الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الولاء
الوَلَاءُ -[بفتح الواو وبالمد]- مصدر: مَوْلى، والمولى: مَفْعَل من "الولاء"، و"الولاء" مشتق من "الموالاة"، وهي المقاربة، فسُمّى الولاءُ ولاءً؛ لأنه لمعتقه موالٍ كأحد قرابته، أو لأنه ينتسب بالإعتاق إلى سيده الذي أعتقه، كما ينتسب القريب لقريبه، ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله:"مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ".
وقيل: إنما سُمّي الولاءُ ولاءً؛ لأن بين الموالي اختلاطاً وامتشاجاً كما أن بين الأنساب اختلاطاً.
وهو في الشرع عبارة عن: عصوبة متراخية عن عصوبة النسب يرث بها المعتق، ويلي أمر النكاح والصلاة [عليه، ويعقل، والذكور] من عصبته من بعده.
وقيل: إنه أثر نعمة أنعمها المعتق على المعتَق، وحقيقته ترجع إلى انتساب المنعَم [عليه إلى المنعم].
ثم ذلك الانتساب يثبت أحكاماً، ويقال لكل من المعتق والمعتق: مولى، وكذا يطلق على العم وابن العم وجميع الأقرباء: مولى.
والأصل فيه قبل الإجماع من الكتاب قوله - تعالى-: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5].
ومن السنة ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ ولَا يُوهَبُ"، ومعناه:[امتشاج كامتشاج] النسب، [واختلاط كاختلاطِه]،
و"لحمة": بفتح الَّلام وضمها.
وقوله صلى الله عليه وسلم في خبر بَرِيرَةَ الذي ذكرناه في أوائل البيع: "إِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
ثم الأحكام الثابتة بسب الولاء- كما قال الروياني وغيره -: ثلاثة: الميراث، والولاية في النكاح والصلاة على الميت، والعقل، وهو لا يورث، وإلَاّ لاشترك فيه الرجال والنساء.
قال: ومن عتق عليه مملوك بملك: يعني: قريبه إذا ورثه أو تملكه ببيع [أو اتهاب] أو وصية.
قال: أو بإعتاقه أو بإعتاق غيره عنه: بإذنه، أو بتدبيره، أو بكتابته، أو باستيلاده – فولاؤه له:
أمّا إذا باشر عتقه أو تسبب فيه؛ فلقوله صلى الله عليه:"إِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وأمَّا في الباقي؛ فلأنه عتق عليه فكان ولاؤه له؛ كما لو باشر عتقه أو
[تسبب فيه].
ولو باع عبده من نفسه وصححناه، فقد ذكرنا في باب العتق أن الولاء عليه لسيده على الأصح.
وقيل: لا ولاء عليه، وهو ما اختاره في "المرشد".
واحترز الشيخ بقوله: "بملك" عما إذا شهد بحرية عبدٍ، ثم اشتراه؛ فإنه يعتق عليه لإقراره بحريته، لا يملك، ولا يكون ولاؤه له، بل هو موقوف.
وقال المزني: إنه يسلم له من ميراثه أقل الأمرين من الذي بذله وجملة ميراثه.
وهو ما قال الغزالي: إنّه أقوم. [والإمام: إنه حسن بالغ]. وصححه في "التهذيب"، وحكاه عن ابن سريج وأبي إسحاق أيضاً، وأن الشيخ قال: يمكن بناؤه على أنه شراء أو فداء، فإن قلنا: فداء، فلا يأخذ؛ لأنه متطوع ببذل الثمن، وإن قلنا: شراء، أخذ.
وعلى ذلك جرى المتولي في كتاب "الصلح"، فجزم بأنه بيع، وأن الولاء [فيه] للمشتري، وإن حكى الخلاف في موضع آخر، [والإمام بناه على أن اختلاف الجهة هل يمنع المطالبة، كما إذا قال: له عليَّ ألف هو قيمة عين أتلفتها وقال المالك: بل من جهة ضمان، وفيه خلاف، والأصح: أنَّه لا يمنع، واطراح النزاع في الجهة].
