المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب السواك السواك - بكسر السين - والمسواك: اسم للخشب الذي - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌ ‌باب السواك السواك - بكسر السين - والمسواك: اسم للخشب الذي

‌باب السواك

السواك - بكسر السين - والمسواك: اسم للخشب الذي يوضع على الأسنان حتى

يقلع الوضر والقلح -: وهو صفرة الأسنان - من: ساك، إذا دلك، يقال: سكت الشيء

سوكا؛ إذا دلكته، وقيل: من التساوك، وهو التمايل، يقال: جاءت الإبل تساوك؛ إذا

كانت أعناقها تضطرب من الهزال؛ كذا قاله الخليل بن أحمد، ونقله ابن فارس.

قال: السواك سنة عند القيام إلى الصلاة - أي: عند إرادة الصلاة - يشهد له ما روى مسلم عن حذيفة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام ليتهجد يشوص فاه

ص: 235

بالسواك"؛ فإن "كان" تشعر بالحالة الدائمة، والشوص: الدلك، وعن أبي عبيد

أنه الغسل.

وقال عليه السلام: " فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعون

ضعفا" أخرجه البزار عن عائشة، وهو يدل على أن ذلك غير واجب علينا.

وكذا ما رواه البزار عن العباس بن عبد المطلب قال: " كانوا يدخلون على النبي

صلى الله عليه وسلم ولم يستاكوا، فقال: " ما لكم تدخلون علي قلحا؛ استاكوا فلولا أن أشق على أمتي

لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة" ورواية مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 236

قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".

ص: 237

قال الشافعي: ولو كان واجباً لأمرهم به شق [عليهم] أو لم يشق.

قال: وعند كل حال يتغير فيه الفم من أزم وغيره. والأزم - بفتح الحمزة وإسكان

الزاي -: الإمساك عن الأكل؛ ولهذا يقال: نعم الدواء الأزم، وقيل: إنه السكوت،

وأصله إمساك الأسنان بعضها على بعض.

وعبارة البندنيجي: أنه السكوت الطويل، وقيل: فرط الجوع وغيره: كالنوم، وأكل

ما له رائحة كريهة: كالثوم ونحوه. قال الماوردي: وكذا كثرة الكلام.

ص: 240

والأصل في ذلك ما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك.

أخرجه البخاري، والنائم ممسك عن الأكل والكلام، والفم يتغير بسببه غالباً؛ لأجل

طبق الفم وانحباسا لأبخرة المتصاعدة من المعدة، لكن التغير قد يقل ويكثر؛ بسبب

طول ذلك وقصره.

وأكل ماله رائحة كريهة في معنى المنصوص عليه؛ فألحق به.

قال القاضي الحسين: وينبغي للمستاك أن ينوي بالاستياك السنة؛ كما ينبغي

للرجل ان يقصد بالجماع حصول النسب، وإن كان المقصود يحصل [بدونه].

وقد أفهم كلام الشيخ أن السواك ليس بسنة فيما عدا [الحالتين اللتين ذكرهما]

وما نقله المزني عن الشافعي يفهم أخص منه؛ فإنه قال: "قال الشافعي: وأحب السواك

للصلوات عند كل حال يتغير فيه الفم"، قال القاضي الحسين: وهذا يدل على

أنه إنما يستحب السواك إذا اجتمع شيئان: الصلاة، وتغير الفم، وليس كذلك، بل إذا

وجد أحدهما استحب.

وهذا الجواب له مفهوم كمفهوم كلام الشيخ، لكن الأصحاب مصرحون بأنه

سنة في غير هاتين الحالتين وهو فيهما آكد من غيرهما.

وتحقيق الكلام في ذلك يتوقف على بيان أصل مقصود في نفسه، وهو أن السنة

إذا أطلقت مايراد بها؟ فهي في اللغة: الطريقة؛ ومنه قال جابر: "مضت السنة في كل

أربعن جمعة".

