الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فروض الوضوء وسننه
الفرض والواجب مترادفان عندنا، والمراد به- هنا-: الركن لا المحدود في
كتب الأصول بأنه الذي يذم تاركه شرعاً، ولو على بعض الوجوه، إذ حكم الصبي
…
فيه كالبالغ.
قال وفروض الوضوء ستة: النية، لما تقدم، ومن هنا يظهر لك أن الكافر لا يصح
…
وضوءه، لأنه ليس من أهل النية، وفيه وجه ستعرفه في "باب صفة الغسل"
…
وهو مفرع على الصحيح في أنه إذا ارتد بعد الوضوء لا يبطل، وأما إذا قلنا: يبطل، فلا يصح في حال الكفر بلا خلاف.
قال: عند غسل الوجه، أي: عند ابتداء غسل شيء من الوجه، لتكون مقترنة
…
بأول العبادة، واحتجنا إلى ما ذكرناه من التقدير، لأن استمرار النية إلى تمام غسل
…
الوجه ليس بشرط، حتى لو نوى عند أول شيء غسله منه وعزبت قبل تمام غسله
…
لم يضره، بخلاف النية في الصلاة، فإنه يشترط أن تقترن بكل التكبيرة، لأن أول التكبيرة ترتبط إفادته بتكميلها، وغسل بعض الوجه لا يتوقف مقصودهعلى تكميله، وما ذكره
…
الشيخ تفريع على الصحيح في أنه لو نوى عند غسل سنة من سنن الوضوء، ثم عزبت
…
نيته قبل غسل شيء من الوجه- لم يعتد بها، ووراءه ما سلف من الأوجه.
والوجه الصائر إلى الاكتفاء باقترانها بغسل الكفين- إذا قلنا: إنه من سنن
…
الوضوء- جار فيما إذا اقترن بالسواك، وقلنا: إنه من سننه، كما صرح به الأئمة، لكن
…
لك أن تقول: ذاك وجه معزي إلى ابن سريج، وابن سريج يرى أنه لا بد من اقترانها بالوجه كما سلف.
ثم على ما ذكره الشيخ إذا اقترنت نيته بغسل الوجه لا يناله ثواب ما يتقدمه من
…
السنن لخلوه عن النية.
وفي"الحاوي" وجه آخر: أنه يناله، كما لو نوى صوم التطوع في أثناء النهار، وقد
…
أبداه الإمام احتمالاً لنفسه، ثم فرق بأن الصوم في حكم الخصلة الواحدة، والوضوء
…
يشتمل على أركان متغايرات، فالانعطاف فيها أبعد.
واحتاج الشيخ هنا إلى بيان وقت النية، لأنه لم يذكره في الباب قبله، بل أفهم
…
كلامه أن المستحب أن تكون أول ما يشرع في الوضوء.
قال: وغسل الوجه للكتاب والسنة والإجماع كما سلف، وهذا الفرض إنما
…
يتحقق وجوده إذا غسل جزءا من الرأس ومن الحلق ومن تحت الحنك، وحينئذ
…
يجب ذلك، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد صرح به المتولي وغيره.
قال: وغسل اليدين مع المرفقين، لما تقدم، وغسل جزء من العضد لا بد منه، لما
…
ذكرناه.
ولو كان عليهما شعر كثيف لزمه غسل ما تحته، لأن ذلك نادر، صرح به القاضي
…
الحسين وغيره.
وقد تقدم الكلام فيما إذا نبت له إصبع زائد أو كف وتدلت له جلدة. ولو انقلع من
…
محل الفرض شيء، وجب غسل ما ظهر منه.
نعم، لو كان ذلك بعد الغسل لا يلزمه غسل ما ظهر، كما إذا حلق الشعر بعد
…
المسح عليه، أو قص الظفر فظهر من اللحم شيء كان مستترا به.
قال: ومسح القليل من الرأس، لأنه إذا فعله صدق عليه أنه مسح رأسه عرفاً،
…
وتنزلت الآية عليه، كما تنزل قول القائل: فلان قبل رأس اليتيم، أو: مسحها، أو
…
: ضرب رأس فلان – على بعضها، ولأن الآية وإن دلت بظاهرها على أنها [آلة] يمسح بها، فالإجماع على أن المراد: مسحها هي، وحينئذ تكون الباء في الآية للتبعيض، وإلا لم يكن لها فائدة، ويدل على ذلك أن السنة تثبت أن الاستيعاب غير واجب، فإن المغيرة بن شعية روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى عمامته، وفي رواية: بمقدم رأسه، والتقدير بجزء لا يهتدي إليه إلا بتوقيف، ولم يوجد، فتعين أن يكون الواجب مسمى المسح من غير تقدير.
