الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه: أهمية الاستعانة بكتب العلل
، ولولا أن كتب العلل الموجودة الآن لا تستوعب كل الأحاديث لقلنا: بوجوب الرجوع إلى كتب العلل، والاستفادة منها في كل حديث. فينبغي أن تراجع كتب العلل، ويُنظر هل تكلّم العلماء عن هذه الرواية بشئ أو لا؟ ، فقد تكون هناك علة باطنة، أو تكون هناك روايات فاتت على الباحث، خاصةً إذا كان الحديث مشهوراً، أو كثير الاختلاف فيه بين العلماء، فمثل هذا بنسبة كبيره أن العلماء قد تعرضوا له في كتب العلل، ثم إن كتب العلل ليست قليلة كما يُظن، فـ (العلل) للدارقطني لوحده موسوعة عظيمة، حيث طُبع منه أحد عشر مجلداً، وبقي منه ما يوصله إلى العشرين مجلداً، ثم يُنتبه في أثناء البحث في كتاب (العلل) للدارقطني، فقد تكون الرواية التي تبحث عنها من رواية أبي هريرة، وتجد الدارقطني ذكرها في مسند ابن عمر؛ لأنه في أحد طرق هذا الحديث روي من طريق ابن عمر، فيذكر طرق ذلك الحديث في مسند ابن عمر، فعليه ينبغي أن تُقلب الحديث من جميع وجوهه، وتبحث عنه في كل مظنة له.
ثم إن بعض التعليلات تأتي متناثرة في بعض الكتب، ككتب السنن وغيرها، وأيضاً كتاب البزار، كتاب عظيم جداً، قال فيه ابن كثير:"ويوجد في (مسند البزار) من التعليلات ما لا يوجد في غيره". وكلامه صحيح حيث نجد فيه تعليلاتٍ، وأحكاماً خفيّة في تعليل الأحاديث لا نجدها في غيره، أيضاً اضافة إلى كتب العلل الأخرى، كـ (العلل الكبير) للترمذي، و (العلل) لابن أبي حاتم، و (العلل) لعلي ابن المديني.
أيضاً هناك كتب ينبغي أن تراجع بعد الانتهاء من التخريج وهي للعلماء السابقين:كـ (تلخيص الحبير) ووكل كتب التخريج الموجودة، تُراجع لعل عند أحدهم زيادة طريق، أو زيادة توضيح، إلى غير ذلك.
المرحلة السادسة والأخيرة: هي الحكم على الحديث بناءً على المراحل السابقة بما يستحقه هذا الحديث.
تنبيه: ينبغي النظر في المعضدات، فقد أحكم على هذا الحديث بحكمٍ معين، لكن قد أجد ما يعضده ويقويه من طرق وشواهد أخرى.
وليس بصحيحٍ ما يقوله بعض المتأخرين بأن التقوية بالمعضدات ليس من منهج المتقدمين، بل الصحيح أنه منهج المتقدمين،والدليل عليه ما نصّ عليه الشافعي، من ذكر المعضدات التي تقوي الحديث المرسل -وهو من أقسام الضعيف عنده-، والشافعي رحمه الله من أئمة المتقدمين.
والمُعضد قد يكون متابعة من رواية نفس الصحابي، وقد يكون شاهداً من رواية صحابي آخر، على أن يكون المعنى منطبقاً بين الروايتين. وقد يكون فتوى عامة أهل العلم، أو العمل بمقتضى هذا الحديث، فهذه مُعضدات،ولا يلزم أن يكون كل مُعضد في كل مرة يقوي الحديث، ولكن قد يقوي الحديث في بعض الأحيان، من أجل ذلك نجد أن الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) -وهو الذي لا يقبل المرسل- قال مرة في حديث ((لا وصية لوارث)) :"لا نعرف له إسناداً صحيحاً، إلا أن عامة أهل السيّر لا يشكون أن النبي صلى الله عليه وسلم -قاله يوم فتح مكة". واحتج به الشافعي، ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة الشافعي هل هذا الحديث له أسانيد صحيحة أو لا؟ ، فالصحيح أن له أسانيد صحيحة، كما بيّن الشيخ: أحمد شاكر في تعليقه على كتاب (الرسالة) ، لكننا نناقش مذهب الشافعي في هذه القضية، ونبيّن لك أن من منهج العلماء أنهم يقوّون الحديث الضعيف إذا كان عامة أهل العلم يعملون به، ونصّ على هذه القضية الشافعي في كلامه على المرسل، ونصّ عليه ابن عبد البر وغيره.
فإذا كان الحديث في إسناده شئ من الضعف لكن اتفق أهل العلم على العمل به -وليس المقصود إجماعاً-، ولم يُعلم لهم مخالف فعندها نُعضّد الحديث، وندخله في حيّز القبول مادام أنه خفيف الضعف، وفي الإمكان أن يرتقي.
