المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل ثم إن هؤلاء مع فساد دينهم وعقولهم: متناقضون كثيرا - مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور

[عبد العزيز بن فيصل الراجحي]

فهرس الكتاب

- ‌تقدِيْمُ مَعَالِي الشَّيْخِ العَلامَةِ الدّكتورِ صَالِحِ بن ِفوْزَان بن ِعَبْدِ اللهِ الفوْزَان

- ‌فصل فِي الأَحَادِيْثِ النبَوِيَّةِ الناهِيَةِ عَن ِالصَّلاةِ فِي المقابرِ، وَعِنْدَ القبور

- ‌فصل في اخْتِلافِ الأَئِمَّةِ في صِحَّةِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ، مَعْ قوْلِهمْ بتَحْرِيْمِهَا

- ‌فصل في حُكمِ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ غيْرَ عَالمٍ باِلنَّهْيّ

- ‌فصل في حُكمِ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ، غيْرَ عَالِمٍ به

- ‌فصل في بُطلان ِصَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ اتفاقا مِنْ غيْرِ قصْدٍ له

- ‌فصل في حُكمِ الصَّلاةِ إلىَ القبوْر

- ‌فصل وَكانتْ فتْوَاهُ هَذِهِ نَحْوَ سَنَةِ (709هـ) وَبَعْدَ سِنِينَ:

- ‌فصل وَقدِ انْتَصَرَ لِشَيْخِ الإسْلامِ رحمه الله ُ

- ‌فصل فِي نقض ِشُبُهَاتِ المعْتَرِض ِعَلى تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ مُطلقا في المقابرِ وَعِنْدَ القبور

- ‌فصل فِي نقض ِدَلِيْلِهِ الثانِي، وَهُوَ بنَاءُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَهُ في مَقبَرَةٍ للمُشْرِكِيْن

- ‌فصل أَمّا مَعْنَى «المقبَرَةِ»: فهيَ أَرْضٌ فِيْهَا قبوْرٌ

- ‌فصل في رَدِّ زَعْمِهِ أَنَّ الدَّلِيْلَ إذا تَطرَّقَ إليْهِ الاحْتِمَالُ، بَطلَ بهِ الاسْتِدْلالُ

- ‌فصل أَمّا اسْتِدْلالُ هَؤُلاءِ المبْطِلِيْنَ، عَلى صِحَّةِ أَعْمَالهِمُ الشِّرْكِيَّةِ

- ‌فصل ثمَّ إنَّ هَؤُلاءِ مَعَ فسَادِ دِينِهمْ وَعقوْلهِمْ: مُتنَاقِضُوْنَ كثِيْرًا

- ‌فصل في اغتِرَارِ الأَتبَاعِ بمَا زَينهُ لهمُ الشَّيْطانُ فِي مَتْبُوْعِيْهمْ مِنْ مَخَارِيْقَ شَيْطانِيَّةٍ

- ‌فصل

- ‌فصل وَمَعَ أَنَّ الدُّعَاءَ وَالاسْتِغاثة َوَالذَّبحَ لِلأَمْوَاتِ أَنبيَاءً وَصَالحِينَ وَغيْرِهِمْ:

- ‌خاتمة

- ‌الفهرس

- ‌فهرس الموضوعات التّفصيلي والفوائد

- ‌فهْرِسُ الموْضُوْعَاتِ الإجْمَالِيّ

الفصل: ‌فصل ثم إن هؤلاء مع فساد دينهم وعقولهم: متناقضون كثيرا

‌فصل ثمَّ إنَّ هَؤُلاءِ مَعَ فسَادِ دِينِهمْ وَعقوْلهِمْ: مُتنَاقِضُوْنَ كثِيْرًا

، وَمِنْ ذلِك َ: أَنهُمْ لا يَطلبوْنَ مِنْ حَيٍّ دُعاءًا، مَعَ مَشْرُوْعِيَّتِهِ، وَاسْتِقامَتِهِ شَرْعًا، وَإتيان ِ السُّنَّةِ بجوَازِهِ، وَاسْتِحْبَابهِ لِمَنْ ظهَرَ صَلاحُهُ، كمَا في حَدِيْثِ أُوَيْس ٍ القرَنِيِّ في «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» (2542) وَغيْرِه.

