الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى نرجع للتفسير
؟
أما التفسير فله أهمية كبرى وسنكون دائما في حاجة للرجوع إليه، ولكن لنجعل له وقتا آخر غير الوقت الذي المخصص لتلاوة القرآن، وذلك لتصحيح فهم خاطئ أو معرفة حكم من الأحكام الشرعية، فبديهي أن تدبر القرآن ليس معناه استنباط أحكام منه فهذه وظيفة العلماء. وتاريخ الأمة يشهد بانحراف البعض ممن استنبطوا أحكاما شرعية من القرآن مباشرة دون أن يكونوا مؤهلين لذلك.
سابعا: ترديد الآية التي تؤثر في القلب:
الوسائل السابقة من شأنها أن تُهيئ العقل لحسن التدبر وفهم المراد من الآيات، ولكن ليس هذا فقط هو المطلوب من القرآن، فنحن نريد التغيير المتكامل في العقل والقلب والنفس، وهذا يستدعي - بجوار الفهم - التأثر والانفعال بالآيات والتجاوب معها.
فإن قلت التأثر والانفعال ليس بيدي، فقد أستطيع أن أُلزم نفسي الوسائل السابقة من انشغال بالقرآن والجلوس في مكان هادئ لتلاوته، وعدم السرحان، والتجاوب مع القراءة وفهم المراد من الآيات، أما أن أجعل قلبي يتجاوب وينفعل مع القرآن فهذا أمر لا أقدر عليه.
نعم، كلنا كذلك، وبخاصة أن قلوبنا قد أحاطتها حُجُب الغفلات، ولكن بالمداومة على الوسائل السابقة والمثابرة عليها وبخاصة التهيئة القلبية، ستأتي بلا شك لحظة أو لحظات تجد فيها آية من الآيات التي نقرؤها منفذا وطريقا يدخل منه نورها إلى القلب، فيؤثر في مشاعره ليحدث التجاوب والانفعال ومن ثم زيادة الإيمان.
قد يتم هذا الأمر بعد مرور عدة أيام من بداية عودتنا إلى القرآن ومع آية واحدة فقط في كل ما نقرأ، فماذا نفعل عند حدوث ذلك؟
علينا أن نستثمر الفرصة التي جاءتنا أحسن استثمار، فهذه اللحظات من أهم لحظات حياتنا .. مواسمنا وأعيادنا، ولم لا وأوقات حياة القلب هي أوقت الحياة الحقيقية، وبها يُقاس عمر الإنسان الفعلي.
فإن كان الأمر كذلك فلنعمل على دخول أكبر قدر من النور إلى القلب، من خلال ترديد تلك الآية مرات ومرات طالما وُجد التجاوب، ولقد كان هذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
لو علم الناس!!
يقول ابن القيم: فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لانشغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة .. فقراءة آية بتفكر وتفهُّم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف: يُردد احدهم الآية حتى الصباح.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح، وهو قوله:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة/118].
فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب، ولهذا قال ابن مسعود: لا تهُذُّا القرآن هذَّ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
إذن فهذه الوسيلة - ترديد الآية التي تؤثر في القلب - لَمِن أهم وسائل التغيير القرآني فبالإضافة إلى فائدتها العظمى في زيادة الإيمان وطرد الهوى من القلب، فإن لها كذلك فائدة أخرى تتحقق من خلال تكرارها حيث إن هذا التكرار يؤدي إلى ترسيخ معناها في العقل الباطن مما يُساعد في بناء اليقين الصحيح.
فإذا ما واظبنا على ذلك فستزداد بمرور الوقت عدد الآيات التي تؤثر في القلب مع كل تلاوة أو سماع للقرآن، فيزداد بذلك الإيمان أكثر وأكثر، ويتنور لقلب حتى تدب الحياة في جميع جنباته ليصبح قلبا حيا سليما خاشعا لربه خاضعا له.