المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السلام عليه في الصلاة أفضل - قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق

[ابن تيمية]

الفصل: ‌السلام عليه في الصلاة أفضل

سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْعَبْدُ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وفي صحيح البخاري أنه قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، إِلَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

فهذه الأنواع من الأدعية هي حقّ له علينا نفعله في كل صلاة، وعند كل أذان، وفي كل مكان، وليس هذا لغيره من الأنبياء والصالحين، والمشروع عند القبر إنما هو السّلام عليه، فإن هذا مشروع لمن كان يصل إلى قبره، لما كانوا يدخلون على عائشة، كما يشرع السّلام على سائر موتى المؤمنين، وأما من لم يدخل إلى قبره، فإن كان بعيدًا فقد تعذر عليه هذا السّلام، ثم قيل: كل من خرج /29أ/ عن الحجرة فهو بعيد، وقيل: بل القريب إليها كالداخل فيها (1) .

و‌

‌السّلام عليه في الصّلاة أفضل

، وأكمل، وأشمل، والسّلام عليه في المسجد في غير الصّلاة، كما يصلي عليه في المسجد في غير الصلاة، هو مشروع باتفاق العلماء، لكن قيل: إنه يستقبل الحجرة، وهو سلام التحية، وقيل: بل يستقبل القبلة، وإن ذلك ممتنع لا يمكن إلا إذا وصل إلى القبر، وذلك ممنوع منه بالحجاب؛ لأنه يفضي إلى المفسدة، فلهذا

(1) في حاشية الأصل كلمة مبتورة، لم تظهر كاملة في المصورة.

ص: 78

استغنى بهذا عن ذاك.

ولهذا كان عامة الصّحابة يقدمون المدينة على عهد الخلفاء الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، يأتون إلى الخليفة لبعض مصالح المسلمين، ويصلُّون خلفهم في مسجده، ويسلّمون خلفهم في مسجده، ويسلّمون عليه في الصّلاة، كما شرع لهم ذلك، ولم يكونوا يذهبون إلى قبره لا لسلام، ولا دعاء، ولا غير ذلك، وهذا مما يعلم بالضرورة أنهم لم يكونوا يفعلونه، فإنهم لو فعلوه لنقل نقلاً متواترًا لظهور مثل هذا لو فعل في مسجده.

ولهذا اتفق العلماء على أنّه لا يشرع لأهل المدينة إذا دخلوا المسجد وخرجوا أن يقفوا عند الحجرة، وإنما رخص من رخص عند السفر لأجل فعل ابن عمر، وللغرباء؛ لأنه كثر في التّابعين ما لم يكن مشهورًا في الصّحابة من الوقوف عند القبر للسّلام، وإن كان كثير من التابعين لا يفعلون ذلك، بل إذا سلّموا عليه استقبلوا القبلة، كما كان جمهور الصحابة يفعلون، فإن الصّحابة لم يكونوا يقفون في المسجد بجانب القبر، ولا كانوا يكثرون من /29ب/ الدخول، بل ولا كانوا يكثرون من الدخول إلى عند القبر، بل دفن في الحجرة، ومنع النّاس أصحابه، وغير أصحابه، من الدخول إلى عند قبره، وإنما كان يدخل من يدخل إلى عائشة رضي الله عنها وكانت ناحية في الحجرة عن القبر، وربما طلب منها أحيانًا بعض التابعين أن تريه القبر، فتريه إياه، ليعرف السُّنة في القبور وأنها تكون لاطية، لا مشرفة.

فلمّا ماتت عائشة، منع الناس منعًا عامًّا، وكان الدخول ممكنًا مع وجود الباب، فلما سدّت الحجرة، وبني الحائط البرَّاني؛ صار الدخول إلى قبره، والزيارة له كما يزار قبر غيره، غير مقدور، ولا مأمور.

ص: 79

ولو كان إتيان قبره لصلاة أو دعاء، أو سلام، أو طلب حوائج، مما سنّه لهم؛ لكان يكون باب الحجرة مفتوحًا لجميع المسلمين، وكانوا يقصدونه لذلك، كما أن مسجده لمّا كان إتيانه للصّلاة، والدُّعاء، والسّلام عليه، في الصلاة، وغير الصّلاة، مشروعًا، كان مفتوحًا للمسلمين يقصدونه في كل وقت، ويسافرون إليه من الأمصار، ولهذا لما كانت الصّلاة عليه بعد الموت، وقبل الدفن، - صلاة الجنازة - مشروعة؛ فتحوا باب الحجرة لجميع الصّحابة، فكان كل منهم يدخل فيصلي عليه، ثم يخرج، وصلّوا عليه أفذاذًا، لم يؤمهم في الصّلاة عليه أحد، وعائشة رضي الله عنها في ناحية الحجرة.

