الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا ثبتت هذه الاحتمالات: تصريح صحيح غير متأول عرفنا أن الرواية متصلة ليس فيها انقطاع.
تنبيه: التوقف عن قبول رواية الرواة إلا أن يصرحوا بالسماع ليس في عموم الرواة
، لكن في مَنْ وُصِفَ بأنه مدلس، فهذا هو الذي نطلب منه أن يصرح بالسماع، ثم إنه ليس كل مدلس نطلب منه أن يصرح بالسماع.
وهنا تنبيه آخر: وهو أن الراوي قد يكون غير موصوف بالتدليس، لكن مع ذلك يلزمنا التحري في سماعه؛ لأنه قد يكون هذا الراوي روى عمّن عاصره ولم يلقه، أو عمّن لم يعاصره أصلاً، لكنَّ عدم المعاصرة ليس واضحاً؛ لكون تاريخ الولادة والوفاة مجهولاً بالنسبة للشيخ والتلميذ، وقد تكون الطبقة محتملة كطبقة التابعين مع طبقة الصحابة، فالأمر هذا يكثر في طبقة التابعين، ويقلُّ في أتباع التابعين،ويكاد يندر فيمن سواهم. فنرجع إلى كتب المراسيل للتأكد من أن هذا الراوي لم يُحكم بعدم سماعه ممن روى عنه. ومن هذه الكتب وهو أجلّها: كتاب (المراسيل) لابن أبي حاتم، ثم تممّ هذا العمل العلائي في كتابه (جامع التحصيل) ، ثم تممّ هذا العمل أيضاً أبو زرعة العراقي في كتابه (تحفة التحصيل برواة المراسيل) وكلُّ هذه الكتب مطبوعة.
وأيضاً كتب التراجم كـ (تهذيب الكمال) و (تهذيب التهذيب) ،كثيراً ما تنصّ على السماع وعدمه وعلى المراسيل. وأيضاً عموم كتب العلل والسؤالات القديمة والتواريخ القديمة، مثل:(تاريخ يحيى بن معين) برواية الدوري، أو (تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين) ، وغيرها.
فإذا بحثنا فلم نجد ما سبق، ننظر هل وُصف بالتدليس؟ فإن لم يوصف بالتدليس، ولم نقف على حكم بعدم سماعه، والطبقة تحتمل السماع، فنقبل روايته ولو عنعن فإنا نقبل هذه العنعنة.
أما إذا وُصِفَ بالتدليس، فأنظر -أولاً-: ماهو نوع تدليسه الذي وصف به؟ فإن كان تدليسه تدليس شيوخ أو تدليس بلدان، فلا يؤثر ذلك على قبول عنعنته؛ لأن تدليس الشيوخ لا علاقة له بصيغ الأداء وإنما هو تعمية اسم الراوي أو كنيته أو لقبه، وذكره بغير ما يعرف به، فإذا كان ذلك فعلينا أن نعيّن الراوي فقط، فإذا عرفناه حكمنا عليه بما يلزم، وإذا لم نعرفه نتوقف في الحكم على الحديث؛ لأن هذا الراوي أشبه عندنا المجهول الذي لا نستطيع أن نحكم على حديثه لا بصحة ولا بضعف.
وإن كان تدليسه تدليس رواية الراوي عمّن سمع منه ما لم يسمعه، فهنا نقف مع الراوي وقفات متعددة، أولاً: ننظر هل ذُكر في مراتب المدلسين في مرتبة من تُقبل عنعنته أم مَنْ تُرَدُّ عنعنته. وكتب مراتب المدلسين يأتي في مقدمتها كتاب (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس) للحافظ ابن حجر، حيث رتب فيه المدلسين على خمسة طبقات، الأولى والثانية تُقبل عنعنتهم، والثالثة يُرجح الحافظ بأنها تُرد عنعنتهم، والرابعة يجزم بردّ عنعنتهم، والخامسة حديثهم ضعيف سواءً صرحوا بالسماع أم لم يصرّحوا.
ومن الكتب التي خدمت هذه الناحية كتاب العلائي (جامع التحصيل) ، فقد رتب في مقدمة هذا الكتاب نماذج من المدلسين على طبقات يبيّن فيها من تُقبل عنعنته ومن لا تقبل، وفعل هذا الفعل نفسه الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت على ابن الصلاح) ، ولا يغني كتابه السابق عن أحكامه في النكت؛ لأنه ربما تغيّر اجتهاد الحافظ ابن حجر فيذكر راوٍ في طبقة معينة ثم يجعله في النكت في طبقة أخرى، والظاهر أن كتاب (النكت) آخر الكتابين، فتنظر على ماذا استقر رأي الحافظ في هذا الراوي، فإن اختلفت آراؤه ترجح بالمرجحات الأخرى.