الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ميراث العصبة
العصبة في اللغة: مشتقة من العصب وهو المنع؛ سميت بذلك لتقوى بعضهم بعض، ونصرة بعضهم بعضاً، ومنه سميت العصابة: عصابة؛ لأنه يشد بها الرأس، والعصب: العروق، سميت بذلك؛ لصلابتها وتقوي البدن بها.
قال بعضهم: "العين والصاد والباء إذا اجتمعت تكون للشدة والقوة".
وقيل: سميت بذلك؛ لإحاطتها بالنسب من كل جانب: من فوقه، ومن أسفله، ومن حوله، كما تحيط العصابة بالرأس من كل جانب.
وقريب من هذا قول من قال: إنما سموا عصبة؛ لالتفافهم عليه في نسبه؛ كالتفاف العصائب على يده.
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها تجمع المال، وتحوزه، كالعصابة تجمع الرأس وتحوزه.
والشيخ رضي الله عنه أدرج ذلك كله في لفظه حيث قال: " [و] العصبة: كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى، فخص الاسم بالذَّكَرِ؛ لأن به تحصل التقوية دون الإناث، واعتبر ألا يكون بينه وبين الميت أنثى؛ لأن من بينه وبينه أنثى: كابن البنت، وأبي الأم، وابن الأم - ليس من حواشي النسب، وبعضهم صاحب فرض، وبعضهم، لا ميراث له، والذي ذكره الشيخ: يحوز جميع المال إذا انفرد أيضاً، فكان لفظه جامعاً لما اشتق منه لغة، وجامعاً لحده في الشرع أيضاً؛ لأن مراده: العصبة من الأقارب؛ يدل عليه قوله من بعد: فإن لم يكن أحد من العصبات ورث المولى المعتق.
ومن أراد إدخال المعتق في لفظ "العصبة" قال: العصبة: من حاز المال إذا
انفرد [و] أخذ ما بقي بعد ذوي الفرائض. وهو يخرج الأخت للأب مع البنت عن العصبة، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم "عَصَبَةً"، ولكن هذه التسمية على سبيل المجاز؛ من حيث كونها تأخذ ما فضل عن فرض البنات، ومن يوجد معهن خاصة.
ثم واحد العصبة: عاصب؛ كخازن وخزنة، وظالم وظلمة، وكافر وكفرة، وفاجر وفجرة، وبارً وَبرَرَة، [وطالب وطلبة].
وقال ابن قتيبة: العصبة: جمع لم يسمع [له] بواحد، وبالقياس: إنه عاصب، وجمع العصبة: عصبات.
قال: وأقرب العصبات الابن؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فبدأ بذكر الأولاد، والعرب تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله – تعالى- أسقط تعصيب الأب بالولد بقوله:{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11]، وإذا أسقط تعصيب [الأب] به فمن عداه أولى؛ لأنه إما [أن] يدلي بالأب أو به.
قال: ثم ابن الابن، [أي]: وإن سفل؛ لأن حكمه حكم الابن مع الأب في سائر الأحكام؛ فكذلك في التعصيب.
قال: ثم الأب؛ لأن الميت بعض منه، وتثبت له الولاية عليه بنفسه، ولأن من عداه يدلي به؛ فكان مقدماً عليه لقربه.
قال: ثم الجد، أي: أبو الأب وإن علا، ما لم يكن إخوة؛ لأنه يقوم مقام الأب، كما يقوم ابن الابن مقام أبيه، أما إذا كان ثم إخوة فسيأتي الكلام فيهم.
قال: ثم ابن الأب، وهو الأخ، ثم ابنه وإن سفل؛ لأنهم بنون، ولهذا المعنى أشار الشيخ بقوله:"ثم ابن الأب".
قال: ثم ابن الجد وهو العم، ثم ابنه وإن سفل، ثم ابن جد الأب وهو عم
الأب، ثم ابنه وإن سفل، ثم ابن جد الجد، ثم ابنه وإن سفل، وعلى هذا. أي: كلما عدم بنو أب عدلنا إلى بني أب أعلى منه، ووجهه: ما ذكرناه.
قال: فإن انفرد واحد منهم أخذ جميع المال؛ لقوله تعالى: {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]، فورث الأخ جميع مال الأخت [إذا لم يكن لها ولد]، وقيس [باقي الصور] عليه، وهو في الابن يكون من طريق الأولى؛ لقوة البنوة على الأخوة، وقد استدل بعضهم على حيازة الابن المال عند انفراده بقوله تعالى:{يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11] ثم قال: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]، فالبنت لها عند الانفراد النصف؛ فوجب أن يكون للابن عند الانفراد الجميع؛ لأنه يأخذ قدرها مرتين.
