الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذوا أموالهم ودوابهم ونسائهم.
ثم نادوا – في اليوم الرابع – في البلد أن يخرج أهله جميعهم ومن تأخر قتلوه فخرج جميع الرجال والنساء والصبيان ففعلوا معهم مثل ما فعلوا مع أهل بخارى من النهب والقتل والسبي والفساد، وأحرقوا الجامع، وافتضوا الأبكار، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال، وقتلوا من لم يصلح للسبي، وكان ذلك في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة للهجرة فلا حول ولا قوة إلا بالله1.
1 الكامل: 12/368.
3- مآسي وأحداث أخر:
ولم تكن فاجعة التتار لتنتهي عند حدود هاتين المدينتين من مدن العالم الإسلامي رغم ما فيهما من مآسي وأحزان تكفي الواحدة منهما لتكون ملحمة ترويها الأجيال، ويتعب في سبيل تدوين أحداثها المؤرخون والكتاب، لكن الفاجعة سرت في الأقطار الإسلامية سريان النار في الهشيم، فإثر أحداث سمرقند سيّر "جنكز خان" مجموعة من جنده يقال لهم "المغربة" لأنهم ساروا إلى "غرب خرسان" في طلب "خوارزم شاه" وقال لهم:"اطلبوا خوارزم شاه أين كان ولو تعلق بالسماء حتى تدركوه وتأخذوه".
وسار هؤلاء يقطعون الفيافي والقفاز ويحتالون على عبور المياه
والأنهار، وحين اعترضتهم المياه الخمسة في "ينج آب" ولم يجدوا سفينة يعبرون عليها عمدوا إلى عمل أحواض من الخشب وألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماء، ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم وألقوا الخيل في الماء وأمسكوا أذنابها، وتلك الحياض من الخشب مشدودة إليهم، فكان الفرس يجذب الرجل، والرجل يجذب الحوض المملوء من السلاح وغيره، فعبروا كلهم دفعة واحدة، فلم يشعر خوارزم شاه إلا وقد صاروا معه على أرض واحدة1.
ومع أن المسلمين قد ملئوا رعبا من هؤلاء إلا أنهم كانوا يتماسكون بسبب أن نهر "جيحون" يحجز بينهم، فلما عبروه إليهم لم يقدروا على الثبات، وواصل التتر مسيرهم وفسادهم؛ يرحلون من بلد إلى آخر وقل أن تسلم بلدة من شرهم، وعاثوا فسادا في نيسابور، وما زندران، والري وهمذان، وأذربيجان، وإربل وغيرها من بلاد المسلمين.
وكان للتتر عوائد سيئة وجبارة، وحيل ماكرة وخبيثة؛ فمن عوائدهم أنهم إذا قصدوا مدينة ورأوا مناعتها عدلوا عنها إلى غيرها، ومنها أنهم إذا قاتلوا مدينة قدموا من معهم من أسارى المسلمين بين أيديهم يزحفون ويقاتلون فإن عادوا قتلوهم فكانوا يقاتلون كرها2.
1 الكامل 12/369.
2 الكامل 12/377.
وكانوا يتقون بهؤلاء الأسارى من الرمي وغيره، ومن سلم منهم قتلوه بعد انقضاء الحرب1.
وأسوأ من ذلك أنهم يستخدمون الأسارى أداة في استخراج المختفين من بطشهم، فكانوا يقولون للأسرى نادوا في الدروب أن التتر قد رحلوا، فإذا نادى أولئك خرج من اختفى فيؤخذ ويقتل2.
وهل أسوأ من هذا وأذل؟ وقد تركت هذه الأحداث المؤلمة أثرها وخلفت حالة من الرعب والهلع عمّ الناس كلهم – إلا من رحم الله -، وأصيبوا بالضعف والمسكنة والمذلة والهوان، ويكفي شاهدا على ذلك ما سطره المؤرخون المعاصرون للحدث وغيرهم؛ فقد نقل ابن الأثير رحمه الله أن رجلا من التتر دخل دربا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدا واحدا حتى أفناهم ولم يمد أحد يده إليه بسوء3. وأن آخر من التتر أخذ رجلا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى جاء التتري بسيف وقتله به4.
1 البداية والنهاية 13/87.
2 المصدر السابق 12/378.
3 الكامل 12/378، 500.
4 المصدر السابق 12/501.
قال ابن الأثير: بلغني أن امرأة من التتر دخلت دارا وقتلت جماعة من أهلها وهم يظنونها رجلا فوضعت السلاح وإذا هي امرأة فقتلها رجل أخذته أسيرا1.
وقال: وحكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلا في طريق، فجاءنا فارس من التتر، وقال لنا: حتى يكتف بعضنا بعضا فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب؟ فقالوا: نخاف، فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل فأخذت سكينا وقتلته وهربنا فنجونا. هذه حكاية يرويها ابن الأثير عن شاهد عيان، ثم يعلق عليها بقوله: وأمثال هذا كثير2.
وقال أيضا: ووصل الخبر إلينا ونحن بالموصل أن التتر ارتحلوا من مدينة "مراغة" خوفا من السيف3.
أما أهل إربل فضاقوا بذلك ذرعا وقالوا هذا يوم عصيب4.
وما بالهم لا يخافون، ولم لا يكون الفزع بشكل عام من هذه
1 الكامل 12/378.
2 المصدر السابق نفسه 12/501.
3 المصدر السابق نفسه 12/378.
4 البداية والنهاية 13/86.