الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمة المتوحشة الظالمة، وقد أحصى بعض المؤرخين ما قتلوه في يوم واحد في مدينة واحده وهي "مرو" فبلغ سبعمائة ألف إنسان1!!!
1 البداية والنهاية: 13/87.
رابعا: أحداث بغداد وسقوط الخلافة العباسية:
هذه المآسي الموجعة وهذه الأحداث المزلزلة لم تكن نهاية المطاف لمصائب التتر في بلاد المسلمين؛ فقد أعقبتها الكارثة الكبرى والفتنة العظمى بوصول التتر إلى بغداد وسقوطها في أيديهم وقتل الخليفة العباسي. وانتهاء الخلافة الإسلامية لبني العباس ويحيط الأسى بالقارئ وهو يطالع أحداث هذه السنة، ويكاد الألم يقطع قلب الكاتب وهو يدون أحداث هذه الفترة بآلامها وكوارثها وآثارها ونتائجها. وأسوق نموذجا لوصف الكارثة:
قال ابن كثير: "ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقني الوسخ، وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون. وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتى
تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم إلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانا، بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعد ما كانت أنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة.
وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة؛ فقيل ثمانمائة ألف، وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل بلغت القتلى ألفي الف نفس، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان دخلوهم إلى بغداد في أواخر المحرم، وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوما، وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر وعفي قبره، وكان عمره يومئذ ستا وأربعين سنة وأربعة أشهر، ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام، وقتل معه ولده الأكبر أبو العباس أحمد وله خمس وعشرون سنة ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن وله ثلاث وعشرون سنة، وأسر ولده الأصغر مبارك، وأسرت أخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم، وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل - والله أعلم – فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وكان عدو الوزير، وقتل أولاده الثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن، وعبد الكريم، وأكابر الدولة واحدا بعد واحد، منهم الديودار الصغير مجاهد الدين أيبك، وشهاب الدين سليمان شاه وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد. وكان الرجل يستدعي به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال، تجاه "المنظرة" فيذبح كما تذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه. وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين علي بن النيار، وقتل الخطباء والأئمة، وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات شهور ببغداد.
ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم، وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقني والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم