رسول الله! أي الجهاد أفضل؟ قال: "الذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله"، قال: يا رسول الله! فأي الصدقة أفضل؟ قال:

ص: 186

"جهد المقل"، قال: يا رسول الله! فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، [قال: يا رسول الله! فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر السوء"]. لفظ سويد أبي حاتم.

ولفظ أبي بدر [عند الطبراني في الكبير]: كانت في نفسي مسألة قد أحزنتني لم أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولم أسمع أحدًا يسأله عنها، فكنت أتحينه فدخلت ذات يوم وهو يتوضأ فوافقته على حالين كنت أحب أن أوافقه عليهما، وجدته فارغًا طيب النفس، فقلت: يا رسول الله! ائذن لي فأسألك، قال:"نعم، سل عما بدا لك"، قلت: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال:"السماحة والصبر"، قلت: وأي المؤمنين أفضلهم إيمانًا؟ قال: "أحسنهم خلقاً"، قلت: فأي المسلمين أفضل إسلامًا؟ قال: "من سلم المسلمون من يده ولسانه"، قلت: فأي الجهاد أفضل؟ فطأطأ رأسه فصمت طويلًا حتى خفت أن أكون قد شققت عليه، وتمنيت أن لم أكن سألته، وقد سمعته بالأمس يقول:"إن أعظم الناس في المسلمين جرمًا لمن سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم من أجل مسألته"، فقلت: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فرفع رأسه فقال:"كيف قلت؟ "، قلت: أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة عدل عند إمام جائر".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 25). وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 192/ 483 - السفر الثالث)[واللفظ له، وما بين المعقوفين لابن نصر والفاكهي والبيهقي] و (1/ 1348/382 - السفر الثاني) و (2/ 703 /2902 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 173 - 174/ 911)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (645 و 881)، وأبو يعلى في المعجم (129)، والطحاوي (1/ 299)، وابن قانع في المعجم (2/ 229)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (198)، والطبراني في الكبير (17/ 48 /103) و (17/ 49/ 105)، وفي الأوسط (8/ 110/ 8123)، والحاكم في المستدرك (3/ 626) (8/ 272/ 6773 - ط. الميمان) [وسقط من إسناده: أبو بدر، وهو وهم]، وابن بشران في الأمالي (603)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 357)، وفي معرفة الصحابة (4/ 2091/ 5262)، والبيهقي في الشعب (14/ 71/ 9262) و (15/ 263 / 10343)، والواحدي في التفسير الوسيط (2/ 515)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (20)، وأبو طاهر السلفي في حديثه عن حاكم الكوفة الثقفي (40)، وأبو موسى المديني في اللطائف (802 و 803)، وابن العديم في تاريخ حلب (10/ 4330)، [الإتحاف (12/ 536/ 16046)].

ولا يثبت هذا من حديث عمير الليثي، فإن سويد بن إبراهيم الجحدري أبا حاتم الحناط: ليس بالقوي، روى ما لم يتابع عليه [تقدم ذكره تحت الأحاديث رقم (390 و 442 و 570)]، وأبو بدر الحلبي: لا يُعرف، ولو فرضنا بأنه: بشار بن الحكم الضبي البصري، فهو: منكر الحديث [الكنى من التاريخ الكبير (16)، الجرح والتعديل (9/ 348)، فتح الباب (1324). وانظر: الحلية (3/ 357)، اللسان (2/ 284)]، والراوي

ص: 187

عنه: بكر بن خنيس: كوفي ضعيف [التهذيب (1/ 503)، الميزان (1/ 344)].

قال أبو نعيم: "هذا حديث تفرد به سويد موصولاً عن عبد الله، ورواه صالح بن كيسان عن الزهري عن عبد الله عن أبيه، من دون جده".

• وأما ما وقع عند ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (59)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (308 و 644)، والبيهقي في الشعب (12/ 77 /7655)؛ فليس من حديث عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة، إنما هو: عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة، وهم فيه: محمد بن ذكوان الأزدي الطاحي، وهو: منكر الحديث، راجع في الشواهد: حديث عمرو بن عبسة.

• وكذلك ما روي عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بحديثه الطويل، الذي يأتي ذكره في الشواهد، فليس من حديث عبيد بن عمير في شيء؟ إذ المتفرد به: يحيى بن سعيد الكوفي السعدي العبشمي: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في المجلس جالس وحده، فاغتنمت خلوته، فقال:"يا أبا ذر! إن للمسجد تحية"

، وذكر الحديث بطوله في سؤال أبي ذر النبي صلى الله عليه وسلم عما سأله.

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 404)، وابن حبان في المجروحين (3/ 129)، وابن عدي في الكامل (7/ 244)(10/ 633 /18594 - ط. الرشد)، وأبو الشيخ في العظمة (2/ 570)، والحاكم في المستدرك (2/ 597)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 168)، والبيهقي في السنن (9/ 4)، وفي الأسماء والصفات (2/ 299 / 861)، وفي الشعب (131 و 4592)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 277)، وفي الأربعين في الحث على الجهاد (10)، [الإتحاف (14/ 169/ 17577)].

قال العقيلي: "يحيى بن سعيد العبشمي عن ابن جريج: لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل"، ثم قال:"وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسناد صالح".

وقال ابن حبان: "يروي عن ابن جريج المقلوبات، وعن غيره من الثقات الملزقات، لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد".

ثم قال: "وليس من حديث ابن جريج، ولا عطاء، ولا عبيد".

وقال ابن عدي: "وهذا الحديث منكر من هذا الطريق، عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر، وهذا الحديث ليس له من الطرق إلا من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذر، والثالث حديث ابن جريج هذا، وهذا أنكر الروايات، ويحيى بن سعد هذا يعرف بهذا الحديث".

• قلت: حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي قد أعله البخاري؛ فلم يثبت لعبد الله بن حبشي الصحبة، وإنما أورد له هذا الحديث، ثم أتبعه بذكر الاختلاف الواقع في إسناده على عبيد بن عمير، وختمه برواية الزهري المرسلة، فكأنه يميل إلى ترجيحها، وإعلال حديث الخثعمي بها، وقد أقر بذلك ابن حجر في الإصابة (4/ 52)، والله أعلم.

ص: 188

• قال أبو حاتم: "قد صح الحديث عن عبيد بن عمير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا.