وقوله: ["بملك"، يقال] بكسر الميم وفتحها، [قال أهل اللغة: ملكت الشيء، أملكه مِلكاً - بكسر الميم - وهو مِلك بفتح الميم وكسرها]، والفتح أفصح كما قاله ابن قتيبة والجوهري وغيرهما.
ولا فرق في ثبوت الولاء لمن ذكرناه بين أن يكون مسلماً والمعتق كافراً أو بالعكس.
نعم، لا يرث منه؛ كما نقول: القرابة بين المسلم والكافر ثابتة، ولا يرث منه، صرح به في "البحر" وغيره.
قال: وإن عتق على المكاتب عبد أي: أعتقه بإذن سيده، أو كاتبه وجوزناه، فأدى النجوم إلى المكاتب الأول – ففي ولائه قولان:
أحدهما: أنه لمولاه؛ لأن العتق [لا] ينفك عن الولاء، والمكاتب ليس من أهله؛ [فتعين للمولى].
على هذا قال القفال: ينبغي أن يجزئ عن كفارة السيد إذا نوى وأعتقه المكاتب بإذنه.
ولو عتق المكاتب [بعدُ] فهل ينجرُّ الولاء إليه؟ فيه وجهان في "الحاوي" عن رواية ابن أبي هريرة، وحكاهما الإمام عن رواية صاحب "التقريب"، والصحيح وبه جزم البندنيجي:[لا].
قال: والثاني: أنه موقوف على عتقه، فإن عتق أي: بسبب الكتابة – كما حكاه القاضي الحسين عن ظاهر النص – فهو له، وإن عجز فالولاء لمولاه؛ لأن حكم المكاتب في نفسه وماله موقوف، ولأن الكاتب باشر العتق؛ فيستحيل أن يكون الولاء للسيد الذي لم يباشر؛ للخبر؛ فيوقف [عليه]، وهذا ما اختاره في "المرشد"، فعلى هذا: لو مات العبد الذي أعتقه المكاتب، فميراثه يكون موقوفاً، نصّ عليه الشافعي – كما نقله في "البحر" – واختاره في "المرشد".
وقال الشيخ أبو حامد والقاضي الحسين: فيه قولان:
أحدهما: هذا.
والثاني: يكون ميراثاً للسيد؛ لأن الولاء يجوز أن يتوقف فيثبت لشخصٍ، ثم ينجر إلى غيره، والميراث لا يجوز أن يوقف قط، وذكر القفال – كما نقله في "البحر" – وصاحب "التقريب" كما حكاه الإمام وجهاً [آخر]: أنه يصرف ماله إلى بيت المال، والصحيح الأول.
فرع: لو مات المكاتب الثاني أو المعتق، وقلنا:[يكون ميراثه موقوفاً، ثم مات المكاتب الأول أو عجز، ثم مات السيد – فإن المال] يكون لجميع الورثة الذكور والإناث.
قال القاضي الحسين: لأن هذا ميراث يتلقونه من جهة أبيهم، ليس سبيله سبيل الولاء.
قال: وإن تزوج عبد لرجل بمعتقة لرجل، فأتت [منه] بولد –كان ولاء الولد لمعتق الأمة؛ لأنه المنعم عليه؛ لأنه عتق بإعتاق الأم؛ فكان ولاؤه لمولاها.
قال: فإن أعتق الأب بعد ذلك انجر الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب؛ لما روي أن الزبير بن العوام رأى فتية ظرافاً، فأعجبه ظرفهم، فسأل عنهم، فقالوا: رافع بن خديج زوّج أمته من غلام فلان الأعرابي، ثم أعتق رافع أمهم، فهؤلاء منها، فمضى الزبير، واشترى الغلام من الأعرابي وأعتقه، ووجّه إلى رافع: أن ولاءهم لي؛ فتحاكما إلى عثمان – رضي الله عنه – فحكم بالولاء للزبير، ولا يعرف لهم مخالف.
ولأن الولاء فرع النسب، والنسب معتبر بالأب، وإنما يثبت لموالي الأم، لعدم الولاء من جهة الأب، فإذا ثبت الولاء من جهة الأب، عاد الولاء إلى موضعه: كولد الملاعنة ينسب إلى الأم؛ لعدم الأب، فإذا اعترف به الأب ثبت نسبه [منه].
