المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الناس إذا فعلوا ما أمروا به فتح الله عليهم أبواب رحمته - قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الناس إذا فعلوا ما أمروا به فتح الله عليهم أبواب رحمته

وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. مَا لَمْ يُحْدِثْ» .

وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» وفي حديث آخر: «إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى حِيتَانَ الْبَحْرِ» .

ف‌

‌الناس إذا فعلوا ما أمروا به فتح الله عليهم أبواب رحمته

من ملائكته وغير ملائكته، وقد روي أن أعمال الأحياء تعرض على الموتى، وأنهم إن وجدوا شيئًا استغفروا لصاحبه، وروي أن أعمال الأمة تعرض على الرسول كذلك، كما رواه الطبري عن أبي هريرة قال: «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقْرِبَائِكُمْ مِنْ مَوْتَاكُمْ، فَإِنْ رَأَوْا خَيْرًا فَرِحُوا بِهِ، وَإِنْ رَأَوْا شَرًّا كَرِهُوهُ، وَإِنَّهُمْ يَسْتَخْبِرُونَ الْمَيِّتَ إِذَا أَتَاهُمْ مَنْ مَاتَ بَعْدَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ عَنِ امْرَأَتِهِ: أَزَّوَّجَتْ أَمْ لَا؟ وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ، فَإِذَا قِيلَ قَدْ مَاتَ، [قَالَ] (1) : هَيْهَاتَ، ذَهَبَ (2) ! فَإِنْ لَمْ يُحِسُّوهُ (3)

(1) لم تظهر في حاشية الأصل، فأضافها المحقق، وهي ثابتة في «تهذيب الآثار» للطبري (مسند عمر بن الخطاب 2/512 رقم 735) .

(2)

في «تهذيب الآثار» زيادة: (ذاك) .

(3)

لم تتضح لمحقق المطبوع فكتبها: (يجدوه) ، والثابت في الأصل هو الموافق لنص الحديث في «تهذيب الآثار» .

ص: 129

عِنْدَهُمْ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ (1) » .

و [قد جاء](2) عن السلف الخلاف [في](3) تأويل قوله: «مَا أَنْـ[ـتُمْ بِأَسْمَعَ] (4) لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» [وهذا](5) مبسوط في جوابي عن الأرواح، فأما علم الأموات بأحوال الأحياء ففيه آثار كثيرة، مثل ما رواه أبو حاتم في صحيحه عن أبي أيو [ب الأنصاري](6) ، وأما استغفارهم لهم فما يحضرني إسناده، وكذلك ما يروى أن الرسول يستغفر لهم ما أعـ[ـرف له إسنادًا](7)

(8) فهذا إن كان ثابتًا ففيه استغفار الرسول والصالحين (9) بأمر ربهم، كما تستغفر الملائكة هنا، فما أمروا به لا حاجة إلى طلبه منهم، وما لم /55أ/ يؤمروا به لا يفعلونه وإن طلب منهم، فإنهم لا يشفعون إلا بإذنه.

وحينئذ فلا فائدة في طلب الدعاء، والشفاعة، لا من الملائكة، ولا من الأموات، الأنبياء والصالحين، ومن طلب (ذلك)(10) منهم؛ فتح أبواب الشرك، فإنه إذا اعتقد الناس أن ما طلب من الميت، أو الملك، من دعاءٍ، وشفاعة، بذله، طلبوا ذلك؛ لكثرة حاجات الخلق، لا سيما إذا اعتقد ما

(1) في «تهذيب الآثار» زيادة: (فبئس المربية) .

(2)

لم تظهر في هامش الأصل، فأضافها المحقق.

(3)

لم تظهر في هامش الأصل، فأضافها المحقق.

(4)

لم تظهر في هامش الأصل، فأضافها المحقق.

(5)

لم تظهر في هامش الأصل، فأضافها المحقق.

(6)

لم تظهر في هامش الأصل، فأضافها المحقق.

(7)

لم تظهر في هامش الأصل، فأضافها المحقق.

(8)

تتمة الإلحاق في الهامش مبتورة بسبب قص الكتاب كما يبدو، وهي بقدر سطر.

(9)

في الأصل: (والصالحون) ، والتصويب من المحقق.

(10)

سقطت من المطبوع.

ص: 130

يقوله المشركون الذين يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، يقولون: هؤلاء خواص الربّ فنحن نتقرب إليه بهم كما نتقرب إلى الملوك بخواصهم، فكما أن آحاد الرعيّة لا تصلح أن تخاطب السّلطان، بل يدخل على خواصه حتى يخاطبوه له، كذلك نحن لا يصلح لنا أن نطلب من الله، بل نطلب من خواصه أن يسألوه، وإذا أقدمنا على الطلب منه كان ذلك سوء أدب عليه، واجتراء عليه، كما يكون ذلك سوء أدب على الملوك، واجتراء عليهم، فهذه من أعظم شبه المشركين الذين قال الله فيهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] أي: يقولون: ما نعبدهم.

وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] فهؤلاء دعوا الملائكة، والأنبياء، والصالحين، وقد رد الله على هؤلاء في غير موضعٍ /55ب/ من القرآن، ورسل الله كلهم ردوا على هؤلاء، وهذا الذي ذكروه من قياس الله على خلقه، قياس فاسد، وضربوا لله مثل السوء، والله له المثل الأعلى، وذلك أن الملوك هم عاجزون عن أمور الرعية، إن لم يكن لهم من يعاونهم، بل من يدفع عنهم الضرر، عجزوا وقهروا، وهم أيضًا لا يعلمون من أحوال الرعيّة إلا ما طولعوا به، وأيضًا فهم لا يحسنون إلى الرعيّة إلا لرغبة، أو رهبة.

والله سبحانه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وهو أرحم الراحمين، فهو يعلم السرّ وأخفى، فلا يحتاج إلى من يعرِّفه بحاجته، بل هو يعلم حاجته، وهو وحده يدبر أمر السموات والأرض، ليس له ظهير، ولا وزير، ولا معين (1) ، ولا مشير، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ

(1) في الأصل: (عون) ، والتعديل من المحقق.

ص: 131

دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ (1) فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: 22] .

وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] فهو سبحانه لم يوال عباده من ذلٍّ ليعتز بهم، كما يوالي الملوك لأوليائهم. قال مجاهد: لم يذل فيحتاج (2) إلى ولي يتعزز به.

بل هو سبحانه يوالي المؤمنين فضلاً منه /56أ/ ورحمة، وإحسانًا، وهو سبحانه الصمد، الذي كل ما سواه فقير إليه، وهو غني عن كل ما سواه، وهو سبحانه أرحم الراحمين، وخير الحاكمين، وهو نعم الوكيل لمن توكل عليه، ونعم المولى، ونعم النصير.

وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا» فهو سبحانه رحمته وسعت كل شيء، فقد كتب على نفسه الرحمة، فهو أعلم بحال عبده من كل أحدٍ، وهو أقدر على نفعه وأنفع من كل أحد، بل لا يقدر أحد إلا بإقداره، وهو أرحم به من كل أحدٍ، وهذا بخلاف الملوك، وقد قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقد روي أن بعض الناس قالوا: يا رسول الله، ربّنا قريبٌ فنناجيه، أو بعيد فنناديه، فأنزل الله هذه الآية.

(1) في الأصل: (له) .

(2)

في الأصل: (محتاج) ، والتصويب من المحقق.

ص: 132

وهو سبحانه سميع الدعاء، أي يجيب الدعاء، كما يقول المصلي في الصلاة: سمع الله لمن حمده، أي استجاب الله دعاء من حمده، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، يَسْمَعِ اللَّهُ لَكُمْ» ، فإن الله قال على لسان نبيه:«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» .

ومنه قول الخليل عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39] وقوله تعالى: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي /56ب/ إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50] وهذا كما في قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وقوله: {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} [المائدة: 41] أي: يستجيبون لهم، وقابلون منهم، وكذلك {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أي: قابلوه، ومصدقوه، ولم يرد السمع المجرد، فإن المؤمن أيضًا يسمع الصدق والكذب، لكن لا يقبله، بخلاف من أكل السحت؛ فإنه يسمع الكذب، وهو كما يقال: فلان يسمع لفلان، ومن فلان، أي: يقبل منه قوله، ويطيعه.

فهو سبحانه لا يقاس به غيره، ولا يمثل به سواه، إذ ليس كمثله شيء، والمشركون ضربوا له أمثالاً من خلقه، فجعلوا لله ندًّا، ومثلاً، والقرآن مملوء من ذم هؤلاء، ولعنهم، وتكفيرهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ

ص: 133

مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ (1) يَكْفُرُونَ • وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ • فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 72-74] وقوله: {رِزْقًا} {شَيْئًا} ، قيل هو مفعول المصدر، وقيل هو بدل منه، وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .

وفي الصحيحين /57أ/ عن ابن مسعود قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ:«أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِي بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] .

والمشركون، مشركو العرب، لم يكونوا يعتقدون أن المخلوقات، كالملائكة، والأنبياء، والشمس، والقمر، أو الكواكب، وتماثيلهم، شاركت الربّ في خلق العالم، بل كانوا معترفين بأن الله خلق ذلك وحده، كما أخبر الله عنهم في غير موضع، كقوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61] .

وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ • قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ • قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ • سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (2) قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84-89] .

(1)(هم) سقطت من الأصل.

(2)

في الأصل: (الله) .

ص: 134

ومثل هذا في القرآن كثير، لكن كانوا يتخذونهم شفعاء يتقربون بهم إلى الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] .

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] .

وقال: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (1) • /57ب/ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 27-28] .

وقال صاحب يس: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ • أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ • إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ • إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس: 22-24] . وبسط هذا له موضع آخر.

والمقصود هنا التنبيه على أن الشرك أنواع:

فنوع منه يتخذونهم شفعاء يطلبون منهم الشفاعة والدعاء من الموتى والغائبين، ومن تماثيلهم.

ونوع يتقربون بهم إلى الله.

ونوع يحبونهم لا لشيء، بل كما قال الله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] يهوى أحدهم شيئًا فيتخذه إلهًا من غير أن يقصد منه نفعًا ولا ضرًّا، كما يحصل لأهل الغي هوى في أمور لا تنفعهم، والله سبحانه هو الذي يستحق أن يُحَبَّ لذاته ويعبد لذاته دون ما سواه، وهؤلاء جعلوا لله أندادًا، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ

(1) في الأصل: (يذكرون) .

ص: 135