قال: وإن اجتمع مع ذي فرض أخذ ما بقي بعد الفرض؛ لما روى ابن عباس-رضي الله عنه –قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: اقْسِمْ الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ – تَعَالَى – فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى ذَكَرٍ" خرجه أبو داود، والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه بمعناهن ولفظ البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه: "فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" وأولى هاهنا بمعنى: [أقرب؛ لأنه لو كان بمعنى "أحق" لبقي الكلام مبهماً لا يستفاد منه بيان الحكم؛ فإنه لا يدري من هو] الأحق؛ فعلم أن معناه ما ذكرناه.
وقوله: رجل ذكر قيل: [ذكر] ذلك تأكيداً، وقيل:[قد] يكون احترازاً على الخنثى؛ فقد يطلق عليه الاسمان، وقيل: نبه به على معنى اختصاص الرجال بالتعصيب؛ للذكورة التي لها القيام على الإناث، وقد روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم [ورث أخا سعد بن الربيع ما بقي من فرض البنات والزوجة، كما ذكرناه في
الباب قبله؛ فدل على أن هذا حكم العصبة.
قال: ولا يرث أحد منهم بالتعصيب، وهناك من هو أقرب منه؛ لحديث ابن عباس الذي تقدم.
قال: فإن استوى اثنان [منهم] في درجة فأولاهما من انتسب إلى الميت بأبٍ وأم؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَعْيَانُ بَنِي آدَمَ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَاتِ"[يعني: يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه، وقد تقدم تفسير "بَنِي الْعَلَاّتِ"]، ومعنى "أعيان": الإخوة.
ولأنه انفرد بقرابة الأم، والانفراد بالقرابة بمنزلة التقدم بدرجةٍ، [وقد ثبت أن المقدم بدرجة] هو المستحق، فكذلك الممتاز [بقرابة]. وقول الشيخ: استوى اثنان في درجة – احترز به عما إذا اختلفت الدرج، وأحدهما [يدلي] إلى الميت بأبٍ وأم، وهو أبعد درجة، والآخر يدلي بالأب وهو أقرب: كأخٍ من أبٍ مع ابن أخٍ [من أبٍ] وأمٍ – فإن الأخ أولى.
فإن قيل: إذا خلف ابني عم أحدهما أخ لأم، كان له السدس بالفرض، والباقي بينه وبين ابن العم الآخر نصفين، ومقتضى ما ذكرتم أن يفوز الأخ بكل المال.
قيل: قد قيل بذلك أيضاً فيما ذكرت كما ستعرفه من بعد، وعلى تقدير تسليم الحكم – كما هو المنصوص، وبه جزم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ – فالفرق أن أخوة الأم لما امتنع التوريث بها لكونها مع أخوة الأب جنساً واحداً، والجنس الواحد لا يتعدد الإرث به [امتزجت] فأوجبت ترجيحاً، وهاهنا أخوة الأم أمكن التوريث بها مع بنوة العم؛ لاختلاف الجنس؛ فامتنع أن يكون ترجيحه لغيرها.
قال: ولا يعصب أحد [منهم] أخته إلا الابن، وابن الابن، والأخ؛
فإنهم يعصبون أخواتهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، أما جواز تعصيب الأولاد فلقوله تعالى:{يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الآية. [النساء: 11]، فثبت في أولاد الصلب بالنص، وأولاد الابن: فإما أن يطلق عليهم اسم الأولاد حقيقة كما قال بعضهم احتجاجاً بما ذكرناه، وإما بالقياس عليهم؛ لأن حكمهم مع الأب حكم أولاد الصلب في [سائر الأحكام]؛ فوجب أن يكون [حكمهم] في التعصيب كذلك.
وأما [في] الإخوة فلقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176].
وأما امتناع تعصيب من عداها ولا أخته؛ فلأنها لا يفرض لها عند الانفراد، [أو] لكونها من ذوي الأرحام، وسيأتي الدليل على أن ذوي الأرحام لا ميراث لهم.
قال: ويعصب ابن الابن [من تحاذيه من بنات عمه؛ لأنهن في درجته، فأشبهن أخواته، ويعصب ابن الابن] من فوقه من عماته وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض.
صورة المسألة في تعصيب عماته: أن يموت شخص ويخلف بنتين وبنت ابن، وابن ابن ذلك [الابن].