واختلفوا فيمن فوق عبيد بن عمير، وقصر قوم مثل جرير بن حازم وغيره؛ فقالوا: عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقولون: عبيد، وحديث عمران بن حدير أشبه؛ لأنه بين عورته".

قال ابن أبي حاتم: "قلت: فحديث الزهري هذا؟ قال: أخاف ألا يكون محفوظًا، أخاف أن يكون: صالح بن كيسان عن عبد الله بن عبيد نفسه؛ بلا زهري"[العلل (1941)].

قلت: هكذا تابع البخاريَّ على هذا الإعلال أبو حاتم، حيث صحح رواية الإرسال بعد ذكر الاختلاف الوارد فيه على عبد الله بن عبيد، وهو وإن لم يعتمد على رواية الزهري، إلا إنه لم يسقطها بالكلية، حيث جعلها من حديث صالح بن كيسان عن عبد الله بن عبيد بلا واسطة، وذلك لكبر سن صالح، فقد قال ابن معين وأحمد وابن المديني والبخاري وأبو حاتم بأنه أكبر من الزهري، وهو من الطبقة الرابعة، وقد أدرك عبد الله بن عبيد؛ إذ بين وفاتيهما ما بين العشرين إلى الثلاثين سنة.

وبذا يكون قد روى هذا الحديث ثلاثة من الثقات عن عبد الله بن عمير: الزهري أو صالح بن كيسان، وبديل بن ميسرة، وجرير بن حازم، مع اختلافهم بعد ذلك في إثبات عبيد بن عمير في الإسناد، فأسقطه جرير وأثبته الآخران وهو الصواب، وقد أبان بديل بن ميسرة عن علة أخرى فيه، وهي عدم سماع عبد الله بن عبيد بن عمير لهذا الحديث من أبيه؛ لذا قدمها أبو حاتم واعتمدها.

وقد حكى ابن جريج أن عبد الله بن عبيد لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا يذكره، وقال:"مات عبيد بن عمير قبل ابن عمر"، ذكره البخاري في التاريخ الكبير (5/ 455)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 293/ 606 - ط. الصميعي)، وهو معارض بقول البخاري نفسه في التاريخ الكبير (5/ 143) في ترجمة عبد الله بن عبيد بانه قد سمع أباه، وقد توسط في ذلك ابن معين، وكأنه أخذ برواية بديل هذه، فقال ابن محرز في سؤالاته (1/ 130/ 657):"وسمعت يحيى وسئل عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قيل له: سمع من أبيه؟ فقال: قالوا: إن عبد الله بن عبيد بن عمير: لم يسمع من أبيه فى بعض حديثه"[وانظر: تحفة التحصيل (181)]، والله أعلم.

وعليه: فإن عبد الله بن عبيد لم يسمع هذا الحديث بعينه من أبيه.

وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي: مكي، ثقة، من الثالثة، قد وثقه جماعة من النقاد، لا سيما أبو حاتم الرازي، فقد قال فيه على تشدده في الرجال:"ثقة، يحتج بحديثه"[الجرح والتعديل (5/ 101)، التهذيب (2/ 379)].

ولم ينفرد عن أبيه بإرساله، فقد تابعه تابعي من أثبت الناس وأعلمهم، وهو: عمرو بن دينار المكي [ثقة ثبت، أحد الأعلام، وأحد أئمة التابعين]، وهذا عندي هو أثبت إسناد لهذا الحديث.

ص: 189

كما رواه هارون بن رئاب أيضًا، عن عبيد بن عمير، أو: عن ابنه عنه، مرسلًا.

وباجتماع هذه الطرق الخمسة يتأكد وهم البارقي في حديثه الموصول.

• وأقول: أما علي بن عبد الله الأزدي البارقي: فقد روى عنه جماعة من الثقات، وروى له مسلم حديثًا في الدعاء، ونقل ابن خلفون عن العجلي توثيقه، وقال فيه ابن عدي بعد أن روى له ثلاثة أحاديث:"وليس لعلي البارقي الأزدي كثير حديث، وهو عندي لا بأس به"[التهذيب (3/ 180)، الكامل (5/ 180) (8/ 77 - ط. الرشد)].

وقد تقدم معنا قريبًا حديث برقم (1295)، يرويه علي بن عبد الله الأزدي البارقي، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".

وقد ذكرت لهذا الحديث ستة وجوه لإعلاله، منها: أن عليًّا الأزدي لم يتابع على هذه الزيادة عن ابن عمر؛ بل قد خالفه فلم يأت بها في الحديث: جماعة من ثقات أصحاب ابن عمر، وألزمهم له، وأكثرهم عنه رواية، وأعلمهم بحديثه، وفيهم أهل بيته؛ ابنه سالم، وابنه عبيد الله، ومولاه نافع، وعبد الله بن دينار، وطاووس، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن شقيق، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وعقبة بن حريث، وعقبة بن مسلم التجيبي [(14) رجلًا]، وبعض الضعفاء، مثل: عطية بن سعد العوفي، وبشر بن حرب الأزدي، كلهم قال فيه: عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى"، لم يذكروا النهار؛ فروايتهم هي الصواب، ورواية الأزدي وهمٌ.

ثم قلت: وبمجموع ذلك: نجزم بأن حديث علي الأزدي عن ابن عمر مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى": حديث شاذ، والله أعلم.

وهنا أيضًا: فإن عليًّا الأزدي قد خالف من هو أثبت وأضبط وأوثق منه وأكثر عددًا، لا سيما وفيهم رجل من أهل بيت عبيد بن عمير، وهو ابنه عبد الله، وعمرو بن دينار: بلديه وأحد أئمة التابعين، فكلاهما رواه عن عبيد بن عمير مرسلًا، ورواية هارون بن رئاب قريبة من روايتهما على شكه فيها.

وأما علي الأزدي فرواه عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي متصلًا مرفوعًا؛ فوهم في ذلك.

• وعليه: فإن الصواب في هذا الحديث: عن عبيد بن عمير مرسلًا، والله أعلم.

ومن أثبت الصحبة لعبد الله بن حبشي الخثعمي بهذا الحديث وغيره، مثل: ابن أبي حاتم، وابن حبان، والدارقطني؛ فإنما مشى على ظاهر السند، والله أعلم [انظر: الجرح والتعديل (5/ 29)، الثقات (3/ 240)، المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 948)].

