الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَ ابْنُ كثِيْرٍ بَعْدَهُ: (فانظرْ الآنَ هَذَا التَّحْرِيْفَ عَلى شَيْخِ الإسْلامِ، فإنَّ جَوَابهُ عَلى هَذِهِ المسْأَلةِ، ليْسَ فِيْهِ مَنْعُ زِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالحِيْنَ، وَإنمَا فِيْهِ ذِكرُ قوْليْن ِ في شَدِّ الرَّحْل ِ، وَالسَّفرِ إلىَ مُجَرَّدِ زِيارَةِ القبوْر. وَزِيارَة ُ القبوْرِ مِنْ غيْرِ شَدِّ رَحْل ٍ إليْهَا مَسْأَلة ٌ، وَشَدُّ الرَّحْل ِ لِمُجَرَّدِ الزِّيارَةِ، مَسْأَلة ٌ أُخْرَى.
وَالشَّيْخُ لمْ يَمْنَعِ الزِّيارَة َ الخالِيَة َ عَنْ شَدِّ رَحْل ٍ، بَلْ يَسْتَحِبُّهَا وَيَنْدُبُ إليْهَا، وَكتبهُ وَمَنَاسِكهُ تَشْهَدُ بذَلِك َ، وَلمْ يتعَرَّضْ إلىَ هَذِهِ الزِّيارَةِ في هَذَا الوَجْهِ مِنَ الفتْيَا، وَلا قالَ «إنهَا مَعْصِيَة ٌ» ، وَلا حَكى الإجْمَاعَ عَلى المنْعِ مِنْهَا، وَلا هُوَ جَاهِلٌ قوْلَ الرَّسُوْل ِ صلى الله عليه وسلم «زُوْرُوْا القبوْرَ فإنهَا تذَكرُكمُ الآخِرَة» ، وَالله ُ سُبْحَانهُ لا يَخْفى عَليْهِ شَيْءٌ، وَلا يَخْفى عَليْهِ خَافِيَة ٌ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} ) اه.
فصل وَقدِ انْتَصَرَ لِشَيْخِ الإسْلامِ رحمه الله ُ
، وَذبَّ عَنْهُ، وَبَيَّنَ مُرَادَهُ، وَرَجَّحَهُ وَأَظهَرَهُ: جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ مِنْ أَرْبابِ المذَاهِبِ كافة ً، وَعَلى رَأْسِهمْ عُلمَاءُ بَغْدَاد.
وَضَلَّ آخَرُوْنَ عَنْ عِلةِ نهْيِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَضَابطِهِ في شَدِّ الرِّحَال ِ إلىَ غيْرِ المسَاجِدِ الثلاثةِ: فعَارَضُوْهُ - مَعَ أَنهُ في «الصَّحِيْحَيْن» - بإجْمَاعِ العُلمَاءِ عَلى جَوَازِ شَدِّ الرِّحَال ِ إلىَ الثغوْرِ، وَطلبِ العِلمِ،
وَالتِّجارَةِ، وَزِيارَةِ الأَرْحَامِ، وَغيْرِ ذلِك َ مِمّا هُوَ مَشْرُوْعٌ، أَوْ صَرَفوْا مَعْنَاهُ عَنْ حَقِيْقتِهِ بصَوَارِفَ غيْرَ صَحِيْحَةٍ، وَعَمُوْا عَنْ سَببِ الحكمِ وَعِلتِه.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ مُبَيِّنًا العِلة َ الصَّحِيْحَة َ المعْتَبرَة َ في ذلِك َ، وَرَادًّا عَلى أُوْلئِك َ المتوَهِّمِيْنَ - كمَا في «مَجْمُوْعِ الفتاوَى» - (27/ 249 - 250): (فالمسَافِرُ إلىَ الثغوْرِ، أَوْ طلبِ العِلمِ، أَوِ التجَارَةِ، أَوْ زِيَارَةِ قرِيبهِ: ليْسَ مَقصُوْدُهُ مَكانا مُعَيَّنًا إلا َّ باِلعَرَض ِ، إذا عَرَفَ أَنَّ مَقصُوْدَهُ فِيْهِ، وَلوْ كانَ مَقصُوْدُهُ في غيْرِهِ لذَهَبَ إليْه.