وفي الشرع اختلف فيه، فقيل: ماكان فعله راجحاً على تركه في نظر الشرع، مع

ص: 241

جواز تركه.

وقيل: ماعلم وجوبه أو ندبيته بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بإدامته عليه؛ وهذا مع الأول

هو المذكور في كتب الأصول.

ورأيت في "التهذيب""وتعليق القاضي الحسين" في صلاة التطوع: أن السنة ما

واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، ومافعله مرة أو مرتين فهو مستحب، وليس بسنة.

فإذا عرفت ذلك نزلت عليه ماصرح به الأصحاب، وما أفهمه كلام الشيخ

والقاضي الحسين؛ فإنه على الحد الأول والثاني يصح أنه سنة في [غير] الحالتين

المذكورتيين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليه، وأمر به مطلقاً، فقال:" السماك مطهرة للفم، مرضاة للرب" رواه النسائي.

وقال فيما رواه مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق: "وعليكم بالسواك" وقال:

"طهروا أفواهكم بالسواك! فإنها مسالك القرىن".

وعلى الحد الثالث لا يصح سنة في غير الحالتين المذكورتين؛ لأنه لم يصح أنه

دوام صلى الله عليه وسلم على فعله في حالة غيرهما.

ص: 242

فإن قلت: قد روى مسلم عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة، بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك [ولفظ"كان" يؤذن بالدوام].

قلت: يحتمل أن يكون يفعل ذلك؛ لأجل تغير حصل في فمه، وفيه بعد إذا قد

روى النسائي عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فستاك.

وبالجملة: فاستحبابه في الحالتين اللتين تعرض لهما الشيخ أشد وآكد من

غيرهما؛ فيجوز أن يضم إلى كلام الشيخ بعد قوله: "سنة مؤكدة"-: ويتأكد أيضاً

في حالة اصفرار الأسنان وغن كان ذلك بسبب غير التغير.

قال الرافعي: ويشهد له [قوله] عليه السلام: "ما لكم تدخلون علي

ص: 243

قلحاً؟! استاكوا".

وكذا يتأكد في حالة قراءة القرآن والوضوء.

وحكى الإمام عن شيخه أنه كان يقول: ينبغي أن يستاك عند كل صلاة، فإن

أخطأ ذلك فعند كل طهارة، فإن أخطأ ذلك ففي اليوم والليلة مرة.

وعن ابن سريج أنه عد السواك من سنن الوضوء، ويشهد له ما روي عن عائشة

أنها قالت: "كان يوضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه وسواكه".

وروى النسائي عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال:"لولا أن أشق على أمتي

لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء".

وعن ابن سريج أنه لم يعده من سننه؛ فإن حديث عائشة هذا مطلق، يجوز أن

يحمل على ماورد مقيدا، وهو ما روي أنه عليه السلام كان يعد وضوءه وسواكه

قبل أن ينام، وما روته عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا يتسوك قبل أن يتوضأ" رواه أبو داود.

قال: ويكره للصائم - أي فرضاً أو نفلا - بعد الزوال، أي: سواء أراد الصلاة أو

لا؛ لقوله عليه السلام: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"

رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

والخلوف - يضم الخاء واللام-: تبدل الرائحة، والسواك يزيل ذلك؛ فكره.

ونظمه دليلا: أنه أثر عبادة مشهود له بالطيب؛ فكرهت إزالته؛ كدم

ص: 244

الشهيد، واختصاصه بما بعد الزوال؛ لأن التغيير قبل ذلك يكون من أثر الطعام،

وبعد الزوال يكون بسبب الصيام؛ فهو المشهود له بالطيب وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:

"استاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه إلا كان نوراً

بين عينيه يوم القيامة" وبهذا الخبر يختص قوله عليه السلام: "من خير خصال

الصائم السواك" كما رواه ابن ماجه، ويحمل على ماقبل الزوال، وكذا قول عامر

ابن ربيعة "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ما لا أحصي] يستاك وهو صائم"، كما أخرجه

ص: 245

الترمذي، وقال: إنه حسن.

