المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب المياه الباب -في اللغة-: ما يتوصل منه إلى مقاصد يشتمل - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌ ‌باب المياه الباب -في اللغة-: ما يتوصل منه إلى مقاصد يشتمل

‌باب المياه

الباب -في اللغة-: ما يتوصل منه إلى مقاصد يشتمل عليها، وهو مستعمل هنا لافتتاح أحكام مندرجة تحت اسم خاص، وقد يدرج في الباب ما لا تصدق عليه الترجمة؛ لتعلقه بما اشتملت عليه من وجه ما، كما ستعرفه.

والمياه: جمع ماء، وإنما جمعه -وإن كان اسم جنس ينطلق على الكثير والقليل- لاختلاف أنواعه، وهي ثلاثة: طهور، وطاهر، ونجس:

فالطهور: هو الطاهر في نفسه، الصالح لتطهير غيره، المسمى في الكتاب بالماء المطلق، وهو منقسم إلى مكروه وغيره.

والطاهر: هو الطاهر في نفسه غير صالح لتطهير غيره، كالمتغير بمخالطة ما لا يستغني عنه، أو بمجاورته على قول، أو مستعمل على قول.

ص: 106

والنجس: هو الذي لا يجوز استعماله.

قال: قال الله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} ، بدأ الشيخ رحمه الله بهذه الآية؛ لأمرين:

أحدهما: تبركا بالكتاب العزيز.

والثاني: اقتداء بالمزني؛ فإنه كذا فعل، ولفظه:"قال الشافعي: قال الله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} "، وفعل ذلك ليُعلِم أن الشافعي هو المحتج بالآية لا هو نفسه، وفي الحقيقة فالمقتدى به هو الشافعي، قيل: فكانت عادته أنه إذا أراد أن يصدر بابا، فإن كان في ذلك الباب آية تلاها، وإن كان هناك سنة رواها، وإن كان هناك أثر حكاه، ثم رتب عليه مسائل الباب.

ص: 107

واختص هذه الآية بالذكر، وإن كان في الباب أصرح منها في الدلالة على مقصوده، وهو قوله تعالى:{وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} لإفهامها معنى زائدا، وهو أن الطهور ما كان طاهرا في نفسه، وصلح لتطهير غيره، لا أنه هو الطاهر، كما صار إليه الأصم وابن داوود، وبعض متأخري أصحاب أبي حنيفة، وطائفة من أهل اللغة، كما قال أبو الطيب. وتدل عليه الآية الأخرى؛

ص: 108

فإن المطلق يحمل على المقيد عند اتحاد الواقعة بلا خلاف.

وقد ادعى المحاملي أن الدلالة عليه من الآية نفسها؛ فإنه تعالى لو اقتصر على قوله: {وأنزلنا من السماء ماء} لتعلقت الطهارة به، فإن ذلك مسوق في معرض المنة، ويستحيل أن يمن الله تعالى بما ليس بطاهر، فوجب حمل قوله:{طهورا} على التطهير، لا على الطهارة، وإلا كان غير

ص: 109

مفيد معنى زائدا، وقد وردت السنة بما يعضده، روى الشافعي بسنده أن قوما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: إنا نركب البحر، ونحمل القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضا بماء البحر؟ فقال:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، وقد أخرجه غيره، وقال الترمذي: إنه حسن صحيح.

ص: 110

ووجه الدلالة منه أنه لو لم يكن بمعنى: مطهر، لم يكن مجيبا لسؤالهم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولذلك قال عليه السلام:(الحل ميتته)؛ فإنهم لما جهلوا جواز الطهارة بمائه مع وضوحه بقوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} وقوله: {فسلكه ينابيع في الأرض} - كانوا بحل ميتته أجهل؛ لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم

}.

وقد قيل: ذكره لفائدة تعود على الماء، وهو أنه لا ينجس بموت حيواناته فيه؛ لأنه حلال، وقال عليه السلام:(طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا) أي: مطهر إناء أحدكم.

ص: 114

وقال عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا) ومعلوم أن

ص: 115

التراب طاهر في نفسه، فلو لم يكن بمعنى مطهر، لما كان له عليه السلام خصوصية به دون غيره.

ص: 116

فإن قيل: قد ورد طهور بمعنى: طاهر، في قوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا

طهورا} [الإنسان: 21] فإن أهل الجنة لايحتاجون إلى التطهير، وليس هناك حدث

ولا خبث يزال، وقال جرير في صفات بعض النسوة:[من الطويل]

....................

عذاب الثنايا ريقهن طهور

والريق لا يتطهر به.

فجوابه: أنه تعالى وصف شراب أهل الجنة بأعلى صفات شراب أهل الدنيا، وهو

المتطهر به، وإن كان أهل الجنة غير محتاجين إلى التطهير.

وقول جرير حجة لنا، لأنه قصد تفضيلهن على غيرهن، ولو أراد به معنى: طاهر، لم يكن لوصفه إياهن بذلك مزية على غيرهن من النسوة.

فإن قيل: لو كان كما قلتم لاقتضى جواز تكرار الطهارة به، لأن طهورا من أبنية

المبالغة كالصبور والشكور، فإنه اسم لمن تكرر منه ذلك.

قلنا: سنذكر جوابه آخر الباب.

ص: 117

تنبيه: الطهور -بفتح الطاء-: ما يتطهر به، وبالضم: المصدر، بمنزلة: التطهر.

وكذلك [الوَضوء] والوُضوء.

قال: ولا يجوز رفع حدث ولا إزالة نجس إلا بالماء المطلق، وهو ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض

على أي صفة كان من [أصل] الخلقة.

الجواز -في اصطلاح الفقهاء؛ كما قال بعضهم-: إذا أضيف إلى العقود كان

بمعنى الصحة، وإذا أضيف إلى الأفعال كان بمعنى رفع الحرج.

قلت: وهو هنا بمعنى الصحة ورفع الحرج، إذ من أمر [غير] الماء على

أعضاء طهارته بنية الوضوء أو الغسل لا يصح وقد حرج، لأنه تقرب بما ليس

موضوعا للتقرب به، فعصى لتلاعبه، وستعرف سر ذلك في باب الحيض.

والفصل يشتمل على مسألتين:

إحداهما: رفع الحدث أصغر كان أو أكبر.

والثانية: إزالة النجس: المغلظ منه: وهو نجاسة الكلب ونحوه، والمخفف: وهو

بول الغلام الذي لم يطعم، وما بينهما.

واقتضى الفصل اشتمال كل مسألة على حكمين:

أحدهما: جوازه بما نزل من السماء، وهو ماء المطر وذوب الثلج والبرد، وما نبع

ص: 118

من الأرض: وهو ماء البحار [وماء الأنهار وماء الآبار].

والثاني: عدم جوازه بغير ذلك.

فالدليل على الجواز فيهما بما نزل من السماء، قبل الإجماع.

من الكتاب قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [الفرقان: 48] وقوله

تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم} [الأنفال: 11]

فإن قلت: هذا يدل على الجواز بما نزل [من السماء] ماء لا ثلجا وبردا-

قيل: الثلج والبرد إنما ينزل من السماء والجمود يعرض له في الهواء، كما يعرض له

على وجه الأرض، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه:" اللهم اغسلني بماء الثلج والبرد وطهرني كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس" رواه البخاري ومسلم.

ص: 119

وروي أنه قال: " اللهم طهرني بماء الثلج والبرد". ولاتتحقق الاستعارة بذلك

ص: 120

عن التطهير من الذنوب ما لم يكن [ذلك] مطهرا. نعم، لايكفي في رفع الحدث

وإزالة الخبث إمرار الثلج [والبرد] على المغسول من الأعضاء ما لم [يكن]

الهواء حارا فيذوب حالة الإمرار ويجري عليها، ويكفي في الممسوح منها.

وفي الحاوي وجه آخر: أنه لايكفي فيها أيضا، لأنه لا يعد ماسحا.

[والدليل على الجواز] فيهما بما نبع الأرض فعله صلى الله عليه وسلم وقوله:

روي أنه توضأ من بئر بضاعة، ومن بئر رومة، ومن بئر زمزم، وقال في

البحر: "هو الطهور ماؤه"، قال الشافعي: وهذا الخبر نصف علم الطهارة.

قال المارودي: وهو لعمري صحيح، لأن هذا الحديث دل على طهارة ما نبع من

ص: 121

الأرض، والآية دالة على طهارة ما نزل من السماء، والماء لا يخلو أن يكون نابعا من

الأرض أو نازلا [من السماء].

والقاضي أبو الطيب استدل على جواز ذلك بما نبع من الأرض بالآيتين، معتقدا

أن ما نبع من الأرض نازل من السماء، لقوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء

فسلكه ينابيع في الأرض} [الروم: 21]، وقوله: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في

الأرض} [المؤمنون: 18] ، وإذا صح له هذا الاستدلال أمكن أن يستدل بقوله - عليه

السلام -في البحر: "هو الطهور ماؤه" وبوضوئه بماء البئر -على جواز التطهر بما

نزل من السماء؛ لأن ملابسته للأرض لا تكسبه وصف الطهارة والله أعلم.

والدليل على عدم جواز رفع الحدث بغيره قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا

صعيدا طيبا} [النساء: 43]، والدلالة منها من وجهين:

أحدهما: أنه أوجب التيمم على من لم يجد الماء، والمستعمل لغيره مخالف

للأمر، فلم يخرج عن العهدة.

والثاني: أنه جوز فعل التيمم عند عدم الماء، ومن جوز استعمال غيره يمنعه منه

عند وجود ذلك الغير [وفقد الماء.

ولأن ما عدا الماء مائع لا يطلق عليه اسم الماء]؛ فلم تجز الطهارة به كالدمع.

وهذا استدلال على من جوزه في السفر بسائر المائعات في السفر والحضر مع

وجود الماء وعدمه، وهو الأصم.

أما حجتنا على من جوزه في السفر بنبيذ التمر المطبوخ المسكر عند فقد الماء،

وهو أبو حنيفة – كما قال القاضي أبو الطيب والماوردي وغيرهما من الأئمة _

ص: 122

فالقياس، وهو أنه شراب فيه شدة مطربة؛ فلم تجز الطهارة به كالخمر، أو لأنه مائع

لايتناوله اسم الماء؛ فلم يجز رفع الحدث به [كالخل، ولأن ما لا يجوز رفع الحدث

به في الحضر ومع وجود الماء: لا يجوز به] في السفر عند فقد الماء كسائر

المائعات.

فإن قيل: قد روى عبد الله بن مسعود قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال:"أمعك ماء؟ " فقلت: لا، معي نبيذ، فأخذه، وتوضأ به، وقال:"تمرة طيبة وماء طهور".

فجوابه: أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنه -أنه أنكر كونه مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، ثم لو سلم من ذلك لم تكن فيه حجة، لأنه من رواية مولى عمرو بن

حريث وهو مجهول.

ولو سلم من ذلك، لقلنا: هذه زيادة في نص القرآن، والزيادة في [نص القرآن]

عند أبي حنيفة [نسخ] ولا ينسخ القرآن [بأخبار الآحاد].

ص: 123

ولو سلم من ذلك كله، لقلنا: إنه منسوخ؛ لأن ليلة الجن كانت بمكة، وآية التيمم

نزلت بعد الهجرة.

أو نحمله على أن الذي كان مع ابن مسعود ماء نبذ فيه تمر ليعذب، فهو منبوذ،

وقد عبر عن المنبوذ بالنبيذ؛ كمايقال: قتيل بمعنى: مقتول، ويؤيده قوله -عليه

السلام_:"تمره طيبة وماء طهور"، فوصف شيئين ليس النبيذ واحدا منهما.

وإذا عرفت ماذكرناه من مذهب الأصم وأبي حنيفة عرفت أن دعوى

الغزالي الإجماع على اختصاص الماء برفع الحدث غير سالمة من نزاع.

ص: 124

[نعم]، قد قيل: إن أبا حنيفة قد رجع [عن ذلك] ، والأصم مسبوق بالإجماع؛

فثبت ما قاله.

ومنهم من يقول في الجواب: أبو حنيفة لا يخالف في أن الأصل في رفع الحدث

الماء، وإنما الوضوء بنبيذ التمر رخصة عنده من رخص السفر، وإذا كان كذلك

صح إطلاق الإجماع على اختصاص طهارة الحدث به؛ كما يقال: الميتة حرام

بالإجماع، وإن أحلت رخصة عند الضرورة.

والدليل على عدم جواز رفع الخبث بغيره: ماروي أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن دم

الحيض يصيب الثوب قال:"تحته ثم تقرصه [بالماء] ثم تنضحه، ثم تصلي فيه"

ص: 125

أخرجه البخاري. وما روي أنه- عليه السلام -قال حين بال الأعرابي في المسجد:

"صبوا عليه ذنوبا من ماء" وهذا أمر باستعمال الماء، والمأمور لا يخرج

ص: 126

عن الأمر [إلا] بامتثاله، وبهذا الطريق ينبغي أن يكون الاستدلال بما ذكرناه،

[لا] بمفهوم اللقب، الذي لم يقل بأنه حجة إلا الدقاق.

ص: 128

أو نقول: الذي نص الشرع [على استعماله] في إزالة الأنجاس الماء، وذلك إما

تعبد لا يعقل معناه؛ كما اختاره الإمام، أو معقول المعنى؛ كما قال الغزالي: إنه

الأقرب.

فإن كان الأول [لم يحسن] إلحاق غيره به، وإن كان الثاني ففي الماء من الرقة

واللطافة والتفرد في التركيب ما لا يشاركه فيه [غيره من بين] سائر المائعات؛

فيمتنع إلحاقها به، ولأن إزالة النجس طهارة تراد للصلاة، أو تستباح الصلاة بها؛

فاختصت بالماء من بين سائر المائعات كالوضوء.

تنبيه: قول الشيخ:"على أى صفة كان من أصل الخلقة"، أراد به -والله أعلم-:

ما خلقه الله عليه من ملوحة، وعذوبة، وغير ذلك. وفيه تنبيه على أن ملوحة الماء

خلقة لا من [أجزاء سبخة] من الأرض، كما قال الغزالي.

وبعضهم يقول: أرادبالصفة: البياض، والحمرة، والصفرة، ونحو ذلك.

وفيه نظر؛ لأن هذه الألوان تعرض له قطعا، بل قيل: إن الماء لا لون له، وما يظهر

به من لون فهو لون ظرفه أو ما يقابله؛ لأنه شفاف.

وقد اعترض بعضهم على ما ذكره الشيخ من تفسير الماء المطلق الذي حصر

جواز الطهارة فيه، فقال: الماء اليسير إذا وقعت فيه نجاسة وكذا المستعمل في الحدث

والخبث -إذا لم يتغير -باق على وصف خلقته، ولا يجوز الطهارة به على الأصح.

ص: 129

والمتغير بطول المكث تجوز الطهارة به عندنا وإن تغير عن وصف خلقته، وكذا

ما تغير بالمجاورة -بلا -تجوز الطهارة [به] على أصح القولين.

فالعبارة السديدة أن يقول: الماءالمطلق: ماينطلق عليه اسم الماء من غير تقييد

لازم. واحترزنا باللازم من غير اللازم كالإضافة إلى مقره أو مجراه.

ومنهم من يقول: المطلق ما يتبادر إليه الفهم عند إطلاق اسم الماء.

قلت: وهذان التعريفان صحيحان، وكذا ما ذكره الشيخ. ولا نسلم أنه مراده؛ بل

المراد ما ذكرناه، وأما الألوان والأحوال فقد تعرض لحكمها في الباب وأشار إلى أن

التغير بما لا يستغنى عنه لا يؤثر -كما سنبينه – والمتغير بطول المكث من هذا

النوع.