وصورة تعصيبه بنت عم أبيه: أن يموت شخص ويخلف بنتين وبنت ابن يسمى أبوها زيداً، وابن ابن [ابن] يسمى أبوه عمراً؛ وإنما عصبهن لأنه لا يمكن إسقاطه؛ لأنه عصبة ذكر، وإذا لم يسقط فلا يمكن إسقاطه لعمته وبنت عم أبيه؛ لأنه لا يسقط من في درجته – وهن أخواته وبنات عمه – فمن فوقه أولى؛ فتعين مشاركته لهما [في الفرضية]. أما إذا كان لهن فرض: كما إذا
كان للميت بنت واحدة، [و] بنت ابن – فإن ابني أخيها وابن ابن عمها لا يعصبها؛ لأنها من أصحاب الفرائض، ومن ورث بالفرض بقرابة لا يرث بالتعصيب بتلك القرابة، فينفرد ابن الابن [بالباقي]، كذا أطلقه [الأصحاب]، ويظهر نقضه بما ذكره من أن الجد يرث بالفرض والتعصيب، فيما إذا كان للميت بنت وجد، فيأخذ السدس بالفرض، وللبنت النصف، والباقي للجد بالتعصيب.
وحكم أولاد ابن [ابن ابن] الابن مع بنات ابن ابن الابن كما ذكرناه.
قال: ولا يشارك أحد منهم أهل الفرض في فرضه؛ لما فيه من الإضرار بصاحب الفرض، إلا في [مسألة] المشرّكة، وهي: زوج وأم أو جدة وابنان من ولد الأم، وولد الأب والأم: فيجعل للزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، ولولد الأم الثلث يشاركهم فيه ولد الأب والأم؛ لاشتراكهم في الرحم الذي ورثوا به الفرض، فأشبه ما لو كان أولاد الأم بعضهم ابن عم؛ فإنه
يشارك بقرابة الأم، وإن سقطت عصوبته.
وقيل للشافعي قول بعدم المشاركة، وبعضهم يحكيه عن ابن اللبان، وقيل: إنه اختيار الأستاذ أبي منصور البغدادي؛ لأن الإخوة من الأبوين عصبة، فإذا استغرق الفرض سقطوا، واختلاف القولين من اختلاف الرواية عن زيد، وقد روي عن عمر – رضي الله عنه اختلاف في ذلك أيضاً، فروي عن الحكم بن مسعود أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب يسقط ولد الأب والأم في المشركة، ثم رأيته بعد عام سوَّى بينهم، فقلت [له]: كيف تعطيهم والأب [ليس] يشركهم؟ فقال: ذلك كما قضينا، وهذا [على ما] نقضي، [وفي "النهاية" – في فصل أوله: إذا تحاكم [إليه] أعجمي، من كتاب الأقضية – أن عمر – رضي الله عنه – قضى في مسالة المشركة بإسقاط الأخ من الأب والأم بعد أن كان يشرك في العام الأول، فقيل له في ذلك، فقال: ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي].
وفي "البحر"؛ هنا أنه روي أن عمر شرك بين الأخ من الأب والأم، وبين أولاد الأم في الابتداء، ثم رجع في الانتهاء؛ فقال الإخوة من الأب والأم: هب أن أبانا كانا حماراً ألسنا من أم واحدة؛ فشرك، ومن هاهنا سميت [هذه المسألة] بـ["الحمارية"، كما سميت: مشركة] بفتح الراء؛ لكونها مشتركاً فيها، أو لكون ولد الأب والأم شارك ولد الأم.
ثم اعلم أن من تمام [صورة] مسألة المشركة: أن يكون ولد الأب والأم ذكراً، أو ذكراً وأنثى فأكثر، ويجمع العبارتين أن يكون عصبة، فلو كان أختاً واحدة أو أختين فأكثر – لم تكن مشركة؛ لأن الأخت يفرض لها في هذه الحالة لعدم من يحجبها، وتكون المسألة [عائلة] بنصفها إلى تسعة، ولو
كان ولد الأم واحداً وولد الأب والأم عصبة – لم تكن مشركة أيضاً؛ لأن ولد الأب والأم يأخذ السدس الفاضل عن أصحاب الفروض؛ فلو كان بدل الإخوة من الأب والأم إخوة [من الأب] سقطوا اتفاقاً؛ لانتفاء المعنى الذي لأجله شركنا. ثم إذا أخذ أولاد الأب والأم ما خصهم من مسألة المشركة اقتسموه بالسوية؛ لأن استحقاقهم [لذلك بجهة الفرضية]، لا [بجهة] بالعصوبة [حتى يكون] الذكر منهم كالأنثى.
قال الرافعي: وكان يجوز أن يقال: إذا تقاسموا في الثلث بالسوية أخذ ما يخصهم، ويجعل [بينهم] للذكر مثل حظ الأنثيين، كما في مسألة الأكدرية.