فإن قيل: الشرع قد قدره بالناصية، إذ لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على أقل منها، والرواية الأخرى محمولة عليها، فينبغي أن يتقدر بها، ويكون فعله – عليه السلام – مبيناً للمراد من الآية، وقد اختار هذا صاحب "التهذيب".
قيل: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج مخرج البيان، إذ لم ينقل تعقبه لوقت الحاجة إليه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولأنه لو كان بياناً لتعين المسح على الناصية، والخصم يجوز] مسح [قدرها من الرأس.
فإن قيل: صيغة الأمر بمسح الرأس] في الوجه [في التيمم واحدة، وقد أوجبتم تعميم الوجه بالمسح.
قيل: هو في التيمم بدل مغسول كله، لأجل الضرورة، ولا ضرر في التعميم، فوجب كالأصل، والمسح على الرأس هنا أصل، فكان مستقلا بحكمه.
واحترزنا بقولنا: "لأجل الضرورة" عن المسح على الخفين، فإنه جوز للحاجة، وقيد عدم الضرر يخرجه أيضاً، لأن استيعاب مسحه يضر به.
وقد أفهم كلام الشيخ أموراً:
أحدها: أن المسح على الشعر بدل، لأنه قد جعل الفرض مسح القليل من الرأس،
…
والشعر ليس برأس حقيقة، ويوافق هذا المفهوم ما حكاه الإمام ومن تبعه عن ابن
…
خيران: أنه لو مسح على الشعر، ثم حلقه استأنف المسح على الرأس، كما لو مسح
…
على الخف، ثم ظهرت الرجل.
والعراقيون نسبوا هذا المذهب لابن جرير الطبري وهو صاحب مذهب،
…
وجزموا بأنه لا يستأنفه، وأن الشعر أصل كبشرة الرأس، ويدل عليه أنه لو كان بعض
…
بشرة الرأس ظاهرا وعلى بقيتها شعر، فمسح على الشعر – أجزأه.
وفي "زوائد" العمراني أن الفقيه أبا بكر بن جعفر قال: لو مسح شعر رأسه،
ثم حلقه قبل الفراغ من الطهارة – وجب عليه إعادة المسح، وغسل القدمين؛ لأن
المتوضىء مالم يفرغ. في حكم من لم يتوضأ؛ بدليل: أنه لو لبس الخف قبل كمال
الطهارة، لا يمسح عليه.
ثم على المشهور يحمل كلام الشيخ على إرادة مايسمى رأساً؛ فإن الشعر يسمى
به؛ فإنه مأخوذ مما رأس وعلا، وليس في هذا إلا أن فيه جمعاً بين إرادة الحقيقة
والمجاز بلفظ واحد، وذلك جائز عند بعض أصحابنا، وحس هنا؛ لأن فيه تنبيهاً
على أنه لو مسح على الشعر الخارج عن الرأس – وإن كان منتبه فيها – لا يجزىء،
وهو مما لا خلاف فيه.
نعم، اختلفوا فيما لو مسح على شعر خرج عن منبته، ولم يتعد حد الرأس: هل
يجزئه أم لا؟ والصحيح: الإجزاء.
ووجه المنع: أنه زائل عن منبته؛ فشابه الخارج عن الرأس.
ومن القسم الأول: ما إذا كان شعره أجعد على الرأس، وإذا مد خرج بالمد عن
سمت الرأس، فمسح على القدر الذي لو مد خرج عن سمتها.
والقاضي الحسين قال: إنه كذلك إذا مده، ومسح على الطرف الخارج، أما إذا لم
يمده، بل مسح عليه، وهو على الرأس، ففي الأجزاء وجهان، أصحهما: المنع.
الأمر الثاني: أن المسح إذا كان على الشعر لا يتقدر بثلاث شعرات؛ لأن ما دونها
بعض الرأس، وهو الذي نص عليه الشافعي، واختاره البغداديون من أصحابنا.
وعن صاحب "التلخيص": أنه يتقدر بثلاث شعرات، كما في حلق الرأس في
الحج، واختاره البصريون من أصحابنا.
قال الرافعي: وقد أفهم كلام بعض النقلة احتمالاً في اعتبار قدر ذلك – أيضا -
في المسح على البشرة.
والقائلون بالأول فرقوا بأن المسح متعلق بالرأس في الآية، والشعر ليس متعيناً له؛
ولذلك لو مسح على محل لا شعر فيه، أجزأه؛ بخلاف الحلق؛ فإنه منصرف إلى
الشعر إجماعاً، و"الشعر" اسم جمع؛ فلا يصدق على أقل من ثلاث.
