الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأكل عروق النبات؛ لا تعرف الشعير؛ فهم إذا نزلوا منزلا لا يحتاجون إلى شيء من خارج.
2- ضعف همم ملوك الإسلام وانحسار سلطان الخلافة:
وفي مقابل قوة هؤلاء التتر وشدة بأسهم واجتماع كلمتهم فقد ساهم في سرعة انتشارهم وسيطرتهم على مدن العالم الإسلامي وحواضره ضعف ملوك الإسلام في تلك الفترة بعامة، وانشغالهم عن الجهاد باللهو واللعب. وهذا المؤرخ ابن الأثير – يرحمه الله – ينعي على الإسلام وأهله، ويصف أحوال ملوكه قبيل وفاته بسنتين فيقول معلقا على أحداث سنة 628هـ ما نصه: "فالله تعالى ينصر الإسلام والمسلمين نصرا من عنده، فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد، ولا في نصرة الدين؛ بل كل منهم مقبل على لهوه ولعبه وظلم رعيته، وهذا أخوف عندي من العدو، وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
…
} 1.
وليست أوضاع الخلافة العباسية ولا الخلفاء العباسيين بمعزل عن هذا الوضع المتردي؛ فقد انحسر سلطان الخلافة وانكمشت حدود العباسيين، واستقل غيرهم بالسلطة في حكم أجزاء من العالم الإسلامي، وهو أمر لم يكن سائغا في ظل حكم الدولة الأموية، هذا
1 الكامل 12/497، 361، والآية 25 من سورة الأنفال.
فضلا عن اشتغال الخلفاء العباسيين بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات.
هذه الحقائق يجليها لنا ابن كثير عليه رحمة الله في محاولة منه لتلمس أسباب نهاية الدولة العباسية على أيدي التتر فيقول: "ولم تكن أيدي بني العباس حاكمة على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرة لجميع البلاد والأقطار والأمصار، فإنه خرج عن بني العباس بلاد المغرب
…
وكذلك أخذت من أيديهم بلاد خراسان وما وراء النهر وتداولتها الملوك دولا بعد دول حتى لم يبق مع الخليفة منهم إلا بغداد وبعض بلاد العراق، وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات"1.
ويقول "الكتبي" في وصف آخر خلفاء بني العباس وما كان عليه من ضعف الهمة والإشتغال بما لا ينبغي الإشتغال به: "كان المستعصم متدينا متمسكا بمذهب أهل السنة والجماعة على ما كان عليه والده وجده، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقظ والهمة، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقظ، نازل الهمة محبا للمال، مهملا للأمور يتكل فيها على غيره"2
1 البداية والنهاية 13/195.
2 ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 1/496 نقلا عن المغول في التاريخ دز الصياد ص252.
ويقول "قطب الدين اليونيني" قريبا من ذلك ويضيف: ".. وإنما قدموه على عمه الخفاجي لما يعلمون من لينه وانقياده وضعف رأيه ليستبدوا بالأمور"1.
وإذا صح ما ينسبه إليه "ابن العبري" من ضعف الهمة وزهده بأقطار الخلافة عدا بغداد فهي طامة كبرى؛ إذ ينسب إلى "المستعصم" قوله: "أنا بغداد تكفيني ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد، ولا أيضا يهجمون عليّ وأنا بها، وهي بيتي دار مقامي"2.
وعلى كل حال فيبدو أن ضعف "المستعصم" معروف حتى عند "التتر" ولذا كانوا يسمونه "الأَبْلَه"3.
ولا شك أن استخفاف وزيره "ابن العلقمي" به، ومخادعته له وخيانته إياه وتصريف الأمور دونه ساهمت في إيصال الخليفة والخلافة إلى ما صارت إليه4.
وفي الوقت الذي كان التتر فيه يحاصرون بغداد ويحيطون بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب ذكر أن جارية كانت
1 انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء 23/175.
2 ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص255 عن د. الصياد: المغول في التاريخ ص252.
3 سير أعلام النبلاء 23/183.
4 انظر نموذجا لهذه المخادعة والخيانة في سير أعلام النبلاء 23/180، 181.
تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وتسمى "عرفة" فجاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعا شديدا، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم1.
وأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة، ولكن الأمر أكبر من ذلك وأعظم.
ولم يقف هذا الضعف والهوان عند حدود دول المشرق الإسلامي، أو ينتهي بضعف مركز الخليفة العباسي، وضمور سلطان الخلافة العباسة، بل جاوز ذلك إلى ملوك وسلاطين المسلمين في بلاد الشام ومصر، فقد ذكر ابن كثير – في أحداث سنة 658هـ - أن سلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيز، وملك الكرك والشوبك الملك المغيث بن العادل قد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم، ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري2.
وقبل ذلك ذكر "الذهبي" أن عسكر الناصر سار سنة 656هـ
1 البداية والنهاية 13/190.
2 المصدر السابق: 13/207.
وعليهم "المغيث" بن صاحب الكرك، ليأخذوا مصر، فالتقاهم المظفر قطز وهو نائب للمنصور علي ولد المعز بالرمل فكسرهم وأسر جماعة أمراء فضرب أعناقهم1.
وقبل ذلك كذلك في سنة 642هـ كان حصار "الخوارزمية" على "دمشق" في خدمة صاحب "مصر" واشتد القحط حتى التقى بهم "الشاميون" ومعهم عسكر من "الفرنج" بين "عسقلان""وغزة" فانهزم الجمعان وحصدت "الخوارزمية""الفرنج" واندك صاحب "حمص" ونهبت خزائنه وبكى وقال – معبرا عن سر الهزيمة – "قد علمت بأنا لا نفلح لما سرنا تحت "الصلبان"2.
قال ابن الأثير واصفا أحوال المسلمين في هذه الفترة بشكل عام: "فمن سلم من المسلمين من هاتين الطائفتين التترـ والفرنج فالسيف بينهم مسلول والفتنة قائمة على ساق"3.
إذا علم ذلك كله أمكن تصور سرعة انتشارهم وضعف المقاومة أمامهم، وملء الرعب في قلوب الناس من حولهم، والله غالب على أمره.
1 سير أعلام النبلاء 23/181.
2 المصدر السابق 23/176.
3 الكامل في التاريخ 12/361.