وَلكِنهُمْ لا يَطلبوْنَ مِنْهُ الدَّعَاءَ لهمْ، حَتَّى إذا مَاتَ، وَانقطعَ عَمَلهُ، وَأَصْبَحَ هُوَ في حَاجَةٍ لإخْوَانِهِ أَنْ يَدْعُوا الله َ لهُ: لجُّوْا في دُعَائِهِ هُوَ! وَالاسْتِغاثةِ بهِ! وَالذَّبْحِ لهُ! وَالتقرُّبِ إليْهِ (1)!

وَقدْ رَأَيتُ كثِيْرًا مِنْ هَؤُلاءِ، مِمَّنْ يَنْتَسِبُ عِنْدَ رَهْطِهِ إلىَ العِلمِ وَالفِقهِ - وَهُوَ بَرَاءٌ مِنْهُمَا -: يَشُدُّ رِحَالهُ مُسَافِرًا إلىَ أَضْرِحَةِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ يُزْعَمُ صَلاحُهُمْ: فيَدْعُوْهُمْ وَيَسْتَغِيْثُ بهمْ، وَيَزْعُمُ أَنهُمْ أَغوَاثٌ وَأَقطابٌ! وَأَنَّ لهمْ تَصَرُّفا في الكوْن ِ مَعْلوْم! وَاطلاعٌ عَلى الغيْبِ

(1) - قالَ الشَّيْخُ الأَلبَانِيُّ في مُقدِّمَةِ تَحْقِيْقِهِ لِكِتَابِ «الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، في عَدَمِ سَمَاعِ الأَمْوَاتِ، عِنْدَ الحنَفِيَّةِ السّادَات» لِلعَلامَةِ نُعْمَان ِ بْن ِ مَحْمُوْدٍ الأَلوْسِيِّ (ت1317هـ)(ص11): (كاعْتِقادِ بَعْضِهمْ فِي الأَوْلِيَاءِ: أَنهُمْ قبْلَ مَوْتِهمْ كانوْا عَاجِزِيْنَ، وَباِلأَسْبَابِ الكوْنِيَّةِ مُقيَّدِيْنَ. فإذا مَاتوْا انْطلقوْا وَتفلتوْا مِنْ تِلك َ الأَسْبَابِ، وَصَارُوْا قادِرِيْنَ عَلى كلِّ شَيْءٍ كرَبِّ الأَرْبَاب!

وَلا يَسْتَغْرِبَنَّ أَحَدٌ هَذَا مِمَّنْ عَافاهُمُ الله ُ تَعَالىَ مِنَ الشِّرْكِ عَلى اخْتِلافِ أَنْوَاعِهِ، فإنَّ فِي المسْلِمِينَ اليَوْمَ مَنْ يُصَرِّحُ بأَنَّ فِي الكوْن ِ مُتَصَرِّفِينَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ دُوْنَ اللهِ تَعَالىَ! مِمَّنْ يُسَمُّوْنَهُمْ هُنَا فِي الشّامِ ب «المدَّرِّكِينَ» وَب «الأَقطابِ» وَغيرِهِمْ. وَفِيْهمْ مَنْ يَقوْلُ:«نَظرَة ٌ مِنَ الشَّيْخِ تَقلِبُ الشَّقِيَّ سَعِيْدًا» ! وَنَحْوِهِ مِنَ الشِّرْكِيّات) اه.

ص: 247

لا يَخْفى عَلى ذوِي الفهوْم! وَأَنهُ ضَعِيْفٌ عِنْدَهُمْ! مُحْتَاجٌ لِمَا في أَيْدِيْهمْ! مفرِّط ٌ إنْ لمْ يَعْفوْا عَنْهُ، وَمُقصِّرٌ فِيْمَا يرَادُ مِنْه.

