الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأمل معي خطاب الترهيب الإلهي للمؤمنين من الوقوع في فعل شيئ واحد مما نفعله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة/278، 279].
والله إن لم تكن العاقبة إلا وقوفنا ندا محاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم لكفى.
هذا فيما يخص الربا، فماذا في موالاة الكافرين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء/144].
تأمل قوله تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء/144].
ولقد حدث هذا بالفعل، وأصبحنا كأمة إسلامية في دائرة الغضب والعقوبة الإلهية وإن اختلف شكلها من مكان لآخر، ولعل من أهم المظاهر التي تؤكد لنا هواننا على الله عز وجل هو تسلط الأعداء علينا من هندوس وشيوعيين وبوذيين وصليبيين ويهود، هؤلاء الكفار ما كانوا ليفعلوا بنا ما يفعلون لو لم يأذن به الله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام/112].
اليهود الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة أصبحوا هم الذين يقومون بإذلالنا وإهانتنا وإهدار كرامتنا، وفرض سياستهم علينا.
ألهذا الحد أغضبنا الله عز وجل؟
أأصبح أبناء القردة والخنازير الأداة التي نؤدب بها؟: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء/123].
الجسد الواحد:
فإن قلت: ولكن أنا لا أفعل هذه الموبقات، وأعمل جاهدا على إصلاح نفسي، والاستقامة على أمر الله، فلماذا أُعاقب بما يعاقب به العاصون؟
يجيب عن هذا التساؤل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها، وقرأ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة/105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه "(1).
إن الأمة الإسلامية أمة واحدة، يشكل مجموع المسلمين جسدها، فإذا حدث لعضو في هذا الجسد مكروه، فعلى الجميع أن يعملوا على عودته لصحته مرة أخرى.
إذن فكون البعض منا صالحا في نفسه، مبتعدا عما يغضب ربه، فهذا لا يعفيه من مسئوليته عن الأمة وما يحدث لها
…
عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبذل غاية جهده في إصلاح الفساد، وإقامة المشروع الإسلامي، فإن لم يفعل ذلك دخل في عموم المعاقبين عقابا جماعيا كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال/25]. يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لهذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب، وقال الضحاك عن الفتنة المذكورة في الآية: إنها تصيب الظالم والصالح عامة (2).
(1) أخرجه: وأبو داود (4/ 122، رقم 4338)، والنسائي في الكبرى (6/ 338، رقم 11157) والترمذي (4/ 467، رقم 2168)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1327، رقم 4005)، والبيهقي (10/ 91، رقم 19976)، والعدني، والحميدي عن أبى بكر رضي الله عنه، قال المناوي: بإسناد جيد).
(2)
الدر المنثور للسيوطي (3/ 322)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.