واختار صاحب "الحاوي" مذهباً لنفسه، وقال: الحق أن يكون المعتبر المسح
بأقل شيء من أصبعه [على أقل شيء [من رأسه؛ لأنه أقل ما يقتصر عليه في
العرف، وما دونه خارج عن حد العرف، فامتنع أن يكون حدا.
الثالث: أنه لو أدخل يده تحت شعره، ومسح البشرة، أجزأه، وهو ما حكاه القاضي
الحسين والمتولي، وصدر به الرافعي كلامه.
قال القاضي: وهذا بخلاف الوجه، فإنه لو غسل البشرة وترك الشعر، لم يجزئه؛
لأن اسم الوجه لما يواجه به الإنسان غيره، وذلك يقع على ظاهر الشعر. والرأس:
اسم لما رأس واعتلى، وهذا واقع على الكل.
الرابع: أنه لو غسل الرأس بدلاً عن المسح، لم يجزئه؛ لأنه لا يسمى مسحاً.
ومن طريق الأولى: إذا قطر الماء عليه ولم يجر، وكذا إذا وضع يده مبلولة على
الشعر ولم يمرها؛ لفقد حقيقة المسح، وهو وجه في المسائل محكي في الثانية
والثالثة عن اختيار القفال.
لكن الصحيح في الكل – وهو المذكور في أكثر الكتب – الإجزاء، بل ادعى
الإمام في الأولى: الوفاق عليه.
نعم، لا يستحب، وهل يكره؟ فيه وجهان: أظهرهما عند العراقيين وصاحب
"الروضة": لا، ومقابله: هو ما حكاه الإمام عن الأكثرين.
الخامس: أنه لا فرق في الإجزاء بين أن يمسح بيده، أو بخرقة مبلولة أو خيشة،
ونحو ذلك، وهو مما لا خلاف فيه.
قال: وغسل الرجلين مع الكعبين؛ لما ذكرناه، وتعميمهما واجب، حتى لو كانت
أصابعهما أو بعضهما ملتفة، لا يمكن إيصال الماء إلى باطنها إلا بالتخليل -
وجب، وعليه حمل قوله- عليه السلام: "خللوا بين أصابعكم؛ كي لا يخلل الله
بينها بالنار".
نعم، لو كانت ملتصقة خلقة، لا يجب تفريجها، بل لا يستحب، ولو فرجها بعد
الطهارة، لم يجب غسل ما ظهر إذا لم يحدث نجاسة، وكذا الكلام في أصابع اليدين.
ثم هذا الفرض مخصوص بغير لابس الخف [في مدة المسح، أما لابس
الخف]، فغسل الرجلين ليس فرضا متعينا في حقه؛ لما ستعرفه.
قال: والترتيب - على ماذكرناه- للكتاب، والسنة، والقياس:
أما الكتاب: فظاهر الآية، ووجه الدلالة منها: إذا قلنا: إن "الواو" للترتيب – كما
ذهب إليه الفراء، وثعلب، وأكثر أصحاب الشافعي، كما قال الماوردي – ظاهر.
وإذا قلنا:] لا [تقتضيه، وهو الصحيح – فمن وجهين:
أحدهما: أنه أمر بغسل الوجه بحرف الفاء الموجب للتعقيب والترتيب إجماعا،
وإذا ثبت تقديم الوجه – ثبت استحقاق الترتيب؛ لأنه لا قاتل بوجوبه في بعض
الأعضاء دون بعض.
فإن قيل: الفاء الموجبة للتعقيب تكون في الأمر والخبر، وأما في الشرط والجزاء،
فلا.
قيل: هي موجبه للتعقيب في الموضعين، وليس فيها إذا أفادت الجزاء بعد الشرط
ما ينبغي أن يسقط حكمها في التعقيب، على أن الجزاء لا يستحق إلا بعد تقدم
الشرط فلذلك استعمل فيه لفظ التعقيب دون الجمع.
فإن قيل: سلمنا أنه توجبه هنا، لكن المعقب هنا غسل جميع الأعضاء، ولا
يمكن التعبير عنها مفصلة إلا بذكر اسم كل واحد منها؛ فيقع ذكر الأول من
ضرورة التفصيل، ونظيره قول القائل لغلامه: "إذا دخلت السوق، فاشتر اللحم
والفاكهة والخبز"؛ فإنه لا يقتضي الترتيب في الشراء.
وجوابه أن قوله عليه السلام في الحديث الذي سنذكره: "ثم يغسل وجهه
كما أمر الله - تعالى- ثم يغسل قدميه مع الكعبين؛] كما أمر الله] " - يدل
على أنه مقصود في نفسه.
