الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيفية التغيير القرآني
قبل أن ينتقل الحديث عن الطريقة التي يمكننا من خلالها - بعون الله - الدخول إلى عالم القرآن ودائرة تأثيره ومصنعه، يبقى من الضروري الإجابة عن تساؤل قد يتبادر إلى بعض الأذهان عن الكيفية التي بها يقوم القرآن بالتغيير، وبخاصة وقد خلصنا في صفحات سابقة إلى أن التغيير المنشود لابد أن يشمل العقل والقلب والنفس.
ألا يكفي وصف الله لكتابه
؟!
نعم، نحن لسنا طالبين بمعرفة كيفية التغيير القرآني، فيكفي ما أخبرنا به الله عز وجل عن هذا الكتاب، ووصفه له بأنه نور يُخرج الناس من الظلمات على النور، ودواء لما يعانون منه من أدواء:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت/44].
ومع ذلك، فسبب ما ورثناه من تعامل خاطئ مع القرآن وعدم اقتناع البعض بأن الحل في هذا الكتاب، وبسبب عدم وجود أثر ملحوظ للتغيير على الكثير ممن ينشغلون بالقرآن، ويحفظون حروفه، ويكثرون من تلاوته
…
كل ذلك وغيره أفقدنا بعض الثقة في قدرة القرآن على التغيير، وانحصر دوره في حياتنا ليصبح مصدرا للأجر والثواب دون النظر للمقصد الأسمى من نزوله.
من هنا كان من الضروري الحديث عن كيفية التغيير القرآني والتي لا يستطيع أن يدرك كنهها أحد من البشر، فالمعجزة القرآنية وتأثرها على الفرد يفوق ما يمكن تخيله، والمحروم من حُرم التمتع بآثارها.
القرآن والعقل:
في الصفحات السابقة استعرضنا معا الأسباب التي تحول بيننا وبين أن نكون عبيدا مخلصين لله عز وجل، والتي تنطلق من محاور ثلاثة: العقل، والقلب، والنفس. ومن ثَمَّ فإن التغيير الحقيقي في ذات الإنسان ينبغي أن يشمل هذه المحاور الثلاثة.
فإذا ما نظرنا إلى العقل وجدنا أن بداية التغيير الحقيقي فيه تأتي من خلال فكر الإنسان وقناعاته واهتماماته وتصوراته
…
وهذا يشمل العقل المدرك، والعقل الباطن غير المدرك، بل إن التغيير في العقل الباطن هو الأهم باعتباره مصدرا للأفعال التلقائية والتي قد تتناقض مع قول المرء وما يدعو إليه. من هنا كان من الضروري استبدال الأفكار الخاطئة الراسخة في اللاشعور بأخرى صحيحة .. وهنا يأتي دور القرآن.
فمن أهم سماته أنه كتاب يخاطب العقل، ويُعلي من شأنه ويستثير صاحبه إلى استخدامه والتفكر به.
يطرح عليه القضايا الكلية التي يقوم عليها التصور الإسلامي الصحيح لمفردات الحياة والكون المحيط، ويُقنعه بها.
يؤسس عنده عقيدة التوحيد بصفاء وسهولة، بل إنه يجعل قارئه يصل إلى قناعة تامة بكل ما يتعلق بتوحيد الله عز وجل وحقوقه علينا، فيطرح عليه القضايا الاعتقادية من بدايتها .. هل للكون إله؟ من هو؟ وما اسمه؟ هل هناك معه شريك؟ هل له زوجة؟ هل له ولد؟
هذه الأسئلة الخطيرة يجيب عنها القرآن بكل سهولة ويسر، بل ويعرض وجهة النظر المخالفة في بعض الأحيان حتى يفندها ويبطلها تماما، كقوله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء/42]، وقوله:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون/91].