المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ميراث أهل الفرض - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١٢

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌باب ميراث أهل الفرض

‌باب ميراث أهل الفرض

الإرث والميراث أصله: العاقبة؛ كما قاله المبرد، ومعناه هاهنا: الانتقال من واحد إلى واحد.

قال: وأهل الفرض: هم الذين يرثون الفروض المذكورة في كتاب الله تعالىن وغير الشيخ قال: [هو] كل من له سهم مقدر شرعاً؛ لا يزيد عليه ولا ينقص [عنه].

قال: وهي النصف، والربع، [والثمن]، والثلثان، والثلث، والسدس، وهم عشرة: الزوج، والزوجة، والأم، والجدة، والبنت، وبنت الابن، والأخت، وولد الأم، والأب مع الابن، أو ابن الابن، والجد مع الابن أو ابن الابن:

فأما الزوج فله النصف مع عدم الولد وولد الابن، وله الربع مع الولد وولد الابن؛ لقوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} الآية [النساء:12].

قال: وأما الزوجة فلها الربع؛ مع عدم الولد وولد الابن، ولها الثمن مع الولد [وولد الابن]؛ لقوله تعالى:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} الآية [النساء:12].

فثبت هذا [الحكم] بالنص عند فقد الولد، وعند وجوده، وقيس [عليه] ولد الولد؛ لإجماعهم على أنه بمنزلته في الإرث والتعصيب؛ فكذلك في حجب الزوجين وغيرهم.

ص: 484

ومنهم من قال: إن اسم "الولد" يقع على ولد الابن أيضاً؛ فهما مرادان باللفظ؛ ويشهد لذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 31]، وقوله:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78]، وقوله عليه السلام:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"، وقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

تنبيه: الزوجة: - بالهاء- لغة قليلة، والأفصح الأشهر أن [يقال للمرأة]: زوج بلا هاء، وبه جاء القرآن، وقد جاءت بالهاء في الأحاديث الصحيحة [المشهورة].

وتحسن هذه اللغة في كتاب الفرائض؛ للفرق.

قال: وللزوجتين والثلاث والأربع ما للواحدة من الربع والثمن؛ لأنا لو جعلنا ذلك لكل واحدة لاستغرق المال، ولزاد نصيبهن على نصيب الزوج.

قال الرافعي: وهذا توجيه إقناعي، وكفى بالإجماع حجة، وبعضهم استدل على ذلك بعموم الآية.

قال: وأما الأم فلها الثلث مع عدم الولد وولد الابن، أو اثنين من الإخوة والأخوات-أي- سواء كانا من الأبوين أو من أحدهما- ولها السدس مع الولد، وولد الابن، والاثنين من الإخوة والأخوات؛ لقوله تعالى:{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} الآية [النساء: 11]، فنصت الآية على أن للأم الثلث؛ إذا لم يكن للميت ولد ولا إخوة، وعلى أن لها السدس إذا كان له ولد أو إخوة.

ص: 485

وقد ذكرنا أن ولد الابن قائم مقامه في ذلك، وأما اكتفاؤنا بالأخوين مع أن الآية وردت بصيغة الجمع [لا التثنية؛ [فذلك] أن الجمع] قد يعبر به عن الاثنين، وقد روي أن ابن عباس احتج على عثمان، وقال: لا كيف تردها إلى السدس بالأخوين وليسا بإخوة، فقال عثمان: لا أستطيع رد شيء كان قبلي، ومضى في البلدان، وتوارث الناس به". فأشار إلى إجماعهم عليه قبل أن أظهر ابن عباس الخلاف، وروي انه قال [له]: حجبها قومك يا غلام.

وأيضاً فإنه حجب يتعلق بعدد، فكان الاثنان أقله: كحجب البنات بنات الابن.

ولا يقوم أولاد الإخوة مقام الإخوة في حجبها من الثلث إلى السدس؛ لأنهم لا يسمون إخوة، والآية دلت على أن الحاجب لها الإخوة.

قال: ولها ثلث ما يبقى بعد فرض الزوج أو الزوجة في فريضتين، وهما: زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان.

صورة الفريضة الأولى: إذا ماتت المرأة وخلفت زوجها وأبويها: فللزوج النصف، والباقي وهو النصف – [للأم ثلثه – وهو سدس الأصل – والباقي للأب.

وصورة الثانية: [إذا] مات الرجل وخلف زوجة وأبوين: للزوجة الربع، والباقي – وهو النصف] والربع-: للأم [ثلثه] وبقيته للأب.