• ولأطراف هذا الحديث شواهد كثيرة بعضها في الصحيح، أو فيما تقدم معنا في السنن:

• مثل حديث أبي هريرة:

رواه ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 190

سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله لا، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".

أخرجه البخاري (26 و 1519)، ومسلم (83).

• ومثل حديث عبد الله بن عمرو:

رواه جماعة، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

أخرجه البخاري (10 و 6484)، ويأتي تخريجه في السنن برقم (2481) إن شاء الله تعالى.

• ورواه عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير؛ أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: إن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".

أخرجه مسلم (40).

وهذا الحديث مشهور عن عبد الله بن عمرو، رواه عنه جماعة من أصحابه، وروي عنه مطولًا بنحو مرسل عبيد بن عمير.

• ومثل حديث أبي موسى الأشعري:

يرويه أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".

أخرجه البخاري (11)، ومسلم (42).

• ومثل حديث الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس القرشية العدوية:

رواه عبد الملك بن عمير، قال: حدثني فلان القرشي [هو: عثمان بن أبي حثمة]، عن جدته [الشفاء]؛ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أفضل الأعمال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور".

تقدم تخريجه في فضل الرحيم (5/ 257/ 426)، وهو حديث حسن بشواهده.

• وفي: "إطعام الطعام، وطيب الكلام" أحاديث كثيرة، راجع تخريجها: تحت الحديث رقم (1309)، الشاهد الثامن.

• لكني لن أعمد إلى إخراج شواهد حديث الباب لكثرتها، وسأكتفي بإخراج الأحاديث التي جاء فيها موضع الشاهد حسب.

• وقد جاء موضع الشاهد في تفضيل طول القيام من حديث عدد من الصحابة:

1 -

حديث جابر بن عبد الله، وله طرق منها:

أ - أما رواه أبو معاوية، وسفيان الثوري، ووكيع بن الجراح، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وعيسى بن يونس، ويعلى بن عبيد الطنافسي، وعبد الله بن نمير، وزائدة بن قدامة، ومالك بن مغول، وشجاع بن الوليد، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري [وهم ثقات، فيهم أثبت أصحاب الأعمش]:

ص: 191

عن سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده، وأهريق دمه"، قال: وسئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت". [لفظ وكيع عند أحمد].

ورواه وكيع بطرفه الثالث مستقلًّا [عند أحمد (3/ 372)]: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام أفضل؟ قال: "أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك".

ورواه الثوري عن الأعمش مفرقًا، أو في سياق واحد ببعض أطرافه.

ولفظ أبي الأحوص [عند الطيالسي]: عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر؛ أن رجلًا قال: يا رسول الله! أي الإسلام خير؟ قال: "أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك"، أو قال:"من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال: يا رسول الله! فأي الشهداء أفضل؟ فال: "أن يعقر جوادك ويهراق دمك"، قال: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت".

ولفظ مالك بن مغول [عند الصفار]: قيل: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك"، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأريق دمه".

أخرجه مسلم (756/ 165)[بطرفه الثاني موضع الشاهد]، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 350/ 1718)، والدارمي (2578 و 2917 - ط. البشائر)، وابن خزيمة (2/ 186/ 1155)، وابن حبان (5/ 54/ 1758) و (10/ 496/ 4639)، وأحمد (3/ 300 و 302 و 314 و 372)، والطيالسي (31/ 329/ 1886)، وعبد الرزاق (3/ 72/ 4845)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 8346/222) و (5/ 319/ 26496)، وفي الأدب (218)، وعبد بن حميد (1016)، والحارث بن أبي أسامة (626 - بغية الباحث)، وابن أبي عاصم في الزهد (11)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (309 و 310)، وأبو يعلى (4/ 98/ 2131) و (4/ 2273/186) و (4/ 195/ 2296)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 154/ 2576)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 299)، وفي أحكام القرآن (395)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (4)(673 - مجموع مصنفاته)، وأبو علي الصفار في الفوائد المنتقاة من مسموعاته (10)، والطبراني في الصغير (713)، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (203)، وأبو الحسن ابن الحمامي في الخامس من حديثه (16)، والبيهقي في السنن (3/ 8)، وفي المعرفة (2/ 306/ 1370)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 217)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 30/ 15) و (3/ 153/ 665)، وابن عساكر في المعجم (824)، وفي الأربعين في الحث على الجهاد (38)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 686/ 694)، والرافعي في التدوين (1/ 241 و 274 و 469)، [التحفة (2/ 251/ 2321)، الإتحاف (3/ 167/ 2748) و (3/ 185/ 2787) و (3/ 187/ 2790)، المسند المصنف (5/ 56/ 2421) و (6/ 192/ 3065) و (6/ 295/ 3179)].

ص: 192

• هكذا روى هذا الحديث عن الأعمش جماعة من أثبت الناس فيه وأكثرهم عنه رواية، مثل: سفيان الثوري، وأبي معاوية، ووكيع بن الجراح، وأبي الأحوص، وغيرهم.

• خالفهم: عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، فرواه عن الأعمش، عن شقيق، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه سئل: أي الإسلام أفضل؟

فذكر الحديث، وفيه طرف أفضل الجهاد، وأفضل الصلاة.

أخرجه البزار (8/ 34/ 3016)، والطبراني فى الأوسط (2/ 323/ 2106)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1592/ 1045).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن الأعمش عن شقيق عن أبي موسى؛ إلا عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، وغير ابن أبي غنية إنما يرويه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا ابن أبي غنية".

قلت: وهذا حديث شاذ؛ تفرد به عن الأعمش بهذا الوجه: ابن أبي غنية، وهو: كوفي ثقة، أصله من أصبهان، وليس من أصحاب الأعمش المقدمين فيه، فإما أن يكون الوهم منه، أو ممن هو دونه، والله أعلم.

ب - وروى ابن جريج [وعنه: أبو عاصم، وحجاج بن محمد، ومكي بن إبراهيم، وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب ابن جريج]، وسفيان بن عيينة [وعنه: الحميدي، وابن أبي عمر العدني، وهارون بن معروف، وهم ثقات، وفيهم أروى الناس عن ابن عيينة]، وعبد الله بن لهيعة [ضعيف]، وحجاج بن أرطاة [ليس بالقوي]، وزياد بن سعد [ولا يثبت عنه، تفرد به عنه: زمعة بن صالح، وهو: ضعيف، والإسناد إليه غريب]:

أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت". لفظ ابن جريج [عند مسلم].

