الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضاً ومن الكتب المُعينة في التعيين والضبط فيما إذا كان الراوي مشتبهاً: كتب المشتبه، وأهمها كتاب (تلخيص المتشابه) للخطيب البغدادي –والمشتبه: علمٌ دمج بين المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف-، وذيّل الخطيب على كتابه السابق بكتاب سمّاه (تالي تلخيص المتشابه في الرسم) . ومن الكتب المُعينة في التعيين كتاب (غُنية المُلتمس في إيضاح الملتبس) للخطيب، وقد عقد كتابه على فصلين، الأول: من سُمّي من الرواة وكُني أبوه باسمه، فيذكر اسمين متشابهين وفيهما اختلاف يسير في الكنية وهما لشخص واحد، والفصل الثاني: لمن تشابهت أسمائهم وأشخاصهم مختلفة، وهكذا.
18-
إذا كان اسم الراوي منطبق على راوٍ آخر تماماً
بالرسم والشكل، فهذه تُبينها كتب المتفق والمفترق، وفي مقدمتها كتاب الخطيب (المتفق والمفترق) وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات، وكتاب (الموَضّح لأوهام الجمع والتفريق) ، وميزة هذا الكتاب أنه تتبع أوهام العلماء الذين أخطئوا ففرقوا المتفق أو عكسه، وهو كتابٌ مهم.
2) الخطوة الثانية من مراحل الترجمة للرواة:
معرفة تاريخ مولد ووفاة الرواة أو طبقاتهم
ولمعرفة المولد والوفاة فوائد من أهمها: التثبت من عدم وجود سقط ظاهر في الإسناد، والسقط قد يكون قديماً، أي أن حقيقة الرواية منقطعة من الأساس، ولا توجد في المصنفات إلا منقطعة ولا تُعرف إلا بذلك السقط، وقد يكون السقط حديثاً أي مطبعياً أو أثناء نسخ المخطوطة سقط من الناسخ، فالنظر في المواليد والوفيات للرواة يقينا من أن يخفى علينا سقطٌ وقع في إسناد أحد الأحاديث؛ لأن السقط الظاهر الجلي في الإسناد يُدرك ويُعلم من خلال عدم إدراك الراوي لمن روى عنه في الزمن وعدم معاصرته له، ولذلك اعتنى العلماء بتقييد سنوات الوفيات والولادة، لكن للأسف الشديد أنه لم يعتن علماء القرن الأول والثاني والثالث بالتأليف في هذا الباب مع عنايتهم بالعلم بقضاياه، وكانوا يعتمدون في نقل هذه القضايا على الرواية الشفهية، فلما تطاول الزمن اعتنى العلماء في القرن الرابع الهجري بتقييد تواريخ الوفيات والمواليد، ومن أجل ذلك تجد أن العلماء اختلفوا كثيراً في تواريخ وفيات الصحابة، ومن باب أولى في سنوات ولادتهم بخلاف القرن الرابع والخامس فلا يكاد يُختلف في تعيين وفيات وولادة علمائها، فكلما تقدم الزمن كان الخلاف في التواريخ أكثر، وكلما تأخر الزمن عن القرن الأول كلما قلّ الخلاف وانضبطت تواريخ الولادة والوفاة.
من أقدم الكتب في ذلك، كتاب (الوفيات) لأبي نُعيم الفضل بن دكين (ت219هـ) وهو موجود، وأيضاً كتاب (الوفيات) لعبد الباقي بن قانع (ت351هـ) وصل في التاريخ فيه إلى سنة (346هـ) ، وهذا الكتاب غير موجود إلا أن جميع النقول التي فيه استوعبت في الكتب المتأخرة. من الكتب المهمة كتاب (تاريخ وفيات الشيوخ الذين أدركهم أبو القاسم البغوي) وهو إمامٌ متقدم توفي (317هـ) ، وأصل الكتاب مسودة كان أبو القاسم البغوي يُقيِّد فيها وفيات من عاصرهم من العلماء وكان محتفظاً بها لنفسه، فلما توفي أبو القاسم وَرِث الأوراق المسودة أحد أبناء عمومته، فسلّمها لأحد كبار الحفاظ من القرن الرابع الهجري وهو محمد بن المظفر البغدادي، فقام هذا الحافظ بترتيبها وإخراجها، والكتاب مطبوع بترتيب وتبييض الحافظ محمد بن المظفر. ثم أُلِف كتابٌ في الوفيات أصبح عمدة للعلماء يذيّلون عليه، وهو كتاب (تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم) لابن