وَسَمِعْتُ أَحَدَهُمْ - وَقدْ بَلغَ سُؤْلهُ، وَأَناخَ رَاحِلتَهُ، بَعْدَ سَفرٍ طوِيْل ٍ- عِنْدَ قبوْرِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ يُنْسَبُوْنَ إلىَ الصَّلاحِ، وَكثِيْرٌ مِنْهُمْ عَاطِلٌ مِنْ ذلِك. فدَعَاهُمْ بَاكِيًا خَاشِعًا، وَاسْتَشْفعَ بهمْ بذِلةٍ خَاضِعًا.

وَكانَ مِمّا قالهُ في دَعْوَاتِهِ الشِّرْكِيَّةِ تِلك َ:

(نحْنُ جِئْنَا مُسْتَمِدِّيْنَ طالِبيْنَ رَاجيْنَ أَنْ يَقبَلوْنا عَلى ضَعْفِنَا، وَأَنْ لا يرُدُّوْنا، وَأَنْ تتحَققَ قوَاعِدُ لا إلهَ إلا ّ الله ُ عِنْدَنا، كمَا تَحَققتْ عِنْدَهُمْ.

جِئْنَا إليْهِ وَإليْهمْ، وَوَقفنا عَلى أَعْتَابهمْ، وَاطرَحْنَا عَلى أَبوَابهمْ، وَأَرْجُوْ مِنْهُمْ أَنْ لا يَرُدُّوْنا، وَأَرْجُوْ مِنْهُمْ أَنْ يَقبَلوْنا، وَأَرْجُوْ مِنْهُمْ أَنْ يُكرِمُوْنا).

وَالآنَ أَقبلنَا عَليْهمْ وَحَاشَاهُمْ أَنْ يَرُدُّوْنا، وَحَاشَاهُمْ أَنْ لا يُشَفعُوْنا، وَحَاشَاهُمْ أَنْ لا يَشْفعُوْا فِيْنَا، وَحَاشَاهُمْ أَنْ لا يَرْحَمُوْا مَنْ غفلَ، وَأَنْ يُدْرِكوا مَن ِ اسْتَمْهَل).

ص: 248

فصل وَقدْ سُئِلَ شَيْخُ الإسْلامِ أَبوْ العَبّاس ِأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الحلِيْمِ ابْنُ تَيْمية َ رحمه الله ُ- كمَا في «مَجْمُوْعِ الفتَاوَى» (27/ 64 - 70) - عَمَّنْ يَزُوْرُ القبوْرَ، وَيَسْتنْجِدُ لِمَرَض ٍ أَلمَّ بهِ أَوْ بمَنْ يُحِبُّهُ باِلمقبوْرِ، وَيَزْعُمُ أَنهُ إنمَا يُرِيْدُ أَنْ يَكوْنَ المقبوْرُ وَاسِطة ً بَيْنَهُ وَبَينَ الله.

وَفِيْمَنْ يَنْذُرُ لِلزَّوَايا وَالمشَايخِ، وَفِيْمَنْ يَسْتَغِيْثُ بشَيْخِهِ، وَفِيْمَنْ يَجِيءُ إلىَ قبْرِ شَيْخِهِ وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ عَليْهِ، وَيَمْسَحُهُ بيَدَيهِ، ثمَّ يَمْسَحُ بهمَا وَجْهَهُ، وَنَحْوِ ذلك.

فأَجَابَ شَيْخُ الإسْلامِ رحمه الله ُ بقوْلِهِ:

(الحمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِيْنَ، الدِّينُ الذِي بَعَثَ الله ُ بهِ رُسُلهُ، وَأَنزَلَ بهِ كتبهُ: هُوَ عِبَادَة ُ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيْك َ لهُ، وَاسْتِعَانتهُ وَالتَّوَكلُ عَليْهِ، وَدُعَاؤُهُ لِجَلبِ المنافِعِ، وَدَفعِ المضَارِّ، كمَا قالَ تعَالىَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.

وَقالَ تعَالىَ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} .

وَقالَ تعَالىَ: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .

ص: 249

وَقالَ تعَالىَ: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} .