فالسَّفرُ إلىَ مِثْل ِ هَذَا، لمْ يَدْخُلْ في الحدِيْثِ باِتفاق ِ العُلمَاءِ، وَإنمَا دَخَلَ فِيْهِ مَنْ يُسَافِرُ لِمَكان ٍ مُعَيَّن ٍ، لِفضِيْلةِ ذلِك َ بعَيْنِهِ، كالذِي يُسَافِرُ إلىَ المسَاجِدِ وَآثارِ الأَنْبيَاءِ، كالطوْرِ الذِي كلمَ الله ُ عَليْهِ مُوْسَى، وَغارِ حِرَاءَ
…
وَمَا هُوَ دُوْنَ ذلِك َ مِنَ الغارَاتِ وَالجِبَال) اه كلامُهُ رحمه الله.
وَقالَ آخَرُوْنَ: (قوْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم «إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِدَ» : اسْتثناءٌ مُفرَّغٌ، وَالتَّقدِيْرُ فِيْهِ:«إلىَ مَسْجِدٍ» أَي: لا تشدُّ الرِّحَالُ إلىَ مَسْجِدٍ إلا َّ إلىَ المسَاجِدِ الثلاثة.
فأَجَازُوْا كلَّ سَفرٍ - وَإنْ كانَ سَفرًا لِبُقعَةٍ فاضِلةٍ، أَوْ يُزْعَمُ فضْلهَا، أَوْ قبْرٍ وَغيْرِهِ - وَلمْ يَمْنَعُوْا إلا َّ مَنْ سَافرَ لِمَسْجِدٍ غيْرَ هَذِهِ الثلاثةِ، وَجَعَلوْا ذلِك َ هُوَ الضّابط َ! وَهَذَا غيْرُ صَحِيْح.
وَلوْ سَلمْنَا لهمْ ذلِك َ، وَجَعَلنَا التَّقدِيْرَ في ذلِك َ الاسْتِثْنَاءِ المفرَّغِ:«إلىَ مَسْجِدٍ» : لكانَ النَّهْيُ عَن ِ السَّفرِ إلىَ مَسْجِدٍ غيْرِ الثلاثةِ باِللفظِ، وَعَنْ سَائِرِ البقاعِ وَالأَمَاكِن ِ التي يعْتقدُ فضْلهَا باِلتَّنْبيْه وَالفحْوَى، وَطرِيْق ِ الأَوْلىَ.
فإنَّ المسَاجِدَ وَالعِبَادَة َ فِيْهَا، أَحَبُّ إلىَ اللهِ مِنَ العِبَادَةِ في تِلك َ البقاعِ باِلنَّصِّ وَالإجْمَاع.
فإذا كانَ السَّفرُ إلىَ البقاعِ الفاضِلة - باِلنَّصِّ وَالإجْمَاعِ-: قدْ نهيَ عَنْهُ: فالسَّفرُ إلىَ المفضُوْلةِ أَوْلىَ باِلتَّحْرِيْمِ وَأَحْرَى.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ التَّقدِيْرَ في هَذَا الاسْتِثْنَاءِ هُوَ: «إلىَ بُقعَةٍ وَمَكان ٍ يُظنُّ فضْلهُ» أَي: لا تشدُّ الرِّحَالُ إلىَ بُقعَةٍ يُظنُّ فضْلهَا، إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِد.
وَعَلى كِلا التقدِيْرَيْن ِ في هَذَا الاسْتِثْنَاءِ: يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَال ِ، إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِد.
إذا تقرَّرَ هَذَا الحكمُ وَاسْتقرَّ: عَلِمْتَ أَنَّ شَدَّ الرِّحَال ِ إلىَ قبوْرِ الأَوْلِيَاءِ وَالصّالِحِيْنَ: مُنْكرٌ عَظِيْمٌ، وَإثمٌ جَسِيْمٌ، وَضَلالة ٌ عَمْيَاءُ، وَجَهَالة ٌ جَهْلاء.
وَأَنَّ ذلِك َ المسَافرَ قدْ سَافرَ مَأْزُوْرًا في سَفرِ مَعْصِيَةٍ، لا يَجُوْزُ لهُ فِيْهِ الجمْعُ وَلا القصْرُ، وَلا التَّرَخُّصُ برُخص ِ المسَافِرِيْن.
فإنْ كانَ صَائِمًا: لمْ يَجُزْ لهُ الإفطارُ، وَإنْ كانَ مُصَليًا: لمْ تصِحَّ صَلاتهُ إلا َّ باِلإتمَام.
ثمَّ إذا عَلِمْتَ أَنَّ كلَّ شَادِّ رَحْل ٍ وَمُسَافِرٍ إلىَ تِلك َ المشَاهِدِ وَالقبوْرِ: لمْ يُسَافرْ لها، إلا َّ لأَجْل ِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا، رَجَاءَ بَرَكةِ بقعَتِهَا: عَلِمْتَ أَنَّ أُوْلئِك َ المسَافِرِيْنَ، قدْ بَلغوْا في الضَّلال ِ مَبْلغا عَظِيْمًا.
