الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجد والإخوة
مسائل الجد [والإخوة] كَثرُ الاختلاف فيها بين الصحابة -[رضوان الله عليهم]- وكانوا يحذرون الكلام فيها. وروى سعيد بن المسيب [في ذلك] حديثاً؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَجْرَؤُكُمْ عَلَى قَسْمِ الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ" وقال علي - كرم الله وجهه -:"مَن سَرَّهُ أن يقتحم جَرَاثيم جَهَنَّمَ فليقضِ بين الجَدِّ والإخوة".
وقال عبد الله بن مسعود: "سَلُونا عن عَصَباتِكم، ودَعُونا من الجد، لا حَيَّاهُ ولا بَيَّاهُ". وبالجملة فلابد من الكلام في أمره.
قال: إذا اجتمع الجد -[أي]: من قِبَل الأب وإن علا - مع الإخوة [من الأب] والأم، أو الإخوة للأب - جعل كواحد منهم؛ يقاسمهم ويعصب إناثهم مالم ينقص حقه [بالمقاسمة] عن الثلث؛ لأن الجد لا يسقط بالإخوة بإجماع الصحابة، كما سنذكره؛ [لأنهم] لا يسقطون بالابن، فبالأخ أولى، بل بعضهم ذهب إلى أنه يسقط الإخوة كالأب، ومنهم أبو بكر رضي الله عنه وقد استدل لذلك بأدلة، منها: أنه يسمى أباً؛ قال الله - تعالى-: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78]، فسماه أباً، وإذا كان أباً لم يرث الإخوة مع وجوده؛ لقوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]، فَوَرث الأبوين مع الإخوة، وجعل للأم السدس، والباقي للأب.
ومنها: أنه إما أن يكون كالأخ من الأب أو من الأب والأم، أو فوقهما، أو دونهما، فلو جعل كالأخ من الأب، لوجب أن يسقط بالأخ من [الأب
والأم]، ولو جعل كالأخ من الأبوين وجب ألا يرث معه الأخ من الأب، وإن كان دونهما وجب ألا يرث معهما؛ فتعين أنه أقوى منهما؛ فوجب أن يحجبهما، ولأنه كالأب في استحقاقه السدس مع [وجود] الابن أو ابنه؛ فوجب أن يكون كهو مع وجود الإخوة والأخوات، ولأنه كهو في إرثه بالفرض والتعصيب عند وجود البنت الواحدة، فكان كهو مع الإخوة والأخوات، وقد صار إلى هذا المذهب من أصحابنا المزني، و [كذلك] أبو ثور، وابن سريج، كما حكاه الماوردي، وحكاه الرافعي [عنهم] وعن محمد بن نصر من أصحابنا وابن اللبان وأبي منصور البغدادي.
وظاهر المذهب: عدم سقوطهم به، ويقاسمونه، وبه قال من الصحابة عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وعمران بن الحصين رضي الله عنهم حتى روي أن علي بن أبي طالب شبه الجد بالبحر أو النهر الكبير، والأبَ بالخليج المأخوذ [منه]، والميتَ وأخاه بالساقيتين الممتدتين من الخليج، والساقيةُ إلى الساقية أقرب منها إلى البحر؛ ألا ترى أنه إذا سدت أحداهما أخذت الأخرى ماءها ولم يجرع إلى البحر؟!
وعن زيد أنه شبه الجد بساق الشجرة وأصلها، والأبَ بغصن منها، والإخوةَ بغصنين تَفَرَّعَا من ذلك الغصن، فأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى اصل الشجرة؛ ألا ترى أنه إذا قطع أحدهما امتص الآخر ما كان يمتصه المقطوع، ولم يرجع إلى الساق؟!
وهذا التشبيه جعله زيد لما كثر ترداد عمر إليه؛ يسأله عن رأيه في ميراثه من ابن ابنه عاصم، ولم يجب في أمر الجد بشيء، فلما بلغ عمر خطب الناس، ثم قرأ ما كتب إليه زيد من التشبيه وقال: إن زيد بن ثابت قد قال في
الجد قولاً، وقد أمضيته.
قال القاضي أبو الطيب: وكان عمرُ أولَ جدٍّ قاسَمَ الإخوة، وقد وجه ظاهر المذهب بقوله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7]، والأخ من الرجال؛ فوجب أن يكون له نصيب مما ترك أخوه، ولأنه ذكر يعصب أخته؛ فوجب ألا يسقط بالجد؛ قياساً على الابن، ولأن كل امرأة تستحق نصف المال إذا انفردت فلا يحجبها الجد، أصله: البنت.
قال الشافعي – [رضي الله عنه]-: ولأن الأخ أقوى من الجد؛ لأنه يقول: [أنا] ابن أبي الميتِ، والجد يقول: أنا أبو أبي الميت، والأب لو كان هو الميت لكان الجد يأخذ سدس المال، والأخ خمسة أسداسه؛ فدل على أن الأخ أقوى من الجد، وكنا يجب تقديمه، لكن إجماع الصحابة على خلاف ذلك مَنَعَ منه.
قال القاضي أبو الطيب: وهذا ينتقض بشيئين:
أحدهما: ابن الأخ مع الجد؛ فإن الأب لو كان هو الميت لأخذ ابن الأخ خمسة أسداس المال، والجد السدس، ومع هذا: الجد مقدم عليه في مسألتنا.