وقال القاضي أبو الطيب: قولنا ينجر [الولاء]، مجاز؛ فإن الولاء لا ينجر،
وإنما يبطل ولاء موالي الأم، ويثبت ولاء موالي الأب.
قال: وإن أعتق جده والأب مملوك، فقد قيل: لا ينجر من مولى الأم إلى مولى الجد؛ لأنه ينجر إليه بواسطة؛ فلا ينجر ولاؤه كالأخ والعم.
وقيل: ينجر؛ لأنه كالأب في الانتساب إليه والتصعيب [فجرَّ ولاءه] كالأب، [وهذا أصح في النهاية]؛ وعلى هذا [قال]:
فإن أعتق الأب بعد ذلك انجر [الولاء] من موالي الجد إلى موالي الأب؛ لأنه أقوى من الجد في النسب وأحكامه.
فلو انقرض بعد ذلك موالي الأب، لم يرجع الولاء إلى موالي الأم، بل يخله المسلمون، وينتقل إلى بيت المال.
ثم ظاهر كلام الشيخ يفهم أن محل الوجهين إذا كان الأب حيًّا، وهو قول الشيخ أبي حامد، وقال: إن الأب إذا كان ميتاً انجر [الولاء] قولاً واحداً، وعلى ذلك جرى الإمام.
وقال ابن الصباغ: إن عليه أكثر الأصحاب.
وقال القاضي: إن محلهما إذا كان ميتاً، فإن كان حيًّا لم ينجر قولاً واحداً.
ويجيء من مجموع الطريقين ثلاثة أوجه، كما حكاها في "المهذب"، ثالثها: الفرق بين أن يكون حيًّا فلا ينجر، وبين أن يكون ميتاً فينجر، وهو ما اختاره في "المرشد".
ثم محل انجرار الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب إذا عتق، مفروض فيما إذا لم يكن الولد قد باشره العتق، أمَّا إذا كان الولد قد باشره العتق، كما إذا اشترى أباه وجده بعبد رقيق؛ فإنه يعتق عليه، ويكون ولاؤه له،
وولاء موالي الأم باق عليه؛ لأنه لا يجوز أن يكون الرجل مولى نفسه، وقد حكى الإمام عن ابن سريج: أنه [يجر ولاءه] لنفسه ويسقطن واستبعده الإمام، والشيخ في "المهذب" حكى هذا الوجه، ولم ينسبه لابن سريج.
وعلى المذهب: لو أعتق الذميّ عبداً، ثم لحق السيد بدار الحرب وأسلم العبد المعتق، واسترقّ سيده إمَّا بسبي أو شراءٍ، ثم أعتقه – كان لكل منهما على صاحبه الولاء، لكن من شرط الإرث اجتماعهما في الإسلام، وقد صرح بذلك أيضاً الأصحاب.
ولو كان للمملوك ولدان حرَّان أمهما معتقة، فاشتريا أباهما دفعة واحدة- انجر ولاء نصف كل واحد منهما إلى صاحبه، وترك النصف الآخر لموالي الأم، صرح به الرُّوياني في كتاب الإقراع بين العبيد.
فرع: لو تزوج عبد لرجل بأمة لآخر، ثم أعتقها سيدها وهي حامل – فولاء الولد لمعتق الم لا يجره إلى موالي الأب [عِتْقُ الأب]؛ لأن العتق هنا قد باشر الولد.
والقاعدة: أن كل من باشره العتق لا ينجر الولاء عليه إلى موالي أبيه ولا أمه، كما صرح بها القاضي الحسين وغيره.
فلو أعتقها، ثم أتت بولد، وكان لها زوج، واحتمل أن يكون الولد موجوداً حاله العتق، واحتمل خلافه –انجر ولاؤه.