الوجه الثاني: أنه ذكر ممسوحا بين مغسولين، ومن عادة العرب أن تجمع بين
المتجانسين إلا لفائدة في إدخال غير جنسه فيما بين جنسه؛ فلولا أن الترتيب
مستحق، لجمع بين المتجانسين.
وقد اعترض بعضهم على هذا، فقال: الترتيب وقع في الآية؛ لبيان أن أعضاء
الحدث انقسمت إلى مكشوف - غالبا -: كالوجه واليدين؛ لتعرضهما للتلوث،
والوجه أشرفهما؛ فلذلك قدمه؛ كما قدمت اليمين على اليسار، ثم قدمت الرأس على
الرجلين؛ لأنه أشرف المستورين.
وأما السنة: فما روى مسلم عن عمرو بن عبسة قال: "قلت: يا رسول الله، أخبرني
عن الوضوء؛ فقال: ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق - إلا
خَرَّت خطايا فيه وأنفه من الماء، ثم يغسل وجهه - كما أمر الله - إلا خرت
خطايا وجهه مع أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى مرفقيه إلا خرت خطايا
يديه مع أطراف أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف
شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه مع الكعبين - كما أمر الله- إلا خرت خطايا رجليه
من أطراف أصابعه مع الماء ".
وفي البخاري أنه عليه السلام توضا مرتبا، وقال: "هذا وضوء لا يقبل الله
الصلاة غلا به" أي: بمثله.
وقد روي أنه عليه السلام قال: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور
مواضعه؛ فيغسل وجهه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه" ، ولو ثبت هذا
لكان نصا في الباب.
وأما القياس: فلأنه عبادة ترجع في حال العذر إلى شرطها؛ فوجب أن يكون
الترتيب] من شرطها؛ كالصلاة.
فإن قيل: قد ثبت أن الترتيب] شرط؛ فهل يسقط في حالة ما؟
قلنا: نعم، على قول للشافعي في صورة، ووجه للأصحاب في صورتين:
فالأولى: إذا نسيه؛ فإن للشافعي قولاً قديماً: أنه لا يضر؛ كما لو نسي الفاتحة في
الصلاة، أو الماء في رحله وتيمم، أو النجاسة على يديه وصلى. وفي الجديد: لا
يجزئه، وهو ما يقتضيه كلام الشيخ.
والثانية: إذا اغتسل في مكان الوضوء، فإن] الجمهور] على سقوطه في هذه
الحالة.
قال الماوردي: وهو ظاهر المذهب.
ومنهم من قال: لا يسقط، والترتيب عليه في هذه الحالة - في أعضاء وضوئه
واجب، وهذا الإطلاق يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون اغتساله في الماء بعد مكثه فيه
قدر ما يترتب على أعضائه أو لا، وبه صرح الرافعي، والغزالي؛ تبعاً للإمام في حالة
إمكان ترتبه على الأعضاء، لكن الجواز في هذه الصورة لم يحك القاضي الحسين
والمتولي وابن الصباغ غيره؛ وعلى هذا لماذا أجزأه؟ قيل: لأن الماء يترتب على
أعضاء وضوئه في لحظات لطيفة. وقيل: لأنه صير الوضوء غسلاً.
وعلى المأخذين ينبني ما إذا لم يلبث في الماء قدر ما يترتب فيه الماء، أو نكس
الغسل؛ فعلى الأول: لا يجزئه، وعلى الثاني: يجزئه.
والقاضي الحسين - وكذا المتولي - بنيا الخلاف على أن الحدث الأصغر يحل
جميع البدن أو أعضاء الطهارة فقط؟
فعلى الأول: يجزئه الغسل؛ ولو أغفل لمعة في بدنه لا يجزئه؛ كما قال القاضي
الحسين.
وعلى الثاني: لا يجزئه إلا غسل الوجه إن اقترنت النية به.
والثالثة: إذا أمر أربعة فوضئوه في حال واحد، هل يجزئه أم لا؟ فيه وجهان في
"تعليق القاضي الحسين" يقربان من الخلاف فيما لو كان على المعضوب حجة
الإسلام، وحجة منذورة؛ فاستأجر شخصاً لإقاع حجة الإسلام عنه، وآخر لإقاع
الحجة المنذورة عنه، فأحرما بهما في عام واحد - هل يجزئه أم لا؟ والمذهب منهما
في "التتمة" -: أنه لا يحسب له إلا غسل الوجه، وهو المذكور في "الشامل" لا غير.
ومن قال بالإجزاء يقول: الشرط في الوضوء عدم التنكيس.