قالتْ طائِفة ٌمِنَ السَّلفِ: «كانَ أَقوَامٌ يَدْعُوْنَ المسِيْحَ، وَعُزَيْرًا، وَالملائِكة َ، فقالَ الله ُ تعَالىَ: هَؤُلاءِ الذِيْنَ تَدْعُوْنهُمْ عِبَادِي، كمَا أَنتمْ عِبَادِي، وَيَرْجُوْنَ رَحْمَتي، كمَا تَرْجُوْنَ رَحْمَتي، وَيَخافوْنَ عَذَابي كمَا تَخافوْنَ عَذَابي، وَيتقرَّبوْنَ إليَّ كمَا تتقرَّبوْنَ إليَّ.

فإذا كانَ هَذَا حَالُ مَنْ يَدْعُوْ الأَنبيَاءَ وَالملائِكة َ، فكيْفَ بمَنْ دُوْنهُمْ؟!

وَقالَ تعَالىَ: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} .

وَقالَ تعَالىَ: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} .

فبينَ سُبْحَانهُ: أَنَّ مَنْ دُعِيَ مِنْ دُوْن ِ اللهِ مِنْ جَمِيْعِ المخْلوْقاتِ مِنَ الملائِكةِ وَالبشرِ وَغيْرِهِمْ: أَنهُمْ لا يَمْلِكوْنَ مِثقالَ ذرَّةٍ في مُلكِهِ، وَأَنهُ ليْسَ لهُ شَرِيْك ٌ في مُلكِهِ، بَلْ هُوَ سُبْحَانهُ لهُ الملك ُ وَلهُ الحمْدُ، وَهُوَ عَلى كلِّ شَيْءٍ قدِيْر.

ص: 250

وَأَنهُ ليْسَ لهُ عَوْنٌ يعَاوِنهُ كمَا يَكوْنُ لِلمَلِكِ أَعْوَانٌ وَظهَرَاء.

وَأَنَّ الشُّفعَاءَ عِنْدَهُ لا يَشْفعُوْنَ إلا َّ لِمَن ِ ارْتضَى، فنفى بذَلِك َ وُجُوْهَ الشِّرْك.

وَذلِك َ أَنَّ مَنْ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ:

* إمّا أَنْ يَكوْنَ مَالِكا،

* وَإمّا أَنْ لا يَكوْنَ مَالِكا.

وَإذا لمْ يَكنْ مَالِكا:

* فإمّا أَنْ يَكوْنَ شَرِيْكا،

* وَإمّا أَنْ لا يَكوْنَ شَرِيْكا.

وَإذا لمْ يَكنْ شَرِيْكا:

* فإمّا أَنْ يَكوْنَ مُعَاوِنا،

* وَإمّا أَنْ يَكوْنَ سَائِلا ً طالِبًا.

فالأَقسَامُ الأُوَلُ الثلاثة ُ، وَهِيَ: الملك ُ، وَالشِّرْكة ُ، وَالمعاوَنة ُ: مُنتفِيَة.

وَأَمّا الرّابعُ: فلا يَكوْنُ إلَاّ مِنْ بَعْدِ إذنِهِ، كمَا قالَ تعَالىَ:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} .

وَكمَا قالَ تعَالىَ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} .

ص: 251

وَقالَ تعَالىَ: {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} .

وَقالَ تعَالىَ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} .

وَقالَ تعَالىَ: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .

وَقالَ تعَالىَ: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

فإذَا جَعَلَ مَن ِ اتخذَ الملائِكة َ وَالنبيينَ أَرْبابا كافِرًا، فكيْفَ مَن ِ اتخذَ مَنْ دُوْنهُمْ مِنَ المشَايخِ وَغيْرِهِمْ أَرْبابا.