ولو احتمل أن يكون [قد] حدث بعد عتق الأم، واحتمل أن يكون [حدث] بعده وبعد عتق الأب – فالولاء لموالي الأب ابتداءً، قاله القاضي الحسين، وقال: إنها لو كانت خليّة من زوج، وأتت بولد لستة أشهر فما فوقها ولدون أربع سنين من حين العتق – فهل يكون ولاؤه لمعتق الأم غير منتقل
أم لا؟ إن هذا ينبني على أنه لو أوصى بحمل عَمْرَةَ من زيد، وكانت بائنة منه، فأتت بولد لدون أربع سنين وستة أشهر فما فوقها من حين الطلاق – هل يعطي الوصية له؟ وفيه قولان، ووجه المنع: أنْ النسب يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره.
فإن قلنا بهذا كان الولاء لموالي الأب إن احتمل حدوثه بعد عتقهم، وإن لم يحتمل فهو لموالي الأم وانجر، وعلى الأول يكون لموالي الأم غير منجر.
قال: ومن ثبت له الولاء فمات انتقل ذلك إلى عصباته دون سائر الورثة، أي: أصحاب الفروض ومن يعصبهم العاصب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاءُ [لُحْمَةٌ] كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لا يُبَاعُ، وَلا يُوهَبُ، وَلَا يُوَرَّثُ"، والنسب إلى العصبات دون غيرهم، فلو انتقل إلى غيرهم لكان موروثاً.
قال القاضي الحسين: ولأن الولاء يكون متراخياً عن النسب، والنسب إذا تباعد إنما يورث بالعصوبة [مثل ابن العم، وابن الأخ، والنسب يكون أقرب من باب الولاء؛ فيكون الولاء فيه من التراخي أكثر؛ فيتعين له العصوبة قياساً على النسب، وما ادعاه من أن النسب إذا تباعد إنما يورث بالعصوبة] ينتقض بنسب بنت ابن ابن ابن [وأسفل من ذلك]، اللهم إلا أن يكون مراده البعد في الجهات لا في الدرجة أو الوارث المستغرق؛ فحينئذٍ يسلم من النقض.
قال: فإن كان له ابن [وابن ابن] فالولاء للابن؛ لأن تعصيبه أقوى، وإن كان له أب وأخ فالولاء للأب؛ [لأنه أقرب] لكونه يدلي بنفسه، والأخ يدلي به.
[قال]: وإن كان له أخ من أب وأم، وأخ من أب، فالولاء للأخ من الأب والأم كالميراث، وهذا أصح في "النهاية"، وفي "المهذب" طريقة جازمة به.
وقيل: فيه قول آخر: أنهما سواء؛ لأن الأم لا ترث بالولاء فلا يرجح بها، بخلافها في الميراث.
فرع: حكى القاضي الحسين عن القاضي أبي حامد نصاًّ عن الشافعي رضي الله عنه فيما إذا كان له ابنا عم أحدهما أخ لأم: أنه يقدم بها هاهنا، بخلاف الميراث؛ فإنه يكون للأخ من الأم السدس، والباقي بينهما، كذا قال في موضع، وقال: يحتمل أن يسوى بينهما. وهوا لذي صوبه الإمام وقال: إن خلافه غلط عند المحققين.
وقال القاضي في موضع آخر: إن علة أبي حامد أنه في الميراث يمكن أن يفرض له؛ فلم يرجح به، وهاهنا لمَّا تعذّر الفرض له ترجحت قرابته فقدم بها.
قال: وإن كان [له] أخ وجدٌّ ففيه قولان:
أحدهما: الولاء للأخ؛ لأن تعصيبه يشبه تعصيب [الابن]، وتعصيب الجد يشبه تعصيب الأب، والأب والابن لو اجتمعا قدم الابن كما ذكرنا؛ فكذلك المشبه به، وكان قياس ذلك أن يقدم عليه في الميراث- أيضاً – لكن الإجماع قام على عدم التقدمة فصرفنا عنه، وفي الولاء لا إجماع، وهذا ما قال القاضي أبو الطيب: إنه المشهور من المذهب. واختاره الشيخ أبو حامد والأكثرون، كما حكاه الرافعي في الفرائض، وعلى هذا يقدم ابن الأخ على الجد.