وقد حكى في "الروضة" قولاً غريباً: أنه لايكره السواك للصائم بعد الزوال؛

ولعل مستنده الأخذ بظاهر هذين الخبرين.

قال: والمستحب أن يستاك بعود من أراك؛ لما روى أبو زجرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

يستاك بالأراك، تعذر عليه استاك بعراجين النخل، فإن تعذر استاك بما وجد.

وتقديم الأراك على غيره؛ [لأجل أنه] طيب الطعم والريح؛ فيقوم مقامه في ذلك

السعد والأشنان، لكن في الأراك أمر زائد عليهما، وهو أن فيه تشعيرة تظهر عند بله،

فإذا كبس باليد على الأسنان دخلت فيما بينها فأزالت ما فيه من تغير؛ فلذلك قدم.

ص: 246

قال: وأن يستاك بيابس قد ندي بالماء؛ كي لا يجرح لثته لو لم يبله، ولا يحصل

المقصود إن كان قد بلغ غاية اللين بالنقع في الماء.

واللثة - بكسر اللام وتخفيف الثاء-: لحم الأسنان، وقيل: مغرسها.

وعبارة بعضهم:"يكون عوداً بين عودين لا يابساً؛ فيجرح اللثة، ولا ليناً؛ فلا ينقي.

ولو كان أصبعه في تحصيل الإنقاء كاليابس المندى بالماء؛ ففي الاكتفاء بالاستياك

به خلاف، وأطلق أبو الطيب والبندنيجي القول بأنه لا يكفي؛ حملاً على أن الغالب

أنه لا يتأثر له في الإنقاء.

وأطلق المحاملي والقاضي الحسين القول بجوازه.

وحكى الرافعي وجهاً ثالثاً: أنه إن وجد غيره لا يجزئه، وإلا كفاه؛ لمكان الفقد.

ولا خلاف في أنه لو وضع عليه خرقة خشنة واستاك به، أجزأه؛ وكذا استياكه بكل

عين تزيل القلح؛ ولا يرد على ذلك ما إذا تمضمض بماء الغاسول ونحوه فإنه لا

يحصل سنة السواك وإن أزال القلح؛ لأنه لا يسمىى: مستاكاً. على أن الإمام قال: إنه

ليس عرباً عن احتمال بعيد.

قال: والمستحب أن يستاك عرضاً ويدهن غبا ويكتحل وتراً؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: " استاكوا عرضاً وادهنوا غبا واكتحلوا وتراً".

وقد روى أبو داود مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شربتم فاشربو مصا

ص: 247

وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً".

وهل المراد: عرض الأسنان - وهو عرض الوجه - أو عرض الفم: وهو [في]

طول الوجه؟ يحتمل وجهين، لكن الذي ذكره أبو الطيب والمتولي: الأول لأنه أمكن

وأسهل.

وادعى الماوردي وجماعة أن الثاني مكروه؛ لما فيه من إيذاء اللثة أو فساد

العود.

وفي "النهاية": أنه يستاك في عرض الوجه وطوله محاولاً إزالة القلح، فإن اقتصر

على أحد الجهتين، فينبغي أن يكون في عرض الوجه.

قال ابن الصباغ: ويستحب أن يبتدئ من الجانب الأيمن - أي: من فمه - إلى

الوسط، ثم يفعل يالأيسر مثل ذلك؛ لأنه عليه السلام كان يحب التيامن في

ص: 248

كل شيء.

واستحب الماوردي أن يمر الآلة على ظاهر أسنانه [وباطنها وعلى أطراف

أسنانه] وكراسي أضراسه، ويمره على سقف حلقه إمراراً خفيفاً؛ ليزول الخلوف

عنه.