ووجه الأصحاب ذلك بأنه شارك الأبوين ذوا فرض، فكان للأم ثلث ما فضل عن الفرض، كما لو شاركتها بنت؛ وبأن كل ذكر وأنثى لو انفرد لقسم المال بينهما أثلاثاً، فإذا اجتمعا مع الزوج أو الزوجة وجب أن يكون الفاضل

ص: 486

عن فرضهما بينهما أثلاثاً؛ كالأب والأخت، وذهب ابن سريج إلى أن لها في المسألتين الثلث كاملاً؛ عملاً بظاهر الآية، وعن أبي الحسن بن اللبان – كما أشار إليه الشيخ أبو حاتم القزويني – أن لها [الثلث كاملاً في الأولى].

قال الأصحاب: وذلك ليس بشيء؛ لما ذكرناه، مع أن فيه مخالفة لقاعدة الفرائض؛ فإن القاعدة فيها أنه إذا اجتمع ذكر وأنثى في درجة واحدة – كان للذكر ضعف الأنثى أو مساواتها، وهذا يؤدي إلى [تفضيل الأنثى] على الذكر، وعدل الأصحاب عن قولهم: إن للأم في [الصورة] الأولى السدس، وفي الثانية: الربع إلى ثلث ما يبقى؛ لموافقة [لفظ] الكتاب العزيز في بعض ذلك.

قال: وأما الجدة فإن كانت أم الأم أي: وإن علت، أو أم الأب، أي: وإن علت، [فلها السدس].

الأصل فيها: ما [روي] عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها فقال: "مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم [شيئاً]؛ فارجعي حتى أسأل الناس"، فسأل الناس، فقال [له] المغيرة بن شعبة:"شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ"، فقال:

ص: 487

"هلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ " فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة؛ فأنفذ لها أبو بكر [رضي الله عنه] السدس، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر؛ تسأله ميراثها، فقال:"ما لك في كتاب الله تعالى شيء، وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً، ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما، وأيتكما خلت فهو لها".

وعن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمّ.

قال: "فإن كانت أم أب الأب" – أي: وإن علا – ففيها قولان:

أصحهما: أن لها السدس؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السدس ثلاث جدات: جدتين من قِبَل الأب، وواحدة من قبل الأم؛ ولأنها جدة تدلي بوارث، فأشبهت أم الأب.

والثاني: لا ترث؛ لأنها جدة تدلي بجد؛ فلم ترث كأم أب [الأم]، وهذا

ص: 488

نقله أبو ثور عن الشافعي رضي الله عنه، والقولان روايتان عن زيد – [رضي الله عنه].

وضابط الوارثات – على القول الأول – أن يقال: كل جدة تدلي بمحض الإناث أو بمحض الذكور، أو بمحض الإناث إلى محض الذكور، وعلى القول الثاني: كل جدة تدلي بمحض الإناث، دون من تدلي بمحض الذكور، إلا أم الأب.

قال الماوردي: والحدة الأولى تسمى: جدة مطلقاً، والثانية – وهي أم الأب – هل تسمى جدة مطلقاً، أو مع التقييد؟ فيه خلاف للأصحاب، وعليه اختلفوا فيمن سئل عن ميراث جدة: هل يسأل عن أي الجدتين هي، أم لا؟ فمن جعلها مطلقة كأم الأم – قال: لابد من أن نسأله: عن أي جدة هي؛ قبل أن نجيبهن ومن جعلها جدة مع التقييد – [قال: له] إجابته قبل سؤاله.

ثم قال: والأصح أنه ينظر: فإن كان ميراثها يختلف في الفريضة؛ بوجود الأب الذي يحجب أمه – لم يُجِب عن سؤاله حتى يسأله: عن أي الجدتين سأل، وإن كان ميراثها لا يختلف – أجاب.

قال: وإن اجتمعت جدتان متحاذيتان – فالسدس بينهما؛ للحديث السابق، ولما روي عن القاسم بن محمد قال: جاءت الجدتان إلى أبي بكر – رضي الله عنه – فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب، فقال له بعض الأنصار:"أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، ومنعت التي لو ماتت ورثها"، فجعل أبو بكر [رضي الله عنه] السدسَ بينهما. ولأثر عمر السابق، ولم ينكر عليهما أحد.