والقول الثاني: [أنه] بينهما كالميراث، وهذا أصح في "التهذيب"، ومقتضى هذا التوجيه: أن يكون للجد الأوفر من المقاسمة أو ثلث المال، وقد قال [به] بعض أصحابنا، والنقل المشهور –وهو الأصح – المقاسمة أبداً.
وقال القاضي الحسين: لأن الجد في باب الميراث تارةً يأخذ بالفرض وتارة بالعصوبة، فأخذ [ثَمَّ] ما هو خير له، وهنا لا يتصور أخذ بفرض، وهما في العصوبة سواء، فسوي بينهما، ويجري الخلاف فيما إذا اجتمع مع الجد أخٌ من الأبوين، وأخ من أب في جريان المعاددة، والذي أجاب به ابن سريج
والأكثرون ومنهم القاضي الحسين: أنه لا معاددة، وقال: لأنّ هذا على خلاف القياس اتبع فيه ما ورد من الخبر؛ فلا يقاس عليه غيره، وعلى القول الثاني يتفرع ما إذا خلف جدًّا وابن أخٍ، فالجدُّ أولى، وقيل: هما سواء.
قال: وإن كان [له] ابن أخ وعم فالولاء لابن الأخ، وإن كان له عم وابن عم فالولاء للعم كالميراث، وحكى الشيخ في "المهذب" والقاضي الحسين في الصورة الأولى قولاً: أنهما سواء؛ بناءً على [قولنا:] إن الجد مع الأخ يستويان، وجعلا ما ذكر في هذا الكتاب مفرعاً على قولنا: إن الأخ أولى من الجد، وكذا حكى القاضي القولين فيما إذا كان له عم [وأب جدٌّ]:
أحدهما: أن العم أولى.
والثاني: أنهما سيّان.
وحكى فيما إذا [كان] له عم وابن ابن أخٍ: وجهين:
أحدهما: [أن] ابن ابن الأخ أولى.
والثاني: أنهما سواء.
وإذا تأملت ما ذكرنا فهمت أن الولاء خالف الإرث في سبع مسائل، بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وقد عدها القاضي الحسين:
أحداهما: يقدم الأخ على الجد على قولٍ.
والثانية: مقاسمة الجد الإخوةَ أبداً على الصحيح.
والثالثة: عدم معاددة الجد الإخوة للأب، وأن الفائدة ترجع إلى الأخ للأب والأم على الصحيح.
والرابعة: يُقَدَّم ابن الأخ على الجد على قولٍ.
والخامسة: يُقدم ابن العم الشقيق على ابن العم للأب على النص.
والسادسة: عدم تعصيب ابن الابن أخته.
والسابعة: عدم تعصيب الأخ للأب أخته.
قال: وإن لم تكن له عصبة انتقل ذلك إلى مواليهم؛ لأنهم كالعصبة ثم [إلى] عصبتهم على ما ذكرت، ودليله ما تقدم، فإن لم يكن له عصبة مولى، وهناك مولى لعصبة المولى: فإن كان مولى أخيه أو ولده لم يرث؛ لأن إنعامه على أخيه وولده لا يتعدى إليه، وإن كان مولى أبيه أو جدّه ورث؛ لأنَّ إنعامه عليه إنعام على نسله.
قال: وإن أعتق عبداً، ثم مات وترك ابنين، ثم مات أحدهما وترك ابناً، ثم مات العبد المعتق – فماله للكبير من العصبة، وه وابن المولى دون ابن [ابن] المولى أي: إذا لم يكن للميت قريبٌ وارثٌ، ووجهه: أن الولاء لا يورث، وإنما يورث به بالقرب، والكبير من العصبة أقرب من العصوبة ممن معه.
وحكى ابن اللبان عن ابن سريج أنه يكون بينهما نصفين. وليس بشيءٍ؛ لقوله – عليه السلام:"الوَلاءُ لِلْكُبْرِ"، وهو بضم الكاف، وسكون الباء، أي: الأقرب، أمَّا إذا كان للميت قريب، فهو مقدّم في الميراث كما سيأتي.
قال: وإن مات ابناه بعده، وخلف أحدهما ابناً، والآخر تسعة، ثم مات العبد المعتق – كان ماله [بينهم [على عددهم]]، لكل ابن عشر؛ لأنهم في القرب سواء.