فرع: لو كان ولد الأب والأم خنثى مشكلاً فقد عرفت أنه لو كان ذكراً كانت مسألة المشركة، ولو كان أنثى [لم تكن] مشركة، بل يعطي كل منهم فرضه عائلاً، فطريقك في هذا ونظائره: أن تصحح المسألة على تقدير الذكورة، ثم على تقدير الأنوثة بعول وبغير عول، ثم ينظر بين المسألتين، فإن كانتا متباينتين، أو متوافقتين [بجزء][ما] ضربت أحداهما في كامل الأخرى عند التباين أو [جزء الوفق][من أحداهما] في كامل الأخرى [إن كان بينهما وفق]، فإذا انتهت إلى عدد فانظر على حال كل وارث: فإن كان الأضر [به كون الخنثى] أنثى أعطيته نصيبه من مسألة الأنوثة مضروباً في مسالة الذكورة، أو وفقها إن [كان] بينهما وفق، وإن كان الأضر به كونه ذكراً أعطيته نصيبه من مسألة الذكورة مضروباً في مسألة الأنوثة أو وفقها إن كان بينهما وفق، ويوقف الباقي.
إذا تقرر ذلك فنقول: المسألة التي نحن فيها على تقدير أن يكون ذكراً من ستة ولا عول فيها، لكن نصيب أولاد الأم منها سهمان، وهم ثلاثة؛ لا ينقسم
عليهم [السهمان] ولا وفق بينهما، فيضرب مخرج الكسر - وهو ثلاثة - في أصل المسألة؛ تبلغ ثمانية عشر. وعلى تقدير كونه أنثى [تكون] من ستة أيضاً وتعول إلى تسعة، ثم [بين المسألتين] موافقة بالثلث، فاضرب جزء الوفق من إحداهما في كامل الأخرى تبلغ أربعة وخمسين، فالزوج والأم الأضر في حقهما كونه أنثى: فللزوج من مسألة الأنوثة مضروبة في ستة بثمانية عشر، وللأم منها سهم مضروب في ستة بستة.
وولدا الأم [لهما]- على تقدير كونه أنثى - سهمان مضروبان في ستة باثني عشر لكل منهما ستة، وعلى تقدير كونه ذكراً ستة مضروبة في ثلاثة تبلغ ثمانية عشر، فيعطي لكل منهما ستة، وللخنثى ستة، [فقد استوى حالهما في حال الذكورة والأنوثة، فيعطي لكل منهما ستة، وللخنثى ستة]؛ لأنه على [تقدر] الذكورة يكون له لا غير، وعلى تقدير الأنوثة يكون له ثمانية عشر، فيفضل اثنا عشر تكون موقوفة بين الخنثى والزوج والأم، فإن ظهرت أنوثة الخنثى سلمت إليه، وإن ظهرت ذكورته كان للزوج منها تسعة وللأم ثلاثة.
قال: وإن وجد في شخص جهتا فرضٍ وتعصيبك كابن عم هو زوج، أو ابن عم هو أخ من أم - ورث بالفرض والتعصيب، أي: فيكون للذي هو زوج النصفُ بالفرض، والباقي بينه وبين الآخر نصفين، ويكون للذي هو أخ من أم السدسُ بالفرض، والباقي بينه وبين الآخر، ووجهه: أنهما إرثان بسببين مختلفين؛ فأشبه ما لو كانت القرابتان في شخصين. وهذا ما جزم به الأصحاب في الأولى، ونص عليه في الأخيرة، وحكى أنه نص فيما إذا مات وخلف ابني عم المعتقة، وأحدهما أخو المعتقة لأمها: أن جميع المال للذي هو لأمٍّ.
فمن الأصحاب من خرج من كل [نص إلى آخر] قولاً، وجعل المسألتين على قولين:
أحدهما: أنه يترجح الأخ للأم، ويأخذ جميع المال في الصورتين؛ لأنهما استويا في جهة العصوبة، واختص أحدهما بقرابة الأم؛ فأشبها الأخ من الأبوين مع الأخ من الأب، والعم من الأبوين مع العم من الأب.
والثاني: [أنه] لا يترجح؛ لأنه اختص بجهة يفرض فيها، فلا يسقط من يشاركه من جهة العصوب كابني عم أحدهما زوج، فعلى هذا يكون الحكم كما ذكرنا؛ [فلا يسقط من يشاركه من جهة العصوبة].