وقد ألحق القفال بهذه الصورة ما إذا شك هل الخارج من ذكره مني أو مذي،
ونحوه؟ وستعرف ما فيه.
قال: وأضاف إليه - أي: إلى ماذكرناه في القديم - التتابع.
التتابع: عبارة عن تطهير العضو بعد العضو؛ بحيث لا يجف المغسول قبيله قبل
شروعه فيه، مع اعتدال الزمان والمكان؛ فلا اعتبار بشدة الحر والبرد، ولا بالبلاد
الشديدة الحرارة أو البرودة.
قلت: وينبغي أن ينظر إلى اعتدال المستعمل له؛ فلا يعتبر بمن عليه حرارة،] أو
ضدها]، والاعتبار في الغسل بآخر غسلة.
وقضية ما ذكره الأصحاب من الحد: أنه لا ينظر إلى جفاف الممسوح من
الرأس قبل غسل ما بعده؛ بل المعتبر - في هذه الحالة - جفافها لو غسلت، وهو
الحق، وقد أعرض بعضهم عن ذلك، وقال: المرجع في ذلك إلى العرف.
ومنهم من يقول: إذا مضى بين العضوين زمان يمكن إتمام الطهارة فيه - انقطع
التتابع.
قلت: فلو اعتبر فيه ما يفوت به تدارك الخلل الواقع في الصلاة - لم يبعد؛ لأن
التتابع فيها شرط بلا خلاف.
وإذا عرفت ما المعنى بالتتابع، فوجه وجوبه: أن مطلق أمر الله - تعالى - يقتضي
الفور والتعجيل، وذلك يمنع التفريق، ولأنه عليه السلام توضأ على الولاء، وقال:
"هذاوضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وعني: إلا بمثله. ولأنها عبادة ترجع في
حال العذر إلى شطرها؛ فوجب أن يكون التتابع من شرطها كالصلاة،] أو لأنها عبادة
يبطلها الحدث؛ فأبطلها التفريق كالصلاة].
قال: فجعله سابعا، أي: فجعل الفرض سبعا. أتى الشيخ بهذه الزيادة؛ دفعا لتوهم
من يتوهمون أن الضمير في قوله: "إليه" يعود إلى الترتيب؛ فلا يزيد الفرض
على الست.
وقد أضاف بعضهم إلى ذلك الماء الطاهر؛ فعده فرضا آخر، وبه تكمل الفروض
ثمانية، حكاه الماوردي.
والجديد: أن التتابع غير واجب؛ لأن ابن عمر روى أن النبي ?"توضأ في
السوق، فغسل وجهه، ويديه، ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد، فدعا
بماء فمسح على خفيه، وصلى عليها".
قال الشافعي: وبين ذهابه من السوق إلى المسجد تفريق كثير، وقد روى ذلك
…
موقوفا على ابن عمر، ولم ينكره عليه أحد، ولأنه عبادة لا يبطلها التفريق
اليسير؛ فلا يبطلها التفريق الكثير؛] كالحج، أو عبادة يجوز تفريق النية فيها على
بعضها، فجاز التفريق الكثير] فيها؛ كالزكاة.
قال البندنيجي وغيره: فعلى هذا هل يحتاج إلى تجديد النية؛ إن لم يكن ذاكرا لها؟
فيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأنه ما انقطع حكم النية.
وعلى مقابله: هل يستأنف الوضوء أو يبني؟ قال القاضي الحسين وغيره: فيه
وجهان ينبنيان على تفريق النية على أعضاء الطهارة.
والقولان: في تفريق الوضوء جاريان في تفريق الغسل، وهل يجريان في تفريق
التيمم؟ قال ابن القطان وطائفة: نعم. وقال الجمهور: لا؛ بل يبطل بالتفريق قولا واحدا.
وبعضهم ألحق الغسل بالتيمم في حكاية الطريقين،] لكنه قال إن الصحيح فيهما
تخريجهما على القولين، والطريقة] الثانية: القطع بأنه لا يضر فيهما، وهل
القولان فيما إذا كان التفريق بعذر أو بغير عذر؟ فيه طريقان:
منهم من عمم، ومنهم من خصهما بغير المعذور بالجواز، وإليه
يميل نصه في "الأم"، وهو المشهور، واستدل له المسعودي بأن الشافعي جوز في
القديم تفريق الصلاة بالعذر؛ فإنه إذا سبقه الحدث يتطهر ويبني؛ ففي الطهارة أولى.
والعذر، مثل انقلاب الماء فيسعى في طلبه، أو هربا من سبع، ونحوه، وهل
يلتحق به النسيان؟ فيه وجهان للشيخ أبي محمد، قال الرافعي: والأظهر الإلحاق.