وَتفصِيْلُ القوْل ِ: أَنَّ مَطلوْبَ العَبْدِ إنْ كانَ مِنَ الأُمُوْرِ التي لا يَقدِرُ عَليْهَا إلا َّ الله ُ تعَالىَ: مِثلَ أَنْ يَطلبَ شِفاءَ مَرِيْضِهِ مِنَ الآدَمِيِّيْنَ وَالبهَائِم. أَوْ وَفاءَ دَينِهِ مِنْ غيْرِ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ عَافِيَة َ أَهْلِهِ، وَمَا بهِ مِنْ بَلاءِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَانتِصَارَهُ عَلى عَدُوِّهِ، وَهِدَاية َ قلبهِ، وَغفرَانَ ذنبهِ، أَوْ دُخُوْلهُ الجنة َ، أَوْ نجَاتهُ مِنَ النّارِ، أَوْ أَنْ يَتَعَلمَ العِلمَ وَالقرْآنَ، أَوْ أَنْ يُصْلِحَ قلبهُ، وَيُحْسِنَ خُلقهُ، وَيُزَكي نفسَهُ، وَأَمْثالَ ذلك.

ص: 252

فهَذِهِ الأُمُوْرُ كلهَا لا يَجُوْزُ أَنْ تطلبَ إلا َّ مِنَ اللهِ تعَالىَ، وَلا يَجُوْزُ أَنْ يَقوْلَ لِمَلكٍ، وَلا نبيٍّ، وَلا شَيْخٍ - سَوَاءٌ كانَ حَيًّا أَوْ مَيتا-:«اغفِرْ ذنبي» ، وَلا «انصُرْنِي عَلى عَدُوِّي» ، وَلا «اشْفِ مَرِيْضِي» ، وَلا «عَافِنِي» أَوْ «عَافِ أَهْلِي أَوْ دَابَتي» ، وَمَا أَشبهَ ذلك.

وَمَنْ سَأَلَ ذلِك َ مَخْلوْقا كائِنًا مَنْ كانَ: فهوَ مُشْرِك ٌ برَبهِ، مِنْ جِنْس ِ المشْرِكِيْنَ الذِيْنَ يَعْبُدُوْنَ الملائِكة َ وَالأَنبيَاءَ وَالتَّمَاثِيْلَ، التي يُصَوِّرُوْنهَا عَلى صُوَرِهِمْ.

وَمِنْ جِنْس ِ دُعَاءِ النَّصَارَى لِلمَسِيْحِ وَأُمِّهِ، قالَ الله ُ تعَالىَ:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} .

وَقالَ تَعَالىَ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

وَأَمّا مَا يَقدِرُ عَليْهِ العَبْدُ: فيَجُوْزُ أَنْ يُطلبَ مِنْهُ في بَعْض ِ الأَحْوَال ِ دُوْنَ بَعْض.

فإنَّ «مَسْأَلة َ المخلوْق» ِ قدْ تَكوْنُ جَائِزَة ً، وَقدْ تَكوْنُ مَنْهيًّا عَنْهَا، قالَ الله ُ تَعَالىَ:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} .

وَأَوْصَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا: «إذا سَأَلتَ فاسْأَل ِ الله َ، وَإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باِلله» (1).

(1) - رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (1/ 293، 307) وَالتِّرْمِذِيُّ في «جَامِعِهِ» (2516) وَقالَ: «حَسَنٌ صَحِيْح» .

ص: 253

وَأَوْصَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم طائِفة ًمِنْ أَصْحَابهِ: أَنْ لا يَسْأَلوْا النّاسَ شَيْئًا. فكانَ سَوْط ُ أَحَدِهِمْ يَسْقط ُ مِنْ كفهِ، فلا يَقوْلُ لأَحَدٍ ناوِلني إياه (1).

وَثبتَ في «الصَّحِيْحَيْن» : أَنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: «يَدْخُلُ الجنة َ مِنْ أُمَّتي سَبْعُوْنَ أَلفا بغيْرِ حِسَابٍ، وَهُمُ الذِيْنَ لا يَسْتَرْقوْنَ وَلا يَكتوُوْنَ، وَلا يَتطيَّرُوْنَ، وَعَلى رَبِّهمْ يتوَكلوْن» [خ (5705)، (5752)، (6472) م (216)، (218)، (220)].