والطريقة الثانية – وهي الصحيحة -: القطع بالمنصوص في الموضعين، والفرق: أن الأخ من الأم يرث بالنسب، فأمكن أن يعطي فرضه، ويجعل الباقي بينهما؛ لاستوائهما في العصوبة، وفي الولاء لا إرث بالفريضة؛ فترجح عصوبة من يدلي بقرابة الأم، كما أن الأخ من الأبوين لما لم يأخذ بقرابة الأم شيئاً – ترجحت عصوبته حتى قدم على الأخ من الأب، وهذا على قولنا: إن الأخ الشقيق في الولاء مقدم على الأخ للأب.
ولو [خلفت المرأة] ابني عم أحدهما أخ لأمن والثاني زوج – فعلى الصحيح: للزوج النصف، [وللأخ للأم] السدس، والباقي بينهما بالسوية، وعلى القول المخرج: للزوج النصف، والباقي كله [للأخ للأم].
ثم محل ما ذكرناه إذا لم يكن في الورثة من يسقط أخو الأم، أما إذا كان: كما إذا خلفت المرأة بنتاً وابني عم أحدهما أخ لام – ففيها وجهان:
أظهرهما – وبه جزم بعضهم -: أن للبنت النصف، والباقي بينهما؛ لأن أخوة الأم سقطت بالبنت، فكأنها لم تكن؛ فيرثان ببنوة العم على السواء.
وأقواهما – عند الشيخ أبي علي، وهو جواب ابن الحداد-: أن الباقي للذي هو أخ للأم أيضاً؛ لأن البنتية منعته [من الأخذ] بقرابة الأم، وإذا لم يأخذ
بها ترجحت عصوبته كالأخ من الأبوين مع الأخ من الأب.
واحتج ابن الحداد لجوابه بنص الشافعي [رضي الله عنه] في صورة الولاء كما ذكرناه، وبأن الأخ من الأبوين يقدم في ولاية النكاح [على الأخ من الأب ترجيحاً بقرابة الأمومة وإن كانت لا تفيد ولاية النكاح].
قال: وإن كان في الورثة خنثى مشكل دفع إليه ما يتيقن أنه حقه، ووقف ما يشك فيه؛ أخذاً بالأحوط، [وقد قدمْتُ] طريق ذلك، وروى الأستاذ أبو منصور وجهاً: أن للخنثى ما يتيقن أنه حقه، والباقي [يكون] للورثة. ونسبه ابن اللبان إلى تخريج ابن سريج، وحكى وجهين في أنه: هل يؤخذ من سائر الورثة ضمين أم لا؟ والطريق [في] معرفة الخنثى المشكل مذكورة في هذا الكتاب في باب: ما يحرم من النكاح، فليطلب منه.
فرع: لو كان في الورثة حمل: إما لكون أمه فراشاً للميت أو فراشاً لأبيه، وأبوه رقيق، وهو وأم الحمل حُرَّانِ – فلا يصرف إليه شيء في حال الحمل، بل يوقف الميراث كله – على وجه- إلى حين وضعه. كذا رواه الفوراني عن بعض أصحابنا، ورواه الشيخ أبو حامد قولاً عن رواية الربيع، والظاهر من المذهب: أنه لا يوقف الجميع، لكن ينظر في الورثة: فمن يحجبه الحمل إذا انفصل حيًّا – [إما] مطلقاً: كأولاد الأم إذا كان الحمل من الميت، أو على تقدير كونه ذكراً: كأولاد الأب والأم – لا يدفع إليه شيء، ومن لا يحجبه الحمل – وله مقدار لا ينقص – دفع إليه، فإن أمكن العول دفع إليه ذلك المقدار عائلاً.
مثاله: زوجة حامل وأبوان، يدفع إلى الزوج ثمن عائل، وإلى الأبوين سدسان عائلان؛ لاحتمال أن يكون الحمل أنثى، وإن لم يكن له نصيب مقدر كالأولاد – فهل يصرف إليهم أم لا؟ [ذلك ينبني] على أن لأقصى الحمل ضبطاً أم لا، والأصحاب مختلفون فيه: فعن شيخي المذهب أبي حامد والقفال:
أنه لا ضبط لذلك، وبه قال أصحابنا العراقيون، والصيدلاني، والقاضي الحسين؛ لأن الشافعي [رضي الله عنه] قال: أخبرني شيخ باليمن أنه ولد [له] خمسة أولاد في بطن واحدة، وعن ابن المرزبان أن امرأة بالأنبار ألقت كيساً فيه اثنا عشر ولداً.
وذكر صاحب "التهذيب" أن هذا أصح.
وقال آخرون: [إن] أقصى الحمل أربعة، وهو ما ذكره الغزالي والقاضي ابن كج. قيل: وهو قياس قول الشافعي؛ لأنه يتبع في [مثل] ذلك الوجود، وأكثر العدد الذي وجد أربعة، لكنه مشكل بما نقله الأولون.