وقيل: إن كانت أحداهما تدلي بجهتين – كالمرأة يتزوج ابنُ بنتها [بنتَ

ص: 489

بنتها] الأخرى، أو بنت ابنها؛ فيأتي لهما ولد، والأخرى بجهة واحدة:[كأم أبي أبيه – كان للتي تدلي بجهتين ثلثا السدس، وللتي تدلي بجهة]؛ ثلث السدس؛ قياساً على ابن العم إذا كان أخاً لأم؛ فإنه يرث بالقرابتين، وهذا ما ينسب إلى ابن سريج، ونسبه الرافعي إليه، وإلى أبي عبيد بن حربويه، [وحكى الماوردي أن الشيخ أبا حامد اختاره مذهباً لنفسه، وفي "الشامل" أنه حكى عن أبي عبيد بن حربويه] من أصحابنا – أن السدس يكون لها، يعني [لذات] القرابتين؛ ويدلي عليه ما حكيناه عنه في الوصايا أنه إذا أوصى لأقرب الناس إليه، وكانت له جدتان؛: أحداهما تدلي بجهة، والأخرى بجهتين – [أنها] هل تقدم؟ فيه وجهان، قد حكينا مثلهما في الميراث، لكن تعليله هنا يرشد إلى ما حكاه الرافعي عن ابي عبيدن [بن حربويه].

والمذهب: الأول؛ لأن القرابتين إنما تؤثران عند اختلاف الجهة، والجدودة قرابة واحدة.

قال: وإن كانت أحداهما أقرب من الأخرى، فإن كانت القربى من جهة الأم: كأم الأم – أسقطت البعدي [أي] من جهة الأم: كأم أم الأم، وجهة الأب: كأم [أب] الأب؛ وإنما أسقطت البعدي من جهة الأم؛ لأنها تدلي بها، فسقطت كأم الأم [مع الأم]، وهذه قاعدة: كل من أدلى بشخص – لا يرث مع وجوده وهو وارث، إلا ولد الأم مع الأم. وإنما أسقطت البعدى من جهة الأب لأنهما جدتان: إحداهما أقرب من الأخرى، فسقطت البعدي بالقربى؛ كما لو كانتا من جهة واحدة.

قال: وإن كانت من [جهة] الأب، أي: القربى [من جهة الأب]: كأم الأب مع أم [أم] الأم – ففيه قولان:

ص: 490

أصحهما: أنها تسقط البعدي – أي: [التي] من جهة الأم – كما لو كانت القربى من جهة الأم، [والبعدي من جهة الأب].

والثاني: لا تسقط، بل تشتركان في السدس؛ لأن الأب لا يحجب الجدة من جهة الأم، فلئلا تحجبها الجدة التي تدلي به- كان أولى.

وتخالف القربى من جهة الأم؛ فإن الأم تحجب الجدة من قبل الأب، ولا ترث مع الأم جدة فحجبتها أمها. وهذا القول هو أصح الطرق.

وأما إذا كانت البعدى من جهة الأب – فإنها تسقط قولاً واحداً، صرح به البغوي وغيره.

ثم لا تتم لك معرفة ما ذكرناه إلا [بمعرفة] تنزيل الجدات، فنقول: الواقعات في الدرجة الأولى منك أصولك، وهما الأب والأم، ثم لأبيك [أب وأم]، وكذلك لأمك، فالأربعة هم الواقعون في الدرجة الثانية من درجات أصولك، وهذه هي الدرجة الأولى من درجات الأجداد والجدات، ثم أصولك في الدرجة الثالثة: ثمانية؛ [لأن] لكل جد أباً وأمًّا.

وفي الدرجة الرابعة: ستة عشر، وفي الخامسة: اثنان وثلاثون، وهكذا.

النصف [من الأصول]، في كل [درجةٍ] ذكورٌ والنصف إناثٌ – وهن الجدات – فإذن في الدرجة الثانية من الأصول: جدتان، وفي الثالثة: أربعة، وفي الرابعة: ثمانية، وفي الخامسة: ستة عشر، وهكذا. ثم منهن وارثات وغير وارثات، فإذا سألت عن عدد من الجدات الوارثات على أقرب ما يمكن من المنازل – فاجعل درجتهن بالعدد الذي سالت عنه، ومَحِّضُ نسبة الأولى إلى أمهات الميت، ثم أبدل من آخر نسبة الثانية أمًّا بأبٍ، وفي آخر النسبة الثالثة أمين بأبوين، وهكذا تنقص من الأمهات، وتزيد في الآباء حتى تُمَحِّض نسبة الأخيرة [أباً. مثاله]: سئلت عن أربع جدات وارثات – فقل: هن أم أم أم أم،

ص: 491

وأم أم أم أب، [وأم أم [أبي] أب]، وأم أبي أبي أب، فالأولى من جهة أمه، والثانية من جهة أبيه، والثالثة من جهة جده، والرابعة من جهة جد أبيه، وهكذا إذا زدت لكل واحدة أباً.

ثم الوارثات في كل درجة من درجات الأصول بعدد تلك الدرجة؛ ففي الثانية ثنتان، وفي الثالثة ثلاث، وفي الرابعة أربع وهكذا، وسببه: أن الجدات ما بلغن نصفين

نصفاً من قبل الأم، ونصفاً من قبل الأب، ولا يرث من قبل الأم إلا واحدة، والباقيات من قبل الأب، فإذا صعدنا درجة تبدلت كل واحدة منهن بأمها، وزادت أم الجد الذي صعدنا إليه، وهذا كله بناء على الصحيح في أن أم أبي الأب ترث، أما إذا قلنا بمقابله، فلا يكون لنا من الجدات [وارث إلا اثنتان].