زبر الرَبَعي، وهو مطبوع، توفي مؤلفه في (379هـ) ، ووصل في التاريخ فيه إلى سنة (357هـ) ، ثم ذيّل عليه عبد العزيز بن أحمد الكتاني (ت466هـ) ، وابتدء من سنة (338هـ) ، ووصل فيه إلى سنة (462هـ) ، وهو مطبوع، ثم كتاب (ذيلُ ذيلِ تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم) لهبة الله ابن الأكفاني (ت524هـ) ، وابتدء من سنة (463هـ) ، ووصل فيه إلى سنة (485هـ) ، ثم ذيّل عليه أيضاً أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي (ت611هـ) ووصل فيه إلى تاريخ (581هـ) وسمّى كتابه (وفيات النقلة) - ولم يطبع حتى الآن - ثم ذيّل عليه الحافظ المنذري فألّف كتاب (تكملة وفيات النقلة) ، وهو مطبوع في أربعة مجلدات، ووصل فيه إلى سنة (642هـ) ، وهو كتابٌ مهم حيث أنه أضاف إلى كونه كتاب وفيات أيضاً ضبط الأسماء المذكورة فيه وأنسابهم أيضاً، فيعتبر من كتب الضبط، ثم إن المحقق الدكتور بشار عواد خدم هذا الكتاب خدمة فائقة جداً، ثم ألف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني
كتاب (صلة التكملة لوفيات النقلة) - ولم يطبع - ثم ذيّل عليه أحمد بن أيبك الدمياطي (ت749هـ)(ذيّل الصلة) ولم يطبع، ثم ذيّل عليه العراقي -شيخ ابن حجر-، وذيّل على كتاب العراقي ابنه: أبو زرعة العراقي، ثم توقف التذييل على هذا الكتاب، لكن خرجت كتب أخرى متممة ومذِيّلة،وهي الكتب التي تتكلم عن علماء قرن بكامله، مثل كتاب (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) للحافظ ابن حجر، ثم جاء بعده السخاوي في كتابه (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع)، ثم جاء بعد السخاوي في القرن العاشر: الغزيّ في كتابه (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة) ، وأيضاً للعيدروس كتاب (النور السافر في أعيان القرن العاشر)، ثم جاء بعد القرن العاشر: المحبي فألّف (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) ، ثم جاء المرادي فألف (سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر) . ثم أُلِّفت كتبٌ مختلفة في أعيان كل بلد، فمثلاً لعلماءِ الحجاز يوجد كتاب من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، وفي أعيان نجد كتاب الشيخ عبد الله البسام (علماء نجد خلال ستة قرون) ، وفي علماء المغرب (النشر المثاني) ، ولا يكاد يخلو قطرٌ من الأقطار الإسلامية إلا وهناك كتاب يؤرخ لعلمائه في الفترة المتأخرة، ويجمع أهم مافي هذه الكتب كتاب (الأعلام) للزركلي، حيث اعتنى بالمتأخرين عناية كبيرة، وذُيّل على كتاب (الأعلام) بتذييلين، الأول (تتمة الأعلام) لمحمد خير رمضان يوسف، والثاني:(ذيل الأعلام) لأحمد العلاونة،وقد طُبع مؤخراً.
ومن الكتب التي تعتني بذكر الوفيات: كتب التراجم عموماً، ككتاب (التاريخ الكبير) و (التاريخ الأوسط) للبخاري، وكتب التواريخ المحلية، مثل:(تاريخ بغداد) ،و (تاريخ دمشق) ،و (تاريخ جرجان) و (واسط) إلخ..
فإن لم تُعرف الوفاة ولا الولادة فنلجأ إلى محاولة معرفة طبقة الراوي، ومعرفة طبقة الراوي مهمةٌ لأغراض كثيرة، من أهمها: ماسبق من التثبت من عدم وجود سقط ظاهر في الإسناد، بل ربما بلغت أهمية الطبقة إلى درجة أنه يُصحَّح تاريخ الولادة والوفاة من خلال الطبقة. وهناك كتابٌ جيّدٌ يُنصح بقرائته حول علم الطبقات، وهو كتاب (علم طبقات المحدثين) لأسعد تيّم، وهو كتابٌ عميقٌ خدم علم الطبقات خدمة لم يسبق إليها من حيث التقعيد وذكر الأصول والضوابط المتعلقة بهذا العلم.
