الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4- مواقف الملأ وخيانات أصحاب الملل والنحل والأهواء
الخليفة العباسي (الناصر)
…
4-
مواقف الملأ وخيانات أصحاب الملل والنحل والأهواء:
وتلك قاصمة الظهر، والحدث الذي يحتاج إلى جلاء، والأدوار الخفية التي تحتاج إلى بيان، وهو السؤال المهم في هذا البحث: كيف دخل التتر بلاد المسلمين؟
ولا أدري أيقصد ابن الأثير الإشارة إلى شيء من ذلك أم لا حينما قال: "وقيل في سبب خروجهم إلى بلاد الإسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر" وامتنع عن كشفه وهو يقول:
فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر1
وأيا كان الأمر فسنتتبع هذا الأمر، ونجيب على هذه التساؤلات من خلال بيان المواقف التالية:
أ- الخليفة العباسي الناصر:
هو أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله، ولي الخلافة سنة خمس وسبعين وخمسمائة للهجرة وله ثلاث وعشرون سنة، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ولم يل الخلافة – من بني العباس – أطول مدة منه2 فكانت خلافته سبعا وأربعين سنة3.
1 الكامل 12/362.
2 الذهبي: سير أعلام النبلاء 22/192.
3 الصفدي: الوافي بالوفيات 6/310.
أما عن تشيعه فقد قال ابن واصل: كان الناصر لدين الله يتشيع ويميل إلى مذهب الإمامية، وهو خلاف ما كان عليه آباؤه من القادر إلى المستضيء؛ فإنهم كانوا يذهبون مذهب السلف، وللقادر عقيدة مشهورة في ذلك1.
وسئل "ابن الجوزي" و"الناصر" يسمع: "من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أفضلهم من كانت بنته تحته"2 وبهذه الإجابة الجيدة قطع ابن الجوزي الطريق على السائل الذي كان يريد منه إجابة تخالف رأي الخليفة الناصر، لأن الإجابة تنطبق على أبي بكر، وعلي رضي الله عنهما.
ومن المؤشرات على تشيع "الناصر" كذلك أن الشيعة يعتبرونه من أعلام المائة السابعة للشيعة3، ويرون أن "الشيعة" في عهده أخذت بالظهور والإنتشار في بغداد من جديد بعد الإضطهادات التي لاقوها بعد زوال آل بويه!! 4.
1 مفرج الروب 4/166، وعنه الذهبي في سير أعلام النبللاء 22/200، وابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 5/98.
2 مفرج الكروب 4/166، 167.
3 ترجم له صاحب: الأنوار الساطعة في المائة السابعة طبقات أعلام الشيعة أغابزرك الطهراني ص4-6.
4 الأنوار الساطعة ص6.
ويقول "ابن الطقطقي": كان من أفاضل الخلفاء، يفاوض العلماء، وكان يرى رأي الإمامية1.
وحين كتب إليه ابن صلاح الدين نور الدين علي – ويقال إنه كان يتظاهر بالتشيع - شكاية عن أخيه العزيز وعمه العادل قال فيها:
مولاي إن أبا بكر وصاحبه
…
عثمان قد غصبا بالسيف حق علي
ذي سنة بين الأنام قديمة
…
أبدا أبو بكر يجور على علي
أجابه الناصر:
غصبوا علياَ حقه إذ لم يكن
…
بعد النبي له بيثرب ناصر
فابشر فإن غدا عليه حسابهم
…
واصبر فناصرك الإمام الناصر2
قال ابن كثير: وكان الناصر شيعيا مثله3، كما ذكر الصفدي أن التشيع ظهر في خلافة الناصر بسبب ابن الصاحب ثم انطفى بهلاكه وظهر التسنن المفرط، ثم زال وظهر الفتوة والبندق والحمام الهادي
1 الآداب السلطانية ص 4.
2 الأنوار الساطعة ص5، 21.
3 البداية والنهاية 13/104، ولئن كان ابن كثير نقل هذه المكاتبة بينهما من ابن خلكان فلم أحد في الوفيات 3/420 هذه العبارة، مما يوحي أنها من كلام ابن كثير.
وتفنن الناس في ذلك1.
كما نقل أيضا أن رسول صاحب "مازندران" لما دخل بغداد في عهد الناصر كان يأتيه ورقة كل صباح بما عمل في الليل، وصار يبالغ في الكتم والورقة تأتيه، فاختلى ليلة بإمرأة دخلت إليه من باب السر فصبحته الورقة بذلك وفيها: كان عليكم دواج فيه صورة الفيلة، فتحير وخرج من بغداد وهو لا يشك أن الخليفة يعلم الغيب؛ لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم يعلم ما في الحامل وما وراء الجدار2.
أما عن موقفه مع "التتر" فيقول ابن الأثير: "وإن كان3 ما ينسبه العجم إليه صحيحا من أنه هو الذي أطمع التتر في البلاد، وراسلهم في ذلك فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم4.
وفي مرآة الزمان قال سبط الجوزي: قال لي المعظم بن العادل: كتب إلى جلال الدين] بن خوارزم شاه [يقول: تجيء أنت واتفق معي حتى نقصد الخليفة] الناصر [فإنه كان السبب في هلاك أبي] خوارزم شاه [، وفي مجيء التتار وجدنا كتبه إلى الخطا وتواقيعه لهم بالبلاد
1 الوافي بالوفيات 6/311.
2 المصدر السابق 6/313.
3 الذي في الكامل وكان سبب ما ينسبه وهذا لا تستقيم به العبارة، والتصويب من البداية والنهاية 13/103.
4 الكامل 12/440.
والخلع والخيل، فلم يوافقه المعظم على ذلك1.
وبالجملة فقد حمّل عدد من المؤرخين القدامى والمحدثين الخليفة العباسي الناصر مسؤلية اختراق المغول لبلاد المسلمين حينما حرضهم على غزو الأراضي الخوارزمية، ورأي فيهم القوة القادرة على رد السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد – خصمه – إلى صوابه.
فمن القدامى أمثال: ابن الفرات وأبي الفداء، والمقريزي.
ومن المحدثين أمثال: حافظ حمدي.
ومن الأوربيين أمثال: دوسون، وهورث، وبروان، وكيرتن، وميور، وجرينا، وهارولد لام.
وفي مقابل ذلك كله يرفض الدكتور القزاز ما نسب إلى الخليفة الناصر، لكنه يوجهه بتقصير الخليفة وعدم تقديره لمسؤليته كخليفة للمسلمين2.
1 السير 22/242، البداية 13/101.
2 انظر تفصيل ذلك فيما كتبته الدكتورة/ عفاف سيد صبره في كتابها: التاريخ السياسي للدولة الخوارزمية ص155-158، ويلاحظ أن الدكتورة لم ترجح رايا معينا وإن كانت أقرب إلى الرأي الأول حيث قالت: وسواء أصح الرأي الأول أم الثاني إلا أن الحقيقة تثبت أن هناك قوى بدأت تلفت نظر المغول إلى القوى الكبيرة التي تجاور حدودهم وهي قوى الخوارزمية. هذا فضلا عن حشدها لعدد من المؤرخين المؤيدين لاتهام الناصر وعدم ذكرها سوى القزاز مخالفا في الرأي.