قال: وأما البنت فلها النصف إذا انفردت؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]، وللابنتين فصاعداً الثلثان؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]، وهذا ظاهر الدلالة على ما زاد على الابنتين، فوجه الدلالة فيه أن هذه الآية وردت على سبب خاص؛ وهو أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنتان، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد، [وأخذ] عمهما ماله، ولا تنكحان، ولا مال لهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يَقْضِي اللهُ فِي ذَلِكَ"، فنزلت هذه الآية؛ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم – المرأة وصاحبها فقال:"أَعْطِ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَالْمَرْأَةَ الثُّمُنَ، وَخُذِ الْبَاقِيَ".

ص: 492

وقد قال بعض العلماء: إن كلمة "فوق" هنا زائدة؛ لقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال:12].

وقيل: المعنى: اثنتين فما فوقهما. ولأن الأخوات في الإرث أضعف من البنات، وقد جعل الله للاثنتين منهن الثلثين؛ فالبنات [بهما] أولى.

قال: وأما بنت الابن فلها النصف، وللاثنتين فصاعداً الثلثان.

قال ابن يونس: والإجماع على قيام بنات الابن مقام بنات الصلب عند عدمهن، ولا فرق في بنات الابن بين أن تكون بنات ولد واحد، أو بنات عم؛ فإنهن يشتركن في الثلثين، وكذلك في السدس الفاضل عن نصيب البنت.

قال: ولها مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين؛ لما روي عن هزيل بن شرحبيل أنه قال: سئل أبو موسى عن بنت وبنت ابن وأخت، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف.

واتِ ابن مسعود فسيتابعني فسأل ابن مسعود، وأخبره بقول أبي موسى، فقال:"لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بما قضى [به] رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وما بقي للأخت". فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، قال:"لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم".

ولو كانت بنات الابن أكثر من واحدة كان [السدس] بينهن بالسوية.

ثم من قول الشيخ: تكملة الثلثين – يفهم أن بنات الصلب إذا استكملن الثلثين لا حق لبنات الابن بالفرض كما سيأتي؛ وإنما قدمت بنات الصلب على بنات الابن لقربهن.

قال: وأما الأخت فإن كانت من الأب والأم فلها النصف، وللاثنتين فصاعداً الثلثان؛ لقوله تعالى:{وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176].

وقد روى جابر قال: اشتكيت وعندي أربع أخوات، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أصنع بمالي، وليس من يرثني إلا كلالة؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم

ص: 493

رجع فقال: "قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِي أَخَوَاتِكَ فَبَيَّنَ، وَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ" قال جابر: ففِيَ نزلت آيةُ الكلالة؛ فدل على أن المراد بالآية الاثنتان فما فوقهما.

قال: وإن كانت من الأب فلها النصف، وللاثنتين فصاعداً الثلثان؛ لظاهر الآية، ولها مع الأخت من الأب [والأم] السدس تكملة الثلثين؛ [لأنه يتساوين] في الدرجة، وفضل الأخوات [للأب] والأم على الأخوات للأب بقرابة [الأم]؛ فكان حكمهن معهن كبنات الابن مع بنات الصلب؛ لامتياز بنات الصلب بالقرب.

قال: والأخوات من الأب والأم مع البنات عصبة، فإن لم يكنَّ فالأخوات من الأب؛ للخبر [المروي عن] ابن مسعود، وتستوي الأخت من الأب فما فوقها في السدس؛ عند وجود الأخت للأبوين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مع البنات غيرهن: كزوج وجدة، أو لم يكن.

قال: وأما ولد الأم فللواحد السدس، وللاثنين فصاعداً الثلث، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء؛ لقوله تعالى:{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].

وهذه الآية نزلت في ولد الأم؛ بدليل ما روي أن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود كانا يقرآنها: "وله أخ أو أخت من أم"، والقراءة الشاذة تحل محل الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ يجب العمل بها.

قال الأصحاب: وأولاد الأم يخالفون غيرهم من الورثة في خمسة أشياء:

أنثاهم عند الانفراد كالذكر، [و] مقاسمة الأنثى [منها] الذكر بالسوية، إرثه مع من يدلي به، وحجبهم من يدلون به حجب تنقيص، ذكرهم يدلي

ص: 494

بأنثى [ويرث] ولا يساويه في هذا أحد.