فعلى الأول: إذا خلف ابناً وأم ولد حاملاً – لم يصرف للابن شيء في الحال، وكذا إذا خلف ابناً وزوجة حاملاً، لكان للزوجة الثمن.
وعلى الثاني: للابن في الصورة الأولى الخمس، وفي الثانية خمس الباقي، وعلى هذا: هل يمكن من التصرف [فيه] أم لا؟ فيه خلاف عن القفال؛ لأنه قد يهلك الموقوف للحمل فيحتاج إلى الاسترداد، والحاكم وإن كان يلي أمر [الأطفال، لكنه لا يلي أمر] الأَجِنَّةَ، والظاهر الأول، وهذا كله قبل انفصاله، فإذا انفصل وفيه حياة مستقرة، مثل أن صرخ عقيب الولادة [أو بكى] أو عطسن أو تثاءب أو امتص الثدي، أو تحرك حركة ظاهرة. [ولو تحرك حركة] بين تلك وبين [الحركة التي كالاختلاج] الذي يحصل مثله لانضغاط وتقلص [عصب – ففيه] خلاف حكاه الإمام، فإذا وجد أحدها وقد تحقق وجوده حالة الموت: بأنتى وضعته لدون ستة أشهر من حين الموت، أو لستة أشهر فما فوقها من حين الموت إلى أربع سنين، وقد انقطع الفراش، ولم يتجدد فراش غيره – ورث.
قال الرافعي: ولم يجروا في الصورة الأخيرة الوجهين المذكورين فيما إذا
أوصى لحمل فلانة من زيد، فأتت بولد لستة أشهر فما فوقها إلى أربع سنين، وليست فراشاً فيها لأحد – في أنه هل يستحق؟ وسببه: أن النسب ثابت، والميراث يتبعه، والوصية بخلافه. ولو كان لها زوج يطؤها لم يعط؛ لاحتمال حدوثه، إلا أن يتطابقوا على وجوده حين الموت، وينبغي أن يمسك الزوج عن وطئها بعد الموت حتى يظهر الحال.
قال الإمام: ولا نقول بتحريمه.
فرع: إذا مات عن ابن وزوجة حامل، فولدت ابناً وبنتاً، فاستهل أحدهما، ووجدا ميتين، ولم يدر أن المستهل أيهما – أعطى كل وارث أقل ما يصيبه، ويوقف الباقي حتى يصطلحوا أو تقوم بينة.
قال: وإن لم يكن أحد من العصبات ورث المولى المعتق، رجلاً كان أو امرأة؛ لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقال: إني اشتريته وأعتقته، فما أمر ميراثه؟ قال صلى الله عليه وسلم:"إِنْ تَرَكَ عَصَبَةً فَالْعَصَبَةُ أَحَقُّ، وَإِلَاّ فَالْوَلَاءُ".
قال: فإن لم يكن فعصبته؛ على ما ذكرته في باب الولاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ".
قال: فإن لم يكن له وارث – أي: من العصبة أو النسب – انتقل ماله إلى بيت المال ميراثاً للمسلمين؛ لما ذكرناه من رواية أبي داود من قوله عليه السلام: "أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ" وهو – عليه السلام – لا يرث لنفسه، وإنما هو يصرف ذلك في مصالح المسلمين؛ فهم الوارثون، ولأنهم يعقلونه إذا
قتل؛ فانتقل ماله إليهم بالموت ميراثاً كالعصبة، وقد حكينا من قبل وجهاً عن بعض الأصحاب: أن انتقاله إلى بيت المال لا يكون إرثاً، وإنما يكون كمالٍ ضائع؛ لأنه لا يخلو من قريب وارث، وإن لم يعرفن وهذا إذا كان الميت مسلماً فإن كان كافراً انتقل ماله فيئاً، كما سيأتي في قسمة الفيء والغنيمة.
فرع: قال في "البحر": إذا صرف المال إلى بيت مال المسلمين ميراثاً – يرثه [كل] من كان موجوداً عند وفاته دون من يولد من بعد، ويصرفه الإمام إلى الموجودين على ما يراه من المصلحة، ويكون الذكر والأنثى فيه سواء؛ لأنهما تساويا في جهة الاستحقاق وهي [الموالاة في الدين، كما قلنا في ولد الأم؛ لأنهما في جهة الاستحقاق – وهي] الرحم – سواء، ذكره [بعض] أصحابنا.
قال: فإن لم يكن سلطان عادل، كان لمن في يده المال أن يصرفه في المصالح، وأن يحفظه إلى أن يلي سلطان عادل؛ لأن الإمام نائب عن المسلمين ووكيل لهم؛ فجاز لدفع إلى الموكل بالصرف في مصالحهم، وجاز الصبر حتى يدفع [إلى نائبهم]. وهذا اصح في تعليق القاضي أبي الطيب، وعند الشيخ في "المهذب".