بَلْ لا يَخْلو أُوْلئِك َ المسَافِرُوْنَ المرْتحِلوْنَ إلىَ القبوْرِ، مِنْ دُعَاءِ أُوْلئِك َ المقبُوْرِيْنَ، وَالاسْتِغاثةِ بهمْ، وَرَجَاءِ نفعِهمْ، وَغيْرِ ذلِك َ مِمّا هُوَ شِرْك ٌ وَكفرٌ باِللهِ مُخْرِجٌ مِنَ المِلةِ، لا يَقبَلُ الله ُ مِنْ فاعِلهِ عَدْلا ً وَلا صَرْفا.
فهَذَا البابُ الذِي خَشِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلى أُمَّتِهِ مِنْهُ قدْ فتِحَ، وَهَذَا نهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَن ِ اتخاذِهَا مَسَاجِدَ قدْ أُوْتِيَ: فكانَ ذرِيْعَة ً إلىَ إشْرَاكِهمْ باِللهِ وَكفرِهِمْ، كمَا كانَ ذرِيْعَة ً لِشِرْكِ الأُمَمِ قبْلهُمْ.
فصل في بيان ِحَال ِالأَحَادِيْثِ المرْوِيَّةِ في فضْل ِ زِيَارَةِ قبْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنهَا مَوْضُوْعَة ٌ، مَعَ كوْن ِ زِيَارَةِ قبْرِهِ صلى الله عليه وسلم قرْبَة ً مِنَ القرَبِ، وَطاعَة ً مِنَ الطاعَاتِ، بشَرْطِ أَنْ لا يَكوْنَ ذلِك َ بشَدِّ رَحْل ٍ إليْه
أَمّا مَا يَحْتَجُّ بهِ بَعْضُ المبْطِليْنَ، مِمّا يُرْوَى في هَذَا البابِ مِنْ أَحَادِيْثَ، كحَدِيْثِ «مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي: فقدْ جَفانِي»، وَحَدِيْثِ «مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي فِي عَامٍ وَاحِدٍ: ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنة»: فليْسَ لهمْ حُجَّة ٌ في شَيْءٍ مِنْهُ، وَكلُّ مَا في هَذَا البابِ، مَوْضُوْعٌ لا يَصِحُّ، ولا يُحْتَجُّ بمِثلِه.
وَقدْ جَمَعَهَا الحافِظ ُ محمَّدُ بْنُ أَحْمَدِ بْن ِعَبْدِ الهادِي المقدِسِيُّ رحمه الله ُ في كِتَابهِ «الصّارِمِ المنْكِي، في الرَّدِّ عَلى السُّبْكِيّ» ، وَتكلمَ فِيْهِ عَلى كلِّ حَدِيْثٍ بمَا يَشْفِي وَيَكفِي، وَبَيَّنَ أَنهَا جَمِيْعًا بَاطِلة ٌ لا تَصِحّ.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رحمه الله ُ (27/ 216):
(وَقدْ يَحْتَجُّ بَعْضُ مَنْ لا يَعْرِفُ الحدِيْثَ، باِلأَحَادِيْثِ المرْوِيَّةِ في زِيَارَةِ قبْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كقوْلِهِ: «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي: فكأَنما زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رَوَاهُ الدَّارَقطنيّ (2/ 278).
وَأَمّا مَا ذكرَهُ بَعْضُ النّاس ِ مِنْ قوْلِهِ: «مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي: فقدْ جَفانِي» : فهَذَا لمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاء.
وَهُوَ مِثْلُ قوْلِهِ: «مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي فِي عَامٍ وَاحِدٍ: ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنة» .
فإنَّ هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ باِتفاق ِ العُلمَاءِ، وَلمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ، وَلمْ يَحْتَجَّ بهِ أَحَدٌ، وَإنمَا يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بحدِيثِ الدَّارَقطنيّ.
ثمَّ قالَ رحمه الله ُ (27/ 216 - 219):
(وَلكِنَّ هَذَا وَإنْ كانَ لمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاءِ فِي كتبِ الفِقهِ وَالحدِيْثِ، لا مُحْتَجًّا وَلا مُعْتَضِدًا بهِ، وَإنْ ذكرَهُ بَعْضُ المتأَخِّرِيْنَ: فقدْ رَوَاهُ أَبوْ أَحْمَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي «كِتَابِ الضُّعَفاءِ» (8/ 248) لِيبيِّنَ ضَعْفَ رِوَايتِه.
