الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يؤكد هذا المعنى، فعندما ضرب أخته فاطمة وسال الدم على وجهها، رق قلبه واستُثيرت مشاعره، فلما استمع إلى القرآن وهو بهذه الحالة الشعورية انجذب القلب له ودخل نوره إليه بإذن الله.
وهذا ما نريده، أن نستثمر أوقات التأثر التي نمر بها في يومنا، فنهرع حال وجودها إلى القرآن فنقرؤه، ونعيش معه بعقولنا ومشاعرنا، فيمتزج الفكر بالعاطفة، ويزداد القلب خشوعا وإيمانا.
في حالة عدم وجود مثل هذه الأوقات في اليوم، علينا أن نعمل على استثارة مشاعرنا قبل التلاوة، بالتفكير في الموت وسكراته وأحداث يوم القيامة، أو بالقراءة في كتاب من كتب الرقائق، أو الاستماع إلى موعظة ترقق القلب وتؤهله لاستقبال القرآن.
وهناك الكثير من الآيات التي تؤكد على أن الانتفاع الحقيقي بالقرآن يستلزم وجود قلب خائف يستقبله، قال تعالى:{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه/1 - 3].
نعم، هذه الوسيلة ستحتاج منا إلى مجهود، وبخاصة في البداية، ولكن بمرور الوقت وبدء عملية التغيير، ومع الزيادة المستمرة للإيمان في القلب والتي سيحدثها القرآن بمشية الله ستصبح المشاعر مؤهلة للاستثارة والتجاوب والانفعال بمجرد التلاوة وحدها دون الحاجة للتأهيل قبلها.
ثالثا: سلامة النطق والقراءة الهادئة:
فمع الانشغال بالقرآن والمداومة على القراءة اليومية له، وتهيئة الجو المناسب للقائه يأتي الحديث عن الكيفية التي سنقرؤه بها في هذا الوقت الذي خصصناه له.
هذه الكيفية يسهل علينا تصورها إذا وضح أمامنا الهدف الذي نسعى إليه من لقائنا بالقرآن.
فإذا كنا نريد التغيير فلابد من فهم القرآن بالعقل مع التأثر بالقلب، وهذا يستدعي منا سلامة النطق .. فتلاوة القرآن حق تلاوته - كما يقول أبو حامد الغزالي - هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزعاج والائتمار .. فاللسان يرتل والعقل يُترجم، والقلب يتعظ.
فعلينا تعلم النطق الصحيح لآيات القرآن، من خلال حلقات التعليم المنتشرة في المساجد وغيرها.
ومع سلامة النطق يأتي الترتيل والقراءة الهادئة كوسيلة مهمة من وسائل حُسن الفهم، فالقرآن كتاب موجز تحمل الآية الواحدة فيه معاني كثيرة، وكما يقول العلامة محمد عبد الله دراز رحمه الله بأنك لو وضعت أصابع يدك على أي موضع في القرآن ثم نظرت إلى الكلمات التي وقعت عليها أصابعك، وحاولت أن تكتب بأسلوبك ما يعبر عن معانيها لكتبت الكثير والكثير.
من هنا كان من الضروري أن نقرأ الآيات قراءة هادئة بطيئة ليتم من خلالها فهم ما تدل عليه، ولقد كان هذا هو هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم في قراءته للقرآن .. تقول السيدة حفصة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها.
ومما يلحق بهذا الجانب: عدم تحديد ورد من القرآن - كجزء مثلا - نُلزم به أنفسنا، فمثل هذا التحديد يدفع صاحبه لسرعة القراءة ومن ثَمََّ عدم الانتفاع بالقرآن.
وليكن التخصيص في الوقت لا في الكم، بمعنى أن يكون ورد القراءة لمدة ساعة يوميا على سبيل المثال.
ولقد سئل الإمام مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قراءتهما واحدة، وركوعهما وسجودهما وجلوسهما، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ:{وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء/106].