[والسلطان] يذكر ويؤنث لغتان مشهورتان، ولم يذكر ابن السكيت سوى التأنيث.
قال: وقيل: يرد إلى ذوي الفروض غير الزوجين على قدر فروضهم، إن كان [هناك] أهل الفرض.
مثاله: إذا مات وخلف بنتاً وأُمًّا، [فرض للأم] السدس، وللبنت النصف، ثم يرد الثلث الباقي عليهما بالنسبة؛ فيكمل للأم الربع، وللبنت النصف والربع.
ولو كان الورثة أمًّا وأختاً، فللأم الثلث، وللأخت النصف، والباقي يقسم على خمسة، فيكمل للأم خمسا المال، وللأخت ثلاثة أخماسه.
قال: وإن لم يكن صرف إلى ذوي الأرحام، وهم: ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وولد الأخ من الأم، والعم [من] الأم والعمة، وأب الأم، والخال والخالة، ومن أدلى [بهم] [أي]: من الأولاد، وأم [أبي] الأم، وبهم يكمل عددهم خمسة عشر نفساً، كما قال القاضي أبو الطيب.
قال: يورثون على مذهب أهل التنزيل، فيقام كل واحد منهم مقام الذي يدلي به، فيجعل ولد البنات [وولد] الأخوات بمنزلة [أمهاتهم، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام بمنزلة آبائهم، [وأبو] الأم والخال والخالة بمنزلة] الأم، والعم للأم والعمة بمنزلة الأب. وهذا ما اختاره ابن كج، وأفتى به أكابر المتأخرين، وادعى الماوردي أنه أجمع عليه المحصلون من أصحابنا، وأن الشيخ أبا حامد ومن تابعه تفرد بمنع ذوي الأرحام [و] الرد، واحتج بأن جهة بيت المال باقية، فلا يبطل [استحقاق] الجهة بعدمه؛ كالزكاة؛: لا تسقط بعدم بيت المال. ثم قال الماوردي: وهذا فاسد؛ لأن ما يستحق صرفه من بيت المال عن جهات غير متعينة، وإنما يتعين باجتهاد الإمام، فإذا بطل التعيين سقط الاستحقاق، وإن علم أن الجهة لا تعدم، كالعربي إذا مات – علمنا أن له عصبة [أو بنين]، ولكنهم [إذا] لم يتعينوا [صرف حقهم، وانصرف إلى غير جهتهم؛ فكذلك] جهة بيت المال إذا لم تتعين سقط حقها، وانصرف إلى غيرها، وليس كالزكاة؛ لتعين جهاتها وقطع الاجتهاد فيها، فلا تسقط بعدم من كان
يقوم بمصرفها، ولأن في الزكاة من يقوم مقام السلطان، وهو رب المال، بخلاف هذا، ولأن بيت المال كان أولى؛ لأنه يعقل عنه، بخلاف ذوي الأرحام، وعدمه أسقط العقل؛ فأسقط الميراث.
قال الروياني: ومن اختار قول أبي حامد- وهو المشهور – أجاب عن هذا بأن جهة الإرث لم تعدم هنا، وإنما الناظر والمستوفي عدم، [و] هذا لا يوجب سقوط الحق، كما لو مات لصبي قريبٌ مناسب، ول يكن له ولي ينظر في أمره – لا يسقط إرثه.
وعلى هذا إذا كان في البلد قاض مأذون له في قبض المال، وصرف في المصالح – [كان] كالإمام العادل، وإن لم يكن مأذوناً له في الصرف، فيدفعه إليه الأمين أو يصرفه بنفسه؟ فيه وجهان، وعلى قول [توريث] ذوي الأرحام: هل يختص به فقراؤهم، أو يشترك فيه الفقراء والأغنياء؟ فيه وجهان:
الأول منهما: رواه ابن كج، وقال: إنه يبدأ بالأحوج فالأحوج منهم، والمشهور: أنه يصرف إلى جميعهم، وهل هو إرث أو شيء مصلحي؟ فيه وجهان:
أشبههما بأصل المذهب – كما قال الرافعي -: الثاني وهو ما اختاره الروياني، وقد اختار الشيخ في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل، وهم الذين ينزلون كل قريب منزلة قريبه [كما ذكره]، وعلى ذلك جرى القاضي ابن كج والإمام، وذهب صاحب "التهذيب" والمتولي إلى توريث ذوي القرابة، وهم إن اختلفت درجاتهم قدم الأقرب فالأقرب، كما إذا كان للميت [بنت بنت وبنت بنت بنت، فإنهم يقدمون بنت البنت على] بنت بنت البنت، وعلى ابن بنت البنت. وإن لم تختلف فإن كان [فيهم من] يدلي بوارث فهو أولى، فتقدم بنت بنت الابن على بنت بنت البنت؛ لأنها تدلي بوارثه، [وهذا أدلى بنفسه بالوارث].
