الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل هذه العوامل تشترك في تكوين اليقين بشقيه الصحيح والخاطئ والذي يختلف من شخص لآخر بناء على طبيعة العوامل التي تعرض لها. ولكي يتم التغيير الصحيح في الاهتمامات والتصورات، ومن ثم السلوك لابد أولا من إعادة بناء منطقة اللاشعور واستبدال اليقين الخاطئ بيقين صحيح تنطلق منه الخواطر والاهتمامات والأفعال التلقائية في حياة الإنسان.
المحور الثاني: القلب
ومع أهمية الفكر كمنطلق أساسي للسلوك إلا أن هذا الفكر لابد أن يجد من القلب رضا وتجاوبا وإلا ظلت الأفكار حبيسة العقل، ليعيش الشخص في تناقض بين فكره وسلوكه.
ولقد مرت علينا في حياتنا جميعا أوقات شعرنا فيها بهذا التناقض .. أحيانا نريد أن نقلع عن مشاهدة التلفاز فلا نستطيع .. نريد أن نستيقظ مع أذان الفجر أو قبله فلا نقدر .. نريد أن نترك عادة سيئة فلا نستطيع.
فإن قلت: فما السبب الذي يجعلنا لا نستطيع تنفيذ أشياء قد اقتنعنا بها، بل قد رسخت أهميتها في يقيننا؟! وكذلك لا نستطيع ترك أشياء نحن على ثقة تامة بمدى خطورتها علينا؟!
السبب في ذلك هو ضعف الإرادة القلبية والهزيمة أمام النفس. فإن كان العقل هو الدافع الأول للسلوك إلا أن الذي يأمر الجوارح بالتنفيذ هو القلب، فقلب الإنسان هو الملك على جميع الأعضاء، وما من فعل اختياري يقوم به العبد إلا ويعكس موافقة من القلب على تنفيذه. قال صلى الله عليه وسلم:" ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "(1).
معنى ذلك أن العقل قد يقتنع بفكرة ما ويشير على القلب بتنفيذها إلا أن القلب حين لا يرضى بذلك لا يتم الفعل.
ولكن ما الذي يحول بين القلب وبين تنفيذ ما يشير به العقل؟!
(1) صحيح: متفق عليه، البخاري (1/ 28، رقم 52)، ومسلم (3/ 1219، رقم 1599).
الذي يحول بينه وبين ذلك تمكن الهوى منه وسيطرته عليه. فالقلب هو مجمع المشاعر والعواطف داخل الإنسان .. هذه العواطف يتجاذبها طرفان .. الطرف الأول: الإيمان بما في العقل من عقائد وأفكار، والثاني: الهوى وما تميل إليه النفس.
فالعقل يريد من القلب تنفيذ مقتضيات أفكاره وقناعاته، والنفس تريد من القلب تنفيذ ما تهواه وتميل إليه من شهوات وحظوظ.
فالصراع بين الإيمان والهوى يتم قبل كل فعل يقوم به العبد، وأيهما أقوى سينتصر ويستولي على إرادة القلب، ومن ثم يكون الفعل من نصيبه هو:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص/50].
فلحظة المعصية تعكس انتصار الهوى على الإيمان، ولحظة الطاعة تعكس انتصار الإيمان على الهوى في القلب كما قال صلى الله عليه وسلم:" لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن "(1).
وعلى قدر تمكن الإيمان بالله من مشاعر الإنسان وقلبه يكون انعكاس ذلك على السلوك بأعمال صالحة، وعلى قدر تمكن الهوى من تلك المشاعر تكون المعاصي والغفلات.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (6/ 2497 رقم 6424)، وغيره.