[قال: وأما الأب فله السدس مع الابن وابن الابن؛ لقوله تعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]، والمراد بالولد هنا الابن [وابن الابن] وألحقنا به ابنه، لما ذكرناه من قبل].

قال: وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن بإجماع الأمة، وهذا تمام من يرث بالفرض.

وإذا تأملت ما ذكرناه عرفت أن النصف فرض خمسة: البنت، وبنت الابن مع عدم البنت، والأخت من الأبوين، والأخت من الأب عند عدم الأولى، والزوج إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن.

[وأن الربع فرض اثنين: الزوج إذا كان للميت ولد أو ولد ابن، والزوجة إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن].

وأن الثمن [فرض الزوجة] أو الزوجات خاصة؛ إذا كان للميت ولد أو ولد ابن. وأن الثلثين فرض أربعة: بنتا الصلب فصاعداً، وبنتا الابن فصاعداً عند فقد بنات الصلب، والأختان من الأبوين فما فوقهما، والأختان من الأب فما فوقهما عند فقد بنات الأب والأم.

وأن الثلث فرض الأم؛ إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، ولا اثنان من الإخوة والأخوات.

وأن السدس فرض سبعة: لكل واحد من الأبوين عند وجود الابن أو [ابن الابن]، [وللأم عند وجود الولد]، [أو اثنين] من الإخوة والأخوات، وللجدة، ولبنات الابن عند وجود بنت الصلب، وللأخت من الأب مع الأخت من الأبوين، وللواحد من ولد الأم.

قال: ولا ترث بنت الابن مع الابن، ولا الجدات مع الأم، [ولا الجد

ص: 495

مع الأب]؛ للإجماع، [وقد] قيل في توجيه حرمان الجدات بالأم [: إنهن من قبلها] يدلين بها، فلا يرثن مع وجودها؛ كالجد مع الأب، وأمهات الأب إنما يأخذن سدس الأم؛ ولهذا إذا اجتمعت الجدات اشتركن فيه، فإذا أخذته الأم لم يبق لها نصيب يؤخذ.

قال: ولا الجدة أم الأب [مع الأب]؛ كما لا ترث الجدة أم الأم مع الأم، ولأنها تدلي بعصبته؛ فوجب أن يحجبها كأولاد الإخوة مع الإخوة.

فرع: جدتان متحاذيتان: أحداهما أم الأم، والأخرى أم الأب، ومعهما الأب، فلأم الأم السدس، ولا يقال: إن أم الأب تشارك أم الأم لولا الأب، فترجع فائدتها إليه، كما نقول في الأب، إذا وجد معه أخوان [من أب وأم]؛ فإن الأخوين يردان الأم من الثلث إلى السدس ولا يرثن؛ فرجعت فائدتهما إليه.

قال الغزالي: لأن استحقاق الجدة بالفريضة؛ فلا يناسب استحقاق العصوبة، وأما الأب والأخ في الصورة الأخرى فكلاهما يرث بالعصوبة؛ فأمكن رد الفائدة إليه.

قيل: وما ذكره يبطل بما لو كان بدل الأخوين الشقيقين أخوين لأم؛ فإنهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولا يرثان، وترجع فائدتهما إلى الأب، وإن كانا يرثان بالفرض، والأب يرث بالتعصيب.

ولأجل عسر الفرق طَرَدَ بعض أصحابنا القياس وقال: ليس لأم الأم سوى نصف السدس، والله أعلم.

قال: ولا يرث ولد الأم مع أربعة: الولد، أي: ذكراً كان أو أنثى، ولد الابن، والأب، والجد؛ لأن الله – تعالى – جعل إرث ولد الأم في الكلالة، والكلالة: اسم للورثة ممن عدا الوالدين والمولدين.

قال الفرزدق:

وَرِثْتُمْ قناةَ المجدِ لا عَنْ كلالةٍ [عنِ] ابْنَي منافٍ شمسٍ وهاشمِ

ص: 496

وقد روى ذلك عن أبي بكر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.

وقيل: إن الكلالة اسم للذي لا ولد له ولا والد.

وقال الأزهري: يسمى الميت الذي لا ولد له ولا والد: كلالة، ويسمى وارثه: كلالة أيضاً. [والآيتان في سورة النساء].

فثبت بهذا أن إخوة الأم إنما يرثون ميتاً لا ولد له ولا والد.

وقد اختلف في اشتقاق الكلالة؛ فقيل: من الإكليل؛ لأنه يكون حول الرأس دون أعلاه وأسفله، كذلك الإخوة.

وقيل: من كل يكل، كأنه [قد] كل طرفاه، وهؤلاء الإخوة يسمون: بني الأخياف، والأخياف: الأخلاط؛ لأنهم من أخلاط الرجال، وليس هم من رجل واحد؛ ولذلك سمي الخيف من منى؛ لاجتماع أخلاط الناس فيه، وقيل: لاختلاط ألوان الحصى فيه.