فذَكرَهُ بحدِيْثِ النُّعْمَان ِ بْن ِشِبْل ٍالبَاهِلِيِّ البَصْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي: فقدْ جَفانِي» قالَ ابْنُ عَدِيٍّ (8/ 249): «لمْ يَرْوِهِ عَنْ مَالِكٍ غيْرُ هَذَا!» .
يَعْنِي: وَقدْ عُلِمَ أَنهُ ليْسَ مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ، فعُلِمَ أَنَّ الآفة َ مِنْ جِهَتِه.
قالَ يُوْنسُ بْنُ هَارُوْنَ: «كانَ النُّعْمَانُ هَذَا مُتَّهَمًا» .
وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ: «يأْتِي مِنَ الثقاتِ باِلطامّات» .
وَقدْ ذكرَ أَبوْ الفرَجِ ابْنُ الجوْزِيُّ هَذَا الحدِيْثَ في «الموْضُوْعَاتِ» (2/ 217)، وَرَوَاهُ مِنْ طرِيْق ِ أَبي حَاتِمٍ ابْن ِ حِبّانَ:«حَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبيْدٍ حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن ِ النُّعْمَان ِ بْن ِ شِبْل ٍ حَدَّثنا جَدِّي عَنْ مَالِك» .
ثمَّ قالَ أَبو الفرَجِ (2/ 217): «قالَ أَبوْ حَاتِمٍ: النُّعْمَانُ يَأْتِي عَن ِ الثقاتِ باِلطامّات. وَقالَ الدَّارَقطنيُّ: الطعْنُ في هَذَا الحدِيْثِ مِنْ مُحَمَّدِ بْن ِ مُحَمَّدٍ، لا مِنْ نُعْمَان» اه.
وَأَمّا الحدِيْثُ الآخَرُ: «مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي في عَامٍ وَاحِدٍ: ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنَّة» : فهَذَا ليْسَ في شَيْءٍ مِن الكتبِ، لا بإسْنَادٍ مَوْضُوْعٍ، وَلا غيْرِ مَوْضُوْع.
وَقدْ قِيْلَ: إنَّ هَذَا لمْ يُسْمَعْ في الإسْلامِ، حَتَّى فتحَ المسْلِمُوْنَ بَيْتَ المقدِس ِ، فِي زَمَن ِ صَلاحِ الدِّين (ت589هـ).
فلِهَذَا لمْ يَذْكرْ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاءِ لا هَذَا وَلا هَذَا، لا عَلى سَبيْل ِ الاعْتِضَادِ، وَلا عَلى سَبيْل ِ الاعْتِمَاد.
بخِلافِ الحدِيْثِ الذِي قدْ تقدَّمَ: فإنهُ قدْ ذكرَهُ جَمَاعَة ٌ وَرَوَوْهُ، وَهُوَ مَعْرُوْفٌ مِنْ حَدِيْثِ حَفص ِ بْن ِ سُليْمَانَ الغاضِرِيِّ - صَاحِبِ عَاصِمٍ - عَنْ ليْثِ بْن ِ أَبي سُليْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ فزَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي: كانَ كمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» (1).
وَقدِ اتفقَ أَهْلُ العِلمِ باِلحدِيْثِ عَلى الطعْن ِ في حَدِيْثِ حَفص ٍ هَذَا دُوْنَ قِرَاءَتِه.
(1) - رَوَاهُ الطبَرَانِيُّ في «المعْجَمِ الكبير» (12/ 406) وَ «الأَوْسَطِ» (1/ 201) وَابْنُ عَدِيٍّ في «الكامِل» (3/ 272) وَالدّارَقطنيُّ في «سُننِه» (2/ 278) وَالبَيْهَقِيُّ في «شُعَبِ الإيْمَان» (3/ 489).
قالَ البَيْهَقِيُّ فِي «شُعَبِ الإيْمَان» (3/ 489): «رَوَى حَفصُ بْنُ أَبي دَاوُوْدَ - وَهُوَ ضَعِيْفٌ - عَنْ ليْثِ بْن ِ أَبي سُليْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ فزَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي: كانَ كمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» .
قالَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْن ٍ عَنْ حَفص ٍ هَذَا: «ليْسَ بثقةٍ، وَهُوَ أَصَحُّ قِرَاءَة ً مِنْ أَبي بَكرٍ ابْن ِ عَيّاش ٍ، وَأَبوْ بَكرٍ أَوْثقُ مِنْه» .