فلو كان إتيان قبره بعد دفنه كإتيانه قبل الدفن؛ /30أ/ لكانت الحجرة مشرَّعة للمسلمين، كلّهم يأتي قبره ليفعل ما سنّه للمسلمين، فلمّا اتفق الصّحابة على أنهم يدفنونه في الحجرة، ولا يمكن النّاس من الدخول عليه، فلم يمكن أصحابه، ولا غير أصحابه، من الدخول إلى الحجرة إلا صاحبة الحجرة، ومن دخل إليها؛ علم أن إتيان قبره لم يكن مما سنّه لهم وأمرهم به، بخلاف السّلام عليه في الصّلاة، وخارج الصّلاة، في مسجده، وغير مسجده، فإنه مما سنّه لهم، وأمرهم به، كما أمروا بالصلاة عليه، والسّلام عليه من جنس الصلاة عليه، وقد أمروا في القرآن بهذا وهذا، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] .

وهو لم يكتف بأنه لم يأمرهم بإتيان قبره، وزيارته في حجرته، والدعاء عنده، والصلاة؛ بل نهاهم عن ذلك، فقال في مرض موته: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ

ص: 80

وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.

وقال لهم قبل موته بخمس: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» .

وقال: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» .

وقال: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» .

ومالك وغيره /30ب/ من أئمة المسلمين علموا أنه لم يأمر بزيارة قبره، فلم يقل: زوروا قبري، ولا رغّب في زيارة قبره، بل كل حديث روي في زيارة قبره فإنه ضعيف، بل كذب موضوع، ولهذا لم يرو أئمة المسلمين منها شيئًا، ولا اعتمدوا على شيء منها، فلم يخرج أصحاب الصحيح منها شيئًا، ولا خرج أهل السنن المعتمدة - كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي - منها شيئًا، ولا روى أحمد بن حنبل وأمثاله في مسنده منها شيئًا، ولا مالك، ولا الشافعي، ولا نحوهم، وإنما يرويها مثل الدارقطني، وهو يعلم أنها ضعيفة.

وقد روى البزار في مسنده منها حديث عبيد الله بن عمرو، وهو ضعيف باتفاقهم، ولفظه:«من زارني بعد مماتي كنت له شفيعًا يوم القيامة» وعن ابن عمر لفظًا آخر.

وهم يروون أنه قال: «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في

ص: 81

حياتي» وهذا انفرد به حفص القاري عن ليث بن أبي سليم، وقد اتفقوا على ضعفه في الحيث، وأنكروا عليه هذا الحديث، وكذلك الأول، أنكروا على من رواه عن عبد الله بن عمر أخي عبيد الله، مع ضعف في عبيد الله، كما قد بسط هذا في مواضع.

وهذا أيضًا كذب مخالف لدين الإسلام، فإن الذين كانوا يزورونه (1) في حياته، هم الذين هاجروا /31أ/ إليه، وبايعوه على الإسلام، كالوفود الذين كانوا يقدمون إليه، وأولئك من أصحابه، فلو أنفق الرجل مثل أُحُد ذهبًا، ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه، فإذا كان بالأعمال الواجبة لا يصير مثل

(1) في الأصل: (يزوروه) ، والتصويب من المحقق.

ص: 82

أحدهم فكيف يصير بعمل ليس بواجب، بل ولا مسنون؟

وأما من يروي أنه قال: من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة. فهذا أعظم كذبًا من غيره، وقد قيل: إن هذا لم يسمع حتى استنقذ المسلمون القدس من أيدي الفرنج، ونقل هذا ابن الصّلاح عن شيوخه وغيره، ولم ينقل عن أحدٍ من الصّحابة استحباب زيارة قبره، بل قد علم بالنقل المتواتر أنه كان يكون في حجرته، وهم لا يزورون قبره، لا من داخل الحجرة، ولا من خارجها، والعلماء متفقون على أن أهل المدينة لا يزورون قبره إذا دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولكن ابن عمر كان يقف عند القبر، ويسلم عليه، وعلى صاحبيه، إذا قدم من سفر، فأخذ بفعل ابن عمر طائفة من العلماء، وآخرون لم يأخذوا بفعله، بل بفعل جمهور الصحابة.