قال: ولا يرث ولد الأب والأم مع ثلاثة: الابن، وابن الابن، والأب؛ لأن الله تعالى جعل إرثهم في الكلالة، والكلالة هو: من لا والد له ولا ولد كما ذكرنا، وهؤلاء الإخوة يسمون: بني الأعيان؛ لأنهم من عين واحدة، أي: من أب واحد [وأم واحدة]، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"أَعْيَانُ بَنِي آَدَمَ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَاّتِ".

ص: 497

قال: ولا يرث ولد الأب مع أربعة: الابن، وابن الابن، والأب، والأخ للأب والأم. أما عدم إرثه مع الثلاثة الأول؛ فلما تقدم، وأما عدم إرثه مع الأخ من الأب والأم؛ فلترجيح جهة الأمومة مع الخبر السابق، [و] هؤلاء الإخوة يسمون بني العلات؛ لأن [أم] كل واحد منهم لم تَعُلَّ الآخر، أي: لم تَسْقِه لبن رضاعها، والعلل: الشرب الثاني، والنهل: الأول.

قال: وإذا استكمل البنات الثلثين لم ترث بنات الابن؛ لأنه ليس للبنات بالبنوة أكثر من الثلثين؛ للآية، فلو أشركنا فيه [بيني بنات الصلب وبنات الابن لسوينا بين القريب والبعيد، وذلك ممتنع، قال: إلا أن يكون في درجتهن أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن؛ للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لان كل ذكر وأنثى لو انفردا كان المال بينهما ثلثاً وثلثين – وجب إذا كان معهما ذو فرض أن يكون الباقي بينهما كذلك، كما لو كان معهما زوج.

قال: وإذا استكمل الأخوات [للأب والأم الثلثين – لم ترث الأخوات]، من الأب إلا أن يكون معهن أخ فيعصبهن؛ للمعنى الذي ذكرناه في البنات وبنات الابن. ولو كان معهن ابن أخ لهن – لم يعصبهن، بل يسقطن، ويأخذ [هو] ما بقي وهو الثلث؛ لأنه لا يعصب أخواته، فلا يعصب عماته، بخلاف ابن الابن؛ فإنه يعصب أخواته، فعصب عماته.

قال: ومن لا يرث – أي: بحال – كالعبد ونحوه – لا يحجب أحداً عن فرضه، أي حجب حرمان – وهو أن يسقطه بالكلية – أو حجب تنقيص – وهو أن ينقله من فرضه إلى فرض أنقص منه – لأنه لا يحجب حجب حرمان بالاتفاق، فلا يحجب حجب تنقيص كالميت والأجنبي، ولأن كل من ضعف بوضعه عن حجب الإسقاط، ضعف بوضعه عن حجب التنقيص [كذوي الأرحام.

ص: 498

أما من لا يرث لوجود من يحجبه – فلا يؤثر حجب الحرمان، وقد يؤثر حجب التنقيص:] كالأخوين لا يرثان مع الأب، ويردان الأم من الثلث إلى السدس.

قال: وإذا اجتمع أصحاب الفروض، ولم يحب بعضهم بعضاً- فرض لكل واحد منهم فرضه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ".

قال: فإن زادت الفروض على السهام أعيلت بالسهم الزائد.

اعلم: أن أصول مسائل الفرائض التي اصطلح عليها الفَرَضِيُّونَ؛ حتى تخرج سهاما لفريضة صحيحة لا كسر فيها، إن كانت الورثة عصبة – أخذت من عدد رءوسهم إن كان الجميع ذكوراً، وإن كانوا [ذكوراً] وإناثاً عددت كل ذكر بأنثيين، وجَمَلْتَ العدد، فما انتهى إليه فهو أصل المسألة.

مثاله: خلف أخوين لأب وأختين لأب فعُدَّ الأخوين بأربعة وضُمَّها إلى الأختين تبلغ ستة، فهي أصل مسألتهم؛ يكون لكل أخت سهم، ولكل أخ سهمان، وهكذا.

وإن كان الورثة كلهم أصحاب فروض، [أو فيهم صاحب فرض] وعاصب – فالأصول في هذا النوع – عند المتقدمين – سبعة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية. وهذه لا تحتاج إلى تركيب، واثنا عشر، وأربعة وعشرون وهما مركبان من فرضين كما ستعرفه.