ثم لنا أن نجري لفظ الصفة على ظاهره، ونقول: أراد كل صفة خلق عليها، ولا

نسلم أن الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره، أو الماء المستعمل -باق

على وصف خلقته؛ لأن النجاسة والاستعمال وصفان قد تجددا له، والمتغير بطول

المكث ونحوه لما استشعر إيراده على لفظه أخرجه بقوله: يستغني الماء عنه، وقد

أفهم كلام الشيخ أمورا:

أحدها: أنه لا فرق في عدم [جواز التطهير] بما عدا الماء بين أن يكون

ص: 130

[خالصا] أو مختلطا بالماء، غالبا عليه أو مغلوبا، ولم يختلف أصحابنا فيما إذا

كان غالبا على الماء أنه لا تجوز الطهارة به.

قال الإمام: وكذا لو كان مغلوبا ولو قدر لونه مخالفا للون الماء لغيره، هذا لا

بوافقه عليه العراقيون. نعم، اتفقوا – كما قال الإمام وغيره -على جوازه بالمختلط

إذا كان مغلوبا، ولو قدر مخالفة صفاته لصفات الماء لم تغيره وبقي مقدار المائع،

ومثلوا ذلك بما إذا كان معه أربعة أرطال ماء، فصب عليه رطل ماء ورد، وهو يحتاج

إلى أربعة أرطال -فإنه يجوز أن يستعمل قدر اربعة أرطال. نعم، لو استعمل الجميع

في هذه الحالة فهل يجوز؟ فيه وجهان، المشهور منهما: الجواز.

ولو كان يحتاج في طهارته إلى الخمسة ففي جواز استعمال الجميع وجهان

مرتبان، وأولى بالمنع.

والمذكور في الحاوي وغيره فيما إذا بقى قدر المائع: الجواز، وفيما إذا

استعمل الجميع عن الشيخ أبي حامد والجمهور: أنه يجوز كما لو بقي قدر المائع؛

فإنه مستهلك فيه في الحالين، وهذا ماحكاه الإمام عن العراقيين وأنهم صححوه.

وعن أبي علي في " الإفصاح" وطائفة كما قال الماوردي: أنه لا يجوز،

وهو الذي صححه القاضي أبو الطيب والشيخ أبو محمد؛ لأنه تيقن الطهارة

ص: 131

بغير الماء، ولا كذلك في الحالة قبلها.

الثاني: جواز الطهارة بالماء الذي ينعقد منه الملح، ولا خلاف فيه إذا كان انعقاده

بسبب سبوخة في الأرض مثل: أن نزل من السماء على أرض سبخة من شأنها أن

تعقده ملحا؛ فتجوز الطهارة به قبل انعقاده.

وأما ما ينعقد بنفسه ملحا، ففي جواز الطهارة به وجهان:

أحدهما – وهو المشهور-:نعم؛ لما ذكرناه.

والثاني – حكاه الماوردي عن أبي سهل الصعلوكي والقاضي الحسين

وغيره وعن القفال -: أنه لايجوز؛ لأن طبعه خلاف طبع الماء؛ [فإن الماء]

يجمد في الشتاء، ويذوب في الصيف، وهذا على عكس.

الثالث: جواز الطهارة بالمتصاعد من الماء بالنار، كما إذا أغلي الماء، وغطي رأس

القدر؛ فإنه يصعد إلى الغطاء بخار يتولد منه رشح، وهو في الحقيقة ماء، وبهذا

ص: 132

استدل لما ادعاه الغزالي من أن ملوحة الماء بسبب سبوخة في الأرض؛ فإن

المتصاعد يكون عذبا بسبب رسوب السبخ، وهذا ماحكاه فب الروضة وجها،

وقال: إن صاحب "التلخيص" اختاره، ورأيته في "تلخيصه" أبداه لنفسه احتمالا،

وحكى عن بعض الأصحاب أنه قال: إنه طاهر غير طهور؛ كالعرق.

قال: وتكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه – [أي: وشمس]-لكراهة عمر لذلك وقوله:

إنه يورث البرص؛ كذا قاله الشافعي، ولفظ عمر؛ كما أخرجه البيهقي من عدة

طرق:"لا تغتسلوا بالماء المشمس؛ فإنه يورث البرص" واعتمد الشافعي عليه من

ص: 133

حيث إنه خبر لا تقليد.

وعدوله عن التمسك بما رواه الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها – أنها

قالت:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ بالماء المشمس أو نغتسل به" إلى أثر

ص: 134

عمر رضي الله عنه دليل على عدم سلامته من الطعن؛ كما صرح به غيره،

وكذا قوله في "المختصر":"لا أكره المشمس إلا من جهة الطب"، مع أنه

يحتمل أنه إنما قال ذلك؛ لأنه لم يبلغه الخبر.

وفي "المهذب" وغيره حكاية وجه أنه غير مكروه، وقد اختاره في" الروضة"

وقال: إنه لم يصح فيه ما ينبغي أن يعتمد عليه، والمشهور الكراهة، ولم يورد

الجمهور غيره.

ثم الشيخ في عبارته متبع لأبي علي الطبري؛ فإنه قال في "الإفصاح" -وتبعه

البندنيجي وابن الصباغ -المكروه أن نقصد إلى تشميس الماء، وأما ما يشمس

بنفسه في الأنهار والبرك فلا يكره [التطهر به]؛ فإن الشمس لا تؤثر فيه التأثير

المقصود عادة؛ لكثرته، أو لأن الأرض تشرب ما لعله ينفصل منه بالشمس"

ومن آخر لفظ صاحب "الإفصاح" يظهر أن مراده بأوله ما يمكن قصد تشميسه

ص: 135

عادة: كما الجرة، والإبريق، والكوز، ونحو ذلك، سواء تشمس بنفسه من

غير قصد من المريد للاستعمال، أو بقصد منه، وقد أجراه بعض الأصحاب على

ظاهره؛ فاشترط في الكراهة قصد التشميس، ولم يحك في " التتمة" غيره، والإمام

نسبه إلى العراقيين، وتمسك قائله بما روي أن عائشة رضي الله عنها – شمست ماء

لرسول الله صلى الله عليه وسلم -فقال:" لا تفعلي يا حميراء؛ فإنه يورث البرص"

رواه الدارقطني، وقد حكى الماوردي الوجهين، ورجح الأول، وهو الذي عليه المحققون؛ لأن ما يؤثر شيئا بطبعه لا فرق فيه بين أن يقصد ذلك أو لا، والخبر غير الثابت، ولو صح لم

يكن فيه حجة على اشتراط القصد.

وظاهر كلام الشيخ يقتضي أمورا:

منها: أنه لا فرق في استعماله في الطهارة بين الثوب والبدن، وبعض الأصحاب

يقول: إنه يكره في البدن دون الثوب.

قال مجلي -تبعا للماوردي وغيره_: وهذا غير معدود خلافا؛ لأن أحدا لا

ص: 136

يقول: يكره في الثوب. ومنها: أنه لا فرق بين أن يكون في الأواني المنطبعة المتخذة من الحديد

والنحاس، وغير ذلك مما يمتد تحت المطارق أو غيره: كالخشب والخزف ونحوه،

وهو ما يقتضيه إطلاق العراقيين.

وقد قيل باختصاص الكراهة بالأواني المنطبعة، وهو ما حكاه الإمام عن

الأصحاب.

ووجهه: بأن سببه أن حرارة الشمس تفصل من هذه الأواني أجزاء لطيفة تعلو

الماء، فإذا لاقت البدن أثرت البرص، ثم قال الإمام: وأنا أقول: يبعد أن ينفصل من

إناء الذهب والفضة مع طهارتهما شيء محذور، أي -فينبغي ألا يكره فيهما؛ ولهذا

قال الغزالي: ولعله لا يجري في [أواني] الذهب والفضة؛ لصفاء جوهرهما، وهذا

ما حكاه المتولي، حيث خص الكراهة بالأواني الصفرية والنحاسية.

قال الإمام: وكان شيخي يطرد قوله فيما ينطبع وينطرق، وخص الشيخ أبو بكر

النحاس بالاعتبار من بين سائر الأجناس، والذي حكاه القاضي الحسين: تخصيصها

بالأواني الصفرية.

ومنها: أنه لافرق بين أن يكون في البلاد الحارة: كالحجاز. أو الباردة: كالصين،

وهو وجه حكاه الماوردي ورجحه مع وجه آخر، ولم يحك القاضي الحسين

والإمام غيره: أن الكراهة تختص بالبلاد الحارة، وأضاف القاضي إلى ذلك

أن يكون في الصيف الصائف؛ ليحصل [التأثير] المقصود؛ فإن البلاد الباردة لا

تؤثر فيها التأثير المقصود.

ص: 137

ومنها: أنه لا فرق بين أن يكون الإناء مغطى الرأس أو لا، وهو ما يقتضيه إطلاق

الإمام وغيره. ومنهم من خصها بحالة تغطية الرأس، ولم يحك القاضي الحسين

والمتولي غيره.

ومنها: أنه لا فرق بين أن يستعمل في حالة الحرارة أو بعد برده، وللأصحاب

وراءه وجهان:

أحدهما: أنه لا يكره إذا برد، وهو الأصح في "الروضة".

والثاني: إن شهد عدلان من أهل الطب أنه يورث البرص كره، وإلا فلا.

قال الاوردي: وهذا لا وجه له؛ لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بغير أهل

الاجتهاد في الشريعة، ولأن من أهل الطب من يقول: إن المشمس لا يورث

البرص. ولا يرجع إلى قوله فيه.

قلت: ولعل هذا القائل أخذه من قوله في "المختصر": "فلا أكره المشمس

إلا من جهة الطب" فلما أن جعل أصل الكراهة منوطة بالطب، وجب أن نرجع إليه

في الوصف؛ [ولذلك] قال بعض الأصحاب: لا يكره المشمس إلا أن يشهد

عدلان من أهل الطب أنه يورث البرص.

لكن ما نقله المزني قد نسب فيه إاى التخليط وأن لفظ الشافعي قد كره الماء

المشمس، وقد كرهه كراهة من جهة الطب، كذا حكاه القاضي الحسين، والروياني

ص: 138

في "تلخيصه" والله أعلم.

ومفهوم كلام الشيخ يقتضي أمورا:

أحدها: صحة الطهارة بالماء المشمس، وهو مما لا خلاف فيه.

والثاني: عدم كراهتها بالماء المسخن بالنار، وهو مما لا خلاف فيه أيضا؛ لأن ابن

عباس روى أنه – عليه السلام – دخل حماما بالجحفة وهو محرم. وقال شريك:

أجنبت وأنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم؛ فجمعت حجارة، وسخنت ماء،

واغتسلت، فأخبرت النبي صل الله عليه وسلم فلم ينكر علي. ولا فرق بين أن يسخنه بطاهر أو بنجس؛ لأن الأصل عدم

ص: 139

تنجسه به. نعم، إذا اشتدت حرارته [كره]، وكذا الماء الشديد البرد.

والثالث: عدم كراهتها بماء زمزم، وهو كذلك؛ لأنه- عليه السلام توضأ منه،

وقول العباس: لا أحله لمغتسل، لكن لشارب حل وبل – محمول على حاجة

احتياج الناس إليه للشرب لكثرتهم.

[و] الرابع: أنه لا يكره استعمال المشمس في الأكل والشرب، والماوردي

جزم بالقول بكراهة استعماله في البدن على أي وجه كان، وقال في الطبخ: إن كان قد

بقي مائعا فيه كره، وإن لم يبق مائعا فيه - كما إذا طبخ به ما لا مرق له، أو عجن به

دقيق - فلا.

ص: 140

وفي" الجيلي" حكي هذا وجها ثالثا في المسألة والله أعلم.

تنبيه: يقال: قصدت له، وقصدته، وقصدت إليه، ثلاث لغات مخففات، وقد ثبتت

[الثلاث لغات] في "صحيح مسلم" في حديث واحد في اقل من سطر، في أوائل

كتاب الأيمان.

قال: وإذا تغير الماء بمخالطة طاهر يستغني الماء عنه كالزعفران والأشنان، لم تجز الطهارة به؛ لأنه تغير

بمخالطة ما ليس بطهور، والماء مستغن عنه غالبا؛ فلم تجز الطهارة به كماء الباقلاء.

وقد أفهم قيد"التغيير" الاحتراز عما إذا لم يتغير به؛ فإنه لا يضر اختلاطه به،

ولفظ "المخالطة": الاحتراز عن التغير بالمجاورة، وسيأتي حكمه. ولفظه طاهر:

الاحتراز عما إذا تغير بالطهور؛ كالماء العذب إذا تغير بالماء الملح وعكسه، أو

الماء إذا تغير بالتراب المطروح فيه قصدا؛ فإنه لا يمنع الطهارة به عند العراقيين

وصاحب" الكافي"، وهو أصح الوجهين في "الحاوي"، وكتب المراوزة؛ لأمره

عليه السلام -باستعمال في الغسل من ولوغ الكلب؛ إذ لو كان يسلب

الطهورية لما أمر به.

ص: 141

ومنهم من يعلل ذلك بأن التراب مجاور له لا مخالط؛ فإنه يرسب بعد ساعة عنه،

والإمام حكى خلافا في أن التراب يخالط [الماء] أو يجاوره، ثم قال: فإن قلنا:

إنه يخالطه، ففي سلب الطهورية به إذا طرح قصدا، الخلاف.

وقد زعم بعض الشارحين أن الشيخ احترز بلفظ"طاهر" عن النجس، وفيه نظر؛

لأن الاحتراز يكون عما يخالف المدعى في المسألة، والمدعى هنا: عدم جواز

الطهارة به، والنجس يشاركه في ذلك.

ولفظ "يستغني [الماء] عنه": الاحتراز عما لا يستغني عنه في مجراهىومقره،

مثل: أن يجري على معادن الزرنيخ والكبريت والكحل والنورة، أو يستقر بعد

جريانه في موضع ذلك، أو ينبع فيه-فإنه لا يسلبه الطهورية؛ لتعذر الاحتراز منه.

وفي رواية الصيدلاني وجه: أن ما تغير بالمخالطة لا يجوز التوضؤ به، وإن كان

مما يتعذر الاحتراز عنه في بعض المياه؛ لأن التغير بالاختلاط في حكم انقلاب

الجنس؛ فكأن الماء خرج عن كونه ماء.

وفي "الكافي" إشارة إلى أن التغير بمخالطة ما يستغني عنه تغيرا فاحشا بحيث لا

يفهم هو في ذكر الماء المطلق -أنه يجوز الطهارة به على وجه، والمشهور الذي لم

ص: 142

يورد العراقيين غيره: الأول؛ لتعذر الاحتراز.

ومن هذا القبيل تغيره بطول [المكث]؛ لما ذكرنا، وهذا مما لا خلاف فيه

وإن أفهم كلامه في "الوسيط" خلافا فيه، ومحله إذا لم يعارضه ما يمكن إحالة

الحكم عليه أما إذا عارضه: بأن رأى ظبية تبول في ماء كثير، واحتمل أن يكون

تغيره بطول المكث، أو ببول الظبية، فهو نجس، نص عليه الشافعي، قال الإمام: وفيه

احتمال لا يخفى على متأمل.

وفي "الروضة" في باب الآنية: أنه قال بعضهم: إن كان قد عهده عن قرب غير

متغير فهو نجس، وإن لم يعهده [أصلا] أو طال عهده فهو طاهر؛ لاحتمال التغير

بطول المكث.

وتساقط الأوراق في الماء ونبات الحشيش فيه إذا غيره، يلحق بما ذكرناه في

العفو.

وقيل: [إن تساقط الورق يسلبه الطهورية، ومنهم من يقول: تساقطه في زمن الربيع

يسلبه الطهورية]، دون تساقطه في زمن الخريف؛ لأنه يتعذر الاحتراز عنه.

والقاضي الحسين فرق بأن الربيعي فيه رطوبة تمازج الماء، بخلاف الخريفي.

والفوراني ذكر الفرقين، والذي ذكره العراقيون الأول، وهو الأصح في "الإبانة"،

وعلى هذا لو طرح فيه قصدا فغيره، قال الشيخ أبو حامد: لا يسلبه الطهورية به

ص: 143

أيضا؛ لأن التغير به تغير مجاورة. نعم، لو عصره بعد [أن] تربا فيه يسلبه

الطهورية؛ كما قاله ابن القاص.