فرع: إذا شك المتوضىء بعد فراغ الوضوء في أنه ترك فرضا أم لا _ فلا أثر لشكه؛
كما لو شك بعد الفراغ من الصلاة في ركن منها، ولا يقدح في ذلك الإقدام على
الصلاة مع شك في الطهارة؛ كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث.
وقال ابن الصباغ: يحتمل أن يقال: لا تجوز له الصلاة؛ لأن الوضوء يراد لغيره،
والأصل عدم إتيانه بكل أركانه.
وفي"تعليق" القاضي الحسين عند الكلام في الشك في النية في الصلاة: أنه لو
شك بعد الفراغ من الوضوء: هل مسح رأسه أم لا؟ فيه قولان:
القديم: أنه لا شىء عليه.
والجديد: أن عليه المسح؛ لأن الأصل أنه لم يأت به.
قال: وسننه عشر: التسمية؛ لأنه قد ثبت مشروعيتها، وقوله_ عليه السلام_:"من توضأ
وذكر الله على وضوئه، كان طهورا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله، كان
طهورا لأعضاء وضوئه"_ يدل على أنها غير فرض فيه؛ لأنه حكم بالتطهير بدونها.
ولأن الوضوء عبادة ليس في آخرها نطق؛ فلم يجب في أولها؛ كالصوم.
وقوله_ عليه السلام_:" لا وضوء لمن لم يسم الله" _ محمول على الكمال.
وقد ذهب بعض المراوزة إلى أنها ليست بسنة الوضوء، وقال: هي محبوبة في
كل أمر ذي بال؛ فلا اختصاص لها بالوضوء.
وعن الشيخ أبي حامد أنها هيئة فيه؛ فإن الهيئة: ما يتهيأ به لفعل العبادة، والسنة: ما
كانت في أفعالها الراتبة فيها.
قال الماوردي: وهذه ممانعة في العبارة مع تسليم المعنى.
قال: وغسل الكفين؛ لأنه _ عليه السلام _ كان يفعله، ولم يذكره في حديث عمرو
بن عبسة، ولو كان فرضا لذكره، وقال للسائل عن الوضوء:" توضأ كما أمرك الله
تعالى"، وليس فيما أمر الله غسلهما مرتين.
وعن بعض المراوزة: أنه ليس من سنن الوضوء.
وأبو حامد قال: إنه هيئة فيه، لا سنة.
قال: والمضمضة والاستنشاق؛ لأنه _ عليه السلام _ كان يفعلهما، وقال:"عشر
من السنة
…
" وعدهما منها، وفي رواية:"عشر من الفطرة
…
"، والفطرة هي السنة.
قال: ومسح جميع اللرأس _ أي: استكمال مسح جميع الرأس _ لأنه الأكثر من
فعله صلى الله عليه وسلم، وقد دللنا على عدم وجوبه؛ فكان سنة.
وعن المزني أنه فرض، كما صار إليه مالك.
وفي"الحاوي": أن مالكا يقول: إنه لو ترك ما دون ثلاث شعرات_ لم يضره.
والمزني يوجب الاستيعاب، وعلى المذهب أنه لو كان به أذى يمنعه من
الاستيعاب؛ فالمستحب أن يمسح على ناصيته وعلى عمامته؛ كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم نص عليه الشافعي.
والناصية: ما بين النزعتين.
وقد أفهم كلام الشيخ أنه إذا مسح جميع الرأس، كان الزائد على أقل ما يجزىء
نفلا، وهو الصحيح.
ومن الأصحاب من يقول: الكل سقط به الفرض
والخلاف جار فيما لو طول الركوع في الصلاة، أوالقيام، أو أخرج البعير في
الزكاة عن خمس، أو البدنة أو البقرة عن الشاة في دم التمتع؛ وأصله _ كما قال
القاضي الحسين في [باب] صوم التمتع، والمتولي هاهنا _ أن الوقص في الزكاة
عفو أو فرض النصاب يتعلق بالجميع؟
قال: ومسح الأذنين؛ لأنه _ عليه السلام _ كان يفعل ذلك، ولم يأمر به
الأعرابي؛ فدل على أنه سنة.
فإن قيل: بل أمره بهما؛ لأنهما من الوجه، والوجه أمر الله بغسله؛ ويدل على أنهما
من الوجه قوله _ عليه السلام _ في سجوده:" سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق
سمعه".
قيل: لو كانا من الوجه لغسلهما بمائه، وقد أفردهما بالمسح، والوجه المذكور في
الخبر المراد به: الكل؛ كما في قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: 27]
ولأن العرب تعطف على الجوار.