وسبب ذلك أن الفروض الستة وهي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، [والثلث]، والسدس كسور مضافة إلى الشيء المعدود واحداً وهو التركة، ولا

ص: 499

يخلو إما أن يقع في المسألة واحد منها أو اثنان فصاعداً، فإن لم يقع فيها إلا واحد فالمخرج المأخوذ من ذلك الكسر هو أصل المسألة؛ فالنصف من اثنين، [والثلث] والثلثان من ثلاثة، والربع من أربعة، وعلى هذا فإن وقع فيها اثنان فصاعداً، فإن [كانا من] مخرج واحد فهو أصل المسألة، وإن كانا مختلفي المخرج أخذنا المخرجين، ونظرنا فيهما: فإن كانا متداخلين – كما إذا اجتمع السدس والثلث – فأكثر المخرجين أصل المسالة، وإن كانا متوافقين – [كما] إذا اجتمع السدس والثمن – ضربنا وفق أحد المخرجين في جميع الآخر؛ يحصل أربعة وعشرون؛ فهو أصل المسالة، وإن [كانا متباينين] كما – إذا اجتمع الثلث والربع- ضربنا أحد المخرجين في الآخر، وجعلنا أصل المسألة ما انتهى إليه الضرب، [وهو اثنا عشر]، وسأذكر بعد باب الجد والإخوة ما يعرف به [المداخل، والموافق، والمباين] ونحوه إن شاء الله تعالى.

ثم إذا فصلت ما نحن فيه قلت: كل مسألة فيها نصف وما بقي كزوج وأخ، أو بنت وعم، أو أخت وابن أخ؛ أو نصفان: كزوج وأخت – فهي من اثنين.

وكل مسألة فيها ثلثان وما بقي كأختين وبنتين، أو بنتي ابن وعم، أو ثلثان وثلث كأختين من أبوين وأخوين لأم – فهي من ثلاثة. وكل مسألة فيها ربع وما بقي: كزوج وابن، أو زوجة وأخ، أو ربع ونصف. [وما بقي: كبنت وزوج وعم، أو أخ – فهي من أربعة.

وكل مسألة فيها سدس، [وما بقي كأم وابن، أو سدس ونصف]. وما بقي: كأم وبنت وأخ، أو سدس وثلث وما بقي: كأم وزوج وعم – فهي من ستة.

ص: 500

وكل مسألة فيها ربع وسدس] وما بقي: كزوجة وأخ لأم وعم، أو ربع وثلث وما بقي: كزوجة وابني أم وعم، أو ربع وثلثان وما بقي: كزوجة وأختين وعم – فهي من اثني عشر، ولا تكون هذه المسألة إلا وفيها زوجة.

وزاد زائدون على الأصول السبعة ثمانية عشر وستة وثلاثين، وهذا يحتاج إليه في مسائل الجد إذا افتقر إلى مقدر وثلث ما بقي بعد المقدر كما سنذكره [ثم] إن شاء الله تعالى.

فإذا تقررت هذه الأصول التي يخرج منها السهام نظرت في السهام:

فإن استوعبتها الفرائض من غير زيادة فلا شيء للعاصب، وإن لم تستوعب فما بقي للعصبات؛ عملاً بالخبر المشهور.

وإن زادت الفروض على السهام – قال الشيخ: وأعيلت بالسهم الزائد أي: رفعت الفريضة وزيد في سهامها السهم الذي زاد؛ لأن العول هو الرفع، ومنه: عالت الناقة [بذنبها]: إذا رفعته، وعال الميزان؛ فهو عائل: إذا مال وارتفع.

قال: مثل مسألة المباهلة، وهي زوج وأم وأخت لأب، فيجعل للزوج النصف، وللأخت النصف، وللأم الثلث، فتعال الفريضة بفرض الأم، وهو سهمان؛ تصير من ثمانية: للزوج نصف عائل، وللأخت نصف عائل، وللأم ثلث عائل، أصل هذه المسألة من ستة؛ لأن فيها نصفاً وثلثاً، وقد تقرر أن النصف والثلث من ستة، وعالت بثلثها إلى ثمانية؛ فيقسم المال على ثمانية، [ويدفع للزوج ثلاثة من ثمانية، والأخت كذلكن وللأم سهمان تتمة الثمانية]. وإنما كان كذلك؛ لان الحقوق مقدرة متفقة في الوجوب، [وقد] ضاقت التركة عن جميعها، فقسمت على قدرها: كالديون والوصايا؛ ويشهد لذلك قضاء عمر – رضي الله عنه روي أن امرأة ماتت في عهده عن زوج وأختين، فكانت أول فريضة عالت في الإسلام، فجمع الصحابة – رضي الله عنهم – فقال لهم:

ص: 501

"فرض الله – تعالى- النصف للزوج، وللأختين الثلثين، إن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه؛ فأشيروا علي. فأشار عليه ابن عباس –رضي الله عنه – بالعول، وقال: أرأيت لو مات رجل وترك ستة دراهم، ولرجل عليه ثلاثة دراهم، ولآخر أربعة، أليس يجعل المال سبعة أجزاء؟. فأخذت الصحابة – رضوان الله عليهم – بقوله، ثم اظهر ابن عباس الخلاف بعد ذلك وقال: إن الذي أحصى رمل عالج عدداً [لم يجعل] في مال واحد نصفاً ونصفاً وثلثاً. وروي عنه أنه قال: من شاء باهلته، [و] إن الذي أحصى رمل عالج عدداً

وذكر بقية الخبر.