قال: ولو دقه ناعما ورماه فيه فغيره، لا يسلبه الطهورية أيضا. والمشهور: أنه متى

تغير بإلقائه فيه قصدا، سلبه الطهورية، سواء وضعه صحيحا أو مدقوقا ووجه التفرقة

بين الربيعي والخريفي مذكور فيه.

وتغيره بما تساقط فيه من الثمار سالب للطهورية قطعا.

وقال يحتمل وجها آخر: أنه لا يسلبه الطهورية؛ كما في الورق، والفرق ظاهر.

وتغير الماء بمروره على معدن النورة أو الملح الجبلي أو المائي، كمروره على

معادن الزرنيخ ونحوه. ولو ألقي فيه شيء من ذلك فغيره، فالمشهور في النورة سلب

الطهورية، والقاضي الحسين ومن تبعه قال: إنه يترتب على الخلاف في الالتراب،

وأولى بأن يسلب الطهورية، وهذا إذا لم يكن قد طبخ سلب الطهورية

وجها واحدا.

ص: 144

وأما إلقاء الملح فيه، فالمذهب – كما قاله الروياني [في "تلخيصه"]-أنه

يسلب الطهوية، والمشهور: أن الملح إن كان جبليا سلبها، وبه جزم الماوردي

والمتولي وغيرهما.

قال الإمام: ومن ظن فيه خلافا فقد غلط.

المنسوب منهما في "الشامل" لصاحب "التلخيص": أنه لا يسلب، ولم يحك غيره.

وقد قيل: إنه منسوب في "الإبانة"إلى القفال.

وفي غيره المنسوب إليه مقابله، وهو الصواب؛ إذ مذهبه منع الطهارة بالماء الذي

ينعقد [منه] الملح؛ فلا جرم قال في "التتمة": إن الوجهين في سلب الطهورية

هنا مخرجان على جواز الطهارة بالماء الذي ينعقد منه الملح.

وقد قيل: إن الجبلي لا يسلب الطهورية أيضا؛ لأنه يذوب في الماء كالجمد.

قال الفوراني: وهو اختيار القفال. فلا جرم حكى الغزالي وغيره في تغيره

بالملح ثلاثة أوجه، ثالثها -وهو ما صححه في "الكافي"_: أن الجبلي يسلبه

الطهورية بخلاف المائي.

تنبيه: إطلاق الشيخ التغيير يعرفك أمرين:

أحدهما: أنه لا فرق فيه بين الطعم أو اللون أو الرائحة، وهو كذلك عند

ص: 145

العراقيين والمراوزة، وفي"التتمة" نسبته إلى قول ابن سريج، والرافعي حكاه

عن "جمع الجوامع" قولا اختاره ابن سريج.

[و] قال المتولي: إن الذي نص عليه الشافعي أنه لا بد من تغير اللون والطعم

والرائحة؛ لأن القليل من ماء الورد يغيره الرائحة والقليل من الخل يغير الطعم ولا

يزيل [إطلاق] الاسم.

قال: وأصل الخلاف: إذا غسل الثوب من الخمر، فزال اللون وبقيت الرائحة –

هل يحكم بطهارته؟ وفيه قولان:

فإن قلنا: يحكم بطهارته، لم يسلب أحد الأوصاف الطهورية، وإلا سلبها.

قلت: وليس لقائل أن يقول: تمثيل الشيخ الخالط بالزعفران يدل على أنه لا

يكفي عنده في سلب الطهورية تغير بعض الأوصاف؛ لأنه يغير الطعم واللون

ص: 146

والرائحة؛ لأنا نقول: تمثيله بالأشنان يأبى ذلك، والأشنان بضم الهمزة وكسرها.

وقد حكى الرافعي طريقا آخر: أن تغيره باللون وحده يسلبه الطهورية، وكذا تغير

طعمه وريحه إذا اجتمعنا دون أحدهما.

الثاني: أنه [لا فرق] بين اليسير والكثير، وهو ما حكاه العراقيون

والقاضي الحسين.

وقال الإمام: إن القفال قال به أيضا؛ [قياسيا] على التغير بالنجاسة، لكن الأظهر أن

التغير اليسير لا يؤثر؛ فإنه لايسلب الماء الإطلاق بخلاف التغير الكثير.

وقاعدة الباب: اتباع الاسم. وتخالف النجاسة؛ فإن التغير بها أفحش؛ ولذلك

سلب قليلها الماء القليل الطهارة وإن لم يتغير، وهذا ما حكاه المتولي لا غير، عند

الكلام فيما إذا لم يكن للنجاسة لون.

قال مجلي: وما قاله العراقيون إلى كلام الشافعي أقرب.

فرع: إذا كان المخالط لا يغير الماء؛ لموافقته لصفاته، ولو قدر مخالفا له في بعض

الصفات لغيره التغير المؤثر، وذلك مثل أن يكون ماء [الورد الذي] انقطعت

رائحته، والماء المستعمل إذا قلنا: إنه لو بلغ قلتين لا تجوز الطهارة به؛ كما قاله في

"الكافي" وغيره ونحوهما -هل يسلبه الطهورية؟ ينظر: فإن كان أكثر من الماء سلبه

بلا خلاف، لكن لماذا؟ هل للكثرة أو لأجل ظهور التغير عند مخالفة الصفات أو

ص: 147

بعضها؟ فيه وجهان ذكرهما أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما.

ومختار العراقيين -كما قال بعضهم، وهو المذكور "في تعليق البندنيجي"

"والحاوي"، لا غير -: الأول.

ومختار المراوزة، وصاحب "المرشد"، وهو الذي القاضي الحسين_:

مقابله.

ص: 148

قال ابن الصباغ: وهو بعيد؛ لأن الأشياء [يختلف حكمها] في ذلك: فمنها ما

يغير قليله، ومنها مال لا يغير إلا الكثير منه، فأيها يعتبر؟

فإن قيل: بأدناها صفة، قيل: فاعتبروا هذا المخالط بنفسه؛ فإن له صفة تنفرد عن

الماء.

فإن قيل: هذا لا يغير بحال، قيل: هذا مستحيل؛ لأنه إذاكان أكثر من المائع تبعه

في الصفة.

والمراوزة قالوا: يعتبر الوسط في الألوان.

وقد سكت العراقيون عما إذا كان الماء وما وقع فيه سيين.

والمتولي وصاحب "الكافي" ألحقاه بحالة كثرة المخالط.

آخر: إذا كان على عضو من أعضاء طهارته زعفران أو سدر، فتغير الماء بملاقاته،

هل يصح به طهارة ذلك العضو؟ فيه وجهان في "الذخائر"، سلف مثلهما في باب

غسل الميت، وماهو الصحيح منهما، ومثلهما ما سنذكره آخر الباب.

قال: وإن تغير بما لا يختلط به كالدهن – أي: المطيب -والعود -أي: المطيب -وما في

معناهما: كالعنبر -جازت الطهارة به في أحد القولين؛ لأنه تغير بالمجاورة، فلم يمنع من

[صحة] الطهارة؛ كما لو تغير بجيفة بقربه؛ وهذا ما حكاه أبو الطيب وغيره

ص: 149

من رواية الربيع في "الأم"، ونقله المزني وغيره، ولم يورد البندنيجي

والماوردي والقاضي الحسين غيره، وهو الأصح في "الكافي" وغيره.

ومقابله: أنه لا تجوز الطهارة به؛ لأنه لا فرق في النجاسة بين التغير بالمخالط

والمجاور، وكذا في التغير بالطاهر، ويعني [بالمخالط في النجاسة]: المائع الذي

لا يتميز بعد وقوعه فيها عن الماء: كالبول، وبالمجاور: إذا وقعت فيه ميتة، والفرق

بينه وبين ما إذا تغير بجيفة بقربه: أنه [ثم] لم تحصل فيها ملاقاة، وهذا القول حكاه

العراقيون عن رواية البويطي، والإمام حكاه عن رواية شيخه عن صاحب

"التلخيص"، وقال: إنه غريب مزيف.

وقال ابن الصباغ: يحتمل أنه أراد به: إذا كان يختلط به.

ومسألة النجاسة غير خالية عن نزاع، كما ستعرفه.

ثم ما ذكرناه من تقييد الدهن والعود بالطيب هو ما ذكره في "الأم"، ولفظه:

"ولو صب فيه دهن طيب، أو ألقي فيه عنبر، أو عود أو شيء ذو ريح لا يختلط بالماء،

وظهر ريحه في الماء"، وهذا كالصريح في اختصاص الخلاف بما إذا كان التغيير

بالرائحة فقط، وعليه جرى الماوردي، وهو يفهم الجزم فإنه إذا كان بالطعم أو اللون

ص: 150

كان من نوع التغيير بالمخالط.

فإن قيل: هل من ضابط يميز المخالط والمجاور؟

قلنا: قد قيل: إن المخالط: ما إذا طرح في الماء لم يتميز أحدهما في رأي العين،

والمجاور: ما يتميز.

وقيل: إن المخالط ما إذا وضع في الماء لا يمكن فصله عنه، والمجاور: ما يمكن

فصله.

وقيل: المرجع فيهما إلى العرف.

وعلى الأولين يتخرج تغير الماء بالتراب، هل [هو] تغير مخالطة أو مجاورة؟

فعلى الأول هو مخالط، وعلى الثاني: لا؛ لأنه يمكن فصله بعد رسوبه.

وعليهما أيضا يتخرج [ما سلف] من يتغيره بورق الأشجار، وحسن ما ذكره

القاضي من الفرق بين الخريفي والربيعي.

وإذا عرفت ما ذكرناه، فخرج عليه الفروع، وليقع [عليه] التفريع على أن

التغيير بالمجاورة لايسلب الطهورية؛ إذ به يظهر أثر التفريع، ولنذكر من ذلك ما قد

يقع الاشتباه فيه:

فمن ذلك: إذا وضع الزبيب، والقمح، والتمر، والحمص، والأرز، ونحو ذلك في

الماء: فإن انحل منه شيء فهو تغير بالمخالطة، وإلا فتغير بالمجاورة؛ قاله

الماوردي.

نعم، لو غلى القمح ونحوه بالنار، وتغير به، ولم ينحل منه شيء، فهل يسلبه

الطهورية؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ كما لو لم يغله.

الثاني: نعم؛ لأنه استجد له اسم المرق.

ص: 151

ومثل هذا الخلاف ما قيل [فيما] إذا تغير الماء بشحم أذيب فيه بالنار [هل

يسلبه الطهورية أم لا؟

ومنه: ما إذا تغير الماء بوقوع المني فيه]، هل يسلبه الطهورية؟ فيه وجهان:

أصحهما في " الروضة":نعم؛ لأنه مخالط.

والثاني: لا؛ لأنه لا يكاد ينماع في الماء كالدهن.

ومنه: إذا وقع كافور في الماء فغيره، هل يسلبه الطهورية؟ فيه وجهان في "تعليق

أبي الطيب"، مأخذهما: أنه مخالط لكنه يبطىء ذوبه، أو مجاور.

والبندنيجي ادعى [أن المذهب] سلب الطهورية، وأن من أصحابنا من قال: إن

كان الكافور كثيرا يخالطه جميعه فهو المسك، وإن كان قليلا لا يخالط كل الماء

جاز التوضي به؛ لأن الرائحة رائحة مجاورة. وليس بشيء.

وقال في "الحاوي": إن علم انحلال الكافور فيه سلبه الطهورية، وإن علم أنه لم

ينحل لم يسلبه، وإن شك فيه نظر في صفة التغيير: فإن كان [قد] تغير الطعم دون

الرائحة فهو دال على أنه تغير مخالطة، وإن تغيرت الرائحة فوجهان:

أحدهما: يغلب فيه تغير المخالطة.

والثاني: تغير المجاورة.

وقال الإمام: إن كان صلبا وغير رائحته فهو تغير مجاورة، وإن كان رخوا وذاب

في الماء وخالطه وظهرت رائحة الكافور فيه_: فمن لم يكتف من أئمتنا بأدنى تغير

حكم بأن الماء طهور، ومن صار إلى أن التغيير اليسير بالزعفران يسلب الطهورية

اختلفوا ها هنا: فذهب بعضهم إلى منع التطهر به؛ لأنه مخالط، وذهب الأكثرون

إلى جوازه؛ فإن الكافور وإن كان مختلطا فليست المخالطة سبب التغيير، وإنما سببه

قوة ريح الكافور؛ فهو في معنى تغير المجاورة.

ومنه: إذا وضع فيه القطران وتغير به، فقد نص الشافعي في "الأم"

ص: 152

على أنه لا يمنع الطهارة، وقال بعد ذلك بأسطر:"إذا خالط الماء قطران أو بان

تغيره، منع جواز التوضؤ به". قال جمهور الأصحاب: وليست على قولين؛

وإنما هي على [اختلاف] حالين؛ فإن القطران على ضربين:

ضرب يختلط بالماء؛ فيمنع جواز التوضؤ: كالخل.

وضرب لا يختلط به وهو مثل [الدهن والعود المطيب].

قال الماوردي: قد وهم بعض أصحابنا فخرجه على قولين.

فائدة: إذا أطلق الأصحاب في [مسألة] قولين، فاعلم أن مرادهم: نسبة الخلاف

فيها إلى الشافعي رحمه الله -وتارة يكون الشافعي قد نص عليهما معا؛ فالنسبة

إليه حقيقة، ثم له في نصه عليهما حالتان:

إحداهما: أن يقول في مجلس واحد قولا ثم آخر بخلاف ذلك في غير تلك

المسألة؛ فالنسبة إليه -أيضا -حقيقة، لكن إن عرف آخر قوليه فهو المعتمد، وهل

يكون ذلك رجوعا عن [الأول] أم لا؟ فيه كلام نذكره في الباب، وهذه الحالة:

الشافعي فيها مشارك لغيره من الأئمة.

والحالة الثانية: أن يذكرهما في مجلس واحد، وهذا ما اعترض عليه فيه، وقيل: إنه

لم يقل به غيره [من الأئمة]، وإن حكم الله – تعالى – واحد عنده، ولا يحسن

مع ذلك إطلاقه القول بقولين فيه.

وأجيب عن ذلك بأن مراد الشافعي بذكر القولين تعريف السامع أنه لا مدرك

عنده لقول ثالث، وهو متردد في أيهما أرجح، لا أنه يوجب العمل بهما، ومثل هذا قد

روي عن عمر رضي الله عنه -فإنه قال: "تعتد الأمة بحيضيتين، فإن لم تحض

فبشهرين أو شهر ونصف"، قال الإمام في "العدد": فمنهم من قال: هو شك من

ص: 153

الراوي، ومنهم من قال: هو ترديد قول عمر، وهو ظاهر الرواية، ثم قال هو وغيره

[ثم]: وهذا شاهد بين في أن ترديد القول ليس بدعا. نعم، إذاعمل بعد ذلك بأحد

القولين -قال المزني: يكون إبطالا للقول الآخر، وعند غيره من أصحابنا لا يكون

إبطالا [له]؛ وإنما يكون ترجيحا له على الآخر؛ كذا قاله الماوردي في كتاب

الدعاوى، وقال في أول كتاب العتق: " إن الأصحاب اختلفوا فيما إذا ذكر الشافعي

قولين، ثم كرر أحدهما، أو فرع عليه: فمنهم من يقول: لا تأثير لذلك، ومنهم من يقول:

له تأثير في غيره لا يترجح عليه. واختلفوا: هل يصير بهذا أرجح من غيره أم لا؟

والذي ذكره القاضي أبو الطيب في باب ضمان الأجزاء: أنه إذا ذكر قولين، ثم فرع

على أحدهما -كان هو الصحيح الذي اختاره.

وتارة ينص في مسألة على قول، وفي نظيرها على قول يخالفه؛ فيعسر على

بعض الأصحاب الفرق بينهما فيقول في المسألتين قولين بالنقل والتخريج،

وبعضهم يرسل في هذه الحالة إطلاق القولين ونسبتهما إلى الشافعي على نوع من

التجوز.