والثاني: العم يقول: أنا ابن جده، وأبو الجد يقول: أنا أبو جده، ولو كان الجد هو الميت لكان العم يأخذ خمسة أسداس المال، وأبو الجد يأخذ السدس، وليس العم مقدماً [عليه]؛ فبطل ما قاله الشافعي رضي الله عنه.
ثم قال: والطريق الصحيح أن يقال: إنهما شخصان يدليان بشخص، الواسطة بينه وبين الميت: أحدهما بالأبوة والآخر بالبنوة، والله أعلم.
فإذا تقرر أن أحد الصنفين لا يسقط الآخر، وهم في درجة واحدة – وجب أن يجعل المال بينهم، كما لو كان الجد أخاً، وإنما اعتبر ذلك عند عدم نقص نصيب الجد عن الثلث، ولم يعتبر عند نقصه، كما صار إليه زيد بن ثابت،
وعمر وعثمان – في رواية مشهورة – وعلي لَمَّا كان بالمدينة؛ لأنه لا خلاف أنهم لا يقاسمونه أبداً، فكان التقدير باثنين أشبه بالأصول؛ لأن الحجب إذا اختلف فيه الواحد والجماعة قدر باثنين، كحجب الإخوة للأم عن الثلث، وحجب البنات لبنات الابن، والأخواتِ للأب والأم الأخواتِ للأب، وعلى هذا فالمسائل التي تحصل فيها المقاسمة ثلاثة: إذا كان معه أخوان، أو أخ وأختان، أو أربع أخوات. وإنما قلنا: يقاسم الأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنها فريضة جمعت أبا أب وولد أب؛ فوجب ألا يأخذ ولد الأب بالفرض، كما لو كان مع الجد إخوة، ولا ينتقض بالأكدرية؛ لأنه وإن فرض لها [لكن] لا يأخذ بالفرض.
فإن قيل: الله – تعالى- جعل للأخت النصف مع عدم الولد، وللأختين الثلثين، ولم يذكر للجد فرضاً؛ فلا يسقط به ما ثبت بنص القرآن.
قيل: الآية محمولة على حالة الانفراد؛ لأن إرثها بالكلالة، وقد تقدم أن الذي يورث كلالة مَن لا ولد له ولا والدن والجد والد كما تقدم.
قال: فإن نقص حقه بالمقاسمة عن الثلث – فرض له الثلث، وجعل الباقي للإخوة والأخوات كما ذكرنا، وقد تمسك بعضهم بكون الجد يفرض له الثلث؛ لأنه يسقط أولاد الأم، وفرضهم الثلث، فكان أقل درجاته أن يكون كَهُمْ، ولو اجتمع الإخوة للأم مع الإخوة من الأبوين، أو من الأب – لفرض لهم الثلث.
وبعضهم قال: إن الجد لو اجتمع مع الأم لورث الثلثين والأم الثلث، فإذا وجد الإخوة ردوها من إرثها إلى نصفه، ولا تنقص عنه؛ فكذلك إذا وجدوا مع الجد لا ينقصونه من إرثه غير نصفه، ثم الحالة التي يفرض له فيها- إذا كان الإخوة أكثر من اثنين، والأخوات أكثر من أربع.
قال: وإن اجتمع مع الأخ من الأب والأم والأخ من الأب، قاسمهما المال أثلاثاً، ثم ما حصل للأخ [من الأب] يرده على الأخ من الأب والأم؛ لأن الجد له ولادة، إذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث وأخ غير
وارث؛ لوجود من هو أولى منه، ويعود النفع إلى الوارث كالأم.
قال ابن الصباغ: وقد شبهت هذه المسألةَ بمسألة في الوصايا، وهي ما إذا أوصى لواحد بمائة ولآخر بما يبقى من ثلثه بعدها، ولآخر بثلث ماله – فإن الموصى له بالمائة والموصى له بما بقي يقاسمان الموصى له بالثلث؛ فيأخذان نصفه، ثم يأخذه الموصى له إذا كان مائة فما دونها، ولا يأخذ الموصى له بما بقي شيئاً.
وقد ذكر ابن كج أن من الأصحاب من منع المسألة المستشهد بها، وسوى بين زيد وعمرو في المائة.
فإن قيل: قد تقدم فيما إذا ماتت امرأة، وخلفت بنتاً وابني عم أحدهما: أخ للأم، وقلنا: إن الأخ للأم يفوز بجميع المال لو لم يكن في المسألة بنت – أنه لا يفوز بجميع المال الباقي بعد فرض البنت، ولا يفرض له السدس أيضاً على اظهر الوجهين، بل يقسم بينهما؛ لأن الإخوة للأم سقطت بالبنت، فكأنها لم تكن، وهذا المعنى موجود هاهنا، فلم لا؟
قيل: بمقاسمة الأخ للأب الأخَ للأبوين والجد، ولا يسترد منه الأخ من الأبوين شيئاً؛ لأن الجدودة أسقطت أخوة الأم، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين حجب الأم بالأخوين اللذين ليسا بوارثين.