ولا كانوا إذا كانوا مقيمين بالمدينة يزورون القبر ولا يأتونه، لا لدعاء، ولا غيره، بل كانوا يأتون إلى مسجده، وهم في كل صلاة في مسجده، وغير مسجده، يقولون: السّلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله /31ب/ وبركاته، ويصلون عليه، ويسألون له الوسيلة إذا سمعوا الأذان، كما سنّه لهم، وهذه المصالح العظيمة يحصل بها أضعاف ما يحصل في زيارة قبره، مع أن

ص: 83

ذاك كانوا يخافون أن يصير ذريعة إلى الشّرك، واتخاذه مسجدًا، وعيدًا، ووثنًا، وهذا الخوف كان لما كان الدخول إليه ممكنًا، ولما سدوه، ومنعوا الناس من الدخول إليه؛ ما بقي يمكن أحد (1) الزيارة المعروفة، ولا الشرك، ولا اتخاذه وثنًا، ولا يقدر أحد أن يصلي إلا إلى مسجده، ومسجده ليس هو قبره وبيته، بل مسجده بني للصلوات الخمس، وغيرها.

وكان يعتكف فيه، ولا يعتكف في بيته، فحكم هذا غير حكم هذا بالنص والإجماع، ولهذا إنما كان ابن عمر يأتي القبر فيسلّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه، إذا قدم من سفر، وكانت الحجرة إذ ذاك خارجة عن المسجد، ملاصقة له، وإنما أدخلت في المسجد من (2) خلافة الوليد بن عبد الملك، وأدخلت بعد انقراض الصّحابة من المدينة، فإن آخر من مات بها جابر بن عبد الله، وجابر مات سنة بضع وسبعين في خلافة عبد الملك، وابنه الوليد إنما تولى سنة بضع وثمانين، والمسجد أخر بناءه بعد ذلك بمدة، وعبد الله بن عمر مات في خلافة أبيه عبد الملك سنة ثلاث وسبعين عقب فتنة ابن الزبير بمكة.

وكان ابن عمر إنما يسلّم عليهم من جهة الرؤوس، من جهة المغرب، إذْ كانت جهة القبلة متصلة بغيرها من الحجر، وكان يسلّم عليهم على الترتيب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم إلى ناحية /32أ/ القبلة، وأبو بكر خلفه، وعمر خلف أبي بكر، ورأس أبي بكر عند منكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند منكبي أبي بكر، كالدرج، هذا أشهر الأقوال. وقيل: إن رؤوسهم مستوية، وقيل: بل اثنان منهما متحاذيان فقط.

ولا يعرف من أين كان ابن عمر يسلم، هل كان يستقبل الحجرة أو

(1) غيرت في المطبوع إلى: (أحدًا) .

(2)

غيرت في المطبوع إلى: (في) .

ص: 84

القبلة؟ والفقهاء متنازعون:

فمنهم من يقول: يستقبل القبلة عند السّلام، ويكون عن يسار الحجرة، أو أمامها كما ينقل عن أبي حنيفة.

ومنهم من يقول: بل يستقبل الحجرة، وهؤلاء يقول كثير منهم: إنه يستدبر القبلة، ويستقبل الحجرة، فيأتيهم من جهة وجوههم، ويسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينحرف قليلاً إلى جهة الشرق، فيسلم على أبي بكر، ثم ينحرف قليلاً فيسلم على عمر، وهذا إنما يجيء على قول من جعل ترتيبهم كدرج المنبر، وهؤلاء استحبوا هذا؛ لأن قصد التحية من جهة الوجه أحسن، وإذا سلّم عليهم من جهة الرؤوس، كما فعل ابن عمر، كان حسنًا، ويحصل الترتيب على قول من يقول باستواء الرؤوس.

ولما لم يكن معهم سنة عنه في التحية من خارج بيته، اضطربوا في الوقوف، وأما تحيته من داخل، فإنما كانت ممكنة من جهة القفا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبره متصل بالجدار القبلي، فلم يمكن أحدًا /32ب/ أن يقف هناك إذا دخل ويسلم عليه، وهذا مما قد يحتج به من يستقبل القبلة فيقول كما لو كان داخل الحجرة، لكن هذه حجة ضعيفة فإن مقتضى هذا أن يسلم عليه خلف الحجرة، وهذا لم يعلم به قائلاً.