والغب - كما قال ابن فارس -: أن ترد الإبل الماء يوما وتدعه يوماً؛ وبهذا

فسره الإمام أحمد في الحديث، وبه قال بعض الشارحين.

وقيل: المرادبه: أن يدهن ثم يترك على أن يجف، ثم يدهن؛ وهذا قول من فسر

الغب بالوقت بعد الوقت.

وفي "غريب" الهروي: يقال: أغب الرجل، إذا جاء زائراً بعد أيام.

والوتر في الاكتحال: أن يضع في كل عين ثلاث مرات.

وقيل: المراد: أن يكون المجموع وتراً؛ فيضع في اليمنى ثلاثاً وفي اليسرى مرتين،

والأول أصح؛ لما روى الترمذي في شمائله عليه السلام أنه كانت له مكحلة

يكتحل منها كل ليلة ثلاثا في هذه وثلاثاً في هذه.

ولو خالف واكتحل شفعا حصل بعض السنة، روى أبو داود أنه - عليه

السلام -قال:" من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج".

ص: 249

قال: ويقلم الظفر، وينتف الإبط - أي: من اعتاده، وإلا فليلحقه - ويحلق العانة،

ويقص الشارب؛ [أي] ويستحب ذلك؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله -

صلى الله عليه وسلم"الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط متفق عليه.

والاستحداد: حلق العانة؛ مأخوذ من استعمال الحديد.

والإبط: بكسر الهمزة وسكون الباء.

وكما يسستحب نتف الإبط يستحب نتف الأنف أيضاً.

والأولى في قص الأظفار أن يكون مخالفا؛ فإنه ورد حديث:"من قص أظفاره

ص: 250

مخالفاً لم يرى في عينه رمداً".

وفسره أبو عبد الله بن بطة بأن يبتدئ بخنصر اليمنى، ةثم بالوسطى ثم بالإبهام،

ثم بالبنصر، ثم بالمسبحة، ثم بإبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم بالخنصر، ثم بالسبابة،

ثم بالبنصر.

وفي "الإحياء": انه يبتدى في اليدين بمسبحة اليمنى، ويختم بإبهامها، وفي

الرجلين بالخنصر من اليمين، ويختم بخنصر اليسرى؛ كما في التخليل.

وأما وقت وقت ذلك: فقد تعرض له الشيخ في باب هيئة الجمعة ولا يعارضه ما روى

عن أنس، قال: وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة

ألا تترك أكثر من أربعين يوماً. نعم، روى عن وصية على - كرم الله وجهه -: أن

تقليم الأظافر يكون في كل عشرة أيام، ونتف الإبط في كل أربعين يوماً، وحلق العانة

في كل عشرين يوماً ونتف الأنف في كل ثلاثين يوماً والحق الرجوع في ذلك إلى

الحاجة.

قال: ويكره القزع، [والقزع]: حلق بعض الرأس، سواء كان من [موضع]

واحدا، أو متفرقاً؛ أخذاً من قولهم للقطعة من السحاب: قزعة.

ودليل كراهته: ما روى [البخاري] عن ابن عمر قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

نهى عن القزع" وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى غلاماً قد بعضه، وترك

ص: 251

بعضا، فنهاهم عن ذلك. أخرجه مسلم وفي رواية:"احلقه كله أو دعه كله".

أخرجه أبو داود

ثم النهي لأجل مافيه من التشويه، وهو دأب أهل الشطارة.

وكذا يكره نتف الشيب وخضبه بالسواد؛ كما ذكره في "التهذيب".

وفي"الحاوي" أن خضبه بالسواد حرام إلا في الجهاد.

ويجوز خضاب الشعر بالحناء، وهو سنة؛ قال عليه السلام: "إن أحسن ما

غيرتم به الشيب الحناء والكتم" رواه النسائي وخضابه بالحمرة والصفرة منه أيضاً.