قال: فإن كان ولد الأب والأم أختاً واحدة، رد عليها الأخ من الأب تمام النصف، والباقي له؛ لأن ولد الأب إنما يأخذ ما فضل عن حق ولد الأب والأمن وطريق تصحيح المسألة أن يقول: المسألة من خمسة على عدد الرءوس: للجد منها سهمان، وللأخت سهم، وللأخ سهمان، يرد منهما على الأخت تمام النصف، وهو سهم ونصف، يبقى في يده نصف، وذلك منكسر على مخرج النصف، فنضربه في أصل المسألة؛ تبلغ عشرة، ومنها تصح للجد أربعة، وللأخت خمسة، [ولأخ الأب سهم] وعلى هذا فقس.
قال: وإن اجتمع معهن مَن له فرض – أي: وهم ستة: البنت، وبنت الابن، والأم أو الجدة، والزوج أو الزوجة – قال: جعل للجد الأوفر من المقاسمة؛
لمساواته إيَّاهم ونزوله منزلة الأخ أو ثلث ما يبقى بعد الفرض؛ لأن ما يبقى بعد الفرض بمنزلة جميع المال؛ لان الفرض كالمستحق من المال، وقد بَيَّنَّا أن له من جميع المال الأوفر من المقاسمة أو الثلث؛ فكذلك هاهنا، أو سدس جميع المال؛ لأن البنتين لا ينقصونه عن السدس، فالإخوة أولى.
ثم الصورة التي تكون فيها المقاسمة خيراً: ما إذا كان معه زوجة وأخ؛ لأن المسألة من ثمانية: تأخذ الزوجة سهمين، يبقى ستة؛ للجد منها: ثلاثة، وهي أكثر من ثلث الباقي، ومن سدس الجملة؛ فتعينت المقاسمة.
ومثال الصورة التي يكون فيها ثلث ما يبقى خيراً: ما إذا كان الورثة: أمًّا، وجدًّا، وإخوة؛ فالمسألة – على رأي المتقدمين من أصحابنا – من ستة: للأم سهم، يبقى خمسة؛ للجد منها: ثلاثة؛ لأنه خير من المقاسمة، وسدس جميع المال، وقد انكسرت على مخرج الثلث؛ فيضرب ثلاثة في أصل المسألة تبلغ ثمانية عشر: للأم ثلاثة، وللجد خمسة، والباقي للإخوة، فإن انقسم عليهم، وإلا ضَرَبْتَ العدد الذي انكسر عليهم في أصل المسألة، [وهي ثمانية عشر إذا لم يكن بين سهامهم وعددهم وَفْقٌ، فإن كان ثَمَّ وفْقٌ ضَرَبْتَ جزء الوفق في أصل المسألة]، ومنها تصح.
وطريق بعض المتأخرين أن أصل المسألة من ثمانية عشر، وطرد ذلك في كل صورة [من مسائل الجد] فيها سدس، وثلث ما يبقى بعده أحظ للجد، وهو أحد الأصلين اللذين تقدم الوعد بهما.
والأصل الثاني: إذا كان في المسألة زوجة وأم، وجد، وإخوة، فعلى رأي المتقدمين المسالة من اثني عشر: للزوجة والأم خمسة أسهم، تبقى سبعة: ثلثها خير من المقاسمة وسدس الجملة، وقد انكسرت المسألة على مخرج الثلث وهو ثلاثة، فتضربها في أصل المسألة، تبلغ ستة وثلاثين: للزوج والأم خمسة [عشر] وللجد ستة، والباقي للإخوة، فإن انقسم عليهم وألا فاضرب عدد رءوسهم في
أصل المسالة؛ إذا لم يكن [بين] عددهم وعدد سهامهم وفق، وإلا فاضرب جزء الوفق فيها، ومنها تصح.
ورأى بعض المتأخرين أن يجعل أصل المسألة ستة وثلاثين، وطرد ذلك في كل مسألة فيها ربع وسدس من مسائل الجد، وثلث الباقي بعد ذلك خير له.
ومثال الصورة التي يكون فيها سدس الجملة خيراً له: ما إذا كان في المسألة زوجة، وبنت، وإخوة؛ فالمسألة من ثمانية، وسدس الجملة – وهو سهم وثلث – خير من المقاسمة وثلث ما يبقى، وقد انكسرت على مخرج الثلث، فتضربه في أصل المسألة، تبلغ أربعة وعشرين: للبنت اثنا عشر، وللزوجة ثلاثة، وللجد أربعة، والباقي بين الإخوة.
قالك فإن بقي شيء أخذه الإخوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ [الْفَرَائِضُ] فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ".
قال: وإن لم يبق شيء سقطوا؛ لأنهم عصبات، ومثال ذلك: أن يخلف الميت من الورثة زوجاً وأمًّا وجدًّا، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس.