وكان الصّحابة دائمًا يقصدون المدينة على عهد الخلفاء الراشدين، من الشام، والعراق، ومصر، واليمن، وغيرها، كما تقدم، ولم يشتهر عنهم أنهم كانوا إذا أتوا المسجد فصلّوا فيه، وسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم في الصّلاة، يذهبون بعد ذلك إلى قبره، وإنما روي هذا عن ابن عمر، أو عن غيره في قضايا معينة، ولو كان هذا عملاً معروفًا لعامة الصحابة القادمين، كالصلاة

ص: 85

في مسجده؛ لكان هذا ينقل عنهم نقلاً شائعًا متواترًا، لكثرة ما كانوا يقدمون المدينة من الأمصار، أضعاف أضعاف ما يقصدها الناس في هذه الأوقات؛ لأنها كانت دار الخلافة، فجميع أمور أهل الأمصار متعلقة بها، تقصد من جميع النواحي، في جميع العام، ومع هذا فأصحابه أفضل الخلق، وأعلمهم بدينه وما أمرهم به من توحيد الله وحقه، كانوا يفعلون ما أمرهم به وسنّه لهم من الصّلاة في مسجده، /33أ/ ومن الصّلاة والسّلام عليه، وطلب الوسيلة له كما أمر.

ولم يكن كل من قدم المدينة ذهب إلى القبر، فلم يكن هذا من عملهم الشائع العام، ولا كانوا يأمرون الناس بذلك؛ لعلمهم أن هذا ليس مما حضهم عليه، ورغبهم فيه، بل نهاهم أن يتخذوا قبره عيدًا، ومسجدًا، ولعن من يفعل ذلك، فكانوا يفعلون ما أمرهم به دون ما نهاهم عنه، وما نهاهم عنه من اتخاذ قبره عيدًا ومسجدًا لم يبق ممكنًا البتة، بل لا يقدر أحد على ذلك، ومن استقبل الحجرة إذا سلم عليه لم يقل: إنه اتخذ قبره عيدًا ولا مسجدًا، فإنه لم يصل إلى قبره البتة، بل إنما فعل ذلك في المسجد.

لكن يقال: هذا الفعل مشروع أم لا؟ وهل هو مما يسنّ في المسجد أم هو من أحكام المسجد، ليس من أحكام القبر؟ ولكن كثير من الناس ما بقي يعرف زيارة القبر، إلا ما يكون في المسجد، وهو اسم لا يطابق مسماه، بخلاف أهل البدع الذين يقصدون ما نهى عنه، وقد يجعلون ما نهى عنه أفضل مما أمر به، كما فعلته //50ب// النصارى وأشباههم.

ولكن أهل البدع لا يتمكنون من فعل بدعة عند قبره، ولا من الوصول

ص: 86

إلى قبره (1) ، ولا يقدر أحد أن يتخذه عيدًا ولا مسجدًا، ولا وثنًا (2) ، ولله الحمد والمنّة؛ فهذا ما فعل بقبره قط، بل كان الصّحابة يمتنعون منه مع قدرتهم عليه، ومن بعد الصحابة مُنعوا منه، فلو طلبوا فعله /33ب/ لما قدروا عليه؛ لأن الصحابة أعلم بدينه، وأتبع له.

وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم من سائر المؤمنين إذا زير قبره، فإنه (3) يزار قبره فيوصل إليه، فيسلّم (4) عليه، ويدعى له هناك، ومثل هذا لا يشرع في مغيبه، فلم يشرع أن يقال في (5) الصّلاة: السّلام (6) على فلان وفلان، وإنما قيل على سبيل العموم:«السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» ، فتبين أنه يحصل لغيره في زيارة قبره من المنفعة ما لا يحصل بدون ذلك، بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الذي يحصل له مع عدم الزيارة أكمل، وأفضل، وأنفع.

# # #

(1) عبارة (ولا من الوصول إلى قبره) ليست في خ2.

(2)

في خ2: (بناء) .

(3)

(فإنه) ليست في خ2.

(4)

في خ2: (فإنه يسلم) .

(5)

(في) ليست في خ2.

(6)

غيرت في المطبوع إلى: (والسلام) .

ص: 87