(1) - رَوَى مُسْلِمٌ في «صَحِيْحِهِ» (1043) مِنْ حَدِيْثِ عَوْفِ بْن ِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: (كنّا عِنْدَ رَسُوْل ِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَة ً، أَوْ ثَمَانِيَة ً، أَوْ سَبْعَة ً، فقالَ:«أَلا تُبَايعُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ؟» وَكنّا حَدِيْثَ عَهْدٍ ببَيْعَة.

فقلنَا: قدْ بَايَعْنَاك َ يَا رَسُوْلَ اللهِ!

ثمَّ قالَ: «أَلا تُبَايعُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ؟» .

فقلنَا: قدْ بَايَعْنَاك َ يَا رَسُوْلَ اللهِ!

ثمَّ قالَ: «أَلا تُبَايعُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ؟» .

قالَ: فبَسَطنَا أَيْدِيَنَا، وَقلنَا: بَا يَعْنَاك َ يَا رَسُوْلَ اللهِ، فعَلامَ نُبَايعُك؟

قالَ: «عَلى أَنْ تَعْبُدُوْا الله َوَلا تُشْرِكوْا بهِ شَيْئًا، وَالصَّلوَاتِ الخمْس ِ، وَتُطِيْعُوْا» -وَأَسَرَّ كلِمَة ً خَفِيَّة ً- «وَلا تَسْأَلوْا النّاسَ شَيْئًا» .

قالَ: فلقدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُوْلئِك َ النَّفرِ، يَسْقط ُ سَوْط ُ أَحَدِهِمْ، فمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلهُ إياه). وَرَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (6/ 27)، وَأَبوْ دَاوُوْدَ في «سُنَنِهِ» (1642)، وَابْنُ مَاجَهْ (2867)، وَالنَّسَائِيُّ في «سُنَنِه» (460).

وَرَوَى وَكِيْعٌ في «الزُّهْدِ» (140)(1/ 370 - 371)، وَابْنُ الجعْدِ في «مُسْنَدِهِ» (2/ 993) (2873): عَن ِابْن ِأبي ذِئْبٍ عَنْ محمَّدِ بْن ِ قيْس ٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن ِ بْن ِ يَزِيْدِ بْن ِ مُعَاوِيَة َ عَنْ ثوْبانَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَتَقبَّلْ لِي بوَاحِدَةٍ، وَأَتقبَّلْ لهُ باِلجنَّة؟» .

قالَ ثوْبانُ: قلتُ: أَنا.

فقالَ صلى الله عليه وسلم: «لا تَسْأَل ِ النّاسَ شَيْئًا» .

قالَ: فكانَ ثوْبانُ يَقعُ سَوْطهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فلا يَقوْلُ لأَحَدٍ نَاوِلنِيْهِ حَتَّى يَنْزِلَ فيَأْخُذُه.

وَرَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (5/ 277): حَدَّثنَا وَكِيْعٌ به، وَابْنُ مَاجَهْ في «سُننِهِ» (1837): حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ محمَّدٍ حَدَّثنَا وَكِيْعٌ به.

وَفي البابِ: حَدِيْثُ جَمَاعَةٍ آخَرِيْنَ، مِنْهُمْ أَبوْ ذرٍّ الغِفارِيُّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فقالَ لهُ:«هَلْ لك َ إلىَ بَيْعَةٍ وَلك َ الجنَّة؟» .

قالَ أَبوْ ذرٍّ: قلتُ: نَعَم. وَبَسَط َ أَبوْ ذرٍّ يَدَه.

فقالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَشْتَرِط ُعَليْهِ: «أَنْ لا تَسْأَلَ النّاسَ شَيْئًا» .

قالَ أَبوْ ذرٍّ: قلتُ: نَعَم.

قالَ: «وَلا سَوْطك َ إنْ سَقط َ مِنْك َ، حَتَّى تنْزِلَ فتَأْخُذَه» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (5/ 172) وَغيْرُه.