قال: ولا يفرض للأخت مع الجد [إلا] في الأكدرية، وهي: زوج وأم وجد وأخت- أي من أب وأم، أو من أب – يجعل للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف، فتعول إلى تسعة، ثم يجمع نصف الأخت وسدس الجد، فيجعل بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فتصبح من سبعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة، وإنما أعطي الزوج النصف، والأم الثلث؛ لأنه ليس في المسالة من يحجبها، وإنما أعطي الجد السدس ولم ينقص عنه؛ لما ذكرناه من قبل، وإنما فرضنا للأخت النصف؛ لأنه ليس هنا من يسقطها ولا من يعصبها؛ فإن الجد لو عصبها لنقص حقه عن السدس؛ فتعين أن يفرض لها، ولا يمكن أن تأخذ جميع ما فرض لها؛ لأنه لا يجوز تفضيلها على الجد؛ فوجب أن يجمع بينهما في النصف ويقتسمانه للذكر مثل حظ الأنثيين، كما لو كان
ما حصل لهما كل التركة وإنما صحت من سبعة وعشرين؛ لأن أصلها من ستة، وعالت بنصفها إلى تسعة: نصيب الأخت والجد منها أربعة، وهي لا تنقسم ثُلُثاً وثلثين، فقد انكسرت على مخرج الثلث، فتضربه في تسعة تبلغ سبعة وعشرين.
وسميت هذه المسألة بـ"الأكدرية"؛ لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً يقال له: الأكدر.
وقيل: لأن امرأة من الكدر ماتت وخلفتهم، فنسبت إليها.
وقيل: لأنها كدرت على زيد أصله؛ لأنه لا يفرض للأخوات مع الجد، وهذه المسألة يُعَايَا بها، فيقال: فريضة عدد الوارثين فيها أربعة، يأخذ أحدهم ثلث جميع المال، والثاني ثلث الباقي، والثالث ثلث الباقي؛ لأن الزوج يأخذ تسعة من سبعة وعشرين، [وهي ثلثها]، والأم ستة وهي ثلث الباقي، والأخت أربعة، وهي ثلث الباقي، والجد الباقي.
قال الرافعي: وقياس كون الأخت عصبة بالجد [أن تسقط] وإن رجع الجد إلى الفرض؛ ألا ترى أنا نقول في بنتين، وأم، وجد، وأخت: للبنتين الثلثان، وللأم السدس، وللجد السدس، وتسقط الأخت؛ لأنها عصبة مع البنات، ومعلوم أن البنات لا يأخذن إلا بالفرض، ولو كان بدل الأخت أختين لم تعل المسألة، وكان للزوج النصف، وللأم السدس، والباقي بين الجد والأختين؛ لأنه لم ينقص حقه عن السدس، وقد استوى في هذه الحالة سدس الجملة والمقاسمة.
وقد نجز شرح المسائل المذكورة في الكتاب من كتاب الفرائض، ونختمها بذكر ما يحتاج إليه في معرفة تصحيح المسائل على اصطلاح القوم، وذلك يتوقف على أمرين:
أحدهما: معرفة الأصول التي نستخرج منها نصيب كل واحد، وقد تقدم.
والثاني: معرفة ما هو موافق من الأعدد للآخر، وما هو مباين ومتداخل ومتماثل.
فنقول: كل عددين فأكثر إذا اجتمعا فلا يخلو: إما أن يكونا متماثلين كثلاثة
[وثلاثة]، وخمسة وخمسة، أو غير متماثلين. ثم إذا كانا غير متماثلين: فإما أن يفنى الأكثر بالأقل إذا أسقط منه [مرتين] فصاعداً: كالخمسة مع العشرة والثلاثة مع التسعة، أو لا يفنى به، إن كان الأول سميا متداخلين، والمعنى أن أحدهما داخل في الآخر مدخول فيه، وإن كان الثاني فإما أن يفنيهما جميعاً عدد ثالث: كالستة مع العشرة يفنيهما الاثنان، وكالتسعة مع الاثني عشر تفنيهما الثلاثة، أو لا يفنيهما عدد آخر، وإنما يفنيان بالواحد، فإن كان الأول سميا متوافقين، وإن كان الثاني سميا "متباينين"، فإذن كل عددين إما متداخلان، أو متماثلان، أو متوافقان، أو متباينان، وكل متداخلين فيهما متوافقان؛ لأن الأول إذا أفنى الأكثر كانا متوافقين بأجزاء ما في العدد الأقل من الآحاد.
مثاله: الخمسة تفنى العشرة، فهما متوافقان بالأخماس، فإذا أردت أن تعلم أن أحد العددين هل يدخل في الآخر؛ فاسْقِطِ الأقل من الأكثر مرتين فصاعداً، أو زد على الأقل مثله مرتين فصاعداًن فإن فني الأكثر بالأقل، أو ساوى الأقل الأكثر بزيادة المثل أو المثلين فصاعداً – فهما متداخلان، وإلا فلا، وإن أردت أن تعلم أنهما متوافقان فأسقط الأقل من الأكثر ما أمكن، فما بقي فأسقط، فأسقطه من الأقل، فإن بقي منه شيء، فأسقطه مما بقي من الأكثر، ولا تزال تفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص [منه] أجزاء، فإن فني بواحد فمتباين، وإن فني بعدد فهما متوافقان بالجزء المأخوذ من ذلك العدد، فإن فني باثنين فهما متوافقان بالنصف، وإن فني بثلاثة فبالثلث، وإن فني بعشرة فبالعشر، وإن فني بأحد عشر [فبأجزاء أحد] عشر، وعلى هذا القياس.
مثاله: واحد وعشرون، وتسعة وأربعون، تسقط الأقل من الأكثر تبقى سبعة، تسقط السبعة من واحد وعشرين ثلاث مرات يفنى بها؛ فهما متوافقان بالأسباع.