وإذا لم يكن للشافعي في مسألة بعينها نص، فالأصحاب يخرجونها على أصوله:

فإن اتفقت أرسلو ذكر الحكم، وإن اختلفت عبروا عن الخلاف فيها بالوجهين،

ومنهم من يتسامح ويطلق عليه قولين، وكثيرا ما يأتي الوجهان لاختلاف الأصحاب

في مراد الشافعي بلفظه، ويعبر عن هذا النوع بالطريقتين.

وقد يذكر الشافعي قاعدة كلية، وينص في أحد أفراد القاعدة على ما يخالفها؛

فيقول بعض الأصحاب لأجل ذلك: في المسألة قولان، ويخطئه الأصحاب؛ فإن

القاعدة العامة يجوز أن تخص؛ فلا تعارض المنصوص، والله أعلم.

ص: 154

قال: وإن وقع فيما دون القلتين [منه] نجاسة لا يدركها الطرف -أي: لا يشاهدها البصر _

مثل: أن تقع ذبابة على نجاسة رطبة، ثم تقع في الماء-[لم تنجسه؛ لأنها نجاسة]

يشق الاحتراز منها؛ فعفا الشارع عنها؛ كغبار السرجين؛ وهذا ما أفهمه قوله في

"المختصر":"إذا وقع في الإناء نقطة خمر أو بول [أو دم] أو أي نجاسة كانت

مما يدركه الطرف، فقد فسد الماء، ولا تجزئه الطهارة به"؛ [فإنه يفهم أنها إذا لم

يدركها الطرف تجزئه الطهارة به]، وقد اختاره الغزالي نت أصحابنا وصاحب

"المرشد" وجماعة من المحققين؛ كما قال في "الروضة" وصححه.

قال: وقيل: تنجسه؛ لأنه قد تحقق وقوع النجاسة فيه؛ فصار بمنزلة ما لو أدركها

الطرف، وهذا ما حكاه الفوراني عن نصه في مواضع، وغيره نسبه إلى ابن سريج، وأنه

ص: 155

خرجه من نصه -في" الأم" و"الإملاء" -على نجاسة الثوب بما لا يدركه الطرف

من النجاسات، ولفظه:"إذا تحقق [حصول] النجاسة فيه نجس، سواء أدركها

الطرف أو لم يدركها، وأنه قال: ما أفهمه كلام المزني لا يعارض المنطوق؛ فقد

وافقه بعض الأصحاب في الحكم وقال: إن المزني أخل بالنقل؛ لأن الشافعي إنما

فصل بين ما يدركها الطرف [وبين ما لا يدركها الطرف] في الثياب لا في الماء؛

فإنه قال في القديم:"إذا كان على ثوبه قدر كف من الدم فهو معفو عنه، وإن كان من

سائر النجاسات: إن كان مما يدركها الطرف فمعفو عنه، وإن كان مما يدركها

الطرف فليس بمعفو عنه"؛ كذا قاله القاضي الحسين، وهذه الطريقة صححها في

"الكافي".

فمنهم من يقول: الثوب أيضا لا ينجس بما لا يدركها الطرف؛ كما ذكرناه عن

النص، ولما ستعرفه من الفقه، وقوله في "الأم" و"الإملاء":"أدركها الطرف، أولم

يدركها" أراد به: إدراك محل النجاسة وعدمه، لا إدراك نفس النجاسة.

ومنهم [من] يجري نصه فيهما على ظاهره، وهم المتقدمون من الأصحاب؛

كما قال الماوردي وصححه، وفرق بأن [الماء له] قوة [لدفع النجاسة] بخلاف

الثوب، وهذا الفرق استضعفه الإمام؛ من حيث إن الماء القليل لا قوة له على دفعها،

وهو كالثوب سواء.

[قال:] وقيل: فيه قولان؛ جمعا بين مقتضى النصين، وضعف الفرق بينهما،

وتوجيههما ما ذكرناه، وهذه طريقة أبي إسحاق المروزي؛ كما قال الماوردي، وغيره

قال: إنه حكاها مع الأولى في "شرحه"، وهذه الطريقة مطردة في الثوب أيضا،

والفوراني قال: إنهما هاهنا مخرجان من الثوب.

ص: 156

وابن أبي هريرة قال بهما في الثواب، وقطع في الماء بالنجاسة، وفرق بثلاثة

أوجه:

أحدها: أن الثواب بارز لا يمكن الاحتراز فيه، بخلاف الماء في الإناء.

الثاني: أن يسير دم البراغيث وغيره من الدماء يعفى عنه في الثواب دون الماء.

ومن الأصاب من وافق ابن أبي هريرة على هذه الطريقة؛ نظرا للمعنى الثاني

فقط، وقال-فيما إذا أصابت النجاسة الثواب وهو مبتل -: إنه ينجس قولا واحدا

كالماء، وهذه خمس طرق، ووراءها طريقان: إحداهما: القطع بنجاسة الماء دون

الثواب، والثانية: عكسها.

وما ذكرناه من المثال هو المذكور في أكثر الكتب، وأضاف إليه بعض

الشارحين مثالا آخر ذكره الرافعي، وهو أن ينفصل رشاش من موضوع نجس؛ فيقع

في الماء، بحيث يرى اضطراب الماء، ولا يدرك جرمه. والضاربون للمثال

الأول لم يفرقوا فيه بين أن يكون لما علق بالذبات من النجاسة لون لو قدر مخالفا

للون الماء لظهر مخالفته أم لا.

وقال الغزالي: لعل الأصح أن ما انتهت قلته إلى حد لا يدركه الطرف مع

مخالفته للون ما اتصل به فهو معفو عنه، وإن كان بحيث يدركه الطرف عند

ص: 157

المخالفة فلا يعفى عنه. وللرافعي مباحثة في ذلك.

تنبيه: الضمير في قوله: "منه" يعود إلى الماء المطلق؛ لأنه الذي ورد عليه

التقسيم من أول الباب إلى هنا؛ ويدل عليه تقييد [الشيخ] المسألة بما إذا كان

دون القلتين، وغيره لا يختص محل الخلاف فيه بذلك؛ بل ما دون القلتين وفوقها

فيه على حد سواء.

فإن قلت: هذا يفهم أن مالا يدركه الطرف من النجاسات إذا وقع فيما ليس

بمطلق من الماء أو في مائع طاهر لا يكون حكمه الماء المطلق فيما ذكرنا، ولا

ص: 158

سبيل إلى أن يقال فيه: إنه لا ينجسه قولا واحدا؛ فيتعين أن يكون مفهومه أنه

ينجسه قولا واحدا، ويشهد له ما سلف له من الفرق بينه وبين الثواب والماء. وقياس

قول الأصحاب: إن الخلاف في تنجيس الماء المطلق القليل بالميتة التي لا نفس لها

سائلة، جار في نجاسة غيره من المائعات- يقتضي التسوية بين المائع والماء المطلق

هاهنا أيضا للاشتراك في علة العفو، وهي مشقة الاحتراز.

قلت: حكاية الشيخ الطرق في تنجيس الثواب بما لا يدركه الطرف تنفي هذا

الاحتمال، لكن لك أن تقول: لا نسلم أن القائل بالعفو عن ذلك في الثواب يعلله

بما علل به العفو عنه في الماء؛ فإنه يجوز تعليله في الماء بأن فيه قوة الدفع؛ وفي

الثواب بأن في طيرانها ما يجففها ونحوه، والحكم في المحل الواحد يجوز أن يعلل

بعلتين، فكيف في محلين؟! ولأجل ذلك – والله أعلم - قال بعض الشارحين: إن

الخلاف لا يجري في غير الماء المطلق، ولست أعتقد صحة ذلك؛ فإن القاضي

الحسين حكى في " باب الأطعمة" عن الأصحاب: أن الفأرة والهرة وغيرهما من

حيوانات الأرض إذا وقعت في دهن، وخرجت منه حية؛ لا ينجس، فإذا وقع في الدهن؛ فقد لاقى محلا نجاسا فوجب أن ينجس، ومعلوم أن من جملة الحيوانات ما لا يدرك ما على

منفذه من النجاسة.

والخلاف بين القاضي [الحسين] والأصحاب في مسألة الدهن محكي في الماء

القليل أيضا؛ صرح به الإمام وغيره.

فإن قلت: هل يمكن ترتيب الخلاف في ذلك على الخلاف في نجاسته بما لا

يدركها الطرف، فإن قلنا: ينجس بما لا يدركها الطرف فهاهنا أولى؛ لأن النجاسة هنا

يمكن إدراكها، وإلا فوجهان.

قلت: لا، بل المأخذان مختلفان: فمأخذ الخلاف فيما لا يدركها الطرف النظر.

ص: 159

إلى المشقة وإلى تحقق النجاسة، ومأخذ الخلاف هنا غيره؛ [لأننا لا نتحقق النجاسة

على منفذ ذلك الحيوان]؛ لاحتمال أن يكون قد وقع في ماء كثير قبل ذلك؛ بل

مأخذه النظر إلى الأصل والظاهر.

ومن هذا القبيل ماإذا أكلت الفأرة شيئا نجسا، ووردت على ماء قليل؛ فإن

الطريقة المشهورة التي لم يورد الماوردي والقاضي الحسين والفوراني غيرها: أنها إن

لم تغب الورود عليه نجسته، وكذا إن غابت ولم يحتمل ورودها على ماء كثير.

ولو غابت واحتمل الورود على ماء كثير، ففي نجاسته وجهان: أحدهما -في

"الحاوي" -:التنجس أيضا.

ومنهم من يجري الوجهين في الجميع؛ كما حكاه البندنيجي وغيره؛ فتحصل

ثلاثة أوجه، [كما] حكاها الغزالي وغيره، ثالثها: إن غابت قبل الورود عليه،

واحتمل ورودها على ماء كثير؛ لم تنجسه، وإلا نجسته.

والطريقة المفصلة تجري في مسألة ولوغ الحيوان حيا في الدهن ونحوه.

قال: وإن كانت-أي: النجاسة -واقعة في الماء القليل مما يدركها الطرف: فإن كانت ميتة لا

نفس لها سائلة، أي لا دم لها يسيل إذا قتلت أو شق عضو من أعضائها، وذلك مثل:

الذباب، والبعوض؛ وبنات وردان، والعقارب، والخنافس، وهل الوزغ

ص: 160

والحيات من ذلك؟

قال الدراكي وأبو حامد الإسفراييني: لا، وقال الصيمري: نعم

قال: لم تنجسه في أحد القولين؛ لقوله عليه السلام _:"إذا وقع الذباب في إناء أحدكم

فليملقه -وروي: فليغمسه -فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء، وإنه يبدأ

بجناحيه الذي فيه الداء" رواه البخاري.

ص: 161

وجه الدلالة منه: أن الطعام قد يكون حارا؛ فيموت بالمقل، فلو كان نجسا لما أمر

بمقله؛ ليكون شفاء لنا، وقد قال:" إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"،

والمقل: الغمس.

قال: وهو الأصلح للناس؛ لما فيه من رفع الحرج؛ ولهذا اختاره المزني.

وهو في" تعليق البندنيجي" ونسبه في " النهاية" و "الكافي" إلى الجديد، وهو

الأصح في "الحاوي" و"الشامل" وغيرهما. وفي الحاوي وتلخيص الروياني منسوب

إلى القديم.

وادعى ابن المنذر أنه لا يعرف أحدا قال بنجاسته غير الشافعي.

وأبو الطيب حكى أن محمد بن المبارك ويحيى بن أبي كثير قالا به أيضا.

ص: 162

قال: وتنجسه في الآخر، وهو القياس -أي: على سائر الميتات -فإنه موافق لها

في نجاسته بالموت فكذا في تنجيس الماء القليل به، وبكونه حيوانا لا يؤكل بعد

موته؛ لنجاسته، فإذا ورد على ماء قليل بعد موته نجسه كالذي له نفس سائلة.

أو نقول: نجاسة مشاهدة وردت على ماء قليل فنجسته؛ كسائر النجاسات.

قال: أبو الطيب: ولا يلزمنا دود الخل ونحوه إذا مات فيه؛ لأن تلك نجاسة لم ترد

عليه، وإنما هي مخلوقة منه.

وهذا القول حكاه البندنيجي عن القديم، وقال أبو الطيب: إنه المنصوص،

وأجاب عن حجة الأول: بأن مقله لا يوجب موته؛ فلا حجة لهم فيه، وأيضا فإنه –

عليه السلام – إنما قصد بيان السم والشفاء، ولم يقصد النجاسة والطهارة، وهذا

كما نهى عن الصلاة في معاطن الإبل، ورخص في مراح الغنم، ولم يقصد

النجاسة والطهارة؛ وإنما قصد أن في معاطن الإبل لا يصح الخشوع، وفي

ص: 163

مراح الغنم يصح.

وهذا مجموع ما رأيته للعراقيين، وهم متفقون على نجاسة الحيوان نفسه مع إجراء

الخلاف في تنجيس الماء به حتى دود الطعام، والقول بنجاسة ذلك رواه محمد بن

إسحاق بن خزيمة عن رواية المزني، واستدل له بقوله تعالى [فإنه رجس]

وهو عائد إلى جميع ما ذكر، والرجس: النجس.

والإمام جزم بطهارة دود الطعام، ثم حكاه عن الصيدلاني؛ لأنه لا ينتقل عنه،

وكذا حكاه الماوردي عن بعض أصحابنا بخرسان؛ ويدل عليه جواز أكله مع

الطعام؛ على الأصح؛ كما قال في "الوجيز".

وعن القفال أنه طرد القول بالطهارة في كل حيوان لا نفس له سائلة مع القطع

بتحريم أكله مستدلا بأن ما لا دم له بمنزلة الجمادات؛ لانتفاء الدم المعفن في البطن؛

والرطوبة التي فيه بمنزلة رطوبة النبات.

وقال القاضي الحسين في "تعليقه": إنه [قد] حكي عن رواية المزني عن

ص: 164

الشافعي، وأن القفال خرج الخلاف في نجاسة الماء بموته فيه على الخلاف [في]

أنه هل تنجس بالموت أم لا؟ والمشهور الأول.

وعن صاحب " التقريب " أنه خرج قولا فارقا بين ما تعم به البلوى: كالذباب

ونحوه؛ فلا ينجسه، وبين ما لا تعم به البلوى كالخنافس، والعقارب؛ فينجسه.

التفريع: إن قلنا [بالأول]: إنه ينجس الماء، فلا فرق بين أن يقل أو يكثر.

وإن قلنا: لا ينجسه، فذالك إذا لم يغيره؛ لقتله، فلو كثر وغير [طعمه، أو لونه، أو

ريحه] فوجهان، حكاهما العراقيون عن رواية أبي حفص بن أبي العباس عن

أبيه:

أصحهما في "تلخيص الروياني": لا؛ كما لو تغير بطاهر؛ وهذا ما يقتضيه كلام

الشيخ.

نعم هل يجوز استعماله في الطاهرة؟

قال في "الروضة" وغيره: لا.

وقال "الإمام": إن قلنا: إن هذا الحيوان لا ينجس إلا بالموت، فلا ينجس الماء وإن

غيره، وأقرب معتبر فيه أن تجعل تغير الماء كتغيره بأوراق الأشجار؛ فإنها

بمثابتها على هذا القول.

والثاني: أنها تنجس؛ كما لو تغير بوقوع قطرة بول أو خمر؛ وهذا أصح في

"الروضة".

والخلاف جار كما قال في "الكافي" فيما إذا كثر دود الطعام حتى غيره.

وقد أفهم قول الشيخ:" وإن وقع فيما دون القلتين"، ثم قوله: "وإن كانت مما

ص: 165

يدركها الطرف

" إلى آخره -أن ما كان نشوءه من الماء: كالعلق إذا مات فيه لا

ينجس قولا واحدا [وهو قياس قول الأصحاب: إن دود الطعام فيه لا ينجس

قولا واحدا]. نعم، لو أخذ ما نشوءه من الماء، ووضعه في ماء آخر بعد موته _

قال الرافعي: كان ينجسه على الخلاف.