وروى ابن جريج أيضًا [عند مسلم]؛ أنه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابرًا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". فرقه حديثين.

ولفظ ابن عيينة [عند الحميدي]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة طول القيام، وأفضل الجهاد من أهريق دمُه وعُقِر جوادُه، وأفضل الصدقة جهد المقل، أو ما تُصُدِّق به عن ظهر غنى".

ولفظ حجاج [عند ابن نصر]: قيل: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده، وأهريق دمه"، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك".

أخرجه مسلم (41) و (756/ 164)، وأبو عوانة (3/ 470/ 3488 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 157/130) و (2/ 1719/351)، والترمذي

ص: 193

387 -

، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 316/ 363)، وابن ماجه (1421)، وابن حبان (1/ 426/ 197)، والحاكم (1/ 10)(1/ 27/ 23 - ط. الميمان)[وفي لفظه شذوذ]، وأحمد (3/ 346)، والحميدي (1313)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (912)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (311 و 646)، وأبو يعلى (4/ 62/ 2081)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 299)، وفي أحكام القرآن (396)، وابن المقرئ في المعجم (753)، وابن منده في الإيمان (1/ 451/ 314)، وابن بشران في الأمالي (1121)، والبيهقي في السنن (3/ 8) و (10/ 187)، وفي الأربعين (14)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 23)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 152/ 659)، وفي التفسير (1/ 221)، [التحفة (2/ 401/ 2767) و (2/ 423/ 2827) و (2/ 426/ 2837)، الإتحاف (3/ 410/ 3344) و (3/ 470/ 3488)، المسند المصنف (6/ 189/ 3064)].

قال الترمذي: "حديث جابر: حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن عبد الله".

• وانظر فيمن قلب إسناد زياد بن سعد عن أبي الزبير عن جابر، وجوده، فجعل مالك بن أنس مكان زمعة بن صالح: ما أخرجه قاضي المارستان في مشيخته (35)، وأبو طاهر السلفي في السادس عشر من المشيخة البغدادية (24)(1394 - مشيخة المحدثين البغدادية).

وهو باطل من حديث مالك؛ المتهم به هو: أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث السجستاني، وهو: منكر الحديث، اتهمه ابن حبان [اللسان (1/ 588)].

وانظر أيضًا: أطراف الغرائب والأفراد (1/ 331/ 1801).

ج - وروى عبيد الله بن موسى [ثقة]، والنضر بن إسماعيل أبو المغيرة [ليس بالقوي، عنده مناكير]:

عن ابن أبي ليلى [ليس بالقوي]، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قال: يا رسول الله وأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده، وأريق دمه". قال: يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما كره الله"، قال: يا رسول الله، فأي المسلمين أفضل؟ قال:"من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال: يا رسول الله، فما الموجبتان؟ قال:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار".

أخرجه أحمد (3/ 391)، وعبد بن حميد (1060)، وابن أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان (29)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2459)، [المسند المصنف (6/ 189 /3064)].

ص: 194

• ولأبي الزبير في جهد المقل حديث آخر:

فقد روى عبد الله بن وهب، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وحجين بن المثنى، وقتيبة بن سعيد، وكامل بن طلحة، ويزيد بن خالد بن موهب الرملي، وأحمد بن عبد الله بن يونس، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وأبو صالح عبد الله بن صالح، وأبو الجهم العلاء بن موسى، وشجاع بن الأشرس، وسعيد بن سليمان الواسطي، والحسن بن موسى الأشيب [وهم ثقات]:

عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن يحيى بن جعدة، عن أبي هريرة، أنه قال: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل، وابدأ بمن تعول".

أخرجه أبو داود (1677)، وابن خزيمة (4/ 99/ 2444) و (4/ 102/ 2451)، وابن حبان (8/ 134/ 3346)، والحاكم (1/ 414)(2/ 295/ 1523 - ط. الميمان)، وأحمد (2/ 358)، وأبو الجهم العلاء بن موسى في جزئه (9)، وابن زنجويه في الأموال (1334)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (4)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (121)، والبيهقي في السنن (4/ 180]، وفي الشعب (6/ 70/ 3180)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 111)، وابن الجوزي في البر والصلة (353)، [التحفة 151/ 4813/ 1289)، الإتحاف (15/ 710/ 25229)، المسند المصنف (31/ 384/ 14415)].

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

قلت: يحيى بن جعدة بن هبيرة المخزومي: ثقة، من الثالثة، لم يخرج له مسلم شيئًا، ولم يذكر له البخاري سماعًا ولا رواية عن أبي هريرة، وإنما ذكر روايته عن زيد بن أرقم، والذي توفي بعد أبي هريرة بقرابة تسع سنوات [التاريخ الكبير (8/ 265)، الجرح والتعديل (9/ 133)، الثقات (5/ 521)، تاريخ الإسلام (6/ 220)، التهذيب (4/ 345)].

ولم أقف بتتبع الأسانيد على سماع يحيى بن جعدة من أبي هريرة، وإنما وجدت أن يحيى بن جعدة يدخل بينه وبين أبي هريرة: عبد الله بن عمرو بن عبدِ القاري، مع ذكر السماع، في عدد من الأحاديث [راجع: فضل الرحيم الودود (2/ 405/ 194)، السنن المأثورة للشافعي (299)، مصنف عبد الرزاق (7399 و 7857)، مسند الحميدي (1047 و 1048)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 101/ 12482)، مسند أحمد (2/ 248 و 286)، سنن ابن ماجه (1752)، أخبار مكة للفاكهي (736)، سنن النسائي الكبرى (2/ 204/ 2757) و (3/ 260/ 2936)، صحيح ابن خزيمة (2157)، أحكام القرآن للطحاوي (428)، صحيح ابن حبان (3609)، المعجم الأوسط (9038)، علل الدارقطني (11/ 41/ 2114)، المسند المصنف (31/ 614/ 14605)، وغيرها].

وعلى هذا فإن: إسناد هذا الحديث منقطع، مع ثقة رجاله، فهو حسن بشواهده، والله أعلم.