مائة وعشرون، ومائة وخمسة وستون، تسقط الأول من الثاني، يبقى خمسة وأربعون فأسقطها من المائة وعشرين مرتين، يبقى ثلاثون، أسقطها من الخمسة
والأربعين، تبقى خمسة عشر، أسقطه من الثلاثين مرتين، تفنى به الثلاثون، فهما متوافقان بأجزاء خمسة عشرة.
ومهما حصل التداخل انقسم الأكثر على الأقل قسمة صحيحة، وكان الأقل غير زائد على النصف، وإذا أفنى عددين أكثر من عدد واحد فهما متوافقان بأجزاء تلك الأعداد من الآحاد.
مثاله: اثنا عشر وثمانية عشر تفنيهما الستة والثلاثة والاثنان؛ فهما متوافقان بالأسداس، والأثلاث، والأنصاف.
والعمل والاعتبار في مثل ذلك بالجزء الأقل، فيعتبر في هذا المثال السدس، وفي المتوافقين بالأخماس: الخمس، والأعشار: العشر، وعلى هذا القياس.
فإذا عرف ذلك جئنا إلى الصحيح، فإن كان الورثة كلهم عصبات – فَأَمْرُ القسمة سهل، وقد بيناه، وإن كان الورثة أصحاب فروض، أو كان فيهم صاحب فرضن وعرفت أصل المسألة بعولها إن كانت عائلة، فانظر في السهام وأصحابها: إن انقسمت عليهم جميعاً فذاك.
مثاله: زوج وأم، وأخوان من أم؛ فهي من ستة: للزوج ثلاثة، وللأم سهم، ولكل من ولد الأم سهم.
زوج وثلاثة بنين، المسألة من أربعة: للزوج سهم، ولكل ابن سهم.
زوجة وبنت، وثلاثة بني ابن، المسألة من ثمانية، للزوجة الثمن سهم، وللبنت النصف أربعة، تبقى ثلاثة لكل ابن ابن سهم.
وإن لم تنقسم، فإما أن تنكسر على صنف واحد أو أكثر، فإن كان الأول نظر في سهامه وعدد رءوسهم: إن [كانا متباينين] ضربت عدد رءوسهم في أصل المسألة بعولها، إن كانت عائلة، وإن كانا متوافقين ضربت جزء الوفق من عدد رءوسهم في أصل المسالة بعولها إن كانت عائلة.
مثال التباين: زوج وأخوان، هي من اثنين: للزوج سهم، يبقى سهم لا يصح عليهما ولا موافقة، فاضرب عددهما في أصل المسألة تبلغ أربعة: للزوج سهمان، ولكل أخ سهم.
مثال التوافق: أم وأربعة أعمام، هي من ثلاثة: للأم واحد، يبقى اثنان لا يصح على الأعمام الأربعة، لكنَّ العددين متوافقان بالنصف، فيضرب نصف عدد الأعمام – وهو اثنان – في أصل المسألة، تبلغ ستة ومنها تصح، وإذا اتفق التوافق في جزأين فصاعداً – ضربت أقل أجزاء الوفق من عدد الرءوس في أصل المسالة بعولها، فما بلغ فمنه تصح المسألة.
مثاله: زوج وأم وستة عشر بنتاً، هي من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر: للبنات منها ثمانية لا تصح عليهن، لكن الثمانية مع عددهن يتوافقان بالنصف، والربع، والثمن، فتأخذ أقل هذه الأجزاء – وهو الثمن – من عدد الرءوس وهو سهمان، وتضربهما في أصل المسالة بعولها، تبلغ ستة وعشرين.
وإن وقع الكسر على أكثر من صنف، فإما أن يقع على اثنين أو ثلاثة، أو أربعة ولا مزيد؛ لأن الوارثين في الفريضة الواحدة لا يزيدون على خمسة أصناف؛ كما بينا عند اجتماع من يرث من الرجال والنساء، أو أحد الصنفين، ولابد من صحة نصيب أحد الأصناف عليه؛ لأن أحد الأصناف الخمسة: الزوج والأبوان، والواحد يصح عليه ما يصيبه؛ فلزم الحصر.
فإن وقع الكسر على صنفين نظرنا في سهام كل صنف، وعدد رءوسهم، فإن لم يكن بينهما موافقة في واحد من الصنفين – تركت رءوس الصنفين بحالها، فإن كان بين السهام وعدد الرءوس موافقة [فيهما] – فترد عدد كل صنف على جزء الوفق، وإن كان بين أحد الصنفين وسهامه موافقة، ولا موافقة بين الآخر وعدد سهامه، فرد عدد ما يوافق رءوسهم وسهامهم إلى جزء الوفق، واترك عدد الآخر بحاله.
ثم عدد رءوس الصنفين في الأحوال الثلاثة التي ذكرناها: إما أن يتماثلا؛ فتكتفي بأحدهما، وتضربه في أصل المسألة بعولها، [وإما أن يتداخلا، فتضرب الأكثر منهما في أصل المسألة بعولها] أو يتوافقا فتضرب جزء الوفق من أحدهما – أو أقل جزء الوفق إن توافقا بجزأين في جميع الآخر، فما حصل
تضربه في أصل المسألة بعولها. وكذا إن تباينا ضربت أحدهما في الآخر، فما حصل تضربه في اصل المسالة بعولها، فما بلغ فمنه تصح المسألة، وتخرج من [هذه الأحوال] اثنتا عشرة مسألة؟ ولنوضح ذلك بالمثال:
ففي الحالة الأولى أربع مسائل:
ثلاث بنات وثلاثة إخوة، الأعداد متماثلة، فتكتفي بأحدهما وتضربه في أصل المسألة [-وهو ثلاثة-] تبلغ تسعة، ومنها تصح.