وبالمثال يظهر الفرق بين المذهبين، فإذا مات وخلف بنتَ بنتٍ وبنت بنت ابن: المنزلون يجعلون المال بينهما أرباعاً بالفرض والرد، كما لو كان في المسألة بنت وبنت ابن، وأهل القرابة يجعلون الكل لبنت البنت؛ لقربها.
مثال ثانٍ: بنت ابن بنت، وبنت بنت ابن: المال للثانية بالاتفاق؛ أما على مذهب أهل التنزيل فلأن السبق إلى الوارث هو المعتبر، وأما على الثاني فلأن المعتبر عندهم الأسبق درجة.
مثال ثالث: بنت بنت، وابن بنت، وأخت له من بنت أخرى: المنزلون يقولون: لو كانت البنت حَيَّة لكان المال لها بالفرض والرد، فيجعل نصف المال لبنت البنت الفردة، ونصفه الآخر لبنت البنت الأخرى ولأخيها للذكر مثل حظ الأنثيين. [وأهل القرابة يجعلون المال بين الثلاثة: للذكر مثل حظ الأنثيين].
وإذا تأملت ذلك عرفت أن هذا الخلاف في مذهبنا، وقد يفهم منه أن ذلك خلاف أبي حنيفة، وليس كذلك، بل محل الخلاف بيننا وبينه في التوريث بالرد وذوي الأرحام قبل بيت المال، وبمثل مذهبه قال المزني وابن سريج؛ كما حكاه في "التهذيب"؛ واستدلوا له بقوله تعالى:{وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6]، ولم يفصل. وقد روى أبو داود عن المقدام – وهو ابن معد يكرب الكندي – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ، وَيَرِثُهُ". وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْخَالَةُ أُمٌّ"، وروي أنه – عليه
السلام – وَرَّثَ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ مِنْ ثَابِتٍ بَنِ الدَّحْدَاحَةِ. وروي أن رجلاً من "خُزَاعَةَ" مات، فأتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه فقال:"الْتَمِسُوا ذَا رَحِمٍ"؛ فدل على أن كل [من كان ذا رحم فإنه يرث]، ولأن الأمة أجمعت على أن الإرث بإحدى الجهتين، فإذا عدمت أحداهما بقيت الأخرى؛ ودليلنا عليهم: ما روى [ابن عمر] أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب إلى "قباء"؛ يستخير الله في ميراث العمة والخالة؛ فأنزل الله – تعالى – أن لا ميراث لهما.
وروى أسامة بن زيد أنه – عليه السلام – قال: "إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" وليس و"لا حق" مذكور في الكتاب.
ومن جهة المعنى: أن بنت الأخ وبنت العم والعمة لا يرثن مع أخيهن المساوي لهن في القرابة؛ [فلا يرثن عند الانفراد]؛ كبنت المولى المعتق لما لم ترث مع أخيها لم ترث مع فقده. واحترزنا بلفظ "المساواة" عن ولد الأب مع ولد الأب والأم؛ فإنه لا يرث عند وجوده، ويرث عند فقده، ولأنهم لا يرثون مع المولى المعتق؛ فلم يكن لهم مدخل في الميراث؛ كالقاتل والمرتد.
والجواب عن قولهم: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6]: أن المراد بهم أولو الأرحام المذكورون في الكتاب الذين يرثون بالإجماع؛ [لان] هذه الآية ناسخة للإرث بالإيمان والهجرة كما تقدمن وإنما وقع النسخ [بهم] دون غيرهم.
وأما – قوله عليه السلام: "الْخَالُ وَارِثَ مَنْ لَا وَارِثَ لَه" فهو لنا؛ لأنه أخرجه عن كونه وارثاً؛ [لأنه] أثبته وارثاً حين نفى الوارث، وهذا كما يقال: الصبر حيلة من لا حيلة له، والجوع زاد من لا زاد له. أو يحمل على كون الخال عصبة؛ ويدل على ذلك كونه جعله يعقل عنه، وهو لا يعقل – باتفاق الخصم – إلا أن يكون عصبة، أو على أنه السلطان، لأن العرب تسمى السلطان خالاً.
وأما الجواب عن قصة أبي لبابة، و [ابن] عمر: فذاك حين كان التوارث بالإيمان والهجرة. والله أعلم.