قال: ولا ترث النساء بالولاء إلا من أعتقن:
أمَّا ثبوته لهن بالعتق؛ فلقوله – صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وروي أن بنت حمزة بن عبد المطلب أعتقت غلاماً، ثم مات وترك ابنته والمعتقة، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل للبنت النصف، وللمعتقة النصف.
وأمَّا نفيه عنهن إذا لم [يكن] معِتقات ولا معِتقات المعتِقات، ولا مجروراً إليهما الولاء؛ فلظاهر الخبر المذكور مع قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَه لا يُوَرَّثُ".
قال: أو [أعتق من أعتقن] أو جرّ الولاء إليهن من أعتقن، كما لو كان المعتق رجلاً.
وصورة جرّ الولاء: أن يتزوج عندها بمعتقة رجل فتأتي منه بولد، فإنه يكون حرًّا تبعاً لأمه، والولاء عليه لمولى الأم، ثم تعتق المرأة العبد فينجر الولاء على الولد إليها من موالي الأم، [- على ما تقدم-] ومن طريق الأوْلَى يكون لها الولاء على الولد إذا أتت امرأة العبد به [بعد] عتق الأب.
تنبيه: قول الشيخ: "ولا ترث النساء بالولاء .... " إلى آخره، يخرج ما إذا عتق عليها قريبها بإرث [أو غيره] عن أن يكن لها عليه ولاء؛ لأنه فصّل في أول الباب [العتق]: إلى عتق يحصل بسبب الملك، وإلى عتق يحصل بالإعتاق كما بيناه، وليس كذلك، بل الولاء يثبت لها عليه اتفاقاً.
ومنها غلط الأربعمائة قاضٍ في المسألة المشهورة.
[قال]: فإذا ماتت المرأة المعتقة انتقل حقها من الولاء إلى أقرب الناس [إليها] من عصباتها على ما ذكرت؛ لما تقدم بيانه.
فروع:
إذا تزوج معتق بحرة أصليّة لا وَلَاءَ عليها لأحدٍ، فأتت بولد فإطلاق القاضي الحسين يقتضي ثبوت الولاء عليه لموالي الأب؛ فإنه قال: إذا [تزوج عبد] بامرأةٍ، فأعتقته سيدته وله أولاد- كان لها الولاء عليهم.
وقال أيضاً فيما إذا تزوج عبد بامرأة، ثم أعتق وأتت بأولاد: فإن الولاء لموالي الأب على الأولاد، ذكوراً كانوا أو إناثاً، وعلى أولاد أولاد البنين، وأمَّا أولاد البنات فلمن يكون الولاء عليهم؟ ينظر: فإن كان على آبائهم ولاءٌ لأحدٍ فالولاء عليهم له، وإن لم يكن عليهم ولاء لأحد ففيهم وجهانك
أحدهما: أن الولاء عليهم لموالي الأم.
والثاني: لا ولاء عليهم لأحدٍ؛ لأنه عليه السلام قال: "الولاء لُحْمَة كلُحْمَةِ النَّسَب"، وهؤلاء لا [ينسبون][لأحد]؛ فلا يكون عليهم ولاءٌ لأحد، [ثم لا] فرق بين أن يكون أبوهم عجميًّا أو عربيًّا.
وذهب طوائف من أصحابنا [إلى] أنه إذا كان أبوهم عربيًّا فلا ولاء عليهم لأحدٍ، وإن لم يكن عربيًّا يَكُنْ لموالي أبي الأم.
وقال في موضع آخر: إذا تزوج بحرّة فلا ولاء على ولده أصلاً.
وهذا ما حكاه الإمام عن رواية شيخه عن بعض الأصحاب، ورجح الأول، وقال: إنه المذهب الذي يجب القطع به، وهو الذي حكاه في "التهذيب".
[ولو تزوج حرٌّ لا ولاء عليه بمعتقةٍ لرجل، فهل يثبت على ولده الولاء؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:] لا ولاء عليه، وهو الصحيح في "التهذيب".