والمراد بالأذنين: ظاهرهما، وباطنهما، وصماخاهما، وبعضهم يجعل الصماخ سنة
أخرى.
ثم من شرط الاعتداد بمسحهما سنة: الإتيان بهما بعد مسح الرأس على الصحيح
في "الروضة".
قال: وتخليل اللحية الكثة _ أي: ومافي معناها _ لأنه _ عليه السلام _ كان يخلل
لحيته؛ كما ذكرنا، ولا يجب؛ لأنه لم يأمر به السائل عن الوضوء؛ فكان سنة.
[وعن المزني]: أنه واجب. ورواه ابن كج عن بعض الأصحاب.
قال الرافعي: فإن أراد المزني: فمفرداته لا يعد من الذهب؛ إذ لم يخرجها
على أصل الشافعي، وإن أراد غيره، حصل وجه موافق لما ذهب المزني.
قال: وتخليل أصابع الرجلين، أي: إذا كان الماء يصل إلى جميع بشرتها بدونه؛
لأنه – عليه السلام – كان يفعله؛ كما ذكرناه في خبر وائل بن حجر، ولم يأمر به
السائل.
قال: والابتداء باليمنى؛ لأنه _ عليه السلام – كان يفعل ذلك في اليدين والرجلين؛
كما سلف، وقالت عائشة:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يب التيامن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره وترجله وتنعله" أخرجه مسلم، ولفظ البخاري موضع"يحب":"يعجبه".
وقال _ عليه السلام، كما رواه أبو هريرة_:"إذا لستم إذا توضأتم؛ فابدأوا
بأيمانكم" وهو محمول على الندب؛ لأن الله تعالى أطلق غسلهما؛ فلم يجب فيه
ترتيب؛ لأنهما كالعضو الواحد؛ بدليل أن ظهور إحدى الرجلين من الخف؛
كظهورهما، والعضو الواحد لا ترتيب فيه.
وكلام الشيخ يقتضي استحباب البداية باليمين في مسح الأذنين، وهو وجه حكاه
في "الوضة"، عن "البحر"، لكن قد سلف ما قاله الماوردي فيه، فإن كان الشيخ
يراه حملنا كلامه هنا على ما لا يستحب الإتيان به دفعة واحدة: وهو اليدان
والرجلان، وفي غيرهما بالنسبة إلى العاجز؛ كما سلف.
قال: والطهارة ثلاثا ثلاثا، أي: استكمال الطهارة ثلاثا ثلاثا في المغسول
والممسوح؛ لأنه – عليه السلام – كان يفعل ذلك؛ كما سلف. وروى أنه "توضأ مرة
مرة" رواه البخاري عن ابن عباس.
وروى – أيضا – عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله غليه وسلم "توضأ مرتين مرتين"، وقال
البغوي: حديث حسن صحيح، وقال: إن أهل العلم اتفقوا على أن الواجب مرة مرة،
وإذا أتى به مرتين [مرتين]، قال الشافعي: فهو فضيلة، وثلاثا ثلاثا سنة.
ولو زاد على الثلاث – فهل يكون مكروها؟ قال الشيخ أبو حامد: لا؛ لأنه زيادة
خير وبر.
والجمهور على أنه مكروه، ومنهم: البندنيجي تلميذ أبي حامد؛ لأنه جاء في رواية:
أنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال:"من زاد على هذا فقد أساء وظلم"، وفي رواية:"من زاد
أو نقص فقد أساء وظلم "، ومراده: نقص عن الوحدة، وإلا فقد ذكرنا أنه اقتصر
على مرة ومرتين.
وإساءته تكون بالنقصان، وظلمه لازيادة؛ لأنه وضعها فب غير محلها، وقيل
عكسه، ويشهد له قوله تعالى:{آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا} [الكهف: 33]
[أي] ولم تنقص.
وفي " الروضة " حكاية وجه ثالث: أن الزيادة على الثلاث محرمة.
وعلى المشهور: لو شك: هل فعل شيئا من ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثا؟ ففيما
يقدره وجهان:
أصحهما: أنه يأخذ بالأدنى؛ كما في الصلاة إذا شك في عدد ركعاتها.
والثاني – ذكره الشيخ أبو محمد -: أنه يأخذ بالأكثر؛ حذارا من أن يزيد غسلة
رابعا؛ فإنها بدعة، وترك سنة أهون من إقحام بدعة.
وقيل له: إنما تكون بدعة عند تحقيق الزيادة.
فرع: تجديد الوضوء مستحب؛ لقوله – عليه السلام: " من توضأ على طهر كتبت
له عشر حسنات"رواه أبو داود.