وكتب الطبقات كثيرة ومتعددة، من أقدمها وأهمها كتاب (الطبقات) لابن سعد، المشهور بالطبقات الكبرى لابن سعد، وهو كتاب مسند، والكتاب مطبوع، وطبعت له تتمات ثلاث، فينبغي العناية باقتنائها، فطبعت تتمة بتحقيق زياد منصور، وتتمة طبعت بتحقيق د. محمد بن صامل السلمي، وتتمة ثالثة بتحقيق د. عبد العزيز السلومي. ثم طبع الكتاب مؤخراً طبعةً كاملة، بتحقيق: علي بن محمد عمر. أيضاً من كتب الطبقات المهمة كتاب (الطبقات) لخليفة بن خيّاط -شيخ البخاري-، وكتاب (التاريخ الأوسط) للبخاري مرتب على الطبقات، وكتاب (الطبقات) لمسلم وهومطبوع، وكتاب (الثقات) لابن حبان مرتبٌ على طبقات واسعة جداً؛ لأنه اعتبر الصحابة كلهم طبقة واحدة، والتابعين كلهم طبقة واحدة، وأتباع التابعين طبقة واحدة، والطبقة الأخيرة طبقة أتباع أتباعِ التابعين. ومن كتب الطبقات: كتبٌ متعددة للذهبي، مثل كتاب (تذكرة الحفاظ) - ويعتبر كتاب (طبقات علماء الحديث) لابن عبد الهادي مختصر لـ (تذكرة الحفاظ) – وكتاب (سير أعلام النبلاء) للذهبي، وكتاب (تاريخ الإسلام) للذهبي، وهو كتاب ضخم جداً.
فإن لم يُوقف على طبقة الراوي أو لم تحدد تحديداً دقيقاً فأبحث عن ترجمةٍ لهذا الراوي -والترجمة لا يلزم أن يُذكر فيها تاريخ الولادة أو الوفاة أو الطبقة- وأنظر في شيوخ هذا الراوي، وأقيس هذا الراوي بالرواة الآخرين الذين رووا عن هؤلاء الشيوخ أنفسهم، فإذا كان الشيخ من الطبقة الخامسة، فإن التلميذ الذي روى عنه في الطبقة السادسة أو السابعة، ويمكن أيضاً من خلال النظر في تلامذة ذلك الراوي، فإذا وجدت أن شيوخهم من الطبقة السادسة أو السابعة فلا يخلو أن يكون شيخهم من تلك الطبقة.
من خلال ما سبق نستطيع أن نتجنب السقط الظاهر، لكن بقي احتمال وجود سقط خفي وهو ما كان من رواية راوٍ حدّث عنه بما لم يسمعه منه، أو رواية راوٍ عاصر من روى عنه ولم يسمع منه، وهما عبارة عن التدليس والإرسال الخفي -كما عند الحافظ ابن حجر-.
فإذا أردت أن أتثبت من عدم وجود سقطٍ خفي أنظر: هل صرّح الرواة بالسماع؟ فإن صرّحوا بالسماع، وصحّ هذا التصريح عنهم بالسماع، ولم يحتمل وجود تأول في هذا التصريح، فلا أشك في اتصال هذا الإسناد.
والمقصود بالتصريح بالسماع هو أن يقول: حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا أو سمعت أو ذكر لنا أو قال لنا
…
الخ، وأما صحة التصريح فإن بعض الرواة قد يَهِمُ ويقول: حدثنا - وهو لم يحدثه -؛ لكونه تعوّد على عبارة حدثنا كجرير بن حازم، قال عنه يحيى بن معين:"جرير بن حازم كان سجيّة فيه أن يقول حدثنا حدثنا " وإن لم يقل شيوخه حدثنا، فيقع ذِكْرُ التصريح بالسماع منه وهماً لا تعمُّداً. بل إن بعض الرواة ضعّفهم أهل العلم لأنهم يذكرون صيغ السماع بين رواة معروفٌ عند أهل العلم أنهم لم يلتقوا، ومن هؤلاء سالم الخيّاط سُئل عنه أبو حاتم، فقيل:" سمع الحسن من أبي هريرة؟ قال: لا، قالوا: فإن سالم الخيّاط يقول عن الحسن سمعتُ أباهريرة! فقال أبو حاتم: هذا مما يبين ضعف سالم". ويُتنبه إلى أن توهيم الرواة في صيغ السماع له قيود وضوابط، ليست هي ضوابط وقيود مسألة الشذوذ. فإذا صحت صيغة السماع يبقى احتمال أن الراوي تأول في صيغة السماع، فقد يقول الراوي: حدثنا، ويقصد حدث أهل بلدنا، وغزا بنا، يقصد: غزا بأهل بلدنا أو غزا بالناس، وهذا فعله الرواة، وورد أيضاً عن أبي هريرة في الصحيحين حينما قال:((لما افتتحنا خيبر)) ، ومعلومٌ أنه لم يسلم إلا بعد فتح خيبر، وكذلك الرجل الذي يخرج للدجال في آخر الزمان ويقول:((أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك)) ، ومعلومٌ أنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون قصده بحدثنا أي حدث المسلمين. فالمقصود: أنه قد يتأول بعض الرواة، لكن الرواة الذين تأوّلوا قلةٌ جداً، وتأوّلهم أيضاً قليل جداً، فليس لهذه القضية حكم مُطّرد، فلا يقال: مادام أن الرواة قد تأوّلوا فلا يكون لـ (حدثنا) دلالة على السماع، بل هي دالّة على السماع إلا في حدود ضيقة، ليس هذا المقام مجال ذكرها.