وَفي رِوَايةٍ عَنْهُ: «كانَ حَفصٌ أَقرَأَ مِنْ أَبي بَكرٍ، وَكانَ أَبوْ بَكرٍ صَدُوْقا، وَكانَ حَفصٌ كذّابا» .
وَقالَ البُخارِيُّ: «ترَكوْه» .
وَقالَ مُسْلِمُ بْنُ الحجّاجِ: «مترُوْك» .
وَقالَ عَلِيُّ بْنُ المدِيْنِيِّ: «ضَعِيْفُ الحدِيْثِ، ترَكتهُ عَلى عَمْد» .
وَقالَ النَّسَائِيُّ: «ليْسَ بثقةٍ، وَلا يُكتَبُ حَدِيْثه» وَقالَ مَرَّة ً: «مَتْرُوْك» .
وَقالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَغدَادِيُّ: «لا يُكتَبُ حَدِيْثهُ، وَأَحَادِيْثهُ كلهَا مَنَاكِيْر» .
وَقالَ أَبوْ زُرْعَة َ: «ضَعِيْفُ الحدِيْث» .
وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ الرّازِيُّ: «لا يُكتَبُ حَدِيْثهُ، وَهُوَ ضَعِيْفُ الحدِيْثِ لا يَصْدُقُ، مترُوْك ُ الحدِيْث» .
وَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَن ِ ابْنُ خِرَاش ٍ: «هُوَ كذّابٌ مترُوْك ٌ يَضَعُ الحدِيْث» .
وَقالَ الحاكِمُ أَبوْ أَحْمَدَ: «ذاهِبُ الحدِيْث» .
وَقالَ ابْنُ عَدِيٍّ (3/ 276): «عَامَّة ُ أَحَادِيْثِهِ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ، غيْرُ مَحْفوْظة» .
وَفي البَابِ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ البزّارُ وَالدّارَقطنيُّ (2/ 278) وَغيْرُهُمَا، مِنْ حَدِيْثِ مُوْسَى بْن ِ هِلال ٍ: حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ زَارَ قبْرِي: وَجَبَتْ لهُ شَفاعَتِي» (1).
قالَ البَيْهَقِيُّ (3/ 490) - وَقدْ رَوَى هَذَا الحدِيْثَ، ثمَّ قالَ-:«وَقدْ قِيْلَ: «عَنْ مُوْسَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ» وَسَوَاءٌ «عَبْدُ اللهِ» أَوْ «عُبَيْدُ اللهِ» فهُوَ مُنْكرٌ عَنْ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ، لمْ يَأْتِ بهِ غيْرُه» اه.
وَقالَ العُقيْلِيُّ (4/ 170) في مُوْسَى بْن ِ هِلال ٍ هَذَا: «لا يتابعُ عَلى حَدِيثِه» .
وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ الرّازِيُّ: «هُوَ مَجْهُوْل» .
وَقالَ أَبوْ زَكرِيّا النَّوَاوِيُّ في «شَرْحِ المهَذِّبِ» (8/ 252) لمّا ذكرَ قوْلَ أَبي إسْحَاقَ «وَتسْتَحَبُّ زِيَارَة ُ قبْرِ رَسُوْل ِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لِمَا رُوِيَ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا عَن ِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنهُ قالَ: «مَنْ زَارَ قبْرِي: وَجَبتْ لهُ شفاعَتِي» » قالَ النَّوَاوِيُّ: «أَمّا حَدِيْثُ ابْن ِ عُمَرَ: فرَوَاهُ أَبوْ بَكرٍ الرّازِيُّ وَالدّارَقطنيُّ وَالبَيْهَقِيُّ بإسْنَادَيْن ِ ضَعِيْفيْن ِ جِدًّا» اه) اه كلامُ شَيْخِ الإسْلامِ رحمه الله.
(1) - رَوَاهُ الدُّوْلابيُّ في «الكنَى وَالأَسْمَاءِ» (2/ 64) وَالبَيْهَقِيُّ في «شُعَبِ الإيْمَان» (3/ 490) وَالعُقيْلِيُّ في «الضُّعفاء» (4/ 170).
وَخُلاصَة ُ أَحَادِيْثِ البابِ: مَا قالهُ شَيْخُ الإسْلامِ في مَوْضِعٍ آخرَ-كمَا في «مَجْمُوْعِ فتَاوَاهُ» (1/ 356): (وَالأَحَادِيْثُ المرْوِية ُ في زِيارَةِ قبرِهِ صلى الله عليه وسلم: كلهَا ضَعِيْفة ٌ، بلْ كذِبٌ) اه.