ص: 252

واعلم أن ذكر الشيخ القزع في هذا الباب؛ لأنه مناسب لما تقدمه من الآداب،

وأدخل مأتقدمه في الباب؛ لتعلق بعضه بحديث السواك، وتعلق بعضه ببعض في

الحديث، وإلا فكراهة القزع مذكورة في "المهذب" في باب العقيقة، وثَم ذكره في

"الروضة" وتعرض لأمور [أخر]:

منها: أن حلق جميع الرأس لا بأس به لمن لا يخف عليه تعاهده ولا بأس بتركه

لمن خف عليه.

ومنها: أنه يستحب فرق جميع الرأس.

ومنها غسل البراجم، وهي عقد الأصابع ومفاصلها، يلتحق بها إزالة ما يجتمع

من الوسخ في معاطف الأذن وصماخها في الأنف وسائر البدن.

ومنها: يستحب ترجيل الشعر، وتسريح اللحية؛ ويكره تبييضها بالكبريت أو

غيره؛ استعجالا للشيخوخة، ونتفها [أول طلوعها] إيثارا للمرودة وحسن الصورة.

وكذا يكره تصفيف شعر اللحية طاقة فوق طاقة، تحسينا، والزياده فيها والنقص

منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين، أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس،

ونتف جانبي العنفقة وتركها شعثة إظهارا لقلة المبالاة بنفسه، ولا بأس بترك سبالته،

وهما طرفا الشارب.

قال: ويجب الختان؛ لقوله تعالى: {واتبع ملة إبراهيم حنيفا} [النساء: 125] ،

وإبراهيم أول من اختتن، ويروى أنه ختن نفسه بالقدوم بالتشديد: وهو الفأس،

ص: 253

وبالتخفيف: وهو اسم المكان الذي اختتن فيه.

قال الماوردي: وقد قيل: إنه اختتن وهو ابن سبعين سنة، وقيل: ثمانين، ولا يفعل

ذلك في هذا السن إلا عن أمر الله تعالى، روى البخاري في باب قوله تعالى: {واتخذ

الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم".

وروي أنه عليه السلام قال لرجل أسلم: "ألق عنك شعار الكفر واختتن" ،

وهذا أمر، والأمر للوجوب.

وروي أنه قال - على وجه المبالغة:- "أيما رجل حج قبل أن يختتن لم يقبل

حجه".

ولأنه قطع جزء [سليم] من البدن لا يستخلف؛ تعبدا؛ فكان واجبا؛ كالقطع في

ص: 254

السرقة.

واحترزنا بالقيد الأول عن الظفر والشعر، وبالثاني عن القطع للأكِلَة؛ فإن ذلك

ليس بواجب.

وقد استدل له الجيلي بأن بقاء ما يجب قطعه يحبس النجاسة، وذلك يمنع صحة

الصلاة، وفيه نظر؛ لأن القاضي أبا الطيب ذكر أن الخصم استدل على أن ذلك سنة

بأنه أمر به حتى [لا] يجتمع تحتها بول، وهذا القدر من النجاسة لا يجب إزالته

عندنا، وإنما هو مستحب؛ فيجب أن يكون القطع مثله، فأجاب عنه، ولم يمنعه

الحكم؛ وذلك يدل على أنه عندنا كذلك، وما ذكره الشيخ هو الصحيح ووراءه

ص: 255

وجهان في "الرافعي":

أحدهما: أنه سنة مؤكدة.

والثاني: أنه واجب في حق الرجال، مستحب في حق النساء؛ وهذا قد حكاه

القاضي الحسين مع الأول.

وعن ابن كج حكاية قولين من غير تفصيل.

والذي جزم به المعظم: الأول.

وإذا قلنا به فالواجب في حق الرجال قطع الجلدة التي تواري الحشفة - ويقال

لها: القلفة، وللقطع إعذار - حتى تنكشف جميع الحشفة.

