الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المتن)
فَصْلٌ
وَالغِيْبَةُ حَرَامٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَنْكَشِفْ بِالمَعَاصِي وَالقَبَائِحِ
، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)(1).
وَمَنْ ذَكَرَ فِيْ فَاسِقٍ مَا فِيْهِ لِيُحْذَرَ مِنْهُ، أَوْ سَأَلَ عَنْهُ مَنْ يُرِيْدُ تَزْوِيْجَهُ أَوْ شَرِكَتُهُ أَوْ مُعَامِلَتُهُ، لَمْ يَكُنْ مُغْتَابًا لَهُ، وَلَا عَلَيْهِ إِثْمُ الغِيْبَةِ، وَلَهُ ثَوَابُ النَّصِيْحَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«قُوْلُوْا فِيْ الفَاسِقِ مَا فِيْهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ» .
وَلَا يُظَنُّ بِعُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى مَا هُوَ غِيْبَةٌ؛ عِنْدَ نَصِّهِ عَلَى السِّتَّةِ، وَجَعْلِ الشُّوْرَى فِيْهِم، وَذِكْرِ عَيْبِ كُلِّ وَاحِدٍ، بَلْ قَصَدَ بِذَلَكَ النُّصْحَ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ وَلِأَهْلِ الإِسْلِامِ.
(الشرح)
قوله: (والغيبة حرام).
أجمع العلماء على تحريم الغيبة، ودل على تحريمها النص والإجماع، فأما النص فما نقل المؤلف من آية الحجرات صدر الآية:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ).
ونقل بعض العلماء الإجماع على تحريمها، فقال بعضهم: إنها من الصغائر، ونقل القرطبي وغيره: أنها من الكبائر، والصحيح أنها من الكبائر (2).
(1) الحجرات: 12.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (5/ 6157)، والإحياء (4/ 42)، والنووي في روضة الطالبين (11/ 224)، وفتح الباري (10/ 470).
وأما حد الغيبة فأحسن من حدَّها هو النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، وهو من مفاريده من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» .
ولا غيبة لمجهول؛ لأن «ذكرك» تفيد التعيين.
والكافر ليس أخا للمسلم، غير أنه ليس معنى هذا أن الإنسان يُغتاب ويُتكلم فيه، فيقيد بالحاجة والمصلحة؛ وإلا هو غير داخل في تعريف الغيبة.
ولا شك أن غيبة العالم الورع ليست مثل غيبة آحاد الناس.
وقوله: «بما يكره» فكل شيء يكرهه الآدمي لا يحل أن يتكلم فيه في حال غيبته.
قوله: (ومن ذكر في فاسق ما فيه ليحذر منه أو سأل عنه من يريد تزويجه أو شريكته أو معاملته لم يكن مغتاب له ولا عليه آثم الغيبة، وله ثواب النصيحة، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: «قولوا في الفاسق ما فيه يحذره الناس»).
والغيبة كبيرة، غير أنها قد تباح، ومن أهل العلم من حدّ هذه الأسباب، ومنهم من وضع قيدًا لحِل الغيبة، فمن وضع قيدًا لحِل الغيبة، قال: تباح الغيبة لكل غرض صحيح شرعًا حيث يتعين طريقًا للوصول إليه بها (1).
(1) فتح الباري لابن حجر (10/ 472).
ذكر المؤلف صورًا مما تحل فيه الغيبة وقد نظمها بعضهم وذكر فيها:
الذّمُّ ليس بغيبة في ستة
…
متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقًا ومستفتٍ ومن
…
طلب الإعانة في إزالة منكر
وقوله: الذم يعني الغيبة.
قوله: (ومن طلب الإعانة في إزالة منكر).
كذا من طلب الإعانة في إزالة منكر فدعا غيره لزوال منكر واستعان بهم ولا يستطيع إزالته بنفسه؛ كأن يكون الواقعون على المنكر جماعة فحينئذ لا بأس بذكر المنكر ومن يقوم به ولا غيبة لهم.
قول المؤلف قول النبي صلى الله عليه وسلم: «قولوا في الفاسق ما فيه ليحذره الناس» (1).
لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو خبر باطل.
ولكن دلت الأحاديث على مقتضاه كما في صحيح مسلم، وذكره البخاري في ترجمة باب حديث أبي رقية ولمسلم من حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) ليس موجودا بهذا اللفظ، وجاء بلفظ مقارب له عند الطبراني (رقم: 1010)، والبيهقي في السنن (رقم: 21442)، وفي الشعب الإيمان (رقم: 9667) وغيرهم: عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترعون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه يعرفه الناس» .
«الدين النصيحة، قلن لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
قوله: (ولا يظن بعمر رضي الله عنه أنه أقدم على ما هو غيبة عند نصه على الستة الشورى فيهم، من ذكر عيب كل واحد، بل قصد بذلك النصح لله ولرسوله ولأهل الإسلام).
لا أدري ما هو مراد المؤلف هل ذكر عمر كل واحد فيهم؟ ولا أعلم أن عمرًا رضي الله عنه، نص على هؤلاء الستة وذكر عيب كل واحد منهم، وفي خبر الصحيح بل هو خير لهم، وتزكية لهم، حينما نص عليهم، ولعله أراد هذا الخبر الذي عزاه صاحب الكنز (رقم: 14255) إلى ابن سعد، وفيه نظر من حيث الصحة أما من حيث المعنى فتقدم ما يدل على جواز مثل هذا، بل في هذا الحالة يجب نصحًا للمسلمين والله المستعان.