ومثله قول ابن الصباغ والقاضي الحسين -فيما إذا أخذ الطعام ووضعه في

طعام آخر أو ماء قليل _: إنه على القولين. لكن الماوردي جزم القول بالنجاسة فيما إذا

أخذ دود الطعام ووضعه في آخر؛ لإمكان الاحتراز منه، وقضيته طرد ذلك في الصورة

الأخرى ثم من كلام ابن الصباغ والقاضي الحسين يؤخذ أن [الخلاف] في نجاسة

الماء بما لا نفس له سائلة يجري وإن طرح فيه قصدا.

قال: وإن كان أي: الواقع فيما دون القلتين غير ذلك أي: غير النجاسة التي لا يدركها

الطرف، والميتة التي لا نفس لها سائلة من النجاسات_نجسه، أي تغير، أولم يتغير، وهو

فيما إذا تغير ثابت بالإجماع، وفيما إذا لم يتغير مختلف فيه [بين الأئمة].

وحجتنا على الخصم -وهو مالك رحمه الله -ما روى أبو هريرة رضي الله

عنه -عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه، إنه لا يدري أين باتت يده؟ " رواه البخاري ومسلم، ولا

ص: 166

معنى لنهيه عليه السلام -عن ذلك إلا أنه ينجس وإن كنا نعلم أن اليد لا تغير

الماء.

روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجس"و "إن"

ص: 170

و"إذا" للشرط؛ فدل على أنه إذا كان دون القلتين ينجس، ولأن الماء القليل

يمكن حفظه من النجاسة من غير مشقة، بخلاف الماء الكثير، فافترق حكمهما وعفي

عنها في الكثير دون القليل.

فإن قيل: قد قال عليه السلام _: "الماء طهور لا ينجسه شيء".

ص: 171

.............................................................................

ص: 172

قلنا: هو المحمول على [الماء الكثير]؛ جمعا بين الأخبار.

وما ذكره الشيخ هو المشهور.

وعن صاحب "البحر" حكاية وجه: أنه لا ينجس، راكدا كان أو جاريا.

وقال في "الحلية" له: إنه المختار، ويقال: إن الغزالي اختاره في"الإحياء"،

والمذكور في "الوجيز" الجزم به وفي "الحاويط كما سنذكره.

تنبيه: قول الشيخ:" وإن كان غير ذلك من النجاسات نجسه" يقتضي أن الآدمي

إذا مات في الماء كان في نجاسته [للماء] قولان؛ بناء على القولين في طهارته

والأمر كذلك؛ صرح به القاضي الحسين وغيره.

وهو يفهم أن الماء القليل لا ينجس بموت السمك فيه، وكذا ماأبحنا أكله من

حيوانات البحر بدون ذكاة، دون ما وقفنا حله على ذبحه، أو لم ينجسه أصلا على

رأي كما ستعرفه، والأمر كذلك.

وقوله:" وإن وقع فيما دون القلتين منه نجاسته

"إلى آخره يفهم أن الماء إذا كان

واقعا عليها لا يكون الحكم كذلك، والكلام في هذا يحال على باب إزالة النجاسة.

نعم، فيه شيء لم يذكره ثم، وهو أن الإناء إذا كان فيه بول أو نحوه فصب عليه

من الماء ما غمره -وهو كما قال البندنيجي سبعة أضعافه فأكثر -ولم يتغير الماء،

ولم ينته إلى حد الكثرة – فهل يحكم بنجاسة الماء أم لا؟ [فيه خلاف].

قال أبو علي في " الإفصاح": لا، ويطهر الإناء؛ وهذا أشبه بكلام الشافعي؛ لأنه قال

في اختلاف الحديث:" إذا ورد الماء على النجاسة لم ينجس؛ لأنا لو قلنا: ينجس لم

يطهر الثوب".

وقال غيره: نعم؛ لأنه عليه السلام -قال في الكلب يلغ في الماء "فليهرقه، ثم

ص: 173

ليغسله سبعا" وإذا قلنا: إنه يطهر كان في جواز التطهير به ما سنذكره في الماء

القليل النجس إذا كوثر حتى زال تغيره ولم يبلغ قلتين.

فرع: إذا أخبره عدل أن هذا الماء نجس -قال الأصحاب: فلا يرجع إلى قوله؛

لأن المذاهب مختلفة في التنجيس، فقد يعتقد المخبر ما ليس بنجس نجسا. نعم، لو كان

المخبر يعلم أن المخبر يعتقد أن أنياب الباع طاهرة، وأن الماء إذا كان قلتين لا ينجس،

إلا بالتغيير -فقد قال الشافعي: إنه حينئذ يقبل منه، ويرجع إليه.

ولو ذكر له من يثق بقوله: أنه رأى كلبا ولغ فيه، أو وقع فيه بول، ونحوه -رجع

إليه سواء كان حرا أو عبدا، ذكرا أو أنثى، بصيرا أو أعمى؛ كما حكاه ابن الصباغ

والبندنيجي وغيرهما وغيرهما في باب الآنية.

وفي قبول قول الصبي في [مثل] ذلك خلاف يأتي مثله. نعم، لوشهد واحد: أنه

رأى الكلب ولغ في هذا الإناء، وآخر: أنه ولغ في غيره -حكمنا بنجاستهما؛ نص

عليه في "حرملة".

ولو شهد اثنان: أنه وقت الزوال ولغ في هذا الإناء، وآخر، وفي ذلك الوقت

ولغ من هذا ولم يلغ في غيره – قال الإمام_: عمل بقول أوثقهما.

وقال أبو الطيب: تعارضت البينتان: فإن قلنا بالتساقط صار كأن لا بينة، ويستعمل

أيهما شاء. وإن قلنا بالاستعمال، فلا يأتي قول القرعة، ولا قول القسمة، ويتعين

ص: 174

الوقف؛ فيدعهما ويتيم ويصلي، ويجب عليه الإعادة؛ لأن معه ماء مظنون

الطهارة.

قال: وإن كان الماء -أي: الذي وقعت فيه النجاسة -قلتين ولم يتغير، فهو طاهر؛ لما روي

عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله، إنك تتوضأ من

بئر بضاعة، وإنها يلقى فيها المحايض ولحوم الكلاب، قال النبي _صلى الله عليه وسلم_:" الماء طهور لا ينجسه شيء" وكان ماؤها إذا زاد بلغ العانة، وإذا نقص بلغ دون العورة؛

[كذا ذكره أبو داود] وقال: إنه مسحها بردائه فكانت ستة أذرع.

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" رواه أبو داود والترمذي، وصححه الدارقطني، ورواية الشافعي:"إذا بلغ الماء قلتين بقلال

هجر لم يحمل نجسا" ومعنى "لا يحمل"أي: يدفع عن نفسه؛ كما يقال: فلان لا

يحمل الظلم، أي: يدفعه عن نفسه.

ويعضده رواية أحمد:" إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء".

والحكم فيما إذا كان الماء دون القلتين، وورد عليه ماء نجس كمل به قلتين

كالحكم فيما إذا وقعت فيه النجاسة وهو قلتان بل لو جمع قلة نجسة ومثلها في

موضع واحد طهرتا إذا لم يكن ثم تغير، ولا يضر تفريقهما بعد ذلك.

ولو كان الماء في موضعين، وبينهما اتصال يحصل معه التراد والتدافع، فالحكم

كذلك.

ولو كان لا يحصل: كما إذا كان في حفرتين قلتان، وبينهما نهر صغير غير عميق،

وفي ما يتصل كل طرف منه بحفرة [منهما فإذا] وقع في إحدى الحفرتين نجاسة،

قال الإمام: لست أرى أن ما في الحفرة الأخرى دافع لتلك النجاسة بحكم الكثرة

والذي اشتهر فيه خلاف الأصحاب: أنه إذا كان معه ماء مطلق ناقص قدر جرة أو

كوز، فغمس فيه كوزا أو جرة فيها من الماء النجس ما يكمل به قلتين، هل يحكم

بطهارة مافي الجرة والكوز بهذا الاتصال أم لا؟ فيه وجهان، أصحهما [فيما إذا كان

ص: 175

الإناء ضيق الرأس: عدم الطهارة، ولم يحك الإمام عن الأئمة غيره، و] فيما إذا

كان وايع الرأس الطهارة.

نعم، هل يطهر على الفور، أوبعد مكثه زمانا يمكن ان يزول فيه تغير ما [في

الكوز] لو كان متغيرا؟ فيه وجهان:

اختيار الشيخ أبي محمد الأول، وهو الأصح في "الكافي".

وقال الإمام: لست أعده من المذهب، واختار ترجيح مقابله، وهو الأظهر في

"الرافعي".

ثم إذا لم نحكم بطهارة ما في الإناء حكمنا الماء الآخر.

والخلاف جار في عكس المسألة: وهو ما إذاكان في الجرة [ماء] طاهر

والمغموس فيه ماء نجس، هل [نحكم بطهارته] أم لا؟ فإن لم نحكم بطهارته

حكمنا بنجاسة ما في الجرة.

ويجري أيضا فيما لو كان الماءان نجسين.

والقلتان عند الشافعي خمسمائة رطل بالبغدادي؛ لأنه روي بإسناد لم يحصره

بقلال هجر [كما سلف] فكانت هذه الرواية مقيدة للرواية المطلقة.

وقلال هجر كانت معروفة عندهم، ولذلك قال في حديث الإسراء في وصف

سدرة المنتهى" فإذا ورقها كآذان الفيلة وثمرها مثل قلال هجر" فلو لم تكن معروفة

ص: 176

لهم ما شبه بها.

وقد قيل: إنها كانت تعمل بالمدينة.

قال الشافعي: والشيء إذا قرن بالكامل يطلق على ما دون النصف؛ فاستظهرت

فجعلت الشيء نصفا، ولأنه غاية الشيء المضاف إلى القربتين.

قال أبو إسحاق: ونسبت إلى هجر، وهو موضع بقرب المدينة؛ لأنها أول ما

عملت به.

قال ابن الجريح: ولقد رأيت قلال هجر، فرأيت القلة [منها] تسع قربتين، أو

قربتين وشيئا ولأن ما زاد على النصف يقال فيه: ثلاثة إلا شيئا، ،لأنه شك فيه، ولو

كان أزيد من النصف لما شك فيه. وإذا جعلت القلة قربتين ونصفا كان مجموع

القلتين خمس قرب.

وقرب الحجاز صغار وكبار -كما قال البندنيجي والروياني عن الشافعي -لا

تسع الواحدة منها أكثر من مائة رطل.

فثبت بما ذكرناه [أن القلتين] خمسمائة رطل، وذلك بالأمنان مائتان وخمسون

منا.

وقد قيل إنهما ألف رطل؛ لأن أكثر ما تسع القربة مائتا رطل؛ فنزلنا قول ابن جريح

عليها؛ وعلى هذا يكون بالأمنان خمسمائة من.

وقيل: إنهما ستمائة رطل، وبالأمنان ثلاثمائة من، وهو اختيار القفال

والزبيري صاحب "الكافي" -كما قال الإمام والفوراني -لأن"القلة" مأخوذة

ص: 177

من استقلال البعير وأبعرة الحجاز ضعاف لا تستقل بأكثر من وسق، وهو ستون

صاعا؛ فيكون مائة وستين منا؛ فالقلتان ثلاثمائة وعشرون منا، فيذهب الوعاء والحبل

بعشرين، ويبقى الخالص ثلاثمائة [من]، وادعى الغزالي: أن هذا ما عليه

الفتوى، وهو في هذا متبع للفوراني؛ فإنه هكذا قال.

لكن الصحيح في "الكافي" للخوارزمي وغيره من كتب العراقيين الأول، وهو ما

حكاه الماوردي عن سائر الأصحاب.

ويتايد بأن القلة -في اللغة_: هي الجرة العظيمة، سميت بذلك؛ لأن الرجل

العظيم يقلها بيده، أي: يرفعها عن الأرض.

فعلى هذا: فتقديرها بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا عند تساوي

الأضلاع وإن اختلفت فالمعتبر قدر ذلك بالحساب إذا كانت النجاسة الواقعة فيه

مائعة، فإن كانت جامدة فسنذكر حكمه.

وهل الخمسمائة رطل تقريب أو تحديد؟ فيه وجهان:

كلام بعض المصنفين -ومنهم الفوراني -يقتضي طردهما في كل ما جعلناه حدا لهما.

واختار ابن سريج وغيره أن ذلك تقريب، وهو الأصح في "الكافي" و"الوسيط"

و"الرافعي".

واختيار أبي اسحاق الثاني.

[وقال الشيخ أبو بكر]: وهو الأصح عند أبي الطيب وغيره؛ كما قال الإمام.

فعلى هذا لو نقص رطلا واحدا أو أقل منه ضر.

قال الإمام: وهذا عندي إفراط؛ فالوجه في التفريع على هذا أنه لو نقص ما

ص: 178

يظهر، ولا يحمل على تفاوت يقع في كرات الوزن، هو [الذي] ينقص الحد.

وعلى الأول لا يضر نقصان رطل ورطلين؛ كما قال الماوردي والفوراني وغيرهما

وهو ما حكاه الغزالي عن الأكثرين، وقال: إنهم لم يسمحوا بثلاثة، وهذا ما حكاه

الإمام عن شيخه.

ومنهم من لم يسمح بأكثر من ثلاثة؛ حكاه أبو علي في "الشرح" ولم يورد في

"الكافي" غيره.

وفي" تعليق القاضي الحسين": أنه لا يضر على هذا نقصان من ومنين

وثلاثة.

وعن صاحب "التقريب": أنه لا يضر نقصان نصف قربة من قلة، وهو الذي

تردد فيه ابن جريح، وهو ما حكاه المتولي في التفريع على هذا الوجه.

قال الإمام: ولعل صاحب" التقريب" رد القلتين على هذا إلى أربعمائة رطل،

ويسقط محل التردد، ثم يقع في الأربعمائة تقدير التقريب، ولست أعده من المذهب،

وإنما هو خطأ ظاهر.

وقال الغزالي: لعل الأقرب أن يقال: إذا نقص قدرا لو طرح عليه شيء

من الزعفران لو قدر طرحه على الكل، لظهر التفاوت في الحس -فهو مؤثر، وإلا

فلا.

وهذا الضابط أولى من التقدير بالأرطال، فإن ذلك يسوق إلى التحديد

بالأرطال، وهذا ما أبداه الإمام.

وعلى هذا لو وقعت النجاسة في ماء، وشك [فى أنه] هل نقص عنهما نقصا

يضر أم لا؟ فيه احتمالان للإمام: ينظر في أحدهما إلى أن الأصل اعتبار القلة وهو

الظاهر، وفي الآخر [إلى أن الأصل عدم] النقص الفاحش.

ص: 179

والمذكور في"الحاوي" وغيره فيما إذا شك بعد وقوع النجاسة في الماء هل

هو قلتان أو أقل: فهو نجس.

وقال في "الروضة": المختار، بل الصواب الجزم بطهارته؛ لأن الأصل طهارته.

وقد أفهم قول الشيخ أمرين:

أحدهما: [أنه] إذا كان عدم تغيره؛ لموافقة النجاسة له في الصفات، ولو قدر

مخالفا له لغيره -لا يضر، وهو ماش على أصلهم في أن الاعتبار عند إلقاء المائع

الطاهر على الماء المطلق بالأكثر، لكن المتولى جزم القول بأن الاعتبار في هذه

الصورة باحتمال التغيير عند المخالفة، وفرق بينها وبين ماإذا ورد المائع الطاهر على

الماء على وجه؛ فإن الطاهر لا يضاد الماءمن كل وجه فعلقنا الحكم بالغلبة.

والنجاسة تضادها من كل وجه؛ فلا يمكن اعتبار الغلبة؛ وهذا ما حكاه الرافعي أيضا،

وقال: إن التفرقة بينهما تقع من وجه آخر، وهو أنا ثم نعتبر التقدير بالوسط كما سلف،

وهنا نعتبره بأشد الصفات.

الثاني: أنه لا فرق في الحكم بالطهارة عند عدم التغيير بين أن تكون النجاسة مائعة

كالبول أو جامدة كالميتة، وهو ما حكاه العراقيون.