ومن هنا سميت مسألة المباهلة، والمباهلة: الملاعنة، والبهلة: اللعنة؛ يقال: بهله الله أي: لعنه الله، وهو الدعاء على الظالم من الفريقين، وقيل: هو التضرع إلى الله تعالى.

ثم العول في الفرائض يدخل في ثلاثة أصول، وهي التي إذا جمعت أجزاؤها الصحيحة ساوتها أو زادت عليها، وهي: الستة، وضعفها وهو اثنا عشر، وضعف ضعفها وهو أربعة وعشرون. ولا يدخل العول فيما عداها من الأصول؛ لأن إذا جمعت أجزاءها الصحيحة نقصت عنها.

ثم الستة تعول أربع مرات: بسدسها إلى سبعة: كالمسألة التي وقعت في زمن عمر- رضي الله عنه – وبثلثها إلى ثمانية: كمسألة المباهلة، وبنصفها إلى تسعة: كما إذا خلف الميت أختين لأب وأمن واثنين من ولد الأم وزوج، وبثلثيها إلى عشرة: كما إذا خلف من ذكرناه وأمّاًن وتسمى هذه المسألة "أم الفروخ"؛ لكثرة السهام العائلة فيهان والشريحية لوقوعها في زمن شريح وقضائه فيها.

ومتى عالت إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة فلا يكون الميت فيها غلا امرأة؛ لأنها لا تعول إلى ذلك إلا بزوج.

ص: 502

والاثنا عشر تعول ثلاث مرات: بنصف سدسها إلى ثلاثة عش: كما إذا خلف الميت زوجة، وأمًّا، وأختين لأب، وبربعها إلى خمسة عشر: كزوجة وأخت لأب وأختين لأم، وبربعها وسدسها إلى سبعة عشر: كهؤلاء، وأم، أو جدة.

ومن صور هذا العول: مسألة الأرامل، وهي: ثلاث زوجات، وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثماني أخوات لأب، وهن سبع عشرة امرأة، وهي متساوية، ولا يكون العول إلى تسعة عشر إلا والميت رجل.

والأربعة والعشرون تعول مرة واحدة بالثمن إلى سبعة وعشرين: كزوجة وبنتين وأبوين. وهذه المسألة تلقب بـ"المنبرية"؛ سئل عنها [علي رضي الله عنه]- وهو على المنبر، فقال على الأَثِر: عاد ثمنها تسعاً، وهذا العول لا يكون [إلا] والميت رجل.

قال: وإن اجتمع في شخص جهتا فرض: كالأم إذا كانت أختاً - ورثت بالقرابة التي لا تسقط وهي الأمومة، ولا ترث بالأخرى - يعني: بالجهة الأخرى - مع الأولى؛ لأنه شخص اجتمع فيه سببان يورث بكل واحد منهما الأرض عند الانفراد، فورث بأقواهما، ولم يرث بهما: كالأخت من الأب والأم، لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بأخوة الأم، وذهب ابن سريج إلى التوريث بهما، [كما] حكاه ابن الصباغ.

وقال الشيخ أبو علي: إنه ذهب إلى ذلك في بعض المسائل، ولم يطلق.

ثم هذه المسألة ونظائرها إنما تتصور في نكاح المجوس ووطء الشبهة، وكما تظهر القوة بعدم السقوط تظهر أيضاً بأن يكون حجابها أقل من حجاب الأخرى.

ومثال الأقل: أم أم هي أخت لأب، ويتصور بأن يطأها ابنه؛ فتلد بنتاً فيطؤها فتلد ولداً - فالأولى أم أم وأخته لأبيه؛ فأم الأم لا تحجبها إلا الأم، والأخت للأب [تحجب] بجماعة كما سبق.

أما لو كانت الأم [التي] هي أخت هي الميتة، فللبنت النصف بكونها

ص: 503

بنتاً، وهل ترث الباقي بكونها أختاً؟ فيه وجهان، وهذه الصورة [هي] التي أشار إليها الشيخ أبو علي، كما حكاها الإمام في آخر "النهاية"، وصور المسالة بما إذا لم تخلف الميتة غيرها، والله أعلم.

ص: 504