ثلاث بنات وستة إخوة، العدد الأول داخل في الثاني؛ فتكتفي به وتضربه في أصل المسألة، ومنها تصح.
تسع بنات وست أخوات، العددان متوافقان بالثلث، تضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر تبلغ ثمانية عشر، ثم اضرب ذلك في أصل المسألة تبلغ أربعة وخمسين، ومنها تصح.
ثلاث بنات وأخوان، واثنتا عشرة أختاً لأب: أصل المسألة من ستة، وتعول إلى سبعة، فللإخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف، [فرد عددهم إلى ثلاثة. وللأخوات أربعة توافق عددهن بالنصف] والربع، فرد عددهن إلى ثلاثة؛ رداً إلى أقل الوفقين؛ فيتماثل العددان المردودان؛ فتكتفي بأحدهما وتضربه في أصل المسألة، ومنها تصح.
أم وثمانية إخوة لأم، وثماني أخوات لأب، يرجع عدد الإخوة إلى أربعة، وعدد الأخوات إلى اثنين؛ ردًّا إلى أقل الوفقين، وهما متداخلان، فتكتفي بالأربعة، وتضربها في أصل المسألة، ومنها تصح.
أم واثنا عشر أخاً لأم، وست عشرة أختاً لأب: ترجع الإخوة إلى ستة، والأخوات إلى أربعة، وهما متوافقان بالنصف، فاضرب نصف الستة في كامل
الأربعة تبلغ اثني عشر، ثم اضربها في أصل المسألة بعولها – وهو سبعة – تبلغ أربعة وثمانين، ومنها تصح.
أم وستة إخوة لأم وثماني أخوات [لأب]: ترجع الإخوة إلى ثلاثة، والأخوات إلى اثنين، وهما متباينان، فاضرب الاثنين في الثلاثة تبلغ ستة، ثم اضربها في سبعة تبلغ اثنين وأربعين، ومنها تصح.
وفي الحالة الثالثة أربع مسائل:
ست بنات وثلاثة إخوة، المسألة من ثلاثة: سهمان للبنات، وبينهما موافقة بالنصف، فرجع عددهم إلى ثلاثة، وهي تماثل عدد الإخوة، فتكتفي بأحدهما.
أربع بنات وأربعة إخوة، يرجع [عدد] البنات إلى اثنين، والاثنان يدخلان في الأربعة، فتكتفي بها.
ثماني بنات وستة إخوة، يرجع عدد البنات إلى أربعة، ويتوافق بعد ذلك عددهن وعدد الإخوة بالنصف.
أربع بنات وثلاثة إخوة يرجع [عدد] البنات إلى اثنين، واثنان مباينان لثلاثة، فتضرب أحدهما في الآخر، ثم ما انتهى إليه تضربه في أصل المسألة.
وإن وقع الكسر على ثلاثة أصناف أو أربعة – نظرت أولاً في سهام كل صنف وعدد رءوسهم، فحيث وجدنا الموافقة رددنا عدد الرءوس إلى جزء الوفق، وحيث لم نجدها أبقيناه بحاله.
ثم يجيء في عدد الأصناف الأحوال الأربعة:
فكل عددين متماثلين نقتصر على أحدهما، وإن تماثل الكل اكتفينا بواحد، وضربناه في أصل المسألة بعولها.
وكل عددين متداخلين نقتصر منهما على الأكثر، وإن اتفق التداخل بين الكل اكتفينا بأكثرهما، وضربناه في اصل المسألة بعولها.
وكل عددين متوافقين تضرب وفق أحدهما في الآخر، وإن توافق الكل فتوقف أحدهما، وترد ما عداه إلى جزء الوفق، ثم تنظر في أجزاء الوفق: فتكتفي عند التماثل بواحد منها، وعند التداخل بالأكثر، وعند التوافق تضرب جزء الوفق من
البعض في البعض، فما انتهى إليه الضرب تضربه في أصل المسألة بعولها. [وعند التباين تضرب البعض [في البعض]، فما انتهى إليه الضرب تضربه في أصل المسألة بعولها].
وإن كانت الأعداد متباينة ضربنا عدداً منها في الآخر، ثم ما حصل ضربناه في [العدد] الثالث، ثم ما حصل ضربناه في العدد الرابع، ثم ما حصل ضربناه في أصل المسألة بعولها، ومن ذلك تصح المسألة، وإن شئت ضربت أحد الأعداد في أصل المسألة بعولها، [ثم ما حصل تضربه في العدد الثاني]، ثم ما حصل تضربه في الثالث، ثم ما حصل تضربه في الرابع.
وإذا لم يكن بين السهام وعدد الرءوس ولا بين أعداد الرءوس موافقةٌ سميت المسألة صَمَّاء.
وإذا فهمت هذه الضوابط، لم يَخْفَ على الفطن تخريج المسائل عليها؛ فإنا لو استوعبنا هذه [الصور بالأمثلة] لطال الكلام ومُلَّن مع أنها مستوعبة في التصانيف المفردة في هذا الشأن.