نعم، قالوا: إن كانت النجاسة مائعة، هل يجوز استعمال الجميع، أويبقى قدر

النجاسة؟ فيه وجهان:

المذهب منهما -كما قال البندنيجي وأبو الطيب -الأول، وهو الأصح في

"النهاية".

قال الرافعي: والوجه الثالث المذكور فيما إذا اختلط المائع [بمائع] طاهر جار

ها هنا.

وقالوا -فيما إذا كانت النجاسة جامدة_: إن خرجت من الماء جاز استعماله

جميعه، وإن لم تخرج منه: فإن كان الماء أكثر من قلتين، قال ابن القاص وأبو إسحاق:

ص: 180

يجب أن يستعمل من موضع يكون بينه وبين النجاسة قدر قلتين؛ لأنه لا حاجة

[به] إلى أن يستعمل الماء وفيهةالنجاسة فليبتعد عنها؛ وهذا ما حكاه الإمام وغيره

من المراوزة عن الجديد.

وقال ابن سريج، والإصطخري وعامة أصحابنا كما قال أبو الطيب وصححه: إنه

يستعمله كيف شاء؛ لقوله عليه السلام:" إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس"؛ وهذا ما

حكاه الإمام وغيره من المراوزة عن القديم وصححوه.

قال ابن الصباغ: وما ذكره أبو إسحاق وابن القاص غير صحيح؛ لأنه ماء محكوم

بطهارته، والاعتبار بجميعه؛ فلا معنى لما ذكره، وهذا فيه منع؛ لأن المراوزة نقلوا عن

أبي اسحاق: أنه قال بنجاسة ما جاوز النجاسة إلى قدر قلتين، وروده بأن ذلك يؤدي

إلى تنجيس ما وراء القلتين بمقدار قلتين، وهكذا، ولا قائل به.

وإن قلنا يقول أبي إسحاق الذي نسبه المراوزة إلى الجديد -قال القاضي

الحسين: قال القفال [من] أصحابنا: لم يذكروا في كيفية اعتبار القلتين حدا، وقالوا:

لو كان في [بحر] عظيم، وتباعد عن النجاسة قدر نصف ظفر، واغترف منه يجوز؛

لأنه في العمق قد بلغ قلالا كثيرة.

وعندي يجب أن يكون بين موضع النجاسة والاغتراف قدر قلتين على استواء

الأضلاع في الطول والعرض والعمق. فأما إذا كان متفاوتا فلا يجوز؛ وهذا ما

حكاه الإمام ومن تبعه، ووجهه: بأنا إنما راعينا ذلك؛ لأن العمق الخارج عن هذه

النسبة لا يصلح أن يكون حائلا.

وقال القاضي الحسين تفريعا على هذا: المعتبر أن يكون بينه وبينها ذراع وربع

في عرض ذراع وربع، بعمق ذراع وربع؛ وهذا إذا كان له عرض [فإن لم يكن له

عرض] فيعتبر الطول والعمق -قال في "التتمة" -بمقدار ما فات من العرض

في الحساب.

قال: وكذا لو عدم العمق، وكان له طول وعرض، يزيد في الطول والعرض بقدر ما

ص: 181

عدم من العمق بطريق الحساب.

كذا لو عدم الطول، وكان له عرض وعمق يعتبر الفائت بالحساب ويزيد في

العرض والعمق؛ إذ لا مزية لعرض الماء على طوله وعمقه؛ فجاز أن يعتبر قدر

القلتين [من إحدى هذه الجهات.

والقاضي الحسين يقول: إنه لو كان منبسطا على الأرض النجسة لا يجوز أخذه

بالكوز إلا أن يكون بينه وبين جرم النجاسة قدر قلتين] عمقا وطولا، وإذا [كان]

أقل من ذلك [لا يجوز].

وعلى ما قاله الأصحاب قال الفوراني: إذا كان بينه وبين النجاسة قدر شبر، فيأخذ

طول شبر في عرض شبر في عمق شبر.

فإن كان بينه وبينها شبران فيأخذ طول شبرين في عرض [شبرين] في عمق

شبرين، وقس على هذا.

وإن قلنا بما قاله ابن سريج، ونسبه المراوزة إلى القديم: لو كان الماء على مستو

من الأرض عمق شبر أوفتر مثلا بحيث لا يكون التراد، فهل يجب التباعد؟ فيه

وجهان ذكرهما الإمام عن رواية المحاملي في القولين والوجهين

وإن كان الماء قلتين فقط -كما هي صورة الكتاب -فعلى رأي أبي إسحاق وابن

القاص: لا يستعمل شيئا منه، وعلى رأي ابن سريج وغيره: يجوز أن يغتسل فيه

ويتوضأ، وهل يجوز أن يتطهر بما يغترف منه؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، وهو ما أشار إليه في "الشامل" بقوله -بعد حكاية مذهب أبي

إسحاق وابن القاص في هذه المسألة_: ومن أصحابنا من قال هاهنا: لا يجوز

الاستعمال لمعنى آخر، وهو أنه إذا غرف منه غرفة فالباقي نجس؛ فيجب أن يكون

الذي في كفه نجس أيضا.

والثاني: يجوز، وهوالصحيح، ولم يحك في "الكافي" غيره؛ وهذا إذا لم

تصعد النجاسة فيما اغترفه ولا سبق إلى ما اغترف به شيء فشيء من الماء، فإن

ص: 182

كان فالكل نجس.

قال في "التتمة": وأصل هذا الخلاف إذا كان معه جرة من الماء الطاهر فوضعها

في ماء ناقص عن قلتين بقدر مافي الجرة وهو نجس، فهل يطهر؟

فإن قلنا: لا يطهر، لم تجز الطهارة بما اغترفه هنا، وإلا جاز.

والمراوزة قالوا في هذه الصورة: هل الماء طاهر أو نجس؟ فيه قولان:

الجديد: أنه نجس.

والقديم: أنه طاهر، وهو الذي صححه القاضي الحسين والفورانيوالإمام

وغيرهم.

وعلى هذا لا يجب على المستعمل اجتناب حريم النجاسة أيضا، وهو ما جزم به

الإمام، وقال الرافعي: إنه المذهب؛ بخلاف الماء الحاري إذا كان فيه نجاسة جامدة

فإنه يتجنبها وحريمها على ما سنذكره. والفرق: أن الجاي يحرك النجاسة، والنجاسة

تصادمه فيوجب ذلك تعدي النجاسة. وفي الراكد، قرار الراكد يوجب تساوي أجزاء

الماء في النجاسة فالقريب والبعيد على وتيرة واحدة.

وقال في "الوسيط": إن [الحريم نجس] في الماء الراكد أيضا.

وإذا عرفت أن ماذكرناه عرفت أن عدول الشيخ عن قوله:"وإن كان الماء قلتين

ولم يتغير فهو طهور" إلى قوله:"فهو طاهر" لأجل ما ذكرناه من التفصيل

والخلاف.

قال: وإن تغير فهو نجس؛ لقوله – عليه السلام_:"الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما

غلب على ريحه أو لونه أو طعمه" رواه ابن ماجه، ومن رواية أبي داود

ص: 183

........................................................................

ص: 184

"خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو ريحه"، وقيس اللون

عليهما؛ لأنه في معناهما، بل أبلغ منهما؛ لأن دلالته على بقاء النجاسة أبلغ من دلالة

الطعم عليه؛ كذا قاله ابن الصباغ.

وقد قيل: إته جاء في رواية ذكر اللون، ولم يثبتها المحدثون.

فإن قيل: كيف يحسن على الأولى قياس اللون عليهما مع أن الحصر في الخبر

يقتضي أنه لا يؤثر، والقياس في معرض النص فاسد [الوضع].

قلت: ذلك إذا اقتضى القياس إبطال النص، ونحن هنا لا نبطله، بل نعمل بموجبه،

وقد ادعى ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه

نجاسة [فغيرت طعمه أو لونه أو ريحه] أنه ينجس ما دام كذلك.

وظاهر كلام الشيخ يقتضي أمرين:

أحدهما: أنه لا فرق في نجاسته عند التغيير بين أن يكون بالمخالطة أو بالمجاورة:

كما إذا ألقيت فيه جيفة فغيرته بريحها، وهو المشهور.

وعن الشيخ أبي محمد حكاية وجه آخر: أنه إذا تغير بالمجاورة، أنه لا ينجس كما

لو تغير بريحها وهي بقربه والأصح عند الإمام وغيره الأول.

الثاني: أنه لا فرق بين أن يتغير كله أو بعضه؛ وهذا ما صرح به في

ص: 185

" المهذب" وغيره، وعبارة ابن الصباغ: "أنه إذا كان في موضع ماء راكد منبسط

وفيه جيفة قد تغير ما قرب منها برائحتها ولم يتغير الباقي – فإن الكل نجس

وإن كثر؛ لأنه ماء واحد، والماء الواحد لا يتبعض حكمه، فإذا كان بعضه نجسا كان

جميعه نجسا.

وفي "زوائد" العمراني أن أصحابنا حملوا ذلك على إذا ما كان الماء قلتين فقط

ومنهم من بحمل ذلك على ما إذا كان غير المتغير دون القلتين، وأن ظاهر كلام

صاحب "المهذب" على الإطلاق.

وما حكاه عن الأصحاب يوافقه قول صاحب "التتمة": إن كان غير المتغير قلتين

فأكثر لم ينجس؛ لأن ما تغير بالنجاسة لا يزيد على عينها.

نعم، لو أراد أن يستقي من غير المتغير فالحكم ما سلف في النجاسة العينية؛ وهذا

هو المحكي عن القفال، والأصح في "الروضة" وإن كان ظاهر المذهب في

"الرافعي" الأول.

ص: 186

قال: وإن زال التغير بنفسه – أي: بلا سبب من خارج – أو بماء، [أي]: صب

عليه أو نبع – طهر؛ لزوال علة التنجيس، وهو التغيير.

وطهر: بفتح الهاء، ويجوز ضمها.

وظاهر كلام الشيخ: أنه لا فق في طهره بالماء بين أن يكون قدر القلتين أو أقل،

وبه صرح الماوردي، وما ذكرناه من الحكم والتعليل في الصورتين هو ما أورده

الجمهور.

وفي "التتمة" أن الإصطخري قال: [إنه] يطهر فيما إذا زال التغيير بنفسه؛ لأن

نجاسته تثبت لوارد فلا تزول إلا بوارد.

قلت: ولعله هو القائل من أصحابنا – كما قال الماوردي [وغيره] عند الكلام

في مناظرة أبي حنيفة في إزالة النجاسة بالمائع-: إن ارتفاع معنى الحكم ليس موجبا

لارتفاع الحكم.

وزوال التغيير بالشمس أو الريح أو نبات شيء فيه كزواله بنفسه، صرح به

الماوردي غيره.

وعلى المشهور إذا عاد التغيير؛ فإن كانت النجاسة جامدة وهي فيه ينجس، وإن

كانت مائعة أو جامدة وقد أذيبت قبل التغيير الثاني لم يتنجس؛ قاله الماوردي.

قال: وإن زال بالتراب ففيه قولان:

أصحهما: أنه يطهر لما ذكرناه.

قال الرافعي: ومنهم من يوجهه بأن التراب يوافق الماء في الطهورية فيتعاونان في

دفع النجاسة؛ ولهذا يجمع بينهما في إزالة النجاسة؛ وهذا القول ذكره المزنب في

"جامعه الكبير" واختاره، ووافق الشيخ على تصحيحه القاضيان: أبو الطيب، وأبو

حامد.

ص: 187

ومقابله: أنه لا يطهر؛ كما لو زال [بطرح كافور أو] مسك أو نحوهما فيه، وهذا

ما نص عليه في "حرملة" واختاره الشيخ أبو حامد.

وقال الفوراني وصاحب "الكافي" والرافعي: إنه الأصح، والروياني: إنه الأظهر.

وكلام أبي الطيب يفهم أن القولين منصوصان في "الجامع الكبير" و "حرملة".

والماوردي صرح بأنهما مذكوران في "الجامع الكبير" وابن الصباغ صرح بأنهما

منصوصان في حرملة.

وقد أفهم كلام الشيخ أمورا:

أحدها: أنه لا فرق في جريان الخلاف عند زوال لتغيير بين حالة كدورة الماء

وصفائه، والمتولي خصه بحالة التكدر، وقال – فيما إذا صفا-: إنه يطهر؛ لأنا قد

علمنا أن التراب قد جذب النجاسة إلى نفسه، وفارق أجزاء الماء والكثرة موجودة.

قلت: ومساق هذا التعليل أن يكون التراب مع النجاسة التي ضمها [إليه]

كنجاسة عينية؛ فيأتي في استعمال الماء ما سلف.

الثاني: أنه لا فرق في التغيير الذي زال بالتراب بين أن يكون الطعم أو اللون أو

الرائحة، وكلام النقلة مضطرب فيه: فالذي يرشد إليه كلام ابن الصباغ أنه الرائحة فقط،

وهو ما حكاه الرافعي عن بعضهم، وقال: إن الأصول المعتمدة ساكتة عن ذلك.

قلت: ولا يستقيم [على] ما ذكره المتولي من تخصيص الخلاف بالتكدر،

وبعض الشارحين قالوا بما اقتضاه كلام الشيخ، وهو ما يقتضيه كلام غيره؛ فإن في

كلام القاضي الحسين والفوراني وغيرهما إشارة إلى أن اللون فيما نحن فيه كالرائحة،

وبه صرح في "التتمة"، وإذا صج ذلك في اللون كان الطعم مثله، وقال في "الروضة":

إن المحاملي والفوراني وآخرين صرحوا به.

الثالث: أن زواله بغير التراب من الجامدات لا يطهره جزما، وهي طريقة الشيخ

أبي حامد.

والفرق: التراب أحد الطهورين؛ فالتحق بالماء؛ ولهذا لو طرحه فيه فغيره

ص: 188

لا يسلبه الطهورية.

وبعض الأصحاب طرد القولين فيما إذا زال بالجص والنورة نحوهما، وهي ما

صححها الرافعي وغيره قائلين بأن التراب لم يكن مزيلا لكونه طهورا، بل لكونه غير

ساتر، والجص ونحوه مثله.

وعبارة ابن الصباغ مصرحة بأن القولين منصوصان في ذلك في"حرملة".

وقال الروياني في "تلخيصه": إن المزني نقلهما.

وفي "الكافي" حكايتهما قولين، وحكاية [الخلاف] في التراب وجهين.

قلت: والأصح عندي ما أفهمه كلام الشيخ؛ لأن الجص ونحوه إذا ألقي على الماء

المطلق وغيره سلبه الطهورية عند العراقيين، وألحقه بسائر المائعات، حتى لو وردت

عليه نجاسة غير معفو عنها نجسته، ولا تزول نجاسته إذا كانت قد غيرته بزوال

التغيير، وإذا كان كذلك فزوال التغير بالنجاسة بعد إلقاء ذلك فيه يجوز أن يكون بعد

تغيره بذلك وسلب طهوريته؛ فلا ينفع فيه الزوال، ويجوز أن يكون معه، وفي نفعه في

هذه الحالة نظر، والأصل الحكم بنجاسته، فيبقى إلى أن يتحقق رفعه، وفارق هذا

التغير بالتراب؛ فإنه إذا طرح في الماء قصدا وغيره لا يسلبه الطهورية عند العراقيين،

وهو الصحيح؛ فلا جرم بأن الخلاف فيه -والله أعلم -يجري على الطريقة الطاردة

للخلاف في الجص ونحوها هو طاهر غير مطهر؛ إذا بقي متغيرا.

ولو كان الماء أكثر من قلتين وقد تغير، فهو يطهر بما يطهر به إذا كان قلتين فقط،

وبما إذا زال التغير بأخذ شيء منه ولم ينقص عن قلتين.

ولو كان الماء أقل من قلتين فطريق تطهيره أن يبلغ قلتين غير متغير، فإن كان

متغيرا وهو دون القلتين؛ فصب عليه ماء حتى زال تغيره ولم يبلغ قلتين، فهل يطهر؟

فيه وجهان: أصحهما في "الكافي" و "الرافعي": لا.

ويقال: إنه اختيار القفال.