ص: 254

وَالاسْتِرْقاءُ: طلبُ الرُّقيةِ، وَهُوَ مِنْ أَنوَاعِ الدُّعَاءِ، وَمَعَ هَذَا فقدْ ثبتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنهُ قالَ:«مَا مِنْ رَجُل ٍ يَدْعُوْ لهُ أَخُوْهُ بظهْرِ الغيْبِ دَعْوَة ً، إلا َّ وَكلَ الله ُ بهَا مَلكا، كلمَا دَعَا لأَخِيْهِ دَعْوَة ً قالَ الملك ُ: وَلك َمِثْلُ ذلِك» (1).

وَمِنَ المشْرُوْعِ في الدُّعَاءِ: دُعَاءُ غائِبٍ لِغائِب. وَلهِذَا أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم باِلصَّلاةِ عَليْهِ، وَطلبنَا الوَسِيْلة َ له.

وَأَخْبَرَ بمَا لنا في ذلِك َ مِنَ الأَجْرِ إذا دَعَوْنا بذَلك َ، فقالَ في الحدِيْثِ: «إذا سَمِعْتُمُ المؤَذنَ فقوْلوْا مِثلَ مَا يَقوْلُ، ثمَّ صَلوْا عَليَّ،

(1) - رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (6/ 452)، (5/ 195) وَمُسْلِمٌ في «صَحِيْحِه» (2732)، (2733).

ص: 255

فإنَّ مَنْ صَلى عَليَّ مَرَّة ً، صَلى الله ُ عَليْهِ عَشْرًا. ثمَّ سَلوْا الله َ لِي الوَسِيْلة َ، فإنهَا دَرَجَة ٌ في الجنةِ لا يَنْبَغِي أَنْ تَكوْنَ إلا َّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُوْ أَنْ أَكوْنَ أَنا ذلِك َ العَبْد. فمَنْ سَأَلَ الله َ لِيَ الوَسِيْلة َ: حَلتْ لهُ شَفاعَتي يوْمَ القِيَامَة» (1).

وَيُشْرَعُ لِلمُسْلِمِ: أَنْ يَطلبَ الدُّعَاءَ مِمَّنْ هُوَ فوْقهُ، وَمِمَّنْ هُوَ دُوْنه. فقدْ رُوِيَ طلبُ الدُّعَاءِ مِنَ الأَعْلى وَالأَدْنى، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَدَّعَ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ إلىَ العُمْرَةِ وَقالَ:«لا تنْسَنا مِنْ دُعَائِك َ يَا أَخِي» (2).

لكِنهُ صلى الله عليه وسلم لمّا أَمَرَنا باِلصَّلاةِ عَليْهِ وَطلبِ الوَسِيْلةِ لهُ: ذكرَ أَنَّ مَنْ صَلى عَليْهِ مَرَّة ً، صَلى الله ُ بهَا عَليْهِ عَشْرًا. وَأَنَّ مَنْ

سَأَلَ لهُ الوَسِيْلة َ: حَلتْ لهُ شفاعَتُهُ يَوْمَ القِيَامَة.

فكانَ طلبهُ مِنّا لِمَنْفعَتِنَا في ذلِك َ، وَفرْقٌ بَيْنَ مَنْ طلبَ مِنْ غيْرِهِ شَيْئًا لِمَنْفعَةِ المطلوْبِ مِنْهُ، وَمَنْ يَسْأَلُ غيْرَهُ لحاجَتِهِ إليْهِ فقط.

وَثبتَ في «الصَّحِيْحِ» [م (2542)]: أَنهُ صلى الله عليه وسلم ذكرَ أُوَيْسًا القرَنِيَّ وَقالَ لِعُمَرَ: «إن ِ اسْتَطعْتَ أَنْ يَسْتَغفِرَ لك َ فافعَلْ» .

وَفي «الصَّحِيْحَيْن» ِ: أَنهُ كانَ بَيْنَ أَبي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا شَيْءٌ، فقالَ أَبوْ بَكرٍ لِعُمَرَ:«اسْتغفِرْ لِي» ، لكِنْ في الحدِيْثِ:

(1) - رَوَاهُ النَّسَائِيُّ في «سُننِهِ» (678) مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بْن ِ عَمْرٍو رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا.