ومحل الاتفاق على استحبابه إذا صلى بالأول فرضا وأراد أن يصلي فرضا آخر؛
لأنه – عليه السلام-كان يتوضأ في غالب أحواله لكل صلاة.
فلو صلى بالأول فرضا وأراد أن يصلي نافلة، فهل يستحب له التجديد؟ فيه
وجهان في "تعليق القاضي الحسين ".
ولو صلى بالأول نفلا وأراد أن يصلي فرضا، فهل يستحب؟ فيه وجهان مشهوران
بناهما القاضي الحسين على المعنيين في سلب طهورة الماء المستعمل: فإن قلنا: إنه
يؤدي الفرض، فلا يستحب التديد هاهنا، وإلا استحب.
ولو أدى [به] سجدة شكر أول تلاوة، أول فعل بعده ما يتوقف على الوضوء-
غير الصلاة- قال في "التتمة":فلا يستحب له التجديد، ولا يكره؛ لأنه أدى
بالأول ما له تحليل وتحريم.
ولو لم يؤد به شيئا أصلا، فإن قلنا: لا يستحب عند الصلاة النفل به، فهنا أولى، وإلا
فوجهان حكاهما الإمام، قال: ولعلهما فيما إذا مضى بعد الطهارة الأولى زمان يمكن
فيه فعل النافلة دون ما إذا لم يمض ذلك؛ لأنه يصير في حكم غسلة رابعة.
قلت: ولو أخذ بما قلنا: إنه يقطع الموالاة على القديم، لم يبعد.
واعلم: أن الشيخ ذكر في الباب قبله أشياء لم يعدها في هذا الباب من الفرائض
ولا من السنن، وهي استصحاب النية إلى آخر الطهارة، والمبالغة في المضمضة
والاستنشاق والاستعانة. وعد في الباب من السنن ما لم يذكره في الباب قبله، وهو:
البداءة باليمين، ولعله نسيه في الأول؛ فاستدركه في هذا الباب.
وأما ما لم يذكره هنا مما ذكره في الأول؛ فلعله يرى أن السنة ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، وهذه الأشياء قام الدليل على طلبها، ولم يصح مواظبته- عليه السلام
عليها؛ فلذالك لم يدخلها في السنن وإن كانت مستحبة؛ ويرشد إليه قوله:"ويستحب
إذا فرغ من الوضوء أن يقول .. " إلى آخره؛ وحينئذ فيكون مائلا لما قاله أبو حامد في
غسل الكفين ونحوه؛ كما سلف.
وقد أضاف غيره إلى العشرة تطويل الغرة والتحجيل.
وتطويل الغرة: غسل مقدم الرأس حالة غسل الوجه؛ فإن الغرة - كما قال ابن
ظفر في كتابه الملقب بـ "نجباء الأنباء" -: ما استدق من شعر الرأس.
وعن بعض الأصحاب أنه فسره بذلك، مع غسل صفحة العنق، وهو ما حكاه
المتولي.
والتحجيل: غسل ما فوق المرفقين عند غسلهما، وما فوق الكعبين عند غسلهما.
وقد فسر كثيرون - كما قال الرافعي - الغرة بما فسرنا به التحجيل وأعرضوا
عن ذكر ما حوالي الوجه.
والإمام قال: إن الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم تطويل الغرة غسل شيء من عضده.
وأضاف ابن القاص – كما قال في" الحاوي" – إلى ما ذكرناه مسح العنق بعد مسح
الأذنين، وبعضهم أضاف إليه الدعوات المأثورة عند غسل الأعضاء؛ كما سلف.
وزاد الغزالي: السواك، وهوالمحكي عن ابن سريج، وقد تقدم الكلام فيه.
والموالاة- على الجديد – معدودة من السنن والآداب، وقد ذكناه في الباب قبله.
ومنها- كما قال الرافعي-: استصحاب النية إلى آخر الطهارة، وأن يقول بعد
التسمية:" الحمد لله الذي جعل الماء طهورا"، وأن يجمع في النية بين القلب
واللسان، وأن يتعهد المؤقين بالسبابتين، وما تحت الخاتم بتحريك الخاتم ثم إن
كان الماء يصل إليه بدونه، وإلا فهو واجب.
وأن يبدأ في غسل الرأس والوجه واليدين والرجلين، بما ذكرناه.
وألا يتكلم في أثنائه، ولا يلطم الوجه بالماء، وأن يتوضأ في مكان لا يرجع
رشاش الماء إليه، وأن يمر اليد على الأعضاء المغسولة. والله تعالى أعلم.