ص: 189

وأصحهما عند الباقين مقابله؛ كما في مسألة النجاسة.

وهذا في "النهاية" منسوب إلى ابن سريج، وخصه بما إذا قصد به الغسل؛ بناء

على أصله في غسل النجاسة.

قال الشيخ أبو علي: وهذا تفريع على أن العصر لا يجب، فأما إذا شرطنا ذلك _

وهو غير ممكن هنا -فإن الوارد لا يتميز عن المورود، فإن الكل نجس.

وعلى قول ابن سريج، قال أبو الطيب: ولا تجوز الطهارة به؛ لأنه غسالة النجاسة؛

وهذا ما قال غيره: إنه المذهب.

وقال البندنيجي: إنه يجيء على مذهب ابن حيران: أنه يجوز أن يستعمل في

الحدث؛ لما ستعرفه.

والذي رآه الإمام: أنه لا يطهر ما [لم] يبلغ قلتين، وعد ما صار إليه ابن سريج

من الهفوات.

وإذا بلغ قلتين جاز استعمال الجميع.

وحكى ابن الصباغ وجها: أنه يبقى منه قدر النجاسة.

قال القاضي الحسين: لو صب عليه ماء مستعملا حتى بلغ قلتين، فهل يطهر؟

قال: إن قلنا: إن المستعمل إذا بلغ قلتين يجوز التطهر به، طهر هنا، وإلا فلا، كما

لو كمله قلتين بمائع.

قال: وقال في القديم: إن كان الماء جاريا_أي: قليلا أو كثيرا_لم ينجس إلا بالتغير.

لما قسم الشيخ الماء الواقع فيه النجاسة إلى القليل والكثير، وبين الطاهر منه

والنجس تفريعا على الجديد -التفت إلى ما انفرد به في القديم، فقال ما ذكره.

ووجهه: أن الماء وارد على النجاسة، وليس بمتغير؛ فكان طاهرا؛ كالماء

ص: 190

المصبوب على الثوب النجس إذا لم يتغير.

قال [الرافعي]: وهذا ما اختاره طائفة من الأصحاب.

ومحل هذا القول كما قال في"التتمة": في الماء الذي يجري على النجاسة

الواقفة، وينفصل عنها.

وقال: إن صاحب "التلخيص" رواه هكذا عن القديم، والقاضي أبو الطيب قال:

إن محله الجرية التي اشتلمت على نجاسة جامدة تجري مجرى الماء لا قبلها ولا

بعدها، والجرية تنقص عن قلتين.

وكلام صاحب "الكافي" يقتضي تصويره بما إذا وقع في الجرية نجاسة مائعة، ولم

تغيره، وهي دون القلتين؛ فإنه قال: المذهب: أنها نجسة.

وقيل: فيه قول آخر: أنها لا تنجس؛ وهذا مااقتصر الغزالي على إيراده تبعا لإمامه،

ووجهه بأن الأولين ما زالوا يتوضؤن ويستنجون من الأنهار الصغيرة، يعني:

و [هي] لا تنفك عن رشاش النجاسة غالبا.

قلت: والأقرب ما قاله المتولي، [و] في معناه ما قاله صاحب"الكافي".

وأما الجرية التي اشتملت على نجاسة جامدة تجري بجريها فهي شبيهة بالماء

الراكد؛ ولذلك قال في"التتمة": فإن كانت قلتين فأكثر ففيها ما سلف، وإن نقصت

عن قلتين فهي نجسة.

والإمام قال فيما إذا كانت النجاسة تجري بجري الماء في الأنهار التي يحتمل أن

تغيرها النجاسة: إنه ينجس من الجرية التي فيها النجاسة، ولعله ما

يتغير شكله بجرم النجاسة، وكذا ينجس ما يقرب منها مما ينسب إليها، وهو الذي

يحرك النجاسة ويتراد عليها من اليمين والشمال؛ قاله الصيدلاني، وهو فحوى

كلام شيخي.

وروي وجها آخر: أنه لا ينجس، وهو غريب ضعيف، لا أعده من المذهب.

وأما ما وراء ذلك مما عن يمين النجاسة ويسارها إلى جانبي النهر من تلك

ص: 191

الجرية، فقد ذهب [ذاهبون] إلى رعاية قولي التباعد بقدر قلتين فيه، والأكثرون

على القطع بأنه لا يجب التباعد عن غير ما ينسب إلى النجاسة، فإن لم نعتبر القلتين

في التباعد، فلا كلام، أي: في طهارته، وإن اعتبرنا القلتين، فقد سبق قياسه.

ولو كان النهر من الأنهار العظام الذي لا يتوقع تغيره بالنجاسة، والنجاسة جارية

فيه -فالذي ذكره المعظم القطع بأنه لا تباعد بقدر قلتين، وإنما يجتنب محل النجاسة

فقط، كما مضى مفصلا، ويستوي في ذلك الأمام والوراء واليمين واليسار.

وذكر صاحب " التقريب" وجها آخر: أن الأمر في ذلك كما في النهر الصغير،

والنهر الصغير إذا كانت كل جرية منه [قدر] قلتين بالنسبة إلى النجاسة اليسيرة _

كالبعيرة مثلا -كالنهر الكبير بالنسبة إلى النجاسة الكثيرة؛ قاله الإمام.

وهذا حكم الجرية التي فيها النجاسة وأما ما قبلها من الجريات، فينظر فيه: فإن

كانت النجاسة تجري بجري الماء، فهو طاهر، بلا خلاف؛ قاله ابن سريج؛ كما لو كان

الماء يخرج من ابريق ويصادف النجاسة؛ فإنه طاهر وإن كان بعضه متصلا

بالبعض المتصل بالنجاسة؛ وكذا ما بعد الجرية التي فيها النجاسة طاهر -أيضا _

نص عليه في "الأم".

وعن صاحب "التقريب" وجه: أن طهارة ذلك تتخرج على قولي التباعد.

قلت: وسأذكر ما لعله خرج منه.

وصاحب "الكافي" قال: إن ما مر بموضع الجرية التي وقع فيها عين النجاسة

تتخرج طهارته على غسالة النجاسة؛ لأن بوقوع النجاسة في الجرية تنجستن وتنجس

النهر، فما يرد على ذلك في حكم الغسالة، ولو كان ما هو أمام النجاسة مرتفعا،

فالماء يتراد لا محالة، لكنه قد يجري مع هذا جريانا متباطئا.

قال الإمام: فالظاهر: أن حكمه حكم الماء الراكد.

ومن الأصحاب من قال: حكمه حكم الماء الجاري. ولست أعده من المذهب.

وإن كانت النجاسة واقفة، والماء يجري عليها: فإن كانت ترد الماء، فما ردته

ص: 192

حكمه حكم ما بعدها، وما لم تصل إليه طاهر.

وعن صاحب "التقريب" طريقة مخرجة له على قولي التباعد.

وما يجري عليها وتحتها وجوانبها قد مضى ما قاله المتولي فيه.

وأبو الطيب وغيره من العراقيين قالوا: إن كان دون القلتين فنجس، وإن كان قلتين،

ولم يتغير، فهو طاهر.

والماوردي وافق على ذلك فيماإذا كانت النجاسة تعم الماء، وحكى فيما إذا

كانت راسبة في أسفل النهر ولا تمر بها الطبقة العليا من الماء، أو كانت النجاسة

طافية على وجه الماء ولا تصل إلى أسفله، فهل نحكم بنجاسة الطبقة العليا في

الصورة الأولى، والطبقة السفلى في الصورة الثانية؟ وجهان:

أحدهما: لا؛ لأنها لم تمر على النجاسة، ولا لاقتها؛ فصارت كالماء المتقدم عليها.

والثاني: نعم؛ لأن جري الماء إنما يمتنع من اختلاطه بما تقدم وتأخر، وأما ما

علاه واستفل من طبقاته فهو بالراكد أشبه، والراكد لا يتميز حكم أعلاه على أسفله.

وما يمر على النجاسة القائمة من الجريات: إن كانت كل جرية تنقص عن قلتين،

فلم يكن بينه وبين النجاسة قلتان، فنجس على الجديد.

وإن كان بينه وبينها قلتان، وهو متصل، فعند أبي إسحاق وصاحب "التلخيص"

والقاضي أبي حامد: أنه طاهر.

قال الروياني في"تلخيصه":وبه أفتي.

قلت: فلعل صاحب"التقريب" خرج ماذكره من هنا.

وقال سائر الأصحاب -وهو ما حكاه البندنيجي _: إنه نجس، وإن اتصل بذلك

فراسخ مالم يجمع في حوض قلتان؛ لأن لكل جرية حكم نفسها، وهي نجسة؛ وهذا

ما نسبه الإمام إلى ابن سريج، ثم قال: فإن قيل: الماء عن يمين النجاسة ويسارها إذا

كان يبعد بعدا لا يصدم النجاسة، فهو طاهر، والظاهر: أنه لا يجب اعتبار القلتين فيما

عن اليمين واليسار، فإذا انحدر الماء، فكيف يحكم ابن سريج بنجاسة جميع الماء المنحدر؟!

ص: 193

قلنا: إذا امتد الماء، كثر اضطرابه، والتقت الحواشي على الأوساط، وانعكست

الأوساط على البطن؛ فيصير الكل كالشيء الواحد.

فروع:

إذا كان ما حكمنا بنجاسته من الجريات لكونه دون القلتين، يرد على ماء راكد

دون القلتين أيضا لكنه يبلغ بالجرية القلتين -فعن ابن سريج: أنه يطهر [الجميع]

وإن لم يختلط به، قال: ويعرف ذلك بأن تكون الجرية كدرة، والراكد صافيا؛ كذا

حكاه عن البندنيجي وابن الصباغ، ولم يكه غيره، وقال: إن الحكم كذلك فيما لو

كان بجانبي النهر موضع منخفض يركد الماء فيه، وما فيه من الماء لا يبلغ قلتين، وفيه

نجاسة لم تغيره، لو كان الراكد متغيرا، والجاري يمر عليه، ويتصل به، ولا يخلط به.

نعم: لو كان الراكد متغيرا، وكل جرية تمر به قلتان -قال ابن الصباغ: فقياس

المذهب: أن يحكم بنجاسة كل جرية؛ لأن الجميع كالماء الواحد، وإذا انفصلت

الجرية يحكم بطهارتها؛ لأتها انفصلت وهي قلتان غير متغيرة.

قلت: وإذا كان قياس المذهب نجاسة الجرية في حال اتصالها مع كونها قلتين،

فالحكم بنجاستها إذا كانت دون القلتين والحالة هذه أولى وتبقى بعد الانفصال

كذلك؛ لفقد الكثرة.

والإمام قال: إذا كان في حوض ماء راكد، ويدخل إليه ماء ضعيف، ويخرج _

فالمقدار الجاري هو الذي يدخل ويخرج، وما عن جانبيه وما تحت المجرى إلى

العمق حكمه حكم الراكد، فلو كان على المقدار الجاري نجاسة تجري بجري الماء،

والتفريع على أنه لا يجب التباعد، أو كان الماء كله جاريا، فلا ينجس الراكد –

فإنه يجوز في هذه الصورة الاغتراف من جانبي القدر الجاري، فكيف يتعدى حكم

النجاسة إلى ما وراءه؟

ولو وقعت النجاسة على [ماء له] حكم الركود، والمقدار الراكد أقل من قلتين،

حكمنا بنجاسة الراكد.

ص: 194

ثم حاشية الجاري تلقى في جريانها نجاسة واقفة -وهي الماء الراكد -فقد

يقتضي ذلك نجاسة الماء الجاري الضعيف في منحدره؛ فاقتضى قياس ماتمهد: أن

النجاسة على المقدار الجاري لا تتعدى إلى الراكد، والنجاسة على الراكد إذا كان لأقل

من قلتين يتعدى حكمهما إلى الجاري.

ولو كان في وسط النهر حفرة لها عمق، والماء يجري عليها، فقد حكى صاحب

"التقريب" نصا للشافعي: أن للماء في الحفرة حكم الركود.

قال الإمام: ونحنونقول: إذا كان الماء الجاري يغلب مافي الحفرة ويبدلها

ويخلفها في جار، وإن كان يلبث الماء قليلا ثم يزايل الحفرة، فله في زمان اللبث

حكم الركود.

وإن كان لا يلبث بل يثقل حين كثر، ثم يشتد في الجري، فله في زمان التثاقل

حكم الماء الجاري الذي بين يديه ارتفاع وهو متحرك على بطء.

وإن كان ما في الحفرة لابثا وفيه نجاسة، والماء يجري عليها، فماء الحفرة نجس،

والجاري عليها في حكم الجاري على نجاسة واقفة لا تتزحزح.

فائدة: القديم إذا أطلق، فالمراد [به] ما صنفه الشافعي بالعراق، ويسمى: كتاب

الحجة.

ورواة القديم -كما قال الوياني _: أحمد بن حنبل، والزعفراني،

ص: 195

وأبو ثور.

والجديد إذا أطلق فهو ما صنفه وأفتى به بمصر، ورواته: المزني، والربيع

المرادي صاحب" الأم" -وقد ذكر الإمام في كتاب الخلع: أن"الأم" من الكتب

القديمة، ولم أظفر بذلك لغيره -والبيع الجيزي، والبويطي، وحرملة، ومحمد

ص: 196

بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الله بن الزبير المكي.

وقد اختلف كلام الأئمة في عد القديم من مذهب الشافعي:

فقال الإمام في مسألة التباعد: ومما بلغنا ثلاث مسائل في كل منها قولان،

والقديم منهما أصح من الجديد: أحدها: هذه.

وغيره يقول: إنها أربع عشرة مسألة.

وإنها تزيد على ذلك، وستعرفها في مواضعها [إن شاء الله تعالى].

وقال الإمام عند الكلام في سبق الحدث:" إن الشافعي إذا نص في القديم على

شيء، وجزم في الجديد بخلافه، فمذهبه الجديد، وليس القديم معدودا من المذهب،

لكن أئمة المّذهب يعتادون توجيه الأقوال القديمة". وقد أعاد مثل هذا القول -أو

قريبا منه -عند الكلام في جلد الميتة إذا دبغ، كما سنذكره، وقال في باب العاقلة:

وقد ذكرت مرارا: أنه لا يحل عد القول القديم من المذهب الشافعي [مع رجوعه

عنه].

ص: 197

وحكى القاضي الحسين والصيدلاني وغيرهما خلافا عن الأصحاب في أن

الشافعي إذا قال فيالقديم شيئا، ونص في الجديد على خلافه، هل يكون رجوعا عن

القديم له [أم] لا؟ وقد ذكرته في أول باب مايفسد الصلاة.

وبالجملة: فمن قال شيئا ثم قال بخلافه، فلا وجه لمقلده إلا العمل بالمتأخر

[والله أعلم].

قال: وما تطهر به من حدث – أي: كالمستعمل في المرة الأولى في الوضوء عن

حدث وغسل الجنابة والحيض والنفاس وغسل الميت إذا قلنا بطهارته.

قال: فهو طاهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" الماء طهور

" الخبر المشهور.

ولأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا؛ فكان طاهرا؛ كما لو غسل به ثوب طاهر.

فإن قيل: لا نسلم أنه لاقى محلا طاهرا؛ فإن أعضاء المحدث نجسة.

قيل: لو كان كذلك لتنجس مالاقاه في حال الرطوبة، وقد روى البخاري أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.

قال: غير مطهر في أظهر القولين.

اتبع الشيخ في هذه العبارة القاضي أبا حامد، فإنه هكذا قال في "جامعه".

ووجه الأظهر منهما ما روي أنه عليه السلام _:" نهى أن يتوضأ الرجل بفضل

وضوء المرأة"، وفي رواية: عن أن تتوضأ المرأة بفضل وضوء الرجل.

ص: 198

ولا يخلو إما أن يكون أراد بالفضل ما في الإناء أو ما ينحدر عن الأعضاء، ولا

يجوز أن يكون الأول مرادا؛ لإجماعنا مع الخصم على جواز التوضؤ به، وعليه تدل

الأخبار الصحيحة؛ فتعين الثاني.