ثم ما ذكرناه مفروض فيما إذا لم يمت أحد من الورثة حتى قسمت التركة، فإن مات أحد منهم قبل قسمة تركه الأول – فالكلام في هذه الحالة يعرف به "المناسخات"، ولهذه الصورة حالتان
أحداهما: أن تكون ورثة الثاني هم ورثة الأول بعينهم، وميراثهم منه كميراثهم من الأول، فيقدر في هذه الحالة كأن الميت الثاني لم يكن، وتقسم التركة على الباقين، وتتصور المسألة فيما إذا كان الكل عصبة: كإخوته أو بنين وبنات، فمات أحدهم وورثه الباقون لا غير، وفيما إذا كان الإرث عن الميتين بالفرض: كما إذا مات الأول عن زوج وأم وأخوات لأم مختلفات الآباء، ثم نكح الزوج إحداهن، فماتت عن الباقين، وفيما إذا كان بعضهم يرث بالفرضية وبعضهم بالعصوبة: كما إذا مات عن أم وإخوة لام ومعتق، ثم مات أحد الإخوة
عن الباقين.
الحالة الثانية: ألا ينحصر ورثة الثاني في باقي ورثة الأول؛ إما لأن الوارث غيرهم، أو لأنا غرهم يشركهم، أو ينحصر في ورثة الأول، إلا أن مقادير استحقاقهم من الثاني مخالفة لمقادير استحقاقهم من الأول، فالطريق في هذا أن تصحح مسألة الأول، ثم مسألة الثاني، وتنظر في نصيب الثاني من مسألة الأول: فإن انقسم نصيبه على مسألته فذاك، وإلا فيقابل نصيبه بمسألته الصحيحة: إن كان بينهما موافقة ضربت أقل جزء الوفق من مسألته في مسألة الأول، فما بلغ فمنه تصح المسألتان، [وإن لم تكن بينهما موافقة تضرب جميع مسألته في مسألة الأول، فما بلغ فمنه تصح المسألتان]، ومن له شيء من المسألة الأولى يأخذه مضروباً في تمام المسألة الثانية إن لم يكن بينهما موافقة، [وإن كان فيأخذه مضروباً في وفق الثانية].
ومن له شيء من مسألة الميت الثاني يأخذه مضروباً في نصيب الميت الثاني من الميت الأول، أو في وفق النصيب إن كان بين نصيبه ومسألته موافقة.
الأمثلة:
زوج وأختان لأب، ماتت أحداهما عن الأخرى وعن بنت، الأولى من ستة، وعالت إلى سبعة، نصيب كل أخت منها سهمان، والمسألة الثانية من اثنين؛ فنصيبها من الأولى موافق لسهامها؛ فلا حاجة إلى ضرب.
زوجة وثلاثة بنين وبنت، ثم ماتت الأم عن أم وثلاثة إخوة، وهم الباقون من ورثة الأولى، المسألة الأولى من ثمانية، ونصيب الميتة ثانياً منها سهم، ومسألتها من ستة، وتصح من ثمانية عشر، وسهم لا ينقسم على ثمانية عشر، ولا وفق فيه؛ فتضرب المسألة الثانية في الأولى تبلغ مائة وأربعة وأربعين: للزوجة من الأولى سهم مضروب في الثمانية عشر بثمانية عشر، ولكل ابن سهمان مضروبان في ثمانية عشر بستة وثلاثين، وللبنت الميتة منها ثمانية عشر، للأم منها ثلاثة؛ لأن
نصيبها من المسألة الثانية ثلاثة أسهام تأخذها مضروبة في نصيب البنت من الأولى، وهو سهم، [تبلغ ثلاثة]، ونصيب كل أخ من المسألة الثانية خمسة، يأخذها مضروبة في نصيب أخته من المسألة الأولى، وهو سهم، فيكمل [للأم] أحد وعشرون، ولكل أخ أحد وأربعون.
جدتان وثلاث أخوات متفرقات، ثم ماتت الأخت من الأم عن أخت لأم، وهي الأخت [من الأبوين في الأولى]، وعن أختين لأب وأم، وعن أم أم، وهي إحدى الجدتين – المسألة الأولى من اثني عشر، والثانية من ستة. ونصيب الأخت الميتة من المسألة الأولى سهمان، ونصيبها ومسألتها يتوافقان بالنصف، فيضرب نصف مسألتها في الأولى تبلغ ستة وثلاثين، كان للجدتين سهمان تأخذ أيهما مضروبين في ثلاثة [تكون ستة]، وكذا الأخت من الأب، وكان للأخت من الأبوين ستة تأخذها مضروبة في ثلاثة]، تبلغ ثمانية عشر، وكان لها من المسألة الثانية سهم واحد، [تأخذه] مضروباً في وفق نصيب الميت من الأولى، وهو سهم، وللأختين من الأبوين أربعة مضروبة في سهم، ولأم الأم سهم مضروب في سهم؛ فيحصل للأخت [للأب] الوارثة في المسألتين تسعة عشر، وللجدة الوارثة فيها أربعة.
