الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*وهنا يرد سؤال، وهو أنه هل يحق لنا أن نردّ روايةً لمبتدع؛ لأنها منكرة تؤيد بدعته، ومع ذلك نقبل بقية مروياته؟ فهو إما أن يُتهم بالكذب؛ لروايته لذلك الحديث المنكر، وعليه فلا يُقبل له حديثٌ مطلقاً، وإما أن تقبل جميع أحاديثه، حتى الرواية التي نزعم أنها منكرة! فالجواب: أن هذا السؤال بهذا الاستثناء صحيح، وهذا الحكم مشابه لما يفعله القاضي في ردّ شهادة من له مصلحة أو قرابة للمشهود له، كشهادة الأب لابنه؛ لأنها مظنة أن يروي سوى الحق، وإن كان الشاهد عدلاً في نفسه، ومن أهل الديانة، مع أن القاضي قد يقبل شهادة الرجل نفسه، في قضية أخرى تنتفي فيها تلك المظنة. فمثل ذلك رواية الراوي المبتدع، فيما إذا روى ما يؤيد بدعته، إذا كان منكراً.
تنبيه: على طالب العلم أن يتنبه إلى أن كثيراً من ألفاظ العلماء حول المبتدعين
تتعلق بهم في حياتهم -من حيث الرواية-، فيقول -مثلاً-: لا يُروي عن فلان. يقصد بذلك تحذير الناس من هذا الرجل مادام حيّاً، وهجره وتأديبه بذلك؛ ولكي لا يذهب إليه الناس فيروي لهم الروايات ويُدخل عليهم شُبه البدعة. فكثيراً من تلك العبارات كانت من باب الدعوة لهجر المبتدع، لا لبيان حكم روايته، ومن ذلك ماجاء عن الإمام أحمد أنه ذكر أحد المبتدعة وحذّر الناس منه، وكان لا يروي عنه في حياته، فلما مات روى الإمام أحمد عن رجل عنه؛ وذلك لانقطاع الخوف من فتنته، وكان رجلَ صدقٍ، ضابطاً للرواية، فبقيت مصلحة الرواية عنه، وذهبت مفسدة انتشار بدعته، وإشهار أمره.
*
مسألة: مراتب الجرح والتعديل
أول من قسّم هذه المراتب تقسيماً واضحاً هو ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه (الجرح والتعديل) ثم تتابع بعد ذلك بعض أهل العلم في بيان هذه المراتب، مابين مختصر ومطوّل، فمن أكثر الكتب التي أطالت في بيان هذه المراتب كتاب (فتح المغيث) للسخاوي، وأكثَر من ذكر ألفاظ الجرح والتعديل.
لكن يمكننا أن نقسّم هذه المراتب إلى مراتب أربع أساسية، يدخل تحت كل مرتبة مراتب فرعية:
المرتبة الأولى: مراتب التصحيح بجميع ألفاظها، والمقصود الرواة الذين يُصحح حديثهم.
المرتبة الثانية: مراتب التحسين، وهم الرواة الذين يُحسن حديثهم لذاته.
المرتبة الثالثة: مراتب التضعيف، والمقصود خفيف الضعف لا الشديد.
المرتبة الرابعة: مراتب التضعيف الشديد.
ففي مراتب التصحيح تأتي عبارة: أمير المؤمنين، الحافظ الحجة، أوثق الناس، وبعدها بمرتبة تأتي عبارة:ثقة، ثبت، حجة.
ومراتب التحسين تأتي فيها مرتبة: صدوق، ثم مرتبة لا بأس به، وتحتها بقليل مرتبة أرجو أنه لا بأس به، وتحتها صالح، وتحتها شيخ، على خلاف فيهما.
ومراتب التضعيف: ليس بالقوي، ضعيف، ليّن، وما أشبهها.
ومراتب التضعيف الشديد: لفظ متروك، منكر الحديث، ساقط الحديث، ذاهب الحديث، واهٍ بمرة، ضعيف جداً، كذاب، ركن الكذب، دجّال الدجاجلة في آخر المراتب.
يلاحظ أننا لم نذكر مرتبة للوضع، فلم نقل مراتب الحكم بالوضع؛ وذلك لأن الوضع حكمٌ على الحديث، وليس حكماً على الراوي، ولذلك نبّه العلماء فقالوا: ربما صدق الكذوب.فلا يكفي للحكم على الحديث بأنه موضوع مجرد أن يكون فيه راوٍ كذاب، أو يكون فيه راوٍ من مراتب الضعف الشديد، بل أكتفي بالحكم على إسناد الحديث بأنه إسناد شديد الضعف أو ضعيف جداً، ولا أقول:موضوع حتى تكون هناك قرينة.
هناك كتب أُلّفت في قضايا الجرح والتعديل، ومراتبه. من أشهرها (الرفع والتكميل) للكنوي، وكتاب (شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل) لأبي الحسن المصري، وكتاب (ضوابط الجرح والتعديل) للشيخ د/ عبد العزيز العبد الطيف، وهو كتاب جيّد على اختصاره، وكتب المصطلح عموماً تعتني ببيان مراتب الجرح والتعديل.