ولأن الأولين مع تحرزهم في طهارتهم لم ينقل عنهم أنهم جمعوا الماء

المستعمل، ولو كان التطهر به جائزا لفعلوه؛ لحيازة فضيلة الوضوء خصوصا وفي

ص: 199

الماء قلة عندهم.

ولا يقال: إنهم لم يجمعوه للشرب ومع ذلك فشربه مباح؛ لأن عدم جمعه للشرب

لما فيه من العيافة؛ وهذا القدر لا يسقط الوضوء.

ومقابله: أنه مطهر لقوله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [الفرقان: 48]

وطهور ليس بعنى طاهر كما تقرر؛ فهو إذن من الأبنية الدالة على التكرار: كصبور،

وشكور، وقتول؛ فإن هذه أسماء لمن تكرر منه الصبر والشكر والقتل، وإذا دلت

على التكرار دلت على جواز التطهر به مرة بعد مرة.

ولأنه استعمال لم يغير صفة الماء؛ فلم يسلبه الطهورية؛ كما لو غسل به ثوبا

طاهرا؛ وهذا القول نسبه القاضي الحسين إلى القديم.

ويقال: إنه لم يحكه عن الشافعي غير عيسى بن أبان من أصحاب أبي حنيفة.

وأبو ثور قال: إنه سأل أبا عبد الله عنه فتوقف فيه، وعني بأبي عبد الله الشافعي.

وعلى هذا متى تغير بالاستعمال سلبه الطهورية، وهل يؤثر فيه التغيير اليسير أة لا

بد من الكثير؟ فيه ما سلف بتغيره بالطاهرات؛ لأن تغيره ييكون بما على البشرة؛ قاله

الإمام.

وقد ذهب بعض الأصحاب -وهو ابن سريج، وابن أبي هريرة -إلى القطع

بالقول الأول، وقال: لا نأخذ مذهب صاحبنا من المخالفين، خصوصا وعيسى بن

أبان لم يلق الشافعي، ورواية أبي ثور لا تنفي القول ولا تثبته فلا حجة فيها.

وعلى هذا فالجواب عن الآية: أن "فعولا" قد روي بمعنى ما يفعل به: كقولهم:

سحور، وفطور، ونحو ذلك

ص: 200

ثم إن سلمنا أنها للتكرار، فالمراد ثبوت ذلك في للجنس أو في العضو الذي يمر

عليه الماء.

والفرق بين استعمال ذلك في الطهارة واستعماله في غسل ثوب طاهر: ما أشار

إليه الشافعي: أنه ليس على الثوب والأرض تعبد، بخلاف البدن. وهذه الطريقة أصح

عند الماوردي، والأولى طريقة أبي إسحاق والقاضي أبي حامد.

ثم لأجل ماذا امتنع استعماله في الطهارة به؟ فيه معنيان:

أحدهما: تأدية الفرض به.

والثاني: لا، بل تأدي العبادة به.

قال الإمام: والمسلكان جميعا لا يصلحان لإثبات أصل المذهب؛ لقصورهما

عنه، وإنما معتمد المذهب ما سلف.

واحترز الشيخ بقوله: "من حدث" عن المتطهر به من خبث؛ فإن حكمه في

الطهارة والنجاسة سيأتي؛ وعن المستعمل لا في حدث ولا خبث المستعمل في

الأغسال المسنونة، وفي تجديد الوضوء، وفي المرة الثانية والثالثة في الحدث،

والخبث بعد طهارة المحل، وفي المضمضة والاسنتنشاق ونحوها – فإن في جواز

الطهارة به وجهين حكاهما ابن سريج:

أحدهما: نعم؛ لأن الشافعي جعل العلة فيه في الماء المستعمل كونه أدى به فرضا،

وهذا لم يؤد به الفرض؛ ولأجل هذا ادعى الماوردي وابن الصباغ: أنه ظاهر المذهب،

وصححاه، وكذا صاحب " الكافي ".

والثاني: [لا]؛ لأنه مستعمل فيما أمر الشرع به، وحث عليه؛ فأشبه المستعمل

في رفع الحدث.

وهذا ما اختاره القفال؛ كما قال الروياني في " تلخيصه" واختاره الإمام وصححه.

وقال القاضي الحسين؛ إنه مستبط من قول الشافعي: إن على الناس تعبدا في

أنفسهم بالطهارة، وليس على الثواب تعبد ولا على الأرض تعبد.

ص: 201

والوجهان جاريان فيما توضأ به الصبي قبل البلوغ، كما قال القاضي الحسين.

وفي " الكافي ": الجزم بأنه مستعمل؛ لأنه مأمور به، مضروب عليه.

وهما - أيضا - يجريان فيما اغتسلت به الذمية من الحيض؛ لتحل للزواج أو

السيد المسلم: فمن يقول: العلة تأدي الفرض به، يجعله مستعملا، ومن يقول: العلة

تأدي العبادة به، فلا؛ لأن الكافر ليس من أهل العبادة.

وهذا إذا قلنا: إنه يجب عليها الإعادة إذا أسلمت، أما إذا قلنا: لا تجب الإعادة،

فهو مستعمل قولا واحدا؛ قاله الإمام.

والمتولي بنى الخلاف على أنه هل يجب التجديد بعد الإسلام أم لا؟

فإن قلنا: يجب، جاز استعماله، وإلا فلا.

قلت: ومن هنا يظهر لك عدم جواز الطهارة بما استعمله الصبي في رفع الحدث؛

ولا خلاف في أن المستعمل في الكرة الرابعة في الوضوء والغسل مطهر؛ لأنه لم

يتأد به فرض ولا عبادة، وفي معناه ما جدد به الوضوء والغسل، حيث لا يستحب،

وما تؤضأ به الحنفي هل يلحق بما توضأ به الشافعي؟ فيه ثلاثة أوجه: ثالثها: إن نوى

كان كما لو توضأ به الشافعي، وإلا فليس بمستعمل.

قال في " الروضة " والأصح: أنه مستعمل مطلقا.

وقد أفهم كلام الشيخ: أنه لا فرق على أظهر القولين [بين] أن يستعمل

المستعمل في الحدث في حدث آخر أو خبث، وهو ما عليه عامة الأصحاب؛ كما

قال أبو الطيب وغيره، وحكو عن ابن خيران والأنماطي: أن المستعمل في

الحدث لا يجوز أن يستعمل في حدث آخر، ويجوز أن يستعمل في الخبث؛ لأن

للماء حالين: حالة رفع الحدث، وحالة إزالة الخبث، ولم يستوف إلا إحداهما؛ فتبقى

ص: 202

الأخرى؛ ولذالك قالا: إن المستعمل في الخبث لا يستعمل في خبث آخر إذا حكمنا

بطهارته، ويستعمل في رفع الحدث.

قال الماوردي: ومنهم من منع استعماله في الحدث أيضا. وفرق بأن حكم

الخبث أقوى؛ فلم يجز استعمال المستعمل فيه في غيره، والصحيح الأول.

والحالتان إنما تثبتان على البدل، وإلا فللماء قوة إباحية الوضوء والغسل، ومع هذا

فالمستعمل في لوضوء لا يستعمل في الغسل وبالعكس.

ثم هذا فيما إذا وقع أحد الاستعمالين منفكا عن الآخر، فلو وقعا معا بأن كان على

عضو من أعضاء طهارته نجاسة؛ فصب الماء عليه بقصد رفع الحدث، فهل يحكم

بطهارة المحل عن الحدث والخبث، أو عن الخبث فقط؟ فيه خلاف قدمته في باب

"صفة الغسل"، ومثله [ما] سلف أول الباب، والذي نذكره هنا أن المتولي قال: إن

الجنب لو قلب على رأسه ماء، وكان على بعض أعضائه نجاسة، فإن قلنا: إن

المستعمل في الحدث يستعمل في الخبث، زالت به النجاسة، واحتاج إلى تجديد

غسل ذلك المحل؛ لأجل الجنابة؛ لأنهما فرضان؛ فلا يؤديان بغسل واحد.

وإن قلنا: لا يستعمل في الخبث، فهل نحكم بطهارة الموضوع؟ فيه وجهان،

أحدهما: نعم؛ لأن الماء قائم على المحل، وإنما ثبت له صفة الاستعمال بعد

الانفصال.

قال: فإن بلغ قلتين، أي: بلغ الماء المستعمل في الطهارة قلتين، وقد قلنا:[إنه]

لا يجوز استعماله إذا كان دونهما – جازت الطهارة به؛ لأن تأثير الاستعمال في الماء

دون تأثير النجاسة [فيه]، وقد ثبت أن النجس إذا بلغ قلتين، جازت الطهارة

به؛ فهذا أولى.

ولأن الكثرة تمنع ثبوت حكم الاستعمال في الابتداء؛ كما نص عليه الشافعي

فتمنعه دواما؛ كما في النجاسة؛ وهذا ما نص عليه في " الأم " واختاره ابن سريج وأبو

إسحاق وغيرهما.

ص: 203

وقيل: لا تجوز؛ لأن المنع من استعمال عند القلة خروجه عن اسم الماء المطلق

بالاستعمال، وبلوغه ألف قلة لا يخرجه عن ذلك؛ وهذا ما حكاه الماوردي عن أبي

العباس، واختاره في "المرشد".

خاتمة: وصف الماء بالاستعمال لا يثبت له ما دام يتردد على المحل، فإذا انفصل

عنه، ثبت له، سواء انتقل عنه إلى الأرض أو إلى عضو آخر، حتى لو انتقل من إحدى

اليدين إلى الأخرى، ثبت له حكم الاستعمال.

قال في"الروضة":وفي هذه الصورة وجه شاذ محكى في "البيان" في باب

"التيمم": أنه لا يصير مستعملا؛ لأن اليدين [كالعضو الواحد] والبدن جميه في

الغسل في حكم العضو الواحد في الوضوء، فلا يصير الماء مستعملا بانتقاله من

عضو منه إلى عضو آخر.

وفي" الحاوي" حكاية وجه آخر: أنه لا يصير مستعملا بالانتقال كما في الوضوء،

وصححه المراوزة، وبه قطع الفوراني والمتولي، وذلك مصور بما إذا نزل الماء من

على وجهه إلى صدره، وقطع ما بينهما من الفضاء.

والأصح [الأول وهو] ما أبداه الإمام احتمالا.

ص: 204

أما إذا انتقل من عضو إلى عضو على الاتصال المحسوس، فالوجه القطع بأنه غير

مستعمل؛ كما لو انتقل [في] العضو الواحد في الوضوء من محل إلى محل.

نعم قال الخضري: إذا انغمس الجنب في ماء قليل ناويا، ارتفعت جنابته عن

أول جزء لاقى الماء، وصار الماء مستعملا.

قال: ويخالف ما لو صب الماء عليه حيث لا نحكم بالاستعمال بمجرد الملاقاة؛

لقوة الورود.

وعلى هذا فقد يقال: إنه يصير مستعملا بانتقاله عن عضو إلى عضو على الاتصال

المحسوس في الجنابة، ومن محل إلى محل في العضو الواحد في الوضوء،

والصحيح في مسألة الخضري: أنه لا يصير مستعملا، وترتفع جنابته عن [جميع]

جسده، وأنه لا يثبت للماء حكم الاستعمال في حقه إلا بخروجه، وهو محكي عن

ص: 205

نص الشافعي في" الأم"، ورأيت في" الإبانة" أن الخضري رجع إليه.

قلت: وينبغي أن يكون استكمال طهارته قائما مقام خروجه [منه، يعني]: لو

أحدث بعد استكمالها وقبل خروجه، ورام أن يجدد الطهارة، لا يجوز له ذلك؛ لأنا

لم نثبت له حكم الاستعمال قبل استكمال الطهارة؛ لأجل المشقة، وهي منتفية

هنا، لكن في "الكافي" في هذه الصورة: أنه يرتفع حدثه به؛ تفريعا على المذهب.

وأما استعماله بالنسبة إلى غيره، فيثبت قبل خروجه، وقبل استكمال طهارته، حتى

لوأراد آخر أن يغتسل به في هذه الحالة لم يجز، لأن بنا ضرورة إلى بقاء حكم

الطهورية للأول، ولا ضرورة بنا هنا إليها في حق الثاني.

وفي" الرافعي" حكاية وجه آخر: أنه لا يثبت الا ستعمال في حق غيره إلا بانفصاله،

حتى إذا انغمس معه في الماء [آخر] ارتفع حدثه أيضا.

وعلى الأول لو انغمسا معا، ونويا تحت الماء جازت طهارتهما، ولو نويا عند

إدخال أرجلهما فيه رفع الجنابة ارتفعت عن الجزء الذي اقترنت به النية فقط دون ما

بعده، يوافق عليه الخضري وغيره، كما قال بعضهم، وقال في "الروضة":إنه

الصحيح. وفيه إشارة إلى أن الاستعمال لا يثبت فيه أيضا على وجه، وهو الذي ذكرناه

عن رواية الرافعي في الحدث قبلها.

والمذكور في"التتمة"الأول.

ولو انغمسا معا، ونوى أحدهما قبل الآخر، قال في "الروضة": فالصحيح أنه

يرتفع حدث السابق عن جميع بدنه.

وفيه وجه الخضري.

ص: 206

وفرع هذه المسألة: إذا أدخل المحدث الحدث الأصغر يده في الإناء بعد

غسل الوجه قاصدا رفع الحدث عنها، ففي ارتفاعه عن جميعها، أو عن أول جزء

منها فقط خلاف الخضري وغيره، وبعد انفصالها يثبت له حكم الاستعمال بلا

خلاف.

نعم لو كان حالة إدخال اليد، قصد الاغتراف فقط، لا يصير الماء مستعملا.

فإن قيل: لو قصد المتوضىء بغسل يديه التبرد، وهو غافل عن نية الوضوء، كان في

صرف نيته المستصحبة بهذه النية الحاضرة خلاف، فلم لا جرى مثله هاهنا حتى

يكون الحكم كما لو أدخلها الإناء ولم يقصد شيئا؟

قلت: لأن من لم يجعل القصد التبرد حكما [قائل] بأنه حاصل بفعله الطهارة

وإن لم ينوه؛ فلا يؤثر قصده شيئا، وهنا لا يستلزم وجود أحد القصدين حصول

الآخر.

ولو أدخل اليد فب الإناء، ولم يحدد قصد رفع الحدث، ولا قصد الاغتراف، قال

في "الكافي" وغيره: صار الماء مستعملا عند الانفصال.

وعبارة الإمام: إن تصور انتفاء القصدين جميعا، فهو كما لو قصد غسل اليد، فإن

من نوى وعزبت نيته، ثم غسل بقية أعضائه من غير قصد، يرتفع الحدث عن أعضائه؛

كذا قال الغزالي.

ص: 207

ويمكن أن يقال: هيئة الاغتراف صارفة للنية المستصحبة إلى قصد الاستعمال؛

وهذا ما حكاه المتولي وجها عن بعض الأصحاب في الغسل من الجنابة، ولم يحك

الفوراني فيها غيره.

وألحق المتولي مسألة [الوضوء] بها.

ويقال: إن البغوي قطع به، وعلى هذا لا يرتفع الحدث عن الكف ما لم يمر [عليه

الماء مرة أخرى].

فرع: إذا غسل المحدث رأسه بدلا عن المسح، وقلنا: يجزئه، فهل يصير

مستعملا؟ فيه وجهان: في "الحاوي":

قال ابن أبي هريرة [لا]؛ لأن المستحق في الرأس مسحه بالبلل الباقي عليه؛ فلم

يصر الفاضل عن غسله مستعملا فيه.

والثاني: أنه يصير مستعملا، كما لو احتاج في غسل وجهه إلى رطل، فغسله

بعشرة؛ فإنه يصير مستعملا؛ وهذا أصح في "الروضة".

فلت: وللخلاف التفات على ما سلف في أن النجاسة لو كانت راسبة أسفل

الماء الجاري بحيث لا تلاقيها طبقة الماء العليا، هل يحكم بنجاسة [الطبقة] العليا

أم لا؟ وفيه ما سلف، والله أعلم.

ص: 208