وينتبه إلى أن الحديث الذي يُعضّد هو الحديث خفيف الضعف. أما الحديث شديد الضعف فلا يرتقي ولا يُعضّد، ولو روي من مائة وجه، فهذا هو الصحيح، وكم من حديث يرويه العلماء من طرق متعددة –كابن عدي- ويقول:"هذا الحديث تهافت عليه الكذابون، فرواه فلان وفلان
…
"، ويُفتضح الراوي عندهم برواية هذا الحديث، فقد يكون الراوي مستور الحال، فإذا روى هذا الحديث، قال:" هو كذّاب"، فلو كانوا يقولون بمطلق مجموع الطرق لأصبح هذا الراوي عندهم "ثقة"، بدلاً من أن يكون ضعيفاً أوكذّاباً.
وأخيراً: نرجع بالنصيحة في الاكتفاء بالحكم على الإسناد، وعدم التطرق بالحكم على الحديث بذاته، إلا إذا سُبقت من إمام مطلع، ووافق حكمي على الإسناد إطلاع ذلك الإمام، فعندها ممكن أن أحكم على الحديث.
وأخيراً أيضاً:إن هذا العلم دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فالقضية خطيرة، فلا يُظن أن الحكم على الراوي أمرٌ سهل وهيّن، أو أن الحكم على الأحاديث أمرٌ هيّن.
وينبغي أن يُعلم أن الجرح والتعديل في الأصل هو غيبة، ولولا ضرورة هذه الغيبة وأن مفسدتها أقلُّ من مفسدة عدم الغيبة، لما رضي العلماء بالجرح أبداً، والضرورة تُقدر بقدرها، فيجب عليّ أن لا أتجاوز موطن الضرورة، ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم الذي قد يسمع-مثلاً- أن شريك بن عبد الله القاضي فيه ضعف، فإذا ذكره فإنه يذكره بسخرية، ولو كان حيّاً لما استطاع أن يواجهه بهذه الطريقة، مع أن شريك بن عبد الله القاضي كان عالماً من علماء السنّة، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، وكان من أشدِّ الناس في قمع أهل البدع، وفلان من الناس قد يكون عابداً من العباد أو زاهداً من الزهاد، ضُعّف لسوء حفظه، فيجب عليك أن تنتبه لألفاظك وعباراتك مع هؤلاء. وهذا يُبيّن ضرورة مراجعة كتب التراجم المطوّلة، حتى تتبيّن حال الرواة، وتُنزّل الناس منازلهم.
لمّا كان ابن أبي حاتم يُحدّث بكتابه (الجرح والتعديل)، أتاه أحد الزهاد فقال له:"يا أبا محمد لعلك تتكلم في أناس وضعوا رحالهم في الجنة من مائتي سنة"، فأوقف ابن أبي حاتم الدرس، وجعل يبكي، مع علمه بوجوب هذا الأمر وأهميته، إذ لولاه لذهب كثير من السنّة، وضاع كثير من الدين.
ثم اعلم أن حكمك على الراوي خطيرٌ جداً، من أجل ذلك يقول ابن دقيق العيد:" أعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، وقف على شفيرها صنفان من الناس المُحدِّثون والحكام"، والمقصود أن الذي يتكلم في الحديث على شفير جهنم، إلا أن يوفقه الله عز وجل؛ وذلك لأن تضعيف راوٍ واحد، قد يكون ثقة، معناه أنك حكمت على جميع أحاديثه بأنها ليست سنةً، وليست ديناً، وليست وحياً من رب العالمين،ولانوراً يُهتدى به. وحكمك على راوٍ بأنه ثقةٌ، معناه أن أحاديثه يجب أن تلتزم بها، وأنها وحي وحقٌ وخير يجب أن تعتقده وتعمل به، وكذلك الحكم على الحديث خطيرٌ جداً.
وهذا العلم يحتاج إلى المُتفرّغ له، والمُشتغل به، فليس من حق أي إنسان أن يتكلم في الأحاديث، وليس من حق من لم يشتغل بعلم الحديث اشتغالاً كافياً أن يحكم عليه، فهذا العلم لا يقبل الشركة، بل يلزم أن تتخصص فيه وحده، وإذا انقطعت عنه فترة ضَعُفت معرفتك به؛ لأنه خبرة تتكون من خلالها حاسة يُتَمكن بها تذّوق الأحاديث، وتمييز صحيحها من سقيمها.
نسأل الله أن يعلمنا ماينفعنا، وينفعنا بما علمنا
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كشاف الموضوعات (ويتضمن دليلاً لأهم المسائل الواردة في المذكرة)