ولو مات ثالث قبل قسمة التركة، فلك أن تصحح المسائل الثلاث، وتأخذ نصيب الميت الثالث منها، وتقابله بما تصح منه مسألته، فإن انقسم نصيبه على مسألته فذاك، وإلا فإن توافقا ضربت وفق مسألته فيما صحت منه الأوليان، وإن تباينا ضربت مسألته فيه، وعلى هذا القياس تعمل [ما] إذا مات رابع وخامس قبل القسمة.
ثم من كان له شيء من المسألتين الأوليين، أو من إحديهما أخذه مضروباً في الثالثة، أو في وفقها، ومن كان له شيء من الثانية خاصة، أخذه مضروباً في
نصيب الثالث من المسألتين الأوليين، أو في وفقه.
المثال: زوج، وأم، وثلاث أخوات متفرقات، مات الزوج عن خمسة بنين وخمس بنات، ثم مات أحد البنين عن أربعة بنين وأربع بنات، المسألة الأولى من تسعة، والثانية تصح من خمس عشر، ونصيب [الميت] الثاني من الأولى ثلاثة، وبينهما موافقة بالثلث، تضرب ثلث الخمسة عشر في الأولى تبلغ خمسة [وأربعين، كان للأخت من الأبوين من المسألة الأولى ثلاثةٌ، تأخذها مضروبة في خمسة، تكون خمسة عشر، [وكان للأخت من الأب سهم تأخذه مضروباً في خمسة، تكون خمسة للأخت للام كذلك، وللأم كذلك، وكان للزوج ثلاثة تضرب في خمسة] تكون خمسة عشر] تنقسم على مسألته، ونصيب كل ابن سهمان؛ فإذاً نصيب الميت الثالث سهمان، وتصح مسألته من اثني عشر، وبينهما موافقة بالنصف، فتضرب نصف الاثني عشر فيما صحت منه المسألتان، وهو خمسة وأربعون، تبلغ مائتين وسبعين: للزوج منها خمسة عشر مضروبة فيما ضربناه في الخمسة والأربعين، وهو ستة؛ تكون تسعين، و [كان] للأخت من الأبوين خمسة عشر [تأخذها]، مضروبة في ستة [تبلغ تسعين]، وللأخت [من الأب] خمسة، [تأخذها] مضروبة في ستة [تكون ثلاثين]، وكذلك للأخت من الأم، وللأم، فكان لكل ابن من الميت الثاني سهمان؛ فيحصل لكل واحد منهم اثنا عشر؛ لأن كتضرب السهمين في ستة، فينقسم نصيب الميت الثالث على ورثته، [كان] لكل ابن من مسألته سهمان، فيضربان في وفق نصيبه من الخمسة والأربعين وهو واحد، فيكون سهمين، ولكل بنت سهم.
مثال [ذلك]: زوج وخمسة إخوة، ثم مات الزوج عن بنت وابنين – الأولى تصح من عشرة، والثانية من خمسة، ونصيب الميت الثاني من الأولى
خمسة، ينقسم نصيبه على مسألته، ثم مات أحد الابنين عن أخ وأخت: مسألته من ثلاثة، ونصيبه اثنان ولا موافقة بينهما، تضرب ثلاثة في المسألة الأولى تبلغ ثلاثين، كان للزوج من الأولى خمسة يأخذها مضروبة فيما ضربنا فيه الأولى تبلغ خمسة عشر، ولكل أخ ثلاثة، ثم تقسم ما أصاب الميت الثاني، وهو خمسة عشر، وكان لكل [واحد من ابنيه] من مسألته سهمان، تضربهما في الثلاثة، تكون ستة، وللبنت سهم مضروب في ثلاثة بثلاثة، ثم الستة التي أصابت الميت الثالث تنقسم على ورثته؛ [و] كان للأخ سهمان، فتضربهما في نصيب الميت الثالث من المسألة الأولى، وهو سهمان، تكون أربعة، وكان للأخت سهم فتضربه في نصيب الميت، وهو سهمان؛ يكون سهمين.
قال الفَرَضِيُّون: وقد يمكن اختصار الحساب بعد الفراغ من عمل التصحيح؛ وذلك إذا كانت [أنصباء] الورثة كلها متماثلة، فترد القسمة إلى عدد رءوسهم، وكذلك إذا كانت متوافقة بجزء صحيح، فيؤخذ ذلك الوفق من نصيب كل واحد منهم، ويقسم المال بينهم على ذلك العدد: كزوجة وبنت وثلاثة بنين منها، ثم مات أحد البنين عن الباقي – فالأولى من ثمانية، والثانية من ستة، ونصيب الميت الثاني سهمان يوافقان مسألته بالنصف، فتضرب نصف مسألته في الأولى تكون أربعة وعشرين: للزوجة منها ثلاثة، وللبنت ثلاثة، ولكل ابن ستة، ومن نصيب الميت الثاني: للأم سهم، وللأخت سهم، ولكل أخ سهمان، فمجموع ما للأم أربعة، وللأخت كذلك، ولكل أخٍ ثمانية، والأنصباء متوافقة بالربع، فيأخذ ربع كل نصيب، يبلغ ستة، فيقسم المال عليها اختصاراً، أما إذا لم يكن بين الأنصباء موافقة، أولم يكن إلا في بعضها – لم يمكن الاختصار، والله – تعالى –أعلم.
ويتلوه – إن يسر الله وأعان – كتاب النكاح، وصلى الله على سيدنا محمد.