د - وروى زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن

ص: 195

جابر بن عبد الله، قال: قيل: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قيل: فأي الإيمان أفضل؟ قال: "الصبر والسماحة"، قيل: فأي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: "أحسنهم خلقًا"، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل"، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما حرم الله عليك".

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 167/ 30393)(17/ 41/ 32411 - ط. الشثري)، وفي المسند (12/ 298/ 2875 - مطالب)، وفي الإيمان (43)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (647)، والبيهقي في الشعب (14/ 70/ 9260)، [المسند المصنف (6/ 3068/194)].

قلت: هشام بن حسان: بصري ثقة، من أصحاب ابن سيرين، وتكلموا في أحاديثه عن الحسن البصري، يقولون: أخذها عن حوشب، وهو: ابن عقيل، وهو: ثقة [انظر: التهذيب (4/ 268)، شرح علل الترمذي (2/ 686)].

والحسن البصري لم يسمع هذا الحديث من جابر، كما جزم جماعة من الأئمة بعدم سماعه من جابر مطلقًا، مثل: بهز بن أسد، وابن المديني، وأبي زرعة، والدارقطني، وقال أبو حاتم:"إنما الحسن عن جابر: كتاب"[المراسيل (112 - 115)، تحفة التحصيل (76)]، قلت: هو كتاب سليمان بن قيس اليشكري، ويأتي بيان ذلك.

• وروى ابن عليه، عن يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًأ أحسنهم خلقًا".

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 171/ 30435)، وفي الأيمان (125)، وأبو بكر الخلال في السُّنَّة (4/ 79/ 1204)، وابن بطة فى الإبانة (2/ 656/ 842).

وهذا من أصح الأسانيد عن الحسن البصري، إسماعيل ابن عليه: بصري، ثقة ثبت، قال أحمد:"إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"، ويونس بن عبيد: بصري، ثقة ثبت، وهو: أثبت أصحاب الحسن البصري.

والوجهان عندي صحيحان، إذ يحتمل كون الحسن روى هذا الطرف وحده مرسلًا، وروى الحديث بتمامه من كتاب سليمان بن قيس اليشكري عن جابر، أو أنه نشط مرة فرواه كما أخذه من كتاب اليشكري، وقصر به مرة فأرسله، والله أعلم.

قال عفان بن مسلم: "قال لي همام بن يحيى: قدمت أمُّ سليمان اليشكري بكتاب سليمان، فقري على ثابت، وقتادة، وأبي بشر، والحسن، ومطرف، فرووها كلها، وأما ثابت فروى منها حديثًا واحدًا".

وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: قال سليمان التيمي: "ذهبوا بصحيفة جابر بن عبد الله إلى الحسن البصري فرواها، وذهبوا بها إلى قتادة فرواها، وأتوني بها فلم أروها"، قلت ليحيى: سمعته من التيمي؟ فقال برأسه؛ أي: نعم.

ص: 196

فهي وجادة صحيحة، استشهد بها البخاري، وقد تقدم تقرير ذلك مفصلًا في موضع سابق، راجعه: تحت الحديث رقم (1248).

وعليه: فهو حديث حسن.

• وروي أيضًا عن الحسن مرسلًا، أو مقطوعًا عليه، من طرق لا تخلو من مقال: أخرجه عبد الرزاق (4843) و (20297)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على الزهد لأبيه (54)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (1155 و 3424)، وأبو الشيخ في الفوائد (12)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 156)، والبيهقي في الشعب (9259) و (15/ 263/ 10344)، والأول أصح.

هـ - وروى أبو جعفر محمد بن سعد العوفي [هو: محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي: قال الدارقطني: "لا بأس به"، وقال الخطيب: "وكان لينًا في الحديث"، وذكر له حديثًا وهم في إسناده. سؤالات الحاكم (178)، تاريخ بغداد (5/ 322) ، تاريخ الإسلام (20/ 445)، اللسان (7/ 150)]، وأبو النضر إسماعيل بن عبد الله بن ميمون الفقيه [قال النسائي:"ليس به بأس"، تاريخ بغداد (7/ 269 - ط. الغرب)، طبقات الحنابلة (1/ 105)، تاريخ دمشق (8/ 424)، تاريخ الإسلام (6/ 298 - ط. الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 389)]:

نا إسماعيل بن عبد الكريم أبو هشام الصنعاني: حدثني إبراهيم بن عقيل بن منبه [ابن أخي وهب بن منبه]، عن أبيه عقيل، عن وهب، قال: سألت جابرًا: [قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد: من عقر جواده، وأهريق دمه"؟ قال: نعم.

سألت جابرًا: أقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة: طول القنوت"؟ قال: نعم.

وسألت جابرًا: أقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل المسلمين إسلاماً: من سلم المسلمون من لسانه ويده"؟ قال: نعم. والسياق لمحمد بن سعد العوفي بأطرافه الثلاث أعند ابن الأعرابي].

أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (392)(192 - المنتقى)، وابن الأعرابي في المعجم (545 - 547 و 561).

قلت: إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه أبو هشام الصنعاني، قال ابن معين:"ليس به بأس"، وفي رواية:"ثقة"، وقال النسائي:"لا بأس به"[طبقات ابن سعد (5/ 548)، سؤالات ابن الجنيد (716)، الجامع في العلل ومعرفة الرجال (1/ 563/ 1348)، التاريخ الكبير (1/ 367)، الجرح والتعديل (2/ 187)، الثقات (8/ 96)، تاريخ الإسلام (14/ 61)، إكمال مغلطاي (2/ 190)، التهذيب (1/ 159)].

وإبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه الصنعاني: ثقة [التهذيب (1/ 77)]، وأبوه عقيل: ثقة [التهذيب (3/ 130)].

قال عباس الدوري في تاريخه عن ابن معين (3/ 118/ 1490: "سمعت يحيى يقول:

ص: 197

قد روى إسماعيل بن عبد الكريم، عن إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن جابر، قال يحيى: وقد رأيت أنا إبراهيم بن عقيل، كان إبراهيم بن عقيل هذا يأتى هشام بن يوسف، ولم يكن به بأس، ولكنه ينبغي أن تكون صحيفة وقعت إليهم، لم يلق وهب بن منبه جابرًا" [نقله ابن عساكر في تاريخ دمشق (63/ 376)].

وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن ابن معين: "إسماعيل بن عبد الكريم: ثقة، رجل صدق، والصحيفة التي يرويها عن وهب عن جابر: ليست بشيء، إنما هو كتاب وقع إليهم، ولم يسمع وهب من جابر شيئًا، [تهذيب الكمال (3/ 140)].

قلت: هذا النص الذي بين أيدينا عن ابن معين، ليس فيه أن وهب بن منبه سأل جابرًا، أو سمعه، ولما لم يكن وهب معروفاً بالتدليس والإرسال غلب على ظن ابن معين أنه تحمل هذا عن جابر من كتاب وقع له، ثم أدلى بحجته في ذلك بقوله:"لم يلق وهب بن منبه جابرًا"، وفي الرواية الأخرى نفى السماع مطلقًا، ولا يبعد عندي أن يكون ابن معين ذهب إلى هذا القول قياسًا على الحسن البصري، الذي قاربت وفاته وفاة وهب، وأن الحسن لم يسمع من جابر؛ إنما روى عنه من كتاب.

وقد خالف ابنَ معين في ذلك، واعتمد هذا الإسناد في إثبات سماع وهب من جابر: مسلم، وأبو أحمد الحاكم، وابن منده، في كناهم، فقالوا:"سمع جابر بن عبد الله"، وجزم ابن عساكر في تاريخ دمشق بلقيه جابرًا [الكنى لمسلم (1819)، فتح الباب (4210)، تاريخ دمشق (63/ 366 و 371 و 372)]، والتاريخ يعضد قولهم، فقد كان وهب عند وفاة جابر قد ناهز الأربعين أو تعداها، فكيف ينفى سماعه من جابر؟ وقد كان رجلًا كبيرًا قبل وفاة جابر، فلا بد لمن نفى السماع الوارد بإسناد قوي كهذا أن يبين حجته، ويدلل على صحة دعواه ببرهان قاطع، وعليه: فالحجة في إثبات السماع قائمة بهذا الإسناد، وتصريح الأئمة بسماعه، والمثبت مقدم على النافي، والله أعلم.

ثم إن البزار قد بيَّن بأن مرويات وهب عن جابر مستقيمة، وليس فيها ما يستنكر، فقال في المسند (234):"وقد روى وهب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أحاديث صالحة".

وقد علق البخاري في كتاب التفسير من صحيحه أثرًا لجابر في الطواغيت في تفسير سورة النساء قبل الحديث رقم (4583)، علقه بصيغة الجزم، وهو مروي بهذا الإسناد، وقد ذكره ابن حجر في التغليق (4/ 195) من طريق ابن أبي حاتم في تفسيره، وقال في الفتح (8/ 252):"وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت، فذكر مثله".

قال المزي في التهذيب (3/ 140) عن هذا الإسناد: "وهذا إسناد صحيح إلى وهب بن منبه، وفيه رد على من قال: إنه لم يسمع من جابر، فإن الشهادة على الإثبات؛ مقدمة على الشهادة على النفي، وصحيفة همام عن أبي هريرة مشهورة عند أهل العلم، ووفاة أبي هريرة قبل وفاة جابر، فكيف يستنكر سماعه منه، وكانا جميعاً في بلد واحد؟ " [وأما

ص: 198

اعتراض ابن حجر عليه في التهذيب (1/ 160) فلا وجه له، لا سيما مع جزم هؤلاء الأئمة بثبوت السماع، والله أعلم].

• والحاصل: فإن الحديث بهذا الإسناد: حديث صحيح، والله أعلم.

• وروى عبد الله بن المبارك [ثقة حجة، إمام فقيه]، قال: أخبرني رباح بن زيد [القرشي مولاهم، الصنعاني: ثقة فاضل]، قال: حدثني عبد الله بن سعيد بن أبي عاصم [قال ابن حبان في المشاهير: "من خيار اليمانيين من أصحاب وهب بن منبه، يغرب". التاريخ الكبير (5/ 103)، الجرح والتعديل (5/ 70)، الثقات (7/ 24)، المشاهير (1557)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 26)]، قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: إن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال؟ قال: "قيم الدين الصلاة، وسنام العمل الجهاد في سبيل الله، وأفضل أخلاق الإسلام الصمت حتى يسلم الناس منك".

أخرجه ابن المبارك في الزهد (839)، هكذا مرسلًا.

قلت: رواية إسماعيل بن عبد الكريم عن أهل بيته أولى من رواية الغرباء، لا سيما وابن حبان يتوسع في عباراته في المشاهير، وعبد الله بن سعيد بن أبي عاصم: في عداد المجاهيل، لا يُعرف روى عنه سوى رباح بن زيد، والله أعلم.

• وللحديث طريق آخر، ولا يثبت: أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 290)، وابن سمعون في الأمالي (338) [وفي إسناده: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر الكوفي، وهو: ضعيف، وقد تفرد به عن الحكم بن عتيبة، ولم يتابعه عليه أحد ممن يعتبر به، تابعه: أبو مريم عبد الغفار بن القاسم، وهو: رافضي، متروك الحديث؛ بل كان يضع الحديث. اللسان (5/ 226)].

• وطريق آخر، ولا يثبت أيضًا: أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (61)، وفي الصبر (35)، وأبو يعلى (3/ 380/ 1854)، وابن حبان في المجروحين (3/ 136)، والطبراني في مكارم الأخلاق (31)، وابن عدي في الكامل (7/ 155)، والبيهقي في الشعب (14/ 71/ 9261)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 293/ 1610)، [المسند المصنف (6/ 195/ 3069)] [وفي إسناده: يوسف بن محمد بن المنكدر، وهو: ضعيف، روى عن أبيه ما لا يتابع عليه، وهذا منه].

2 -

حديث عمرو بن عبسة:

روى حجاج بن دينار [صدوق]، عن محمد بن ذكوان [الأزدي الطاحي، مولى الجهاضم: منكر الحديث]، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، من معك على هذا الأمر؟ قال:"حر وعبد"، قلت: ما الإسلام؟ قال: "طيب الكلام، وإطعام الطعام"، قلت: ما الإيمان؟ قال: "الصبر والسماحة"، قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده"، قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: "خلق حسن"، قال: قلت: أي الصلاة أفضل؟ قال

ص: 199

"طول القنوت"، قال: قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك عز وجل قال: قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأهريق دمه"، قال: قلت: أي الساعات أفضل؟ قال: "جوف الليل الآخر،

"، فذكر الحديث في أوقات النهي.