والثاني: يثبت لموالي الأم.
والثالث: عن كان الأب حرًّا ظاهراً وباطناً فلا ولاء عليه، وإن كان حرًّا ظاهراً لا غير - كالمحكوم بحريته بالدار - ثبت عليه الولاء لموالي الأم.
إذا كان رجل حرّ الأصل وأبواه حرّين، وأبوا أبيه مملوكين، وأبو أمه مملوكاً، وأم أمه معتقة - فإذا مات هذا الرجل، قال القاضي الحسين: كان ولاؤه لموالي أم الأم على أحد الوجهين، فإذا أُعتق أبو الأم انجر الولاء إلى موالي أبي الأم، فإذا عتقت بعد ذلك أم الأب انجرّ الولاء من ذلك الجانب إلى [هذا الجانب] إلى موالي أم الأب، فإذا أُعتق كلا منهما مالكه، ثم مات المعتق أولاً بعد موت أبيه وابنه، ولا قريب له- قال القاضي
الحسين: فولاؤه إنما يكون لمعتق أبيه دون معتق ابنه؛ لأن معتق الأب أنعم عليه بعتق أبيه. وهذا فيه نظر؛ لأنَّا قد حكينا من قبل عنه وعن غيره أن من باشر عتق شخصٍ لا نيجر ولاؤه على غيره، والمعتق أولاً قد باشر مالكه عتقه؛ فينبغي أن يكون ولاؤه له إن كان حيًّا ولورثته من بعده، فإن لم يكن له وارث خاص فلبيت المال.
[وجوابه: أن الضمير في قوله: "وأبوه وابنه رقيقان" يعود على المباشر للعتق لا إلى العتيق، والسؤال إنما توجه لاعتقاد عوده إلى العتيق].
إذا أعتق الكافر عبداً مسلماً وله ابنٌ مسلمٌ وابن كافر، ثم مات المعتق بعد موت معتقه – فولاؤه لابن معتقه المسلم.
ولو مات بعد موت معتقه وإسلام ابنه الآخر فالولاء للابنين عليه.
ولو مات المعتق في حياة معتقه وابنه مسلم فميراثه لبيت المال، ولا يكون لابنه المسلم، وكذلك لو أن المعتق المسلم قتل العبد المعتق وللسيد ابن، قال القاضي الحسين: لا يرثه المعتق؛ لأنه قاتل ولاء أبيه، بخلاف النسب؛ فإنه لو قتل رجل ولده، وللقاتل ولد، فإن القاتل لا يرث، ويرثه ابنه.
قال: والفرق بينهما: أن في باب النسب الأخوة ثابتة بين الأخ والمقتول؛ فلهذا قلنا بأنَّه يرثه، فأمَّا في الولاء فالابن إنما يثبت له الولاء بموت أبيه.
وحكى الرافعي في [آخر رءوس] الوصايا عند الكلام في ختم الباب: أن المعتق إذا قتل معتقه، فإن كان للعبد من هو أقرب من المعتق ورثه، وألا ورثه أقرب عصبات السيد المعتق، وألحق القاضي الحسين بما ذكره ما إذا كان المعتق وأولاده والعبد المعتق كفاراً، فالتحق المعتق بدار الحرب واسترقّ، ثم مات العبد المعتق – فإن ميراثه لبيت المال.
قال: وهكذا نقول في التزويج، نصّ الشافعيّ على أن المرأة إذا أعتقت أمَةً: زوجها أبوها بسبب عصوبة الولاء، ونصّ فيما إذا أعتق رجل أمته، فمات [المعتق] وخلف ابناً صغيراً، وللابن الصغير [جدٌّ]: أنه ليس للجد أن يزوِّج الأمة المعتقة، فما الفرق؟
قال القاضي الحسين حكاية عن القفال: الفرق بينهما: أن في مسألة المعتقة قد وقع الإياس من ثبوت الولاء لها؛ فجعلت كالمعدومة، فانتقلت الولاية إلى أبيها، وفي تلك المسألة لم يقع الإياس بثبوت الولاية للابن الصغير، [بل هي
منتظرة في حقه؛ فافترقا]، [والله أعلم].