وقال الإمام: ولو بقي مقدار لا ينبسط على سطح الحشفة وجب قطعه؛ حتى لا

يبقى جلدا متجافيا.

وعن ابن كج أنه قال: عندي أنه قطع شيء من القلفة وإن قل، بشرط أن يستوعب

القطع تدوير رأسها.

والواجب في حق المرأة قطع اللحمة كما قال الرافعي، أو الجلدة - كما قال

الماوردي - التي في أعلى الفرج فوق ثقب البول وهي تشبه عرف الديك، فإذا

قطعت بقي أصلها كالنواة، ويكفي أن يقطع ما يقع عليه الاسم. وروي أنه - عليه

السلام - قال لأم عطية - وكانت تخفض النساء -: "يا أم عطية إذا خفضت فأشمي ولا

تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزواج" أي: لا تبالغي في القطع؛ فإنه يؤثر

ص: 256

انقطاع الشهوة؛ كما قاله القاضي الحسين، واتركي الموضع أشم، أي: مرتفعاً.

ص: 257

وقوله: "أسرى للوجه" أي: أصفى، وقيل عني به: ما يحصل لها في نفس الزوج

من الحظوة بها.

وختان المرأة يسمى: خفضاً، كما يسمى ختان الرجل إعذاراً.

ومحل الوجوب بعد البلوغ؛ لأنه واجب في البدن، وليس الصبي من أهله،

ويخالف العدة فإنها تتعلق بمضي الزمان؛ وكذا أطلقه الجمهور.

وادعى القاضي الحسين أنه لا خلاف فيه، مقتضاه أنه لا يجب إلا على الشخص

نفسه وإن كان عبداً؛ كما صرح به الأصحاب في كتاب الرهن.

وقال البغوي هنا: إن عللى السيد أن يختن عبده، أو يخلي بينه وبين كسبه حتى

يختنة نفسه.

وعبارة القاضي الحسين في باب صلاة الإمام قاعداً بقيام: " إن كان له عبد غير

مختون، فعلى مالكه أن يخلي بينه وبين كسبه زماناً يحصل فيه أجرة الختان

بالكسب، ـ وإن لم يخله يجب عليه أن يختنه من ماله؛ وكذا أجرة تعليم الفاتحة".

قال الماوردي: ويؤخذ من توجه عليه الختان في أول إمكانه، ولا يؤخر إلا بعذر؛

فإن امتنع منه ولا عذر، ختنه السلطان.

وفي "الزوائد" للعمراني أن القاضي ذكر في كتاب الختان أن الصيدلاني

ص: 258

وأبا سليمان المروزي صاحب المزني قالا: "يعصي الأب يترك ولده حتى يبلغ"، وأن

القاضي قال: "وظاهر كلام الصيدلاني أن الأب لا يجب عليه ختان ابنه قبل

البلوغ؛ لأنه [لا] يعصي إلا بترك واجب".

والمشهور، والذي جزم به الجمهور الأول، لكنهم قالوا: إنه يجوز قبل البلوغ،

وادعى القاضي الحسين أنه لا خلاف فيه، ومع جوازه فهو سنة؛ كما صرح به

الأصحاب، لكن في أي وقت؟ الذي حكاه الماوردي وأبن الصباغ: أنه يوم السابع إن

لم يكن ضعيفاً لا يحتمله؛ لما روي أنه عليه السلام ختن الحسن والحسين في

اليوم السابع؛ وهذا نسبه أبو الطيب إلى ابن هرية.

وعلى هذا هل يدخل يوم الولادة في العدد؟ فيه وجها:

قال ابن أبي هريرة: نعم.

وقال الأكثرون: لا.

فلو أخر عن السابع، [قال الماوردي]: والمستحب أن يختن في الأربعين، فإن

أخر عنها، فالمستحب أن يختن في السنة السابعة؛ لأنه الوقت الذي يؤمر فيه بالطهارة

والصلاة.