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1277)، وهو منكر من هذا الوجه بموضع الشاهد.

• وقد روي نحوه من وجه آخر، لكن بإسناد فيه مجاهيل، فلا يثبت [أخرجه البيهقي في الزهد (706)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 385)].

3 -

حديث أنس:

يرويه جعفر بن عون [كوفي: ثقة]، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رجل: يا رسول الله! أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت".

أخرجه البزار (13/ 399/ 7099)، ومحمد بن مخلد الدوري في المنتقى من حديثه (161)، وابن عدي في الكامل (3/ 396)، والخطيب في الموضح (1/ 428)، والضياء في المختارة (7/ 44/ 2438 و 2439).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن سعيد إلا جعفر بن عون".

وقال ابن عدي: "هذا وصله جعفر بن عون عن ابن أبي عروبة، وغيره أرسله، وجعل بدل أنس: عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثناه ابن صاعد: ثنا هارون بن إسحاق: ثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل، فذكر نحوه".

وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري مرسلًا، وعبدة بن سليمان: ثقة ثبت، روى عن ابن أبي عروبة قبل الاختلاط، وهو أثبت الناس سماعًا من ابن أبي عروبة، قاله ابن معين، وقال أحمد:"سماع عبدة منه جيد"[الكواكب النيرات (25)، شرح العلل (2/ 743)]، ورواية جعفر بن عون وهم، سلك فيها الجادة، والطريق السهل، فقال: قتادة عن أنس.

• فإن قيل: قد توبع جعفر على وصله:

فقد رواه محمد بن إسماعيل بن الفرج [أبو العباس المصري البناء المهندس: وثقه ابن يونس، وتبعه على ذلك: رشيد الدين العطار. نزهة الناظر (8)، تاريخ الإسلام (23/ 125 و 242 و 569)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 189)]: ثنا محمد بن علي بن محرز [البغدادي، نزيل مصر: ثقة، الجرح والتعديل (8/ 27)، الثقات (9/ 127 و 135)، تاريخ بغداد (3/ 57)،: ثنا محمد - هو: ابن بشر -: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول الفنوت".

أخرجه الضياء في المختارة (7/ 43/ 2437)، بإسناد لا بأس به إلى محمد بن إسماعيل.

ص: 200

قلت: محمد بن بشر العبدي: ثقة ثبت، سماعه من ابن أبي عروبة: صحيح جيد [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 743)، التقييد والإيضاح (429)]، لكن لم يكن من أثبت أصحاب ابن أبي عروبة، وهو متأخر عن أصحابه المتثبتين فيه في الطبقة والوفاة، وعليه: فإن رواية عبدة بن سليمان مقدمة على روايته وعلى رواية جعفر بن عون، والله أعلم.

ثم هو غريب من حديث محمد بن بشر العبدي، لم يشتهر عنه، لا سيما لو تفرد به: محمد بن إسماعيل بن الفرج المصري، والله أعلم.

4 -

حديث أبي هريرة:

يرويه كلثوم بن محمد بن أبي سدرة؛ أن عطاء الخراساني حدثهم، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"من حسن الصلاة طول القنوت".

أخرجه أبو يعلى (11/ 329/ 6446)، [المسند المصنف (31/ 15/ 14135)].

ولا يتابع عليه عن عطاء، فإن كلثوم هذا: قال أبو حاتم: "كان جنديًا بخراسان، لا يصح حديثه"، وقال أيضًا:"يتكلمون فيه"، وقال ابن عدي:"يحدث عن عطاء الخراساني بمراسيل وعن غيره بما لا يتابع عليه"، ثم ساق له عدة أحاديث بهذا الإسناد، ثم قال:"وهذه الأحاديث وإن كانت مراسيل؛ فليس يحدث بها عن عطاء الخراساني غير كلثوم هذا"، ويعني بقوله: مراسيل؛ أن عطاء الخراساني لم يسمع من أبي هريرة، وقال ابن حبان:"يعتبر حديثه إذا روى عن غير عطاء الخراساني"[الجرح والتعديل (7/ 164)، الثقات (9/ 28)، الكامل (6/ 72)، اللسان (6/ 423)]، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني: صدوق، يهم كثيرًا، يرسل ويدلس، ولم يسمع من أبي هريرة [انظر: المراسيل (156)، جامع التحصيل (238)، تحفة التحصيل (229)، التهذيب (3/ 108)]؛ فهو إسناد ضعيف جدًّا.

وقد تقدم معنا أحاديث بهذا الإسناد، انظر: فضل الرحيم الودود (7/ 388/ 672) و (9/ 396/ 855) و (9/ 464/ 866).

5 -

حديث عبد الله بن عمرو:

يرويه أبو بلال: حدثنا أبو بكر النهشلي، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث المرادي، عن عبد الله بن عمرو، قال: سأل رجلٌ رسولَ الل صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت".

أخرجه جعفر الخلدي في الأول من فوائده (67).

وهذا حديث منكر؛ عبد الله بن الحارث هذا الأقرب عندي: أنه الزبيدي المكتب، وهو: كوفي ثقة، يروي عن عبد الله بن عمرو بواسطة زهير بن الأقمر [انظر مثلًا: تاريخ ابن معين للدوري (3/ 82/ 344) و (4/ 326/ 4623)، التاريخ الكبير (5/ 64)، الجرح والتعديل (5/ 31)، الثقات (5/ 24)، المتفق والمفترق (3/ 1470)]، ولم يروه عن عمرو بن مرة الثقة الثبت غير أبي بكر النهشلي، وهو غير معروف بالرواية عنه، يُدخَل

ص: 201

بينهما رجل، ولم يروه عن أبي بكر النهشلي، وهو: كوفي ثقة؛ غير أبي بلال الأشعري، وهو: ضعيف. [اللسان (8/ 26) و (9/ 32)]، ولا يحتمل من مثله التفرد بهذا الإسناد، والله أعلم.