(2)

- رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (2/ 59)، (1/ 29) وَأَبوْ دَاوُوْدَ في «سُننِه» (1498).

ص: 256

أَنَّ أَبا بَكرٍ ذكرَ أَنهُ حَنِقَ عَلى عُمَرَ (1).

وَثبَتَ أَنَّ أَقوَاما كانوْا يَسْتَرْقوْنَ، وَكانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يرْقِيْهمْ (2).

وَثبتَ في «الصَّحِيْحَيْن» ِ: (أَنَّ النّاسَ لمّا أَجْدَبوْا سَأَلوْا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَسْقِي لهمْ فدَعَا الله َ لهمْ فسُقوْا)(3).

وَفي «الصَّحِيْحَيْن» ِ أَيضًا: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطابِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ اسْتَسْقى باِلعَبّاس ِ، فدَعَا فقالَ: «اللهُمَّ إنا كنا إذا أَجْدَبنا نتوَسَّلُ إليْك َ بنبينا فتسْقينا، وَإنا نتوَسَّلُ إليْك َبعَمِّ نبيِّنَا فأَسْقِنَا» فيُسْقوْن)[خ (1010)].

(1) - رَوَاهُ البُخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ» (3661)، (4640) مِنْ حَدِيْثِ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ الله ُ عَنْه.

(2)

- وَمِنْ ذلِك َ: مَا أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ» (5675)، (5743)، (5744)، (5750) وَمُسْلِمٌ (2191) مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَة َرَضِيَ الله ُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَرْقِي يَقوْلُ: «امْسَحِ البَاسَ رَبَّ النّاس ِ، بيَدِك َ الشِّفاءُ، لا كاشِفَ لهُ إلا َّ أَنت» .

وَمَا أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ» أَيْضًا (5742) مِنْ حَدِيْثِ ثابتٍ عَنْ أَنس ِبْن ِمَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْه أَنَّ ثابتًا قالَ لهُ: يَا أَبا حَمْزَة َ اشْتَكيْتُ.

فقالَ أَنسٌ: أَلا أَرْقِيْك َ برُقيَةِ رَسُوْل ِاللهِ صلى الله عليه وسلم؟

قالَ: بَلى.

قالَ: «اللهُمَّ رَبَّ النّاس ِ، مُذْهِبَ البَاس ِ، اشْفِ أَنتَ الشّافي، لا شَافِيَ إلا َّ أَنتَ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقمًا» .

(3)

- أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ» (932)، (933)، (1033) وَمُسْلِمٌ (987) مِنْ حَدِيْثِ أَنس ِبْن ِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْه.

ص: 257

وَفي «السُّنَن» ِ: (أَنَّ أَعْرَابيًّا قالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: جَهدَتِ الأَنفسُ، وَجَاعَ العِيَالُ، وَهَلك َ المالُ، فادْعُ الله َ لنا، فإنا نسْتَشْفِعُ باِللهِ عَليْك َ، وَبك َ عَلى الله» [د (4726)].

فسَبَّحَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ ذلِك َ في وُجُوْهِ أَصْحَابهِ وَقالَ: «وَيْحَك ْ! إنَّ الله َ لا يُسْتَشْفعُ بهِ عَلى أَحَدٍ مِنْ خَلقِهِ، شَأْنُ اللهِ أَعْظمُ مِنْ ذلك» ).

فأَقرَّهُ عَلى قوْلِهِ «إنا نسْتَشْفِعُ بك َعَلى اللهِ» ، وَأَنكرَ عَليْهِ «نسْتشْفِعُ باِللهِ عَليْك» .

لأنَّ الشّافِعَ يَسْأَلُ المشفوْعَ إليْهِ، وَالعَبْدُ يَسْأَلُ رَبهُ وَيَسْتَشْفِعُ إليْهِ، وَالرَّبُّ تعَالىَ لا يَسْأَلُ العَبْدَ وَلا يَسْتشْفِعُ به) اه كلامُ شَيْخِ الإسْلام.

ص: 258