وقال القاضي الحسين في "التعليق"، وهو المذكور في "التهذيب": "عندي أن وقته

بعد استكمال العشر، فأما قبله فلا يجوز بحال؛ لأنه عليه السلام أمر بضربه

وتأديبه للصلاة وغيرها بعد العشر؛ فدل على أن بدنه لا يحتمل الألم قبلها، ويحتمله

ص: 259

بعدها ذكره في كتاب الحدود، وفي باب الصلاة قاعداً بقيام.

وهذا كله إذا كان البي يطيقه، فلو كان ضعبفا لا يطيقه، فيؤخر إلى الوقت الذي

يحتمله؛ حتى قال الإمام: لو كان اللرجل على خلقة من الضعف بحيث لو [ختن]

خيف عليه لم يجز أن يختن، بل ينتظر الممكن بأن يصير بحيث يغلب على الظن

سلامته لو ختن؛ وبه صرح الماوردي أيضاً؛ موجهاً له بانه لا تعبد بما يفضي إلى

التلف.

ثم كل موضع قلنا: يجوز ختانه، فيستوي فيه الأب والجد والحاكم والوصي؛

صرح الماوردي، ويكون مؤنة الختان من مال الصبي؛ كما قاله القاضي الحسين

والإمام لأنه يجب عليه بعد البلوغ.

وفي "الرافعي" وجه آخر: أنها في مال الأب، وهو في غيره منسوب للقاضي

الحسين، وقال: في "تعليقه" في باب صلاة الإمام قاعدا بقيام: إن أجرة الختان وتعليم

القرآن، إن كان للولد مال كانت في ماله، وإلا فعلى الأب.

[وقال فيه: إن ما يهدي عند ختان الولد يكون ملكا للولد، والأب يقبلها له].

فرع: الخنثى المشكل هل يجب خناته؟ المشهور نعم، فيختن الفرجين وجوبا؛ لأن

أحدهما أصلي فيجب خناته، ولا يعرف؛ فتعين ختانهما؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به

فهو واجب، وقد شبه ذلك بإتلاف الزوج البكارة؛ ليصل إبلى حقه من الوطء.

وفي "التهذيب" في كتاب النكاح: أنه لا يجوز؛ لأن الجرح على الإشكال لا

يجوز.

ثم على الأول من يتولاه؟

قال العمراني في " الزوائد": قال القاضي في كتاب الجنايات: إن كان صغيراً ختنه

الرجال والنساء على طريقة مشايخنا بخراسان: الصيدلاني والمروزي.

وعلى طريقة البندنيجي لا يختن الصغير إذا كان خنثى، لا وجوباً ولا استحباباً؛

لأنه لا يتعين المحل، وإن كان بالغاً نظر: فإن كان يحسن ذلك تولاه، وإن لم يحسن

ص: 260

ولم يمكنه؛ لعجزه أو جزعه اشترى له جارية تحسن ذلك.

فإن لم توجد جاز أن يتولاه اللرجال والنساء؛ لأنه موضع ضرورة.

ولو خلق لشخص ذكران عاملان لم يتميز الأصلي منهما من الزائد ختنا جميعاً.

واعلم أن إدراج الشيخ الختان في هذا الباب وإن ذكره الأصحاب في ذيل باب

حد الخمر؛ اتباعاً للمزني في "المختصر"؛ لأجل مارواه أبو المليح عن أبيه عن النبي

صلى الله عليه وسلم انه قال: "عشر من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، وإحفاء الشارب، وإعفاء

اللحية، وقلم الأظافر، وغسل البراجم، ـ وحلق العانة، ونتف الإبط، والختان"

وقد تقدم ذكر مناسبة بقية الفطر هنا؛ فكذا بقيتها.

وكما يجب الختان يجب قطع السرة، لأنه لا يتأتى ثبوت الطعام إلا بذلك والله أعلم.

ص: 261