6 -

حديث أبي ذر:

يرويه إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي: نا أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فجلست إليه، فقال:"يا أبا ذر أن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، قم فاركعهما"، فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال:"خير موضوع، استكثر أو استفل"، قال: قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيل الله"، قال: قلت: يا رسول الله فأي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: "أحسنهم خلقًا"، قلت: يا رسول الله فأي المؤمنين أسلم؟ قال: "من سلم الناس من لسانه ويده"، قال: قلت: يا رسول الله فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، قال: قلت: يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر السيئات"، قال: قلت: يا رسول الله فما الصيام؟ قال: "فرض مجزئ، وعند الله أضعاف كثيرة"، قال: قلت: يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده، وأهريق دمه"، قال: قلت: يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل، يُسَرُّ إلى فقير"، قلت: يا رسول الله فأي ما أنزل الله عليك أعظم؟ قال: "آية الكرسي"، ثم قال:"يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة"، قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وعشرون ألفًا"، قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: "ثلاث مائة وثلاثة عشر جمًا غفيرًا"، قال: قلت: يا رسول الله من كان أولهم؟ قال: "آدم"، قلت: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: "نعم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلًا"، ثم قال:"يا أبا ذر أربعة سريانيون: آدم وشيث وأخنوخ وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، ونوح، وأربعة من العرب: هود وشعيب وصالح ونبيك محمد"، قلت: يا رسول الله كم كتابًا أنزله الله؟ قال: "مائة كتاب، وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن"، قال: قلت: يا رسول الله ما كانت صحيفة إبراهيم؟ قال: "كانت أمثالًا كلها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم، فإني لا أردها، ولو كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنًا إلا لثلاث: تزود لمعاد، أو

ص: 202

مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلًا على شأنه، حافظًا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه لا، قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال: "كانت عبرًا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، وعجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم لا يعمل"، قلت: يا رسول الله أوصني، قال:"أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كله"، قلت: يا رسول الله زدني، قال:"عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء"، قلت: يا رسول الله زدني، قال:"إياك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه"، قلت: يا رسول الله زدني، قال:"عليك بالصمت إلا من خير؛ فإنه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك، قلت: يا رسول الله زدني، قال: "عليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية أمتي"، قلت: يا رسول الله زدني، قال: "أحب المساكين، وجالسهم"، قلت: يا رسول الله زدني، قال: "انظر إلى من تحتك، ولا تنظر إلى من فوقك؛ فإنه أجدر أن لا تزدرى نعمة الله عندك"، قلت: يا رسول الله زدني، قال: "قل الحق وإن كان مرًّا"، قلت: يا رسول الله زدني، قال: "ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي"، ثم ضرب بيده على صدري، فقال: "يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق".

وهذا حديث باطل؛ إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي: كذاب، وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (5/ 404/ 468). وانظر: بقية طرق حديث أبي ذر في نفس الموضع (5/ 403/ 468).

* ومن أقوى الشواهد على تفضيل طول القيام في صلاة الليل على عدد الركعات، وكثرة الركوع والسجود: ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، واستفاض عنه في أحاديث كثيرة ثابتة، يأتي ذكرها قريبًا إن شاء الله تعالى.

• ومما لم يورده من ذلك أبو داود في أبواب قيام الليل مما في الصحيح:

ما رواه شعبة، وسفيان الثوري، وجرير بن عبد الحميد، وزائدة بن قدامة، وعلي بن مسهر، ومحمد بن طلحة بن مصرف:

عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً فلم يزل قائمًا؛ حتى هممتُ بأمر سوء، قلنا: وما هممتَ؟ قال: هممتُ أن أقعد، وأذر النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم[وفي حديث الثوري: ذات ليلة] فأطال؛ حتى هممتُ بأمر سوء، قيل: وما هممتَ؟ قال: هممتُ أن أجلس وأدعه.

أخرجه البخاري (1135)، ومسلم (773)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/

ص: 203

369/ 1765)، والترمذي في الشمائل (277 و 278)، وابن ماجه (1418)، وابن خزيمة (2/ 186/ 1154)، وابن حبان (5/ 512/ 2141)، وأحمد (1/ 385 و 396 و 415 و 445)، وابن أبي شيبة في المسند (243)، وأبو يعلى (9/ 100/ 5165)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 153/ 2575)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 71/ 581)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (248)، والبيهقي (3/ 8)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 307)، [التحفة (6/ 291/ 9249)، إتحاف المهرة (10/ 252/ 12684)، المسند المصنف (18/ 186/ 8496)].

وقد ترجم له البخاري بقوله: "باب طول القيام في صلاة الليل".

° ومما تقدم عند أبي داود (871)، وقد أخرجه مسلم (772) [وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء (1/ 164) برقم (83)]:

ما رواه الأعمش، عن سعد بن عُبَيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زُفَر، عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فمضى، فقلت: يركع عند المائتين، فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها قراءة مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول:"سبحان ربي العظيم"، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده"، ثم قام طويلًا قرببًا مما ركع، ثم سجد فجعل يقول:"سبحان ربى الأعلى"، وكان سجوده قريبًا من قيامه.

° قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 180): "والدليل على أن القيام يسمى قنوتًا: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"؛ يعني: طول القيام، لا خلاف نعلمه عند أحد في ذلك".

° قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "

، ومن فضَّل تطويل القيام احتجوا بالحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: "طول القنوت"، وظنوا أن المراد بطولِ القنوت طولَ القيام، وإن كان مع تخفيف الركوع والسجود، وليس كذلك، فإن القنوت هو دوام العبادة والطاعة، ويقال لمن أطال السجود: إنه قانت، قال تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، فجعله قانتًا في حال السجود، كما هو قانت في حال القيام، وقدم السجود على القيام"، إلى أن قال: "فالنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن طول القنوت أفضل الصلاة، وهو يتناول القنوت في حال السجود وحال القيام، وهذا الحديث يدل على أن تطويل الصلاة قيامًا وركوعًا وسجودًا أولى من تكثيرها قيامًا وركوعًا وسجودًا؛ لأن طول القنوت يحصل بتطويلها لا بتكثيرها، وأما تفضيل طول القيام مع تخفيف الركوع والسجود على تكثير الركوع والسجود فغلط؛ فإن جنس السجود أفضل من جنس القيام من وجوه متعددة:

"، فذكر منها اثني عشر وجهًا، ثم قال بعد كلام طويل: "وعلى هذا فكثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام الذي ليس فيه تطويل

ص: 204